خطأ شائع يفوق الجُرْمْ

تقليص

عن الكاتب

تقليص

دفاع اكتشف المزيد حول دفاع
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • خطأ شائع يفوق الجُرْمْ

    [align=right]
    بقلم الدكتورة زينب عبدالعزيز
    أستاذة الحضارة الفرنسية
    يقول المثل العامي من قبيل التهوين: "خطأ شائع ولا صواب مجهول"!.. لكن هناك من الأخطاء الشائعة ما يفوق الجُرْمْ والإجْرام حتى وإن كان بحسن نية، لذلك وجب التنويه والتصويب، خاصة إذا كان هذا الخطأ يمس الدين وأبجدية المعلومات العامة معاً.. ولولا شيوع هذا الخطـأ، ليس بين عامة الناس فحسب وإنما بين بعض كبار العلماء والباحثين والدارسين، لما فكرت في تناوله. والموضوع اختصارا يتعلق بكيفية التعبير عن الرسالات التوحيدية الثلاث، وكتبها، وخطأ المساواة بينها، فالخطأ هنا يفوق الجُرْمْ حقاً وشرعاً.
    والرسالات التوحيدية هي بترتيب نزولها: اليهودية، المسيحية، والإسلام. وأصلها: التوحيد بالله عز وجل. فحينما حاد اليهود عن رسالة التوحيد وقتلوا الأنبياء بغير حق، وعادوا إلى العجل والكفر والشرك بالله، لعنهم الله سبحانه وتعالى.. وأرسل عيسى بن مريم، عليه السلام، إلى خراف إسرائيل الضالة. وهو ما يؤكده عيسى بن مريم بوضوح قائلا: "وما أتيت إلا من أجل خراف بيت إسرائيل الضالة" (متى 15: 24).. الأمر الذي يحدد ويحصر رسالة يسوع في العودة بخراف اليهود الضالة إلى رسالة التوحيد، وليس لتنصير العالم.. بدليل أنه حينما تم اكتشاف قارّات جديدة اندلعت مشكلات بين الأتباع وفي الكنيسة نفسها حول تلك الأجناس الجديدة وهل هي مخلوقة من نفس الإله أم أن هناك آلهة أخرى قد خلقتها. وليس المجال هنا تناول هذه الجزئية. كما كانت الصلاة والسجود أيام المسيح حسبما يحددها بوضوح أيضا، إذ يقول: "لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد" (متى 4: 10). أي أنه يؤكد بصريح العبارة أنه ليس بإله، ويفرق بينه وبين الرب. وهو ما يوضح في الوقت نفسه أن الصلاة والسجود أيام اليهود وأيام السيد المسيح كانت لله وحده، لا شريك له، صلاةً وسجوداً.. وحينما حاد النصارى عن التوحيد وكفروا، وذلك بتأليه السيد المسيح في مجمع نيقية سنة 325، ثم غالوا في الشرك بالله باختلاق بدعة الثالوث، لعنهم الله عز وجل وكشف الكفر الذي وقعوا فيه. فأرسل سيدنا محمد، عليه الصلاة والسلام، لاستتباب رسالة التوحيد في العالمين.
    وإذا تناولنا الكتب السماوية لرأينا أن التوراة التي أنزلها الله ووارد ذكرها في القرآن، قد تم تحريفها وليست هي التي بين أيدي اليهود حاليا. والعهد القديم أو باقي الأسفار ظلت كتابتها وتعديلاتها وتبديلاتها ومختلف صياغاتها تمتد حتى القرن العاشر الميلادي. وكل ذلك منشور وهُرىّ بحثا ومعترف به في كل مكان ولا جدال فيه. أي أنه لا التوراة الحالية ولا الأسفار الخمسة الأولى التي كانت تنسب إلى موسى عليه السلام، والتي ثبت أنه لم يكتبها، فما من إنسان سيتحدث عن نفسه في صيغة الماضي أو يصف أين تم دفنه وما إلى ذلك من تخاريف ظلت سارية طالما التداول كان محدودا والسيطرة عليها من الحاخامات كانت سهلة. ونفس الوضع بالنسبة لباقي الأسفار. وبالتالي فإن الحديث اليوم عن التوراة يجب أن يقوم بالتفرقة الصارمة بين التوراة الوارد ذكرها في القرآن الكريم، وبين التوراة وباقي الأسفار التي كتبها وحرفها العديد من البشر لمدة تمتد لأكثر من عشرة قرون من التعديل والتبديل. وهو الثابت أيضا في القرآن الكريم الذي كان سباقا في هذا التحديد وهذا الكشف. لأن عملية كشف هذا التلاعب لم تتم بصورة قاطعة إلا منذ عصر التنوير وتتواصل حتى يومنا هذا، بفضل تقدم العلوم اللغوية والتاريخية والأثرية.
    والعهد الجديد أو الأناجيل الأربعة قد عرفت وعانت من نفس مصير التحريف والتغيير والتبديل كالتوراة.. ففي القرن الرابع الميلادي طلب البابا داماز ممن أصبح القديس جيروم أن يدمج الأناجيل، وكان عددها قد فاق الخمسين إنجيلا آنذاك. فأعاد القديس جيروم صياغة الأناجيل الأربعة وما معها ليجعلها بالصورة التي هي عليها حاليا، وتم حرق باقي النصوص أو إخفاء ما يطلق عليه الأناجيل المحجبة أو "الأبوكريفا". وتكفى مطالعة المقدمة التي كتبها جيروم هذا إلى البابا لندرك حقيقة ما تم فعلا، فمما يقوله فيها:
    "تحثني على أن أقوم بتحويل عمل قديم لأخرج منه بعمل جديد، وتريد منى أن أكون حكماً على نُسخ كل تلك النصوص الإنجيلية المتناثرة في العالم، وأن أختار منها وأقرر ما هي تلك التي حادت أو تلك التي هي أقرب حقا من النص اليوناني. أنها مهمة ورعة، لكنها مغامرة خطرة إذ سيتعيّن علىّ تغيير أسلوب العالم القديم وأعيده إلى الطفولة. وأن أقوم بالحكم على الآخرين يعنى في الوقت نفسه أنهم سيحكمون فيه على عملي. فَمَن من العلماء أو حتى من الجهلاء، حينما سيمسك بكتابي بين يديه ويلحظ التغيير الذي وقع فيه، بالنسبة للنص الذي اعتاد قراءته، لن يصيح بالشتائم ضدي ويتهمني بأنني مزور ومدنس للمقدسات، لأنني تجرأت وأضفت، وغيّرت، وصححت في هذه الكتب القديمة؟
    "وحيال مثل هذه الفضيحة، هناك شيئان يخففان من روعي، الأمر الأول: أنك أنت الذي أمرتني بذلك، والأمر الثاني: إن ما هو ضلال لا يمكن أن يكون حقاً. وهو ما تقره أقذع الألسنة شراسة. وإذا كان علينا أن نضفى بعض المصداقية على مخطوطات الترجمة اللاتينية، ليقل لنا أعداؤنا أيها أصوب، لأن هناك من الأناجيل بعدد الاختلافات بين نصوصها. ولماذا لا يروقهم أن أقوم بالتصويب اعتمادا على المصادر اليونانية لتصويب الأجزاء التي أساء فهمها المترجمون الجهلاء، أو بدلوها بسوء نية، أو حتى قام بعض الأدعياء بتعديلها.
    "وإذا كان علينا دمج المخطوطات، فما يمنع أن نرجع ببساطة إلى الأصول اليونانية ونبعد بذلك عن أخطاء الترجمات السيئة أو التعديلات غير الموفقة من جانب الذين تصوروا أنهم علماء، أو الإضافات التي أدخلها الكتبة النعسانين؟ "
    وفيما يلي الصورة الفوتوغرافية لأول صفحة من الخطاب-المقدمة أو الاعتراف الذي يتصدر تلك الطبعة اللاتينية للأناجيل، وهى بمكتبة فرانسوا ميتران بباريس:

    وأكتفي بهذا القدر من خطاب القديس جيروم لنرى كيف أن المؤسسة الكنسية تعلم تماما بحال نصوصها المؤسف، ورغمها لا تزال تحاول فرضها على العالم خاصة على المسلمين في كل مكان. وظلت المؤسسة الكنسية تفرضها على الأتباع، حتى مجمع ترانت (1545-1563) في دورته الرابعة بتاريخ 8 أبريل 1546، على أنها "منزّلة من عند الله وإن الله وحده هو المؤلف الوحيد لها"!
    وكانت تمنع الأتباع من قراءتها إلا في حضور قس من القساوسة ليجيب على أية تساؤلات حول ما بها من متناقضات.. ومع تزايد الدراسات والأبحاث التي تكشف وتدين التلاعب في هذه النصوص أعلن مجمع الفاتيكان الأول (1869-1870)، في دورته الثالثة بتاريخ 24 إبريل 1870: "إن من كتبها بشر تحت وحى من الروح القدس".. وعندما استتبت الأبحاث الكاشفة بصورة قاطعة وبات من المحال تكذيبها أعلن مجمع الفاتيكان الثاني (1963-1965) في دورته الثالثة بتاريخ 18 نوفمبر 1965: " إن هذه الأناجيل كتبها بشر، وأن بها الصالح والبالي (...) لكنها تمثل دروسا تعليمية من عند الله (...) وإنه لكي نفهمها لا بد من أن نأخذ في الاعتبار مختلف أنواع الكتابات الأدبية والسرد القصصي والتراث السائد آنذاك".. أي أنها مجرد سرد قصصي ولا علاقة لها بالتنزيل من عند الله، وهو ما كتبه لوقا في بداية إنجيله، حيث قال:
    "إذا كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداما للكلمة رأيت أنا أيضا إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن اكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس لتعرف صحة الكلام الذي عُلِّمت به " (1-4).. أي أنه يكتب قصة من القصص بناء على الكلام الذي أحيط به علما، لأنه سمعه كما يقول ولم يشاهده.. فهل هناك أية مصداقية لهذه الأناجيل أو هل هناك أكثر من كل هذه الاعترافات الرسمية من المؤسسة الكنسية برمتها بأن هذه الأناجيل ليست منزلة من عند الله، وبتأكيد من أحد الحواريين في بداية إنجيله موضحا أنه يكتب قصة من ضمن القصص، فهل يجوز بعد ذلك كله أن يقول أي مسلم، أيا كان مستواه العلمي، أنها منزلة من عند الله أو أن يساويها بالقرآن الكريم في قدسيتها؟ حاشا لله!
    لقد أوضح لنا القرآن الكريم مختلف أنواع التحريف والتبديل والتغيير وكتْم الحق وهم يعرفون، ولا يسع المكان هنا لنقل ثلث القرآن الكريم الذي يتحدث عن الكفر والكفار والشرك بالله، علما بأن كلمة "كفروا" وردت 194 مرة وكلمة "الكافرين" 93 مرة، وتصريفات الجذر "كفر" وردت 385 مرة، لذلك فلا اذكر منها إلا بعض الآيات على سبيل المثال لا الحصر:
    ويكشف الله العلىّ الكريم تلاعبهم في النصوص قائلا:
    * "فَوَيْلٌ للذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ" (79 البقرة).
    ويقول المولى عز وجل في تحريفهم للنصوص:
    * "(...) وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" (الآية)، (75 البقرة)
    * "فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ"، (59 البقرة).
    وفى تلبيسهم الحق بالباطل يقول سبحانه وتعالى:
    * "يَا أَهْل الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ" (71 آل عمران).
    وفى الشرك بالله يقول رب العالمين:
    * "لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ" (الآية)، (17 المائدة).
    * "لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" (73 المائدة).
    * "وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ" (51 الذاريات).
    وقد حذّرنا الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم من الانسياق للذين فضح كفرهم برسالة التوحيد، حذرنا في ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه، في ذلك الكتاب الحكيم الذي أُحكمت آياته وأنزله سبحانه وتعالى ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ونحن نعلم يقينا إنه لكتاب عزيز، و "إن كتاب الكفار لفي سجّين" (7 المطففين)، فكيف يمكن مساواتهما؟ كيف يمكن مساواة القرآن الكريم بكتابٍ اعترف أصحابه بأنه من نسج بشر، ومحرّف، وليس منزّل من عند الله؟!
    كيف يمكن مساواته بكتاب حذرنا ربنا سبحانه وتعالى من كل ما فيه من أنواع التحريف والتزييف والتغيير وكتمان الحق لفرض الباطل؟ بل لقد أثبت العديد من علمائهم ورجال دينهم كل ما سبق أن أثبته القرآن الكريم من تلاعب وكل ما أورده من اتهام فاضح.. ومعرفة هذا الكشف الباتر في حدته والقاطع في وضوحه هو الذي أبعد الأتباع في الغرب عن دينهم وعن كنيستهم، بعد أن عرفوا الحقيقة التي ظلت المؤسسة الكنسية تعتم عليها لمدة قرون دامية..
    لذلك لا يجب أبداً ولا يجوز، لا شرعا ولا قانونا، أن نتحدث عن المسيحية الحالية أو عن أناجيلها ونصوصها الكنسية على أنها منزّلة من عند الله، كما لا يجب ولا يجوز مساواتها بالإسلام وبالقرآن الكريم، خاصة مساواة مثل هذه الأناجيل بكتابنا العزيز، لأنه الكتاب الوحيد الذي يُطلق عليه حقا وبتحديد من الله عز وجل في علاه:
    "إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ" (80-77 الواقعة)
    23 سبتمبر 2010
    [/CENTER]

  • #2
    جزاكم الله خيرا

    تعليق


    • #3
      بسم الله الرحمن الرحيم
      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


      جزاكم الله خيرا

      فهل هناك أية مصداقية لهذه الأناجيل أو هل هناك أكثر من كل هذه الاعترافات الرسمية من المؤسسة الكنسية برمتها بأن هذه الأناجيل ليست منزلة من عند الله، وبتأكيد من أحد الحواريين في بداية إنجيله موضحا أنه يكتب قصة من ضمن القصص، فهل يجوز بعد ذلك كله أن يقول أي مسلم، أيا كان مستواه العلمي، أنها منزلة من عند الله أو أن يساويها بالقرآن الكريم في قدسيتها؟ حاشا لله!


      تعليق

      مواضيع ذات صلة

      تقليص

      المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
      ابتدأ بواسطة وداد رجائي, 30 أكت, 2020, 01:10 ص
      رد 1
      63 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
      ابتدأ بواسطة Ehab_Ehab1, 8 أبر, 2019, 01:23 م
      ردود 0
      98 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة Ehab_Ehab1
      بواسطة Ehab_Ehab1
       
      ابتدأ بواسطة سيف الكلمة, 2 ماي, 2017, 11:44 م
      رد 1
      1,061 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة أسامة المسلم  
      ابتدأ بواسطة دفاع, 30 أكت, 2016, 03:01 م
      ردود 0
      1,194 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة دفاع
      بواسطة دفاع
       
      يعمل...
      X