المحاضرة الثامنة في علوم القرأن الكريم: التلقي الشفهي ج3 نتائج التلقين النبوي

تقليص

عن الكاتب

تقليص

د.أمير عبدالله مسلم اكتشف المزيد حول د.أمير عبدالله
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المحاضرة الثامنة في علوم القرأن الكريم: التلقي الشفهي ج3 نتائج التلقين النبوي


    ثامنًا: نتاجُ المنهجِ النبوي في تلقي القرآن وتعليمه واقراءِه والمستفاد منه:



    1-التأكيد على أميته، وعدم معرفته القراءة والكتابة، يقول تعالى: "وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان"
    2- كمال الاداء وحِرزا من التصحيف والغلط: يقول ابن كثير في فضائل القرآن: "فأما تلقين القرآن من فم الملقن أحسن، لأن الكتابة لا تدل على كمال الأداء، كما ان المشاهد من كثير ممن يحفظ من الكتابة فقط يكثر تصحيفه وغلطه". فالتحريف والتصحيف واقع لا محالة في أي فنٍ وعِلْم اعتُمِد فيه على المكتوب دون النقل ولِذا فلم يسْلَم من التصحيفِ إلا نقل القراء للقرآن لأنهم اعتمدوا النقل الشفاهي، وفي ذلِك يقول الصفدي من علماء القرن السابع الهجري :"وقد عمّت المُصيبة ورشقَتْ سِهامُها المُصيبة، ولبِس الناسُ أرديتَها المَعيبة، وفَشا ذلك في المحدّثين وفي الفقهاء، وفي النحاة، وفي أهل اللغة، وفي رُواةِ الأخبار، وفي نقَلَة الأشعار، ولم يسْلَمْ من ذلك غيرُ القُرّاء؛ لأنهم يأخذونَ القُرآنَ من أفواه الرّجال". ( تصحيح التصحيف وتحرير التحريف للصفدي).

    واذ علِمت هذا، فنستفيض في الفصْل القادِم عن التصحيف وتجريمِ علماء الأمة لأخذِ القرآنِ من المصاحِف. يقول الإمام المُقرىء أبي عمرو الداني منذ ألفِ عامٍ، وهو يتحدّثُ عن زمانه، بما لا يختلِف عن زماننا بعد عشرةِ قرونٍ ، وكلامُهُ هذا قد ذكره في شرح قصيدة أبي مزاحم الخاقاني فيما يتعلق بذلك، قال أبو عمرو: (( عرض القرآن على أهل القراءة المشهورين بالإمامة المختصين بالدراية سنة من السنن التي لا يسع أحداً تركها رغبة عنه، ولا بد لمن أراد الإقراء والتصدر منها، والأصل في ذلك ما أجمع العلماء على قبوله وصحة وروده وهو عرض النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في كل عام على جبريل عليه السلام وعرضه على أبي بن كعب بأمر الله عز وجل له بذلك وعرض أبي عليه وعرض غير واحدٍ من الصحابة على أبي وعرض الصحابة بعضهم على بعض ثم عرض التابعين ومن تقدم من أئمة المسلمين جيلاً فجيلاً وطبقةً بعد طبقة إلى عصرنا هذا، فكل مقرئ أهمل العرض واجتزئ بمعرفته -أي اكتفي -أو بما تعلم في المكتب من معلمه الذي اعتماده على المصحف أو على الصحائف دون العرض أو تمسك فيما يأخذ به ويعلمه بما يظهر له من جهة إعراب أو معنى أو لغة دون المروي عن أئمة القراءة بالأمصار المجتمع على إمامتهم فمبتدع مذموم مخالف لما عليه الجماعة من علماء المسلمين تارك لما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم قراء القرآن من تلاوته بما علمه وأقرئ به، وذلك لا يوجد إلا عندما يكون متواتراً ويرويه متصلاً فلا يقلد القراءة من تلك الصفة ولا يحتج بأخذه ...) اهـ.

    3- أن يكون التلقي سُنة متبعة في أمته: بل إن التلقي والمشافهة في تعلم وتعليم القرآن هو ما قامت عليه دولة الإسلام الأولى في عهد النبي :
    • فقد روى البخاري في صحيحه عن البراء بن عازب أنه قال: أول من قدم علينا من أصحاب النبي مصعب بن عمیر، و ابن أم مكتوم فجعلا يقرئاننا القرآن»،
    • وحين فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة خلَّف على أهلها عتَّاب بن أَسِيد؛ ليعلم الناس القرآن.
    • وقد اقتدی بسنته من بعده الخلفاء الراشدون؛ لاسيما عثمان بن عفان ، فإنه حين بعث المصاحف إلى الآفاق أرسل مع كل مصحف قارئا ليعلم الناس القراءة الصحيحة. وهذا يؤكد على أن الأمر في القراءة يقوم على التلقي ولا مجال للاجتهاد، فلو كانت القراءة تصح من المصحف مباشرة بلا تلقي، لما أرسل عثمان بن عفان حينما بعث المصاحف إلى الآفاق قارئًا مع كل مصحف، ليعلمهم القراءة ويلقنهم إياها.
    • وانظر كيف فهم الصحابة هذا، فهذا ابن مسعود رضي الله عنه يُدرك أهمية التلقي والمشافهة فكان إذا سُئِل عن سورة لم يأخذها من في رسول الله صرح لهم بذلك، وأخبرهم بمن تلقاها مشافهة عن النبي ، فعن معد يكرب قال: " أتينا عبد الله فسألناه أن يقرأ علينا "طسم"، المئتين، فقال: ما هي معي، ولكن عليكم مَنْ أخذها من رسول الله : خباب بن الأرت، قال: فأتينا خباب بن الأرت فقرأها علينا». وكان يقول: "والله لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعاً وسبعين سورة"، ويبين عمن أخذ باقيه فيقول في رواية أخرى: -"وأخذت بقية القرآن عن أصحابه".
    • قال أيضا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كما في "البخاري" (4415): "(هَيْتَ لك) وإنما نقرؤها كما علمناها".
    • وعن شقيق، عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قرأ {هيت لك} فقال شقيق: إنا نقرؤها (هئت لك) يعني فقال ابن مسعود: (أقرأها كما عُلِّمْت أحب إلي). أخرجه أبو داود (4/38)
    • وقال محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة لمالك بن أنس: لم قرأتم في ص (وليِ نعجة وحدة) موقوفة الياء، وقرأتم في (قل يأيها الكافرون...ولي دين) (وليَ) منتصبة الياء؟ - قراءة وليَ هي قراءتنا برواية حفص عن عاصم، بينما قراءة الباقين وليِ- فقال مالك: يا أهل الكوفة لم يبق لكم من العلم إلا كيف ولم، القراءة سنة تؤخذ من أفواه الرجال، فكن متبعاً ولا تكن مبتدعاً. انظر: "جامع البيان" للداني (1/84).
    • وقال الإمام أبو بكر بن مجاهد البغدادي: «والقراءة التي عليها الناس بالمدينة، ومكة، والكوفة، والبصرة، والشام، هي القراءة التي تلقوها عن أوليهم تلقية، وقام بها في كل مصر من هذه الأمصار رجل ممن أخذ عن التابعين، أجمعت الخاصة والعامة على قراءته، وسلكوا فيها طريقه، وتمسكوا بمذهبه، على ما روي عن عمر بن الخطاب ها وزيد بن ثابت، وعروة بن الزبير، ومحمد بن المنكدر، وعمر بن عبدالعزيز، وعامر الشعبی»
    • وقال أبو عمرو البصري أحد القُرَّاء السبعة، وشيخُ القراءة والعربية، أوحد أهل زمانه: "ما قرأت حرفاً من القرآن إلا بسماع واجتماع من الفقهاء، وما قلت برأيي إلا حرفاً واحداً، فوجدت الناس قد سبقوني إليه (وأملي لهم)". أخرجه الداني في "جامع البيان" (1/105). وذكره الهذلي في "الكامل" ص (65) بلفظ (والله ما قرأت حرفاً إلا بأثر إلا قوله: (إِنْ هَذَانِ) فوجدت الناس قد سبقوني إليه). وقال أبو عمرو أيضاً: "لولا أنه ليس لي أن أقرأ إلا بما قد قرىء به لقرأت حرف كذا كذا وحرف كذا كذا". أخرجه ابن مجاهد في "السبعة" ص (48), والداني في "جامع البيان" (1/106)
    • وقال أبو زيد اللغوي: «قلت لأبي عمرو : أكلا أخذته وقرأت به سمعته؟ قال: لولم أسمعه لم أقرأ به، لأن القراءة سنة»
    • وقال الصاوي في حاشيته على الجلالين 3/ 80: " تلقي النبي عن جبريل هو سنة متبعة لأمته، فهم مأمورون بالتلقي من أفواه المشايخ، ولا يفلح من أخذ العلم او القرآن من السطور
    • واشتهر عن بعض السلف قولهم: (القراءة سنة متبعة). وقد تواتر هذا المعنى عن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وعروة بن الزبير، وعمر بن عبد العزيز، ومحمد بن المنكدر، وعامر الشعبي وغيرهم رضي الله عنهم جميعاً.
    فعن علي بن أبي طالب أنه قال: (إن رسول الله صلّى الله عليْهِ وسلّم يأمركم أن يقرأ كل رجل كما عُلِّم).
    وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (إني سمعت القراء فوجدتهم متقاربين فاقرءوا كما عُلِّمتم، وإياكم والاختلاف والتنطع).
    وقال زيد بن ثابت: (القراءة سُنة).
    وقال أيضاً: (القراءة سنة فاقرءوا كما تجدوه).
    وقال عروة بن الزبير: (إن قراءة القرآن سنة من السنن، فاقرؤوه كما اقرئتموه).
    وقال عمر بن عبد العزيز: (قراءة القرآن سنة يأخذها الآخر عن الأول).
    وقال محمد بن المنكدر: (قراءة القرآن سنة يأخذها الآخر عن الأول).
    وقال عامر الشعبي: (القراءة سنة، فاقرؤوا كما قرأ أولوكم).



    4- حفظ النص القراني وضبط الألفاظ مقدم على طلب بيانه: عدم التسرع في طلب بيان ألفاظه قبل الحفظ، قال تعالى: " لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19) " فقوله ثم إنم علينا بيانه، يفيد التراخي الزمني او التراخي الرتبي.

    5- كثرة الحُفاظ وتواترهم في زمان النبي صلى الله عليْهِ وسلّم: كان من نتيجة ما سبَقَ، أن كثُر الحفاظ في عهد النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخير دليل على كثرة الحفاظ في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قتل منهم في بئر معونة المعروفة بـ "سرية القراء" سبعون رجلا ، كما قتل منهم يوم اليمامة في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه سبعون قارئا .

    6- ثبوت اليقينية لأداء القرآن بالتواتر العملي منذ زمان النبي: فكيفية أداء القرآن الكريم، تعبد وتوقيف، أمِر به النبي وأمرت به أمته، وتناقلته الأمة بهذا الشكل كما هو، وهذه مسألة في غاية الأهمية للمناظرين مع المخالفين، من ناحية دراسة وسائل المعرفة المكسبة لليقين الضروري او النظري في المنهج الإسلامي، وهو التواتر العملي بأن يتناقل المسلمون العمل في العبادة جيلا جيلًا دون نكير ، فيأخذ حكم المتواتر، فتنظر الى حديث رسول الله ولو كان مستنده آحادا، وتنظر الى الحال اليوم فتجده هو هو لا يتغير، فهذا تواتر يقيني ضروري، ولو كان مستنده آحاد كأركان الصلاة ومقادير الزكاة، وألفاظ الأذان، ورمي الجمار في مناسك الحج، وكثير من مثل ذلك. ووجود جزئیات في هذا النوع مختلف فيها أمر لا يخرم هذه القاعدة.

    7- لأنهُ سماع وتلقين فلا يحكُمُه الكِتابة والرسْم: هذا اذا كان متواترا ، فدل على عدم الحاجة الى المكتوبِ او المصاحِف إلا للتعليم والمُدارسة في المساجِد والكتاتيب او التدوينِ الفوري لحظةَ الوحي (كما سيأتي تفصيلُه في الباب الثاني).

    ولا يمكن أن يستقل القارئ بمجرد المكتوب، لان النطق قد يحتلف عن الطريقة التي رُسِمت بها الكلمة في المصحف،
    • وقد ذكرنا أن هناك من صفات الحروف ومن أحكام التجويد مثل: الروم والإشمام، والإختلاس والتسهيل ونحو هذه الأشياء من أحكام التجويد، التي لا يمكن النطق بها وضبط القراءة بها بمجرد قراءة تعريفها من الكتب، بل لابد فيها من السماع
    • كذلك فإن الرسم قد يُنْطق على أوجه كثيرة، ولأن رسم المصحف يختلف عن غيره كما هو معلوم، فلا تصح القراءة إلا بالكيفية التي قرأ بها القراء الأولون. أرأيت مثلاً كلمة (الصلوة) المكتوبة في المصحف، وكذلك (الزكوة)، و(مشكوة) و(الحيوة) و(الربوا) و(النجوة) و(منوة) و( جزاؤا) غيرها مثل : (كهيعص) و (حم عسق) و كثير لا يمكن أن تقرأ كما هو مكتوب، لأن القراءة سنة متبعة.
    • وقال الأصمعي: "قلت لأبي عمرو بن العلاء: (وبركنا عليه) في موضع (وتركنا عليه) في موضع أيعرف هذا؟ قال: ما يعرف، إلا أن يسمع من المشايخ الأولين". أخرجه ابن مجاهد في "السبعة" ص (48), والداني في "جامع البيان" (1/108). فالقراءة تمنع من الغلط واللحْن وهذه الروايةُ تُبيِّن كيْف انه لو تُرِك الأمر لحفظ القرآن من رسْم المصْحَفِ لوقع الخلط واللحن والتحريف. وسئل يونس بن حبيب عن قوله: (أُقِّتَتْ) قال: سمعت سيدنا وسيد العلماء يقرأها: (وُقِّتَتْ) (يقصد أبا عمرو البصري). انظر: "الكامل" للهذلي ص (66).
    • وقد قرأ الخليفة المأمون على معلمه "ليهب لك" "بالياء"، من قول الله تعالى: "إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا" وهي قراءة صححية (وبذلك قرأ نافع وأبو عمرو)، فقال له مُعلِّمُهُ يحيى بن أكثم: "لا أحب لك يا أمير المؤمنين أن تقرأ بهذه الآية، (أي بهذه القراءة) فقال له المأمون: ولم؟ قال: تخالف المصحف، فالتفت المأمون إلى إبراهيم بن يحيى بن المبارك اليزيدي(4) فقال: ما تقول يا إبراهيم؟ قال: فقلت: يا أمير المؤمنين، هذه قراءة قرأ بها غير واحد من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، أولهم أبوك عبد الله بن عباس، قال إبراهيم: فالتفت إليَّ أخي محمد بن يحيى ـ وكان ثقيل السمع، فقال لي: ما أنتم فيه يا إبراهيم؟ فقلت: قرأ أمير المؤمنين "ليهب لك"، وأنكر عليه يحيى بن أكثم لمخالفته المصحف، فقال محمد للمأمون: ما ليحيى وهذا؟ حرف قرأ به من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جماعة، ومن التابعين، أو كل ما في المصحف يقرأ به؟ قال: فسكت يحيى ولم يتكلم" نقله الونشريسي في المعيار المعرب 12/89. وفي هذا المِثال الأخيرِ نرى كيْف أن شرْط موافقة القراءةِ لرسْمِ المُصْحَفِ لا يعني أن يكونَ المُصْحَفُ حاكِمًا على القراءة الثابتة المتواترة لو كان بينهما خلاف، فهذا الرسْمُ الذي ارتضاهُ صحابةُ رسول الله في رسْمِ المصحف العثماني لم يمنَع نقل القراءة الصحيحةِ المتواترة التي لم تُرسَم فيه، ومخالفة يسيرة كهذه رأيتَ كيْف يحاولون المواءمة بينها وبين المرسوم، فدلّك هذا على كيفية الجمع بين مقتضيات القراءة والأداء لما تواتر من الحروف، وبين مقتضى احترام مبدأ الرسم وما درج عليه السلف، دون مجاوزة أو إلغاء.. لأنه كان من منهج الصحابة إذا كان في الكلمة قراءات محفوظة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتبوها برسم يحتمل هذه القراءات ، فإن لم يمكن كتبوا بعض النسخ على قراءة وبعضها على قراءة( انظرالمقنع 8،9 ،الإتقان 1/60 ) . ولذا وُضع شرط صحة القراءة موافقة الرسم العثماني ولو احتمالا. فإنه قد خولف صريح الرسم في مواضع إجماعًا؛ نحو "السموات والصلحات، واليل، والصلوة، والزكوة، والربوا".. وقد توافق بعض القراءات الرسم تحقيقًا ويوافقه بعضها تقديرًا نحو "مَلِكِ يَومِ الدّيِنِ" فإنه كتب بغير ألف في جميع المصاحف. فقراءة الحذف تحتمله تحقيقًا وقراءة الألف محتملة تقديرًا.
    ومن الأدلة التي سُقناها يتبيّن:
    1- أن رسْمَ المُصْحَفِ اصطُلِحَ عليهِ ليكونَ معينًا للقراءة، وأنه ليس حاكما على القراءة المتواترة، وإن كان حاكما على القراءة الصحيحة (نفرق بين القراءة المتواترة والقراءة الصحيحة كما سيأتي).
    2- أن لولا التلقي الشفاهي والتلقين لكان الرسْمُ سببًا للإختلاف.
    3- أن من اعتمَد على المُصْحَفِ بدونِ التلقينِ لن يسْلَم من اللحنِ والتحريف ويُجرّم العلماء صنيعَه.



    8- استشعار المصدرية الإلهية: وذلك في توقيف القرآن على الله، وتلقيه عن الله، ويقينية حفظ الله لكلامه. فإذا اجتمع كما سبق الامر الالهي باتباع هيئة معينة للنطق بالقرآن (الأداء)، وهو قوله تعالى: " ورثِّل القرآن ترتيلا"، والتطبيق الملائكي (جبريل عليه السلام) لذلك الأمر باتباع ذلك بقول الله تعالى: " ورتلناه ترتيلا"، والنص النبوي عليها : " اقرأ وارق ورتل"، والتطبيق النبوي لها ودقة وصف الصحابة لتلك الهيئة مع تناقل هذه الهيئة عبر الاجيال، فإننا نتبين النتيجة التلقائية لهذه المقدمات الستة، وهي التوقيفية المحضة في نقل هيئة أداء القرآن، كنقل أصل ألفاظه.

    9- حفظ الله لكتابه حفظ عملي واقعي يُمكن اثباته بالبراهين: فإذا جمعنا معا الثلاثة عشر خصيصة للتلقين النبوي، مع المصدرية الإلهية في النقطة السابقة، وإذا اضيف اليها ان الرسول كان إذا انطلق جبريل عليه السلام قرأه كما قرأه، وأن الصحابة حفظوه وكتبوه كما أقرأهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأن حلقات الحفظ هذه قد توالت من الله الى رسوله من اهل السماء الى اهل الارض ثم الى صحابة رسوله ثم الى امته باختلاف زمانها ومكانها والى يومنا هذا، فحُفظ كتابة بالقلم وأداءًا بالصوت الذي حُفِظت حروفه في أدق صفاتها ومخارجها، كما حُفظت أماكن الوقف والإبتداء، والسكتات الواجبة والجائزة فإنه يتبين أن حفظ الله تعالى لألفاظ القرآن في هذه الأمة تم بالأدوات الواقعية الإنسانية التي تتسم بأعلى قواعد الحفظ، وأدق مقاييس الضبط، مما لم يحدث قط لأي كتابٍ في التاريخ.

    10- التزام كمال الأداء بالقراءة وترتيل القرآن (حق الحروف) والتغني والترجيع (مستحق الحروف)، وهذا ما يُعرف بصور الاداء القرآني:

    - القراءة: عن ظهر قلب مع اخراج كل حرف من مخرجه.

    - وأما الترتيل، فهو مرتبة أعلى من القراءة، فقد قال تعالى: " ورتلناه ترتيلا"، ويُنقل لنا الترتيل بأمر الله كما هو بقول الله " ورتِّل القرآن ترتيلا"، والترتيل أن تكون كلمات القرآن واضحة مميزة، كلمة بعد أخرى بحيث لا يكون بينها تداخل في النطق، أي أن الترتيل هو القراءة بأحكام التجويد، بترقيق المرقَّق، وتفخيم المفخَّم، وقصر المقصور، ومد الممدود، وإظهار المُظهَر، وإدغام المُدغَم، وإخفاء المخفي، وغنِّ الحرف الذي فيه غُنَّة، وإخراج الحروف من مخارجها، وعدم الخلط بينها، كل ذلك دون تكلُّف أو تمطيط. وكيف يُمكن ذلك إذا لم تُنقل القراءة بأعلى درجات الرواية، وهي المشافهة؛ حيث يتلقَّى القارئ القرآن عن المقرئ، والمقرئ يتلقَّاه عن شيخه، وشيخه عن شيخه، وهكذا، حتى تنتهي السلسلة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم. ويتضمن الترتيل عنصرين متلازمين: وهما التأني (التؤدة) وتبيين الحروف، وينبني على هذين العنصرين امرا ثالثا وهو: إشباع الحركات، وامرا رابعا وهو: السكينة والوقار التي تميز قارىء القران عن مطرب الالحان، وقد أوضحها ابن مسعود فقال: " لا تنثروه نثر الدقل، ولا تهذوه هذ الشعر، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة" ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أحب أن يقرأ القرآن غضاً طرياً كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد"، وعن موسی بن يزيد الكندي، قال : كان ابن مسعود يقرئ القرآن رجلا فقرأ الرجل: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين } (2) مرسلة، فقال ابن مسعود: «ما هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أقرأنيها: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين } فمددها» (المعجم الكبير للطبراني 9/ 137)، وعن قتادة - رحمه الله - قال: سئل أنس رضي الله عنه، كيف كانت قراءة النبي ؟ فقال : كانت مدًا».

    - وأما التغني والترجيع: عن ابي هريرة: " لم يأذن الله لشيء ما أذن للنبي يتغنى بالقرآن"، وفي لفظ: " ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت بالقرآن يجهر به"، وعن معقل بن يسار قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يأذن الله لشيء إذنه لأذان المؤذنين، والصوت الحسن بالقرآن" وعند ابن حِبان " ما اذن الله لشيء كأذنه للذي يتغنى بالقرئآن يجهر به"، وجاء في الحديث: " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتْحِ - أَوْ مِنْ سُورَةِ الْفَتْحِ - قَالَ : فَرَجَّعَ فِيهَا ." والمقصود بالترجيع ههنا هو تردد الصوت في حلق القارىء، او هو تحسين الصوت والتغني بالقرآن الكريم عند الإتيان بالمدود ، من خلال ترديد الصوت بالحلق وإشباع المد . وهو أحد صور التحزين او التشويق أو القراءة باللحن المرغِّب في سماع القرآن.

    مراتب القراءة بالنظر إلى سرعة الأداء وبُطئه ثلاثٌ: التحقيق، والحدر، والتدوير، وكلها ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلها داخلة في الترتيل:
    فالتحقيق: هو البطء والترسل في التلاوة، مع مراعاة جميع أحكام التجويد من غير إفراط.
    والتدوير: التوسط بين التحقيق والحدر
    والحدر: إدراج القراءة وسرعتها وتخفيفها وإقامة الإعراب مع مراعاة جميع أحكام التجويد من غير تفريط. ومرتبه الحدر لاتناسب الا الماهر ،المتقن الذى قضى سنين من عمره فى التدريب على القراءة الصحيحة بمرتبة التحقيق ، ثم بمرتبة التدوير ثم الحدر.


    11- تحقيق التلاوة (سماعا وعرضًا واتباعًا): فلابد من تحقيق التلاوة كما انزلها الله، وجعلها الله من علامة الايمان بالكتاب، فيقول تعالى " الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ"، وكنا قد عرفنا التلاوة بأنها القراءة والإسماع بصوتٍ مرتفع لإسماع آخر أو آخرين، للعمل بما فيه، من اين اتى في التعريف : العمل بما فيه؟، قال ابن عباس: يتلونه حق تلاوته يتبعونه حق اتباعه. وفسرها عكرمة فقال: ألا ترى أنك تقول: فلان يتلو فلاناً أي يتبعه. وقال تعالى: " وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) " إذن يتضمن معنى تلاوته/ تتبع القرآن والعمل بما فيه ويكون لك إمامًا وتكون له تبعًا، فلكي تتحقق التلاوة لابد لها من ثلاثة شروط، عمل بهم النبي مع أمته، واتباعها الى يومنا هذا واجب، فما هي الشروط الثلاثة؟

    1- السماع (تلاوة وسماعا)
    2- والعرض
    3- والاتباع (تلقينا وتعليما)


    12- أنهُ سماع وتلقين فلا يحكُمُه قياسُ العربية:

    وقال الكسائي: "لو قرأت على قياس العربية لقرأت (كبره) برفع الكاف، لأنه أراد عظمه، ولكني قرأت على الأثر". انظر: "جامع البيان" للداني (1/85).

    وقال القعنبي: قيل لمالك بن أنس: كيف قرأتم في سورة سليمان (ما لي لا أرى الهدهد) مرسلة الياء، وقرأتم في سورة يس (وما لي لا أعبد) منتصبة الياء؟ قال: فذكر مالك كلاماً، ثم قال: لا تدخل على كلام ربنا لم وكيف، وإنما هو سماع وتلقين، أصاغر عن أكابر، والسلام". انظر: "جامع البيان" للداني (1/84)، وعن شبل بن عباد، قال: "كان ابن محيصن وابن كثير يقرءان (وأن احكم)، (وأن اعبدوا)، (أن اشكر)، (وقالت اخرج)، (قل رب احكم)، (رب انصرني)، ونحوه، فقال شبل بن عباد: فقلت لهما: إن العرب لا تفعل هذا ولا أصحاب النحو، فقال: إن النحو لا يدخل في هذا، هكذا سمعت أئمتنا ومن مضى من السلف". أخرجه الداني في "جامع البيان" (1/82). وانظر: "الكامل" للهذلي ص (52)

    وعن حمزة قال: "قلت للأعمش: إن أصحاب العربية قد خالفوك في حرفين، قال يا زيات: إن الأعمش قرأ على يحيى بن وثاب، ويحيى بن وثاب قرأ على علقمة، وعلقمة قرأ على عبد الله، وعبد الله قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: عندهم إسناد مثل هذا, ثم قال: غلب الزياتون غلب الزياتون". أخرجه الداني في "جامع البيان" (1/82). وقال الأصمعي، قال: سمعت نافعاً يقرأ (يقص الحق)، فقلت لنافع: إن أبا عمرو يقرأ (يقض)، وقال: القضاء مع الفصل، فقال: وي يا أهل العراق! تقيسون في القرآن. انظر: "جامع البيان" للداني (1/83)

    13- التدرج في تلقي القرآن وتعلمه وتعليمه: وتكلم السلف عن أهمية التدرج في تلقي القرآن خاصة، وغيره من السنة النبوية وسائر العلوم بوجه عام، قال علي بن أبي طالب له: «روحوا القلوب، وابتغوا لها طُرَف الحكمة، فإنها تملُّكَ ما تملُّ الأبدان»، وقال عبد الله بن مسعود : " إن للقلوب شهوة وإدبارًا، فاغتنموها عند شهوتها، ودعوها عند فترتها وإدبارها». وكان يقول: «لا تُكرِه قلبك؛ إن القلب إذا أكره عمي» (الفوائد لابن قيم الجوزية، 147). وقال ابن شهاب الزهري ليونس بن زید: " یا یونس! لا تكابر العلم فإن العلم أودية، فأيها أخذت فيه قطع بك قبل أن تبلغه، ولكن خذه مع الأيام والليالي، ولا تأخذ العلم جملة، فإن من أخذه جملة نسيه جملة، ولكن الشيء بعد الشيء مع الأيام والليالي" (جامع بيان العلم وفضله للقرطبي، 431)، وروى البيهقي - رحمه الله - بسنده في «شعب الإيمان» عن إسحاق بن عيسى قال: سمعت مالكا يوم عاب العجلة في الأمور، ثم قال: «قرأ ابن عمر البقرة في ثمان سنين » (شعب الايمان للبيهقي، 3/ 345). قال إسماعيل بن أبي خالد - رحمه الله -: «كان أبو عبد الرحمن السلمي يعلمنا القرآن خمس آيات خمس آيات » (معرفة القراء الكبار، 29) . وقال أبو رجاء العطاردي - رحمه الله -: «كان أبو موسى يعلمنا القرآن خمس آيات خمس آيات» (غاية النهاية في طبقات القراء 1/ 604).
    فعلى من اراد الحفظ والدراسة والتحصيل او اي عمل من اعمال الخير أن يراعي سنة التدرج وان يترفق بنفسه وأن يقتصر على ما يمكنه فهمه واستيعابه فإنه بذلك يُحصل علوما كثيرة جدا مع راحة نفسه وعدم إملالها.

    14- سُنة الإجازة (إجازة التلاوة والعرض): قول النبي : "كذلك انزلت" وقول النبي: "خذوا القرآن من اربعة"، وقول النبي : " أحسنت".


    الفصل الثالث: وجوبُ نقل القرآن من الصحابةِ إلى الأمة نقلًا شفاهيًا وتجريمِ نقل المصاحِف


    تاسعا: تجريم التلقي من المصاحِف بدون شيْخٍ، حِرزًا من التصحيف والتحريفِ واللحن


    .
    وعَتْ الأمّةِ منذ النبي وصحابتِهِ والى يومنا هذا أنّ المُعوّل عليْه هو المنطوق و المحفوظ في الصدر، وليس المكتوب المحفوظ في الكُتُب، لينتقِل القرآن من صدر الحافِظ المُتقِن لمن يخلُفُه من الحفظة المُتقِنين. يقول الإمام العلامة ابن الجزري رحِمهُ الله في النشْر (النشر في القراءات العشر , لابن الجزري 1/ 6.):
    .
    " إن الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور لا على حفظ المصاحف والكتب وهذه أشرف خصيصة منّ الله تعالى لهذه الأمة ففي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال"إن ربي قال لي قم من قريش فانذرهم فقلت له رب إذاً يثلغوا رأسي حتى يدعوه خبزة فقال : إني مبتليك ومبتلٍ بك ومُنْزِلٌ عليك كِتاباً لا يغسله الماء تقْرؤه نائماً ويقظان فابعث جنداً أبعث مثلهم وقاتل بمن أطاعك من عصاك وأنفق ينفق عليك"صحيح مُسلِم , كتاب الجنة، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة والنار ,4/1741.


    1- فمن شيّخ الصحيفة وليس له عُمدة من حفظ أو تلقي لما يقرأه من الصُحُف فحتْمًا سيقع في التصحيف والتحريف:

    فلم يوجد على وجْهِ الأرضِ من قد يعتمِد على الصحيفةِ والأوراقِ بلا حِفْظٍ او تلقي شفاهيٍّ إلا وسيقعُ حتْمًا في التصحيفِ والتحريف. ويُسيىء نقل كلمةٍ او قراءتِها، ولو كان إمامًا في فنِّهِ، وكثيرون من أئِمّةِ اللغةِ كالخليل بن أحمد، وأبي عمْرو بن العَلاء وعيسى بن عُمر، وأبي عبيدَة مَعْمَر بن المُثنّى وأبي الحسن الأخفش وأبي عثمان الجاحِظ قد اعتمدوا على بعْضِ المكتوبِ في كُتُبِ اللغةِ، فوقعوا في التصحيف والتحريف المُخِل وهم من هُم في العربيّة وعلومِها.

    ولِذا قال صلاح الدين الصفدي في كتابه "تصحيح التصحيف وتحرير التحريف":
    .
    " وبعد فإنّ التصحيفَ والتّحريفَ قلّما سلِم منهما كبير، أو نَجا منهما ذو إتقانٍ ولو رسَخَ في العِلم رسوخَ ثَبير، أو خلَصَ من معرَّتِهما فاضلٌ ولو أنّه في الشجاعة عبدُ اللهِ بن الزُبَيْر، أو في البراعة عبدُ الله بن الزَّبِير، خصوصاً ما أصبح النقلُ سبيلَه أو التقليدُ دَليلَه، فقد صحّفَ جماعةٌ هم أئمةُ هذه الأمّة، وحرّفَ كِبارٌ بيدهم من اللُغةِ تصْريفُ الأزِمّة، منهم من البَصْرة أعيان كالخليل بن أحمد، وأبي عمْرو بن العَلاء وعيسى بن عُمر، وأبي عبيدَة مَعْمَر بن المُثنّى وأبي الحسن الأخفش وأبي عثمان الجاحِظ، والأصمعي وأبي زيد الأنصاري، وأبي عُمر الجَرْمي، وأبي حاتم السجستاني وأبي العباس المُبَرَّد. ومن أئمة الكوفة أكابر: كالكسائي والفرّاء والمفَضَّل الضّبي وحمّاد الرّاوية وخالد بن كُلثوم وابن الأعرابي وعلي الأحمر ومحمد بن حبيب، وابن السِّكيت وأبي عُبيد القاسم بن سلاّم وعلي اللِّحياني والطوال وأبي الحسن الطوسي وابن قادِم وأبي العباس ثعلب. وحسبك هؤلاء السادة الأعلام، والقادة لأرباب المَحابر والأقلام .... وإذا كان مثل هؤلاء قد صحّ أنهم صحّفوا، وحرّر النقلُ أنهم حرّفوا، فما عسى أن تكون الحُثالة من بعدِهم.. وقد عمّت المُصيبة ورشقَتْ سِهامُها المُصيبة، ولبِس الناسُ أرديتَها المَعيبة، وفَشا ذلك في المحدّثين وفي الفقهاء، وفي النحاة، وفي أهل اللغة، وفي رُواةِ الأخبار، وفي نقَلَة الأشعار، ولم يسْلَمْ من ذلك غيرُ القُرّاء؛ لأنهم يأخذونَ القُرآنَ من أفواه الرّجال."



    2- الكُتُب المُقدّسة السابقة لم تعتمِد الا على المكتوب والمخطوط دون الحِفْظ فلم يْمنع قداستها عندهم وقوع التحريف، وقد عرّفنا النبي صلى الله عليْهِ وسلّم ذلِك، وأدرك الصحابة أن التصحيف في أخد العلم من المكتوب وارِد فجرموه!


    3- تجريم أخذِ وتلقي القرآنِ بل وعلوم الأمة من الصحف والمصاحِف: وحديثُنا لا ينصرِف على القراءة المجردة للقرآن، فنحن مأمورون بقراءة القرآن من المصاحف ومن الصدور ولو تعتعةً، وإنما الحديث عن الأخذِ والتلقي، أي حفظه وإتقانه وتعليمه ونقله من عصرٍ إلى عصر. فهذا الواجِب فيه النقل من الصدور وليْس السطور، وأدائِه كما أنزِل. بل وأجمعوا على أن هذا أمر لا يجيزه المسلمون ولو كان المصحف مضبوطًا بل إنهم يعدون هذا الاكتفاء منافيًّا للدين لأنه ترك للواجب وارتكاب للمحرم.

    فالاكتفاء بالأخذ من المصحف بدون مُوّقف أو معلم أمرًا لا يجيزه المسلمون ولو كان المصحف مضبوطًا بل إنهم يعدون هذا الاكتفاء منافيًّا للدين لأنه ترك للواجب وارتكاب للمحرم. ( علي الضباع بحث في التجويد بمجلة كنوز الفرقان عدد مايو1950 ص13)، وهم يذهبون إلى هذا بناءً على أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

    بل إن العُلماء جرّموا أن يتلقى الإنسان العِلْم من المكتوب في الصُحُف وإنما يتوجّب الأخذ بالتلقي من لِسان الحافِظِ المُتْقِن، فقالوا : من أعظم البلية تشييخ الصحيفة" (تذكرة السامع والمتكلم: ابن جماعة ص87.).

    ونهى الأئِمة والتابِعون عن أخذ القرآن الكريمِ مِن المُصَحِّفِيين: والمُصحفي هو الذي يعلم الناس وينظر إلى رسم المصحف، ومنشأ التسمية بالمصحِّف أن قوما كانوا قد أخذوا العلم عن الصحف والكتب والمصاحِف ، ولم يأخذوه من أفواه العلماء، وكانت الكتابة العربية تكتب عهدا طويلا من غير إعجام للحروف ولا تشكيلٍ كما هي اليوم، ولا عناية بالتفرقة بين المشتبه منها ، لهذا وقع هؤلاء في الخطأ عند القراءة ، فكان عُلماءُ الأمّةِ يسمونهم الصحفيين أي الذين يقرؤون في الصحف، ثم شاع هذا الاستعمال حتى اشتقوا منه فعلا فقالوا صحّف أي قرأ الصحف ، ثم كثر ذلك على ألسنتهم، فقالوا لمن أخطأ قد صحّف، أي فعل مثل ما يفعل قراء الصحف (توضيح الأفكار 2/419-420 ).

    فعن سليمان بن موسى انه قال " كان يقال لا تقرؤا القرآن على المُصْحفِيِّين ولا تحملوا العلم عن الصُّحَفِيِّين" (الحد الفاصِل 1 / 211 . ) ، وكان سعيد بن عبد العزيز يقول : " لا تأخذوا العلم عن صُحُفي ولا القرآن من مُصْحفي". (الجرح والتعديل لابن ابي حاتِم 2/31 , التمهيد 1/46 ، وفتح المغيث 2/232) .

    وقال ابن وهب ، وحدثني مالك ، قال : « أدركت بهذا البلد رجالا ببني المائة ونحوها يحدثون الأحاديث ، لا يؤخذ منهم ، ليسوا بأئمة » فقلت لمالك : وغيرهم دونهم في السن يؤخذ ذلك منهم ؟ قال : نعم « ويجب أن يكون حفظه مأخوذا عن العلماء لا عن الصحف"

    وقال سعيد بن عبد العزيز (ت. 167هـ) : ((لا تأخذوا العلم عن صُحُفِيٍّ، ولا القرآن مِنْ مُصْحَفِيٍّ)) [الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 2/31].

    و قال أحمد بن إسحاق النهاوندي ، قال : " أنشدنا الحسن بن عبد الرحمن لبعضهم يذكر قوما لا رواية لهم ومن بطون كراريس روايتهم لو ناظروا باقلا يوما لما غلبوا والعلم إن فاته إسناد مسنده كالبيت ليس له سقف ولا طنب، والتصحيف والإحالة يسبقان إلى من أخذ العلم عن الصحف".

    وقال ابن عائِشة جاءني أبو الحسن المدائني فتحدث بحديث خالد بن الوليد رضي الله عنه حين أراد أن يغير على طرف من أطراف الشام ، وقول الشاعر في دلالة رافع لله در رافع أنى اهتدى فوز من قراقر إلى سوى خمسا إذا ما سارها الجبس بكى فقال : الجيش ، فقلت : لو كان الجيش لكان بكوا ، وعلمت أن علمه من الصحف »

    وقال سليمان بن موسى (ت. 115هـ): ((لا تأخذوا الحديثَ عن الصُّحُفيِّين، ولا تقرؤوا القرآنَ على الْمُصْحَفِيِّين)) [((الجرح والتعديل)) لابن أبي حاتم (2/31)، و((المحدث الفاصل)) للرامهُرْمزي (211)]. " لا تأخذ العلم من مصحفي ولا العلم من صحفي (شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف: العسكري ص:10. والفقيه والمتفقه ج2، ص97).

    وقال الشافعي رضي الله عنه: من تفقه من بطون الكتب ضيع الأحكام (تذكرة السامع والمتكلم ص. 40)

    ويقول الوليد بن مسلم (ت. 195هـ): ((لا تأخذوا العلم من الصُّحُفيِّين ولا تقرءوا القرآن على الْمُصَحَفِيِّين؛ إلا مِمَّن سمعه مِن الرجال وقرأَ على الرجال)) [((تاريخ دمشق)) لابن عساكر (63/292)، و((تهذيب الكمال)) للمزي (31/98)].

    ونقل ابن جماعة قولهم " من أعظم البلية تشيخ الصحيفة. أي الذين تعلموا من الصحف" (تذكرة السامع والمتكلم ص. 40)

    وقال ثور بن يزيد: لا يفتي الناس صحفي ولا يقرئهم مصحفي.

    وجاء في مسند الدارمي عن الأوزاعي أنه قال: ((ما زال هذا العلم في الرجال حتى وقع في الصحف فوقع عند غير أهله))

    ويقول الصنعاني في ((توضيح الأفكار)) (2/394): ((ويقال: لا تأخذ القرآن من مُصْحَفِيٍّ ولا العلم من صُحُفِيٍّ)).

    ويقول السخاوي في ((فتح المغيث)) (2/262): ((والأخذ للأسماء والألفاظ من أفواههم - أي العلماء بذلك، الضابطين له ممن أخذه أيضًا عمن تقدم من شيوخه وهلم جرَّا- لا من بطون الكتب والصُّحُف من غير تدريب المشايخ: أَدْفَع للتَّصحيف، وأَسْلَم من التبديل والتحريف)

    ويقولون في أدب طالب العلم مع العلماء: من كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه. وتلك قاعدة متبعة لطالب القرآن أن يتلقاه من أفواه المشايخ الضابطين المتقنين وأن لا يعتد أبدًا بالأخذ من المصاحف المكتوبة بدون معلم لما قد يقع في ذلك من تصحيف يتغير به وجه الكلام " .. (تقويم أساليب تعلم القرآن لمحمد بن سبتان). ولم يكن غريبًا أن يكون الاكتفاء بالأخذ من المصحف بدون مُوّقف أو معلم أمرًا لا يجيزه المسلمون ولو كان المصحف مضبوطًا بل إنهم يعدون هذا الاكتفاء منافيًّا للدين لأنه ترك للواجب وارتكاب للمحرم." الشيخ علي الضباع بحث في التجويد بمجلة كنوز الفرقان عدد مايو1950 ص13

    ويقل الشيخ عبدالرحمن القماش في تفسير الحاوي "
    فعلى المشتغل بالحديث أن يتلقى حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم ، من أفواه أهل المعرفة والتحقيق حتى يسلم من التصحيف والخطأ ، ولا يليق بطالب الحديث أن يعمد إلى الكتب والصحف فيأخذ منها ويروي عنها ويجعلهَا شيوخَهُ ، فانه تكثر أخطاؤه وتصحيفاته ، لذا قال العلماء قديماً : " لا تأخذ القرآن من مُصْحَفِيّ ولا الحديث من صَحَفِيّ"

    وذكر د. الطحان في تيسير مصطلح الحديث "فعلى المشتغل بالحديث أن يتلقي حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم ، من أفواه أهل المعرفة والتحقيق حتى يسلم من التصحيف والخطأ ،ولا يليق بطالب الحديث أن يعمد إلى الكتب والصحف فيأخذ منها ويروي عنها ويجعلهَا شيوخَهُ ، فانه تكثر أخطاؤه وتصحيفاته"

    وفي هذا المعنى نَظَمَ الحافظُ محمد بن محمد بن حسن التميمي الداري الشُّمُنّي(ت 821 هـ) بيتين لطيفَين، أوردهما الحافظُ السخاويُّ في "الضوء اللامع" (9/ 75) في ترجمته، وهما:

    مَنْ يَأخُذِ العِلْمَ عن شيخ مُشَافَهةً ... يَكُنْ من الزَّيفِ والتصحيفِ في حَرَمِ
    ومَنْ يَكُنْ
    آخِذًا للعِلْمِ من صُحُفٍ ... فعِلْمُهُ عندَ أهلِ العِلْمِ كالعَدَمِ



    النتيجةُ التي ترتبت على ذلِك:

    ( أ ) صار المعول عليه في تعلُّمِ القرآن الكريم إنما هو الحِفظ والإستِظهار و التلقي والأخذ من صدور الرِّجال ثقة عن ثقة وإماما عن إمام إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

    ( ب ) لم تكن المصاحف ولن تكون هي العمدة في نقل القُرآن.

    ( ج ) أصْبَح التلقي هو الحاكم على الرسْمِ وعلى الغموض في الرسم كائنا ما كان. بل ظهر الرسْم كنتاجٍ للتلقي والحِفظ وها هو أبي عمرو الداني في مقدمة كتابه "نقط المصاحف" (المحكم في نقط المصاحف 1/1) يقول : (هذا كتاب عِلْم نقط المصاحف وكيفيته على صيغ التلاوة ومذاهب القراءة) فنعلم مِن ذلِك أن النقط والكِتابة صيغت لِتتناسب مع القِراءة والتِّلاوة وليس العكس.
    . فائِدة: أخبر تعالى أن القرآن لا يحتاج في حفظه إلى صحيفة تغسل بالماء بل يقرؤوه في كل حال كما جاء في نعت أمته"أناجيلهم في صدورهم" . وذلك بخلاف أهل الكتاب الذين لا يحفظونه لا في الكتب ولا يقرؤونه كله إلا نظراً لا عن ظهر قلب.[6]




    عاشرًا: الأخذ من المصاحف بدون سماع يُسبب التصحيف والتحريف لا محالة:

    يكثُر على الفيس بوك ووسائِل التواصل وجود صورة مكتوبة لجملة بدون تنقيط يسْهُل على أيِّ أحدٍ قراءتها، ويُستدلُّ بهذا على أن المكتوب بدون تنقيط يسْهُل قراءتَه، وان النقْطَ والإعجام وُضِع لغيرِ العرب .. وأنهم كانوا يعرفون الكلام من السياق
    اضغط على الصورة لعرض أكبر.   الإسم:	image.png  مشاهدات:	41  الحجم:	153.2 كيلوبايت  الهوية:	824523

    هذا مثال لإحدى هذه الصُّوَر التي يتم تناقلها



    وهذا المثال وإن كان صحيحا في اطار القراءة المجردة، إلا أنه من الغلط الموهم، فيثبت في عقول العامة بأن الاخذ والتلقي كان من المكتوب بغير نقْطٍ في القرون الهجريّةِ الأولى لسهولة القراءة!، وكأنه - دون أن يشعر - يمرر شبهة المستشرقين بهذا المثل الموهم. ومهما كانت سهولة القراءة بدون نقط، فيجب التفريق بينها وبين أخذ القرآن وتلقيه وانه ما كان قط ولن يكون من المصاحِف، هذا لم يصِح في تاريخ أمة الإسْلام وإلى اليوم أن يأخُذ القارىء الحاِفظُ القرآن من المصاحِف. نعم قد يلجأ العامة إلى المصاحِف ويقرأون منها القرآن ولكنهم إنْ لم يسْمعوه -ومع كامل احتياطهم- فسيقعون في التصحيف والتحريف لا محالة.
    .
    والتصحيف -وهو اختلاف النقاط او الشكل مع بقاء الرسْم

    أو التحريف - وهو اختلاف الإعراب والحركات أو تغيير الرسم


    إضافة: فيما يخُص كتاب الله، لم تكُن معرفة القراءةِ (بغير نقْطٍ) او (سهولة قراءتِه) دون سماع - حِرزًا من الغلطِ والتصْحيِف حتى للعربِ الأقحاح.. ولا يُسْعِف الحصيف سياق الآية او الجملةِ دونَ سماع .. فالأحْذ من المصاحِف دون سماعٍ مجرمٌ سلفًا وخلفًا.

    قصور هذا المثال المنتشر عبر الإنترنت في هذه الصورة لأسباب:

    1- زعم أن النقط وُضِع للعجم .. وهذا غيرُ صحيح .. بل إن النقط والإعجام وُضِع للعرب وغير العرب.. وإليكَ هذا المثال:
    اضغط على الصورة لعرض أكبر.   الإسم:	image.png  مشاهدات:	33  الحجم:	61.0 كيلوبايت  الهوية:	824524




    هذا بيْتٌ واحد من الشعر، وضعه الشاعر ليكون فيه ما يُسمى بلاغيًا جناس التصحيف .. وجناس التصحيف أي أن يقرأه كل واحد من الصحيفة فيقرأه (بتغيير النقط مع بقاء رسْمه كما هو ) بلفظ ومعنى مختلف .. (حاول أن تقراه من الصورةِ أولًا قبل أن تطلع على كلماته)

    البيت الشعري هو:

    سَقَيْنَني رِيِّيْ وغَنَّيْنَنِيْ ...بُحْتُ بحبِّي حين بِنَّ الخُرُدْ

    ويُمكِن أن يُصحف بأكثر من وجه .. ولكِن صحف بنحو:
    شَقَيْتَني ربي وعَنَّيْتَنِيْ ... بحُبِّ يحيى خَتَنِ ابن الجُرُدْ

    ولو اجتمع الشعراء عليْه، بدون سماعٍ، لقرأه كل واحد منهم بطريقة تختلف عن الآخر سواءا في تغيير حرف او تغيير نقاط او تغيير شكل من حركات الإعراب فتكون المحصلة مئات المعاني لنفس البيت وهذا هو التصحيف (تغيير نقاطه أو حروفه مع تشابه الرسْم) والتحريف (تغيير حركات اعرابه من فتح وضم او قلب لفظه وتغيير رسمه).

    وهذا ظاهر في كل كُتُب العلوم، ونتاج القراءة من الكُتُب بدون سماع، وهكذا كان ليكون الحال لو أن الأمّة اعتمدت في قِراءةِ كتابِ ربِّها على الأخذِ من المصاحِفِ، دون التلقي والإقراء والأخذ من صدور الرجال.


    ويجب تأصيل الاصول ونشرها بين المسلمين من باب اولى وسنزيد توضيحا: فنقول:

    1- أن القرآن الكريم لم يُتلقى من المصاحِف في القرون الهجريّةِ الأولى، ولا في عصرنا الحاضر، بل يجب أن يُسمع ويقرأ على القراء الحافِظين.
    بل وقد جرّم علماء الأمة الاخذ من الصحيفة والصحُفِ والمصاحِف دون القراءةِ أولًا على شيْخ " لا تأخذوا القرآن من مُصحفي ولا العلم من صُحَفي". وكان هذا متبع في كل علوم الأمة الاسلامية من قرآنٍ وحديث وفقه ولغة وغيرها.

    2- ما مِن أحدٍ من أساطين اللغة العربية مِثْل الأصمعي وابن العلاء وسيبويه والخليل، وواضعي نحوها إلا وقد وقع في التصحيف حين حاول القراءة من الكُتُب بغير سماعٍ .. وهذا مُدون عنهم، فغيرُ صحيحٍ أن النقط وُضع للعجمِ وليْس العرب.. بل وُضِع للجميع تيسيرًا للقراءة وحِرْزًا من التصحيف واللحن.

    3- هذه الجملة وبهذا الخط "النسْخ" مقروءة .. لكن لم يكُن هذا هو الحال في القرون الهجرية الأولى في صدْرِ الإسْلام مع الخط الحجازي أو الكوفي..
    - فقد كان يحدُث التصحيفُ بيْن الحاء والخاء والعين والغين في أول الكلمة،
    - وبين حرفي الميم والعين إن جاءتا في وسْط الكلمة،
    - أو الياء والنون في آخر الكلمة،
    - أو بيْن الحروف الخمسة ذات الصورة الواحدة وهي: الباء، والتاء، والثاء، والياء، والنون.
    - أو بين الجيم والحاء المهملة والخاء المعجمة ،
    - أو بين الدال المهملة والذال المعجمة ، والراء والزاي .
    - بل إن الإسْم الثلاثي إن تشابهت أحرفه، يُقرأ على ثلاثين وجه مثل: بِنْتُ، نَبْتٌ، نِيبٌ، بِيبٌ، ثَيِّبٌ، ثَبَتَ، ثَبْتٌ، نَبَتٌ، ثَنَتٌ، نَثَتَ، نَبَثَ، ثُبِتَ، نُبْتُ، بَيَّتَ، ثَبَتُّ، نَبُتُّ، بَيَّتَ، يَبُتُّ، تُبْتُ، تُبْتَ، تُبْتُ، يَثِبُ، تَثِبُ، نَثِبُ، بِنْتُ، بِنْتُ، بِنْتَ، بِنْتِ، نَبَتُّ، نَبَتَّ.
    - والطامة إذا كان الاسم الثلاثي في أحد حروفه السين فإنهُ في هذه الحالة يُمكِن قراءتهُ على نحو مائتي وجه (سبب، سبت، شيب، شبت ، شيث....الخ)


    4- أن الأصل في المكتوبِ هو السماع، وبغيرِ هذا فإن التصحيف والتحريف سيكثُر لا محالة أو كما قال الإمام أحمد لا يسْلَمُ منه أحد، وقد وقع في التصحيفِ والتحريفِ أكابر اللغويين، حين تناقلوا أشعارًا من الكُتُب بدون سماع. ولِذا كان الأصل هو الإقراء وتسلُّم المكتوب بقراءتِهِ أولا على مؤلِفه بصوت ظاهر حتى يسْلَمَ من التصحيف.. وقد كان ها هو الحال في كل العلوم الإسْلامية كالفقه والحديث واللغة والأدب وغيرها. ولايزال الحال الى اليوم فيما يخُص القرآن الكريم والحديث الشريف فلا يؤخذ إلا باجازة بالتلقي والعرض حفظا عن ظهر قلب كما في القرآن الكريم أو بالسماع كما في اجازات الحديث..

    اضافة لدفع اي سوء فهم: ولا نقول أن السماع، ينفي التصحيفَ بالكّليّة في كل كتب العلوم، ولكِنّهُ يحُدُّهُ، بخلاف القرآن الكريم، والسبب في ذلك هو خصوصية التلقين للقرآن الكريم ( السماع مع العرض والحفظ)، وهذا ما لم يتوافر لغير القرآن الكريم.

    5- أن القرآن الكريم لولا سماعه وحفظه في الصدور لصعُب قراءته من المكتوب، وهذا ما أخِذ على حمّاد الراوية حين اختبروه فقرا من المصاحف فألحن في أكثر من ثلاثين حرفًا.

    مرة أخرى : القرآن الكريم يؤْخَذُ بالتلقي، ويسْهُل قراءته من المكتوبِ بعد سماعِهِ وتلقيه، أما بدونِ سماعِهِ فالتحريف والتصحيف واقع عند من يقرأه من المصحف يقينًا. ولِذا فادّعاءُ "سهولةِ القراءةِ بدون نقْطٍ" هذا لا يُغني عن أخذ القرآن الكريم بالتلقي والسماع.

    6- وكان هذا التصحيف حتى في أشعار ودواوين العرب .. فقد كان من البلاغة العربية أن يُكتب البيت ويحتمل رسْمُ كلماتِهِ معانٍ مختلفةٍ ومتخالفة، إذا ما قرأهُ كل انسانٍ بما جال في ذُهْنِهِ ولم يسْمعهُ من قبل.. وقد تراشق الاصمعي وابن الاعرابي الاتهامات فيما بينهما .. هذا يتهمه بالتصحيف في شعر وهو يتهمه بمثل هذا الاتهام.. وكلاهما يقرأ البيت بلغة عربية صحيحة ولكن بمعنى مختلف !!
    فالبيت هو قول الحطيئة، وهذه قراءة ابن الاعرابي لها:
    كفرا سنَتَيْن بالأضياف نقعاً ... على تلك الجفان من التقي

    وأما قراءة الأصمعي:
    كُفُوا سَنِتِينِ بالأَصياف بُقْعاً ... على تلك الجفارِ من النفيّ

    فهؤلاء هم فحول العربية .. وحدث بينهم قلب خمس كلمات في بيت واحد!!
    فماذا لو تُرِك كِتاب الله والعياذ بالله عُرضةً للنقل من المكتوب دون حفظ في الصدور؟!!

    فالحمدلله الذي جعل الحُجة في نقل كتابه على المنقول المحفوظ في الصدور والتلقي والسماع.
    الحمدلله على نعمة الحفظ والتلقي والإقراء

    والحمدلله على نغمةِ الإسْلام.

    الحادي عشر: شهادة التلقي

    مع كل هذه الاهمية المذكورة اعلاه، فكيف نُثبت التلقي اثباتا عمليا ونحول المعنوي الى شيء مادي يُحكم به على التلقي؟، هذا يكون بالإجازة، ولاحِظ أن ما يُسمّى بالسند المُتّصِلِ عند أهل الحديثِ فإنهُ عند أهل القرآن يُسمّى بالإجازة، فإذا قالوا فلانٌ مُجاز فإن هذا يعني أنه لديْهِ سندٌ صحيحٌ للنبي صلى الله عليْهِ وسلّم بأنه تلقى القران شفاهة، ويقرأ ويؤدي القرآن كما قرأه النبي صلى الله عليْهِ وسلّم، ونُقِل عنه بالسند، وأن شيْخَهُ أجازه بأن يُقرىء غيْرَه.

    ونعرِض هنا كمثال إجازة الشيْخ مشاري العفاسي، والتي تشْهَدُ بأنّهُ قرأ القرآن الكريمَ غيْبًا عن ظهْرِ قلْب ترتيلًا وتجويدًا بروايةِ حفْصٍ عن عاصِم من طريقِ الشاطبيّةِ على الشيْخِ أحمد عبدالعزيزِ الزيّات والذي يذكُر كامل اسنادِهِ وأخذِهِ لها غيْبًا وإسناد تلقيهِ وعرضِهِ، اسْمًا، اسْمًا، بمن اقرأوه وحفِظ عنهم وعرضَ عليْهِم، وصولًا إلى أبي عبدالرحمن السلمي عن الصحابةِ الخمسةِ عن النبي صلى اللهُ عليْهِ وسلّم. وهذه الإجازة منذ نزول القرآن الكريم وحتى يومِنا هذا في القرن الواحد والعشرين وإلى ان يرِث اللهُ الأرضَ ومن عليها، فلا يحِل لأحدٍ أن يأخذ القرآن من الصُّحُفِ والمصاحِفِ بل إجازةً بالتلقِّي والعرض.
    اضغط على الصورة لعرض أكبر.   الإسم:	image.png  مشاهدات:	33  الحجم:	570.1 كيلوبايت  الهوية:	824525





    الثاني عشر: المعايير العلمية لتعليم القرآن الكريم في مجال الإجازة القرآنية بالسند المتصل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نقلا عن المجلس العالمي الثاني بمكة المكرمة لشيوخ الاقراء

    تم اعتماد هذه المعايير العلمية لتعليم القرآن الكريم في مجال الإجازة القرآنية بالسند المتصل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قِبل أعضاء المجلس العالمي لشيوخ الإقراء في اجتماع المجلس الثاني الذي عُقد في مكة المكرمة 2/رجب/1439هـ الموافق 19/مارس/2018م برئاسة معالي الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى رئيس المجلس والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي.

    والإجازة القرآنية: هي عمليةُ النَّقلِ الصوتيِّ للقرآن الكريمِ من جيلٍ إلى جيل، وفيها يَشهدُ المُجيزُ أنَّ تلاوةَ المُجازِ قد صارت صحيحةً مئةً بالمئةِ بالنسبةِ للروايةِ - أو الرواياتِ - التي أجازَهُ بها, ثم يَأذَنُ له أَنْ يَقرأَ ويُقرِئَ غَيرَه القرآنَ الكريمَ.

    مشروعية الإجازة: الأصلُ فيها: قولُ اللهِ تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ﴾ سُورَةُ النمل 6. ومادة ( تَلَقَّى ) مشتقَّةٌ من ( اللُّقْيا ) فيها لقاءٌ بينَ اثنينِ: هُما المُتلقِّي والمُتلقَّى منهُ, فقد تلقَّى جبريلُ - عليه السلام- من اللهِ تعالى، وتلقَّى نبيُّنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم مِن جبريل، وتلقَّى الصحابةُ رضوانُ اللهِ تعالى عليهم من رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
    وقدأخرجَ البخاريُّ في صحيحِه في كتاب ( فضائلِ القرآن ) عن مسروقٍ قال: ذَكرَ عبدُ اللهِ بنُ عمرٍو عبدَ اللهِ بنَ مسعودٍ فقالَ: لا أزالُ أحبُّهُ، سمعتُ النبيَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم يقول: « خُذوا القرآنَ من أربعةٍ: مِن عبدِ اللهِ بنِ مسعود، وسالمٍ، ومعاذٍ، وأُبيِّ بنِ كعب ».

    يدلُّ هذا الحديثُ على أمورٍ، منها:

    1 - قراءةُ القرآنِ تؤخَذُ بالتَّلقِّي مِن أفواهِ المُقرئين المُتقِنين، وهذا معنى الإجازةِ الذي تقدَّم.
    2 - مشروعيةُ تحرِّي الضابطِين من أهلِ القرآنِ للأخذِ عنهم والتَّلقِّي منهم؛ فالقرآنُ لا يؤخَذُ عنكلِّ أحدٍ.
    3 - محبةُ القُرَّاءِ الحافظِين المُتقِنينَ على وجهِ الخُصوص ؛ لأنَّ صُدورَهم أوعيةٌ لكتابِ اللهِ تعالى وهُم في إتقانِه وقراءتِه والأمانةِ في تعليمِه كالملائكةِ السَّفَرة, الكرامِ البَرَرة.

    أهمية الإجازة: وتبرُزُ أهميةُ الإجازةِ بأنه لا يَصحُّ لأحدٍ أن يُقرئَ القرآنَ الكريم، حتى يأخذَه أخذًا كامِلًا من أفواهِ المشايخِ العارفين المُتقِنين، ويُؤذَنَ له بالإقراء, فإن لم يُؤذنْ له بالإقراءِ فلا ينبغي أن يُقرئَ القرآنَ حتى لو قرأَ القرآنَ مراتٍ عديدة، فإنَّ السماعَ والعَرْضَ لا يكفِيانِ في صِحَّةِ أداءِ القرآنِ بعد زمانِ شُيوعِ اللَّحْن، بل لا بُدَّ معهما من إجازةٍ وإذنٍ بالقراءةِ والإقراءِ، وذلك لأنَّ الطالبَ قد يقرأُ القرآنَ كلَّه على شيخِه مِرارًا ولا يُتقِنُ الأداءَ فلا يُجيزُه الشيخ، ومِن ذلك ما ذكرَه الإمامُ ابنُ الجزريِّ -رحمه اللهُ تعالى- عن الإمامِ أحمدَ بنِ أحمدَ بنِ إبراهيمَ الهاشميِّ ( ت 646 هـ ) أنَّه قرأ عليه أبو جعفرٍ بنُ الزبيرِ روايةَ ورشٍ عِدَّةَ خَتَمات، قال: ولم يُجِزْني، وقرأ عليه بعضُ أَتْرابي وأجازَ له.

    مِن هنا كان بعضُ السَّلفِ رحمَهم اللهُ يَطلُبون من بعضِ تلاميذِهم إِعادةَ قراءةِ القرآن مرَّاتٍ عديدةٍ حتى يَستوثِقوا مِن إتقانِهم. فمِن ذلك أنَّ مجاهدَ بنَ جَبْرٍ المكِّيَّ قرأ على ابنِ عبَّاسٍ ثلاثينَ ختمة. ومِن ذلك أنَّ الإمامَ أبا جعفرٍ عرَضَ القرآنَ على مولاه عبدِ اللهِ بنِ عيَّاش، وعلى عبدِ اللهِ بنِ عباسٍ، وعلى أبي هريرةَ رضي الله عنهما. ومِن ذلك أنَّ الإمامَ نافعَ بنَ أبي نُعيَمٍ قال: قرأتُ على سبعينَ مِن التابعِين. ومن ذلك أنَّ هشامَ بنَ عمارٍ السُّلَميَّ أخذَ القراءةَ عَرْضًا عن أيُّوبَ بنِ تميمٍ وعِراكِ بنِ خالد، والوليدِ بنِ مسلم، وصدقةَ بنِ خالد، وغيرِهم. وأكثرُ ما بلغَنا في ذلك عن الإمامِ يوسفَ بنِ عليِّ بنِ جُبارةَ أبي القاسمِ الهُذَليِّ مؤلفِ كتابِ الكاملِ في القراءات، قال فيه عن نَفْسِه: فُجملةُ مَن لقيتُ في هذا العلم ثلاثُمائةٍ وخمسةٌ وستُّونَ شيخًا مِن آخرِ المَغربِ إلى باب فَرْغانةَ يمينًا وشِمالًا وجبلًا وبحرًا، ولو علمتُ أحدًا تقدَّم عليَّ في هذه الطبقةِ في جميعِ بلادِ الإسلامِ لقصدتُه. وقد علَّقَ إمامُنا الجزريُّ على هذا الكلامِ للهُذليِّ بقولِه: « قلتُ: كذا تَرى هِمَمَ الساداتِ في الطلَب ».

    ولا يوجدُ واحدٌ منهم البتةَ أقرأَ الناسَ واعتُمِدَ عليه في الإقراءِ إلَّا وقد عَرضَ القرآنَ كلَّه من أوَّلِه إلى آخِره على أحدِ الشيوخِ المعتبَرين، وشَهِد له علماءُ القراءةِ والأداءِ بالحفظِ والإتقان. وهذا مِن حفظِ اللهِ تعالى لكتابِه، فإنَّه قال: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ سُورَةُ الحِجر: 9. وهذا الحفظُ مِن اللهِ سبحانه حفظٌ مطلَق ؛ حَفِظَه في آياتِه وسُورِه، وفي رسمِه ونظمِه، وفي كيفيةِ تَلَقِّيه وأدائِه، وفي تفسيرِه ومعانيه، وكفى بالله حافظًا ومهيِّـئًا لأسبابِ حِفْظِه، فإنَّ الأُمَّةَ لم تَعْتَنِ بشيءٍ كاعتنائِها بالقرآنِ الكريمِ، من عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى زمانِنا هذا وإلى ما شاءَ الله. فلا يمكنُ أن يخلوَ عصرٌ من العصورِ وجيلٌ من الأجيال من قائمٍ للهِ بالحُجَّةِ في إقراءِ القرآنِ الكريمِ وتعليمِه. لذا فإنَّه لا يجوزُ لأحدٍ بعدَ ذلك أن يُقْدِمَ على إقراءِ القرآنِ الكريمِ إلَّا بعدَ تَلقٍّ كاملٍ للقرآنِ من أوَّلِه إلى آخِرِه عَرْضًا على أحدِ المشايخِ المُتقِنينِ المُتلَقِّينَ عن مِثلِهم إلى النبيِّ e، وبعدَ إجازةٍ منهم له بالإقراء.

    شروطُ وضوابط الإجازةِ بالقرآن الكريم اليوم:
    1-
    حفظُ القرآنِ الكريمِ حِفظًا كاملًا مُتقَنًا
    2- حفظُ منظومةِ « المقدِّمة الجزريَّة » في التجويد، وفهمُ شرحها
    3-قراءةُ القرآنِ الكريمِ كاملًا على الشيخِ المُجيزِ حرفًا حرفًا
    4- تدريبُ المُجيزِ للمُجازِ على الإِقراء:لأنَّ القراءةَ شيءٌ، والإِقراءَ شيءٌ آخر. فكم ممَّن يُحسِنُ القراءةَ ولا يُحسِنُ الإقراء، فينبغي للمُجيزِ أن يُدرِّبَ طالبَه على الإقراء


    أركانُ الإجازةِ بالقرآن الكريم
    أوَّلًا- مُجيز: وهو الشيخُ الذي يَسمَعُ القرآنَ كلَّه من الطالبِ مع التجويدِ والضبطِ التامِّ.
    ثانيًا- مُجاز (له): وهو الطالبُ الذي يقرأُ أمامَ الشيخِ ويتلقَّى منه القرآن.
    ثالثًا- مُجازٌ بهِ: وهو القرآنُ العظيم, الذي هو كلامُ اللهِ تعالى, المنزَّلُ على رسولِ اللهِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم باللسانِ العربيِّ، المُعجِزُ بأَقصرِ سورةٍ منه، المكتوبُ في المصاحف، المنقولُ إلينا بالتواتُر، المتعبَّدُ بتلاوته، المبدوءُ بسورةِ الفاتحة، المختومُ بسورةِ الناسِ، وذلك بإحدى رواياتِه التلفُّظيَّةِ أو أكثر.
    رابعًا- لفظ الإجازة.
    خامسا: الإسناد
    : وهم الرجالُ الذينَ نقلوا لنا القرآنَ العظيمَ مُشافَهةً، كلُّ واحدٍ منهم قرأَ على شيخهِ، وشيخُهُ على شيخِهِ، وهكذا إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، عن أمينِ الوحيِ جبريلَ، عن ربِّ العِزَّةِ تبارك وتعالى.

    فائِدة: يُراعى أن يكتب الشيخُ اسمَه واسْمَ الطالِبِ كاملًا؛ بحيثُ يَذكر كنيتَه إن وُجِدَ، واسمَه واسمَ أبيه وجده أو أكثر-مع مراعاةِ الفصل بين الأسماء بـ (ابن)؛ وذلك لتمييز الأسماء المركَّبة-، ولقبه.
    فائِدة: وإن كان ثمة ملاحظاتٌ على الطالب فإنه يذكُرُها؛ وذلك كأن يكون في المُجازِ عيبٌ خِلْقيُّ في حرفٍ معيَّنٍ، أو نحو ذلك.
    فائِدة: من يقرأ القرآن او يحفظه من المصحف او الصوتيات فهذا لا يطلق عليه قارئاً، إنما القارئ من يتلقى القرآن مشافهة بالإجازة بالتلقي والعرض.

    مثال من الاجازة اعلاه:

    المُجيز ( أحمد عبدالعزيز بن أحمد بن محمد الزيات)
    اضغط على الصورة لعرض أكبر.   الإسم:	image.png  مشاهدات:	34  الحجم:	14.9 كيلوبايت  الهوية:	824526



    والمُجاز لهُ (مشاري بن راشِد العفاسي).
    اضغط على الصورة لعرض أكبر.   الإسم:	image.png  مشاهدات:	34  الحجم:	23.9 كيلوبايت  الهوية:	824527




    والمُجازُ بِهِ فهو (اقراء القرآن عن ظهر قلب ترتيلا وتجويدًا بروايةِ حفصٍ عن عاصم من طريق الشاطبية .. في أيِّ مكانٍ حلّ وأي قُطْرٍ نزل).
    اضغط على الصورة لعرض أكبر.   الإسم:	image.png  مشاهدات:	33  الحجم:	22.6 كيلوبايت  الهوية:	824528




    ولفظُ الإجازةِ (فطلب مني الإجازة فأجزته بذلِك .. وقد أجزْتُهُ إجازة صحيحة بشرْطِها المعتبر عند علماء الأثر، وأذِنت له أن يقرأ ويُقرىء بها في أي مكان حل وأي قطر نزل)
    اضغط على الصورة لعرض أكبر.   الإسم:	image.png  مشاهدات:	36  الحجم:	23.7 كيلوبايت  الهوية:	824529




    والإسناد ( وأخبرته أني تلقيت رواية حفص من طريق الشاطبية والقراءات العشر من الأستاذ العالم خليل غنيم الجنايني وهو عن الشيخ أحمد الدري الشهير بالتهامي .............الخ ....... وهو عن ابي عبدالرحمن عبدالله بن حبيب السلمي الضرير وهو عن عبدالله بن مسعود وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وأبي بن كعب وزيد بن ثابت رضي الله عنهم خمستهم عن رسول الله صلى الله علسه وسلم"
    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	image.png 
مشاهدات:	196 
الحجم:	207.6 كيلوبايت 
الهوية:	824571





    وهكذا نجِدُ أن ملايين الحُفّاظِ المتقنين، اليومَ، لديهم هذه الإجازات، وهو الحالُ نفْسُهُ بالأمس وكُلّ قرنٍ من القرون، وحتى زمان الصحابةِ لابد لهم من هذه الإجازة والإسْناد. فالأمة تلقت القرآن بهذه الأسانيد المتواترة طوال هذه القرون التي مرت بطريق التلقي الشفاهي، ونظرا إلى أن النص القرآنی منزل من عند الله تعالى، فإنه لم يكن متاحًا للاستظهار إلا بتلقيه عن البشري الوحيد الذي أنزل عليه القرآن ليبلغه إلى سائر البشر (وهو محمد صلى الله عليْه وسلّم). ونظرة إلى قداسة النص الكريم وخطره العظيم، من حيث إنه سيكون محور التشريع لحياة البشر= فقد لزم أن يقترن في الحلقات الأولى لتلقيه بعرض يوثق سلامة ذلك التلقي

    لا يقبل في الإجازة إلا درجة مائة بالمائة:
    قال الإمام ابنُ الجزريِّ – رحمه الله تعالى- في كتابه النشر في القراءات العشر: « ولمَّا خصَّ اللهُ تعالى بحفظِه مَن شاء مِن أهلِه.. أقام لهم أئمةً ثقاتٍ، تجرَّدوا لتصحيحِه وبذلوا أنفسَهم في إتقانِه، وتلقَّوْه من النبيِّ محمدٍ صلى الله عليه وسلم حرفًا حرفًا، لم يُهمِلوا حركةً ولا سكونًا، ولا إِثباتًا ولا حَذفًا، ولا دَخَلَ عليهم في شيءٌ منه شكٌّ ولا وَهمٌ » اهـ. وهذا هو السببُ الذي جعلَنا نقولُ في تعريفِ الإجازة: « وفيها يشهدُ المجيزُ أنَّ تلاوةَ المُجازِ قد صارت صحيحةً مِئةً بالمِئة ». فتسعٌ وتسعونَ بالمِائة درجةٌ ممتازةٌ في غيرِ الإجازةِ بالقرآن، أمَّا فيها فلا يُقبَلُ إلَّا مِئةٌ بالمِئة: وسببُ ذلك أنَّ بيننا وبينَ سيِّدِنا رسولِ- اللهِ صلى الله عليه وسلم- في الأسانيدِ القرآنيَّةِ المُعاصِرةِ (30) رجلًا في متوسِّطِ الأسانيد، قد نَقلَ كلُّ واحدٍ منهم القرآنَ لمَن بعدَه، وهكذا حتى وصلَ إلينا، فلو تساهلَ كلُّ واحدٍ مِن هؤلاءِ بواحدٍ بالمِئةِ في القراءةِ في النقل لكان نقلُ القرآنِ من الصحابةِ إلى التابعين بصِحَّةٍ نسبتُها (99%) ومن التابعين لمَن بعدَهم (98%)، وإلى مَن بعدَهم (97%) وهكذا حتى يَصِلَ إلينا بنسبةِ (70%) فما الرأيُ بقرآنٍ وتجويدٍ وضَبطٍ نِسبتُه (70%) ؟!

    هذا إن تساهلَتْ كلُّ طبقةٍ بواحدٍ بالمِئة فقط، فما بالُنا لو زاد التساهل؟ لكنْ – بحمدِ اللهِ تعالى- لم يَقعْ هذا الأمرُ، وقد وصلنا القرآنُ العظيمُ مضبوطًا بكلِّ حركةٍ وسكون، وغُنَّةٍ وقلقلة، ومَدٍّ وقصر، وتفخيمٍ وترقيق، محفوظًا مِن كلِّ تغييرٍ وتبديل، وصدقَ اللهُ العظيمُ إذ يقول: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ سُورَةُ الحِجر 9.


    أنواعُ الإجازةِ بالقرآن الكريم
    1- الإجازة بحفظِ القرآنِ الكريمِ كاملًا غيبًا، بالتجويد والإتقان: وذلك بروايةٍ أو أكثرَ من الرِّواياتِ المتواترةِ عن القرَّاء العشر.
    2- شهادةُ إتقانِ تلاوة القرآن: تُعطَى لمن يُجيدُ تلاوةَ القرآن نظرًا مِن المصحف من أوَّلِه إلى آخِرِه، مع حفظِ منظومةِ الجزَريَّة أو غيرِها مِن متونِ التجويد المُعتبَرة.
    3- شهادةُ حضورِ دورةِ إتقانِ التلاوة: وشرطُها أن يُنَصَّ في الشهادةِ على الواقعِ الذي تمَّ ؛ مِن حيثُ الفترةُ الزمنيَّةُ للدورة، والمَنهجُ النظريُّ الذي تمَّتْ دراستُه، ومقدارُ التلاوةِ التطبيقيَّة.


    الإشهادُ على الإجازةِ القرآنيَّة:
    الإشهادُ على الإجازةِ القرآنيةِ نوعٌ من أنواعِ التوثيقِ، وليس شرطًا في صحَّتِها. فإنَّ بعضَ مَن يُقرئ يُحِبُّ أن يُشهِدَ شيخَ قُـرَّاءِ البلد - مثلًا - على إجازتِه لبعضِ طلابِه، وذلك ليتأكَّدَ أنَّ غيرَه من أهل الفنِّ يُوافقونَه على مستوى إقرائِه ويُقِرُّون إجازتَه. كما أنَّ بعضَ الطلبةِ يُحِبُّونَ أن يُشهِدوا على إجازتِهم مِن أستاذِهم كبيرَ قرَّاءِ البلد، أو أستاذَ أستاذِهم الذي لم تسمح لهم الظروفُ أن يَقرَؤا عليه. وهذا الأمر قد يكون لمصلَحةِ المُجاز إذا طال عمرُه، وابتلاه اللهُ بمَن يُشكِّكُ في إجازتِه من أستاذِه ؛ حسدًا أو لغيرِ ذلك من الأسباب، مِن هنا استحسنَ إمامُنا الجزريُّ أن يُشهِدَ المُجازُ النُّجباءَ مِن أقرانِه المُنتهين. قال -رحمه الله تعالى- في منجِد المقرئين: « وأما ما جرَتْ به العادةُ من الإشهادِ على الشيخِ بالإجازةِ والقراءةِ فحسنٌ يَرفَعُ التُّهمة، ويُسكِنُ القلبَ، وأمرُ الشهادةِ يتعلَّقُ بالقارئِ يُشهِدُ على الشيخِ مَن يَختار، والأحسنُ أن يُشهِدَ أقرانَه النُّجَباءَ مِن القُرَّاءِ المُنتهِين ؛ لأنَّه أنفعُ له حالَ كِبَره ». ومِن ذلك ما ذكرَه ابنُ الجزريِّ - أيضًا - في ترجمة شيخِه محمدِ بنِ عبدِ الرحمنِ المعروفِ بابنِ الصائغِ الحنفيِّ (ت: 776 هـ) بقولِه: « فقرأتُ عليه، فلما أن ختمتُ عليه الختمةَ الثانيةَ كتبَ لي الإجازةَ بخطِّه سألتُه أن يذهبَ إلى شيخِنا جمالِ الدينِِ عبدِ الرحيمِ الإسنَويِّ شيخِ الشافعيَّة, فذهبَ إليه وهو بالمدينةِ الناصريَّةِ من القاهرةِ فأَشهدَه, وما كان شيخُنا الإسنَويُّ يعلمُ أني أقرأُ القراءاتِ, فقال له: والقراءاتِ أيضًا ؟! فقال: وغيرَها مِن العلوم» . ومنه أيضًا ما ذكرَه ابنُ الجزريِّ في ترجمةِ القاضي محبِّ الدينِ ناظرِ الجيوشِ بالديارِ المصريَّةِ ( ت سنة 778 هـ ) بقولِه: « قلتُ: وقرأتُ عليه جمعًا من البقرة إلى قوله: ﴿ خَتَمَ اللهُ ﴾ [البقرة: 7 ] وأجازني وشَهِدَ في أَجايِزي » .


    الثالث عشر: أحكام شرعية فيما يخص القراءة والتلاوة:

    حكم العملَ بقواعد التجويد في القرآن الكريم:

    من الواجبات الشرعية يثابُ فاعله، ويأثم تاركه، ولا يكفي مجرَّد العلم النظري، بل لا بد من الرجوع إلى القرَّاء المتقنين، الآخذين عن أمثالهم، المتصل سندهم بالرسول -صلى الله عليه وسلم- فإن هناك أمورًا لا بد فيها من المشافهة، وإن اكتفى بالأخذ من الكتب، وقع في التحريف الذي لا تصح به القراءة

    حكم قراءة القرآن من مصحف دون شيخ؟
    إن القرآن متلقى من أفواه الرجال، وهو محفوظ في الصدور، وأصل قراءته كلها الرواية، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه سور القرآن، ويأخذونها منه بالتلقي بالمشافهة ثم يعلمونها من بعدهم. ولكن مع هذا من كان قارئاً كاتباً، وقد قرأ بعض القرآن حتى عرف الرسم وعرف ما يقرأ من الحروف وما يترك فإنه يجوز له قراءة القرآن بدون أن يعرضه على غيره، وبالأخص إذا كان للختم دون حفظ، أما في الحفظ فلا بد أن يعرضه على من يصححه له، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري أنه قال: "الذي يقرأ القرآن ولا يتعتع فيه وهو عليه غير شاق مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق ممن يؤتى أجره مرتين"، فكل ذلك فيه خير.



    الرابع عشر: تذكر مع كل ما سبق .. ان هذه خصيصة كتاب الله التي لم تتوفر لاي كتاب في الدنيا... فورية التبليغ - تلقينا: (سماعا وعرضا) وتدوينا:

    1- فورية القراءة - (التلاوة) الفوري: فالنبي أمي فأنسب طرق التبليغ.. هي القراءة والتلاوة والإسماع الشفهي.
    2- فورية السماع - (التلقي) الفوري: وأمته أمية فأنسب طرق التلقي هي السماع.
    4- فورية التدوين الفوري: ومن أمته وصحابته من كان يكتب، فاتخذ كُتَّابًا يكتبون له الوحي ليسجلوا ما نزل من القرآن فور نزوله وكما أنزل حتى لا يظل القرآن رهنا لذواكر البشر بشروط ذلك من حياتهم، وحضورهم، وإيمانهم، وضبطهم، واستجابتهم، فكان يُدون الكاتب الوحيَ فور نزوله وقراءة النبي له.
    5- العرض الفوري
    والحمدلله رب العالمين.
    التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 12 فبر, 2021, 03:47 ص.
    "يا أيُّها الَّذٍينَ آمَنُوا كُونُوا قوَّاميِنَ للهِ شُهَدَاء بِالقِسْطِ ولا يَجْرِمنَّكُم شَنئانُ قوْمٍ على ألّا تَعْدِلوا اعدِلُوا هُوَ أقربُ لِلتّقْوى
    رحم الله من قرأ قولي وبحث في أدلتي ثم أهداني عيوبي وأخطائي
    *******************
    موقع نداء الرجاء لدعوة النصارى لدين الله .... .... مناظرة "حول موضوع نسخ التلاوة في القرآن" .... أبلغ عن مخالفة أو أسلوب غير دعوي .... حوار حوْل "مصحف ابن مسْعود , وقرآنية المعوذتين " ..... حديث شديد اللهجة .... حِوار حوْل " هل قالتِ اليهود عُزيْرٌ بنُ الله" .... عِلْم الرّجال عِند امة محمد ... تحدّي مفتوح للمسيحية ..... حوار حوْل " القبلة : وادي البكاء وبكة " .... ضيْفتنا المسيحية ...الحجاب والنقاب ..حكم إلهي أخفاه عنكم القساوسة .... يعقوب (الرسول) أخو الرب يُكذب و يُفحِم بولس الأنطاكي ... الأرثوذكسية المسيحية ماهي إلا هرْطقة أبيونية ... مكة مذكورة بالإسْم في سفر التكوين- ترجمة سعيد الفيومي ... حوار حول تاريخية مكة (بكة)
    ********************
    "وأما المشبهة : فقد كفرهم مخالفوهم من أصحابنا ومن المعتزلة
    وكان الأستاذ أبو إسحاق يقول : أكفر من يكفرني وكل مخالف يكفرنا فنحن نكفره وإلا فلا.
    والذي نختاره أن لا نكفر أحدا من أهل القبلة "
    (ابن تيْمِيَة : درء تعارض العقل والنقل 1/ 95 )

مواضيع ذات صلة

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
ابتدأ بواسطة زينب محمد ١٤٠, 11 ماي, 2021, 06:41 ص
ردود 0
68 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة زينب محمد ١٤٠  
ابتدأ بواسطة فؤاد النمر, 5 أبر, 2021, 03:11 ص
ردود 0
255 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة فؤاد النمر
بواسطة فؤاد النمر
 
ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 23 مار, 2021, 09:05 ص
ردود 6
529 مشاهدات
1 معجب
آخر مشاركة Nour Al-Hoda
بواسطة Nour Al-Hoda
 
ابتدأ بواسطة فؤاد النمر, 19 مار, 2021, 06:43 م
ردود 0
275 مشاهدات
1 معجب
آخر مشاركة فؤاد النمر
بواسطة فؤاد النمر
 
ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 14 مار, 2021, 08:51 م
ردود 0
420 مشاهدات
1 معجب
آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
يعمل...
X