خطاب مفتوح إلى الكاردينال بانياسكو

تقليص

عن الكاتب

تقليص

دفاع اكتشف المزيد حول دفاع
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • خطاب مفتوح إلى الكاردينال بانياسكو

    بقلم الدكتورة زينب عبدالعزيز


    أستاذة الحضارة الفرنسية


    في القداس الذي ترأسه في مدينة چنوا بإيطاليا، بمناسبة عيد الغطاس يوم الخميس 6 يناير 2011، في كاتدرائية المدينة، أعلن الكاردينال آنچلو بانياسكو أسقف چنوا ورئيس المجمع الأسقفي الإيطالي، قائلا: "نحن مذعورين كأبانا المقدس بنديكت 16، حيال التعصب الديني ومن مثل هذا العنف، ونتساءل: لماذا؟"، ثم راح يحدد سبب ذلك الذعر قائلا: "وهذا التساؤل ليس من باب البلاغة الإنشائية ولا يخفى أية رغبة في الانتقام. أنه تساؤل صادق وناجم عن دم ذلك العدد الكبير من المسيحيين ومن آلامهم. أنه تساؤل يتجاوب مع موجة التساؤلات العارمة التي تجوب الكثير من مناطق العالم: لماذا؟ "!! ثم أضاف متسائلا بسذاجة: "ربما لأن هناك من يربط بين المسيحية في العالم الغربي والذي تتفجر ضده مشاعر الغضب الناجمة عن الأمس واليوم؟ لكن لا يمكن إغفال أن الإنجيل يتجسد في كل ثقافة دون أن يتمثل في شخص ما ".


    وكون سيادة الكاردينال يبدأ خطابه بمحاولة إثبات أن هذه التساؤلات لا تخفى أية رغبة في الانتقام، فذلك يكشف عن الخلفية الحقيقية لهذه الخطبة التي تم توزيعها على أوسع نطاق، وكلها تقريبا عبارة عن تساؤلات، يلوح منها العديد من الاتهامات المعلنة أو المشار إليها ضمناً، لكنها بكل تأكيد تمثل جزءا لا يتجزأ من تلك الموجة العاتية والمتعمدة، المتدفقة لتكتسح الإسلام والمسلمين. لذلك رأيت أنه من الأنسب أن يتواصل هذا الخطاب المفتوح في صيغة سؤال وجواب من أجل الوضوح.


    الكاردينال بانياسكو: "أن المسيحية تاريخية، وبالتالي عليها أن تكون ملح الأرض وخميرته حيثما وُجدت. لكنها تكتسى بُعدا فيما وراء التاريخ لا يمكن التغاضي عنه. إن العقيدة المسيحية موجودة في العالم بأسره، وفقا لطلب الرب، وتنغرس، وتتجاور، بصورة محترمة ومفيدة، في كل بلد، وكل شعب، وكل تراث ".


    الإجابة: كون المسيحية تاريخية فذلك لا يبرر أن يتم فرضها على العالم. ولا يوجد أي منطق على الأرض بأسرها يبرر ذلك القرار الشيطاني الصادر عن مجمع الفاتيكان الثاني (1965) الذي قرر فرض تنصير العالم، كما فَرَض المساهمة في عملية التنصير هذه على كافة أتباع المسيحية بكل فرقها! وذلك يعنى أن هناك حوالى مليارا ونصف من المسيحيين مجبرون على المساهمة في هذه الحرب الدينية التي تتم تحت مسمى "تنصير العالم". وهى مؤامرة قد بدأت رسمياً مع مرسوم سنة 528 الذي فرض التنصير إجباريا على كافة الوثنيين (والوثني يعنى كل من هو غير مسيحي في النصوص النصرانية). أما عن البُعد الذي يتعدى التاريخ فهو بدعة تم نسجها عبر المجامع على مر العصور، وليست حجة لتنصير العالم. خاصة أن "الرب يسوع"، كما تسمونه، لم يترك أية وصية بفرضها على العالم، بما أنه يقول بوضوح: "لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة" (متّى 15: 24). ونهاية الإنجيلين، متّى ومرقص، اللذان يتم التذرع بهما وبأنهما يتضمنان طلب الرب بتنصير العالم، فإن نهاية الأول محرّفة، بما أن الثالوث لم يتم اختراعه وفرضه إلا في مجمع القسطنطينية سنة 381، ونهاية الثاني عبارة عن إضافة لاحقة، بما أن أقدم النسخ الكاملة للأناجيل، ولا أذكر منها إلا نسخة "مخطوطة سيناء" فهي تنتهى عند الجملة 11 وليس الجملة رقم 20، وهذا الفرق من الجمل التسعة هي إضافة لاحقة. والعقيدة المسيحية قد تم غرسها في العالم أجمع حقا، لكن باقتلاع عشرات الملايين من البشر، وهى جرائم لم يطلبها "الرب يسوع" على الإطلاق! والعقيدة المسيحية لم تفرض نفسها بنفسها، وإنما قد تم غرسها بعمليات غرس دامية، تعسفية وإجرامية. وهى تتجاور طبعا مع غيرها من الديانات، لكن من غرسوها لا يجعلونها "جوارا حميدا" كما تقول، بما أن هذا التجاور يهدف إلى اقتلاع كل الديانات والعقائد الأخرى بدأ بالإسلام.


    الكاردينال بانياسكو: "ترى هل عدم التسامح الديني الذي يعانى منه المسيحيون ناجم عن عدم تسامحهم الديني؟ وهنا أيضا لابد وأن ننظر بهدوء إلى عقيدة الإيمان وإلى تصرف أتباع المسيح. ففي تعاليم يسوع لا توجد أية شبهة عدم تسامح، ولا يوجد سوى الدعوة إلى البحث عن الحقيقة بأمانة، وهى دعوة تذكرنا أن الحقيقة وحدها تحرر الإنسان وأنها معيار الخير المعنوي".


    الإجابة: إن كل هذه الكراهية المتدفقة ضد الإسلام خاصة، وضد كل الديانات والعقائد الأخرى هي يقينا عبارة عن عدم تسامح ديني من جانب الفاتيكان وكل القيادات التي تتبعه. والتحدث عن الحقيقة وتقديم ما هو عكسها تماما لا يليق بمثل هذا المجال الجاد والمدمِّر! وفيما يتعلق بتعاليم يسوع التي تقول عنها "أنه لا توجد بها أية شبهة عدم تسامح" فهي قول يسمح لي بأن أطلب منك، يا سيادة الكاردينال، أن تراجع إنجيلك بعهديه القديم والجديد، كما أدعوك خاصة لتقرأ عبارة يسوع التي يقول فيها: "أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم فأتوا بهم إلى هنا واذبحوهم قدامى" (لوقا 19: 27)! وإن لم أكن مخطئة فهذه ليست دعوة لحب القريب ولا دعوة للبحث عن الحقيقة!!


    الكاردينال بانياسكو: "وحيثما يعيشون ويمثلون الأغلبية، فإن المسيحيين ليسوا وقحاء تجاه أي شخص، وليسوا متعصبون دينيا".


    الإجابة: أن أطلب منك قراءة كتابك المقدس، فذلك يعنى الكثير، لكن أن أطلب منك أن تتابع الأخبار اليومية، وأن ترى تلك الجيوش المجيّشة التي يقودها الفاتيكان علنا وفي الخفاء ضد الإسلام والمسلمين، في وقت لا يخلو فيه خطاب أو تعليق من البابا من إتهام، ولا أقول شيئا عن قادة بعض الدول ووزرائهم الذين يكررون مطالبه، وتقريبا كافة الجرائد والمجلات والبرامج الإذاعية التليفزيونية، فتلك فضيحة، لأن ذلك يعنى أنك لا تتابع أي شيء على الإطلاق مما يدور حولك! وقولك "أن المسيحيين ليسوا وقحاء تجاه أي شخص، وليسوا متعصبون دينيا" فهو عكس الحقيقة التي تشير إليها. أنظر إلى كل ما يدور في مختلف البلدان الأوروبية، حيث المسلمون يُعتبرون أقليات، وإن كانوا بالملايين، واستعرض كافة المشاكل والمعاناة التي يتعرضون لها ثم تحدث عن التسامح المسيحي إن وُجد!


    الكاردينال بانياسكو: "إذاً، هل المسيحيون مضطهدون ومطاردون لأنهم يتحدثون باسم المسيح عن الكرامة والمساواة تجاه كل شخص، رجلا كان أو امرأة؟ أو لأنهم يتحدثون عن الحرية الدينية؟ أم لأنهم يبشرون بالحب حتى تجاه أعداءهم؟ ألأنهم يتحدثون عن التسامح ويرفضون العنف ويتصرفون على أنهم صانعي سلام؟ ألأنهم يبشرون بالعدل والحق؟ ".


    الإجابة: أولا هؤلاء المسيحيون ليسوا مضطهدين ولا مطاردين، فقد عاشوا طوال عمرهم بين المسلمين كجزء لا يتجزأ من نسيج الدولة. والمآسي لم تبدأ إلا مع القرار العنصري المتعصب الذي يطالب بتنصير العالم، وهو قرار قد جعل من الأقليات المسيحية أتباعاً للفاتيكان وخونة لمواطنيهم ولبلدانهم. فما يقوم به هؤلاء المسيحيون بناء على قرارات مؤسستك يسمى "تنصير"، والتنصير وفقا لكل النصوص الفاتيكانية يعنى اقتلاع الآخرين من دينهم وفرض المسيحية عليهم. وما يتم بواسطة كافة مؤسساتك هي جريمة بكل المقاييس وليس مجرد عدم تسامح، وتدخل غير مقبول وعديم الأمانة، يؤدى إلى عدم الاستقرار في الدولة. والتدخل بمثل هذا الشكل في البلدان ذات الأغلبية المسلمة لا علاقة له بالكرامة والمساواة كما تزعم، وإنما يتعلق بأعلى مستويات الإجرام، لأن كل الشعوب المسلمة الموجودة بالعالم الثالث، كما تطلقون عليه، وغيره، متمسكون بشدة بإسلامهم وبانتمائهم للإسلام، ويعلمون يقينا أن ما تقدمونه لهم هي عقيدة محرّفة، عبارة عن متناقضات متراكمة تم نسجها عبر المجامع. ولا أود إضافة: وراجع أيضا، يا سيادة الكاردينال، أي كتاب عن تاريخ المسيحية، على أن يكون كتابا أميناً.


    الكاردينال بانياسكو: "ترى هل من أجل ذلك يرى البعض أنهم خطرون وغير مقبولين، وغير متسامحين ويستحقون الموت أو الاضطهاد؟ ".


    الإجابة: أترك لك عناية فهم الرد بعد ما قرأته لتوك وبعد ما يتعيّن عليك أن تقرأه.


    واسمح لي إضافة: أن تنهى خطبتك بأن توجّه " نداءً إلى المجتمع الدولي وإلى أوروبا تحديدا حتى تتدخل بصوت قوى وواضح لكى يتم الالتزام بالحرية الدينية (تغيير الديانة) في كل مكان وبلا استثناء "، يسمى زيادة النيران المستعلة اضطراما، يسمى دعوة لحرب إبادة المسلمين، وهى حرب قد بدأت فعلا بالتلفع بالسذاجة، لكى لا أقول باللؤم، خاصة وأنت تدعو أتباعك للصلاة من أجل الموتى، ومن أجل أسرهم، وأيضا "من أجل الذين اضطهدوهم" والمفترض من قولك أنهم المسلمون!


    إن هذه الخطبة هي دعوة صريحة للانتقام الذي في غير مكانه، أنها صيحة حرب كريهة، منفرة ومقرفة، خاصة حين تأتى من طرف شخصية دينية رفيعة المستوى، تزعم أنها تدعو أتباعها إلى "دعوة الحب حتى تجاه الأعداء"! لأنه حتى في نفس هذه الدعوة الملتوية فإنك تضع المسلمين في خانة "الأعداء" بالنسبة للمسيحيين. وهو ما يعنى أيضا أنك توحى إليهم بالخانة التي تصنف فيها المسلمين لتسهيل الاعتداء عليهم أو لجعل هذا الاعتداء يبدو أمراً طبيعيا.


    وفى نهاية هذا الرد المقتضب، اسمح لي أن أسألك: أين كنت، أنت وكل الذين تحاول استثارتهم للحرب، عندما تم تفحم ملايين المسلمين وحرقهم وذبحهم وشق بطونهم أحياء أو قتلهم وانتزاعهم من بيوتهم ومن أراضيهم للاستيلاء على ثرواتهم الطبيعية؟ وأتحدث هنا عن ملايين. وأين أنت وأنتم جميعا من الهجمة التي يعد لها الصهاينة حاليا لاقتلاع الفلسطينيين من غزة التي تحتضر تحت حصار قاتل وقد عانت من حرب أكثر من إجرامية، دارت بموافقة أو مباركة الأغلبية العظمى من المجتمع المسيحي؟ إن الفلسطينيين يدافعون عن أرضهم المنهوبة بواسطتكم. أما المسيحيون الذين راحوا ضحية لمخطط قام به مسيحيين آخرون، ينتمون لمؤسساتكم، وتتخذونهم ذريعة لغزو البلدان الإسلامية، فليسوا سوى حفنة عددا بالنسبة للملايين. أهناك من ضرورة لإضافة المزيد من التعليقات حين يكون التفاوت بمثل هذا الاتساع الشاسع؟!


    إن تتالى الأسئلة المستفزة التي طرحتها في هذه الخطبة التي تم نشرها على أوسع نطاق غير مسبوق، وحشو أذهان الأتباع وشحنهم لخوض العدوان، هي عار، مجرد عار مخجل يا سيادة الكاردينال، ولا تشرّف أحداً.


    13 يناير 2011

مواضيع ذات صلة

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
ابتدأ بواسطة وداد رجائي, 30 أكت, 2020, 01:10 ص
رد 1
63 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
ابتدأ بواسطة Ehab_Ehab1, 8 أبر, 2019, 01:23 م
ردود 0
98 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة Ehab_Ehab1
بواسطة Ehab_Ehab1
 
ابتدأ بواسطة سيف الكلمة, 2 ماي, 2017, 11:44 م
رد 1
1,061 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة أسامة المسلم  
ابتدأ بواسطة دفاع, 30 أكت, 2016, 03:01 م
ردود 0
1,194 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة دفاع
بواسطة دفاع
 
يعمل...
X