المحاضرة السابعة في علوم القرأن الكريم: التلقي الشفهي ج2 التلقي والحفظ، والتلقين النبوي

تقليص

عن الكاتب

تقليص

د.أمير عبدالله مسلم اكتشف المزيد حول د.أمير عبدالله
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المحاضرة السابعة في علوم القرأن الكريم: التلقي الشفهي ج2 التلقي والحفظ، والتلقين النبوي

    نتعلم في هذا المبحث "التلقي والمشافهة" أن الأصل في القرآن أن يكونَ مقروءًا لا مكتوبًا، والقراءة يعني القراءة المحفوظة في الصدور، فنحن عندما نتعلم القرآن ننطلق من المقروء، وهذا واجب في تلقي القرآن الكريم وحِفْظِه ولا يجوزُ الاعتماد على غيرهِ من طُرُق الحِفْظِ كالكِتابة، إلا أن تكون معينا للحفظ. فالقرآنُ تلقاه النبي صلى الله عليه وسلّمَ مشافهةً من جبريل عليْهِ السلام، كما كان الأمر عند الصحابة الذين تلقوا القرآن مشافهة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولم يأخذوه من كتاب، لذا نقول: هم ينطلقون مما يسمعونه من الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ثم يكتبه بعضهم.



    الفصل الأول: حفظ القرآن الكريم يكون بالتلقي:


    أولا- المقصود بحفظ القرآن: أي حفظه واستظهارُه عن ظهر قلب، بحيث يقرؤه المستظهر دون تطلع في المصحف أو تلقین. فيقرؤه -کما أنزل. وحفظنا للقرآن هو أحد مظاهر ونتائج الوعد الإلهي بالحفظ فقال تعالى: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ "، والقرآن نزل على النبي مقروءا.. وقرأه النبي على أصحابه .. وقد عرفنا أن معاني القرآن لغةً قد دلت على وجوب تلقيهِ اقراءًا. فقرآن مصدر من الفعل قرأ، يُقال: قرأ قُرآناً، ودليلُهُ قولُ الله عزَّ وجلّ: (إنَّ علينا جَمعهُ وقُرآنه فإذا قرأناه فاتّبِع قرآنه). وقد سبق بيان ذلك فيُرجع اليه.


    ثانيًا- المقصود بالتلقي: ولكي نتبع هذا المقروء .. فيجب أن نتلقاه كما تلقاه النبي صلى الله عليه وسلم من جبريل عليه السلام، ودليل التلقي هو قول الله تعالى: " وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ"، وقال تعالى: "إنا سنُلقي عليك قولا ثقيلا" وقال: " وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ"، فما هو التلقي؟

    التلقي في اللغة:
    1- أخذ الشيء بجهد واجتهاد، ومنه قوله تعالى : " فتلقى آدم من ربه كلمات"، أي أخذها تلقيا بجد واجتهاد.
    2- الأخذ والرواية، كما في مثل قوله تعالى " إذ تلقّونهُ بألسنتكم" أي يأخذه بعضكم عن بعض، ويروي بعضكم عن بعض، ومنه الأخذ كما في قوله تعالى: " وإنك لنُلقى القرآن من لدن حكيم عليم" أي يُلقى عليك أنت فتأخذه.
    3- ومنه التعليم: كما في قوله تعالى : "فتلقى آدم من ربه كلمات" أي تعلمها ودعا بها، وقوله تعالى: " وما يُلقاها الا الذين صبروا" أي وما يُعلّمها ويُوفق لها الا الصابرون.
    4- الإستقبال والتلقف: ومنه تلقى فلان فلانا أي استقبله، ويتلقى الوحي أي يأخذه ويتلقفه، ونتلقي الحجيج اي نستقبلهم. ومنه الحديث: " نهى النبي عن التلقي وأ، يبيع حاضرٌ لباد" أخرجه البخاري، ومعناه ان يستقبل الحضري البدوي قبل وصوله الى البلد، ويخبره بكساد ما معه كذبا، ليشتري منه سلعته بالوكس، وأقل من ثمن المثل، وذلك تغرير محرم
    5- قبول العطاء والعطية : قال ابن عطية "تُلقّى" تُفعّل، مضاعف لقي يلقى، ومعناه تُعطى، كما قال سبحانه " وما يُلقاها الا الذين صبروا وما يُلقاها الا ذو حظ عظيم"

    تعريف التلقي القرآني اصطلاحا هو: أخذ القرآن الكريم بالاستماع إلى من يتلوه بصوت يُسمع بوضوح بغية استظهاره (اي حفظه عن ظهر قلب) بمثل ما تُلي. فالتلقي هنا استقبال السمع ، وقبول بالقلب مع حرص شديد على وعي المسموع. او يمكن تعريفه بأنه: تعلم القران الكريم سماعًا من مهرة القراء أو عرضًا عليهم.

    ملاحظة: ونقول التلقي القرآني إذا اردنا ان نفرق بينه وبين غيره من التلقي، لان التلقي القرآني يكون مشافهة بخلاف التلقي التوراتي مثلا، فكيف تلقى موسى التوراة عن الله؟ تلقاها ألواحًا مكتوبة.


    ثالثا- القرآن ليس إلهاما بل هو تعليمٌ وتعلمٌ مباشر، كما جاء في العقيدة الطحاوية " نزل به الروح الأمين، فعلمه سيد المرسلين" قال الشارح " تصريح بتعليم جبرائيل إياه إبطالا لتوهم القرامطة وغيرهم انه تصوره في نفسه إلهاما". وكيف تلقى النبي القرآن من جبريل؟ فقد تلقاه النبي صلى الله عليه وسلم بالسمع والقلب، أي يسمعه لفظا فيستمع الى صوتٍ متكلم بأحرف، ويُسكب في قلبه فيحفظه، ودليل السمع قال صلى الله عليه وسلم : " وَإِنَّ جبرئيل يَأْتِينِي فَيُكَلِّمُنِي كَمَا يُكَلِّمُ أَحَدُكُمْ صَاحِبَهُ"، وقال : "وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي مايقول"، ودليله كذلك قوله تعالى: "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا، وقوله تعالى: "لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ"، فإذا قرأه عليه الملك ورتله ترتيلا، فيسمعه منه النبي، فإنهُ يصل الى قلبه بعد سماعه أي يحفظه، ودليله كذلك قول الله تعالى: " ستقرئك فلا تنسى" فالإقراء يُنافي الالهام منافاة لغوية وشرعية، وادلة جمعه في صدره وحفظ القلب، قول الله: "نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ"، "قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ"، وقوله تعالى: " وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196)"، وقد اتفق العلماء على أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم تلقى القرآن بواسطة المـَلك، وأنه لم يكن يتلقاه إلهامًا ولا مناما ولا نفثًا في الروع.


    رابعًا- المنهج القرآني في التلقي (طُرُق التلقي):

    1- السماع والرواية:
    والسماع من الشيخ، وهو أن يسمع من شيخه القرآن دون أن يقرأ الطالب، وتسمى هذه الطريقة: (سماع)، أو (رواية). وهومثل سماع النبي لقراءة جبريل عليه السلام، فهذا سماع النبي صلى الله عليه وسلم من جبريل، فتكون القاعدة قراءة وتلاوة الشيخ على الطالب، فيكون سماع الطالب من الشيخ. وقد أمر الله نبيه بتبليغ القران لامته وذلك بتلاوته عليهم، وتعريف التلاوة على فلان: أي القراءة والإسماع بصوتٍ مرتفع لإسماع آخر أو آخرين، لاتباعه والعمل بما فيه، أي أن النبي أُمِرَ بقراءته القرآن عليهم، وإسماعهم القرآن بصوته، .كما أنزِل بمجرد نزوله عليه، فكانت هذه هي الوسيلة الاولى للتبليغ.

    ولذا كانت أول خطوات طلب علم القرآن الكريم هو تلقيهِ على شيخ ماهر بالقرآن مشافهةً، فإن لم يكن مشافهةً لم يُسِمّ تلقياً؛ على أن يكونَ صوتُ الشيْخِ المُقرىء مسْموعًا بوضوحٍ، لأن المشافهة أن تتلقى عن الشيخ، وليس فقط من صوته، بل أن تتلقى بنظرِك، وبعينيك وبلحظك أيضاً، فهناك من صفات الحروف ومن أحكام التجويد مثل: الروم والإشمام، والإختلاس والتسهيل ونحو هذه الأشياء من أحكام التجويد، التي لا يمكن النطق بها وضبط القراءة بها بمجرد قراءة تعريفها من الكتب، بل لابد فيها من السماع من الشيوخ المتقنين. بل حتى مجرد السماع فيها لا يكفي، لأنها مما يُدْرَكُ بالنظر إلى فم الشيخ، ولذلك منع العلماء أن يتلقى أعمى عن أعمى، فلابد من النطق بالحرف مع النظر إلى كيفية نطقه، ومعرفة كيف يخرج الحرف مرققاً، وكيف يخرج مفخماً، وهذه لا تدرك إلا بالنظر إلى الشيخ.


    والادلة على توجيه الله تعالى نبيه إلى أول وسائل تبليغ القرآن إسماعا لقومه بصوته كما أنزل، هي:

    وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا
    اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ

    إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ
    وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27)

    كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ
    قُلْ تَعَالَوْا
    أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ
    وَاتْلُعَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ
    وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ
    وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ
    وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ

    وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا
    وهذه دعوة ابراهيم: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)
    فاستجاب الله: كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151)
    لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)
    هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ
    يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)
    فَاتَّقُوا اللَّهَ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا
    يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ
    حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ
    يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ
    وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ
    تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ
    وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ
    وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16)
    إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)
    وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73)
    وَإِذَا
    تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72)
    قَدْ كَانَتْ آيَاتِي
    تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66)
    أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي
    تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105)
    وَإِذَا
    تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7)
    وَإِذَا
    تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (43) وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44)
    وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ
    تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8)
    وَإِذَا
    تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25)
    وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي
    تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (31)
    وَإِذَا
    تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)
    وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا
    تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16)
    وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا
    تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)


    وشطرا السماع هما الإنصات (السكوت) و الاستماع (إصغاء) أذن وفؤاد:
    - أما الإنصات فيُنصت النبي الى قراءة جبريل عليه السلام إنصاتا تاما حتى ينتهي من قراءته، أي لا يبدأ في الاخذ والقراءة حتى ينتهي جبريل من قراءته ودليله قوله تعالى: " فإذا قرأناه فاتبع قرآنه" أي فإذا كان جبريل يقرأ فاتبع أي فاستمع له وأنصت (والاستماع إصغاء والانصات سكوت)، قال تعالى: "وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ"، فإذا فرغ جبريل من القراءة فابدأ الأخذ. فتكون القاعدة انصات الطالب للشيخ.

    - وأما الاستماع (إصغاء) أذن وفؤاد: فيجب عدم التعجل بالأخذ، يقول تعالى: " لا تُحرك به لسانك لتعجل به"، وقوله تعالى: " وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا" وقد كان النبي يحرك لسانه اي يعجل بقراءته ليحفظه، وخشية ان يتفلت وينسى أوله اذا سمع آخره، فنهاه الله عن ذلك، وقد اتبع النبي أمر الله، فيقول ابن عباس فيما أخرجه البخاري في صحيحه: "فكان إذا أتاه جبريل اطرق، فإذا ذهب قرأه كما وعده الله"، وهذا فيه تعليم للأمة بضرورة الإصغاء الى الملقِّن بالقلب، حتى يتدبر ويفهم فيحفظ، ولا نقطع الفهم بحركة اللسان، فيتعسر التحصيل.



    وطريقة السماع هي أضعف طرق التلقي فيما بعد الصحابة، لان الغاية هي كيفية اداءك وليس مجرد سماعك المؤدي، وليس كل من سمع يستطيع الاداء، ولهذا لا يعتمد عليها القراء في الإجازة ولا في التعليم. قال الإمام السيوطي - رحمه الله -: «وأما السماع من لفظ الشيخ فيحتمل أن يقال به هنا، لأن الصحابة رضي الله عنهم إنما أخذوا القرآن من النبي ، لكن لم يأخذ به أحد من القراء، والمنع فيه ظاهر، لأن المقصود هنا كيفية الأداء، وليس كل من سمع من لفظ الشيخ يقدر على الأداء كهيئته بخلاف الحديث فإن المقصود فيه المعنى أو اللفظ لا بالهيئات المعتبرة في أداء القرآن، وأما الصحابة فكانت فصاحتهم وطباعهم السليمة تقتضي قدرتهم على الأداء کا سمعوه من النبي الأنه نزل بلغتهم». وقد يجوز أن يكون وقع الترخص في هذا النوع من أنواع التلقي لأجل الضرورة، و ازدحام الناس على المقرئين، فقد ذكر الحافظ السيوطي أن شمس الدين ابن الجزري لما قدم القاهرة وازدحمت عليه الخلق لم يتسع وقته لقراءة الجميع، فكان يقرأ عليهم الآية ثم يعيدونها عليه دفعة واحدة (الاتقان في علوم القرآن، 343).
    وللسماع فائدة أخرى في كتابة المصاحف، وهي التنقيط بسماع الشيخ، وقد كان من أئمة الإقراء من أخذ بهذا النوع من أنواع التلقي، ومنهم: الكسائي - رحمه الله - إمام الكوفيين في اللغة والنحو، وسابع القراء السبعة، وكان يقرأ القرآن على المنبر، والناس ينقطون مصاحفهم على قراءته . قال خلف بن هشام بن غالب - رحمه الله -: «كنت أحضر بين يدي الكسائي وهو يقرأ على الناس وينقطون مصاحفهم بقراءته عليهم» (الاتقان في علوم القرآن 343، 244). وقال ابن مجاهد- رحمه الله -: «كان الناس يأخذون عنه ألفاظه بقراءته عليهم»(السبعة في القراءات، 78).

    تنبيه: بخلاف التلقي القرآني، فإن السماع في تلقي الحديث هو أهم طرق الأخذ، بينما العرض في القرآن الكريم هو اهم طرق الأخذ، والتلقين هو طريق الأخذ والتلعيم الذي لا يُرتضى خلافه.

    2- العرض أو التلاوة:
    - والعرض هو ان يقرأ الحافظ على شيْخِهِ ما حفظه وسمعه منه، وصيغ العرض: (أقرأني، عرضتُ، قرأتُ، التلقي أو الاخذ والتلقي والأخذ عام في العرض والسماع والكتابة) او كما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم القرآن على جبريل عليه السلام. فيعيد النبي قراءة ما سمعه على جبريل، وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان، كان جبريل يلقاه كل ليلة في رمضان يعرض عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة» . متفق عليه. فهذه هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، في تعلم القرآن الكريم وتعليمه، فقد تلقاه عن جبريل عليه السلام عرضا وسماعا.

    - وأما المعارضة فهي المقابلة في القراءة عن ظهر قلب، وصفتها أن يقرأ احدهما ويستمع الآخر، فقد يعرض الشيخ على تلميذه بعد حفظ التلميذ واتقانه، وهذا ماخوذ كذلك عن النبي، فقد أخرج البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن جبريل يعارضني بالقرآن في كل سنة، وإنه عارضني العام مرتين" ومعنى هذا أن جبريل يعرض القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع، ثم النبي صلى الله عليه وسلم يعرض القرآن وجبريل يسمع، ودل على هذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه في فضائل القرآن من الصحيح أيضا:" كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه" ففي هذه الرواية عرض جبريل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم.

    - وهو ما فعله النبي مع اصحابه، قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِأُبَيٍّ: إنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ القُرْآنَ قالَ أُبَيٌّ: آللَّهُ سَمَّانِي لَكَ؟ قالَ: اللَّهُ سَمَّاكَ لي فَجَعَلَ أُبَيٌّ يَبْكِي" رواه البخاري ومسلم. ومما رواه أنس قال " أتى ابوطلحة أم سليم وهي ام انس فقال : " عندك يا ام سليم شيء؟ فإني مررت على رسول الله وهو يُقرىء أصحاب الصفة سورة النساء، وقد ربط على بطنه حجرا من الجوعوممن عرض على النبي أبي بن كعب وعبدالله بن مسعود ومعاذ بن جبل وعمر بن الخطاب وزيد بن ثابت وهشام بن حكيم وحباب بن الارت وعبدالله بن عمر.

    - ومن عرض الصحابة على بعضهم بعضا قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: " كان رسول الله يُشغل، فإذا قدم رجل مهاجر على رسول الله صلى الله عليه وسلم دفعه النبي الى رجل منا يعلمه القرآن، فدفع إلي رسول الله رجلا، فكان معي في البيت أعشيه عشاء أهل البيت، فكنت أقرءه القرآن"، وقال عبادة " علمت رجلا من أهل الصفة القرآن والكتابة". وهذا عبدالله بن عباس يقول: " كنت أقرىء رجالا من المهاجرين منهم: عبدالرحمن بن عوف" (رواه البخاري). وكتبت الخوس والخزرج الى رسول الله ابعث لنا مقرءا يقرؤنا القرآن، فبعث اليهم مصعب بن عمير العبدري، فكان يُقرؤهم القرآن. ومن الخزرج خرج معاذ، وبعث الرسولُ معاذا وابا موسى الى اليمن فأمرهما أن يعلما الناس القرآن (اخرجه احمد 23/ 315).

    ولا مانع من أن ينظُر القراء والحُفّاظ في المصحف للعرض علي شيوخهم، وقد يعرضون عليهم من صدورهم. فالقرآن أخذ من الصدور، وجاءت السطور تأكيداً له "بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم" (العنكبوت/49).

    وهكذا فالعرض هو قوام التلقي، و هو الوسيلة العظمى لانتقال القرآن الكريم من الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أمته، ثم من كل طبقة أو «قرن» من هذه الأمة المباركة إلى الطبقة أو القرن الذي يليه . وهكذا إلى ماشاء الله تعالى واستن بذلك أمته، بأن يقرأ الصحابي ما سمعه على الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ما يعيه ويحفظه، مطابقا لما سمعه. وأهمية العرض: افادة لتوقيفية القراءة ولتثبيت التلاوة بنفس الهيئة التي سمعها بها، للتحقق من صحته عبارات وكلمات بأعيان حروفها مع ضبط كل حرف بحركته، وتثبيتا للحفظ عليه في الصدور او السطور. والعرض هي الطريقة الغالبة على القراء، ولا تتهيأ إلا لمن أتم حفظ ما يعرضه على الشيخ. قال الإمام ابن الصلاح - رحمه الله -: «من أقسام الأخذ والتحمل: القراءة على الشيخ و أكثر المحدثين يسمونها عرضا من حيث إن القارئ يعرض على الشيخ ما يقرؤه كما يعرض القرآن على المقرئ» (التقييد والايضاح، 168). وقال الإمام السيوطي - رحمه الله -: «وأما القراءة على الشيخ فهي المستعملة سلفا وخلف" (الاتقان 1/ 343).


    3- التلقين والمدارسة: التلقين هو الجمع بين طريقتي السماع والعرض مع المدارسة، فيُلقن الصحابة الآيات بتلاوةِ النبيِّ عليْهِم سماعا وعرضا، ثم تعلم ما تلقوه، وهو قوله: «وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ»ـ وتعليم الكتاب وتلقينه يكون بعد التلاوة، قال تعالى: (رَسُولٌ مِنْ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفًا مُطَهَّرَةً)، وفي دعوة ابراهيم واسماعيل عن نبي الأمة «يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ» يبلغهم كلامك الذي توحيه إليه «وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ» يبين لهم معانيه وحقائقه ودلائل التوحيد والنبوة والأحكام. فذكر التلاوة "يَتْلُوا" قبل العلم "وَيُعَلِّمُهُمُ". ويقول تعالى: "لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ"

    وقد يُستخدم التلقين كمرادف بمعنى التلقي نفسه، لكن آثرت الفصل بينهما، لأن التلقين يدور حول التفهيم، والتعليم والمدارسة، والحذق والمهارة، (سماعا وعرضا)، بينما التلقي قد يكون سماعا فقط، وقد يكون عرضا فقط، وقد يكون كتابة فقط، وقد يكون تلقينا (سماعا وعرضا ومدارسة وكتابة)، قال ابن منظور في لسان العرب 13/ 390: " وتَلَقَّنه فَهِمه ولَقَّنَه إِياه فَهَّمه وتَلَقَّنته أَخذته لَقانِيَةً وقد لَقَّنَني فلانٌ كلاماً تَلْقِيناً أَي فهَّمَني منه ما لم أَفْهَم والتَّلْقِين كالتَّفْهِيم وغلامٌ لَقِنٌ سريعُ الفهم "، وقال الفارابي: تَلَقَّنَ الْكَلَامَ أَخَذَهُ وَتَمَكَّنَ مِنْهُ، وقال الأزهري وابن فارس: " لَقِنَ الشَّيْءَ وَتَلَقَّنَهُ فَهِمَهُ وَهَذَا يَصْدُقُ عَلَى الْأَخْذِ مُشَافَهَةً وَعَلَى الْأَخْذِ مِنْ الْمُصْحَف"، وهذا في اللغة وإلا فكما قال (وَتَلَقَّنَهُ) أَخَذَهُ مِنْ لَفْظِهِ وَفَهِمَهُ وَأَمَّا تَلَقَّنَ مِنْ الْمُصْحَفِ فَلَمْ نَسْمَعْهُ.

    فبين التلقين والتلقي عموم وخصوص، وقد قال البعض أن التلقين أوسع في معناه من التلقي؛ لأن التلقين في مقام القرآن يصدق على الأخذ مشافهة وعلى الأخذ من المصحف، بخلاف التلقي، وهذا مردود بحديث عمر: " من كان تلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من القرآن فليأتنا به)، وهذا التلقي يشمل السماع والمكتوب.

    وقد كان جبريل يتدارس مع رسول الله القرآن وفي الحديث عن جبريل: «فيدارسه القرآن»، والمدارسة مفاعلة بين الاثنين، ما هي بدراسة، (بل) مدارسة، يعني كل واحد يقرأ على الثاني، ويسأل الثاني عما يشكل عليه. وطريقة التلقين أن يقرأ الرسول على الصحابي ما أنزله الله، وأن يُقرئ الشيخُ المتعلمَ الآيةَ من كتاب الله ويحفظه إياها، على نحو ما يتعلم الصبيان في الكُتَّاب. ، وهو ما فعله النبي مع اصحابه، قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِأُبَيٍّ: إنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ القُرْآنَ قالَ أُبَيٌّ: آللَّهُ سَمَّانِي لَكَ؟ قالَ: اللَّهُ سَمَّاكَ لي فَجَعَلَ أُبَيٌّ يَبْكِي" رواه البخاري ومسلم، وكانوا يتعلمون كتاب الله خمس ايات بخمس ايات، حتى يتقنوه، فقد روى البيهقيُّ عن عمر رضي الله عنه قال: تعلموا القرآن خمس آيات خمس آيات؛ فإن جبريل كان ينزل بالقرآن على النبي صلى الله عليه وسلم خمسًا خمسًا"، وعن أبي رجاء، قال: " كان أبو موسى يعلمنا القرآن خمس آيات خمس آيات". وعن أبي بكر بن عيَّاش، رحمه الله قال: " لمَّا أتت لي إحدى وعشرون سنة أتيت عاصماً، فأخذت عنه القرآن خمساً خمساً، قال: وأخبرني أنه أخذه على زِر ثلاثاً ثلاثاً، قال: فأخبرني أنه أخذه على ابن مسعود آية آية، قال: فكنت إذا فرغت منها يقول لي: خذها إليك، فهي خير مما طلعت عليه الشمس، ولهي خير من الدنيا وما فيها." والإتباع: تتبع القرآن وتعمل به ويكون لك إمامًا. قال صلى الله عليه وسلم :"وما قَعَد قوم في مسجد يَتْلونَ كتابَ اللهِ، ويتدارسونَهُ بينهم إلَّا نزلت عليهم السكينةُ، وغَشِيتْهُمُ الرحمةُ، وحَفتْهُمُ الملائكةُ"، وقد كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يحفظون من القرآن ثم يتعلمون معنى ما حفظوه ثم يعملون به. وقد جاء في الحديث: " كان رسول الله يعلمنا التشهد كما يُعلمنا السورة من القرآن"

    4- الطريقة الرابعة: قراءة الحروف، والمراد بها: تلقي الحروف المختلف فيها عن القراء مجردة عن التلاوة، ويعبر عنها ب (رواية الحروف)، و(سماع الحروف)، لأنها تكون بلفظ الطالب على الشيخ والعكس، ورواية الحروف عن المقرئ دون القراءة عليه قليل جدا بين المقرئين، وقد يفعله بعضهم عند قراءة كتاب أو مصنف في الحروف لكنه يقتصر على الحفاظ المتقنين. وهذا مما جرى العمل به في بلاد المغرب الى وقت قريب ويسمونها في المغرب بالاختبار وهي قراءة المواضع التي تخالف فيها القراءة قراءة نافع، ويلجأون إليها بغية السرعة في الانتهاء من الأخذ عن الشيخ. وهناك نسخ في كل قراءة تسمى بنسخة الاختبار، تتضمن مواضع الخلاف فيها.

    وسينتوقف بالاستفاضة عند التلقين والمدارسة، بعد قليل.


    خامسًا- حكم التلقي والتلقين:
    التزامه منهجا وحيدًا في تعليم ألفاظ القرآن الكريم واجب فلا وزن لرسم (خط) المصحف ولا اللغة ولا تعلم فردي أحادي دون شيخ (أي دون سند) في تلقي اللفظ القرآني. وهذا السند نسميه الإجازة القرآنية: هي عمليةُ النَّقلِ الصوتيِّ للقرآن الكريمِ من جيلٍ إلى جيل، وفيها يَشهدُ المُجيزُ أنَّ تلاوةَ المُجازِ قد صارت صحيحةً مئةً بالمئةِ بالنسبةِ للروايةِ - أو الرواياتِ - التي أجازَهُ بها, ثم يَأذَنُ له أَنْ يَقرأَ ويُقرِئَ غَيرَه القرآنَ الكريمَ. ومن هنا نستوعب أهمية تأكيد العلماء على هذا باقامة الاجازة او السند المقبول قرائيا، وهو الضامن الوحيد لان القارىء اخذ القرآن تلقينا بالمشافهة، فتكون قراءة الشيخ عن شيخه الى رسول الله عن من ؟ .. قال تعالى: "فإذا قرأناه فاتبع قرآنه" وقرأناه هنا تعني انه اذا قرأه جبريل عنا أنا الله، "نا" ضمير الجلالة، فهذا ينفي كذلك اي خطأ قد يكون عن جبريل عليه السلام، فالقارىء هو الله وتسند قراءة الحفاظ الى الله، وجعل الله قراءة جبريل هي قراءة الله. مشروعية الإجازة: الأصلُ فيها: قولُ اللهِ تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ



    سادسا: وهل يشترط أداء هذه القواعد كلها في التلقي (سماعا وعرضا) ؟

    الظاهر عدم اشتراط السماع، والاكتفاء بالعرض أي قراءة الطالب على شيخه، إما ابتداء، وإما من حفظه مباشرة عن ظهر قلب، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعرض القرآن على جبريل عليه السلام في رمضان، وأما قراءة جبريل عليه السلام في أول نزول الآيات فسببه عدم معرفة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم بها ابتداء؛ ولذلك عامل العلماء قراءة العالِم معاملة عرض الطالب. وقد يترجح للشيخ أحدهما ( إما السماع من لفظ الشيخ، أو عرض الطالب على الشيخ) لعارض يراه الشيخ في تلميذه من نجابة أو بلادة ... وهو المعمول به عند المسلمين إلى اليوم.



    الفصل الثاني: التلقينِ النبوي للقرآن




    سادسًا: خصائِص التلقينِ النبوي للقرآن


    1- التبليغ والإقراء كما سمِعَه:
    فليس للرسول صلى الله عليه وسلم من أمر هذا القرآن إلاَّ تبليغه للناس كما سمعه ، دون أي تغيير ، وهذا ما أشار إليه الحديث بدقة بقوله: ( فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما قرأه جبريل ). وقرأ النبي القرآن الكريم على أصحابه ، فحفظه منهم من حفظ، وكتبه منهم من كتب ، قال أبو شامة ( ت 665هـ) : (( وحفظه في حياته جماعة من أصحابه، وكل قطعة منه كان يحفظها جماعة كثيرة ، أقلهم بالغون حد التواتر .)).


    2- اقراء النبي القرآنَ للصحابةِ بالتلقي من فمِه الشريف:
    فقد باشر النبي صلى الله عليه وسلم تعليم المسلمين القرآن بنفسه ، وأمره الله عز وجل بأن يقرأه على الناس على مكث ، أي : تؤدَة وتمهل ، كي يحفظوا لفظه ويفقهوا معناه . كما قال تعالى { وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} (الإسراء : 106 ). وأخرج البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال : "والله لقد أَخذتُ من فيّ -فم- رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة". (أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن ، باب القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . صحيح البخاري ج6 - ص102). وأخرج عنه أنه قال : « كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنْزِلتْ عليه والمرسلات ، وإنا لنتلقَّاها من فِيه (فمِه)» (أخرجه البخاري في كتاب التفسير تفسير سورة والمرسلات صحيح البخاري ج6 - ص77.).


    3- مباشرةُ تعليمِهِم القرآنَ بنفسِه:
    وأخرج الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا القرآن ، فإذا مَرّ بسجود القرآن سجد وسجدنا معه » . (الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده ج2 - ص157). وأخرج مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنا التشهد كما يُعَلِّمنا السورة من القرآن » وفي رواية ابن رُمْح « كما يُعَلِّمنا القرآن » (أخرجه مسلم في كتاب الصلاة ، باب التشهد في الصلاة . صحيح مسلم ج1 -ص302 ، 303 ، رقم 60 .). وأخرج البخاري عن جابر بن عبد الله قال : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنا الاستخارة في الأمور كما يُعَلِّمُنا السورة من القرآن » . (أخرجه البخاري في كتاب التهجد بالليل ، باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى . صحيح البخاري ج2 - ص51 .). وقال أُبي بن كعب: رحت إلى المسجد فسمعت رجلاً يقرأ فقلت:من أقرأك ؟ فقال:رسول الله "صلى الله عليه وآله"


    4- تعضيدُ التلقي بالتدوينِ الفوري:
    و كان صلى الله عليه و سلم إذا ما انتهى الوحي تلا الآيات التي نزلت و أمر كتبة الوحي بكتابتها بين يديه فيكتبوها، و كانوا يكتبون على الرقاع والعسب واللخاف والعظام. وكان يضع بنفسه أماكِن الآيات، عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزلت عليه سورة دعا بعض من يكتب فقال: "ضعوا هذه في الموضع الذي يذكر فيه كذا وكذا". بل لم يكُن يترُك رسول الله الكاتِب حتى يقرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلّم و يُعيد عليه ما كتب : فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلّم يأمر الكاتب أن يقرأ عليْهِ ما كتب حتى يقوِّم ما قد يكون من زلل فى حرف. ومن أدِلّة ذلك ما رُوي عن أن النبى صلى الله عليه وسلم لما أمر بكتابة قوله تعالى: (لا يستوى القاعدون من المؤمنين والمجاهدون فى سبيل الله). وكان ابن أم مكتوم الأعمى حاضرا يسمع فقال: يارسول الله فما تأمرنى؟ فإنى رجل ضرير البصر، فنزلت مكانها: {لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر}. وقد ورد عن زيد بن ثابت انه قال "كنت اكتب الوحى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يملى على فإذا فرغت قال اقرأه فأقرؤه فان كان فيه سقط أقامه".

    وكان من عنايتِهِ بكتابة القرآن أن أمر صحابته من غير الكتبة ان يكتبوا القرآن ويتعلموه فقال " لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن ومن كتب شيْئاً فليَمْحُه ". واشترَط تعليم أسْرى بدْر الكتابة مقابل ان يفدي الاسير نفْسَه. أما الصحابة رضوان الله عليهم فقد كان منهم من يكتبون القرآن ولكن فيما تيسر لهم من قرطاس أو كتف أو عظم أو نحو ذلك بالمقدار الذي يبلغ الواحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولم يلتزموا توالي السور وترتيبها وذلك لأن أحدهم كان إذا حفظ سورة أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كتبها ثم خرج في سرية مثلا فنزلت في وقت غيابه سورة فإنه كان إذا رجع يأخذ في حفظ ما ينزل بعد رجوعه وكتابته ثم يستدرك ما كان قد فاته في غيابه فيجمعه ويتتبعه على حسب ما يسهل له فيقع فيما يكتبه تقديم وتأخير بسبب ذلك. وقد كان من الصحابة من يعتمد على حفظه فلا يكتب. وسيأتي تفصيلُهُ في الباب الثاني الفصْل الأول.


    5- تعلُّمٌ وتدبُّرٌ وعملٌ بما فيها عشر آياتٍ بعشْرِ آيات:
    وأخرج الطبري عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : "حدثنا الذين كانوا يقرئوننا : أنهم يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم ، فكانوا إذا تعلّموا عشر آيات لم يُخلِّفوها حتى يعلموا بما فيها من العمل ، فتعلّمنا القرآن والعمل جميعا". (أخرجه الطبري في تفسيره ج1 - ص36 ، والإمام أحمد بنحوه في المسند ج5 -ص 410 .). والثمرة العظمى لقراءة القرآن أن يظهر أثرها على القارىء في أخلاقه واعماله، وجاء عن عاشئة رضي الله عنها " وكان خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن"


    6- المُناوبةُ في التحصيلِ حتى لا يفوتُ العلم والعمل بالآيات:
    وكان الصحابة رضوان الله عليهم إذا عجز أحدهم عن تفريغ وقت لتحصيل القرآن الكريم مباشرة من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم أناب عنه من يُحصِّلُ عنه، فأخرج البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : كنت أنا وجارٌ لي من الأنصار في بني أمية بن زيد - وهي من عوالي المدينة - وكنا نتناوبُ النزولَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل يوما وأنزل يوما ، فإذا نزلتُ جئتهُ بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره ، وإذا نزل فعلَ مثل ذلك. ( أخرجه البخاري في كتاب العلم ، باب التناوب في العلم ، صحيح البخاري ج1 - ص31).


    7- عرض الصحابةِ على النبيِّ صلى الله عليْهِ وسلّم:
    وكانوا يعرضون على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن ويقرؤونه عليه ، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : "اقرأ عليّ ، قلتُ : اقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال : فإني أحب أن اسمعه من غيري ، فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا } قال : أمسك ، فإذا عيناه تذرفان » ( أخرجه البخاري في كتاب التفسير ، تفسير سورة النساء باب ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) صحيح البخاري ج5 - ص180 .).


    8- الحثُّ على المُدارسةُ في المساجِد وحلقاتِ العلم (سنةُ الكتاتيب):
    عن عقبة بن عامر الجهني قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلمونحن في الصفة فقال : ( أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان والعقيق فيأخذ ناقتين كوماوين زهراوين بغير إثم بالله ولاقطع (قطيعة) رحم ؟ ) قالوا : كلنا يا رسول الله ، قال : (فلئن يغدو أحدكم كل يوم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله خيرا له من ناقتين وإن ثلاث فثلاث مثل أعدادهن من الإبل). رواه مسلم. حتى أصبح مسجد الرسول عامراً بتلاوة القرآن ، يضج بأصوات القراء ، فأمرهم رسول الله عليه وسلم أن يخفضوا أصواتهم لئلا يتغالطوا . وقال (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده). (صحيح مسلم)


    9- الحِرْصُ على تعليمِ من فاته الدرْس أو لم يكن حاضرًا لحظةَ نزولِ الوحي:
    وكان كل حافظ للقرآن ينشر ما حفظه ، ويعلمه للأولاد والصبيان والذين لم يشهدوا نزول الوحي ، بل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدفع كل مهاجر جديد إلى أحد الحفاظ ليعلمه حفظ القرآن الكريم ، فشاع حفظه بين الرجال والنساء.


    10- توجيه بعْضِ الحُفّاظِ إلى البلدان ليُعلموا الناس تلاوة القرآن(شفاهًا): وكان " صلى الله عليه وآله وسلم، يباشر بنفسه تعليم المسلمين القرآن بالإضافة إلى تعليم بعضهم بعضاً ، وقد أرسل الصحابة إلى الأمصار ممن أسلموا حديثًا ليعلموهم القرآن.

    11- الحرص على تكرار القرآن المحفوظ ومراجعته مع قراءته في الليل: فهو أشد وطئا أي اثبت في الخير، وأقوم قيلا أي أبلغ في الحفظ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: " إذا قام صاحب القران فقرأه بالليل والنهار ذكره، وإن لم يقم به نسيه"، بل كان يؤكد على مراجعته ببيان وسائل التدارك عند الفوات فعن عبدالرحمن بن عبدالقاري: قال سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من نام عن حزبه، او عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كُتِب له كأنما قرأه من الليل" وقد شمل قوله " حزبه" الصلاة والذكر.

    12- التعاهد اليومي والشهري والسنوي: ومرادفات التعاهد ( المعارضة والمدارسة والمذاكرة)، ومعنى التعاهد كما عرفه القاضي عياض: الامر على مواظبة تلاوته والمداومة على تكرار درسه (شرح صحيح مسلم 6/ 77).في صلواتهم وقيامهم، وصيامهم ورمضانهم، وقعودا وعلى جنوبهم. يقول تعالى: " وأمرت أن اكون من المسلمين وأن اتلوا القرآن"، ولما جاء وفد ثقيف الى المدينة أنزلهم رسول الله في قبة بين المسجد وبين اهله، فكان يأتيهم ويُحدثهم بعد العشاء، وفي ليلة من الليالي تأخر عليهم ثم أتاهم فقالوا له: يا رسول الله لبثت عنا الليلة أكثر مما كنت تلبث، فقال: نعم، طرأ علي حزبي من القرآن فكرهت أن اخرج من المسجد حتى اقضيه" (رواه ابوداود وابن ماجة واحمد والطبراني)، وكان يقرأ القرآن قائما وقاعدا ومضطجعا ومتوضئا ومحدثا ولم يكن يمنعه من قراءته الا الجنابة وكان يتغنى به ويرجع صوته به أحيانا، وكان يقوم الليل حتى تتورم قدماه، وذلك لطول القراءة فيها، وقد بوب له الامام مسلم بابا أسماه" باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل"وكما جاء في حديث حذيفة انه صلى مع النبي ذات ليلة فاستفتح بالبقرة فقلت يركع عنمد المائة فمضة فقلت يصلي بها في ركعة فمضى ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها" وفي حديث عائشة: " كنت أقوم مع رسول الله فكان يقرأ بالبقرة وآل عمران والنساء"، ومن مظاهر التعاهد السنوي معارضته القرآن مع جبريل عليه السلام. وادلة ختم القرآن عند الصحابة والسلف اكثر من ان تكتب فلتراجع.

    13- تبيان فضل من تعلّم وعلّم القرآن وتلاه وحفِظَه (تعاهد القرآن):

    ( أ ) جعل الله تعالى لعباده الذين يتعلَّمون كتابهُ فضلًا كبيرًا وثوابًا عظيمًا، وجعل لمن يعلِّم الناس كتابه أيضًا أجرًا أعظم وأكبر، فهم:
    • خيْرُ الناس قد جاء في الحديث الذي رواه عثمان بن عفان -رضي الله عنه- إنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه".
    • وسمّاهُم أهل اللهِ وخاصّتُه، فعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله (إن لله تعالى أهلين من الناس . قالوا : يا رسول الله من هم ؟ قال : هم أهل القران أهل الله وخاصته). (صحيح الجامع2165).
    • وجعل القرآن شفيعًا لقُرّاءِه يوم القيامة، ففي حديث أبي إمام الباهلي: "اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه" (أخرجه مسلم).
    • وجعل منزلة القارىء في الجنة بمقدار ما قرأ فعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقال لصاحب القران اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها). (صحيح الجامع 8122 ).
    • وضاعف الله ثواب قراءة الحرف الواحد من القرآن أضعافاً كثيرة، فقال رسول الله (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها لا أقول (الم) حرف ولكن: ألف حرف ولام حرف، وميم حرف) (صحيح الجامع 6469).
    • صاحب القرآن يلبس حلة الكرامة وتاج الكرامة، فعن النبي قال : ( يجيء صاحب القرآن يوم القيامة ، فيقول : يا رب حله ، فيلبس تاج الكرامة . ثم يقول : يا رب زده فيلبس حلة الكرامة ، ثم يقول : يا رب ارض عنه ، فيقال اقرأ وارق ويزاد بكل آية حسنة ) .(حسن) (صحيح الجامع8030).
    • القرآن يرفع صاحبه: قال عمر : أما إن نبيكم قد قال : ( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين ) . (صحيح مسلم) (يرفع بهذا الكتاب): أي بقراءته والعمل به (ويضع به) : أي بالإعراض عنه وترك العمل بمقتضاه.
    • فضل الماهر بالقرآن مع السفرةِ الكرام، والذي يتتعتعُ فيه له أجران: فعن النبي قال : (مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام ، ومثل الذي يقرأ وهو يتعاهده ، وهو عليه شديد فله أجران) . (البخاري ومسلم).
    • سماعُ اللهِ لمن يقرأ القرآن: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ ، يَجْهَرُ بِهِ) رواه البخاري (6989) ومسلم (1319). والأَذَن : الاستماع . والمعنى : ما استمع الله لشيء كسماعه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به ، وهو سبحانه وتعالى يسمع أصوات العباد كلهم برهم وفاجرهم ، ولكن استماعه لقراءة عباده المؤمنين أعظم ؛ كما قال تعالى : ( وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ) الآية ، ثم استماعه لقراءة أنبيائه أبلغ ؛ كما دل عليه هذا الحديث.
    • يُباهي الله بالمجتمعين في حلقةِ القرآن الملائِكة: الله تعالى يباهى بالمجتمعين على القرآن الملائكة أن الرسول خرج على حلقة من أصحابه فقال : ( ما يجلسكم ؟ ) فقالوا : جلسنا نذكر الله تعالى ونحمده على ما هدانا الإسلام ، ومن علينا به . فقال : (أتاني جبريل عليه السلام فأخبرني أن الله تعالى يباهي بكم الملائكة). (صحيح مسلم) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عليّ إنها ستكون فتنة، فقلت: وما المخرج منها يا رسول الله؟... قال: كتاب الله عز وجل، فيه نبأ ما قبلكم وفصل ما بينكم وخبر ما بعدكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم وهو الذي لا تلتبس به الألسن ولا تزيغ به الأهواء ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا يشبع منه العلماء ولا تنقضي عجائبه ، وهو الذي لم يتناه الجن إذ سمعته أن قالوا: { إنا سمعنا قرآنا عجبا } من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن اعتصم به فقد هدي إلى صراط مستقيم.
    • حافِظُ القرآن وقارِئه يؤتى يوم القيامةِ و يوضع على رأسه تاج الوقار، ويكسى والداه حلتين: كما جاء في الحديثِ " إن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب يقول: هل تعرفني؟ فيقول له: ما أعرفك، فيقول: أنا صاحبك القرآن، الذي أظمأتك في الهواجر، وأسهرت ليلك، وإن كل تاجر من وراء تجارته، وإنك اليوم من وراء كل [تجارة]، قال: فيعطى الملك بيمينه، والخلد بشماله، ويوضع على رأسه تاج الوقار، ويكسى والداه حلتين، لا يقوم لهما أهل الدنيا، فيقولان: بم كسينا هذا؟ فيقال: يأخذ ولدكما القرآن، ثم يقال: اقرأ واصعد في [درج] الجنة وغرفها، فهو في صعود ما دام (يقرأ) هذا كان أو ترتيلا أن النبي «صلى الله عليه وسلم» قال «إن الله تعالى يرفع بهذا الكلام أقواما ويضع به آخرين" رواه مسلم. وعن رسول الله قال (من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس الله والديه تاجا يوم القيامة ضوؤه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا فما ظنكم بالذي عمل بهذا) رواه أبو داود.
    • المُنشغل بالقرآن عن سؤالِ الله يُعطى أفضلَ ما أعطي السائلين: ودليلُهُ قول الله سبحانه وتعالى: ( من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين وفضل كلام الله سبحانه وتعالى عن سائر الكلام كفضل الله تعالى على خلقه) رواه الترمذي.

    ( ب ) جعل النبي بمِقْدارِ الحِفْظ من القرآن مهرا للزواج لمن ليْس له مال: حتى إن المرأة المسلمة كانت ترضى سورة من القرآن أو أكثر مهرا لها ، ومما ورد في ذلك ما أخرجه البخاري عن سهل بن سعد قال : « أتت النبيَّ صلى الله عليه وسلم امرأةٌ فقالت : إنها قد وهبت نفسها لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما لي في النساء من حاجة ، فقال رجل: زوجنيها، قال: أعطها ثوبا ، قال لا أجد ، قال: أعطها ولو خاتما من حديد، فاعتلَّ له، فقال : ما معك من القرآن ؟ قال : كذا وكذا ، قال فقد زوجتكها بما معك من القرآن » (أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن ، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه . صحيح البخاري ج6 - ص108 ).

    ( ج ) صاحِبُ القرآن مُقدّمٌ في اللحْد: كما جاء في حديث جابر رضي الله عنه كان رسول الله يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول : أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟ فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد. (صحيح البخاري).

    ( د ) جُعِل اكرامهم في الدنيا مرتبِطًا بإجلال الله: قال رسول الله ( إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط ) . (حسن) (صحيح الجامع 2199)

    ( هـ ) وصية النبي بالقرآن: قال طلحة بن مصرف : سألت عبد الله بن أبي أوفى : هل كان النبي أوصى ؟ فقال : لا . فقلت : كيف كتب على الناس الوصية أو أمروا بالوصية ؟ قال : ( أوصى بكتاب الله) . (صحيح البخاري).

    ( و ) حفظ القرآن خير من متاع الدنيا: فعن عقبة بن عامر الجهني قال : خرج علينا رسول الله ونحن في الصفة فقال : ( أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان والعقيق فيأخذ ناقتين كوماوين زهراوين بغير إثم بالله ولاقطع (قطيعة) رحم ؟ ) قالوا : كلنا يا رسول الله ، قال : (فلئن يغدو أحدكم كل يوم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله خيرا له من ناقتين وإن ثلاث فثلاث مثل أعدادهن من الإبل). رواه مسلم
    ​​​
    ( ز ) ذمّ من لم يحفظ القرآن في صدْرِه: إن الرجل الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب.
    "يا أيُّها الَّذٍينَ آمَنُوا كُونُوا قوَّاميِنَ للهِ شُهَدَاء بِالقِسْطِ ولا يَجْرِمنَّكُم شَنئانُ قوْمٍ على ألّا تَعْدِلوا اعدِلُوا هُوَ أقربُ لِلتّقْوى
    رحم الله من قرأ قولي وبحث في أدلتي ثم أهداني عيوبي وأخطائي
    *******************
    موقع نداء الرجاء لدعوة النصارى لدين الله .... .... مناظرة "حول موضوع نسخ التلاوة في القرآن" .... أبلغ عن مخالفة أو أسلوب غير دعوي .... حوار حوْل "مصحف ابن مسْعود , وقرآنية المعوذتين " ..... حديث شديد اللهجة .... حِوار حوْل " هل قالتِ اليهود عُزيْرٌ بنُ الله" .... عِلْم الرّجال عِند امة محمد ... تحدّي مفتوح للمسيحية ..... حوار حوْل " القبلة : وادي البكاء وبكة " .... ضيْفتنا المسيحية ...الحجاب والنقاب ..حكم إلهي أخفاه عنكم القساوسة .... يعقوب (الرسول) أخو الرب يُكذب و يُفحِم بولس الأنطاكي ... الأرثوذكسية المسيحية ماهي إلا هرْطقة أبيونية ... مكة مذكورة بالإسْم في سفر التكوين- ترجمة سعيد الفيومي ... حوار حول تاريخية مكة (بكة)
    ********************
    "وأما المشبهة : فقد كفرهم مخالفوهم من أصحابنا ومن المعتزلة
    وكان الأستاذ أبو إسحاق يقول : أكفر من يكفرني وكل مخالف يكفرنا فنحن نكفره وإلا فلا.
    والذي نختاره أن لا نكفر أحدا من أهل القبلة "
    (ابن تيْمِيَة : درء تعارض العقل والنقل 1/ 95 )

  • #2
    جزاكم الله خيرا
    كانت محاضرة راااااااااااااااائعة

    تعليق


    • #3
      المشاركة الأصلية بواسطة نثنائيل القاني مشاهدة المشاركة
      جزاكم الله خيرا
      كانت محاضرة راااااااااااااااائعة
      وجزاكم الله خير يا مولانا .. روعتها بحضوركم، نسأل الله ان ينفعنا بما علمنا وينفعنا بكم وبعلمكم.
      "يا أيُّها الَّذٍينَ آمَنُوا كُونُوا قوَّاميِنَ للهِ شُهَدَاء بِالقِسْطِ ولا يَجْرِمنَّكُم شَنئانُ قوْمٍ على ألّا تَعْدِلوا اعدِلُوا هُوَ أقربُ لِلتّقْوى
      رحم الله من قرأ قولي وبحث في أدلتي ثم أهداني عيوبي وأخطائي
      *******************
      موقع نداء الرجاء لدعوة النصارى لدين الله .... .... مناظرة "حول موضوع نسخ التلاوة في القرآن" .... أبلغ عن مخالفة أو أسلوب غير دعوي .... حوار حوْل "مصحف ابن مسْعود , وقرآنية المعوذتين " ..... حديث شديد اللهجة .... حِوار حوْل " هل قالتِ اليهود عُزيْرٌ بنُ الله" .... عِلْم الرّجال عِند امة محمد ... تحدّي مفتوح للمسيحية ..... حوار حوْل " القبلة : وادي البكاء وبكة " .... ضيْفتنا المسيحية ...الحجاب والنقاب ..حكم إلهي أخفاه عنكم القساوسة .... يعقوب (الرسول) أخو الرب يُكذب و يُفحِم بولس الأنطاكي ... الأرثوذكسية المسيحية ماهي إلا هرْطقة أبيونية ... مكة مذكورة بالإسْم في سفر التكوين- ترجمة سعيد الفيومي ... حوار حول تاريخية مكة (بكة)
      ********************
      "وأما المشبهة : فقد كفرهم مخالفوهم من أصحابنا ومن المعتزلة
      وكان الأستاذ أبو إسحاق يقول : أكفر من يكفرني وكل مخالف يكفرنا فنحن نكفره وإلا فلا.
      والذي نختاره أن لا نكفر أحدا من أهل القبلة "
      (ابن تيْمِيَة : درء تعارض العقل والنقل 1/ 95 )

      تعليق

      مواضيع ذات صلة

      تقليص

      المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
      ابتدأ بواسطة زينب محمد ١٤٠, 11 ماي, 2021, 06:41 ص
      ردود 0
      68 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة زينب محمد ١٤٠  
      ابتدأ بواسطة فؤاد النمر, 5 أبر, 2021, 03:11 ص
      ردود 0
      256 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة فؤاد النمر
      بواسطة فؤاد النمر
       
      ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 23 مار, 2021, 09:05 ص
      ردود 6
      535 مشاهدات
      1 معجب
      آخر مشاركة Nour Al-Hoda
      بواسطة Nour Al-Hoda
       
      ابتدأ بواسطة فؤاد النمر, 19 مار, 2021, 06:43 م
      ردود 0
      275 مشاهدات
      1 معجب
      آخر مشاركة فؤاد النمر
      بواسطة فؤاد النمر
       
      ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 14 مار, 2021, 08:51 م
      ردود 0
      424 مشاهدات
      1 معجب
      آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
      يعمل...
      X