الكرة فى الاسلام بقلم د. راغب السرجانى

تقليص

عن الكاتب

تقليص

بن الإسلام مسلم اكتشف المزيد حول بن الإسلام
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الكرة فى الاسلام بقلم د. راغب السرجانى














    شُغِل الرأي العام في مصر والعالم العربي على مدار عشرين يومًا تقريبًا بمباريات كأس الأمم الإفريقية، ثم بالاحتفالات العارمة بفوز الفريق المصري ببطولتها، وهذا يدعونا إلى الحديث عن هذه القضية الحسَّاسة، وهي قضية كأس الأمم الإفريقية، أو فلنقل: قضية الكرة في الإسلام.

    ولكن لماذا هذه القضية حساسة؟

    والإجابة التي نجدها: هي أنها حساسة؛ لأن الناس وقفوا منها على طرفي نقيض؛ فمنهم من تحمَّس كل الحماس، وسعد كل السعادة، وتجاوز في سعادته حدود المألوف، ومنهم من أنكر كل هذا بالكُلِّيَّة، وقال: إن الاحتفال بهذه المناسبات غير جائز؛ فالأمة أزماتها كثيرة، ومن ثَمَّ فليس هناك محل للاحتفال بينما المسلمون يُذبحون.

    والبون بين الفريقين شاسع؛ إذ كل فريق قد أبعدَ في رأيه وموقفه، ولكننا نرى أن الموقف الصواب هو في الوسط؛ فالإسلام دين الوسطيَّة.. يقول تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143].


    ومن الأمثلة على ذلك قضية المِزَاح والضحك في حياة الرسول r؛ فبعض الناس يفهم من مزاحه r، أنه ليس هناك ضيرٌ في المزاح، ويستشهد ببعض مواقف من حياته r، بينما البعض الآخر ينظر لمواقف أخرى، وأحاديث مثل: "لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ" [1] فلا يسمحون بالمزاح، ويرونه مخالفة للسُّنَّة المطهرة؛ ومن ثَمَّ يتعمدون العبوس في وجه الناس.

    وكلا الطرفين -في الحقيقة- مخالفٌ للسُّنَّة.

    أما السنة الصحيحة؛ فإنه r كان يمزح قليلاً، ولكنه لم يكن يتجاوز في مزاحه حدود الشرع؛ فلا يكذب ولا يسخر ولا ينتقص من أحد، وكذلك كان دائم الابتسام كما قال عَبْدُ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ؛ إذ قَالَ: "مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r"[2]. وكما قال جرير بن عبد الله: "مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ r قَطُّ، وَلا رَآنِي إِلاَّ تَبَسَّمَ" [3]. وأحيانًا كان يضحك حتى تظهر نواجِذُه، ولم يكن هذا الابتسام مقرونًا بمواطن السكينة والأمن والسلام والرخاء فقط، بل يكون أحيانًا في الأزمات، وقد يكون كذلك عند حدوث خطأ من بعض الصحابة.

    إذن لا نستطيع أن نقدِّر الوسطية بناءً على مقاييسنا نحن، بل ينبغي أن نقدِّر بناءً على دراسة حياة القدوةr.

    ومن هنا -وقبل أن نفتح ملف الرياضة عامَّة والكرة بصفة خاصَّة، وكأس الأمم بصفة أخص- تعالوا نُجب على سؤال مهم، وهو: هل الرياضة حلال أم حرام؟

    قد يرى البعض السؤال غريبًا، ولكن إجابته ستأتي مفاجأة لكثيرين؛ فإني أرى أن الرياضة يعتريها الأحكام التكليفية الخمسة: الوجوب، والندب (الاستحباب)، والإباحة، والكراهة، والتحريم؛ فهي واجبة للجنود الذين يجب أن يمارسوها استعدادًا للجهاد في سبيل الله تعالى. وهي مندوبة لمن في جسده ضعف، ويريد تقويته. وهي مباحة لمن كان يمارسها للتسلية. وهي مكروهة إن كانت تضيع أوقاتًا طويلة، ولكنها لا تضيع الفروض والطاعات. وهي حرام إن أضاعت وقت العبادات، وإن مارستها النساء أمام الرجال، وحرام أيضًا إن مارسها الرجال وهم يرتدون ملابس تحدِّد عورتهم؛ كزي السباحة المعمول به في البطولات، وكذلك تكون حرامًا إن خالطها رهانات، أو لعب ميسر.

    والآن تعالوا نحلِّل معًا ما حدث في كأس الأمم من إيجابيات لنشكر من قام بها، ثم نستفيد منها، وكذلك نرصد السلبيات لنتلافاها في المستقبل؛ فمن الإيجابيات:
    أولاً: وجود جهد بُذِل، ونظام وُضِع، وإنجازٍ تحقق، خاصَّةً من المدير الفني حسن شحاتة ولاعبي الفريق.

    ثانيًا: تمكُّن رُوح الفريق عند اللاعبين (والحقيقة أني لم أشاهد أية مباراة لضيق الوقت، ولكنَّ هذا ما نُقِل لي).

    ثالثًا: كان من اللافت أن معظم الأحاديث الصحفية التي تمت مع اللاعبين أنهم كانوا يُنسِبون الفضل لله U.



    سجود جماعي للمنتخب المصري

    رابعًا: السمت العام للفريق هو الالتزام..

    وله بعض الشواهد مثل: السجود الجماعي عند الأهداف، تملُّك الأعصاب وعدم انفلاتها، والقيام بالتبرع لبناء مسجد في كوماسي. وقد انتقلت هذه الروح لبعض لاعبي الفرق الأخرى كغانا.

    خامسًا: موقف (أبو تريكة) بالتذكير بالتعاطف مع غزة، بينما الكل منشغل بالمباراة، وقد نسوا محنة المسلمين هناك .

    سادسًا: التعاطف الشعبي، والإجماع العربي على ذلك؛ حتى خرجت الجماهير تحتفل بفوز الفريق المصري في عديد من المدن العربية.

    وقد كان هناك العديد من السلبيات أيضًا، أساءت للفرحة الجماهيرية العارمة، كان منها:
    أولاً: التجاوز في مظاهر الاحتفال في الشوارع بشكل يظهر فساد الأخلاق، وعدم النظر مطلقًا لمصالح الغير، وكل هذا مغلَّف بغلاف الفرحة، ويتمثل ذلك في: (إغلاق الشوارع - الألعاب النارية - التحرُّش بالفتيات - تكسير السيارات - اختلاط الفتيات بالشباب في مظاهر الاحتفال بالشوارع).

    ثانيًا: التجاوز في حد الفرحة في بعض المؤسسات الخاصة والحكومية أثناء المباراة النهائية، والأيام التالية؛ حتى ضيعوا أو كادوا يضيعون مصالح الناس.

    ثالثًا: إظهار الفرحة العارمة دون اعتبار للظروف التي تمر بها الأمة؛ فكيف يكون شعور المضطهدين في العراق وأفغانستان عندما يرون هذه الاحتفالات؟!!

    رابعًا: الإسراف الذي يبلغ حدَّ السفه في المكافآت المالية، وفي الإنفاق على الكرة بشكل عام؛ فظروف البلد الاقتصادية لا تسمح بذلك ولا عشر معشاره، وحتى لو سمحت الظروف، فالمال لا يُنفَق بهذه الصورة في مجالات الحياة الأخرى الأكثر أهمية؛ كالمجالات العلمية والطبية والغذائية والبِنَى التحتية. كما يجب مراعاة الحالة النفسية للشباب الذي يعاني معاناة اقتصادية شديدة من أجل الحصول على أساسيات الحياة رغم حصوله على مؤهلات دراسية متميزة، ثم يُفاجَأ بأن زميله الذي لم يحصل على نفس القدر من التعليم حصل على ملايين بسبب لعب الكرة.

    واللافت أن بعض رجال الأعمال يقدِّم هدايا باهظة في هذه المناسبة، وأنا أرى أنه من الأفضل أن تُوجَّه قيمة هذه الهدايا إلى مشاريع تفيد المجتمع، أو إلى الكادحين في المصانع والمزارع، وإن كان لا بد فاعلاً فليكن بينه وبين اللاعبين، ولا داعي للدعاية إلا إذا كانت الدعاية هي الغرض الأساسي.

    خامسًا: إنفاق الوقت الهائل في متابعة البطولة، وهذا الوقت ليس وقت مشاهدة المباريات فقط، وإنما يشمل الأستوديو التحليلي بالساعات قبل المباراة وبعدها، والوقت المنفَق في الحوارات بين الناس حول المباريات، وانتظار البعض لقدوم طائرة الفريق بالساعات، بل والمبيت في المطار في انتظار اللاعبين، ولو افترضنا أنه انتظرهم ألف شخص فقط لمدة عشر ساعات، فهذه عشرة آلاف ضاعت على المسلمين.

    والآن لا بد أن نسأل هذا السؤال: لماذا حدثت هذه السلبيات؟

    والإجابة التي لن نختلف عليها هي:
    أولاً: لخلل في الأولويات على المستوى الشخصي والمستوى الحكومي، ومستوى الأمة بشكل عام، فأصبح الفرد في الأمة يترك ما هو واجب عليه، ويتعلق بضروريات حياته، ومستقبله هو وأسرته؛ ليفعل ما لا ينبني عليه فائدة، ولا يعود عليه بمصلحة ما.

    ثانيًا: لكثرة الإحباطات، وعدم وجود نجاح متميز في مجال آخر أهم؛ فالأمة تعاني من الفشل في مجالات عِدَّة، وما زلنا منذ سنوات تغيب جامعات الدول المسلمة عن تصنيف أفضل خمسمائة جامعة في العالم، وما زلنا أيضًا متأخرين في الصناعة، ونعتمد على إنجازات غيرنا، وكذلك في عديد من المجالات؛ لذا تهلل الجميع لتحقيق تقدم وانتصار في مجال ما، ولو كان ترفيهيًّا.

    ثالثًا: غياب الوعي الديني الصحيح الذي يضبط تفكير المسلم، ويوجّهه إلى معالي الأمور، ويضع كل أمرٍ في مكانه.

    رابعًا: الشحن الإعلامي الهائل قبل وأثناء وبعد هذه الاحتفاليات؛ فوسائل الإعلام تعاملت مع البطولة، وكأنها فتح عظيم، أو لعلها كانت تريد إلهاء الناس عمّا يجب أن يشغلهم حقيقة.

    وأخيرًا.. أود أن أقول: نحن لسنا ضد الرياضة، ولا ضد الفرحة والانتصار، ولكن يجب أن نضع هذا في إطار الصورة العامة المتكاملة للمسلم الملتزم الذي يمارس رياضة، أو يحب مشاهدتها على سبيل الترفيه، ولكن في نفس الوقت يحافظ على وقته، ويحترم وقت غيره، ويتفوق في مجال دراسته، ويبدع في مجال الأخلاق. المسلم الذي يقرأ عن الإسلام، وعن أحوال المسلمين أضعاف ما يقرأ عن الرياضة وأخبار اللاعبين.

    وكلمة أخيرة إلى كل لاعب: إنك تستطيع بأخلاقك والتزامك وجديتك أن تكون داعيةً إلى الله، بل وتصل بدعوتك إلى شرائح من المجتمع لا يصل إليها كبار الدعاة والعلماء، وهذه منحة من الله U ينبغي أن تشكره وتحافظ عليها.

    نسأل الله التفوق والفلاح للأمة الإسلامية جميعًا.

    د. راغب السرجاني












  • #2
    بارك الله فيك وفي الدكتور / راغب السرجاني .

    تعليق


    • #3
      جزاك الله خيراً ..
      .. منْ أُلقيَ عنهُ حُبُّ المالِ فقدْ اسْترَاح ..

      تعليق


      • #4
        بسم الله الرحمن الرحيم

        الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين


        بارك الله في النقل الموفق

        فقد غطي د.راغب كافه الجوانب ما شاء الله

        مقال رائع وأنا أري أن سبب هذا كله كما أورد التغطيه الاعتاميه الهائله التي صاحبت هذة البطوله

        وتناسوا تغطيه ماحدث لاخواتنا بالعريش واسوان كان الله معهم

        الفرحه شئ جميل ولكن بدون أن تكون over الي هذا الحد ز

        لما لا يضغط الاعلام علي العلماء الذين نجحوا وأبدعوا ولا نكاد نعرف عنهم الا أسمائهم

        لما لا نستفيد من الدكتور أحمد زويل

        د.مصطفي السيد ........

        الله المستعان
        اذكروا الله يذكركم و اشكروه على نعمه يزدكم و لذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون

        تعليق


        • #5
          جزاك الله خيرا......... فعلا اتفق معك في الوقت الضائع قبل وبعد المباريات وخاصة وقت المباريات نفسها ........

          وايضا الجوائز المبالغ فيها لمن يجري وراء (( جلدة منفوخة)) بينما في كليتي لا توجد ميزانية للبحث العلمي........


          لا انكر انني كنت من المشجعين وانني كنت من الفرحين بالفوز لكن عندما تكون احتفالات مبالغ فيها ...... فالله المستعان

          تعليق

          مواضيع ذات صلة

          تقليص

          المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
          ابتدأ بواسطة باحث سلفى, 28 ينا, 2012, 10:35 م
          ردود 143
          16,465 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة إيمان أحمد
          بواسطة إيمان أحمد
           
          ابتدأ بواسطة باحث سلفى, 22 أكت, 2010, 08:32 م
          ردود 107
          12,049 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة سيف الكلمة
          بواسطة سيف الكلمة
           
          ابتدأ بواسطة مسلم للأبد, 15 يول, 2010, 04:33 م
          ردود 8
          7,406 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة ((أم عبد الرحمن))  
          ابتدأ بواسطة بن الإسلام, 21 فبر, 2010, 04:48 م
          ردود 2
          2,501 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة najah120
          بواسطة najah120
           
          ابتدأ بواسطة زهـرة اللوتـس, 19 فبر, 2010, 06:34 م
          ردود 19
          11,368 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة محب المصطفى
          بواسطة محب المصطفى
           
          يعمل...
          X