قصتان مختلفتان لسبب تسمية موقع محنايم بسفر التكوين

[أكرمنى ربى بالاسلام]

قصتان مختلفتان لسبب تسمية موقع محنايم

المقدمة :-
سبق وأن كتبت عن تعدد المصادر في الكتاب المقدس وعلى نظريات العلماء بشأنها ، فيعتقد العلماء أن النصوص الحالية التي نقرأها في الأسفار الخمسة الأولى فإن بعضها عبارة عن أكثر من شكل للقصة كانت متداولة في بني إسرائيل وعندما أرادت طوائف بني إسرائيل الاتفاق على كتاب مقدس مشترك تم جمع هذه الأشكال معا ، بعضها تم مزجهم معا ، والبعض تم فصلهم

للمزيد راجع :-
اقتناع عدد كبير من دارسي الكتاب المقدس وعلمائه على تعدد مصادر الكتاب المقدس بشكله الحالى

https://www.hurras.org/vb/forum/الدراسات-النقدية/نقد-نصي-للعهد-القديم/818644-أهواء-طوائف-بني-إسرائيل-في-الفترة-الهلينستية-هي-من-شكلت-مخطوطات-الكتاب-المقدس?p=818647#post818647

التعددية النصية للكتاب المقدس في الفترة الهلنستية مثبتة من خلال المخطوطات

https://www.hurras.org/vb/forum/%D8%...B7%D8%A7%D8%AA

و أحد النصوص التي يعتقد العلماء أنها دليل على التعددية النصية هي النصوص في الاصحاح 32 من سفر التكوين حول سبب تسمية المكان بــ (محنايم) بمعنى معسكرين ، حيث نجد شكلان مختلفان في سفر التكوين لقصة محنايم أي معسكران وهو ما أشار إليه الدكتور / دودو كوهين
Dudu Cohen (David Ben-Gad HaCohen) في مقاله بموقع the torah

في هذا الرابط :-

https://thetorah.com/jacobs-journey-...el-in-j-and-e/

فكلمة محنايم وردت مرتان في شكلان مختلفان حيث نجد :-

الشكل الأول :- ملاقاة سيدنا يعقوب لملائكة الله :-
فنقرأ من سفر التكوين :-
32 :1 و اما يعقوب فمضى في طريقه و لاقاه ملائكة الله
32 :2 و قال يعقوب اذ راهم هذا جيش الله فدعا اسم ذلك المكان محنايم

بعد أن ترك سيدنا يعقوب خاله لابان وسار في طريقه مع زوجاته وأبنائه ، قابل ملائكة الله فقال عنهم أن هذا جيش الله فأطلق على المكان اسم محنايم بمعنى معسكرين

فكلمة محنايم מַֽחֲנָֽיִם توافق لغوي 4266 و تكتب بالانجليزية Machanayim تعنى معسكرين أي تثنية معسكر ، يعني تثنية لكلمة מַחֲנֽוֹת محنايه توافق لغوى 4264 أى معسكر

فنقرأ من NAS Exhaustive Concordance :-

Word Origin
dual of machaneh
Definition
"two camps," a place E. of the Jordan

راجع هذا الرابط :-

https://biblehub.com/hebrew/4266.htm

و معسكر أي مكان تخيم فيه جماعة ما ، وتم استخدامه عندما كان بنو إسرائيل يسافرون على الطريق بعد خروجهم من مصر فكان لكل سبط محلة أي مكان للتخييم

الشكل الثاني :- سيدنا يعقوب يقسم كل ما معه إلى معسكران قبل ملاقاة أخيه عيسو :-

فنقرأ من سفر التكوين :-
32 :3 و ارسل يعقوب رسلا قدامه الى عيسو اخيه الى ارض سعير بلاد ادوم
32 :4 و امرهم قائلا هكذا تقولون لسيدي عيسو هكذا قال عبدك يعقوب تغربت عند لابان و لبثت الى الان
32 :5 و قد صار لي بقر و حمير و غنم و عبيد و اماء و ارسلت لاخبر سيدي لكي اجد نعمة في عينيك
32 :6 فرجع الرسل الى يعقوب قائلين اتينا الى اخيك الى عيسو و هو ايضا قادم للقائك و اربع مئة رجل معه
32 :7 فخاف يعقوب جدا و ضاق به الامر فقسم القوم الذين معه و الغنم و البقر و الجمال الىجيشين
32 :8 و قال ان جاء عيسو الى الجيش الواحد و ضربه يكون الجيش الباقي ناجيا
32 :9 و قال يعقوب يا اله ابي ابراهيم و اله ابي اسحق الرب الذي قال لي ارجع الى ارضك و الى عشيرتك فاحسن اليك
32 :10 صغير انا عن جميع الطافك و جميع الامانة التي صنعت الى عبدك فاني بعصاي عبرت هذا الاردن و الان قد صرت جيشين


الكلمة العبرية التي تم ترجمتها جيشين هي بالعبرية كلمتين (اثنين معسكر) يعني بالانجليزية into two camps ، وكلمة معسكر هنا هو أصل كلمة محنايم أي هي محنايه وهي بالعبرية מַחֲנֽוֹת توافق لغوى 4264

راجع الرابط الذي به النص العبري و الذي يوضح أن الجملة (اثنان معسكر) :-

https://biblehub.com/text/genesis/32-7.htm

يعني في هذا الشكل من القصة يخبرنا أنه بعد أن ترك سيدنا يعقوب عليه الصلاة والسلام خاله لابان وسار في طريقه أدرك أن أخيه عيسو قادم للقائه ومعه 400 رجل ، فخاف سيدنا يعقوب منه فقسم القوم الذين معه وكذلك المواشى إلى اثنان معسكر (معسكرين)

ولكن ما الدليل على التعددية النصية في هذه النصوص ؟؟!!!!

هذا إن شاء الله ما سوف أوضحه في النقاط التالية :-

[أكرمنى ربى بالاسلام]

• 1- سبب وجود فكرة أن سيدنا يعقوب قسم كل ما معه إلى معسكرين هو محاولة لإعطاء سببا آخر لتسمية المكان بمحنايم ، بعكس السبب المذكور في بداية الاصحاح 32 :-

في الشكل الثاني من القصة لا يتكلم صراحة على أن المنطقة تم تسميتها محنايم لأن سيدنا يعقوب قسم كل ما معه إلى معسكرين أو جيشيين ولكن لاحظ الدكتور/ دودو كوهين أن هناك إصرار على اظهار هذا التقسيم بالرغم من أن باقي أحداث القصة لا تظهر هذا التقسيم وانتهى في رأيه أن هذا مرجعه إلى رغبة صاحب هذا المصدر أن يعطى سبب آخر لتسمية المكان ، حيث وجد الآتي :-

• أ- سيدنا يعقوب يدعو الله عز وجل أن ينجيه من عيسو وفى نفس الوقت هو ممتن لما أكرمه به الله وأنه صار جيشين :-

بالرغم من أن تقسيم الجيشين ليس بسبب كثرة العدد ولكن لخوفه من أخيه ، وهذا تضارب واضح

فنقرأ من سفر التكوين :-
32 :6 فرجع الرسل الى يعقوب قائلين اتينا الى اخيك الى عيسو و هو ايضا قادم للقائك و اربع مئة رجل معه
32 :7 فخاف يعقوب جدا و ضاق به الامر فقسم القوم الذين معه و الغنم و البقر و الجمال الى جيشين
32 :8 و قال ان جاء عيسو الى الجيش الواحد و ضربه يكون الجيش الباقي ناجيا

هنا نعرف أن تقسيم الجيشين بسبب خوف سيدنا يعقوب من أخيه عيسو وليس لكثرة العدد

ولكنه مع ذلك عندما يدعو الله نجد شئ آخر

فنقرأ من سفر التكوين :-
32 :9 و قال يعقوب يا اله ابي ابراهيم و اله ابي اسحق الرب الذي قال لي ارجع الى ارضك و الى عشيرتك فاحسن اليك
32 :10 صغير انا عن جميع الطافك و جميع الامانة التي صنعت الى عبدك فاني بعصاي عبرت هذا الاردن و الان قد صرت جيشين


ومن ترجمة كتاب الحياة :-
32 :10 أنا لا أستحق جميع إحساناتك وأمانتك التي أبديتها نحو عبدك، فقد عبرت الأردن وليس معي سوى عصاي، وها أنا أعود وقد أصبحت جيشين


وكأنه يريد أن يقول أن تقسيم ما معه إلى جيشين بسبب كثرة العدد

• ب- باقي أحداث القصة لا تشير إلى هذا التقسيم :-

عندما نقرأ باقي أحداث القصة لا نجد أي اشارة إلى وجود جيشين ، بل نجد أن سيدنا يعقوب أخذ مجموعة مما معه وقسمه إلى ثلاثة أقسام بحيث يذهب كل واحد تلو الآخر كهدية لأخيه عيسو ، و أن هذه الهدية اجتازت أمامه ، أما هو فأخذ الباقي وعبر مخاضة يبوق ، فأين هو الجيشين ؟؟!!!

لا نسمع عنه شئ ،فلماذا إذا وضع موضوع تقسيم ما مع سيدنا يعقوب إلى جيشين ؟؟!!!
لأنه كانت رغبة من المصدر صاحب القصة أن يعطى سبب آخر لتسمية هذا المكان بمحنايم

فيسأل الدكتور / دودو كوهين :-

Why does Mahanaim have two etymologies? The simple answer is because each comes from a different source.

الترجمة :-
لماذا يوجد سببان لأصل كلمة محنايم ؟؟ الاجابة ببساطة لأن كل واحد جاء من مصدر مختلف
انتهى

[أكرمنى ربى بالاسلام]

• 2- لماذا تقطع جملة (بات هناك الليلة) في العدد (تكوين 32: 13) الحكاية ولماذا تتكرر مرة أخرى في العدد (تكوين 32: 21) :-

نقرأ من سفر التكوين :-
32 :1 و اما يعقوب فمضى في طريقه و لاقاه ملائكة الله
32 :2 و قال يعقوب اذ راهم هذا جيش الله فدعا اسم ذلك المكان محنايم
32 :3 و ارسل يعقوب رسلا قدامه الى عيسو اخيه الى ارض سعير بلاد ادوم

ثم نقرأ :-
32 :6 فرجع الرسل الى يعقوب قائلين اتينا الى اخيك الى عيسو و هو ايضا قادم للقائك و اربع مئة رجل معه
32 :7 فخاف يعقوب جدا و ضاق به الامر فقسم القوم الذين معه و الغنم و البقر و الجمال الى جيشين
32 :8 و قال ان جاء عيسو الى الجيش الواحد و ضربه يكون الجيش الباقي ناجيا
32 :9 و قال يعقوب يا اله ابي ابراهيم و اله ابي اسحق الرب الذي قال لي ارجع الى ارضك و الى عشيرتك فاحسن اليك
32 :10 صغير انا عن جميع الطافك و جميع الامانة التي صنعت الى عبدك فاني بعصاي عبرت هذا الاردن و الان قد صرت جيشين
32 :11 نجني من يد اخي من يد عيسو لاني خائف منه ان ياتي و يضربني الام مع البنين
32 :12 و انت قد قلت اني احسن اليك و اجعل نسلك كرمل البحر الذي لا يعد للكثرة
32 :13 و بات هناك تلك الليلة و اخذ مما اتى بيده هدية لعيسو اخيه
32 :14 مئتي عنز و عشرين تيسا مئتي نعجة و عشرين كبشا
32 :15 ثلاثين ناقة مرضعة و اولادها اربعين بقرة و عشرة ثيران عشرين اتانا و عشرة حمير
32 :16 و دفعها الى يد عبيده قطيعا قطيعا على حدة و قال لعبيده اجتازوا قدامي و اجعلوا فسحة بين قطيع و قطيع

ثم نقرأ :-
32 :20 و تقولون هوذا عبدك يعقوب ايضا وراءنا لانه قال استعطف وجهه بالهدية السائرة امامي و بعد ذلك انظر وجهه عسى ان يرفع وجهي
32 :21 فاجتازت الهدية قدامه و اما هو فبات تلك الليلة في المحلة

• أ- جملة (وبات هناك تلك الليلة) في العدد (تكوين 32: 13) تقطع تسلسل القصة :-

لاحظ دكتور / دودو كوهين أن جملة (وبات هناك تلك الليلة) في العدد (تكوين 32: 13) تقطع تسلسل الحكاية ، فالمفروض أن سيدنا يعقوب خائف من أخيه و يدعو الله عز وجل أن ينجيه ثم فجأة نجد أنه بات هناك الليلة وبعدها بشكل مباشر أنه أخذ هدايا لأخيه عيسو !!!!

المفروض بعد خوفه ودعائه لله أنه سيقوم بتجهيز الهدايا لأخيه ، فلماذا جملة (بات هناك الليلة) فهي ليس لها معنى

ويقول الدكتور / دودو كوهين أن الحاخام/ موسى الشيش (1508-1593) ، لاحظ هو أيضا صعوبة هذا الانقطاع في النص وذلك في تعليقه على سفر التكوين ، الموقع الجغرافي ، فيقول:-
(إن العبارة التي تقول "قضى الليل هناك" تبدو غير مرتبطة بما يأتي قبله وبعده. ويبدو أنه قد كتب دون هدف.)
انتهى

• ب- تكرار الإشارة إلى بيات سيدنا يعقوب عليه الصلاة والسلام الليلة :-

عندما أخبرنا في العدد (تكوين 32: 13) أن سيدنا يعقوب عليه الصلاة والسلام قد (بات هناك الليلة) لم يخبرنا أن استيقظ وقام بأخذ الهدايا ولكن مع ذلك نجد نص آخر يخبرنا أنه بات الليلة في المحلة وهذا في (تكوين 32: 21) ، فلماذا كان التكرار

يعتقد الدكتور / دودو كوهين أن هذا التكرار سببه أن الإشارة الأولى إلى بياته كانت نهاية لقصة مقابلة سيدنا يعقوب عليه الصلاة والسلام لجيش الملائكة ، أما الثانية فهي نهاية قصة تقسمة ما مع سيدنا يعقوب عليه الصلاة والسلام إلى جيشين

[أكرمنى ربى بالاسلام]

• 3- الدكتور / دودو كوهين ، يثبت تعدد المصادر في هذه القصة بعدة عوامل في النصوص :-

يقول أن قصة لقاء سيدنا يعقوب للملائكة جاءت من المصدر E بينما قصة لقاءه مع عيسو جاءت من مصدر J وأن هذا واضح من عدة عوامل :-

• أ- سيدنا يعقوب يستخدم في دعائه لله كلمة YHWH (يهو) وهو الاسم الذى كان المصدر J يستخدمه بينما كان المصدر (E) يتجنبه :-

ورد اسم الله في الأسفار الخمسة الأولى بشكلها الحالي بعدة أشكال و لكن أغلبها كان (يهو) و أيضا اسم آخر وهو (الوهيم) ، وبالنسبة إلى اسم (الوهيم) فهو مصلح عام للتعبير عن الإله و نجده شائع في الكتاب المقدس للتعبيرعن الله أو الآلهة أو العظماء أو الملائكة ، فهو بمعنى إله و من الممكن أن يطلق على آلهة أخرى أو أشخاص

فنقرأ من سفر الخروج :-
4 :16 و هو يكلم الشعب عنك و هو يكون لك فما و انت تكون له الها

الكلمة العبرية التي تم ترجمتها (إلها) في النص هو الوهيم

راجع هذا الرابط :-

https://biblehub.com/text/exodus/4-16.htm

أما اسم (يهو) فهو اسم محدد لاله بني إسرائيل ولا يطلق على أي إله آخر ، وكان المتدينين اليهود يتجنبون استخدامه فكانوا يستخدمون بدلا منه الوهيم بمعنى اله أو ادوناى بمعنى السيد

وقد لاحظ العلماء تجنب المصدر (E) استخدام اسم (يهو) ، بينما كان المصدر (J) هو من يستخدم اسم (يهو) مع استخدامه أيضا للأسماء الآخرى وهو الوهيم بمعنى اله أو أدوناى

وكان أحد الأدلة التي بينت للدكتور/ دودو كوهين أن قصة تقسمة سيدنا يعقوب عليه الصلاة والسلام ما معه إلى جيشين جاءت من المصدر (J) هو استخدام اسم (يهو) في دعاء سيدنا يعقوب لله عز وجل في القصة

فنقرأ من سفر التكوين :-
32 :9 و قال يعقوب يا اله ابي ابراهيم و اله ابي اسحق الرب الذي قال لي ارجع الى ارضك و الى عشيرتك فاحسن اليك
32 :10 صغير انا عن جميع الطافك و جميع الامانة التي صنعت الى عبدك فاني بعصاي عبرت هذا الاردن و الان قد صرت جيشين

في العدد (32: 9) فإن الكلمة العبرية التي تم ترجمتها إله في (إله أبى إبراهيم) هي الوهيم ، ولكن الكلمة العبرية التي تم ترجمتها (الرب) كان (يهو) יְהוָ֞ה توافق لغوى 3068 ، وهي الكلمة التي كان المصدر (E) يتجنب استخدامها بينما كان المصدر (J) يستخدمها ، مما يعني استحالة أن يكون هذا النص من المصدر (E)

راجع هذا الرابط من موقع Bible Hub به النص العبري :-

https://biblehub.com/text/genesis/32-9.htm

• ب- كلمة خادمات أو جوارى (اماء) maidservants وهي بالعبرية שפחה توافق لغوى 8198 كانت أسلوب المصدر J :-

نقرأ من سفر التكوين :-
32 :5 و قد صار لي بقر و حمير و غنم و عبيد و اماء و ارسلت لاخبر سيدي لكي اجد نعمة في عينيك

الكلمة العبرية التي تم ترجمتها فى النص (إماء أي جوارى) هي שפחה توافق لغوى 8198

راجع هذا الرابط :-

https://biblehub.com/text/genesis/32-5.htm

و سنجدها أيضا في الأعداد (32: 22 ، 33: 1-2 -6) يقول عنها الدكتور / دودو كوهين أن المصدر J هو من كان يستخدمها بينما المصدر E كان يستخدم كلمة אמה