نجم الدين اربكان.. رحيل عدو العلمانية التركية ..

تقليص

عن الكاتب

تقليص

الشهيدة مسلم اكتشف المزيد حول الشهيدة
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • نجم الدين اربكان.. رحيل عدو العلمانية التركية ..

    نجم الدين أربكان .. رحيل عدو العلمانية التركية

    هاني رزق
    محيط – خاص



    نجم الدين أربكان هو واحد من المفكرين الإسلاميين البارزين وواحد من أهم شخصيات تركيا، حيث قاد حربا ضد العلمانية وبحث عن استعادة بلاده لهويتها الإسلامية، ويعتبر من أبرز زعماء تيار الإسلام السياسي في تركيا وأخطر من تحدى قواعد العلمانية الكمالية المتشددة، نسبة إلى كمال أتاتورك، والتي حكمت بلاده ومازالت منذ أواسط عشرينيات القرن الماضي.

    لا يستطيع أحد إنكار أن نجم الدين أربكان كان جزءاً من تاريخ الحياة السياسية والحزبية في تركيا طوال الخمسين عاما الماضية لم تفلح معها كل محاولات الإقصاء والتهميش والمحاصرة التي فرضت عليه من إبعاده عن الساحة السياسية التركية .


    بسبع أرواح
    تطلق وسائل الإعلام والأوساط والمحافل السياسية التركية على الزعيم الإسلامي التركي نجم الدين أربكان لقب "أبو السبعة أرواح" وهو لقب يبدو أن أربكان يستحقه بجدارة من كثرة ما دخل وخرج من محاكم ومن سجون، ومن كثرة ما أسس أحزاباً بلغ عددها خمسة أحزاب في فترة زمنية قصيرة قياساً بعمر الدولة.

    كان أنصار العلمانية ومن ورائهم جهات عديدة داخل تركيا وخارجها، بالمرصاد لتحركات اربكان ومحاولة إقصائه عن الساحة السياسية في تركيا في محاولة منهم لعدم استعادة تركيا لهويتها الإسلامية، فمنذ البداية ومواقف أربكان والأحزاب التي أسَّسها كانت المجاهرة بعدائها للصهيونية وللمحافل الماسونية وللمخططات الأمريكية للسيطرة على ثروات الأمة الإسلامية.

    أعاد أربكان تركيا مرة أخرى لمحيطها العربي والإسلامي وشهدت العلاقات التركية العربية أول عملية تقارب حقيقي يوم أن كان نائباً لرئيس وزراء تركيا ثم رئيساً لوزرائها، فقد كان أول شرط له للدخول في ائتلاف حكومي مع حزب العدالة أولاً ثم حزب الشعب الجمهوري ثانياً، ثم مع حزب الوطن الأم ثالثاً أن تُعطى العلاقات العربية التركية أهمية خاصة بحكم ما يربط العرب والأتراك من وشيجة الدين والعقيدة.

    كما كان عدوا للصهيونية وقدَّم في شهر أغسطس من عام 1980م مشروع قانون إلى مجلس النواب التركي يدعو الحكومة التركية إلى قطع علاقاتها مع الكيان الصهيوني. وأصرَّ على أن تصدر الحكومة التركية احتجاجاً رسمياً ضد إقدام (إسرائيل) على إعلان ضم القدس العربية إلى الكيان الصهيوني وإعلانها عاصمة لـ (إسرائيل)،بل وقدَّم اقتراحاً بحجب الثقة عن وزير الخارجية التركي آنذاك خير الدين أركمان بسبب سياسته المؤيِّدة للكيان الصهيوني، والمعادية للعرب، وقد نجح أربكان وحزبه في طرد أركمان من وزارة الخارجية التركية، فكان دائما هو محامي فلسطين في تركيا الذي كان يقول :

    "إن فلسطين ليست للفلسطينيين وحدهم، و لا للعرب وحدهم، و إنما للمسلمين جميعاً".

    كما قاد نجم الدين أربكان نصف مليون تركي غاضب في مدينة قونية في شهر أغسطس من عام 1980م، يتقدمهم مجسَّمٌ ضخمٌ لقبَّة الصخرة المشرَّفة، يعلنون تضامنهم مع إخوانهم أهل فلسطين، ويطالبون بقطع جميع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع الكيان الصهيوني، وكانت هذه المظاهرة من أجل فلسطين سبباً في قيام جنرالات العلمانية بانقلاب عسكري وسجن أربكان، ومنع النشاط الإسلامي في تركيا.

    قاد اربكان تركيا بنجاح منقطع النظير وقدم صورة جيدة عن المشروع الإسلامي وقدرته على الحكم؛ إذ تمكنت حكومته خلال عام واحد من خفض ديون تركيا من 38 مليار دولار إلى 15 مليون دولار، وكاد أن ينجح في حل المشكلة الكردية العويصة، ونجح في إقامة علاقات دبلوماسية قوية على الساحة العالمية، وتقدم الاقتصاد التركي خطوات واسعة، وبات واضحاً تماماً أن السر في هذا النجاح هو المشروع الإسلامي!

    خلال أقل من عام قضاه رئيسا للحكومة التركية، سعى أربكان إلى الانفتاح بقوة على العالم الإسلامي، حتى بدا وكأنه يريد استعادة دور تركيا الإسلامي القيادي، فبدأ ولايته بزيارة إلى كل من ليبيا وإيران، وأعلن عن تشكيل مجموعة الثماني الإسلامية التي تضم إلى جانب تركيا أكبر سبع دول إسلامية: إيران وباكستان وإندونيسيا ومصر ونيجيريا وبنغلاديش وماليزيا.

    تاريخ النهضة
    ينحدر أربكان من نسل الأمراء السلاجقة الذين عرفوا في تاريخ تركيا باسم "بني أغوللري "، وكان جدُّه آخر وزراء ماليتهم، وكانت أسرة أربكان تلقَّب بناظر زاده أي ابن الوزير.

    ولد عام 1926م في مدينة سينوب بأقصى الشمال على ساحل البحر الأسود، وأنهى دراسته الثانوية في عام 1943 حيث التحق بجامعة الهندسة في استانبول وتخرج من كلية الهندسة الميكانيكية في عام 1948 ، وكان الأول على دفعته فتمَّ تعيينه معيداً في نفس الكلية.

    أوفد في بعثة إلى ألمانيا في عام 1951م، حيث نال في عام 1953م من جامعة آخن شهادة الدكتوراه في هندسة المحركات. وفي عام 1953م عاد إلى جامعة استانبول وحصل على درجة مساعد بروفيسور، وفي نهاية عام 1965م عاد إلى جامعة الهندسة في استانبول ليعمل أستاذاً مساعداً، وفي نفس العام حصل على درجة الأستاذية فأصبح بروفيسوراً في اختصاص المحركات.

    وأثناء تدريسه في جامعة الهندسة في استانبول، وعلى ضوء الخبرة التي حصل عليها أثناء عمله في مصانع المحركات الألمانية، قام أربكان في عام 1956 بتأسيس شركة مصانع "المحرك الفضي" وساهم معه في الشركة 300 من زملائه، وتخصصت الشركة في تصنيع محركات الديزل وبدأت إنتاجها في عام 1960، ولا تزال الشركة الرائدة في هذه الصناعة في تركيا وتنتج سنوياً حوالي 30 ألف محرك ديزل.

    عالم السياسة
    في عام 1970 أسس البروفيسور أربكان مع عدد من المفكرين والناشطين الإسلاميين حزب النظام الوطني، وتسمِّيه بعض المراجع بحزب الخلاص الوطني، وفي شهر نيسان من عام 1971 أقامت الحكومة دعوى ضد الحزب، فأصدرت محكمة أمن الدولة العليا قراراً بحلِّ حزب النظام الوطني ومصادرة أمواله وممتلكاته بعد أن جرَّمته بتهمة انتهاك الدستور العلماني .

    وبعد صدور حكم محكمة أمن الدولة العليا بحلِّ حزب النظام الوطني وحرمان مؤسسه وأعضائه من العمل السياسي لمدة خمس سنوات غادر البروفيسور أربكان تركيا، وفي عام 1972م عاد البروفيسور أربكان إلى تركيا ليدفع ببعض الإسلاميين ممن لا ينطبق عليهم حكم محكمة أمن الدولة العليا لتشكيل حزب جديد أطلق عليه اسم حزب السلامة الوطني، وتأسَّس الحزب في 11/10/1972م،

    في 14/10/1973م صدر عفو عام عن الجرائم السياسية، فخاض حزب السلامة الوطني بعد أن عاد أربكان إلى رئاسته الانتخابات وفاز بِ 48 مقعداً، وعندما احتدم الخلاف بين الحزبين الرئيسين، حزب العدالة (149 نائباً) بزعامة سليمان ديميريل، وحزب الشعب الجمهوري (186 نائباً) بزعامة بولنت أجاويد، اضطر أجاويد زعيم حزب الشعب الجمهوري للائتلاف مع حزب السلامة الوطني بزعامة أربكان، وحصل حزب السلامة على سبع وزارات هامة منها الداخلية والعدل والتجارة والجمارك والزراعة والصناعة والتموين ووزارة دولة، وكان البروفيسور أربكان نائباً لرئيس الوزراء.

    استطاعت مكائد العلمانيين أن تفشل الحكومة الائتلافية وتضطرها إلى الاستقالة بعد تسعة أشهر ونصف من تشكيلها.ولكن لم يلبث حزب السلامة الوطني بزعامة أربكان أن عاد إلى الحكومة عندما وجد حزب العدالة نفسه مضطراً للائتلاف مع حزب السلامة الوطني لتشكيل الحكومة.

    في 5-12-1978م طالب المدعي العام التركي بفصل نجم الدين أربكان من رئاسة وعضوية حزب السلامة الوطني بتهمة استغلال الدين في السياسة؛ مما يشكل خروجاً على القوانين العلمانية التي وضعها أتاتورك، ولكن هذه المكيدة لم تحقق هدف العلمانيين ، وبقي حزب السلامة الوطني وزعيمه نجم الدين أربكان شوكة في حلوقهم.

    بعد المظاهرة المليونية ضد إسرائيل وفى 7-9-1980 كانت الإذاعة تذيع البيان رقم (1) معلناً انقلاباً عسكرياً بزعامة الجنرال كنعان إيفرين، وفي 11-9-1980م صرَّح قائد الانقلاب بأن الجيش تدخَّل ليوقف المدَّ الإسلامي، وليوقف روح التعصب الإسلامي التي ظهرت في مظاهرة قونية.

    وقام الانقلابيون بحل الأحزاب، وفرضت الإقامة الجبرية على زعمائها، باستثناء أربكان الذي اقتيد إلى السجن، ثم رفعت الإقامة الجبرية عن زعماء الأحزاب، بينما مثُل أربكان وإخوانه من قيادات حزب السلامة الوطني أمام محكمة عسكرية في 24-4-1981 ، وفي نفس اليوم صرح رئيس الوزراء الذي عيَّنه الانقلابيون بولند أوسلو بأن حكومته ضد الإرهاب الشيوعي الأحمر، وضد الإرهاب الإسلامي الأسود، وأنه لا مكان في تركيا الحديثة للإخوان المسلمين الذين ينتهكون العلمانية (كما جاء حرفياً في التصريح).

    وحكمت المحكمة في 24-2-1983م بحلِّ حزب السلامة الوطني، وبالحكم على أربكان بالسجن لمدة (4) سنوات، وبأحكام أخرى على العديد من قيادات الحزب، وكانت التهمة التي أدينوا بها:
    معاداة العلمانية والسعي لإحلال الشريعة الإسلامية بدلاً عنها.


    ولم تتوقف مكائد العلمانيين ضد أربكان، بل لقد اشتط هؤلاء في مكائدهم عندما عاد البروفيسور نجم الدين أربكان وإخوانه ليؤسسوا حزباً جديداً أطلقوا عليه اسم "حزب الرفاه" بعد أن أمكنهم تعديل قانوني سمح لهم بالعودة لممارسة العمل السياسي من العودة إلى الساحة السياسية.

    ففي 16 مايو 1994م تقدم مدعي عام محكمة أمن الدولة بمذكَّرة اتهام ضد حزب الرفاه وزعيمه أربكان يتَّهمه بإثارة حرب أهلية، ويطالب في المذكرة بحلِّ حزب الرفاه، وبرفع الحصانة عن زعيمه أربكان الذي كان نائباً في البرلمان لمحاكمته، وكان الدليل الذي ساقه المدعي العام في اتهامه لأربكان مقطعاً من مقابلة صحفية في 13-4-1994م قال فيها: "حزبنا سيصل حتماً إلى السلطة، ولكن المسألة أن نعرف فيما إذا كان ذلك سيتم من دون إراقة دماء، والشعب هو الذي سيقرر..".



    وعلى الرغم من كل المكائد والعراقيل فقد مضى أربكان في قيادة التيار الإسلامي من فوز إلى فوز، فقد تمكَّن حزب الرفاه رغم مرور سنوات قليلة على تأسيسه من الحصول على (185) مقعداً في الانتخابات النيابية التي جرت في شهر كانون الأول- ديسمبر من عام 1996 ، ليصبح الحزب الأكبر في البرلمان التركي وعلى الساحة السياسية التركية، حيث حصل حزب الطريق القويم على (135) مقعداً، وحصل حزب الوطن الأم على (133) مقعداً، وحصل اليسار الديمقراطي على (75) مقعداً وتوزعت المقاعد المتبقية وعددها (49) مقعداً على أحزاب أخرى وعلى المستقلين.

    وبعد هذا الفوز الكاسح الذي حققه حزب "الرفاه" في الانتخابات، وبعد كل تلك السنوات العجاف الطوال من المعاناة التي كابدها الإسلاميون في تركيا، تسلَّم البروفيسور أربكان في 8-6-1996م تكليفاً خطياً من رئيس الجمهورية التركية سليمان ديميريل لتشكيل حكومة جديدة يقودها الإسلاميون لأول مرة منذ الانقلاب الأتاتوركي، حيث شكَّل أربكان حكومة ائتلافية برئاسته بشراكةٍ مع حزب الطريق القويم بزعامة السيدة تانسو شيلر.


    وكان ذلك بمثابة صاعقة نزلت على رؤوس العلمانيين والماسونيين الأتراك في داخل تركيا، وعلى رؤوس القوى المناهضة لهوية تركيا الإسلامية من أمريكان وصهاينة في خارج تركيا، ولم يكن غريباً أن تعمد القوى المعادية لهوية تركيا الإسلامية في داخل تركيا وخارجها إلى مواجهة الإعصار السياسي الذي يتهدد كل مخططاتها لإبقاء تركيا بعيدة عن جذورها الإسلامية وإلى تصعيد تآمرها على حزب الرفاه وعلى زعيمه أربكان، فشنَّت الصحافة التركية العلمانية والماسونية حملة تشويهٍ وتحريضٍ لم تشهد لها تركيا مثيلاً من قبل ضد الحزب وزعيمه، وساندتها وسائل الإعلام العالمية المتصهينة.

    لم تؤت هذه الحملات أكلها كما يشتهي العلمانيون الأتراك وكما تشتهي الصهيونية العالمية وحلفاؤهم، فتحرك جنرالات المؤسسة العسكرية التركية التي تعتبر نفسها حامية للعلمانية التي فرضها أتاتورك قسراً على تركيا من خلال مجلس الأمن القومي الذي كان قد تشكَّل في أعقاب انقلاب الجنرال جمال غورسيل في عام 1961م.

    وكان هذا المجلس قد أطاح بحكومة عدنان مندريس آنذاك، فوجه المجلس الذي يسيطر عليه العسكريون رسالة في 28-2-1997م تحمل عباراتها التي صيغت بها لهجة الإنذار والوعيد لرئيس الوزراء أربكان الذي هو عضو في المجلس، تطلب منه تنفيذ عدد من الإجراءات الموجهة ضد نشاطات إسلامية، وضد مظاهر إسلامية كارتداء الحجاب، وضد مؤسسات إسلامية كمدارس الأئمة والخطباء ومعاهد تحفيظ القرآن الكريم.

    وبعد صدور إنذار جنرالات العلمانية بأيام أكَّد أربكان للصحافة أن العلمانية لا تعني قلَّة الدين .. في لفتة إيحائية ترمز إلى رفضه مطالب الجنرالات التي كانت موجهة ضد المؤسسات والنشاطات الإسلامية.

    وفي 9-3-1997م، أي بعد أسبوع من إنذار الجنرالات حذَّر أربكان في تصريح صحفي الجيش من محاربة الإسلام، مؤكداً أنه لا يمكن لأحد أن يقضي على شعب مؤمن. وفي 11-6-1997م صرَّح أربكان بأنه سيحتكم إلى الشعب التركي إذا أصرَّ الجنرالات على مطالبهم..


    واستمر الشدُّ والجذب بين جنرالات العلمانية تدعمهم الصحافة العلمانية والماسونية وبين حكومة الائتلاف برئاسة نجم الدين أربكان، وعندما وجد الجنرالات أن موقف الحكومة بشريكيها حزب الرفاه وحزب الوطن الأم بزعامة تانسو تشيللر لم يتضعضع أمام تهديدهم ووعيدهم، قبلوا بحًّلٍ وسط أن تُعتبر المطالب التي وردت في إنذارهم لأربكان توصيات وليست أوامر واجبة التنفيذ فوراً.

    ولم يستسلم العلمانيون والماسونيون أمام فشل إنذار جنرالات العلمانية بالإطاحة بأربكان، فعمدوا إلى الكيد بحزب الرفاه ليلحقوه بغيره من الأحزاب التي أسسها أربكان، ويغلقوه كما أغلقوها، واستبقوا المكيدة بمكيدة تمكنوا بواسطتها من فرط شراكة حزب الوطن الأم بزعامة تانسو تشيللر مع الرفاه بزعامة أربكان، وأدى انفراط شراكة الحزبين إلى استقالة الحكومة في أوائل شهر يونيو من عام 1997م.

    وفي 9-6-1997م تقدم المدَّعي العام بدعوى قضائية أمام المحكمة الدستورية، مطالباً بحل حزب الرفاه بتهمة العمل على تغيير النظام العلماني في تركيا. وفي شهر يناير من عام 1997م أصدرت المحكمة الدستورية حكماً بحل الرفاه، وبمنع أربكان وعدد من قادة الحزب من العمل السياسي لمدة خمس سنوات.

    لم يكن قرار المحكمة الدستورية بحل حزب الرفاه مفاجئاً للإسلاميين، بل كانوا يتوقعونه في أية لحظة، وكان أربكان يخطط لمواجهة هذا الموقف عند حدوثه، فوضع مشروعاً لتأسيس حزب يخلف الرفاه في حالة حلّه، واقترح اسم "حزب السعادة" للحزب المقترح.

    ولما صدر قرار حلّ حزب الرفاه لم يتمكن أربكان بسبب منعه من العمل السياسي من تأسيس الحزب الجديد، فقام بتشكيله عدد من قادة الرفاه الذين لم يصدر بحقهم حكم بمنعهم من العمل السياسي، فأسسوا حزباً جديداً أطلقوا عليه اسم "حزب الفضيلة" برئاسة إسماعيل ألب تكين الذي تخلَّى عن زعامة الحزب لإفساح المجال أمام انتخاب رجائي قوطان رئيساً للحزب في المؤتمر الطارئ للحزب الذي انعقد في 14-5-1998م.

    وصعَّد العلمانيون والماسونيون حملتهم ضد حزب الفضيلة الذي كان لا يزال قوة برلمانية تضم حوالي (110) نواب كانوا يشكلون الكتلة النيابية لحزب الرفاه قبل حلِّه، وتوزعت الحملة العلمانية الماسونية على أكثر من اتجاه: فمن ملاحقات قضائية، إلى تهديدات من جنرالات العلمانية، إلى مضايقات وملاحقات حكومية من الحكومة التي أصبح على رأسها بولنت أجاويد المعروف بعدائه للإسلاميين، إلى حملة إعلامية تشهيرية في الصحافة العلمانية والماسونية.

    المنع من العمل السياسي
    حرص العلمانيون على تشديد حصارهم حول أربكان، ولم يكتفوا بالحكم الصادر من قبل بمنعه من العمل السياسي، فقد كان العلمانيون والماسونيون يحسبون مليون حساب لعودة أربكان لممارسة العمل السياسي، لما له من قدرةٍ فائقة على استقطاب الجماهير، ولذلك حرصوا على إبقائه بعيداً عن الساحة السياسية، ففي 5-7-2000م أكدت محكمة التمييز حكماً كانت قد أصدرته محكمة أمن الدولة في مدينة "ديار بكر" بالسجن لمدة عام لأربكان بتهمة التحريض على الكراهية الدينية والعرقية، وحرمانه من العمل السياسي مدى الحياة، واستندت المحكمة في حكمها إلى خطاب قديم كان أربكان قد ألقاه في مهرجان انتخابي في عام 1994م.

    وفي اليوم التالي 6-7-2000م أصدرت المحكمة الدستورية قراراً بحرمان أربكان من العمل السياسي مدى الحياة بعد تأكيد محكمة التمييز لحكم محكمة أمن الدولة في ديار بكر.

    في 22-6-2001م أصدرت المحكمة الدستورية قرارها بحل حزب الفضيلة ، وبعد صدور قرار المحكمة الدستورية بحلِّ حزب الفضيلة تشكل حزبان جديدان على أنقاضه: الأول حزب السعادة بزعامة رجائي قوطان رئيس حزب الفضيلة المنحل، والثاني حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيِّب أردوغان رئيس بلدية إسطنبول وعبد الله غول منافس قوطان على زعامة حزب الفضيلة في المؤتمر العام للحزب المنعقد في 14-5-2000 .

    وتوزع نواب حزب الفضيلة على الحزبين فانحاز (51) نائباً لحزب العدالة والتنمية، وانحاز (48) نائباً لحزب السعادة وصدر حكم قضائي بإسقاط عضوية عدد من نواب الحزب.

    وعندما أجريت الانتخابات النيابية في 3-11-2002م لم يتمكن حزب السعادة من دخول المجلس النيابي بسبب فشلة في الحصول على نسبة 10% من أصوات الناخبين، واكتسح حزب العدالة والتنمية الانتخابات فحصل على (363) مقعداً من (550) مقعداً هي مقاعد المجلس.

    بعدها صدر حكم ضده بالسجن وأيدت هذا الحكم المحكمة العليا في عهد حكومة رجب الطيب أردوغان الذي تتلمذ على يد البروفيسور أربكان في حزب الرفاة ثم في حزب الفضيلة. والذي أعفى أستاذه من الحكم.

    عانى أربكان في آخر أيامه من المرض وكان يتلقى العلاج منذ فترة طويلة في مستشفى غوفن بأنقرة، حتى رحل عن عالمنا الأحد
    27-2-2011.

    http://www.moheet.com/show_news.aspx?nid=450825&pg=1
    .. منْ أُلقيَ عنهُ حُبُّ المالِ فقدْ اسْترَاح ..

  • #2
    جزاكى الله اختى الكريمه

    فقد سبقتينى فى هذا الموضوع

    وكنت احاول ان اعد له منذ سماعى لخبر وفاته




    وها هى صور جنازته




































    قال تعالى {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }آل عمران139
    لا ولن يكتمل حلمى الا بك يا اقصى
    MY Dream Will Not Be Completed
    Without AL-AQSA

    تعليق


    • #3

      إنّا لله وإنّا إليه راجعون
      غفر الله له ورحمه رحمة واسعة وتقبله فى الصالحين

      اللهم إجعل قبره روضة من رياض الجنّة وأدخله الجنّة بغير حساب ولا سابقة عذاب

      اللهم آمين

      ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

      تعليق


      • #4

        الله يرحمه .. جنازة مهيبة سبحان الله !!
        .. منْ أُلقيَ عنهُ حُبُّ المالِ فقدْ اسْترَاح ..

        تعليق


        • #5
          ونعم الرجل ونعم المهندس ونعم القائد ونعم الاقتصادى .....حفيد محمد الفاتح

          غفر الله له ورحمه رحمة واسعة وتقبله فى الصالحين

          مولاتى الشهيدة جزاكم الله خيرًا على هذه الصور التى دُعمت الموضوع
          وعلى الرغم من عمق الألم : ما زال قلبى تسكنه السكينة والطمأنينة والثقة بأن آخر هذه المحنة ستتمخض لصالحنا ويخسأ الفسقة والطغاة , وسيكون فرجٌ بعد الشدّة ,وفرحٌ بعد الحزن ..قد ننتظر .. واثقين أن الرياح ستدفع شراعنا !( محمد أحمد الراشد )

          تعليق


          • #6
            جزاك الله وإياك خير الجزاء يا أنس ..

            لكن أخانا الكريم / الأزهري المصري هو من وضع صور الجنازة ..
            والتي بحق أثرت الموضوع وأظهرت مدى شعبية هذا البطل المسلم رحمه الله وغفر له ..

            فجزاه خيراً ..
            .. منْ أُلقيَ عنهُ حُبُّ المالِ فقدْ اسْترَاح ..

            تعليق


            • #7
              اللهم اجزه عن الاسلام والمسلمين خير الجزاء
              اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة ولاتجعله حفرة من حفر النار
              اللهم كما اعز الاسلام في الدنيا واعاد للاسلام هيبته لاتخزه يوم يبعثون
              تـبكي الحنيفيةَ البيضاءُ من أسفٍ *** كـما بـكى لـفراق الإلفِ هيمانُ
              عـلى ديـار مـن الإسلام خالية *** قـد أقـفرت ولـها بالكفر عُمرانُ
              حيث المساجد قد صارت كنائسَ ما *** فـيـهنَّ إلا نـواقيسٌ وصُـلبانُ
              حتى المحاريبُ تبكي وهي جامدةٌ *** حـتى الـمنابرُ ترثي وهي عيدانُ




              تعليق


              • #8
                أسأل الله ان يرحمه رحمة واسعه ويحسن اليه ويطيب مثواه فقد كان مدرسة فكرية وإنا لله وإنا إليه راجعون

                تعليق


                • #9
                  رحم الله اربكان ..فالرجل عرف بدماثة أخلاقه، وقدرته على التفكير الصائب، فعندما رأى بعض تلامذته تشكيل حزب موازٍ، لم يزد عن المطالبة بضرورة وحدة الصف، مع الاختلاف في الرُّؤى.

                  لقد بكى الكثيرون أتراكًا وغيرهم عند سماع نبأ وفاة الرجل الذي نظر حياته لخدمة بلده وأمته حتى وهو يصارع الموت، فقد نقل عنه -رحمه الله- أنه كان يوصي بكيفية التعامل مع المستجدات في البلاد الإسلامية، وتحديدًا تونس، ومصر، وليبيا.

                  ولا غرو، فإن نجم الدين أربكان هو من عمل على توطيد العلاقات مع البلاد الإسلامية، في وقت قطعت فيه العلمانية التركية أواصر البلاد الحضارية، سواء مع العرب أو غيرهم من المسلمين؛ فقد ساهم مساهمة فعالة جدًّا في تذويب الجليد بين الأتراك والعرب، وبين الأتراك وبقية المسلمين في العالم، من خلال إحياء الثقافة الإسلامية، ونشر اللغة العربية التي كان يفهمها جيدًا، وذلك قبل أن يصبح رئيسًا للوزراء، وقبل أن يطاح به من قبل الجيش سنة 1996م، بدعوى تقويضه للنظام العلماني المفروض في تركيا، والسعي لتطبيق الشريعة الإسلامية.

                  جزاك الله كل الخير حبيبتى الشهيدة وأخى الأزهرى المصرى
                  فإما سطور تضيء الطريق ... وإما رحيل يريح القلــــم

                  تعليق


                  • #10
                    جنازة نجم الدين اربكان

                    [I
                    MG]http://www.timeturk.com/resim/fotogaleri/327/69420.jpg[/IMG]






































                    تعليق


                    • #11





















                      تعليق


                      • #12
                        على فكرة الرداء الاحمر اللي لابسه الشخص ده مكتوب عليه حزب السعادة اللي كان اربكان رئيسه

                        تعليق


                        • #13
                          رجل بمعنى الكلمة ... كم حارب كم قاتل ليحكم الاسلام من تانى هو الاب الروحانى لطيب اردوغان وعبدالله غول ...يادعوتى سيرى سيرى سيرى
                          جزاكم الله خيرًا اختنا سارة
                          وعلى الرغم من عمق الألم : ما زال قلبى تسكنه السكينة والطمأنينة والثقة بأن آخر هذه المحنة ستتمخض لصالحنا ويخسأ الفسقة والطغاة , وسيكون فرجٌ بعد الشدّة ,وفرحٌ بعد الحزن ..قد ننتظر .. واثقين أن الرياح ستدفع شراعنا !( محمد أحمد الراشد )

                          تعليق


                          • #14
                            أربكان الذي عرفته

                            السفير/ محمد والي

                            بدأت عملي في السفارة المصرية بأنقرة في سبتمبر 1977 وكان وقتها نجم الدين أربكان عَلَما بارزا في السياسة التركية إذ كان زعيم حزب: “السلامة الوطني” ذو الاتجاه الإسلامي؛ لكن معرفتي به بدأت في العام التالي 1978.
                            في ذلك العام، وصلت السفارة دعوة لشخصيتين تركيتين لحضور المؤتمر السنوي لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف. هاتان الشخصيتان هما: الشيخ/ علي أرسلان أيدين، والدكتور نجم الدين أربكان أو كما يسميه الأتراك: “أربكان خوجة” أي الشيخ أربكان.
                            أما الشيخ علي أرسلان؛ فقد عرفته قبل ذلك، وكان من أعز أصقائي في أنقرة، وهو عضو في مديرية الشؤون الدينية التركية، وهي التي تتولى الفتوى والإشراف على المساجد وتكوين الأئمة والخطباء. كان الشيخ علي قد تلقى تعليمه العالي في الأزهر حيث حصل على شهادة “العالمية من درجة أستاذ” (الدكتوراة) في أصول الدين. كان من المعتاد في الاتصالات الدبلوماسية أن توجه الدعوة إلى الخارجية التركية، وهي التي تخطر المدعوين، وقد تم ذلك بالفعل، ولكني أخطرت صديقي الشيخ علي أرسلان بالموضوع؛ فسألني إن كنت تحدثت إلى الدكتور أربكان في الأمر؛ فلما أجبته بالنفي، قال من الأفضل أن تتصل به. كان وقتها الدكتور أربكان نائبا لرئيس مجلس الوزراء، فاتصلت بمكتبه على الفور، وطلبت مقابلته، وفي نفس اليوم اتصل بي مكتبه، وقال إن الدكتور أربكان يدعوك لتناول الشاي معه عصر نفس اليوم في مكتبه بحزب السلامة. استقبلني الدكتور أربكان مرحبا، وأنا كنت أفهم التركية لكن لا أستطيع الحديث بها بطلاقة، وكان الدكتور أربكان لا يعرف من اللغات الأجنبية إلا اللغة الألمانية التي لا أعرفها؛ لكن يبدو أن الدكتور أربكان قد احتاط لهذا الأمر، فقد كان معه عدد من قيادات الحزب منهم أمين الشباب، ومنهم وزير التجارة/ حسن فهمي جونيش؛ الذي كان يجيد اللغة العربية؛ لأنه من مدينة ماردين على الحدود السورية، وهي منطقة عربية، وقد قام بالترجمة بيننا. شرحت للدكتور أربكان موضوع المؤتمر وهو الاقتصاد الإسلامي.
                            ربما أكون قد أسهبت بعض الشيء في شرح جوانب الموضوع، فاستشف أربكان من حديثي أني متخصص في الدراسات الإسلامية. وهنا بدأ نقاش هام حول موضوع الوحدة النقدية الإسلامية، للخروج من التبعية للتكتلات الاقتصادية الأجنبية، واقترح الدكتور أربكان البدء بإنشاء وحدة نقدية باسم “الدينار الإسلامي” تضم في البداية نواة من الدول الإسلامية المهمة لتشمل بعد ذلك باقي العالم الإسلامي.
                            تعددت اللقاءات بيننا بعد ذلك، وفي إحدى هذه اللقاءات وكان شهر رمضان على الأبواب، اقترح أربكان أن يدعو سفراء الدول الإسلامية على مأدبة إفطار ووجدت فيه اقتراحا مفيدا للغاية، وكان قد طبع بطاقات الدعوة من قبل؛ فأحضر بطاقة وكتب فيها اسمي؛ وكنت وقتها سكرتير أول السفارة؛ فقلت له: أنا لست السفير، ويوجد قبلي في السفارة وزير مفوض ومستشار فسلمني أربع بطاقات خالية لباقي أعضاء السفارة.
                            وفي يوم الدعوة توجه السفراء إلى مقر الحزب؛ حيث وجدوا أربكان واقفا في الشارع أمام المبنى في انتظارهم، وكل سفير معه سائق، وبعضهم معه حارس بخلاف السائق، فأصر أربكان على صعودهم جميعا لتناول الإفطار. منظمو الحفل أجلسوني بجوار أربكان، وبجواره من الناحية الأخرى سفيرنا في ذلك الوقت/ أحمد كمال علما. اعترض القائم بأعمال الأردن، وقال لي: إن هذا مخالف للبروتوكول الدبلوماسي، فقلت له نعم، لكن لا تنسى أن أربكان زعيم سياسي منتخب، والأحزاب السياسية لها بروتوكولها الخاص. المهم نجحت الفكرة، وانتقلت من حزب السلامة الوطني بزعامة أربكان إلى حزب الحركة القومية بزعامة ألب أصلان توركيش، وكان هذا الحزب ينادي بالرابطة القومية، لكنه لا يغفل الإسلام كعنصر أساسي للشخصية التركية؛ فالأتراك مثل العرب كانوا قبل الإسلام قبائل متنازعة لا شأن لها فارتبط ظهور الأتراك في العالم بالإسلام، بل إنك لتجد هذا واضحا في الفنون التركية حين يكون الرمز لتركيا هو الجامع والمنارة والمئذنة وصوت المؤذن.
                            كان شعار حزب السلامة الوطني هو المفتاح، وبالفعل كان أربكان وحزبه مفتاح السياسة التركية في ذلك الوقت؛ فقد كان في المشهد السياسي التركي أربعة أحزاب رئيسية: حزب الشعب الجمهوري برئاسة بلوند أجاويد – وهو الامتداد التاريخي للحزب الوحيد الذي حكم به أتاتورك، وحزب العدالة بزعامة سليمان ديمريل وهو امتداد للحزب الديمقراطي الذي أنشأه عدنان مندريس بعد نهاية عصر أتاتورك، وأعاد به الوجه الإسلامي لتركيا، وحزب السلامة الوطني بزعامة أربكان، وأخيرا حزب الحركة القومية بزعامة ألب أصلان توركيش. كانت نتائج الانتخابات لا تسفر عن فوز حزب واحد من هذه الأحزاب بأغلبية تمكنه من تشكيل الحكومة بمفرده، وكان لابد من تشكيل حكومات إئتلافية، ومن هنا كان حزب السلامة هو رمانة الميزان لتشكيل الحكومة بحيث يمكنه الاختيار بين أحد الحزبين الكبيرين: حزب الشعب أو حزب العدالة. وكانت هناك نكتة في تركيا – تعبر في الحقيقة عن هذا الموقف، يحكى أن سليمان ديمريل، وبلوند أجاويد، ونجم الدين أربكان، كانوا زملاء في مدرسة واحدة وفي فصل واحد فسأل المدرس سليمان ديمريل ماذا تحب أن تكون في المستقبل، فقال: أحب أن أكون رئيسا للوزراء، وسأل أجاويد فأجاب بنفس الإجابة أريد أن أكون رئيسا للوزراء ثم سأل أربكان فقال: أحب أن أكون نائبا لرئيس الوزراء، فقال المدرس ولماذا لا تكون رئيسا للوزراء مثل زميليك فقال لأنه سواء أكان هذا أو ذاك رئيسا للوزراء فسأكون على الدوام نائبا لرئيس الوزراء. لا زلت أحتفظ بالمفتاح الذي أعطاه لي أربكان في صورة مدالية كان يضعها أعضاء الحزب في عروة سترتهم؛ فقد كان هذا المفتاح سر منجزات أربكان.
                            فقد كان بإمكان حزب السلامة لترجيح الكفة أن يشترط حقائب وزارية معينة لتطبيق برامجه، وإن كان فكريا أقرب لحزب العدالة. كان أربكان يحرص على أن تكون معه وزارات التعليم والصناعة والتجارة كما كان حريصا على أن يمتد نفوذه إلى اتحاد الإذاعة والتلفزيون، وبذلك استطاع أن يحقق منجزات هامة منها: أن عدد مدارس الأئمة والخطباء منذ أنشأها عدنان مندريس في الستينات (وهي مدارس تشبه في مناهجها مدارس الأزهر الشريف) كان عددها 56 مدرسة، زادت في سنوات حزب السلامة الثمانية (1972/1980) إلى 340 مدرسة. وكان مندريس قد أنشأ كلية واحدة لأصول الدين في أنقرة أصبحت مع حزب السلامة 12 كلية في مختلف الجامعات التركية. منذ انقلاب أتاتورك اللاديني كان على الأتراك الراغبين في التعليم الإسلامي أن يتجهوا إلى مصر أو سورية أو العراق حيث كان تعليم الدين ممنوعا، وقد أعاد أربكان تعليم الدين إلى المدارس التركية العادية وحين احتج اللادينيون قال أربكان إن الشعب التركي مسلم ولا بد من أن يتعلم دينه في المدارس ومن لا يريد تعليم الدين لأولاده يطلب ذلك من المدرسة، وهذا أمر لا يحدث عادة وسط شعب متدين. ثم أصبح صوت المؤذن يسمع في الإذاعة والتلفزيون وتذاع الاحتفالات الدينية (يسميها الأتراك قنديل) على الهواء مباشرة.
                            ليس هذا فحسب بل إن أربكان هو مؤسس النهضة الصناعية الحديثة في تركيا – بالمناسبة أربكان خريج كلية الميكانيكا من أكاديمية الهندسة باستانبول، و مؤسس شركة (المحرك الفضي) وأول رئيس لمجلس إدارتها 1956/1963 وهي لا زالت أكبر شركة لصناعة محركات الديزل في تركيا، بالإضافة إلى قفزات هائلة في مختلف الصناعات. يؤثر عن أربكان قوله: إن صناعة المكرونة أو الشكولاتة ليست هي الصناعة التي نريدها؛ إنما نريد الصناعات الثقيلة، والآن تركيا تصدر المنتجات الصناعية إلى مختلف أنحاء العالم، وفي الصناعات الحربية تصنع سلاحها وتبيع الأسلحة وكافة الذخائر تصنع الطائرة كما تصنع الفرقاطة.
                            كانت المملكة السعودية تعطي أربكان طائرة خاصة لأداء فريضة الحج كل عام مع أركان حزبه، وفي عام 1979 دعاني أربكان للحج معه؛ فاعتذرت منه، وكان الموقف محرجا، خاصة وأن علاقات أربكان تلبدت مع السادات بعد توقيع معاهدة كامب دافيد وانتقاد أربكان لها.
                            لقد أسس نجم الدين أربكان أول حزب سياسي إسلامي في تركيا عام 1970 باسم حزب: “النظام القومي" قامت المحكمة الدستورية بحله عام 1971 بدعوى مناقضته للدستور اللاديني، فأنشأ في عام 1972 حزب: “السلامة الوطني".
                            اتخذ أربكان قرار غزو قبرص عام 1974 حين كان مشاركا في حكومة إئتلافية مع بلند أجاويد، ففي ذلك العام وقع في الجزيرة انقلاب عسكري وتم طردرئيس قبرص الأسقف مكاريوس، ونشطت العصابات المسلحة لقتل وترويع الأتراك، ومن المعلوم أن جزيرة قبرص تبعد عن الشاطىء التركي بخمسة وسبعين ميلا فقط وكانت تابعة للدولة العثمانية قبل هزيمتها في الحرب الكبرى الأولى، وبها جالية تركية كبيرة أو في الحقيقة سكانها إما أتراك أو يونان، واستيلاء اليونان عليها يجعلها مصدر تهديد خطير لتركيا. المهم هنا هو أن الولايات المتحدة أخذت الجانب اليوناني في النزاع حول قبرص رغم أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلنطي (الناتو)، مما جعل تركيا تغلق قاعدة إنجيرليك الأمريكية شرق تركيا. ظلت هذه القاعدة مغلقة لأكثر من عشرين عاما ثم أعيد فتحها بشروط جديدة تجعلها تحت سيطرة تركيا.
                            في صيف 1980 قاد أربكان مظاهرة مليونية في مدينة قونيا (وسط الأناضول) لنصرة فلسطين و المسجد الأقصى، قال فيها: "إن قضية فلسطين لا تخص الفلسطينيين وحدهم ولا العرب وحدهم؛ وإنما هي قضية المسلمين جميعا".
                            ليسمح لي القارىء أن أتوقف هنا لأتحدث قليلا عن مدينة قونيا – والتي تشبه كثيرا مدينة طنطا وسط الدلتا، إذ كما ترتبط طنطا بالسيد البدوي، ترتبط قونيا بالشيخ جلال الدين الرومي، مع ملاحظة أن أربكان كان نائبا عن مدينة قونيا. مولانا جلال الدين الرومي هو محمد بن محمد بن حسين البلخي (نسبة إلى بلخ من بلاد ما وراء النهر/ أفغانستان حاليا) ولد في بلخ ولم يكد يبلغ الثالثة حتى غادرها مع أبيه إلى بغداد حيث نزل أبوه بالمدرسة المستنصرية ثم قام برحلة واسعة زار خلالها دمشق ومكة وملطية إلى أن استقر بقونيا وعمل فيها بالتدريس حتى وفاته عام 628 هـ، فخلفه في التدريس ابنه جلال الدين الذي عرف بالشيخ الرومي. من أشهر أعمال الشيخ الرومي أو مولانا جلال الدين "المثنوى" الذي يعتبر أضخم ديوان شعر في العالم إذ يضم عشرة آلاف بيت كل اثنين على قافية واحدة، وهذا هو سر تسمية الديوان بالمثنوي. ترجم المثنوي إلى اللغة العربية المرحوم الدكتور/ إبراهيم الدسوقي شتا، وصدر عن مكتبة مدبولي بالقاهرة.
                            الطرق الصوفية منتشرة في تركيا ولعبت أدوارا هامة في التاريخ العثماني، وكانت الطريقة البكتاشية أكثر هذه الطرق التصاقا بالعسكرية العثمانية، وفي عصور الازدهار كان يقيم إقامة دائمة بكل معسكر للانكشارية وكيل للطريقة البكتاشية مع عدد من المنتسبين لها (المريدون) يلعبون دورا هاما في التعبئة الروحية للقوات المسلحة، وفي الحملات الحربية يتقدم الشيخ (بالتعبير التركي بابا) وهو يصيح بأعلى صوته: "كريم الله" فيردد المريدون: هو هو. ومن ثم بدأت الحرب عليها مبكرا مع نمو حملات التغريب في عهد السلطان محمود الثالث، ولم تستقر هذه الحملات إلا بعد صراع دامي مع الانكشارية إنتهى بإبطال فرق الانكشارية وإبطال الطريقة البكتاشية معها. وبعد انقلاب أتاتورك ومحاولة فرض التغريب وإسدال الستار على ألف سنة من تاريخ الترك مع الإسلام أو تاريخ الإسلام مع الترك قضي أتاتورك بإبطال الطرق الصوفية جميعا.
                            الطريقة الوحيدة التي استعصت على الإبطال هي الطريقة المولوية (نسبة إلى مولانا الرومي) في قونيا ومن هنا تبرز قونيا باعتبارها المعقل الأخير للحضارة العثمانية، والشرارة الأولى التي انطلقت منها تلك الحضارة في ثوبها الجديد. في كل مدينة تركية يوجد تمثال لأتاتورك إلا قونيا، في تركيا هيئة حكومية تشرف على تماثيل أتاتورك؛ لكن قونيا استعصت عليها ما أن يوضع التمثال حتى يختفي.
                            من المعروف أن إسرائيل تستخدم حزب العمال الكردستاني كورقة ضغط على تركيا، ومن المعلوم تاريخيا أن المشكلة الكردية لم تظهر إلا بعد انهيار الدولة العثمانية التي لم تكن دولة قومية بحال ومن المعروف كذلك أن منطقة كردستان كانت معقل المقاومة لأتاتورك ومشروعه اللاديني ودارت معارك حامية في كردستان بين أتاتورك والحركة الإسلامية الكردية بزعامة الشيخ سعيد النورسي، والتي استمرت بعد النورسي في صورة طلاب رسائل النور، وهي رسائل في التوحيد ألفها الشيخ، وقد تحولت من حركة كردية إلى حركة تركية عامة لا يقتصر دورها السياسي على منطقة كردستان. أدرك أربكان جيدا أن المشكلة الكردية لا يمكن أن تحل إلا في إطار إسلامي جامع يتجاوز المفهوم القومي الضيق.
                            كل هذه النذر كانت كافية لتدفع الصهيونية العالمية بورقة الانقلاب العسكري، الذي قام به رئيس الأركان الجنرال/ كنعان إفرين في 12 سبتمبر 1980. هذا الانقلاب الدموي أدى إلى اعتقال أربكان وعدد من رجاله، كما أدى إلى مقتل واختفاء عدة آلاف؛ وبالرغم من ذلك فإن المكاسب التي تحققت على يد أربكان كان لا يمكن إلغاؤها، فبعد أيام حل موعد الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج، وكان الاحتفال يذاع مباشرة من مسجد السلطان محمد الفاتح باستانبول، وبعد التواشيح والأناشيد، قام إمام الجامع لإلقاء خطبته، وفي نهايتها دعى للإسلام والمسلمين، ثم لصاحب الجامع الساطان محمد الفاتح، ثم لمؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك، وهنا قذفه المصلون بأحذيتهم وقطع الإرسال، ولما سألت الشيخ علي أرسلان عن رأيه فيما حدث كان تعليقه: “إنه شيخ أرتيست".
                            خرج أربكان من المعتقل – بعد ثلاث سنوات - ليواجه حكما بحظر مشاركته في أي نشاط سياسي لمدة عشرة أعوام، عاد بعدها ليؤسس حزب: “الرفاه". دخل حزب الرفاه الانتخابات البرلمانية عام 1996 حيث حصل على أكبر عدد من المقاعد بالقياس للأحزاب الأخري، لكنه لم يتمكن من تشكيل الحكومة بمفرده. فتكونت حكومة ائتلافية برئاسة أربكان وبالاشتراك مع حزب الطريق القويم بزعامة تانسو تشيللر. لم يكمل أربكان عاما واحدا (تسع شهور بالتحديد) في رئاسة الحكومة حتى أنذره الجيش، وقام بانقلاب صامت عليه في 28 فبراير 1997. في هذه الشهور القليلة التي بقي فيها أربكان رئيسا للوزراء بدأ في المجال الخارجي تحقيق برنامجه في الانفتاح على العالم الإسلامي، فأعلن عن تكوين مجموعة الثماني الإسلامية التي تضم إلى جانب تركيا أكبر سبع دول إسلامية: إيران وباكستان وإندونيسيا ومصر ونيجريا وبنجلاديش وماليزيا. وقد اقترح أربكان أن تكون هذه المجموعة نواة تحقيق مشروع الوحدة النقدية الإسلامية (الدينار الإسلامي)، وهو المشروع الذي سبق أن ناقشه معي منذ ثلاثين عاما.
                            لم تكتف القوى اللادينية في تركيا بإفشال حكومة أربكان بل أقدمت على حظر حزب الرفاه عام 1998وتقديم أربكان إلى المحاكمة بتهمة مناهضة اللادينية، ومنعه من مزاولة النشاط السياسي لمدة خمس سنوات. لكن أربكان تمكن من إنشاء حزب آخر باسم: “حزب الفضيلة" بزعامة أحد معاونيه وهو محمد رجائي قوطان. وكما هي العادة تربص الملاحدة بحزب الفضيلة فقضت المحكمة الدستورية بحله في عام 2001.
                            بعد حل حزب الفضيلة نشأ حزبان إسلاميان في تركيا حزب السعادة برئاسة رجائي قوطان، وحزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان، وبعد المؤتمر الدولي الثالث لحزب السعادة عام 2008 انتخب البروفسور/ نعمان كورتلموش رئيسا للحزب. نشأ حزب العدالة عام 2002 من المنشقين على حزب الفضيلة والذين يعتبرون أنفسهم تيار التجديد، وهم لا يعتبرون أنفسهم حزبا إسلاميا مثل أحزاب أربكان ويسمون أنفسهم "العثمانيون الجدد".
                            كان رجب طيب أردوغان قد انضم إلى حزب السلامة الوطني بزعامة أربكان وبعد الانقلاب العسكري عام 1980 انضم إلى حزب الرفاه وانتخب عمدة لاستانبول على قوائم الحزب عام 1994 وفي عام 1998 اتهُم أردوغان بالتحريض على الكراهية الدينية مما تسبب في سجنه ومنعه من العمل في الوظائف الحكومية ومنها الترشيح للانتخابات العامة بسبب اقتباسه أبياتاً من شعر تركي أثناء خطاب جماهيري يقول فيه:

                            مساجدنا ثكناتنا قبابنا خوذاتنا
                            مآذننا حرابنا والمصلون جنودنا
                            هذا الجيش المقدس يحرس ديننا

                            عودة إلى أربكان، فبعد انتهاء الحظر المفروض عليه عام 2003 تربص به ملاحدة أنقرة ليقدموه للمحاكمة بتهمة التحريض على الكراهية ومناهضة اللادينية حيث حكم عليه بالسجن لمدة عامين، إلا أن وصول حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان إلى السلطة – في نفس العام - مكنه من إلغاء عقوبة الحبس واستبدالها بتحديد إقامته في منزله، وبوصول عبد الله جول إلى سدة الرئاسة تمكن حزب العدالة والتنمية من استصدار عفو رئاسي عام عن أربكان وذلك في 18أغسطس عام 2008؛ لكن أربكان كان قد دخل مرحلة الشيخوخة (من مواليد 1926) وأصبح على كل حال طريح الفراش حيث دخل في صراع طويل مع المرض انتهى بوفاته في 27 فبراير 2011 في أحد مستشفيات أنقرة.
                            وهكذا رحل الفارس النبيل بعد حياة مليئة بالكفاح، نذر نفسه لخدمة الإسلام ولقي فيها حربا شعواء من ملاحدة تركيا، ومن الصهيونية العالمية التي حارب نفوذها في تركيا وحاول أثناء رئاسته للحكومة إغلاق محافلها من أندية الروتاري والليونز، وهو الذي سبق له أن قدم مشروع قانون إلى الجمعية الوطنية التركية عام 1980 يأمر الحكومة التركية بقطع علاقاتها مع الكيان الصهيوني، كما قدم في نفس العام مشروع قانون بحظر المحافل الماسونية في تركيا؛ ولعل هذا من أسباب الانقلاب العسكري عليه في نفس العام.
                            كان حصيلة الكر والفر بين أربكان وخصومه خمسة أحزاب إسلامية هي على التوالي: حزب النظام القومي، حزب السلامة الوطني، حزب الرفاه، حزب الفضيلة، وأخيرا حزب السعادة، هذا بالإضافة إلى انقلابين عسكريين أولهما في سبتمبر 1980 والثاني في فبراير 1997. بالرغم من كل الضغوط التي تعرض لها أربكان، فإن توجهاته الإسلامية واضحة لا لبس فيها، وأذكر أنه بعد نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية، وأثناء أزمة الرهائن في السفارة الأمريكية بطهران، سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات اقتصادية على إيران. كان وزير خارجية تركيا وقتها خير الدين إركمان، ولم يكن قد صدر قرار بعد بشأن إيران، إلا أن وزير الخارجية التركي صرح بأن تركيا سوف تلتزم بهذا القرار فور صدوره. بطبيعة الحال لم يكن هذا في مصلحة تركيا حيث أن أكبر تعاملات اقتصادية خارجية لتركيا كانت مع إيران (كانت في ذلك الوقت ٣٧٪ من حجم التجارة الخارجية التركية) هذا بالإضافة إلى أن تركيا تستفيد من عبور البضائع عبر أراضيها وموانيها من وإلى إيران، هذا إذا نحينا اعتبارات التضامن الإسلامي جانبا. هنا انبرى له أربكان وحزبه، ولما رفض الوزير تقديم استقالته، طرح أمره على الجمعية الوطنية التي أقالته من الحكومة (عام 1979).
                            بالنسبة لي أنا على الأقل، فإن أربكان شخصية لا تنسى، تشعر معه بألفة غريبة وكأنك تعرفه من سنين، بل وكأنك تعرفه من قبل أن تراه. وليس هذا غريبا ففي الحديث: “الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف" (البخاري من حديث عائشة، ومسلم من حديث أبي هريرة واللفظ له). وبالنسبة لملايين الناس في تركيا وخارجها سيظل أربكان رمزا لنضال مستمر وأملا في مستقبل أفضل “فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ" )١٧/الرعد-١٣(.
                            [align=left]http://abouzahraa.maktoobblog.com/1052751/%D8%A3%D8%B1%D8%A8%D9%83%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A-%D8%B9%D8%B1%D9%81%D8%AA%D9%87/[/CENTER]

                            تعليق


                            • #15
                              أربكان الذي عرفته

                              السفير/ محمد والي

                              بدأت عملي في السفارة المصرية بأنقرة في سبتمبر 1977 وكان وقتها نجم الدين أربكان عَلَما بارزا في السياسة التركية إذ كان زعيم حزب: “السلامة الوطني” ذو الاتجاه الإسلامي؛ لكن معرفتي به بدأت في العام التالي 1978.
                              في ذلك العام، وصلت السفارة دعوة لشخصيتين تركيتين لحضور المؤتمر السنوي لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف. هاتان الشخصيتان هما: الشيخ/ علي أرسلان أيدين، والدكتور نجم الدين أربكان أو كما يسميه الأتراك: “أربكان خوجة” أي الشيخ أربكان.
                              أما الشيخ علي أرسلان؛ فقد عرفته قبل ذلك، وكان من أعز أصقائي في أنقرة، وهو عضو في مديرية الشؤون الدينية التركية، وهي التي تتولى الفتوى والإشراف على المساجد وتكوين الأئمة والخطباء. كان الشيخ علي قد تلقى تعليمه العالي في الأزهر حيث حصل على شهادة “العالمية من درجة أستاذ” (الدكتوراة) في أصول الدين. كان من المعتاد في الاتصالات الدبلوماسية أن توجه الدعوة إلى الخارجية التركية، وهي التي تخطر المدعوين، وقد تم ذلك بالفعل، ولكني أخطرت صديقي الشيخ علي أرسلان بالموضوع؛ فسألني إن كنت تحدثت إلى الدكتور أربكان في الأمر؛ فلما أجبته بالنفي، قال من الأفضل أن تتصل به. كان وقتها الدكتور أربكان نائبا لرئيس مجلس الوزراء، فاتصلت بمكتبه على الفور، وطلبت مقابلته، وفي نفس اليوم اتصل بي مكتبه، وقال إن الدكتور أربكان يدعوك لتناول الشاي معه عصر نفس اليوم في مكتبه بحزب السلامة. استقبلني الدكتور أربكان مرحبا، وأنا كنت أفهم التركية لكن لا أستطيع الحديث بها بطلاقة، وكان الدكتور أربكان لا يعرف من اللغات الأجنبية إلا اللغة الألمانية التي لا أعرفها؛ لكن يبدو أن الدكتور أربكان قد احتاط لهذا الأمر، فقد كان معه عدد من قيادات الحزب منهم أمين الشباب، ومنهم وزير التجارة/ حسن فهمي جونيش؛ الذي كان يجيد اللغة العربية؛ لأنه من مدينة ماردين على الحدود السورية، وهي منطقة عربية، وقد قام بالترجمة بيننا. شرحت للدكتور أربكان موضوع المؤتمر وهو الاقتصاد الإسلامي.
                              ربما أكون قد أسهبت بعض الشيء في شرح جوانب الموضوع، فاستشف أربكان من حديثي أني متخصص في الدراسات الإسلامية. وهنا بدأ نقاش هام حول موضوع الوحدة النقدية الإسلامية، للخروج من التبعية للتكتلات الاقتصادية الأجنبية، واقترح الدكتور أربكان البدء بإنشاء وحدة نقدية باسم “الدينار الإسلامي” تضم في البداية نواة من الدول الإسلامية المهمة لتشمل بعد ذلك باقي العالم الإسلامي.
                              تعددت اللقاءات بيننا بعد ذلك، وفي إحدى هذه اللقاءات وكان شهر رمضان على الأبواب، اقترح أربكان أن يدعو سفراء الدول الإسلامية على مأدبة إفطار ووجدت فيه اقتراحا مفيدا للغاية، وكان قد طبع بطاقات الدعوة من قبل؛ فأحضر بطاقة وكتب فيها اسمي؛ وكنت وقتها سكرتير أول السفارة؛ فقلت له: أنا لست السفير، ويوجد قبلي في السفارة وزير مفوض ومستشار فسلمني أربع بطاقات خالية لباقي أعضاء السفارة.
                              وفي يوم الدعوة توجه السفراء إلى مقر الحزب؛ حيث وجدوا أربكان واقفا في الشارع أمام المبنى في انتظارهم، وكل سفير معه سائق، وبعضهم معه حارس بخلاف السائق، فأصر أربكان على صعودهم جميعا لتناول الإفطار. منظمو الحفل أجلسوني بجوار أربكان، وبجواره من الناحية الأخرى سفيرنا في ذلك الوقت/ أحمد كمال علما. اعترض القائم بأعمال الأردن، وقال لي: إن هذا مخالف للبروتوكول الدبلوماسي، فقلت له نعم، لكن لا تنسى أن أربكان زعيم سياسي منتخب، والأحزاب السياسية لها بروتوكولها الخاص. المهم نجحت الفكرة، وانتقلت من حزب السلامة الوطني بزعامة أربكان إلى حزب الحركة القومية بزعامة ألب أصلان توركيش، وكان هذا الحزب ينادي بالرابطة القومية، لكنه لا يغفل الإسلام كعنصر أساسي للشخصية التركية؛ فالأتراك مثل العرب كانوا قبل الإسلام قبائل متنازعة لا شأن لها فارتبط ظهور الأتراك في العالم بالإسلام، بل إنك لتجد هذا واضحا في الفنون التركية حين يكون الرمز لتركيا هو الجامع والمنارة والمئذنة وصوت المؤذن.
                              كان شعار حزب السلامة الوطني هو المفتاح، وبالفعل كان أربكان وحزبه مفتاح السياسة التركية في ذلك الوقت؛ فقد كان في المشهد السياسي التركي أربعة أحزاب رئيسية: حزب الشعب الجمهوري برئاسة بلوند أجاويد – وهو الامتداد التاريخي للحزب الوحيد الذي حكم به أتاتورك، وحزب العدالة بزعامة سليمان ديمريل وهو امتداد للحزب الديمقراطي الذي أنشأه عدنان مندريس بعد نهاية عصر أتاتورك، وأعاد به الوجه الإسلامي لتركيا، وحزب السلامة الوطني بزعامة أربكان، وأخيرا حزب الحركة القومية بزعامة ألب أصلان توركيش. كانت نتائج الانتخابات لا تسفر عن فوز حزب واحد من هذه الأحزاب بأغلبية تمكنه من تشكيل الحكومة بمفرده، وكان لابد من تشكيل حكومات إئتلافية، ومن هنا كان حزب السلامة هو رمانة الميزان لتشكيل الحكومة بحيث يمكنه الاختيار بين أحد الحزبين الكبيرين: حزب الشعب أو حزب العدالة. وكانت هناك نكتة في تركيا – تعبر في الحقيقة عن هذا الموقف، يحكى أن سليمان ديمريل، وبلوند أجاويد، ونجم الدين أربكان، كانوا زملاء في مدرسة واحدة وفي فصل واحد فسأل المدرس سليمان ديمريل ماذا تحب أن تكون في المستقبل، فقال: أحب أن أكون رئيسا للوزراء، وسأل أجاويد فأجاب بنفس الإجابة أريد أن أكون رئيسا للوزراء ثم سأل أربكان فقال: أحب أن أكون نائبا لرئيس الوزراء، فقال المدرس ولماذا لا تكون رئيسا للوزراء مثل زميليك فقال لأنه سواء أكان هذا أو ذاك رئيسا للوزراء فسأكون على الدوام نائبا لرئيس الوزراء. لا زلت أحتفظ بالمفتاح الذي أعطاه لي أربكان في صورة مدالية كان يضعها أعضاء الحزب في عروة سترتهم؛ فقد كان هذا المفتاح سر منجزات أربكان.
                              فقد كان بإمكان حزب السلامة لترجيح الكفة أن يشترط حقائب وزارية معينة لتطبيق برامجه، وإن كان فكريا أقرب لحزب العدالة. كان أربكان يحرص على أن تكون معه وزارات التعليم والصناعة والتجارة كما كان حريصا على أن يمتد نفوذه إلى اتحاد الإذاعة والتلفزيون، وبذلك استطاع أن يحقق منجزات هامة منها: أن عدد مدارس الأئمة والخطباء منذ أنشأها عدنان مندريس في الستينات (وهي مدارس تشبه في مناهجها مدارس الأزهر الشريف) كان عددها 56 مدرسة، زادت في سنوات حزب السلامة الثمانية (1972/1980) إلى 340 مدرسة. وكان مندريس قد أنشأ كلية واحدة لأصول الدين في أنقرة أصبحت مع حزب السلامة 12 كلية في مختلف الجامعات التركية. منذ انقلاب أتاتورك اللاديني كان على الأتراك الراغبين في التعليم الإسلامي أن يتجهوا إلى مصر أو سورية أو العراق حيث كان تعليم الدين ممنوعا، وقد أعاد أربكان تعليم الدين إلى المدارس التركية العادية وحين احتج اللادينيون قال أربكان إن الشعب التركي مسلم ولا بد من أن يتعلم دينه في المدارس ومن لا يريد تعليم الدين لأولاده يطلب ذلك من المدرسة، وهذا أمر لا يحدث عادة وسط شعب متدين. ثم أصبح صوت المؤذن يسمع في الإذاعة والتلفزيون وتذاع الاحتفالات الدينية (يسميها الأتراك قنديل) على الهواء مباشرة.
                              ليس هذا فحسب بل إن أربكان هو مؤسس النهضة الصناعية الحديثة في تركيا – بالمناسبة أربكان خريج كلية الميكانيكا من أكاديمية الهندسة باستانبول، و مؤسس شركة (المحرك الفضي) وأول رئيس لمجلس إدارتها 1956/1963 وهي لا زالت أكبر شركة لصناعة محركات الديزل في تركيا، بالإضافة إلى قفزات هائلة في مختلف الصناعات. يؤثر عن أربكان قوله: إن صناعة المكرونة أو الشكولاتة ليست هي الصناعة التي نريدها؛ إنما نريد الصناعات الثقيلة، والآن تركيا تصدر المنتجات الصناعية إلى مختلف أنحاء العالم، وفي الصناعات الحربية تصنع سلاحها وتبيع الأسلحة وكافة الذخائر تصنع الطائرة كما تصنع الفرقاطة.
                              كانت المملكة السعودية تعطي أربكان طائرة خاصة لأداء فريضة الحج كل عام مع أركان حزبه، وفي عام 1979 دعاني أربكان للحج معه؛ فاعتذرت منه، وكان الموقف محرجا، خاصة وأن علاقات أربكان تلبدت مع السادات بعد توقيع معاهدة كامب دافيد وانتقاد أربكان لها.
                              لقد أسس نجم الدين أربكان أول حزب سياسي إسلامي في تركيا عام 1970 باسم حزب: “النظام القومي" قامت المحكمة الدستورية بحله عام 1971 بدعوى مناقضته للدستور اللاديني، فأنشأ في عام 1972 حزب: “السلامة الوطني".
                              اتخذ أربكان قرار غزو قبرص عام 1974 حين كان مشاركا في حكومة إئتلافية مع بلند أجاويد، ففي ذلك العام وقع في الجزيرة انقلاب عسكري وتم طردرئيس قبرص الأسقف مكاريوس، ونشطت العصابات المسلحة لقتل وترويع الأتراك، ومن المعلوم أن جزيرة قبرص تبعد عن الشاطىء التركي بخمسة وسبعين ميلا فقط وكانت تابعة للدولة العثمانية قبل هزيمتها في الحرب الكبرى الأولى، وبها جالية تركية كبيرة أو في الحقيقة سكانها إما أتراك أو يونان، واستيلاء اليونان عليها يجعلها مصدر تهديد خطير لتركيا. المهم هنا هو أن الولايات المتحدة أخذت الجانب اليوناني في النزاع حول قبرص رغم أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلنطي (الناتو)، مما جعل تركيا تغلق قاعدة إنجيرليك الأمريكية شرق تركيا. ظلت هذه القاعدة مغلقة لأكثر من عشرين عاما ثم أعيد فتحها بشروط جديدة تجعلها تحت سيطرة تركيا.
                              في صيف 1980 قاد أربكان مظاهرة مليونية في مدينة قونيا (وسط الأناضول) لنصرة فلسطين و المسجد الأقصى، قال فيها: "إن قضية فلسطين لا تخص الفلسطينيين وحدهم ولا العرب وحدهم؛ وإنما هي قضية المسلمين جميعا".
                              ليسمح لي القارىء أن أتوقف هنا لأتحدث قليلا عن مدينة قونيا – والتي تشبه كثيرا مدينة طنطا وسط الدلتا، إذ كما ترتبط طنطا بالسيد البدوي، ترتبط قونيا بالشيخ جلال الدين الرومي، مع ملاحظة أن أربكان كان نائبا عن مدينة قونيا. مولانا جلال الدين الرومي هو محمد بن محمد بن حسين البلخي (نسبة إلى بلخ من بلاد ما وراء النهر/ أفغانستان حاليا) ولد في بلخ ولم يكد يبلغ الثالثة حتى غادرها مع أبيه إلى بغداد حيث نزل أبوه بالمدرسة المستنصرية ثم قام برحلة واسعة زار خلالها دمشق ومكة وملطية إلى أن استقر بقونيا وعمل فيها بالتدريس حتى وفاته عام 628 هـ، فخلفه في التدريس ابنه جلال الدين الذي عرف بالشيخ الرومي. من أشهر أعمال الشيخ الرومي أو مولانا جلال الدين "المثنوى" الذي يعتبر أضخم ديوان شعر في العالم إذ يضم عشرة آلاف بيت كل اثنين على قافية واحدة، وهذا هو سر تسمية الديوان بالمثنوي. ترجم المثنوي إلى اللغة العربية المرحوم الدكتور/ إبراهيم الدسوقي شتا، وصدر عن مكتبة مدبولي بالقاهرة.
                              الطرق الصوفية منتشرة في تركيا ولعبت أدوارا هامة في التاريخ العثماني، وكانت الطريقة البكتاشية أكثر هذه الطرق التصاقا بالعسكرية العثمانية، وفي عصور الازدهار كان يقيم إقامة دائمة بكل معسكر للانكشارية وكيل للطريقة البكتاشية مع عدد من المنتسبين لها (المريدون) يلعبون دورا هاما في التعبئة الروحية للقوات المسلحة، وفي الحملات الحربية يتقدم الشيخ (بالتعبير التركي بابا) وهو يصيح بأعلى صوته: "كريم الله" فيردد المريدون: هو هو. ومن ثم بدأت الحرب عليها مبكرا مع نمو حملات التغريب في عهد السلطان محمود الثالث، ولم تستقر هذه الحملات إلا بعد صراع دامي مع الانكشارية إنتهى بإبطال فرق الانكشارية وإبطال الطريقة البكتاشية معها. وبعد انقلاب أتاتورك ومحاولة فرض التغريب وإسدال الستار على ألف سنة من تاريخ الترك مع الإسلام أو تاريخ الإسلام مع الترك قضي أتاتورك بإبطال الطرق الصوفية جميعا.
                              الطريقة الوحيدة التي استعصت على الإبطال هي الطريقة المولوية (نسبة إلى مولانا الرومي) في قونيا ومن هنا تبرز قونيا باعتبارها المعقل الأخير للحضارة العثمانية، والشرارة الأولى التي انطلقت منها تلك الحضارة في ثوبها الجديد. في كل مدينة تركية يوجد تمثال لأتاتورك إلا قونيا، في تركيا هيئة حكومية تشرف على تماثيل أتاتورك؛ لكن قونيا استعصت عليها ما أن يوضع التمثال حتى يختفي.
                              من المعروف أن إسرائيل تستخدم حزب العمال الكردستاني كورقة ضغط على تركيا، ومن المعلوم تاريخيا أن المشكلة الكردية لم تظهر إلا بعد انهيار الدولة العثمانية التي لم تكن دولة قومية بحال ومن المعروف كذلك أن منطقة كردستان كانت معقل المقاومة لأتاتورك ومشروعه اللاديني ودارت معارك حامية في كردستان بين أتاتورك والحركة الإسلامية الكردية بزعامة الشيخ سعيد النورسي، والتي استمرت بعد النورسي في صورة طلاب رسائل النور، وهي رسائل في التوحيد ألفها الشيخ، وقد تحولت من حركة كردية إلى حركة تركية عامة لا يقتصر دورها السياسي على منطقة كردستان. أدرك أربكان جيدا أن المشكلة الكردية لا يمكن أن تحل إلا في إطار إسلامي جامع يتجاوز المفهوم القومي الضيق.
                              كل هذه النذر كانت كافية لتدفع الصهيونية العالمية بورقة الانقلاب العسكري، الذي قام به رئيس الأركان الجنرال/ كنعان إفرين في 12 سبتمبر 1980. هذا الانقلاب الدموي أدى إلى اعتقال أربكان وعدد من رجاله، كما أدى إلى مقتل واختفاء عدة آلاف؛ وبالرغم من ذلك فإن المكاسب التي تحققت على يد أربكان كان لا يمكن إلغاؤها، فبعد أيام حل موعد الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج، وكان الاحتفال يذاع مباشرة من مسجد السلطان محمد الفاتح باستانبول، وبعد التواشيح والأناشيد، قام إمام الجامع لإلقاء خطبته، وفي نهايتها دعى للإسلام والمسلمين، ثم لصاحب الجامع الساطان محمد الفاتح، ثم لمؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك، وهنا قذفه المصلون بأحذيتهم وقطع الإرسال، ولما سألت الشيخ علي أرسلان عن رأيه فيما حدث كان تعليقه: “إنه شيخ أرتيست".
                              خرج أربكان من المعتقل – بعد ثلاث سنوات - ليواجه حكما بحظر مشاركته في أي نشاط سياسي لمدة عشرة أعوام، عاد بعدها ليؤسس حزب: “الرفاه". دخل حزب الرفاه الانتخابات البرلمانية عام 1996 حيث حصل على أكبر عدد من المقاعد بالقياس للأحزاب الأخري، لكنه لم يتمكن من تشكيل الحكومة بمفرده. فتكونت حكومة ائتلافية برئاسة أربكان وبالاشتراك مع حزب الطريق القويم بزعامة تانسو تشيللر. لم يكمل أربكان عاما واحدا (تسع شهور بالتحديد) في رئاسة الحكومة حتى أنذره الجيش، وقام بانقلاب صامت عليه في 28 فبراير 1997. في هذه الشهور القليلة التي بقي فيها أربكان رئيسا للوزراء بدأ في المجال الخارجي تحقيق برنامجه في الانفتاح على العالم الإسلامي، فأعلن عن تكوين مجموعة الثماني الإسلامية التي تضم إلى جانب تركيا أكبر سبع دول إسلامية: إيران وباكستان وإندونيسيا ومصر ونيجريا وبنجلاديش وماليزيا. وقد اقترح أربكان أن تكون هذه المجموعة نواة تحقيق مشروع الوحدة النقدية الإسلامية (الدينار الإسلامي)، وهو المشروع الذي سبق أن ناقشه معي منذ ثلاثين عاما.
                              لم تكتف القوى اللادينية في تركيا بإفشال حكومة أربكان بل أقدمت على حظر حزب الرفاه عام 1998وتقديم أربكان إلى المحاكمة بتهمة مناهضة اللادينية، ومنعه من مزاولة النشاط السياسي لمدة خمس سنوات. لكن أربكان تمكن من إنشاء حزب آخر باسم: “حزب الفضيلة" بزعامة أحد معاونيه وهو محمد رجائي قوطان. وكما هي العادة تربص الملاحدة بحزب الفضيلة فقضت المحكمة الدستورية بحله في عام 2001.
                              بعد حل حزب الفضيلة نشأ حزبان إسلاميان في تركيا حزب السعادة برئاسة رجائي قوطان، وحزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان، وبعد المؤتمر الدولي الثالث لحزب السعادة عام 2008 انتخب البروفسور/ نعمان كورتلموش رئيسا للحزب. نشأ حزب العدالة عام 2002 من المنشقين على حزب الفضيلة والذين يعتبرون أنفسهم تيار التجديد، وهم لا يعتبرون أنفسهم حزبا إسلاميا مثل أحزاب أربكان ويسمون أنفسهم "العثمانيون الجدد".
                              كان رجب طيب أردوغان قد انضم إلى حزب السلامة الوطني بزعامة أربكان وبعد الانقلاب العسكري عام 1980 انضم إلى حزب الرفاه وانتخب عمدة لاستانبول على قوائم الحزب عام 1994 وفي عام 1998 اتهُم أردوغان بالتحريض على الكراهية الدينية مما تسبب في سجنه ومنعه من العمل في الوظائف الحكومية ومنها الترشيح للانتخابات العامة بسبب اقتباسه أبياتاً من شعر تركي أثناء خطاب جماهيري يقول فيه:

                              مساجدنا ثكناتنا قبابنا خوذاتنا
                              مآذننا حرابنا والمصلون جنودنا
                              هذا الجيش المقدس يحرس ديننا

                              عودة إلى أربكان، فبعد انتهاء الحظر المفروض عليه عام 2003 تربص به ملاحدة أنقرة ليقدموه للمحاكمة بتهمة التحريض على الكراهية ومناهضة اللادينية حيث حكم عليه بالسجن لمدة عامين، إلا أن وصول حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان إلى السلطة – في نفس العام - مكنه من إلغاء عقوبة الحبس واستبدالها بتحديد إقامته في منزله، وبوصول عبد الله جول إلى سدة الرئاسة تمكن حزب العدالة والتنمية من استصدار عفو رئاسي عام عن أربكان وذلك في 18أغسطس عام 2008؛ لكن أربكان كان قد دخل مرحلة الشيخوخة (من مواليد 1926) وأصبح على كل حال طريح الفراش حيث دخل في صراع طويل مع المرض انتهى بوفاته في 27 فبراير 2011 في أحد مستشفيات أنقرة.
                              وهكذا رحل الفارس النبيل بعد حياة مليئة بالكفاح، نذر نفسه لخدمة الإسلام ولقي فيها حربا شعواء من ملاحدة تركيا، ومن الصهيونية العالمية التي حارب نفوذها في تركيا وحاول أثناء رئاسته للحكومة إغلاق محافلها من أندية الروتاري والليونز، وهو الذي سبق له أن قدم مشروع قانون إلى الجمعية الوطنية التركية عام 1980 يأمر الحكومة التركية بقطع علاقاتها مع الكيان الصهيوني، كما قدم في نفس العام مشروع قانون بحظر المحافل الماسونية في تركيا؛ ولعل هذا من أسباب الانقلاب العسكري عليه في نفس العام.
                              كان حصيلة الكر والفر بين أربكان وخصومه خمسة أحزاب إسلامية هي على التوالي: حزب النظام القومي، حزب السلامة الوطني، حزب الرفاه، حزب الفضيلة، وأخيرا حزب السعادة، هذا بالإضافة إلى انقلابين عسكريين أولهما في سبتمبر 1980 والثاني في فبراير 1997. بالرغم من كل الضغوط التي تعرض لها أربكان، فإن توجهاته الإسلامية واضحة لا لبس فيها، وأذكر أنه بعد نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية، وأثناء أزمة الرهائن في السفارة الأمريكية بطهران، سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات اقتصادية على إيران. كان وزير خارجية تركيا وقتها خير الدين إركمان، ولم يكن قد صدر قرار بعد بشأن إيران، إلا أن وزير الخارجية التركي صرح بأن تركيا سوف تلتزم بهذا القرار فور صدوره. بطبيعة الحال لم يكن هذا في مصلحة تركيا حيث أن أكبر تعاملات اقتصادية خارجية لتركيا كانت مع إيران (كانت في ذلك الوقت 37٪ من حجم التجارة الخارجية التركية) هذا بالإضافة إلى أن تركيا تستفيد من عبور البضائع عبر أراضيها وموانيها من وإلى إيران، هذا إذا نحينا اعتبارات التضامن الإسلامي جانبا. هنا انبرى له أربكان وحزبه، ولما رفض الوزير تقديم استقالته، طرح أمره على الجمعية الوطنية التي أقالته من الحكومة (عام 1979).
                              بالنسبة لي أنا على الأقل، فإن أربكان شخصية لا تنسى، تشعر معه بألفة غريبة وكأنك تعرفه من سنين، بل وكأنك تعرفه من قبل أن تراه. وليس هذا غريبا ففي الحديث: “الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف" (البخاري من حديث عائشة، ومسلم من حديث أبي هريرة واللفظ له). وبالنسبة لملايين الناس في تركيا وخارجها سيظل أربكان رمزا لنضال مستمر وأملا في مستقبل أفضل “فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ" )17/الرعد-13(.
                              [align=left]http://abouzahraa.maktoobblog.com/1052751/%D8%A3%D8%B1%D8%A8%D9%83%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A-%D8%B9%D8%B1%D9%81%D8%AA%D9%87/[/CENTER]

                              تعليق

                              مواضيع ذات صلة

                              تقليص

                              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                              ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 19 فبر, 2023, 10:23 م
                              ردود 0
                              37 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
                              ابتدأ بواسطة سيف الكلمة, 20 سبت, 2021, 07:32 م
                              ردود 3
                              80 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                              بواسطة *اسلامي عزي*
                               
                              ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 21 أبر, 2021, 03:16 ص
                              ردود 0
                              91 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                              بواسطة *اسلامي عزي*
                               
                              ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 11 أبر, 2021, 12:20 م
                              ردود 0
                              61 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
                              ابتدأ بواسطة أكرمنى ربى بالاسلام, 1 فبر, 2021, 08:35 م
                              ردود 13
                              131 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة أكرمنى ربى بالاسلام  
                              يعمل...
                              X