قراءة في سقوط الجولان

تقليص

عن الكاتب

تقليص

لبيك إسلامنا مسلم اكتشف المزيد حول لبيك إسلامنا
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قراءة في سقوط الجولان

    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    قـراءة في سقوط الجولان -1
    د.خالد الأحمد *
    بين يدي الطبعة الثانية من كتاب سقوط الجولان ، لصاحبه مصطفى خليل ، نشرت الطبعة الثانية منه دار الاعتصام بالقاهرة ، عام (1980م) :نقل الكاتب جملة من خطاب بـن غـوريون أمام الكنيست عام (1951م) يقول فيه : [ ...إن الخطوة التي يجب أن تسبق الصلح مع إسرائيل هي إقامة ديموقراطيات اشتراكية ، محل الحكومات الرجعية في الدول العربية ...] ([1]).
    ثم يقول الكاتب في المقدمـة :
    [ فلن أتكلم إلا عن الجولان ...ذلك الجزء العزيز من أرضنا ...لأني سبق أن عشت فيه ، ومارست مستويات مختلفة من المسؤولية خلال خمس سنوات ، كان آخرها ( رئيس قسم الاستطلاع في قيادة الجبهة ] ، وهو عمل في غاية الخطورة ، يتاح لشاغله أن يطلع على كل خفايا القوات فيها ، وأن يطلع على الاستعدادات من تحصين وتسليح ونشر للقوات ...ومن خطط وأومر تضع لكل احتمال حلاً أفضل ...يتيح للقوات مواجهته والخروج منه بتيجة مشرفة ...
    ثم سرحت من الجيش عام (1963م) مع الأفواج الهائلة ؛ الذين سرحهم البعثيون بعد تعربشهم على السلطة ...] .
    تفريـغ الجيش السوري من المقاتليـن :
    ثم يقول الكاتب : [ بعد وقوع انقلاب الثامن من آذار بخمسة أيام فقط ، أي بتاريخ (13/3/1963) صدرت نشرة عسكرية أخرجت من الجيش ( 104) ضابطاً يشكلون كبار الضباط في الجيش ، افتتحت بالفريق عبد الكريم زهر الدين ، واختتمت بالمقدم بسام العسلي .
    وفي (16 /3/1963) أي بعد ثلاثة أيام فقط من تسريح الدفعة الأولى صدرت نشرة عسكرية أخرى أخرجت من الجيش (150) ضابطاً هم الطاقة الفعالة في الجيش ( قادة الكتائب ورؤساء عمليات الألوية وقادة السرايا ) ، وكنت واحداً من الذين شملتهم هذه النشرة .
    ثم تتابعت النشرات ، تسرح وتحيل على التقاعد ، وتنقل إلى الوظائف المدنية ...حتى بلغ مجموع الضباط الذين أخرجوا من الجيش حتى أيار (1967م) ( أي قبيل حرب العار ) لايقل عن (2000) ضابط مع قرابة (4000) ضابط صف وجنود متطوعين ، يشكلون الملاك الحقيقي الفعال لمختلف الاختصاصات في الجيش ..
    واستبدل هؤلاء المسرحون وخاصة الضباط بأعداد كبيرة جداً من ضباط الاحتياط ( الذين سبق وأدوا الخدمة العسكرية ) وجميعهم من البعثيين ، وأكثريتهم من العلويين ...
    وحُلت بعض الوحدات المقاتلة ، وشكلت وحدات جديدة على أساس طائفي بحت ـ كما فعل الفرنسيون أيام الانتداب ـ .
    وقد تميزت تلك المرحلة من تصفية الجيش بصورة من العنف والتنكيل ، كان منها القتل ، والسجن ،والأحكام الاعتباطية والإعدام ، ومصادرة الأموال والممتلكات وتضييق سبل العيش على الناس ( وخاصة العسكريين ) ..
    وكان أبرز من قتلوا ظلماً : العقيد كمال مقصوصة ، والنقيب معروف التغلبي ، والنقيب ممدوح رشيد ، والملازم نصوح الجابي ... والعقيد هشام شبيب ، والمساعد بحري كلش ، وغيرهم ...
    وغصت السجون بالمئات من الضباط والآلاف من العسكريين من أبرزهم : اللواء محمد الجراح ، واللواء راشد القطيني ، والفريق محمد الصوفي ، والفريق عبدالكريم زهرالدين ، واللواء وديع مقعبري ، والعمداء : مصطفى الدواليبي ، ونزار غزال ، وأكرم الخطيب ، وموفق عصاصة ، ودرويش الزوني ، وممدوح الجبال ، والعقداء : هيثم المهايني ، ومحيي الدين حجار ، وحيدر الكزبري ، وغيرهم ...] .
    ثم يقول في وصف الجبهة في الجولان نقلاً عن كتاب ( المسـلمون والـحرب الرابعة ) : [ ...إن الجبهة السورية – الاسرائيلية ( خط ماجينو السوري المشهور ، الذي كلف البلاد أكثر من ثلاثمائة مليون دولار ، لتحصينه وتجهيزه بأحدث المعدات ، والذي اشتهر عنه بأنه لايؤخذ ، هذا الخط سـقط بأيـدي القوات الإسرائيلية خلال (48 ) ساعة فقط ...] ...
    ويتابع الكاتب يشرح تحصين الجولان قبل معركة العار والخيانة ، أو مسرحية التسليم ، وتنفيذ عقد الإيجـار ...فيقول : [ الجبهة محصنة تحصيناً فريداً من نوعـه ، كل شبر من أرضها مضروب بالنيران ، وكل ثغرة بين موقعين دفاعيين محمية بالألغام ، والألغام مضروبـة بالنيران ، على كل محـور يمكن أن يتقدم العدو ، حضرت الرمايات الهائلة من مختلف الأسلحة ، وزرعت الأجساد والأسلحة بكثافة تدعو للدهشة ([2])... كل ذلك من أجل ساعة خطر كالتي وقعت في حزيران العـار ... ولكن جيش ( معملي المدارس ) هرب ، ولم يقاتل ..] ...

    وينقل الكاتب عن مجلة ( التايم ) في (1/9/1967م) قولها : [ ...إن سوريا تسيطر على سلسلة من التلال الصخرية الشديدة الانحدار ، تمتد لمسافة أربعين ميلاً ، وتشرف على سهول منكشفة للنيران ([3])، وعلى جوانب التلال الصخرية خطوط دفاعية مستقلة بعضها فوق بعض ...وكل خط منها تحميه ثلاث طبقات من الألغام ، وأسـلاك شائكة ، واستحكامات منيعـة ، وللوصول إلى الطبقة العليا يجب عبور تسعة خطوط ( ماجينو مصغرة ...] ([4]).
    ويتابع الكاتب في ( 31 ) صفحة يشرح بلغة ضابط الاستطلاع الاعدادات والإمكانات الهائلة التي رصدت في الجولان للدفاع عنه ضد الصهاينة ...من خطوط دفاع ، وتحصينات وأسلحة ، وخطط دفاعية ، وهجومات معاكسة ، معدة مسبقاً ، للدفاع عن الجولان ...
    ويختم ذلك بقوله :
    ...[ هذه الجهـود التي قد لايتمكن عقـل ما ، من حصرها جميعاً في دائرة تصوره ، ....والتي قد تسهم المخططات المتواضعة المرفقة في توضيحها ... فتبرز الأبعاد الواضحة والعمق الحقيقي للخيانة التي أقدم عليها أهل السلطة المسؤولون في حزب البعث في سوريا ...إذ أقدموا على إلغاء ذلك كلـه ، وتعطيله عن تحقيق فعاليته ، التي جهز لها خلال عشرين عاماً ... وقدموا الجبهة الحصينة ، هديـة سهلة لينـة لقوات العـدو ... دونما أي جهد بذلتـه سوى ما اقتضته ضرورة التمثيل ، وغير ما لاقت من الضراوة بسبب المقاومات الفردية التي مارسها بعض القادة ( غير البعثيين ) وبعض أفراد الشعب حين تجاهلوا أوامر قيادة البعث التي طالبتهم بالانسحاب ، ثم عززت مطالبتها تلك ، ببيانها الفاجر الذي أذاعته معلنة سـقوط القنيطرة ، قبل سـقوطها بسبع عشرة ساعة على الأقل ...]
    أما أسباب تكالب الصهاينة على الجولان فيسرد الكاتب بعضها :
    1-أسباب دينية : يقول الصهاينة أن الله وعدهم بالجولان على لسان نبيهم إسرائيل ، ,وآبائه إسحاق وإبراهيم ...
    2-الموقع الاستراتيجي : لكثرة مصادر المياه فيه ، وارتفاع موقعه ، ليكون مرصداً يطل على دمشق ودرعا ...
    3-الغنى الطبيعي : لتنوع مناخاته ، من مناطق مثلجة مثل ( مسعدة ومجدل شمس ) ومناطق دافئة شتاء مثل ( الحمة ) ، ومعظمه مصيف معتدل الحرارة صيفاً ...
    تكثر فيه الأحراش ، وكثرة الطيور والأرانب والغزلان ، والمياه المعدنية التي تحتوي على اليورانيوم والراديوم لتكون من أفضل مناطق السياحة الشتوية في العالم ، وتربـة خصبة جداً ، وكان سكان البطيحة يستغلون الأرض ثلاث مواسم في العام ، دون الحاجة إلى أسـمدة حتى قال الجنرال ) كارل فون هورن ) كبير المراقبين الدوليين :
    ( إن كل شبر من تلك الأرض ، يساوي منجماً من الذهب لكثرة مايغل من الحبوب ) ..
    4-الآثــار : وفيه آثار رومانية ومسيحية ، ومقابر ملأى بالثروان والقطع الذهبية ، ومن أهم الآثار ( قلعة النمرود ) ...وتقع على مرتفع لايصله إلا النسور والصقور ..وتشرف على شمالي فلسطين كله ، وعلى ساحل البحر ...
    كل هذه الثروات والجهود ضاعـت في تلك المسـرحية العـار التي سميت حرب الخامس من حزيران ( 1967م) ..
    وسنرى حيثيات المسرحية في قراءة قادمة إن شاء الله تعالى ...
    * كاتب سوري في المنفى
    [1] ـ نقلاً عن كتاب ( المسلمون والحرب الرابعة ) ..

    [2] ـ يؤكد صحة هذا الكلام أن العدو الصهيوني لم يفكر في اختراق الجبهة السورية من هذه التحصينات ، وإنما كان أول خرق من نقطة وعرة جداً ، لم تحصها القوات السورية على أساس أنها محصنة طبيعياً ، لايمكن دخول المركبات منها لأنها شديدة الانحدار بالاضافة إلى أنها منطقة صخرية ، من هذه المنطقة تسلقت أول مجموعة من دبابات العدو يقودها السائق فقط ، ثم ألحق بقية السدنة لدبابالتهم بالهيلوكبتر ، خوفاً من انقلاب الدبابة ، وموت عناصرها ، وقد انقلب بعض الدبابات عندما كانت تتسلق ذلك المرتفع الوعـر ..

    [3] ـ في عام (1964) وفي العطلة النصفية المدرسية ، قامت دارالمعلمين بحمص برحلة إلى الجولان ، وكنت من ضمن الرحلة ، وشاهدنا القطاع الشمالي والأوسط والجنوبي ( الحمة ) خلال يومين أو ثلاثة ، وسمعنا شرحاً من الضباط عن مزارع السمك ، والمنخفض الذي تحتله الصهيونية أمامهم ( الحولـة ) ، وشاهدنا كيف تطل الجولان الهضبة المرتفعة على سهول منخفضة ، فيها المستعمرات ، ومزارع السمك ، وغير ذلك ، وأذكر أن أحد الطلاب قال أما م الضابط : هم معهم أمريكا ، ونحن معنا الله فأجاب الضابط : إذا كنا نحن مع الله !!!

    [4] ـ نقلاً عن كتاب ( المسلمون والحرب الرابعة ) ص 171 .

  • #2
    قراءة في سقوط الجولان -2-
    د.خالد الأحمد*
    سبق أن نقلنا من كتاب سـقوط الجـولان التحصينات العظيمة في ( خط ماجينو السوري )، التي جعلت القيادة الصهيونية تسقط من حساباتها مهاجمـة هذه التحصينات واقتحامها ، لأنها كانت أكثر من مستحيلة ...
    ماعدا نقطة واحدة من الشمال ( تل قاضي ) كما يقول الضابط اللبناني لمجلة الحوادث ، أو ( هضبة المغاوير ) كما يقول مصطفى خليل في سقوط الجولان ، ومصطفى أدق في معرفة مواقع الجولان ... هذه النقطة محصنة طبيعياً ، إذ تشكل انحدار صخري حاد جداً يصعب تسلق الدبابات والسيارات العسكرية منه ، لذلك تركته القيادة السورية دون تحصين ... ( وأظن أن زاوية انحدار ذلك الجبل لاتقل عن (80) درجة ، بينما تتمكن الدبابات من تسلق مرتفع بزاوية ( 60 ) درجة فقط ، وإن حاولت تسلق زوايا أكثر من ذلك تنقلب الدبابة ... وهذا شـجع الخبراء السوريين على عدم تحصين هذه المنطقة بالأسلحة مثل باقي الجبهة واعتبرت محصنة طبيعياً ...
    النظام السوري يحرض على المعركة :
    كانت سـوريا هي الـمحرضة على الحرب ، فقد أدلـى وزيـر الدفاع السوري وقائــد سلاح الطيران اللـواء حافـظ الأسـد بتصريح لصحيفـة الثـورة السورية يوم (20 /5 / 1967م ) جاء فيه : ( .. إنه لابد على الأقل من اتخاذ حد أدنى من الاجراءات الكفيلة بتنفيذ ضربة تأديبية لإسرائيل تردها إلى صوابها ... إن مثل هذه الإجراءات ستجعل إسرائيل تركع ذليلة مدحورة ، وتعيش جواً من الرعب والخوف يمنعها من أن تفكر ثانية في العدوان . إن الوقت قد حان لخوض معركة تحرير فلسطين ، وإن القوات المسلحة السورية أصبحت جاهزة ومستعدة ليس فقط لرد العدوان ، وإنما للمبادرة في عملية التحرير ونسف الوجود الصهيوني من الوطن العربي إننا أخذنا بالاعتبار تدخل الأسطول السادس الأمريكي وإن معرفتي لإمكانياتنا تجعلني أؤكد أن أية عملية يقوم بها العدو هي مغامرة فاشلة ، وهناك إجماع فـي الجيـش العـربي السوري الذي طال استعداده ويده على الزناد ، على المطالبة بالتعجيل في المعركة ، ونحن الآن في انتظار إشارة من القيادة السياسية . وإن سلاح الجو السوري تطور تطور كبيراً بعد ( 23/2 /1966م ) من حيث الكمية والنوع والتدريب ، وأصبحت لديه زيادة كبيرة في عدد الطائرات ، وهي من أحدث الطائرات في العالم ، كما ازداد عدد الطيارين وارتفع مستوى التدريب.
    دور سوريا في المعركـة :
    اكتفت سوريا بغارة جوية ظهر يوم الاثنين ( 5/6/1967م) على مصفاة حيفا ، كانت الغارة الأولى والأخيرة التي قام بها سلاح الجو السوري الذي يقوده وزير الدفاع حافظ الأســد .
    وفي الأيام ( 6 ، 7 ، 8 ) اكتفت سوريا بقصف مدفعي على الخط الأول الصهيوني ، ورمتـه بآلاف الأطنان من قنابل المدفعية الثقيلـة ...
    ونشرت مجلة الحوادث اللبنانية ، العدد ( 604) في (7/6/1967م ) كا جاء في كتاب ( المسلمون والحرب الرابعة ) :
    روايـة الضابـط اللبـناني :
    قال ضابط لبناني في مرصد مشترك مع السوريين :
    ( في الساعة العاشرة من يوم ( الجمعة في 9/6/1967م ) تحرك لواء مدرع اسرائيلي ـ بعد التمهيد من الطيران والمدفعية ـ بدأ بالتحرك ومعه جرافات بالجنازير وبرج لحماية السدنة إلى ( تل قاضي ) المنطقة الأقل تحصيناً لأنه لايخطر في بال سوري أو لبناني أو عربي دخول القوات منها لوعورتها وارتفاعها الحاد ، واستطاعت مدرعات البلدوزر اختراق الصخور ، وبعد ذلك أخلت الطريق للدبابات الإسرائيلية التي أخذت تتسلق الطريق في محاولة لتطويق التحصينات السورية وضربها من الخلف ، وكانت كل دبابة ترافقها مصفحتان ، أحدهما للوقود ، والثانية للذخيرة ، كما أن السائق وحده في الدبابة حتى اجتازت المنحدر الصخري ، ثم ألحق بقية السدنة بالطائرات العمودية ...
    والأصل في الخطة أن تقوم المدرعات السورية الموجودة بهجوم معاكس ، تقضي على الدبابات الصهيونية التي اخترقت خط الدفاع الأول ، وكانت الدبابات السورية موجودة ، ولم تتأثر بالقصف المدفعي كالعادة ، ولكن قامت بهجوم معاكس معاكس ....كما سنرى ...
    كان المفروض أن يتصل الضابط السوري الموجود في المرصد المشترك مع اللبناني بقيادته ليعين لها زوايا وجود اللواء المدرع الصهيوني بواسطة المنظار المكبر ، لكن سرعان ماتبين أنه لايعرف استعمال هذا المنظار ، لقد كان من أشـد المتحمسين للنظام ، ولكنه كان معلم مدرسـة لم تمض عليه في الخدمة أكثر من سـتة شـهور في الجيـش ) ... ( وعندما وصلت الدبابات الاسرائيلية سفح ( تل قاضي ) منهكة وفي منتهى الارهاق ، توقعت أن يخرج لها اللواء السوري المدرع الموجود بالقرب منها في تحصيناته التي لم يؤثر عليها التمهيد المدفعي ، ولا الطيران ، توقعت أن يقوم بهجوم معاكس عليها ـ كما تعلمنا في الكلية العسكرية ـ وفعلاً رأينا الدبابات السورية تخرج من مخابئها ، وبدأت أرقص فرحاً وحمية ، ولكن المفاجأة أذهلتني ، عندما رأيت الدبابات السورية تخرج من تحصيناتها لتتجه نحو القنيطرة هاربة ، لا لتقوم بهجوم معاكس ([1]).
    وشاء الله عزوجل أن تتعطل إحدى الدبابات في آخر الرتل ، فاضطر قائدها للقتال ، ووجه مدفعه نحو العدو وبدأ بالاشتباك ، فدمر ست دبابات ، وأوقف الهجوم الاسرائيلي حتى وصل الطيران الصهيوني فيدمر هذه الدبابة بصاروخ جو ـ أرض .
    وتابع الضابط اللبناني : إن كثيراً من الضباط السوريين من رتبة ملازم إلى رتبة نقيب ، يتمتعون بمزايا حزبية عالية ، ولكنهم لايتمتعون بمزايا عسكرية مماثلة ([2]) .
    ثم يقول مصطفى خليل ( ص 99) :
    الانســحاب أو الهـروب الكبيـر :
    منذ مساء الخميس (8/6/1967م) بدأت الشائعات تسري سريان النار في الهشيم ، عن أوامر صدرت بالانسحاب ، وبدأ قسم من الضباط ـ وحتى القادة ـ الانسحاب ، وساهموا في نشر تلك الشائعات عن أوامر صدرت من القيادة العامة ، تنص على الانسحاب كيفياً .
    ويالهول ماحدث !!! قائد الجيش اللواء أحمد سويداني انهزم إلى ( نـوى ) ومنها إلى دمشق ، تاركاً وحدات الجبهة ووحدات احتياط الجيش دون قيادة ، واقعة في حيرة من أمرها ، وقادتها لايدروم ماذا يفعلون !!!
    وقائد الجبهة العقيد ( أحمد الميـر ) فـر على ظهر حمـار لأنه لم يجرؤ على الفرار بواسطة آلية عسكرية ، خوفاً من الطيران الصهيوني ، ثم أكمل الرحلة إلى دمشق ماشياً حتى تورمت قدماه ...
    واتصل عدد من الضباط بقائد الجبهة قبل فـراره فرفض التصرف ، وقال له بالحرف الواحد : أنا لست قائد جبهة ، اتصلوا بوزير الدفاع ، فأقيمت الاتصالات بين (قمر 1 ) و (قمر 2) فأجاب وزير الدفاع : أنه قد أخذ العلم بالوضع ، وأنه اتخذ الاجراءات اللازمة ...
    لجأ بعض الضباط من وحدات اللواء 080) إلى قيادة موقع القنيطرة بعد فقدان الاتصال بقائد اللواء وأي مسؤول في قيادة اللواء ، فوجدوا المقدم ( وجيـه بـدر ) ماكثاً في القنيطرة يترقب ألأخبار ، ولما حاولوا أن يفهوا منه صورة حقيقة عن الوضع ، تبين أنـه لافقـه شيئاً ، وحاول الجميع الاتصال بقيادة الجبهة ، فوجدوها خلـواً من أي مسؤول عندها دب الفــزع في قلوب عدد كبير منهم ، واتخذوا وجهتهم نحو دمشـق ، طالبين النجاة بأرواحهم ، تاركين جنودهم كتلاً لحمية تتدافع على الطرقات ، يدوس القوي منها الضعيف ، وأزير الطائرات المعادية وأصوات المكبرات تناديهم : ألقـوا سـلاحكم ، تنج،وا بأرواحكم ، فيستجيب الفارون للنداء ويتخلصون من هذا السلاح ، الذي صار يهددهم بالموت بعد أن كان مدافعاً عنهم ...
    وانفرط العقـد ... عقـد السيطرة القيادية ، وصار القادة الصغار يتصرف حسب هواه أو بداهتـه ، فالكثيرون هـربوا ، ,أمروا جنودهم بالهرب ـ وقليل جداً ـ من غير البعثيين ـ صمدوا وقاتلوا وظهرت بطولات فردية ...
    إذن بدأ الهرب من العدو ومن القتال مساء الخميس ( 8/6/1967) قبل أن تهجم إسرائيل على الجبهة السورية ، لأن هجومها كان صباح الجمعة ( 9/6/1967م) ... وبلغ الهـرب ذروتـه بعد إذاعـة بـلاغ سقوط القنيطرة كما سـنرى في الحلقة القادمة ...
    حقيقـة الأمـر بالانسـحاب :
    يقول مصطفى خليل (ص 169) :
    [ وحتى أوامر الانسحاب المزعومة ...لم تصدر بشكل رسمي ، ولم تبلغ بصورتها العسكرية الصحيحة إلى الوحدات ، وإنما تـم إبلاغها بصـورة هامسـة إلى الضباط الحزبييـن ، والقادة الكبار بالتوجـه إلى دمشق ، وحضور اجتماعات حزبيـة ...الذين ماعتموا أن اداروا ظهورهم لوحداتهم ، وولـوا أدبارهم للعـدو ، واتخذوا وجهة الهروب إلى دمشق ، ومنها إلى حمص ... لأن قيادة الحزب كانت قد عملت حسابها أن دمشق ستسقط بيد العدو الصهيوني ...
    أما الوحدات ... وخاصة الأمامية أو المعزولة أو المطوقة ، فلم تبلغ شيئاً من أوامر الانسحاب هذه ، ومكث أكثرها في أماكنهم حتى يوم الجمعة (9/6/1967) فوجدوا أنفسهم وقد اصبحوا معزولين عن باقي الوحدات ... ,اخذت أجهزة الهاتف تمارس البكـم القاتـل ... وشعر الذين بقوا في أماكنهم حتى ذلك التاريخ ... أنهم قد أصبحوا بقايا قافلة ...تخلى عنها قادتها وحادوها وأدلاؤها ...بعد أن تسللوا ليلاً إلى واحات مجاورة ... وتركوها مشتتة في وجـه الإعصار المحرق ... وهكذا كان الهـروب الكبير ...
    الهجـوم المعـاكـس :
    في صباح يوم الجمعة (9/6/1967م) ـ بعد الخرق الصهيوني ـ أمر اللواء أحمد سويداني اللواء السبعين ( دبابات ت 54 يومذاك أحدث دبابات الجيش السوري ) ، أمره أن يقوم بالهجوم المعاكس على القوات الصهيونية التي خرقت قطاع الجبهة ، ولكن قائد اللواء ( عـواد بـاغ ) ـ أفضل شخصية عسكرية باقية في الجيش يومذاك ـ وكان يشغب رئيس شعبة عمليات الجيش ، عارض اللواء سويداني بقيام هجوم معاكس نهاراً بدون غطاء جوي ، وتكفل بتنفيذ الهجوم المعاكس ليلاً ، وتراجع السويداني وفوض الأمر للواء عـواد بـاغ ... الذي أمر قائد اللواء السبعين ( العقيد عزة جديد ) بتنفيذ الهجوم المعاكس والتحرك ليلاً ليكون في الصباح على تماس بالعدو وينتشر للهجوم عند ذلك ، ولايستطيع طيران العدو التدخل عندما تتداخل القوات ببعضها ...
    إلا أن ( العقيد عزة جديد ) حامي الثورة ونظام البعث ، رفض الأوامـر ، بحجـة عدم التحرك بدون حماية جوية ، واتصل مع صلاح جديد وحافظ الأسد فشجعاه على ذلك ... ورفض ( العقيد عزة جديد ) الأوامر ... ورفض أن يشـن هجوماً معاكساً على القوات الصهيونية المنهكة من القتال في سيناء والتي نقلت بعد أربعة أيام للقتال في الجولان ، رفض الأوامر العسكرية .... وضاعت الجريمة ولم يحاكم ... بل استمر حامي حمى الثورة والنظام ... وفي ( 1970) كنت طالباً عنده في اللواء السبعين ... وكان متفرعناً يعامل العقيد ( عبدالله الشواف ) ابن دورته ، وقائد دورتنا ، كما يعامل العسكري المجنـد ...
    وفي الليل تحرك اللواء السبعون ... ليقوم بتحرك معاكس ... نحو دمشق .. وليس نحو الجولان ...ووصل دمشق في الليل نفسـه ، واستقر في بساتين الغوطـة وحدائقها ...
    وللحديث صلـة إن شاء الله ...
    * كاتب سوري في المنفى
    [1] ـ مجلة الحوادث ، اللبنانية ، العدد رقم (406 ) في (7/6/ 1968م ) عن كتاب المسلمون والحرب الرابعة ص 172 .

    [2] ـ المرجع السابق .

    تعليق


    • #3
      قراءة في سقوط الجولان – 3
      د.خالد الأحمد*
      في الحلقة الأولى رأينا التحصينات العظيمة التي أعدتها سـوريا في الجولان خلال عشرين عاماً ، حتى صار يسمى ( خط ماجينـو السوري ) ، وفي الحلقة الثانية رأينا كيف بدأت المعركة ، تمثيليـة المعركة ، وكيف تم تسليم الجولان للصهـاينة ، كيف كان الخرق من ( هضبة المغاوير ) ، وكيف رفض ( العقيد عزة جديد ) أوامر قادته اللواء أحمد سويداني ، واللواء عـواد بـاغ ، ولم ينفذ ماكلف به من هجوم معاكس ضد القوات الصهيونية التي خرقت الجبهة السورية ...ورأينا كيف أن إشاعات الانسحاب انتشرت من يوم الخميس ( 8/6/1967م) قبل أن تشن إسرائيل هجومها على سوريا ....
      بلاغ سقوط القنيطرة:
      في اليوم الأول من الحرب الاثنين (5/6/1967) شنت سوريا غارة جوية الساعة الثانية عشرة ظهراً على مصفاة حيـفا ، كانت الغارة الأولى والأخيرة للطيران السوري خلال معركة العـار والتسليم ..
      وفي الأيام الثاني والثالث والرابع ( 6/6 ــ 7/6 ــ 8/6 ) اكتفت سوريا بقصف مدفعي عنيف على الخط الأول الصهيوني ... [ ومن الناحية الأكاديمية العسكرية يتم هذا القصف قبيل الهجوم بدقائق ويسمى التمهيد المدفعي ، يسبقه تمهيد جوي ، وكلاهما لاتزيد مدتهما مجتمعة عن نصف ساعة تكون القوات المهاجمة على أهبـة الاستعداد للانقاض على دفاعات العـدو بعدها مباشرة ] ..
      وفي يـوم الجمعـة (9/6) قامت القوات الصهيونية بتمهيد جوي ثم مدفعـي على تل قاضي ( هضبة المغاوير ) ثم تقدمت ( البلدزورات ) على المنحـدر الصخري وشـقت فيه طريقاً للدبابات ، دخلت منه بضعة عشر دبابة صهيونية وتم خـرق الجبهة السورية ... وانهـزمت الدبابات السورية الموجودة في المنطقة بدلاً من أن تقوم بهجوم معاكـس على دبابات العدو الصهيوني ...
      وسبق أن قلنا أن القيادة البعثيـة السورية أبلغت ضباطها البهعثيين همسـاً بالانسحاب بأشخاصهم ، والحضور إلى دمشق لاجتمـاع حـزبـي هام ( كما يقول مصطفى خليل ) ...ومن نزول هؤلاء القادة الكبار وأولهم اللواء أحمد سويداني ، قائد الجيش ، والعقيد أحمد الميـر قائد الجبهـة ، وغيرهم وتركهم لأماكنهم ، وصارت الهواتف صامتة ، يتصل قادة الوحدات ولا أحـد يـرد عليهم ...مما قـوى إشاعة الانسحاب التي انتشرت منذ الخميس ( 8/6) ...
      وفي صباح يوم السبت (10/6/1967م) ، وقد انتشر خبر خرق القوات الصهيونية للجبهة السورية ، وتعاظم إشاعات الانسـحاب ... وعدم تلقي قادة الوحدات أية أوامر من قائد الجيش ومن قائد الجبهة وغيرهم من القادة البعثيين الذين تركوا أماكنهم ونزلوا ـ فاريـن ـ إلى دمشق ...في هذا الجـو المشؤوم أذيـع بلاغ سقوط القنيطرة ...
      البلاغ رقم (66) عن سقوط القنيطرة :
      وفي التاسعة والنصف
      من صباح يوم السبت (10/6/1967م) أذيع نبأ سقوط القنيطرة وهي عاصمة الجولان : يقول مصطفى خليل ص ( 155) :
      [ بلاغ صادر من راديو دمشق صباح يوم السبت : يقول البلاغ : بالرغم من تأكيد إسرائيل لمجلس الأمن الدولي أنها أوقفت القتال فإنها لم تنفذ ما تعهدت بـه وبدأت قوات العدو صباح اليوم الضرب بكثافة من الجو والمدفعية والدبابات ... وإن القوات الإسرائيلية استولت على مدينة القنيطرة بعد قتال عنيف دار منذ الصباح الباكر في منطقة القنيطرة ضمن ظروف غير متكافئة ، وكان العدو يغطي سماء المعركة بإمكانات لاتملكها غير دولة كبرى ...واستولى على مدينة القنيطرة على الرغم من صمود جنودنا البواسل ، ولايزال الجيش يخوض معركة قاسية للدفاع عن كل شبر من أرض الوطن ... كما أن وحدات لم تشترك في القتال بعد قد أخذت مراكزها ..] ...
      [ وفي الساعة ( 05ر12 ) صدر بلاغ عسكري يقول : إن قتالاً عنيفاً لايزال يدور داخل مدينة القنيطرة وعلى مشارفها ، ومازالت القوات السورية تقاتل داخل المدينة تساندها قوات الجيش الشعبي بكل ضراوة وصمود ...]
      أذيع نبأ سقوط القنيطرة في اليوم العاشر من حزيران ، وكان عبد الرحمن الأكتع وزير الصحة يومذاك في جولة ميدانية جنوب القنيطرة ، يقول سمعت نبأ سقوط القنيطرة يذاع من الراديو ، وعرفت أنه غير صحيح لأننا جنوب القنيطرة ولم نـر جيش العدو ، فاتصلت هاتفياً بحافظ الأسد وزير الدفاع وقلت لـه : المعلومات التي وصلتكم غير دقيقة ، نحن جنوب القنيطرة ولم نـر جيش العدو !!! فشتمني بأقذع الألفاظ ومماقالـه لي : لاتتدخل في عمل غيرك يا( ... ) ، فعرفت أن في الأمر شيئاً !!؟
      ويقول الدكتور سامي الجندي في كتابه ( كسرة خبز ) ص 17 ([1]) : ( ... أسئلة كثيرة ترد إلى الأذهان : لماذا لم يطلب الحكم السوري وقف إطلاق النار مع مصر والأردن مادام الاستمرار في القتال مستحيلاً !!!؟ كما يقول الجندي : إن إعلان سقوط القنيطرة قبل وصول العدو لها بأكثر من يوم ، أمر لايمكن فهمه بتأويل حسـن . ويتابع الجندي قوله :
      إن تداعي الأفكار البسيطة يربط بين عدم وقف إطلاق النار والحدود سليمة والالحاح بل الاستغاثة لوقف إطلاق النار بعد أن توغل الجيش الإسرائيلي في الجولان ، ويخلص إلأى الاستنتاج بوجود خـطة ما ..
      فوجئت لما رأيت على شاشة التلفزيون مندوب سوريا في الأمم المتحدة يعلن سقوط القنيطرة ووصول قوات إسرائيل إلأى مشارف دمشق ، والمندوب الإسرائيلي يؤكد ألأن شيئاً من ذلك لم يحصل ..
      قال لي الدكتور إبراهيم ماخوس ( وزير خارجية البعثيين يومذاك ) أنها كانت خطة ماهرة ل ( إرهاب ) العالم من أجل إنقاذ دمشق .. انتهى كلام الجندي ..
      وفي كلام الجندي ( وهو وزير إعلام البعثيين ، ثم سفيرهم في باريز خلال الحرب ) في هذا الكلام اعتراف من ماخوس ( وزير الخارجية ) أن سقوط القنيطرة خطة مدبرة ، واعتراف من مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة بأن دولته لم تحتل القنيطرة ..
      ويقول خليل مصطفى في هامش الطبعة الثانية (ص 177) : سئل اللواء أحمد سويداني بعد الحرب بمدة ، في أحد الاجتماعات الحزبية في دمشق ؛ عن بلاغ سقوط القنيطرة ، فكان جوابه : [ أنا كمسئول ؛ لم أستشر في البلاغ الذي أعلن سقوط القنيطرة ، وكمواطن سمعته من الإذاعة كغيري ] ... أقول ولذلك قضى عليه حافظ الأسد فيما بعد ، لأنه كان يشغل منصب قائد الجيش ، ويذاع مثل هذا البلاغ دون علمـه ..!!!
      يقول محمد عبد الغني النواوي : كان أحد أقربائي ضابطاً في الجيش السوري خلال حرب حزيران ، وكان مكز عمله مدينة القنيطرة قال لي : في يوم السبت (10/6) كنت أتناول طعام الفطور مع بعض الجنود الساعة (30ر9) صباحاً وسمعنا بلاغ سقوط القنيطرة ، فتركنا طعامنا وقمنا مذعورين إلى شوارع المدينة نستطلع الخبر ، وذهلنا عندمل لم نجـد أثراً للعدو داخل المدينة ، والقنيطرة ليست من المدن الكبيرة التي ربما يسقط فيها حي من الأحياء دون أن تعلم بقية الأحياء ... ولما عدت إلى قطعتي وجدت الرفاق البعثيين ـ الرئيس ونائبه ـ ولـوا هاربين ، وكذلك كان حال سائر الوحدات العسكرية ، فدب الرعب في قلوب المدنيين والعسـكريين ، وانتشرت الفوضى ، ولم نجـد بـداً من الفـرار .
      ويقول خليل مصطفى ( ص 188) : إن الذي ثبت لدينا حتى الآن ...أن القوات الإسرائيلية لم تطأ أرض القنيطرة ( رغم كل تلك المخازي والجرائم التي شرحناها ) إلا بعد إعلان سقوطها بما لايقل عن سبع عشرة ساعة ...
      فقد خرقت قوات العدو الجبهة يوم الجمعة (9/6) حوالي الظهر ، بقوة لواءي دبابات ، ولكن العدو لم يستطع التقدم بحرية بسبب المقاومة الفردية ، ولاقى مقاومات فردية شرسـة وعنيفة في المقاومة ، لذلك كان تقدمه في حذر شديد ، يتوقف عند أول بادرة مقاومة ولو كانت طلقة من بندقية ... وينتظر الطيران أن يدمرها ...
      وعندما أذيع بيان سقوط القنيطرة كانت أقرب وحدات للعدو تشتبك مع مقاومات بطولية فرديـة ابعثت من نقطـة القلع ، وتل العزيزيات ... ( انظر رواية دماء على الجولان ) ..
      وكان البلاغ المذكور ، بلاغ سقوط القنيطرة ، والمقاومات الفردية على أشدها ، فانهارت القوى الجبارة ، التي أظهرت بطولات الرجال الأوفياء لأرضهم وبلدهم ، ودخل في روعـهم أن مقاومتهم لم تـعد مجـديـة ، وذلك بعد انقطاع الاتصالات معهم ، وهروب القادة المسؤولين ، لذا قرر هؤلاء الأبطال الانسحاب ليلتحقوا بوحداتهم ويتابعوا القتال معها ..
      وبعد أن انسحبوا ، ووجدوا القنيطرة مازالت سليمة ، أسقط في أيديهم ، وحاروا في فهم ذلك الواقـع المخـزي ...
      وخلاصة القول في حرب (1967م) أنها كانت مسرحية ، هدفها كسر شوكة عبدالناصر ، واحتلال الجولان من قبل الصهياينة ، واحتلال الضفة الغربية والقدس ، وقدتـم ذلك كلـه . وممايؤكد ذلك أن خسائر الجيش السوري التي أذاعتها الحكومة كانت (115) عسكرياً فقط ([2])، وهم الذين لم يتقيدوا بأمر الانسحاب ، فضلوا أن تمر الدبابات الإسرائيلية على أجسادهم ؛ كما حصل في تل العزيزيات([3]) .
      وكانت مواقف بطولية ذكرت أحدها في رواية ( دماء على الجولان ) وسأذكر بعضها في حلقة قادمة إن شاء الله تعالى ...
      * كاتب سوري في المنفى
      [1]
      ـ نقلاً عن عبد الغني النواوي في مؤامرة الدويلات الطائفية ص 419 .

      [2]
      ـ في (23 شباط 1966 ) قاد سليم حاطوم مغاويره وهجم على منزل الرئيس محمد أمين الحافظ ، فدافع الجنود (حرس الرئيس ) وكثير منهم من البدو ، دافعوا حتى الموت ، وكان عدد القتلى أكثر من (200) عسكري ، أي أكثر من خسائر سوريا في حرب حزيران .

      [3]
      ـ انظر رواية دماء على الجولان ، للكاتب خالد الأحمد . ومعظمها أخبار واقعية جمعها الكاتب ممن اشـتركوا في حرب (1967م) .

      تعليق


      • #4
        قراءة في سقوط الجولان -4-
        د.خالد الأحمد*
        في الحلقات السابقة عرضنا سير المعركة ( التمثيلية ) ، واستقينا من كتاب سقوط الجولان الكثير ... وفي هذه الحلقة والتي تليها سنعرض الحيثيـات السياسية للمعركة التمثيلية التي تنازل النظام السوري فيها عن الجولان ...وسننقل عن سياسيين كبار عاصروا الحـدث ، وكانت لهم صلـة بـه ....
        النظام السوري يحرض على المعركة :
        كانت سـوريا هي الـمحرضة على الحرب ، فقد أدلـى وزيـر الدفاع السوري وقائــد سلاح الطيران اللـواء حافـظ الأسـد بتصريح لصحيفـة الثـورة السورية يوم (20 /5 / 1967م ) جاء فيه : ( .. إنه لابد على الأقل من اتخاذ حد أدنى من الاجراءات الكفيلة بتنفيذ ضربة تأديبية لإسرائيل تردها إلى صوابها ... إن مثل هذه الإجراءات ستجعل إسرائيل تركع ذليلة مدحورة ، وتعيش جواً من الرعب والخوف يمنعها من أن تفكر ثانية في العدوان . إن الوقت قد حان لخوض معركة تحرير فلسطين ، وإن القوات المسلحة السورية أصبحت جاهزة ومستعدة ليس فقط لرد العدوان ، وإنما للمبادرة في عملية التحرير ونسف الوجود الصهيوني من الوطن العربي إننا أخذنا بالاعتبار تدخل الأسطول السادس الأمريكي وإن معرفتي لإمكانياتنا تجعلني أؤكد أن أية عملية يقوم بها العدو هي مغامرة فاشلة ، وهناك إجماع فـي الجيـش العـربي السوري الذي طال استعداده ويده على الزناد ، على المطالبة بالتعجيل في المعركة ، ونحن الآن في انتظار إشارة من القيادة السياسية . وإن سلاح الجو السوري تطور تطوراً كبيراً بعد ( 23/2 /1966م ) من حيث الكمية والنوع والتدريب ، وأصبحت لديه زيادة كبيرة في عدد الطائرات ، وهي من أحدث الطائرات في العالم ، كما ازداد عدد الطيارين وارتفع مستوى التدريب.
        وقال حافظ الأسـد : إن العملاء يركزون باستمرار على أن هناك عدداً كبيراً من الطيارين المسرحين ، ولكن عدد الطيارين المؤهلين لخوض المعارك الجوية ، والذين هم خارج الخدمة لايتجاوز عدد أصـابع اليد ..

        كما يقول العقيد أحمـد الميـر قائد الجبهـة :
        في(23/ 5 / 1967م ) أدلى العقيد أحمد المير قائد الجبهة السورية بالتصريح التالي:
        إن الجبهة أصبحت معبأة بشكل لم يسبق له مثيل من قبل ، وإن العرب لم يهزموا في معركة 1948م من قبل الاسرائيليين ، بل من قبل حكامنا الخونة ، وهذه المرة لن نسمح لهم أن يفعلوا ذلك([1]) .
        وفي اجتماع طارئ لاتحاد المحامين العرب بدمشق في (29 /5 /1967م ) قال الدكتور يوسف زعين رئيس وزراء سوريا ( إن انحناء إسرائيل أمام الرد العربي الحاسم الآن ؛ يجب أن لايفسر بأنه انتصار نهائي عليها ، فهو ليس إلا بداية الطريق لتحرير فلسطين ، وتدمير إسرائيل ... إن الظروف اليوم هي أفضل من أي وقت مضى لخوض معركة المصير العـربي ، وقال إن الشـعوب العـربية ستحاسب كل من يتخاذل عن الواجب ، وقال إن المسيرة إلى فلسطين هي المسيرة إلى إسقاط الرجعية العربية والاستعمار والصهيونية إلى الأبد ) ([2]) .
        وقال الرفيق الدكتور إبراهيم ماخوس ( وزير الخارجية يومذاك ) بعد عودته من القاهرة عندما صرح لوكالة الأنباء العربية السورية : إن زيارتي للقاهرة كانت لوضع اللمسات الأخيرة على الوضع السياسي العربي والدولي وقال : إن مخططات الرجعية والاستعمار والصحف الصفراء التي دأبت على التشكيك بلقاء القوى التقدمية قد دحـرت ، وإن سحب قوات الطوارئ بالشكل الذي تـم بـه يبرهـن على أن لاشيء يقف في طريق الثورة ، وإن تشكيك الرجعية حول وجود هذه القوات قد رد إلى نحـرها .
        روايـات الدكتـور ســامي الجنـدي :
        أمـا الدكتور الرفيق سامي الجندي [ وزير الإعلام ] في أول حكومة بعثية ، وخلال الحرب كان سفيراً في باريس ، فيقول في كتاب (عرب ويهود ) : يقول واصفاً اجتماعاً لمجلس قيادة الثورة بعد الثامن من آذار (1963) :
        ( ألقينا على أنفسنا أسئلة كثيرة وناقشنا كل القضايا ، ومن بينها القضية الفلسطينية التي كانت محور السياسة العربية ، وخاصة دول المواجهة ، ... ولأعطي فكرة عن موقف سوريا تجاهها يكفي أن أقول أن (63 % ) من الميزانية مكرس للتسليح ، مما يشكل نسبية ضخمة بالقياس إلى بلد في طريق التنمية ... سألنا أنفسنا هذا السؤال الدقيق :
        ماذا نفعل لو هاجمتنا إسرائيل !!!؟؟؟ طلبنا أدق المعلومات السترية لنستطيع تقييـم قـوة العـدو وقـوتنا ، وفو جئنا بالفرق الشاسع بين القوتين ، وقدرنا أن الجيش السوري ، رغم تسلحه الجيد ، وتمرسـه وشجاعته ، ليس في وضع يسمح له أن يصمد أكثر من ساعات أمام أي هجوم إسرائيلي !!! ) .
        وعن اجتماع قمـة الدار البيضاء قال الجندي :
        ( حضر الزعماء العرب عدة مؤتمرات قمـة ، بقصد مواجهة قضية فلسطين متحدين ، ومنها مؤتمر قمـة الـدار البيضـاء .. تحدثوا عن تحويل نهر الأردن ، وعن عزم إسرائيل على إعلان الحرب ضدنا ، أبدى كثيرون حماسة عظيمة ، ثم جاء دور العسكريين ، فقدم الجنرال ( علي علي عامر ) تقريره ( وكان قائداً للجبهة العربية ) ... فنظر الزعماء العرب إلى بعضهم ، في خيبـة أمـل كبرى ، ثم قال الجنرال علي علي عامر :
        إذا تحملت الدول العربية مسؤولياتها كاملة ، فستصبح قواتنا معادلة لقوات إسرائيل خلال ثلاث سنوات .. فإذا شئنا التفوق عليها لزمنا ثلاث سنوات أخرى ،لأن تعادل قواتنا لايعني النصر حتماً ...لأن التدريب الإسرائيلي متفوق على تدريب جيوشنا ، وثمة عوامل عدة في صالح إسرائيل ، وحدة الأرض ، ووحدة القيادة ، ....) .
        صدق الزعماء العرب على تقرير علي علي عامر ، ووقعوه ونفذ المخطط حرفياً خلال ستة أشهر ، ثم نجم خلاف جديد بين الزعماء وعبر الإذاعات ، وتوقف المخطط حتى هذه الساعة ... إذن لم يكن العرب مستعدين للمعركة ) انتهى كلام الجندي من كتاب ( عرب ويهود ، ص 63 وبعد ) ...
        ويعلق عبد الغني النواوي فيقول (ص 405) :
        وخلاصة رأي الدكتور سامي الجندي أن النظام السوري الذي يقرع طبول الحرب ، وهو يعلم ضعف إعداد الجيش إنما يهدف من وراء ذلك إلى تسليم العدو اليهودي قطعة من الأراضي السورية ...
        ثم يقول الدكتور سامي الجندي في كتابه ( كسرة خبز ) :
        ( كنت أعارض دائماً في حرب مع إسرائيل أعرف أننا خاسرون ...التقارير التي كنت أحملها من لجان (المتابعة) سنة (1964) يوم كنت ممثلاً لسورية فيها ماكانت تدع مجالاً للشك في الهزيمـة إذا قامت حرب ، كلها تؤكد أن القوة العربية لم تصل إلى نصف قوة إسرائيل ... وقد دخلنا في حرب (1967) بأقل من نصف قواهـا وما كان أحد من المسؤولين يجهل ذلك ..فكيف إذن يعود الجولان ...آرائي كلها كانت ضد الحرب ، لم أخف أبداً أن الحكم يعـد لهزيمـة ، لا لاسترداد فلسطين ، لم يكن هناك أي بادرة للنصر ، ولا أعني أنه كان يعـد لهزيمتـه نفسه ، وإنما لهزيمـة العرب الآخرين كي يبقى الثوري الوحيد سيد المناخ الثوري العربي ...[ بل كان ينفذ مخططاً ، وكان بطلاً صهيونياً من الطراز الأول ، قلب موازين الفكر العربي كلها ... ]
        وأضيف على ذلك بأن المتأمل في نتائج حرب (1967) يرى أن الهزيمة حولت الفكر العربي من فكر مقاتل ومجاهد من أجل تحرير فلسطين من النهر إلى البحر ، إلى فكر يقبل مشروع روجرز ، ويقبل بوجود دولة إسرائيل ، والمطالبة بعودة إسرائيل إلى حدودها قبل حرب حزيران (1967) ... هذا الاعتراف الذي كان جريمة لمن ينطقه فقط ، فقد أضربت المدارس في سوريا ومصر والعراق ولبنان عام (1959) يوم قال الحبيب بورقيبة لماذا لانفاوض إسرائيل !!!؟ كان الفكر العربي لايقبل التفاوض لأنه اعتراف...
        أما اليوم ... فقد أوصلتنا الهزيمة النكراء التي ساق العرب إليها حافظ الأسد وأزلامه ، أوصلتنا إلى ( سلام الشجعان ) وإلى أن نعلن قبولنا متابعة التفاوض بدون قيد أو شـرط ... وصرنا نتذلل أمام إسرائيل كي ترضى وتتفاوض معنا ...
        روايـة الملك حسـين :
        وعلى الرغم من أن سلاح الجو الإسرائيلي بدأ هجومه على مصر مع الفجر( في الخامسة صباحاً تقريباً)، ولم يترك لحماية سماء الأرض المحتلة ومطاراته سـوى اثنتي عشرة طائرة فقط،ولوُشـن هجومٌ جوي عربي ( سوري عراقي أردني ) على مطارات العدو بعيد الخامسة صباحاً وحتى العاشرة لدمر مطارات العدو، واعترض طائراته عند عودتهامن سماء مصر بدون وقود وذخيرة ، ومن السهل إسقاطها عندئذ . ولكن الطائرات السورية - وسوريا هي الداعية إلى الحرب - نفذت أول وآخرهجوم في الثانية عشرة ظهراً ، أي بعد ساعة كاملة من فراغ الطيران الإسرائيلي من تدمير السلاح الجوي المصري وهي ست ساعات( 5 - 11 ) . ولم نسمع عن غارة سورية ثانية بعد تلك الغارة على مصافي حيفا . ونجد الجواب في كتاب ( حـربنا مع إسـرائيل ) للملك حسين إذ يقول:
        كنا ننتظر السوريين فبدون طائرات الميغ لايمكن قصف مطارات إسرائيل الجوية، ومنذالتاسعة والنصف اتصلت قيادة العمليات الجوية بالسوريين ، فكان جوابهم أنهم بوغتوا بالأحداث !!! وأن طائراتهم ليست مستعدة !!! وأن مطاراتهم تقوم برحلة تدريبة !!! وطلبوا إمهالهم نصف ساعة، ثم عادوا وطلبوا إمهالهم ساعة ، وفي العاشرة والخامسة والأربعين كرروا الطلب نفسه فوافقنا، وفي الحادية عشرة (أي بعد ست ساعات)لم يعد بالإمكان الانتظار!!، فأقلعت الطائرات العراقية وانضمت إلى سلاحنا الجوي لتساهم في المهمة، ولذلك لم تبدأ عملياتنا الجوية إلا بعد الحادية عشرة ( أي بعد فراغ الطيران الصهيوني من تدمير الطيران المصري ) .
        يقول الملك حسين في هذا المعنى (فوت علينا تأخر الطيران السوري فرصة ذهبية كان يمكن أن ننتهزها لمصلحة العرب ، فلولا تردد السوريين!!! لكنا قد بدأنا عمليات القصف الجوي في وقت مبكر،ولاسـتطعنا اعتراض القاذفـات الـمعادية وهي في طريق عودتها إلى قواعدها بعد قصفها للقـواعـد المصرية ، وقد فرغت خزاناتها من الوقود ونفذت ذخيرتها ، وكان بإمكاننا حتى مفاجأتها وهي جاثمة على الأرض تملأ خزاناتها استعداداً لشن هجمة جديدة ، فلو قيض لنا ذلك لتبدل سير المعركة وتبدلت نتائجها .
        الزمن وحده سيكشف تفسيراً لأمور عديدة ، لكن ما تأكدت منه أن الطيران السوري لم يكن جاهزاً للحرب يوم(5) حزيران ، وكانت حسابات الإسرائيليين صحيحة عندمالم يتركوا سوى اثنتي عشرة طائرة لحماية سمائهم ، بينما استخدموا كل سلاحهم الجوي لضرب مصر). انتهى كلام الملك حسين .
        ويتذكر الشعب العربي السوري أغنيــة البعثيين عن طائــرة الميغ عندما يقول ذلك الساقط ( ميراج طيارك هرب ، مهزوم من نسر العرب . والميغ طارت واعتلت بالجو تتحدى القدر ) ، ويؤكد عبد الناصر أن البعثيين هم الذين ورطوه في الحرب ، ثم لم يقدموا شيئاً أبداً، ومن خلال قـراءة كتـاب سقوط الجولان يلاحظ أن البعثيين لم يسمحوا للجــيش أن يقاتل ، حتى أن خسائر ســوريا كانت حوالي (120) جندياً فقط ([3])، بينما بلغت خسائر مصـركما أعلنهـا عبد الناصر (5000 1)عسكـري بينهم (1000) ضــابط منهم (35) طياراً.
        هذا غيض من فيض ، من الآلام التي زرعها حافظ الأسـد في الأمـة العربية ، عندما باع الجولان ، كي ينصب حاكماً لسوريا ، هو وأولاده من بعـده ... والله على كل شيء شهيد ...

        تعليق


        • #5
          قراءة في سقوط الجولان -5-
          في الحلقات الماضية كررنا أن سوريا هي التي دعـت وحرضت على المعركـة ، مع أنها تعلم علم اليقين أنها ليست أهلاً للحرب ، وفي هذه الحلقة سنعرض شهادات السياسيين والعسكريين الذين واكبوا هذا الحدث الخطير الذي غير الفكر العربي ، من فكر مجاهد يريد تحري فلسطين من النهر إلى البحر ؛ إلى فـكر مفاوض ، يعترف بإسرائيل في حدود (1948) ويتذلل لها كي تنسحب مما احتلته عام (1967) ...
          ويقول الفريق عبد المنعم ريـاض ( قائد الجبهة الشرقية العربية ) :
          الثلاثاء ( 6/6/1967) الساعة العاشرة مساء أبلغنا الملحق العسكري السوري في عمان العقيد عدنان طيارة أن اللواء (17) سيصل بعد ساعة ..
          الأربعاء (7/6) الثانية صباحاً لم يصل اللواء (17) بعد .
          الساعة الثانية والربع صباحاً : اتصل الفريق رياض بغرفة العمليان بدمشق ، وطلب مساعدة لواء مدرع إضافي بأقرب وقت ممكن ... وفي الوقت نفسه ابلغ دمشق أن اللواء (17) لم يصل بعد ..
          الأربعاء (7/6) الساعة الحادية عشرة صباحاً : لم يصل اللواء (17) ..
          الأربعاء (7/6) الساعة الثامنة والعشرون مساء وصلت طلائع اللواء (17) فصدر الأمر لها باحتلال محور ( وادي شعيب ) حين تكتمل وحداتها ..
          الخميس (8/6) أمضى القائد السوري يومـه في دراسة مواقعه الجديدة مع ضباطه ..
          الخميس (8/6) الساعة الثامنة مساء لايزال اللواء (17) عند نقطة تجمعه الأولى في البقيعـة ..
          الخميس (8/6 العاشرة مساء ضابط الاتصال الأردني الملحق باللواء (17) أبلغ الفريق رياض أن قيادة اللواء (17) ترفض المرابطة في الموقع المحدد لها ، وتطلب مهلة إضافية حتى يوم غـد ..
          حاول الفريق رياض إقناع القائد السوري بأن يجري استطلاعه في هذه الليلة ويحتل الموقع لكن عبثاً يحاول ..
          الجمعة (9/6) أبلغ الفريق رياض القائد السوري أنه يستطيع العودة إلى سوريا مع قواته عند الغروب ...وانسحب اللواء (17) دون أن يشترك بأي عملية ...
          مـقارنـة مع العراقيين في حرب (1973) :
          وتذكرني هذه بحديث نقله لي الملازم أول ( .... ) من قيادة الفرقة الخامسة خلال حرب تشرين (1973) ، وهو ممن توثقت صحبتي معـه خلال خدمتي العسكرية ،وكان في قيادة الفرقـة الخامسة ، التي كنت أتبع لها تعبوياً ، وكان ضابط الاتصال بين اللواء العراقي الذي وصل للقتال في قطاع الجبهة مع الفرقة الخامسة ، يقول الملازم أول :
          قابلت العقيد العراقي في الزمن والمكان المحدد من قبله بالضبط ، وأوصلته إلى أحد الملاجئ المزود ضد الهجمات الذريـة ، الذي تتخذه عمليات الفرقة الخامسة ، وحيث يوجد فيه العميد ( علي أصلان ) قائد الفرقة ... يقول الملازم أول : نظرت إلى العقيد العراقي قائد اللواء المدرع العراقي ... منظره يبعث القوة والعزة ، يلبس لباس الميدان الكامل مثل أي جندي ، والحيوية والتفاؤل يملآن وجهه ، والتحدي وحب القتال يتطاير كالشرر من عيونه ... ولما وصل عند العميد أصلان وقف باستعداد وقدم التحية العسكرية بكل أدب ونظام وقال: العقيد ( .... ) قائد اللواء ( .... ) سيدي العميد ...
          يقول الملازم أول : وخجلت من نفسي لمنظر العميد أصلان الذي بقي جالساً ولم يقف يـرد التحيـة العسكرية بأدب ، وإنما اكتفى بكلمات من فمـه ، ونظرت إلى لباسـه ، بنطال عادي بدون حذاء عسكري ، وكأنه سينزل إلى دمشق بعد قليل ... ونظرات العميد أصلان تبعث الأسـى والحزن ، والملل والقـرف ...
          يقول الملازم أول : قال العقيد العراقي : سيدي آمل أن يحدد لي القطاع عاجلاً كي نبدأ القتال ... لأن رجالنا يتحرقون على الالتحام مع العدو ... فهـز ( أصلان ) رأسـه ، وقال بوجـه كالح أصفر : تعـود إلى وحـدتك ، وسوف تبلغ بالأوامر في حينها ...
          يقول الملازم أول : شعرت ورأيت الأسـى وخيبة الأمل في عيني العقيد العراقي ... وهو يؤدي التحية العسكرية وينصرف ، ورافقته حتى وصل مكانه ولم ينبت ببنت شـفة ...
          وللذكرى أقول أن العميد ، ثم اللواء فيما بعد ( علي أصلان ) من أزلام حافظ الأسـد الذين وقفوا معـه ضـد شقيقه رفعـت ، ولم يفترق عن حافظ ثم بشار إلا بعد أن داهمه المرض والشيخوخة في عهد بشار ...
          روايـة سـعد جمعـة :
          رئيس وزراء الأردن الأسبق ... هداه الله ، وكتب عدة كتب قيمـة ، منها ( المؤامرة ومعركة المصير ) يقول فيه :
          ظهر الخامس من حزيران اتصل سفير دولة كبرى في دمشق بمسؤول كبير ، ودعاه إلى منزلـه لأمر هام وعاجل !! وتم الاجتماع في الحال ، فنقل السفير للمسؤول السوري نص برقية عاجلة من حكومته ، تؤكد أن سلاح الجو الإسرائيلي قضى قضاء مبرماً على سلاح الجو المصري ... وأن المعركة بين العرب وإسرائيل قد اتضحت نتائجها منذ التاسعة صباح (5/6/1967) وأن كل مقاومة أرضية ستورث خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات لا مبرر لها ، وأن إسرائيل لاتنـوي مهاجمـة النظام السوري بعد ، ... لأن يستتب لها تأديب جمال عبد الناصر ، وبانتهاء الزعيم المصري ، تتفتح الآفاق العربية أمام الثورية البعثية من المحيط إلى الخليج ، وأن إسرائيل من قبل ومن بعد بلـد اشتراكي ، يعطف على التجربة الاشتراكية البعثية ... ... ويمكنها أن تتعايش وتتفاعل معها لمصلحة الكادحين في البلدين ... لذا فمصلحة سوريا ، مصلحة الحزب ومكاسب الثورة ؛ أن تكتفي سوريا بمناوشات بسيطة لتكفل لنفسها السـلامة ..
          وبعد مدة عـاد المسؤول السوري يخبر السفير موافقة القيادة السورية على هذه البرقية العاجلة ... وهكذا كان ...
          روايـة دريـد المفتـي :
          ويقول سعد جمعة : جاءني ذات يوم في مكتبي بلندن شخص لا أعرفه قال : أنا الدكتور ( دريد المفتي ) من دمشق ، كنت وزيـر ســوريا المفوض في مدريد أثناء حرب حزيران (1967) ، وقد قرأت في كتابك ( المؤامرة ومعركة المصير ) عن جريمة تسليم الجولان دون قتال ، وأحب أن أزيدك بياناً :
          قال دريد المفتي : استدعاني وزير خارجية اسبانيا صباح يوم (28/7/1967) وأعلمني أن مساعيه الطيبة قد أثـمرت لدى أصدقائه الأمريكان ، بناء على تكليف السيد ( ماخوس ) وزير خارجية سوريا للسفير الاسباني في دمشق ... ثم سلمني مذكرة مؤرخة في (27/6/1967) جاء فيها :
          ( تهدي وزارة خارجية الحكومة الاسبانية تحياتها إلى السفارة السورية بمدريد ، وترجو أن تعلمها أنها قامت بناء على رغبة الحكومة السورية بالاتصال مع الجهات الأمريكية لاعلامها برغبـة سـوريا في المحافظـة على الحالـة الراهنـة الناجمة عن حرب حزيران (1967) ، وتود إعلامها أنها نتيجة لتلك الاتصالات تؤكد الحكومة الأمريكية أن ماتطلبه الحكومة السورية ممكـن ، إذا حافظت سوريا على هـدوء المنطقـة ، وسمحت لسكان الجولان بالهجرة للاستيطان في بقية أجزاء الوطن السوري ، وتعهدت بعدم قيام نشاطات تخريبية من ناحيتها تعكر الوضع الراهن ([4])...
          روايـة الضابط خليل مصطفى :
          يقول الملازم أول ( .... ) عضو الوفد السوري إلى لجنة الهـدنة المشتركة مايلي :
          ( استدعيت إلى مكتب الدكتور يوسف زعين رئيس وزراء سوريا في (9/6/1967) الساعة العا شرة ليلاً وجدت عددا ً من أفراد لجنة الرقابة الدولية برفقة السفير ( ..... ) في دمشق ، فكلف الملازم أول بالترجمة بين رئيس الوزراء ومخاطبيه :
          قال السفير : إذا لم تسحب القيادة السورية قواتها من الجولان ... فإن القوات الإسرائيلية لن ترضى هدفاً يتوقف زحفها عنده إلا دمشق ...
          وهنا سأل زعين : وماهي الحدود التي تريد إسرائيل الوقوف عندها ؟
          أجاب السفير : هل عندكم خريطة ؟
          فأبرز الملازم أول خريطته ، وهنا وضع السفير عدداً من النقاط التي يجب أن يمر بها خط الحدود الجديد ... وتتوقف عنده القوات الإسرائيلية ... إذا قامت السلطات البعثية بسحب قواتها خارجاً عنه ..
          وافق الدكتور زعين ، ووعد السفير بتحقيق ماطلب ...
          وفي الساعة التاسعة والنصف من صباح اليوم التالي أذيع بلاغ سقوط القنيطرة ... وكان الهروب الكبير والانسحاب الفوضوي ([5])...
          سـر تـل أحمـر :
          وأذكر من خلال خدمتي العسكرية ، عندما كنت أزور بعض دبابات ( الوضـع ) عند تل أحمـر ، وهو موقع عسكري استراتيجي هام جداً بقي بيـد القوات السورية ، وقد صعدت إلى مرصده الذي يكشف معظم الجولان أمامـه ، يقول أحد الرجال من عشيرة النعيـم :
          جـاء ت لجنـة الهدنـة الدولية التابعة للأمم المتحدة ؛ كي تخطط الحدود الجديدة بعد معركة حزيران (1967)، ومعهم ضابط باكستاني يتحرق ألمـاً على أوضاعنا ، وقال لي بانفراد بعيداً عن اللجنة : هذا الموقع الهام جداً كيف يترك ... كيف ياخذه الإسرائليون !!؟ ألايوجد عندك عسكري واحد فقط !!! ، وكان عندنا عساكر من أولادنا ومن الفارين جلسوا عندنا يستريحون ... فأحضرتهم لـه فأقنعهم أن يحفروا خندقاً صغيراً لهم على سفح تل أحمر غربي ، ويتمركزوا فيه ، وفي اليوم التالي يحضر معـه لجنـة ترسيم الحدود ويجدون الجنود السوريين في هذا التـل فيبقى مع الجيش السوري ، وهكذا كان ... هذا هو سـر بقاء هذا الموقع الاستراتيجي بيد الجيش السوري ، الفضل للـه ثم لذلك الضابط الباكستاني الذي أخـذتـه الغيـرة الإسلامية على إخوانه المسلمين السوريين ...
          الرائـد أحمـد الحسـين :
          وخلال خدمتي العسكرية ، قامت إسرائيل بحفـر خندق ( م/د) الذي دمـر نصف قواتنا المهاجمـة في حرب (1973) ، كانوا يحفرونه أمامنا وعلى بعد أقل من (1500) م وهو مـدى المعركـة للمدفع (85) المركب على دبابات الوضع ( ت 34 ) المتمركزة على الخط الأول حسب الحكمة القائلة ( مكانك تحمدي أو تموتي ) ... وتحركت الغيرة لدى بعض ضباط الصف ، وفكروا في إطلاق النار من الدبابات على الجرافات التي تحفـر الخندق ، وعلم الرائـد أحمد الحسين ( من كبار البعثيين ) ، قائد الكتيبة المسؤولة تعبوياً عن خطنا الدفاعي المواجـه لتل الفرس ، فحضر إلى الموقـع وهدد ضباط الصف بمحكمة ميدانية في الحال إن هم أطلقوا طلقة واحدة ... ومما قاله لهم ( على ذمتهم حيث نقلوا لي ذلك ) : قال لهم : أرضهـم يفعـلون فيها ما يحلـو لهم !!!
          وممـا لا أنسـاه أنني ذهبت إلى تلك النقطـة ، ولي دبابة وضع فيها ، أشرف عليها فنياً فقط ، أما أمر القتال فهو لكتيبة المشاة ، ونحن دعم لهم ...ذهبت ورأيت الجرافات تحفر الخندق ، وتأكدت أن أول قذيفة ستدمر أحد البلدزورين ، وأن الدبابة يمكنها إطلاق ثلاث طلقات على الأقل قبل أن تـدمر من دبابات العدو المتمركزة في سفح تل الفرس ، والمسافة كما قلت ضمن مـدى المعركـة (1500م) ...
          وسمعت ماقاله الرائد أحمد الحسين لهم ، وتهديده لهم ، فآلمني ذلك ، ورجعت مساء إلى قيادة اللواء في نـوى ، حيث أبات فيه ، وقبل الوصول سمعت ألحان الـعود والـبزق وغيرهما ، يرافقهما صوت المطربة ( .... ) ينبعث من مكبرات الصوت ويصل للعدو في تل الفرس ، ورائحـة الخمـر تنتشـر فتملأ نـوى كلها في تلك الليلـة ...
          هذا غيض من فيض ، جزء من آلامنا التي زرعها فينا نظام حافظ الأسـد الذي باع الجولان من أجل تثبيت حكمه وحكم أولاده من بعده في سوريا ...
          * كاتب سوري في المنفى
          ([1]) محمد عبد الغني النواوي ، مؤامرة الدويلات الطائفية ، ص 400

          ([2]) مصفى خليل ، سقوط الجولان ، ص 144

          [3] ـ وعدد الجنود الذين قتلوا حول منزل رئيس مجلس الرئاسة محمد أمين الحافظ في يوم (22/2/1966) حوالي (200) جندي ، واصيب الرئيس نفسـه ، وابنتـه بجرح .

          [4] ـ مجتمع الكراهية ، سعد جمعة ، دار الكتاب العربي ، ص 130 نقلاً عن مؤامرة الدويلات الطائفية لعبد الغني النواوي ..

          [5] ـ سقوط الجولان ، خليل مصطفى بريز ، ص 306 ) .

          تعليق


          • #6
            سقوط الجولان
            القسم الثاني
            المؤامرة يوم التنفيذ
            مصطفى خليل
            الفصل الأول
            (الوجه الكالح)

            "... أنه لا بد على الأقل من اتخاذ حد أدنى من الإجراءات الكفيلة بتنفيذ ضربة تأديبية لإسرائيل تردها إلى صوابها...
            إن مثل هذه الإجراءات ستجعل إسرائيل تركع ذليلة مدحورة، وتعيش جواً من الرعب والخوف يمنعها من أن تفكر ثانية في العدوان...
            إن الوقت قد حان لخوض معركة تحرير فلسطين، وإن القوات السورية المسلحة أصبحت جاهزة ومستعدة ليس فقط لرد العدوان الإسرائيلي، وإنما للمبادرة لعملية التحرير بالذات ونسف الوجود الصهيوني من الوطن العربي...
            إننا أخذنا بعين الاعتبار تدخل الأسطول الأمريكي السادس...
            إن معرفتي لإمكانياتنا تجعلني أؤكد أن أية عملية يقوم بها العدو هي مغامرة فاشلة. وهناك إجماع في الجيش السوري الذي طال استعداده ويده على الزناد، على المطالبة بالتعجيل في المعركة، ونحن الآن في انتظار إشارة من القيادة السياسية..." من تصريح رسمي للواء حافظ أسد وزير الدفاع السوري نشرته جريدة "الثورة" شبه الرسمية في عددها الصادر في 20 أيار سنة 1967.
            -1-
            سير الحوادث
            إن الذي حصل... يكاد يكون كالخيال.. فالذين يتصورون أن قتالاً ناجحاً قد نفذ، وأن معركة نموذجية قد أديرت... فالحقائق التالية ستخيب ظنونهم... وتريهم أن مجال دراساتهم التاريخية العسكرية، ليس هنا.... فلم يدر قتال صحيح على أي مستوى كان.
            ولكن الذي حصل... هو مجال جيد لدارسي تاريخ المؤامرات والباحثين عن أسباب انهزام الأمم وانهيارها، ويشكل معيناً قد لا ينضب، لكاتبي قصص التجسس، والمولعين بالكشف عن خفايا أعمال الخيانة الكبرى في تاريخ الشعوب.
            وما لنا وللتعليق الطويل –ها هي الأحداث كما حصلت:
            أ- منذ الساعات الأولى لبدء إسرائيل القتال... أخذت القوات السورية وضع الترقب دونما تحريك لساكن على الجبهة.. بل اكتفت بالبلاغات (كاذبها أو صادقها.. الله يعلم) ودامت الحال هكذا طيلة يوم 5 حزيران 1967.
            ب- ومنذ صباح 6 حزيران قامت المدفعية السورية بقصف مركز منهك، استمر أيام 8،7،6 حزيران، وأنزلت خلال هذا القصف آلاف الأطنان من القذائف من كل عيار وكل نوع... حتى بدا للناظرين أن شريط المستعمرات المقابل للجبهة السورية قد غطيت أرضه بالقنابل... لكل ذراع قنبلة، وقد شوهدت الحرائق تتصاعد مدة خمسة أيام.
            جـ- تم حشد ألوية الاحتياط للقيام بالهجوم من قطاع –بانياس- البطيحة- وذلك على الشكل التالي:
            1- اللواء 123 احتياط، أعطي أوامر الهجوم، وحددت له منطقة تجمع في منطقة عين الحمراء، وعينت له قاعدة الانطلاق، على الخط: جليبينة –الدريجات- الجمرك- أشرف حمدي) وبذلك بلغ عرض جبهة هجوم هذا اللواء 5-6 كيلو مترات.
            2- اللواء 80 احتياط، تم حشده في منطقة تجمع في (وادي حواء قرب الفاخورة –السنابر)، وحددت له قاعدة الانطلاق على الخط: (علمين –تل المشنوق- مخافر المخيمات حتى الدكة –تل الأعور) وبذلك بلغ عرض جبهة هجوم اللواء (9-10كم). أي أن هذا اللواء كلف الهجوم على جبهة واسعة. وبذلك يكون قد حدد في أوامر الهجوم هذه أن قطاع الخرق الرئيسي هو قطاع (جليبينة- أشرف أحمدي)، ويقابله في الأرض المحتلة قطاع- بستان الخوري –طوبا وأن محور الهجوم الرئيسي هو محور: قنيطرة، عليقة، جسر بنات يعقوب، روشبينا، صفد.
            3- هذان اللواءان يشكلان النسق الأول لمجموعة ألوية، يفترض فيها أن تضم لواءاً ثالثاً من المشاة مع لواء مدرع، ولواء مدفعية وكتيبة هندسة، وكتيبة إشارة وأكثر من كتيبة مدفعية م/ط وكتيبة مدفعية م/د. مع باقي الوحدات المساعدة كسرايا الكيمياء وسرايا الشرطة العسكرية، وكتائب النقل والشؤون الإدارية...إلخ.
            هذه الوحدات والقطاعات الأخرى، لم يعرف حتى الآن إن كانت قد حشدت ضمن نطاق مجموعة الألوية –المفترضة هذه- أم لا... وإن كل ما استطعنا الوقوف عليه، هو حشد لواءي المشاة الاحتياط المذكورين في المناطق التي ذكرت وأعطيت واجب اليوم، احتلال مدينة صفد(1).
            د- قامت وحدات الهندسة ليل 5-6 حزيران بتركيب الجسور العسكرية فوق نهر الأردن وعلى المخاضات بالذات، وكان عملاً –من الناحية الفنية البحتة- ممتازاً، وقد كانت أبرز المخاضات التي ركبت الجسور عليها: مخاضة قصر عطرة –مخاضة الغوراني –مخاضة السمردل –مخاضة الدكة –مخاضة الشمالنة...إلخ).
            هـ- تم احتلال كتائب الهجوم لقاعدة الانطلاق، في الساعة السادسة(2) من صباح الثلاثاء 6 حزيران، مما أدى إلى أن يقوم الطيران المعادي بالقصف المنهك على هذه القوات – وهي في العراء –مدة أربع عشرة ساعة. فكان من نتائج ذلك القصف، فشل الهجوم على صفد قبل بدئه، وتحولت مهمة هذه القوات إلى الدفاع، بعد إلغاء خطة الهجوم الكاذبة.
            و- صباح الثلاثاء 6حزيران، نفذت مجموعة –تركيبة- تشمل سريتي حرس وطني وسرية دبابات، و"فصيلة" التصوير للتلفزيون، هجوماً تمثيلياً، انطلق من (هضبة المغاوير –تل العزيزيات) واستهدف مستعمرة شرياشوف، وحين وصلت هذه المجموعة –التركيبة- إلى الهدف السخيف، وجدته قاعاً صفصفاً، وقد أخلي من السكان وأحرق تماماً بسبب القصف المدفعي الهائل... –مع باقي المستعمرات-.
            ز- بغية "تسهيل مهمة ألوية (الهجوم)" أعطيت الأوامر للقوات المتمركزة سابقاً في المواقع التي شملتها قاعدة الانطلاق، بالانسحاب على الشكل التالي:
            1- القوات الموجودة في منطقة السنابر، والقادرية، أمرت بالانسحاب (عرضانياً)(3) إلى واسط.
            2- القوات المتمركزة في جليبينة وتل 62. والبطيحة قوات حرس وطني)، أمرت بالانسحاب –طولانياً- (4) لتتجمع في نقاط تجمع خلفية بعيداً عن مجال تحرك الألوية المهاجمة.
            هذان التحركان، اللذان نفذا أصلاً لتسهيل حركة ومهمة القوات المكلفة "تنفيذ الهجوم" شكلا أكبر عقبة في وجه هذه القوات، فاختلط الحابل بالنابل، وعجت الطرق بالآليات والقوات والأسلحة المقطورة، فكان ذلك كله هدفاً(لقطة)، للطيران الإسرائيلي، فأخذ يتسلى بضرب هذه القوات، بالرشاشات، والقنابل وصواريخ النابالم،... وكانت كارثة حطمت "الهجوم"، أفرغت المواقع الدفاعية من حماتها... وتركت الأرض عراء أمام العدو... تغطيها الجثث وهياكل الآليات، وحطام الأسلحة، بدلاً من أن تغطيها النيران، لتدفع عنها شره، وترده خائباً يجر الخزي والانكسار.
            ح- عملت المدفعية المضادة للطائرات– بعياراتها المختلفة -, عملاً رائعاً، ونموذجياً، وساهمت إلى حد كبير في إسقاط أو إعطاب عدد من طائرات العدو، والتخفيف من وطأتها على القوات الصديقة.
            ط- الطيران السوري لم يظهر في سماء المعركة أبداً. وكل ما قام به هو طلعات متفرقة نفذتها مجموعات تتألف كل منها من أربع إلى ست طائرات، اتجهت نحو فلسطين المحتلة يوم 5 حزيران، وأذاعت إذاعة دمشق، أنها قامت بضرب أهداف في داخل الأرض المحتلة.
            وبعد هذا، ... وطيلة أيام الحرب المسرحية، اختفى اسم الطيران، ولم يظهر إلا بعد انتهاء الحرب.
            ي- الانسحاب –أو الهروب –الكبير:
            منذ مساء الخميس 8 حزيران، بدأت الشائعات تسري سريان النار في الهشيم، عن أوامر صدرت بالانسحاب.
            وبدلاً من أن يملك القادة أمرهم، ويضبطوا أعصابهم، ويبقوا في أماكنهم، ينفذون واجبهم –الذي على أمل أن يؤدوه... احتمل الشعب إساءاتهم التي لا تحصى-، بدأ قسم من الضباط- وحتى القادة-، الانسحاب، ولكي تشيع الجريمة، ساهموا بنشر تلك الشائعات عن أوامر صدرت من القيادة العامة، تنص على الانسحاب –كيفياً-.

            تعليق


            • #7
              ويا لهول ذاك الذي حدث...
              1- فقائد الجيش... (اللواء) أحمد سويداني... انهزم عن طريق (نوى) إلى دمشق تاركاً وحدات الجبهة ووحدات احتياط الجيش دون قيادة، واقعة في حيرة من أمرها، وقادتها لا يدرون ماذا يفعلون.
              2- وقائد الجبهة... العقيد أ.ح أحمد المير(5).. غادر الجبهة فاراً على ظهر حمار لأنه لم يجرؤ على الفرار بواسطة آلية عسكرية، فالطيران المعادي كان يقضي على كل آلية يراها مهما صغر شأنها... ولكن الحمار عجز عن متابعة رحلة الهروب فتخلى عنه أحمد المير وأكمل الرحلة إلى دمشق على قدميه، فلم يصلها إلا وقد تورمت قدماه وخارت قواه، وألقى بنفسه بين يدي أول صاحب مروءة لينقذه من حاله التي هو عليها... وكان في حال من الزراية يثير الضحك حقاً...
              3- اتصل عدد من الضباط بقائد الجبهة قبل فراره فرفض التصرف، وقال لهم بالحرف الواحد: "أنا لست قائد جبهة، اتصلوا بوزير الدفاع" فأقيم الاتصال مع وزير الدفاع، بواسطة الأجهزة اللاسلكية، وجرت الاتصالات بين (قمر1 وقمر 2)(6) فأجاب وزير الدفاع: إنه قد أخذ علماً بالوضع، وإنه قد اتخذ الإجراءات اللازمة."!
              4- لجأ بعض الضباط من وحدات اللواء (80) احتياط إلى قيادة موقع القنيطرة بعد فقدانهم الاتصال بقائد اللواء وأي مسؤول في قيادة اللواء.. فوجدوا المقدم (وجيه بدر) ماكثاً في القنيطرة يترقب الأخبار، ولما حاولوا أن يفهموا منه صورة حقيقية عن الوضع، تبين أنه لا يفقه شيئاً، وحاول الجميع الاتصال بقيادة الجبهة، فوجدوها خلواً من أي مسؤول... عندها دب الفزع في قلوب عدد كبير منهم، واتخذوا وجهتهم نحو دمشق، طالبين النجاة بأرواحهم، تاركين جنودهم كتلاً لحمية تتدافع على الطرقات، يدوس القوي منها على الضعيف،... وأنين الجرحى والمشوهين، يملأ سهول القنيطرة، وترجع أصداءه سفوح التلال المتباعدة المتناثرة هنا وهناك... لا يشوه هذه الأصداء، إلا أزيز الطائرات المعادية... وأصوات المكبرات المنبعثة من طائرات الهليوكوبتر... ينادي بواسطتها الإسرائيليون جنودنا الفارين... أن ألقوا سلاحكم، تنجوا بأرواحكم.. فيستجيب الفارون للنداء.. ويتخلصون من هذا السلاح، الذي أصبح اليوم مبعث تهديد لهم بالموت... بدل أن يكون مستقراً للطمأنينة، ومنبعاً للثقة بالنفس، وعاملاً مشجعاً على الوقوف برجولة في وجه العدو الغازي.
              5- عند فقدان كل الاتصالات، وانفراط عقد السيطرة القيادية الذي كان ينظم الوحدات كلها، أخذ كل من القادة الصغار يتصرف حسب هواه، أو حسب بداهته.
              فالكثيرون هربوا... نعم هربوا... وأعطوا الأوامر لجنودهم بالهروب.. والقلائل جداً، - وهم من غير البعثيين- صمدوا... وقاتلوا... وظهرت بطولات فردية، سنتكلم عنها بعد قليل.
              المهم.. أن الهرب من القتال، وتولية الدبر للعدو، قد بدأ منذ مساء الخميس 8 حزيران... وبدأ يستشري ويتسع ويمتد، حتى بلغ ذروة تفاقمه يوم السبت، 10 حزيران، بعد إذاعة البيان الفاجر، الذي أعلن سقوط القنيطرة،... ولم يك جند العدو قد رأوها بأعينهم بعد –بله أن تكون أقدامهم قد وطئت أرضها.
              ومنذ صباح الجمعة، وحتى صباح الأحد /11/ حزيران، شهدت أرض الجولان، وما حولها من أراض وطرقات مؤدية إلى دمشق وإلى الأراضي اللبنانية، أو إلى منطقة حوران، أو إلى منطقة إربد.. شهدت هذه المناطق، منظراً، لو أتيح لعدسة تصوير أو ريشة رسام أن تحيط به كله مرة واحدة، لكانت لقطة من أندر ما عرف في تاريخ التصوير أو الرسم، ولبقيت صورة حية ناطقة شاهدة على ما أصاب هذه الأمة من عار وخزي.. ولكانت أقوى حجة أمام محكمة التاريخ، تقودها إلى إدانة الحزب بالجريمة الكبرى، التي لم يعرف لها تاريخ المنطقة مثيلاً في العمق والدقة والإحكام... والفجور.
              هذه الصور المحزنة.. التي أقل ما يمكن أن يقال عنها، أنها تقطع نياط القلوب، وتجرح كل كريم من هذه الأمة بجرح ينزف دماً وألماً وحسرة.. كيف يمكن للوصف أن يحيط بها، حتى يعطي للقارئ وللأجيال المقبلة... فكرة واضحة عن الذي حدث... وعن درجة الانهيار التي بلغتها هذه الأمة... في أسوأ طور من أطوار تخلفها وانحطاطها؟
              أننا لو حاولنا أن نتصور الطرق المعبدة (المفروشة بالإسفلت)، لرأيناها تغص بالحفر التي أحدثتها قنابل الطائرات المعادية... وقد نقشت أمامها أو خلفها وعلى جوانبها، بقع صغيرة من البياض الموسخ أحدثتها رشات الرشاشات المنبعثة من طائرات العدو... خلال انقضاضاتها المتتابعة المتكاثرة، على الأرتال والآليات الفرادى...
              إن تلك الطرق... قد أصبحت تشبه عقداً مشوهاً طويلاً متلوياً، تتابعت حباته بغير نظام، وهي آليات محروقة، أو حفر مسودة بتأثير النابالم، أو عربات انقلبت خلال محاولتها الفرار من الطائرات المنقضة... والجثث المحترقة قد تناثرت هنا وهناك.. والأسلحة تلمع في أشعة الشمس بعد أن أفلتت من أيدي حملتها وهم يهربون، او بعد مقتلهم أو جرحهم... والإطارات قد تناثرت، وترى هنا وهناك، بقعاً من الزيت... مشتعلاً أو مدخناً... وأكواماً من الحديد... هي كل ما تبقى من العربات بعد احتراقها... وأبراجاً حديدية مزقتها القنابل، هي الدبابات والآليات المصفحة، بعد أن هجرها سدنتها للهروب، أو لتفادي الإصابات بنيران الطائرات...
              هذه المناظر... كنت تراها على الطرق المعبدة.. أو الممهدة... أما الأراضي الأخرى خارج الطرقات... في السهول والمنحنيات... والأماكن التي ظن سالكوها أنها تغني عنهم شيئاً من غضب الطائرات المغيرة... فلقد كانت الصورة فيها أوسع وأكثر شمولاً وأبلغ تعبيراً عن المأساة الفاجعة.
              فلقد غصت الأرض بأسراب الجراد البشري الزاحف (عسكريين ومدنيين)،... يتحركون جميعاً كل إلى مأمنه لا يلوون على شيء... الضعيف يسقط وما من قوي يحمله أو يعينه على معاودة النهوض... وستشهد الأرض أمام باريها... عن هول ما قاسى الكثيرون من الناس (وخاصة المدنيين)، من جوع، وعطش، حتى اضطر الكثيرون –وخاصة الجنود- إلى الاقتيات بالأعشاب (أخضرها وجافها)، أو السطو على ما يصادفون من مزروعات.... تفادياً للموت في تلك المخمصة.
              والدواب... حملت ما خف من المتاع، وفوق كل كومة من ذاك المتاع... كنت ترى، طفلاً أو أكثر، أو امرأة أو شيخاً... وأفراد العائلة الآخرون، يمشون متهالكين خلف الدواب... والعيون قد تسمرت نحو هدف واحد، هو الوصول إلى دمشق أو إربد، أو إحدى القرى اللبنانية –أو درعا-...
              إن الهول الذي صادفه "المنسحبون" الفارون، من كثرة الرؤى الفاجعة... وأصوات الأنين والاستغاثة والتنادي... وعويل الثكالى والفاقدات أهلهن، أو بكاء الأطفال الذين شردوا... وهاموا في الأرض لا أب يحنو، ولا أم تضم إلى صدرها ابنها ذا أو ذاك.. والموج البشري يتتابع... وأرتال الجراد الزاحف تتلوى مع كل انحناءة أرض، أو نحو أي مصدر للطعام أو الماء... لتعب منه ثم تغذي السير... حتى تصل إلى حيث تعتقد أنها نجت من الخطر.
              إن هذا الهول الذي صادفه المنسحبون "الفارون"، قد أنساهم هول القصف الذي أنزلته على رؤوسهم طائرات العدو حين كانوا في مواقعهم... وودوا لو يعودون إليها... يحتمون بها ويردون عن الأرض أعداءها ولكن... قد فات الأوان... ولم يبق أمامهم إلا الانسياح بين أمواج الفارين... و"حط رأسك بين الرؤوس وقل يا قطاع الرؤوس"(7).
              نعم...! هكذا كان الانسحاب الذي نصر على تسميته بالهروب الكبير-. أما الانسحاب المنظم، "تحرفاً لقتال.. أو تحيزاً إلى فئة"... وكما تعلمناه وعلمناه للكثيرين من جنودنا وضباط الصف.. الانسحاب... الذي نفهمه وتعلمناه على أنه حالة من حالات القتال.. لها أسسها وأساليبها وطرق حمايتها بالنيران والمناورة...
              الانسحاب الذي نعلمه قتالاً منظماً مدروساً متتابعاً، يتم بضراوة وعنف... يعرض لقوات العدو المتقدمة، ويحاول تأخيرها أو صدها عن متابعة التقدم... وينزل بها الخسائر كلما سنحت الفرصة بذلك... الانسحاب الذي نعلمه... أسلوباً من أساليب المناورة والخداع... بغاية استعادة القوى وإعادة تجميعها والقذف بها مجدداً في وجه العدو المهاجم...
              الانسحاب الذي سبق أن مارسته جيوش محترمة، ونفذه قادة هم من عباقرة الحرب... أمثال خالد بن الوليد في تاريخنا القديم... وأمثال رومل في تاريخ العالم الحديث..
              الانسحاب المشرف الشجاع... الذي تمارسه القوات وهي في حالة معنوية ممتازة لا تقل عنها وهي مهاجمة أو مدافعة على خطوط الدفاع...
              هذا الانسحاب... لم تعرفه القوات السورية يوم عار حزيران... ولم تشهده الأرض السورية يوم مسرحية العار... بل كان الهروب الكبير... والهزيمة الذليلة... والفرار الجبان... الذي دونه فرار الأرانب... كنت ترى خلاله موجات متلاحقة من الجند والسكان... تميل يمنة ويسرة... من جوع ونصب ورعب... حتى ليخيل إليك أن هؤلاء الناس ما هم إلا سكارى... وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد.
              6- ولقد كان القادة أول الفارين.. وأول من تبعهم، وحدات الدبابات (وخاصة اللواء السبعين، بقيادة العقيد عزت جديد) والكتائب التي يقودها كل من المقدم رئيف علواني... والنقيب رفعت أسد (8).. التي تركت ساحة القتال وعادت إلى دمشق (لتحمي الثورة).. والضباط الحزبيون على اختلاف رتبهم... (الذين تركوا قواتهم وفروا... إلى القيادة لحضور اجتماع حزبي هام!). ثم.. انفرطت المسبحة على الشكل الذي بيناه.
              ك- ثم... صدر البلاغ الفاجر، من إذاعة حزب البعث في دمشق.. (يوم السبت 10 حزيران، الساعة التاسعة والنصف صباحاً)... يعلن سقوط القنيطرة بيد قوات العدو، ويحمل توقيع وزير الدفاع –اللواء حافظ الأسد- ويحمل الرقم 66.... وكان هذا البيان، هو طلقة الخلاص(9).. سددتها يد مجرم، على رأس كل مقاومة استمرت في وجه العدو رغم كل تلك المخازي... فانهارت القوى، واستسلمت المقاومات الفردية المعزولة، أو استشهد رجالها... وعلم الجميع أن لا أمل في متابعة القتال... لأن القيادة البعثية قد أنهت كل شيء... وسلمت للعدو الإسرائيلي.. مفاتيح أحصن وأمنع قطعة من أرض العرب.. بل وتكاد تكون من أكثرها غنى ووفرة بالكنوز الدفينة... من آثار ومعادن... وخصب تراب... ووفرة مياه.
              ل- وقد يكون من المفيد أن نثبت في خلال سرد الوقائع هذا، تصريحاً لضابط لبناني، شهد المعركة يوم 9 حزيران، ورأى بأم عينه كيف اخترقت القوات الإسرائيلية تحصينات ومواقع القطاع الشمالي (قطاع بانياس) ففيه أضواء هامة على أبعاد النكبة.
              ولكن تجدر الإشارة إلى أن في هذه الرواية بعض الأخطاء، سنبينها بعد سرد الرواية كاملة، ونبين وجوه الصحة في الوقائع مع ما يلزم من تعليق يأتي في حينه.
              يقول الضابط اللبناني:
              "بدأت أسراب الطائرات الإسرائيلية –وكان كل سرب مؤلفاً من أربع طائرات- تتدافع، سرباً إثر سرب، لضرب التحصينات السورية في (تل القاضي).
              ومنطقة (تل القاضي)، هي الجزء الوحيد في التحصينات السورية، التي لم تبن فيه المواقع الدفاعية بالإسمنت المسلح، لأن هذه المنطقة محصنة بشكل طبيعي، وتعتبر الصخور التي تحميها من أقسى وأقوى المواقع الجبلية في سورية.
              ولم ندرك في البداية سر اختيار الإسرائيليين لهذه المنطقة بالذات، التي كانت الفكرة السائدة عنها أنها أصعب نقطة في التحصينات السورية.
              واستمر ضرب الطيران الإسرائيلي للمنطقة بالقنابل والصواريخ حوالي الساعة. وعندما خف نشاط الطيران بدأ ضرب المدفعية.
              ومع أن تحضير أرض المعركة من قبل المدفعية(10) يستغرق عادة بين الأربع والست دقائق، نظراً للمصروف الباهظ بالذخيرة، الذي يحتاجه ضرب المدفعية، إلا أن الإسرائيليين استمروا في الضرب حوالي 15 دقيقة انتهت بتوجيه كمية من قنابل الدخان الكثيف، دليلاً على بدء المعركة الفعلية على الأرض.
              وفي الساعة العاشرة، تحرك لواء مدرع من جرافات البلدوزر الضخمة –وهي آليات مدرعة ولها جنزير، وبرج لحماية السدنة فيها –وأخذت توجه جرافاتها المسنونة إلى الكتل الصخرية التي تحمي تحصينات موقع (تل القاضي)، والتي كانت التقديرات العسكرية تؤكد استحالة اختراقها من قبل أسلحة الدروع.
              ووقع ما لم يكن بالحسبان، واستطاعت مدرعات البلدوزر اختراق الصخور، وبعد ذلك أخلت الطريق للدبابات الإسرائيلية التي أخذت تتسلك الطريق في محاولة لتطويق التحصينات السورية وضربها من الخلف. وكانت كل دبابة مزودة بسيارتين مصفحتين، إحداهما للذخيرة والثانية للوقود.
              وكان في برج المراقبة المشترك على الحدود السورية –اللبنانية –ضابط سوري، كان المفروض أن يتصل بمقر قيادة الجيش السوري على الجبهة ليحيطها علماً بأخبار محاولة اختراق الجبهة بمدرعات البلدوزر وتعيين زوايا تحرك الدبابات الإسرائيلية بواسطة المنظار المكبر، لتتمكن المدفعية السورية من توجيه ضربات قاتلة إليها...
              ولكن سرعان ما تبين أن الضابط السوري لم يكن يعرف لا استعمال المنظار المكبر ولا تعيين زوايا تحرك الدبابات وإبلاغها إلى سلاح المدفعية.
              لقد كان الضابط السوري وطنياً مندفعاً، ومن أشد المتحمسين للنظام القائم، ولكنه كان معلم مدرسة، لم تمض عليه أكثر من ستة أشهر في الجيش وبالتالي لم تكن لديه أية مبادهة عسكرية، أو معرفة في فنون القتال.
              ومع ذلك، فلم يكن لذلك أية أهمية، لأن المعركة في الأساس لم تكن معلقة على مقدرة ضابط برج المراقبة بقدر ما كانت متوقفة على مقدرة القيادة السورية على الجبهة، للقيام بهجوم مضاد يقوم به اللواء المدرع الذي لم يصب –وهو في تحصيناته- بالقذف الجوي... وذلك في الوقت الذي تكون فيه المدرعات الإسرائيلية قد وصلت إلى رأس (تل القاضي) أي في اللحظة التي تعتبر منتهى الإرهاق بالنسبة للمهاجم..
              في تلك الدقائق الحاسمة، أخذت الدبابات السورية تخرج من تحصيناتها... ولكن المفاجأة التي أذهلتنا أن هذه الدبابات بدلاً من القيام بهجوم معاكس مضمون النتائج، اتجهت نحو القنيطرة...لماذا؟.. ما هي الحكمة؟..
              إلى الآن، لم أستطع أن أعرف، وبالتالي أن أفهم، لاسيما وأن القنيطرة، سقطت بعد ذلك بدون قتال، وبإعلان مسبق بالإذاعة...
              وقد وقع أثناء انسحاب اللواء المدرع السوري حادث طارئ، كشف عن مدى الخسائر التي كان يمكن إلحاقها بالمدرعات الإسرائيلية لو قامت الدبابات السورية بالهجوم المعاكس.
              لقد تعطلت إحدى الدبابات بالصدفة، بعد تعطل جنزيرها، وكانت هذه الدبابة في أواخر الرتل السوري المنسحب، ولم يكن أمام قائد الدبابة إلا أن يحارب، فأدار مدفعه إلى الخلف، واستطاع من مكانه، وخلال دقائق معدودة، أن يدمر ست دبابات، ويوقف تقدم الإسرائيليين.
              واستنجد العدو بالطائرات، فدمرت الدبابة السورية الشجاعة بصاروخ جوي، ولولا ذلك لاستطاعت تدمير 15 دبابة إسرائيلية على الأقل، قبل أن تصاب وتحترق(11).

              تعليق


              • #8
                تصويب وشرح:
                أ- إن أول ما يجب لفت النظر إليه وتصويبه، هو أن (التل) الذي يتحدث عنه الضابط اللبناني، ليس (تل القاضي)، لأن هذا التل هو بيد السلطات الإسرائيلية، ويقع ضمن الأرض المحتلة منذ عام 1949، ويشرف على مستعمرة دان، وعليه نفسه تقوم إحدى المستعمرات، ومن سفحه الجنوبي الغربي، تنبع مجموعة ينابيع تشكل نهر "اللداني" وهو أكبر الروافد الرئيسية التي تشكل في مجموعها نهر الأردن ويبلغ تصريفه السنوي من المياه 258 مليون م3. (انظر موقعه على الخريطة رقم (1) وهو مبين بدائرة حمراء تحيط بها دائرة خضراء.
                ولكن التل المقصود حقيقة في رواية الضابط اللبناني، هو ما يلي:
                أولاً: هضبة المغاوير (انظر موقعها عند رأس السهم الأخضر الذي يشير إليها، و ذلك على الخريطة رقم1). وهي هضبة ذات جرف صخري وعرجداً، ولم يكن في تقدير أية قيادة احتمال اختراقها من قبل الآليات المعادية، ورغم ذلك، فقد زرع فيها حقل ألغام استراتيجي مختلط (مضاد للأشخاص ومضاد للآليات، وبعض ألغامه مفخخة).
                وثانياً: تل العزيزيات، وهو من أمنع وأحصن المواقع الدفاعية السورية، طبيعة وإعداداً، ولكن القيادة البعثية أخلته من قواته لتشترك مع وحدات أخرى في الهجوم (التمثيلية) على شرياشوف(12).
                ب- يقول الضابط اللبناني أن الطائرات الإسرائيلية كانت تغير على المواقع السورية في تشكيلات مؤلفة من أسراب يضم كل سرب أربع طائرات. والصواب أن تشكيلة الأربع طائرات تسمى "رفاً" وليس سرباً، ويضم السرب عدداً من "الرفوف" يتراوح بين (3-5).
                جـ- ليس غريباً أن تلجأ القوات الإسرائيلية إلى القيام بأعمال وحركات غير مألوفة في القتال اللاسلكي، ومن أبرز الأعمال "غير المألوفة" في قتال القوات الإسرائيلية ضدنا، رحلتها صباح 5 حزيران لضرب الطيران المصري، فقد تميزت هذه الرحلة بأمور عديدة أهمها:
                أولاً: انطلاق الطائرات من على الأوتوسترادات وليس من على مهابط المطارات.
                ثانياً: قطع الرحلة كلها (تقريباً) على ارتفاع منخفض، وعلى سطح البحر، تفادياً لخطر كشف أمرها من قبل أجهزة الرادار.
                ثالثاً: تجاوز الطائرات الإسرائيلية حدود مصر بما لا يقل عن مائة كيلو متر، نحو الغرب، ثم انكفاؤها لتهاجم الطائرات الجاثمة على أرض المطارات مثل مجموعات الأوز السمين.
                وقد اعترف بهذا الرئيس جمال عبد الناصر نفسه في خطابه التاريخي يوم الجمعة 9 حزيران، فقال: "كنا نتوقع مجيء الطائرات من الشرق، فجاءتنا من الغرب".
                والعدو يهدف في عمله الذي قام فيه بقصف هضبة المغاوير (الخالية من القوات) إلى أمور هامة جداً:
                أولاً: إيهام المراقبين السوريين بجهله وخطأ معلوماته عن قواتنا ومواقعنا حين يرى الرصاد والقادة، أن القصف مركز على أرض خلو من القوات والتحصينات.
                ثانياً: إحداث المفاجأة –وهو يعتمد كثيراً على مبدأ المفاجأة في عملياته.
                ثالثاً: إيقاع القادة السوريين في حيرة مما يرون، والحيرة هذه كفيلة –مع ما يرافق العملية من قصف ونيران شديدة مركزة-، بشل تفكير القادة فترة من الزمن، تجعلهم حيارى عاجزين عن اتخاذ قرار معين حاسم، ويفيد هو من هذه الحيرة فيعمل بحرية على تحقيق خطته.
                رابعاً –تفادي خطر الصدام مع الأسلحة المضادة للآليات، فيما لو هاجم في اتجاه مواقع مشغولة بالقوات، وخاصة أن المواقع الأمامية –مثل تل العزيزيات- مزودة بأسلحة فعالة، من بينها بعض دبابات البانزر، وهي ذات مدفع يتمتع بفاعلية هائلة ضد الدبابات.
                ولكن... ما حيلة هذه الأمة المنكوبة بقادة من أمثال –الضابط السوري القابع في برج المراقبة المشترك-، جهلة وعديمي الخبرة، إن لم نقل أن من بينهم خونة من أمثال أحمد المير وسويداني وباقي السلسلة من الحزبيين؟!
                د- سبق للقوات الإسرائيلية أن استخدمت الجرافات (البلدوزر) في عملياتها ضد قواتنا، وكان من أبرز الوقائع التي قدم فيها العدو مثل هذه الجرافات "معركة تل النيرب عام 1962"، ولكن ما حيلتنا مع جيش غر، سرح حزب البعث جميع قادته وضباطه القدامى المخلصين، أصحاب التجارب والخبرات، والمعرفة الدقيقة بأساليب قتال العدو، تمهيداً ليوم هزيمة متفق عليها...؟!
                هـ- لم يكن في المنطقة المقصودة من شرح الضابط اللبناني، لواء مدرع، لأن طبيعة الأرض لا تتسع لقتال لواء مدرع –مع القوات الأخرى-، ولكن لعل الدبابات المعنية، والتي قامت بالانسحاب في لحظة الحاجة إليها، هي إحدى كتائب الدبابات التي ألحقتها قيادة حزب البعث على القطاع الشمالي أو هي كتيبته الأصلية..؟ وفي أية حالة.. ينكشف لنا هنا موقف من أخطر مواقف الخيانة التي ارتكبها القادة البعثيون، إذ انهزموا –مع دباباتهم- من وجه القوات الغازية، متحركين باتجاه دمشق، بغية "حماية الثورة" كما أعلن أحد قادتها، المقدم "رئيف علواني".
                وفي هذا... يكمن تفسير التساؤل الذي يطلقه الضابط اللبناني الذي يشرح المعركة... فالدبابات والأسلحة الفعالة في جيوش الدولة الثورية هي لحماية "المكاسب الاشتراكية، ومسيرة الثورات في صراع الطبقات". وليست للاستخدام في وجه قوات الغزو الإسرائيلية، أو لحماية حدود البلاد وترابها الكريم من أن تدنسه أقدام الغزاة.
                وهذا ليس من عندياتنا.. وإنما هو سياسة الاتحاد السوفياتي الذي يزود الدول الثورية بهذه الأسلحة، وسياسة هذه الدول نفسها.
                "... ونحن واثقون من صدق التأكيدات السوفياتية الرسمية لحكومة إسرائيل التي تقول بأنه ليس في علاقات الاتحاد السوفياتي مع مصر، أو غيرها من الدول العربية الأخرى في مسألة بيع السلاح وتقديم القروض المالية والتعاون العقائدي ما يؤذي إسرائيل في المرحلة النهائية..."(13).
                "... نحن مستعدون لحظر السلاح عن المنطقة العربية، لكن حركات التحرر اليسارية في العالم العربي، تحتاج إلى السلاح لتكافح الرجعية العربية، وتقضي عليها وعلى من يساعدها من قوى الاستعمار.
                وأن القضاء على الرجعية العربية سيزيل خطر العدوان العربي على إسرائيل"(14).
                م- ورواية أخرى، أتت على وصف موجز لسقوط الجولان، نشرتها صحيفة النهار، في عدد خاص بالحرب اسمه "النكسة"، لا بد لنا من ذكرها في هذا الكتاب، وإعطائها ما تستحق من شرح أو تعليق أو تصحيح(15).
                تقول النهار:
                "... لم تبدأ سوريا الحرب إلا صباح 6/6/1967، رغم أن سوريا هي سبب الحرب، وهي الداعية إليها".
                "... الهجمات السورية اقتصرت على "دان، تل دان، شرياشوف(16)" ولم تخرج القوات الإسرائيلية للرد بسبب انشغالها بالقتال على باقي الجبهات."
                "... وتلخص خطة الهجوم السورية، كما يلي:
                1- جعل الهجوم على مستعمرة مشمارهايردين(17) هدفاً رئيسياً تنتقل منه وحدة سورية إلى ضرب حيفا في الغرب بينما تتمكن وحدة أخرى من التوغل باتجاه الناصرة.
                2- التقدم نحو تل القصر(18) في الطرف الجنوبي من بحيرة طبريا عن طريق وادي الأردن ثم الالتفاف إلى الجهة الشمالية الشرقية نحو العفولة.
                3- دخول الأراضي اللبنانية ومهاجمة المواقع الإسرائيلية منها..."
                ".... ولم يدخل الإسرائيليون المعارك الفعلية ضد سوريا إلا يوم الخميس 8/6، حيث تفرغوا لجبهتها، ورغم أن السوريين كانوا يتعرضون لغارات جوية مستمرة، وأن طائراتهم تغير على مدينة ناتانيا الساحلية والمدن الإسرائيلية الأخرى، وأن مدافعهم المضادة أسقطت عدداً كبيراً من الطائرات الإسرائيلية، رغم هذا كله لا يمكن الحديث عن معارك فعلية قبل يوم الخميس.
                ويصف قائد الطيران الإسرائيلي، الهجوم على المواقع السورية بقوله:"استعملنا مع سورية قنابل موقوتة(19) بحيث تنفجر مباشرة فوق قواعد المدفعية المضادة للطائرات".
                "... وحفلت الحرب بكثير من الأخبار المضللة، ففيما الطائرات الإسرائيلية تغير على الجبهة السورية وتلقي فوقها قنابل النابالم المحرقة، كان القوات الإسرائيلية تستمع عبر التارتنزيستور إلى أنباء القصف السورية للمستعمرات.."
                ".. ويقال أن سوريا وضعت في الجبهة 3 ألوية عادية (19،8،11،)(20)، كما وضعت في المؤخرة لواءي مشاة: التسعين إلى شمالي القنيطرة، واللواء الثاني والثلاثين إلى الجنوب منها. ومع كل منها فرقة دبابات ت34، وس يو100، إلى جانب حوالي 30 دبابة عادية...(21)"
                "... وعند ظهر الجمعة، شن الإسرائيليون هجوماً شاملاً على المواقع السورية فوق كفر زولد(22)، وهي أضعف النقاط في الجبهة السورية المنيعة التحصين، وأرسلت وحدة أيضاً إلى عين فيت والزورة (23) وسارت الجرارات في المقدمة فاتحة طريقاً للمدرعات والآليات عبر المرتفعات.
                وفجأة وجدت نفسها عرضة لنيران مدافع المدرعات السورية، التي كانت جاثمة في الخنادق لا يظهر منها غير المدافع(24)، وقد ألحقت بالقوات الإسرائيلية خسائر جسيمة اضطرتها إلى الانحدار حيث كانت.
                وكرر القائد الإسرائيلي المحاولة على غير طائل، عندئذٍ لم يجد مخرجاً للخطة غير تعطيل مدفعية الدبابات فأرسل وحدة من رجاله تسلقت المرتفعات، وألقت قنابل يدوية داخل الدبابات، فقتلت من فيها (25)، وبعد ما أمن خطر الدبابات ومدافعها، أمر "لعازار"(26) الجرارات باستئناف فتح الطريق، تحت النار السورية المعقولة، ثم وجه فرقة مشاة إلى منطقة تل العزيزيات حيث دارت معارك بالسلاح الأبيض: بالقبضات والسكاكين والأسنان وأعقاب البنادق، واستمرت هذه حتى سقطت المواقع في تلك الناحية(27).
                وبدل أن تقصف المدفعية السورية، القوات الإسرائيلية المهاجمة، تابعت ضرب المستعمرات وإضرام النار فيها(28).
                وليل الجمعة، توغل الإسرائيليون داخل الأرض السورية في الجنوب، ووصلوا إلى راوية (قطاع واسط، انظر الخريطة)، تدعيماً لتقدمهم، وفي خلال الليل، جمع لعازار قواته، ولما طلع الصباح، طلب تغطية جوية لتنفيذ المرحلة الثانية من الخطة، أي السير نحو القنيطرة، بعدما نفذت المرحلة الأولى بتسلق المرتفعات واحتلالها.
                وعند الفجر، دخلت وحدة مدرعة إسرائيلية جديدة المعركة، فأخذت طريق تل تمرا(29)، داعمة فرقة الجولان لاحتلال مدينة بانياس(30).
                والساعة الأولى من بعد ظهر السبت، طوقت القوات الإسرائيلية مدينة القنيطرة، فقاومهم سكانها(31)، وظلوا حتى سقوط المدينة، الساعة الثانية والنصف (بعد ساعة ونصف الساعة).
                وسلم من القوات السورية على الجبهة ما يقارب لواءين، واحد مدرع، وآخر آلي، انسحبا إلى دمشق من أجل تعزيز الدفاع عنها.
                وقالت السلطات الإسرائيلية، إنها فقدت في الجبهة مع سوريا (115) قتيلاً، وأصيب 306 بجراح. وصباح السبت الباكر، دخلت الأراضي السورية وحدات المشاة الإسرائيليين، بقيادة الجنرال (لابليد)، من الطرف الجنوبي لبحيرة طبريا، متسلقة مرتفعات التوافيق، كما دخلت وحدة مدرعة عبر وادي اليرموك(32) بينما حلقت طائرات هليوكوبتر فوق منطقة الجبهة، وأنزلت مظليين قاموا بمهاجمة السوريين من الخلف(33)، وقطعوا عليهم خطوط التموين.
                ثم دخلت وحدة عن طريق ديرباشية(34)، والتقت رجال بليد في البطحية(35).
                توضيحات هامة:
                آ- إن هذه الرواية الموجزة جداً، والمترجمة –كما قالت النهار- عن مجموعة صحف نشرت في العالم الغربي، تؤكد لنا أموراً هامة نوجزها فيما يلي:
                1- كذب خطة الهجوم التي اخترعتها القيادة البعثية، واتخاذها حجة وذريعة لسحب القوات المدافعة التي كانت تتمركز في المواقع الدفاعية، والتي كانت قادرة فعلاً على إجراء القتال الدفاعي بشكل فعال، كان قادراً على إعطاء نتائج –لو تم فعلاً- هي أفضل من النتائج التي نراها اليوم، والتي تشكل في مجموعها جزءاً هاماً جداً من نكبة الأمة.
                ولو كانت القيادة صادقة في خطتها، فلماذا لم تنفذ تلك الخطة؟..؟ إن المصادر الإسرائيلية وكذلك البلاغات السورية الصادرة بصورة رسمية، تؤكد أن الهجمات السورية لم تستهدف أكثر من جزء صغير جداً من الأرض المحتلة، هو مثلث (دان، تل القاضي، شرياشوف)، بينما كانت الخطة الهجومية الموضوعة تستهدف الوصول إلى حيفا، أي ما يمكن أن يسمى فعلاً، احتلال إسرائيل وتدميرها.
                إننا نستطيع أن نؤكد أن تلك الخطة الهجومية لم تكن سوى مبرر ظاهري لأمر يحمل معنى واحداً، هو التواطؤ لإخلاء المواقع الدفاعية من القوات... ونحن كنا نستطيع أن نصدق أن القيادة كانت صادقة في خططها الهجومية، لو أنها نفذت تلك الخطط... وسواء عندنا أخفق الهجوم أم نجح، ولكن المهم أن ينفذ، ولا يضير الجيش السوري بعده أن يخفق هجومه، لأن كثيراً من جيوش العالم تنجح أو تخفق في هجماتها (الكبيرة والصغيرة)... ولكنها على كل حال، تنفذ الهجوم الذي تخطط له.

                تعليق


                • #9
                  وأن الذي يؤكد للقارئ ما نذهب إليه... هو أن شيئاً مماثلاً لهذا الذي نطلبه من القيادة السورية، قد حدث فعلاً على الأرض، وفي خلال حرب حزيران بالذات.. ونقصد به هجوم اللواء الستين المدرع الأردني باتجاه الخليل –بئر السبع، لتطويق تجمعات الدبابات الإسرائيلية وتحقيق الاتصال مع القوات المصرية على مشارف المواقع الأمامية بين إسرائيل ومصر.
                  صحيح أن الهجوم لم ينجح، ولأسباب عسكرية محضة.. ولكنه نفذ فعلاً... وأثبتت القيادة الأردنية صدق دعواها، في تخطيط الهجوم على الأرض الإسرائيلية.. ولكن القيادة السورية لم تثبت ذلك.. بل اكتفت بأعمال تمثيلية، رافقها مصورو التلفزيون.. من أجل المزايدة على حساب الأنظمة العربية الأخرى.. وبالتالي المزايدة على مصير الأمة بأكملها.
                  2- ومما يؤكد أن الموضوع كان تمثيلية، هو أن الخطة الهجومية السورية، قد وضعت في حسابها دخول جزء من القوات السورية، إلى الأرض اللبنانية، والانطلاق منها لمهاجمة الأرض المحتلة في الجليل الأعلى، ولو كانت الخطة صحيحة.. وهناك عزم جاد على تنفيذها، فهل نسي القادة السوريون أن دخول قسم من قواتهم إلى الأرض اللبنانية، سيثير مشاكل دولية هم غير قادرين على مجابهتها؟.. أم أن (اللواء) سويداني.. كان يعتبر نفسه فوهرر ألمانيا، حتى يعبر للهجوم على إسرائيل، أرض دولة أخرى بصورة مفاجئة..؟! ألا يشكل هذا في عرف القانون الدولي الذي يؤمن به القادة البعثيون، إعلاناً للحرب على دولة شقيقة مجاورة؟.. وهل كان اللواء السويداني.. ومن خططوا له خطة الهجوم تلك، قادرين على مجابهة الوضع الخطير الذي سينشأ –لو تم هذا العمل- ومضاعفاته؟!..
                  كل هذا يؤكد أن خطة الهجوم لم تكن إلا مسرحية لتبرير سحب القوات المدافعة من مواقعها..!
                  3- لقد ثبت لدينا أن سوريا لم تمارس العمل الحربي ضد إسرائيل، إلا بعد مرور /22/ ساعة على بدء الحرب فعلاً بين العرب وإسرائيل.. فلماذا لم تبادر القوات السورية مباشرة إلى بدء الهجوم الكاسح ضد شمال إسرائيل فتخفف الضغط عن جبهة سيناء، وجبهة الأردن!؟..
                  أو ليست سوريا هي الداعية إلى الحرب؟
                  فكيف يصح لدولة تدعو إلى الحرب، وتسبب بدعوتها تلك، اندلاع الحرب فعلاً.. فكيف يصح لها أن تتأخر /22/ ساعة عن دخولها بصورة فعلية، إن كانت جادة في دعواها؟!..
                  قد يقول قائل: إنه لو قامت القوات السورية بالهجوم، لتم تدميرها كلها على الأرض الإسرائيلية. حسناً.. ولكن القوات السورية قد دمرت وشردت فعلاً.. ولكن على الأرض السورية، وليس على الأرض المحتلة.
                  وما دام التدمير قد حصل.. ألم يكن أجدى من الناحية المعنوية.. بل وحتى من الناحية العسكرية، أن يتم التدمير ذاك.. للقوات وهي في هجوم فعلي ضد العدو، بدل أن يتم التدمير خلال هروب جبان ذليل؟..
                  4- وتثبت هذه الرواية للقارئ، صحة ما أثبتناه، من أن الوثائق والخرائط قد تركت سليمة، واستولى عليها العدو.. ولو أن العدو لم يتمكن من الاستيلاء عليها، فمن أين له أن يزود الكتاب والصحفيين الغربيين الموالين له، بتفاصيل خطة الهجوم السورية، وأسماء الألوية التي حشدتها القيادة، وأنواع كتائب الدبابات، وتسليحها، والقناصات... وإلخ من تلك المعلومات؟!
                  ب- ومن هذه الرواية، وكل الروايات التي قيلت عن الحرب، ومن المعلومات التي حصلت عليها من الذين اطلعوا على حقيقة الأحداث، ومن منطوق البلاغات العسكرية السورية التي صدرت خلال فترة الحرب، يتبين لنا ما يلي:
                  1- أن القوات السورية الأساسية، لم تقاتل... وأن كل ما برز في وجه الغزاة الأعداء، لم يخرج عن كونه مقاومة بطولية من عسكريين، عز عليهم أن يروا أقدام الغزاة تدنس أرضهم، فمارسوا رجولتهم، وحققوا بطولاتهم المعجزة، التي جعلت العدو نفسه يعترف بعجزه عن مجابهتها.. فاضطر لإخمادها بالكثافة النارية الهائلة، من الطيران والمدفعية ونيران الدبابات.. وما حيلة الأبطال القلائل.. في وجه جموع زاحفة وإمكانيات نارية مخيفة، خلا الجو لها، فصبت كل حقدها على الأسود الذين وقفوا بعزة ورجولة لحماية الأرض؟..
                  2- وقد ثبت حتى الآن أيضاً، أن أول ما تمكنت القوات الغازية من اختراق الدفاع السوري، كان في قطاع واسط، ثم القطاع الشمالي.. ثم الأعمال السريعة التي نفذتها القوات العدوة لإجراء الالتفاف، وحتى التطويق ضد المقاومات التي اعترضتها، وهذا ما توقعه القادة المتعاقبون على الجبهة.. وما حسب له الخبراء الذين كان لهم دور في رسم خطة تحصينها وأسلوب قتالها... ولكن المرسوم لم ينفذ.. فلم يبق أمام قوات الغزو إلا أن تتقدم، مستفيدة من كل الفرص التي سنحت لها.. وهي والله فرص تاريخية نادرة في تاريخ الحروب.
                  3- اعتمدت القوات الإسرائيلية "وخاصة وحدات الدبابات" اعتماداً كبيراً، على الجرارات، (البلدوزر) لفتح الطرق في أرض وعرة عديمة الطرق تقريباً، وهذا أمر منطقي، وطبيعي أن يلجأ العدو لمثل هذا الأسلوب.. ولكن هذا الأسلوب هو بحد ذاته يشكل نقطة ضعف كان في وسع المدافعين أن يستفيدوا منها، لو أن القوات صمدت حقاً، وقاتلت كما كان عليها أن تقاتل.
                  فالجرارات هذه، هي في الحقيقة تشكل هدفاً (لذيذاً) لنيران المدفعية، والمدفعية م/د، وحتى لرشاشات المشاة، وذلك لأن هذه الجرارات، عديمة التصفيح أو ضعيفة ولو أن القوات كانت واعية لتحركات العدو، لكان بإمكانها تدمير الجرارات، فتشكل هذه عقبات كبيرة في وجه الدبابات التي تتحرك وراءها... وبذلك كان يمكن إحباط هذه المحاولة التي نفذها العدو وهو يعتقد أنه حقق عملا "ذكيا".. وكان يمكن بعد ذلك، تركيز نيران المدفعية وحتى الهجمات المعاكسة على دبابات العدو.. وتكون مجزرة له..
                  ولكن.. يا حسرتا على ما فرط الجيش في حق بلاده التي ائتمنته، فما كان للأمانة أهلاً..!
                  جـ- الملاحظ أن كل الروايات التي صدرت من القادة الإسرائيليين، أو التي سردها صحفيون أجانب قالوا إنهم رأوا الحرب.. أن روح الغطرسة والعجرفة تفوح من كل أقوالهم.. وغايتهم في ذلك ادعاء "الشجاعة والذكاء" في جيش العدو وقادته.
                  وهذا أمر طبيعي أن يصدر من عدو حصل على نتائج مذهلة بأقل ما يمكن من التضحيات.. وبفضل العون الأجنبي والتآمر.
                  ولكن غير الطبيعي.. والمرفوض رفضاً مطلقاً.. أن لا يتصدى العسكريون العرب، والكتاب العرب، لتفنيد تلك المزاعم.. وتحطيم تلك الغطرسة الكلامية التي يفح بها العدو وهي تشكل في حد ذاتها جزءاً من الحرب النفسية ضد شعوبنا، المغلوبة على أمرها..
                  إن من واجب حملة الأقلام... وأصحاب الخبرات، أن يتصدوا لتلك التبجحات، ويكشفوا زيفها.. فإن ترك العدو يمارس تلك الكبرياء في ادعاءاته.. لهو والله تقصير في الواجب الذي على مفكري هذه الأمة.. وإن هذا التقصير إن استمر أكثر من هذا.. فهو قد يبلغ حدود الصمت المتواطئ.. فهلا تحرك المفكرون المخلصون لممارسة هذا العبء الكبير..!
                  م- وفي نهاية هذا الشرح المفصل للأحداث، أرى من الضرورة أن أضع أمام القارئ، صورة لتسلسل الحوادث والتصريحات والأقوال، كما جاءت على لسان أصحابها أو كما نشرت، وفي تواريخها حسب التسلسل اليومي للأيام العصيبة، فلعل ذلك يفيد في المقارنة بين الأقوال والتبجحات والتهويشات التي ملأنا سمع الدنيا بها، وبين حقيقة الأفعال التي صدرت منا، فجعلتنا في عيون العالم، أذلاء مهانين.
                  آ- فترة التوتر التي سبقت الحرب:
                  الجمعة 12/5/1969
                  كان هذا اليوم بداية التطور الحقيقي في تسارع الحوادث نحو الحرب، ونقطة الانعطاف الخطرة، للأحداث نحو الاتجاه المحتوم الذي سارت فيه باتجاه الحرب.
                  ففي هذا اليوم، أعلنت وكالة (يونايتدبرس) للأنباء، أن مصدراً إسرائيلياً رفيعاً قال: "إنه إذا ما استمرت سورية في دعم عمليات التخريب داخل إسرائيل فإن ذلك سيستتبع بالضرورة قيام إسرائيل بعمل عسكري لقلب نظام الحكم في سورية".
                  وأعلنت وكالة "أسوشيتد برس"، أن مصدراً عسكرياً إسرائيلياً هدد باستعمال القوة ضد سورية لوقف غارات الفدائيين المنطلقة من سوريا، وقال: "إن أمام إسرائيل عدداً من الاحتمالات يتراوح بين شن حرب عصابات على سورية، وبين غزو سورية واحتلال دمشق".
                  السبت 13/5/1969
                  ناطق رسمي في وزارة الخارجية السورية، صرح بأن الوزارة استدعت ممثلي الدول الأعضاء لدى مجلس الأمن الدولي في الجمهورية العربية السورية، وأوضحت لهم "المؤامرة التي تحيكها الدوائر الاستعمارية والصهيونية ضد القطر العربي السوري".
                  وأوضحت لهم الأمور التالية:
                  1- أن التهديدات الإسرائيلية المتعاقبة "ليست إلا تحضيراً جديداً للرأي العام الدولي من أجل تغطية العدوان الصهيوني المقبل وعملاً استفزازياً ضد سورية".
                  2- أن محاولة إسرائيل "استغلال المنظمات الدولية لستر عدوانها المقبل، ستبوء بالفشل الأكيد، لأنا أبلغنا سفراءنا في جميع الدول وكذلك الأمين العام للأمم المتحدة والدول الأعضاء فيها حقيقة موقف إسرائيل كأداة بيد الاستعمار. وكوجود يقوم على الاغتصاب والغزو، ويتمرد على جميع قرارات المنظمة الدولية."
                  3- "حجة إسرائيل بأعمال الفدائيين الفلسطينيين وتحميل مسؤولية ذلك للجمهورية العربية السورية أمر مرفوض دولياً". لأن الشعب الفلسطيني يرفض الوصاية.
                  4- "إن الانطلاق من النضال العربي الفلسطيني للعدوان على سورية، لا يمكن أن يخفي المؤامرة الاستعمارية الصهيونية الرجعية.. التي ترتكز على عدوان إسرائيلي كبير يتذرع بمختلف الحجج الواهية، يتلوه عدوان من مرتزقة وعملاء المخابرات في الأردن.. مع تحركات الرجعية وفلول العملاء المتضررين بالثورة، كل ذلك بحراسة الإمبريالية العالمية وتخطيطها..".
                  5- "إن التهديد الوقح بالقيام بعمليات عسكرية واسعة، وبخوض الحرب ضد سورية لن يرهب أحداً"، لأنه "لن يسقط النظام الثوري في سورية، بل سيزيد مناعة وقوة، وسيسقط الأنظمة الرجعية العميلة، ويحرك الجماهير العربية في ثورة عارمة".
                  6- "أن الأعمال العدائية الموجهة ضد سورية تهدف فيما تهدف إلى صرف الأنظار عما يجري في عدن والجنوب العربي، وتخفيف ضغط الحرب الشعبية على الاستعمار والرجعية".ولكن ذلك كله سيفشل.
                  7- أن الجمهورية العربية السورية "تحمل إسرائيل وحماتها مسؤولية ما سيحدث في المنطقة وإنها لتؤكد استعداد الحكومة والشعب لمواجهة أي عدوان.. وستوضع اتفاقات الدفاع المشترك موضع التنفيذ، كما أن العدوان سيجابه بحرب التحرير الشعبية التي ستخوضها كل الجماهير العربية".
                  وفي اليوم نفسه، صرح ليفي أشكول، رئيس الحكومة الإسرائيلية، في خلال كلمة ألقاها من الإذاعة الإسرائيلية بمناسبة الذكرى التاسعة عشرة لإقامة الدولة..".. إنه من الواضح أن سورية هي مركز الأعمال التخريبية، غير أن إسرائيل تحتفظ لنفسها باختيار المكان والزمان والوسائل اللازمة للرد على المعتدي".
                  وقام وفد عمالي سوري برئاسة خالد الجندي رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال السورية، بزيارة الجبهة السورية (الجولان)، فألقى العقيد أحمد المير قائد الجبهة يومذاك، خطاباً في الوفد جاء فيه: "أن معنويات جنوده عالية"، و"أن هذه المعنويات مستمدة من إيمانهم بشعبهم الكادح". وحذر من الاستعمار "قد يجتاح سورية" ودعا في هذه الحالة إلى "شن حرب عصابات عليه في داخل سورية وخارجها" على اعتبار أن المشكلات مع الاستعمار لا تحل إلا بالحرب الشعبية". قائد الجبهة أكد أن الطيران له تأثير معنوي أكثر من تأثيره المادي إلا أنه أهاب بالمواطنين أن يتخذوا كافة الإجراءات الوقائية منه.
                  الأحد 14/5/1969
                  - ناطق رسمي سوري أدلى بتصريح قال فيه: إن الفريق أول محمد فوزي رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة في ج.ع.م عقد فور وصوله إلى دمشق عدداً من الاجتماعات مع كل من اللواء حافظ أسد وزير الدفاع السوري، واللواء أحمد سويداني رئيس أركان الجيش السوري وأضاف الناطق "...أن كلاً من ج.ع.م. وسوريا تواجهان بجد واجبهما القومي التاريخي إزاء قضية فلسطين خاصة وقضية الشعب العربي عامة".
                  - الميجر جنرال إسحق رابين، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، قال في مقابلة نشرت في تل أبيب اليوم: "أن إسرائيل تعلم جيداً أن سورية تقف وراء نشاط التخريب".
                  وأضاف يقول: "إن أي عمل تقوم به إسرائيل ضد سورية سيكون مختلفاً عن أية أعمال انتقامية قامت بها القوات الإسرائيلية في الماضي، ذلك لأن المشكلة مع سورية مختلفة لأن السلطات هي التي تقوم بدعم نشاط المخربين وبالتالي فإن هدف القيام بعملية ضد سوريا سيكون مختلفاً".
                  - الأنباء الواردة من الأرض المحتلة ذكرت أن تحشدات عسكرية وتحركات غير طبيعية بدأت تظهر على الحدود السورية الإسرائيلية.
                  الاثنين 15/5/1967
                  - الدكتور جورج طعمة، مندوب سورية لدى الأمم المتحدة، بعث برسالة إلى رئيس مجلس الأمن لهذا الشهر، لفت فيها أنظار المجلس إلى الوضع "القابل للانفجار".. وحذر من "سويس ثانية".. وأنحى باللائمة على وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "لإعدادها وتمويلها مؤامرة لإسقاط نظام الحكم في سورية". وقال: "إن من المستحيل على سورية السيطرة على نشاط هؤلاء –يقصد الفدائيين- أو حماية خط الهدنة الذي يمتد على حدود عدة دول".
                  - غالب كيالي، القائم بأعمال السفارة السورية في واشنطن، صرح بعد اجتماع تم بينه وبين مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى (لوشيوس باتل) قال فيه: "إن باتل قرأ أمامه مذكرة تعبر عن قلق حكومة الولايات المتحدة إزاء الحالة على خطوط الهدنة" وأضاف كيالي يقول: "إنني أبلغت مساعد وزير الخارجية الأمريكية أن سورية تتوقع عدواناً صهيونياً قريباً، وتعتقد أن هذا العدوان يحظى بتأييد الولايات المتحدة.. وقد أبلغته أيضاً أن سورية لا تستطيع منع شعب فلسطين من مواصلة كفاحه من أجل استعادة وطنه المغتصب".
                  وأعلن كيالي أن سورية سترد على أي عدوان صهيوني بكل ما تملك من قوة، وقال: "إن أحداً لا يستطيع أن يحدد منع الانفجار أو أن يمنع اشتعال منطقة الشرق الأوسط بأسرها" في حال تجدد القتال بين سورية وإسرائيل.
                  - الوكالة السورية للأنباء، أوردت نبأ يفيد أن هناك تنسيقاً كاملاً بين المخابرات الأمريكية والمخابرات الإسرائيلية لقمع أعمال الفدائيين الفلسطينيين داخل الأرض المحتلة، وأضافت الوكالة تقول: إن رجال المخابرات الإسرائيلية وحرس الحدود الإسرائيلي تسلموا بطاقات خاصة تخولهم دخول الأراضي الأردنية لمسافة ثلاثة كيلومترات لتتبع الفدائيين، وبالمقابل تسلم رجال المخابرات الأردنية بطاقات إسرائيلية مماثلة تخولهم دخول الأرض المحتلة لمسافة ثلاثة كيلومترات للغرض نفسه.
                  - جريدة المحرر البيروتية، نشرت تصريحاً أدلى به وزير الإعلام السوري محمد الزعبي جاء فيه: ".. إن المعركة ليست معركة قطرية، وإنما هي معركة الشعب العربي كله، وستجعل هذه المعركة لقاء القوى القومية والتقدمية أمراً محتماً ولا بد أن تعجل هذه اللقاءات في الوحدة".
                  - الدكتور عدنان الباجه جي استدعى سفراء بريطانية وفرنسا والاتحاد السوفياتي والقائم بأعمال السفارة الأمريكية في بغداد، وبحث معهم الحشود والتهديدات الإسرائيلية ضد سورية، وأبلغهم أن العراق "لن يقف مكتوف الأيدي في وجه أي اعتداء على سورية وأنه سيساهم مساهمة فعالة في رد مثل هذا العدوان".
                  - وكالة أنباء (نوفوستي) السوفياتية الرسمية قالت:
                  "إن الاتحاد السوفياتي أعلن عن استعداده لتقديم المساعدة الضرورية للجمهورية السورية التي تدافع عن استقلالها وحقها في البناء السلمي لمجتمع مزدهر".
                  الأربعاء 17/5/1969
                  - جريدتا (البعث) و(الثورة) الدمشقيتان قالتا:"إنهما قد علمتا أن القوات المسلحة في الجمهورية العربية السورية أصبحت في كامل استعدادها تدعمها قوات الجيش الشعبي التي احتلت مكانها وفق المخططات الدفاعية.
                  - خلال زيارة لبعض وحدات الجبهة (الجولان) قام بها رئيس وزراء سوريا (الدكتور يوسف زعين) و(اللواء أحمد سويداني) رئيس أركان الجيش، و(العقيد أحمد المير) قائد الجبهة (الجولان)، ألقى الزعين كلمة في الضباط قال فيها:
                  "... إن بعض أنظمة الحكم العربية، تتظاهر بأنها تساند قضية الشعب العربي في فلسطين، ولكن المعركة كفيلة بكشف كل الحقائق". وأضاف:"إن شعار لقاء التقدمية من خلال المعركة قد ثبتت أصالته". وأكد أن المعركة "لن تنتهي في شهر أو شهرين بل يجب أن تمضي إلى نهاية الشوط حتى تصبح الأرض العربية حرة في كل مكان".
                  - جريدة (أزفستيا) السوفياتية قالت: "إن اليمين في إسرائيل يريد الزحف على دمشق". وأضافت: "أن الدوائر المتطرفة في إسرائيل تستمر في سياسة إثارة الصدام مع الأقطار العربية المجاورة". وقالت: "إن إسرائيل تسير على طريق العدوان لتدفع ثمن المعونات الأمريكية السخية".
                  الخميس 18/5/1967

                  تعليق


                  • #10
                    الدكتور إبراهيم ماخوس، أدلى بتصريح إلى وكالة الأنباء العربية السورية عقب عودته من زيارة للقاهرة استغرقت ثلاثين ساعة اجتمع خلالها بجمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وعدد من القادة الكبار في ج.ع.م وقد جاء في التصريح:
                    "... إن زيارتي للقاهرة كانت لوضع اللمسات الأخيرة على الوضع السياسي العربي والدولي". "... إن مخططات الرجعية والاستعمار والصحف الصفراء التي دأبت على التشكيك بلقاء القوى التقدمية قد دحرت". ".. إن سحب قوات الطوارئ بالشكل الذي تم به يبرهن على أن لا شيء يقف في طريق الثورة، وأن تشكيك الرجعية حول وجود هذه القوات قد رد إلى نحرها".
                    وهاجم الملك فيصل بن عبد العزيز آل السعود ملك السعودية والحسين بن طلال ملك الأردن بأقوال لا يليق أن نذكرها، ويمكن للراغب الرجوع إليها في المجلدين الرابع والخامس من اليوميات الفلسطينية ص460. إصدار مركز الأبحاث –منظمة التحرير الفلسطينية –بيروت.
                    - المشير عبد الله السلال رئيس الجمهورية اليمنية، أعلن في تصريح له لوكالة أنباء الشرق الأوسط، أن:"الجمهورية العربية اليمنية شعباً وحكومة تقف بكل إمكانياتها وطاقاتها بجانب سورية الشقيقة ضد مؤامرة الاستعمار والرجعية والصهيونية".
                    الجمعة 19/5/1967
                    - الرائد محمد إبراهيم العلي قائد الجيش الشعبي في سورية، أكد أن عشرات الألوف من جنود الجيش أصبحوا في حالة تأهب واستعداد تام للقتال.
                    السبت 20/5/1967
                    - الدكتور إبراهيم ماخوس، صرح لجريدة أخبار اليوم:
                    "أن جميع مطارات سورية مفتوحة للطيران المصري، وأن كل ما يقرره العسكريون سينفذ في الحال ولا دخل للسياسيين في ذلك. ولتثق إسرائيل ومن يشفقون على إسرائيل أنها ستواجه ضربات مصرية –سورية من جميع الجهات".
                    - محمد الزعبي وزير الإعلام السوري، أدلى بتصريح إلى وكالة أنباء الشرق الأوسط قال فيه:
                    "إن أهم الدلالات التي يشير إليها الوضع الراهن في المنطقة هي:
                    1- لقد أثبتت الوقفة الجبارة للقوى الثورية والتقدمية العربية، أن قوة دولة العصابات.. ليست إلا أقل من نمر من الورق الهش القميء المهترئ.
                    2- هناك علاقة جدلية بين المناخ الثوري ولقاء القوى التقدمية بحيث يتعزز كل منهما بالآخر يدفع به ويندفع معه.
                    3- هناك علاقة أخرى مضادة بين قوى الاستعمار والصهيونية والرجعية العربية.
                    4- أن رفع شعار حرب التحرير الشعبية، وتبني الجماهير له، ومباشرة العمل الفدائي واتباع سياسة ضرب مواقع العدوان داخل الأرض المحتلة.. أسقط القناع عن وجه دولة العصابات الجبان، وكشف تفوقها المزعوم.
                    5- لم يعد بإمكان إسرائيل أن تشك بحق أبناء فلسطين في العمل الفدائي داخل أرضهم المحتلة..
                    إن إسرائيل اليوم محصورة بين فكي الكماشة: الجيوش العربية المستنفرة من جهة، وأعمال الفدائيين من جهة أخرى، وهيهات لها أن تفلت من تلك الكماشة".
                    الاثنين 22/5/1967
                    - الدكتور نور الدين الأتاسي رئيس الدولة السورية: ألقى في حفل افتتاح الدورة الطارئة للمجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب في دمشق، خطاباً قال فيه: "إن سورية و ج.ع.م اتخذتا ما يلزم، لا لإحباط المؤامرات الاستعمارية والرجعية والعدوان الصهيوني فحسب، بل ولخوض معركة تحرير فلسطين عند أول تحرك عدواني".. وجاء في خطابه: "أن أصوات التهديدات الإسرائيلية قد خفتت بعد أن أصبحت إسرائيل بين فكي ج.ع.م وسورية".
                    - ثم حمل حملة عنيفة على الملك فيصل والملك حسين، واتهمهما بالتآمر لاستغلال الشعور الديني و... إلخ. (انظر التفاصيل في ص 474 من المرجع نفسه).
                    - جريدة (برافدا) السوفياتية: "... إن هناك مؤامرة جديدة تعدها الأمبريالية الأمريكية وإسرائيل والرجعية العربية لضرب نظام الحكم التقدمي في سورية".
                    الثلاثاء 23/5/1967
                    - الدكتور يوسف زعين واللواء أحمد سويداني وصلا فجأة إلى القاهرة. قال زعين: "ليس هناك أي داع للحديث، فنحن قادمون من أجل الحرب".
                    - العقيد أحمد المير، قائد الجبهة السورية: صرح بأن الجبهة أصبحت معبأة بشكل لم يسبق له مثيل من قبل. وقال: "إن العرب لم يهزموا في معركة 1948 على أيدي الإسرائيليين، بل من قبل حكامنا الخونة، وهذه المرة لن نسمح لهم أن يفعلوا ذلك"
                    - على أثر حادث انفجار لغم في سيارة في مركز الرمثا الأردني على الحدود الأردنية، الذي نتج عنه مقتل 15 شخصاً وإصابة 26 آخرين بجروح، تأزمت العلاقات بين سوريا والأردن، وأمرت السلطات الأردنية سفير سوريا ونائب قنصلها بمغادرة الأردن (36).
                    - محمد الزعبي وزير الإعلام السوري صرح لوكالة أنباء الشرق الأوسط: "... إن الحكومة العميلة في عمان إنما افتعلت هذا الحادث لتبرير قطع العلاقات، ولأن الملك حسين بحاجة دائماً لأن يعمل في الظلام، وخاصة في هذه الأيام، لينفذ مخططات الاستخبارات الأنجلو – أميركية، دون رقيب أو حسيب".
                    - القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي، أصدرت في دمشق بياناً دعت فيه: "جميع التقدميين والمنظمات الشعبية" في الوطن العربي إلى: "الانقضاض ساعة الصفر على الجيوب الرجعية والاستعمارية وإلى تدمير قواعد الاستعمار واحتكاراته النفطية وخطوط مواصلاته وتموينه أينما وجدت".
                    - الحكومة السوفياتية أصدرت بياناً أعلنت فيه دعمها للدول العربية. جاء في البيان: "إن من يغامر بشن عدوان في الشرق الأدنى سوف يجابه لا بالقوة الموحدة للشعوب العربية فحسب بل وبالمقاومة الحازمة من قبل الاتحاد السوفياتي والدول المحبة للسلام".
                    الخميس 25/5/1967
                    - الدكتور نور الدين الأتاسي، تحدث إلى أعضاء المجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمل العرب الذين زاروه بعد انتهاء مؤتمرهم الطارئ في دمشق قال محذراً: "إن الأحداث تصاعدت بشكل ينذر بحرب شاملة في الشرق الأوسط، وأن الشعب السوري مصمم على خوض معركة الثأر من المستعمرين والمستغلين، ومعركة الثأر للجماهير الكادحة التي عانت كثيراً من الاستعمار والاستغلال".
                    الجمعة 26/5/1967
                    - إذاعة دمشق أذاعت تعليقاً سياسياً قالت فيه: "إن سورية ترفض اقتراح الجنرال شارل ديغول، بعقد مؤتمر ذروة للدول الأربع الكبرى، إذ أن العرب لم يعودوا يقبلون وصاية أي كان على الشرق الأوسط".
                    - إذاعة بغداد أعلنت أن وحدات عسكرية عراقية من المشاة والمدفعية والمدرعات غادرت أربيل في شمال العراق للالتحاق بالقطعات العراقية الرئيسية التي تتحرك نحو الجبهة السورية مع إسرائيل.
                    السبت 27/5/1967
                    - وكالة "اسوشيتدبرس" قالت إنه لم يعلن رسمياً حتى الآن في دمشق عن تحركات القوات العراقية".
                    الأحد 28/5/1967
                    - اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري، وجهت رسالة إلى جميع الأحزاب الشيوعية في العالم تلفت فيها نظرها "إلى الوضع المتوتر الذي يحيط بسورية ويشعل منطقة الشرق الأوسط بأسرها". وأضافت: "أن منشأ هذا الوضع هو أن الإمبريالية الأمريكية تنظر بعين الغضب والحقد إلى نظام الحكم التقدمي في سورية.. وقد فشلت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في مساعيها لقلب الأوضاع في سورية عن طريق الرجعية الداخلية فأخذت تلجأ إلى أساليب الضغط والعدوان على سورية من الخارج". وأهابت الرسالة "بالرفاق الشيوعيين" أن يمدوا لشعب سورية يد التضامن لإحباط العدوان الإسرائيلي الذي يسيره ويوجهه الاستعمار الأمريكي.
                    - التوقيع على اتفاق تنسيق العمل بين الجيشين السوري والعراقي تم في دمشق. وقد وقع الاتفاق عن الجانب العراقي العميد محمود عريم، ووقعه عن الجانب السوري اللواء عادل شيخ أمين (37).
                    - صرح وزير الإعلام السوري، محمد الزعبي: بأن قوات من الجيش العراقي قد دخلت الأراضي السورية واتخذت مواقعها المحددة(38).
                    الاثنين 29/5/1967
                    - وصل فجأة إلى موسكو الدكتور نور الدين الأتاسي رئيس الدولة السورية مع وفد يضم الدكتور إبراهيم ماخوس، ومحمد الزعبي. وأجرى الوفد مباحثات مع المسؤولين هناك ...
                    - في اجتماع طارئ لاتحاد المحامين العرب، عقد في دمشق، ألقى يوسف زعين رئيس الحكومة السورية كلمة في جلسة الافتتاح قال فيها:
                    "إن انحناء إسرائيل أمام الرد العربي الحاسم الآن، يجب أن لا يفسر بأنه انتصار نهائي عليها، فهو ليس إلا بداية الطريق لتحرير فلسطين، وتدمير إسرائيل... وإن الظروف اليوم هي أفضل من أي وقت مضى لخوض معركة المصير العربي".
                    وقال: "إن الشعوب العربية ستحاسب كل من يتخاذل عن الواجب". وقال: "إن المسيرة إلى فلسطين، هي المسيرة إلى إسقاط الرجعية العربية والاستعمار والصهيونية إلى الأبد".
                    ثم أشاد باستعداد سورية لخوض المعركة.
                    - وكالة الأنباء العربية السورية كشفت النقاب عن أن سفير الولايات المتحدة في دمشق، قدم مذكرة شفوية تتعلق بالوضع الراهن في الشرق الأوسط إلى الدكتور إبراهيم ماخوس. علم أن المذكرة تضمنت النقاط التالية:
                    1- أن حدة التوتر بين الدول العربية وإسرائيل ارتفعت في الفترة الأخيرة.
                    2- أن الولايات المتحدة لا تعتقد بوجود نوايا عدوانية لدى إسرائيل.
                    3- أن الحكومة الأمريكية تشعر بقلق خاص تجاه ما أسمته أعمال الإرهاب (العمل الفدائي الفلسطيني) وتعتبرها مغايرة لاتفاقات الهدنة.
                    4- أن الحكومة الأمريكية قلقة من انسحاب قوات الطوارئ الدولية وتعمل على إعادة وجود الأمم المتحدة على خط الهدنة بين ج.ع.م وإسرائيل بأية صورة من الصور.
                    5- الحكومة الأمريكية تعتقد بأن حشد القوات يزيد من حدة التوتر.
                    6- الحكومة الأمريكية تتمسك "بحرية المرور في خليج العقبة للسفن الإسرائيلية وسفن جميع الدول الأخرى".
                    7- الحكومة الأمريكية تؤكد عزمها على التدخل بالمقاومة الشديدة لكل اعتداء في المنطقة.
                    الدكتور ماخوس رد على المذكرة الأمريكية فوراً مؤكداً انحياز أمريكا إلى جانب إسرائيل وموضحاً النقاط التالية:
                    1- ليس للولايات المتحدة ما يميزها عن غيرها من الدول الأعضاء حسب ميثاق الأمم المتحدة ولا تملك حق التدخل في شؤون المنطقة أو فرض وصايتها عليها.
                    2- لم يرتفع التوتر خلال الأيام القليلة الماضية فقط، وإنما لازم المنطقة العربية عند فرض الاحتلال الإسرائيلي. ووزارة الخارجية السورية تؤكد النوايا العدوانية لإسرائيل، وتهديدات المسؤولين الإسرائيليين أبلغ دليل على ذلك.
                    3- تؤكد سورية أنها ليست مسؤولة عما يقوم به الشعب الفلسطيني لاسترداد حقوقه طبقاً لحق تقرير المصير، كما أن هذا الشعب ليس طرفاً في اتفاقيات الهدنة.
                    4- الحكومة السورية تؤكد حق ج.ع.م في سحب قوات الطوارئ الدولية وفي ممارستها لسيادتها على خليج العقبة.
                    الثلاثاء 30/5/1967
                    - الدكتور نور الدين الأتاسي والوفد المرافق له عادوا من موسكو بعد انتهاء زيارته لها.
                    - محمد الزعبي وزير الإعلام السوري صرح بأن الاتحاد السوفياتي أكد تأييده "للخط الثوري التقدمي" الذي تنتهجه سورية. كما أكد وقوفه "بحزم ضد أي عمل عدواني قد يتعرض له الشعب العربي من جانب إسرائيل ومن وراءها" ووصف محادثات الوفد مع المسؤولين السوفيات بأنها "صريحة" وقال: "إن الدكتور الأتاسي أكد للزعماء السوفيات أن التهديدات والحشود العدوانية الصهيونية ليست إلا جزءاً من مخطط استعماري عام لضرب حركة التحرير في الشرق الأوسط".
                    الجمعة 2 حزيران 1967
                    - إذاعة بغداد قالت إن قوة كبيرة من المشاة توجهت بالقطارات من أربيل في شمال العراق إلى حيث تأخذ مواقعها في الجبهة. كذلك فعلت وحدة الآليات التي وصفت بأنها على درجة عالية من التدريب في القتال السريع، وأنها مزودة بآليات ثقيلة حديثة.
                    - ناطق إسرائيلي عسكري زعم أن جنديين إسرائيليين وجندياً سورياً قتلوا في اشتباك بين دورية إسرائيلية وفريق من الفدائيين على بعد كيلو متر واحد من الحدود السورية.
                    - البريجادير جنرال حاييم هيرتسوج: كتب في الملحق الأسبوعي في جريدة " جيروساليم بوست" محللاً وضع الجيشين المصري والسوري، وقد جاء في هذا المقال: "...أما الجيش السوري البالغ عدده 65 ألفاً، فهو ضئيل جداً بالنسبة لمساحة سوريا. وأضاف أن الانقلابات التي تعاني منها سورية وينتج عنها تغيير دائم في صفوف الضباط وترفيعات مفاجئة لا تستند على أساس الخبرة بل على أساس الانتماء السياسي، كل هذا أضعف الجيش السوري كثيراً".
                    السبت 3 حزيران 1967
                    - مصدر رسمي سوري صرح بأنه تم وضع الترتيبات الكفيلة بحماية مدينة دمشق من جميع الأخطار. وتم دهن مصابيح السيارات ومصابيح الساحات العامة باللون الأزرق الداكن تنفيذاً لتعليمات مديرية الدفاع المدني. وأعلن المجلس البلدي في دمشق أنه قرر التبرع بمبلع 200 ألف ليرة سورية للجيش السوري، وقرر أعضاء هيئة التدريس في جامعة دمشق التبرع بنسبة 10 بالمئة من مرتباتهم للجيش.
                    - الجنرال ييغال آلون، وزير العمل الإسرائيلي، قال في اجتماع الليلة البارحة: إن تحقيق ثلاثة أمور سيجنب المنطقة الحرب وهذه هي: إعادة فتح خليج العقبة، وتخفيض القوات المحتشدة على الحدود، والتعهد بوقف أعمال التخريب.
                    - الميجر جنرال موشيه ديان وزير الدفاع الإسرائيلي عقد مؤتمراً صحفياً اليوم قال فيه: "إنه قد فات الوقت لردة فعل عسكرية(39) فورية على إغلاق ج.ع.م لمناطق تيران"...
                    ... إذا حاول أحد تحقيق حرية المرور من مضائق تيران بالوسائل الدبلوماسية فليعط الفرصة لذلك...
                    ... إذا وقع صدام فسيكون غالي الثمن..
                    .. أن الدول العربية لديها من الجيوش والأعتدة أكثر بكثير مما لدى إسرائيل ولكن الأمر يعتمد كثيراً على مكان المعركة. مثل ذلك أنه سيكون من الصعب جداً على الجيش الإسرائيلي بعدده الحالي أن يذهب للقتال في بغداد أو القاهرة، وآمل أن يكون صعباً جداً عليهم بأعدادهم المتفوقة أن يهاجموا تل أبيب، لأن عليهم أن يسيروا من قواعدهم إلى إسرائيل.
                    الأحد 4 حزيران 1067
                    - القيادتان القطرية والقومية لحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم في سوريا بحثتا في اجتماع مشترك اليوم تقريراً مفصلاً عن نتائج مباحثات الدكتور إبراهيم ماخوس وزير الخارجية ونائب رئيس الحكومة في رومة وباريس والجزائر وكان ماخوس قد عاد من رحلته الرسمية لتلك البلدان.
                    وذكرت الأنباء أن اللاجئين السوريين في العراق طلبوا من حكومتهم السماح لهم بالعودة لاستغلال كفاءاتهم في المعركة.
                    ب- فترة الحرب
                    الاثنين 5 حزيران 1967:
                    - راديو القاهرة قطع إذاعته حوالي الساعة 9،50 بتوقيت القاهرة(40) ليعلن أن قوات إسرائيل بدأت تهاجم ج.ع.م..
                    - راديو دمشق قطع برامجه العادية ليعلن أن إسرائيل هاجمت ج.ع.م صباح اليوم. وهذا أهم ما صدر عن هذا الراديو.
                    - بلاغ صادر من وزير الداخلية يطلب من جميع عناصر الدفاع المدني الالتحاق بمراكزهم.
                    - نداء إلى الشعب أعلن "بدء معركة التحرير الشعبية، حيث سيكون اللقاء في قلب تل أبيب". وقال: "سحقاً للصهاينة وسحقاً لأمريكا".
                    - دعا الراديو القوات السورية إلى "مسح إسرائيل عن الخريطة".
                    - أعلن أن أفراد الجيش الشعبي تسلموا أسلحتهم الكاملة ونزلوا إلى الشوارع واتخذوا مواقعهم المحددة لهم في دمشق والمدن والقرى السورية.
                    - قال راديو دمشق إن القيادتين السورية والمصرية على اتصال دائم.
                    - أذاع الراديو بلاغاً من القائد الأعلى للقوات السورية المسلحة في الساعة 12 ظهراً بتوقيت دمشق(41)، أعلن فيه دخول القوات السورية المعركة إلى جانب مصر وقال: إن الطائرات السورية "بدأت قصف مدن العدو ومواقعه ومنشآته". ومضى يقول: "إن سورية تلتحم مع العدو الآن.. ولن تتراجع قبل إبادة الوجود الصهيوني إبادة كاملة".
                    - أذاع الراديو بياناً إلى الإسرائيليين باللغتين العربية والعبرية طلب فيه منهم أن يستمعوا إلى الإذاعات العربية وينتظروا الأوامر والتعليمات منها.
                    - شركة الأنباء الإقليمية ذكرت في نبأ من دمشق أن أصوات المدافع المضادة للطائرات دوت في المدينة أثناء غارة شنتها الطائرات الإسرائيلية على المدينة.
                    - الأتاسي أعلن أن بلاده قررت أن تكون المعركة الحالية معركة التحرير النهائية لفلسطين في إذاعة موجهة إلى الشعب: "لقد دقت ساعة النصر على أعداء العروبة، وقد حفر الصهاينة الغزاة المتآمرون مع الاستعمار العالمي قبورهم بأيديهم عندما أغاروا اليوم على ج.ع.م". وقال: "أن الهجوم الإسرائيلي لم يتم إلا بتخطيط من الاستعار العالمي الذي جعل من إسرائيل أداة للتنفيذ". وقال: "لقد ألقى الشعب العربي بثقله في المعركة الفاصلة ووضع الجيش السوري كل قواه الضاربة في لهيب المعركة وأن نسورنا البواسل يدمرون منشآت العدو ومدنه وهم في طريقهم لتحرير الأرض المغتصبة".
                    وأما البلاغات التي أصدرتها سورية فقد كانت كما يلي وحسب الترتيب:
                    1- قامت طائراتنا بقصف شديد لمطارات العدو في المنطقة الشمالية وقد دمرت القسم الأكبر من المجهود الجوي للعدو. وقد شوهدت الطائرات العدوة وهي تحترق على الأرض. وعادت طائراتنا إلى قواعدها سالمة.
                    2- أن طائراتنا الآن تقصف مطارات العدو ومواقعه(42) الاستراتيجية وأرتاله البرية وقد اختفى طيران العدو من أرض المعركة. وقد اندلعت النار في مصفاة البترول في حيفا بعد أن ضربتها طائراتنا.
                    3- تسللت طائرات معادية في أراضينا وقامت طائراتنا الساهرة على حماية الجو بالتعرض لها فاشتبكت معها وأسقطت ثلاث طائرات إسرائيلية سقطت اثنتان منها فوق الأردن ولم تصب طائراتنا بأذى.
                    4- حاول العدو أن يقوم بغارة جوية داخل أرضنا فتصدت له طائراتنا وجرى اشتباك جوي سقطت نتيجة له طائرة ميراج معادية.
                    5- حاول طيران العدو ضرب مطار المزة فتصدت له مدفعيتنا المضادة للطائرات وأسقطت طائرة ميراج معادية. هذا وقد شوهدت طائرة معادية تحترق وهي متجهة باتجاه الديماس (ميسلون) غربي دمشق وقد سقطت الطائرة في الجبال.
                    6- اشتبكت مدفعيتنا المضادة للطائرات مع ثماني طائرات إسرائيلية وأسقطت اثنتين منها وأسر أحد الطيارين الإسرائيليين.
                    7- نتيجة اشتباك جوي بين طائراتنا وطيران العدو أسقطت طائرتا ميراج في الأراضي اللبنانية وأسر طيار إسرائيلي(43).
                    8- نتيجة مهاجمة طيران العدو لأحد مطاراتنا أسقط طيراننا الباسل ثلاث طائرات ميراج للعدو وأسر طيار إسرائيلي وهو رهن التحقيق.
                    9- على كافة الإخوة المواطنين إلقاء القبض فوراً على أي طيار معاد يسقط في أرضنا وإرساله حياً إلى أقرب مركز للجيش أو الشرطة.
                    10- نتيجة مهاجمة طيران العدو لأحد مطاراتنا أسقطت مدفعيتنا المضادة للطائرات طائرة ميراج إسرائيلية.
                    11- هاجمت طائرات العدو أحد مطاراتنا وحطمت مدفعيتنا المضادة طائرتي ميراج.
                    12- هاجم طيران العدو مواقعنا في الجبهة فأسقطت مدفعيتنا المضادة للطيران طائرة ميراج للعدو قرب خسفين.
                    13- حاولت طائرات العدو قصف إحدى قواعدنا الجوية فأسقطت للعدو ثلاث طائرات وهكذا أصبح عدد الطائرات المعادية التي أسقطت فوق هذه القاعدة 6 طائرات.
                    14- نتيجة للاشتباكات الجوية التي جرت فوق أرضنا، أسقطنا للعدو 30 طائرة، هذا عدا عن الطائرات التي أسقطها سلاحنا الجوي ضمن أراضي العدو. يضاف إلى ذلك ما دمره سلاحنا الجوي أثناء الغارات التي قام بها فجأة على مطارات العدو الشمالية بكاملها منزلاً بها تدميراً محققاً.
                    15- هاجمت طائرات العدو مواقعنا في الجبهة، فتصدت لها مدفعيتنا المضادة وأسقطت للعدو طائرتين فوق تل يوسف.
                    16- هاجمت طائرات العدو أحد مطاراتنا فتصدت لها مدفعيتنا المضادة وأسقطت ثلاث طائرات ميراج.
                    17- هاجمت طائرات العدو أحد مطاراتنا وتصدت لها مدفعيتنا المضادة وأسقطت طائرتي ميراج.
                    18- هاجمت طائرات العدو أحد مطارتنا، فتصدت لها مدفعيتنا المضادة للطائرات وأسقطت طائرة ميراج.
                    19- هاجمت طائرات العدو أحد مطاراتنا فتصدت لها مدفعيتنا المضادة وأسقطت طائرة ميراج أخرى.
                    20- تحاول طائرات العدو بدون جدوى عرقلة قواعدنا الجوية، وقد أسقطت الآن طائرة ميراج فوق أحد مطاراتنا.
                    21- عدد الطائرات الإسرائيلية التي أسقطت في الأراضي السورية خلال الاشتباكات التي جرت فوق الأراضي السورية وبواسطة المدفعية المضادة للطائرات بلغ حتى الآن (الساعة الخامسة بعد الظهر بتوقيت عمان وبيروت) 50 طائرة.. وقال ناطق عسكري أن هذا الرقم لا يشمل الطائرات المعادية التي دمرت في إسرائيل نفسها نتيجة الاشتباكات الجوية بعد ضرب المطارات الإسرائيلية.
                    22- حاوت طائرات العدو الهجوم على بعض القواعد الجوية فتصدت لها مدفعيتنا وأسقطت منها طائرتين.
                    23- أسقطت طائرة معادية قرب إحدى القواعد العسكرية السورية وذلك أثناء اشتباك جوي مع العدو.
                    24- هاجمت طائرات العدو إحدى القواعد الجوية السورية فتصدت لها القوات السورية وأسقطت إحدى الطائرات المعادية. وقال مصدر عسكري سوري أنه بلغ عدد الطائرات التي أسقطها سلاح الطيران السوري للعدو 54 طائرة.
                    25- عثر على الطائرات الميراج الثلاثة التي أسقطتها سورية فوق الأراضي اللبنانية قرب بلدة راشيا.

                    تعليق


                    • #11
                      - التلفزيون السوري والإذاعة أجريا مقابلة مع طيار إسرائيلي أسر، اسمه: إبراهام زيلان، رتبته ملازم أول، من مواليد 1945، فلسطيني. وقد جاء في المقابلة قوله:"... إن الأهداف التي كلف بضربها في سورية هي مطار الضمير ودمشق فقط..".
                      - هبطت طائرة سورية اضطرارياً على ساحل الرشيدية قرب صور لنفاد وقودها. وكان يقودها الملازم الأول الطيار غسان إسماعيل، وعمره 28سنة. وكانت هذه الطائرة تقوم بغارة على حيفا ثم نفد وقودها فاضطرت إلى الهبوط على الساحل اللبناني.
                      - أذاع راديو إسرائيل:
                      "... إن طائرات عربية هاجمت بلدة ناتانيا الساحلية".
                      "... إن طائرتين سوريتين من نوع ميج أسقطتا في منطقة بلدة أرمجدون القديمة". وقال البلاغ: "إن ثلاث طائرات سورية اشتركت في العملية".
                      الثلاثاء 6 حزيران 1967
                      البلاغات العسكرية السورية:
                      1- هاجمت صباح اليوم أربع طائرات معادية مواقعنا في الجبهة وتم إسقاط طائرتين منها.
                      2- في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة من فجر يوم السادس من حزيران (يونيو) لعام 1967، بدأت قواتنا بالاشتباك مع العدو وقصف مواقعه على طول الخطوط الأمامية، وأن هذه الاشتباكات التي تجري اليوم هي منطلق لبدء عملية التحرير.
                      التوقيع: وزير الدفاع.
                      3- في الساعة التاسعة والربع أسقطت مدفعيتنا المضادة ثلاث طائرات إسرائيلية فوق القنيطرة وذلك أثناء تصديها لغارة جوية معادية.
                      4- احتلت قواتنا الزاحفة مستعمرة شرياشوف شمال سهل الحولة وقد تكبد العدو فيها خسائر كبيرة وتجري حالياً معركة حامية مع قوات معادية تقاوم تقدم قواتنا داخل الأرض المحتلة.
                      5- في الساعة السادسة عشرة أسقطت مدفعيتنا المضادة في منطقة الجبهة إحدى طائرات العدو وشوهد الطيار يقفز بالمظلة في سهل الحولة داخل الأرض المحتلة.
                      6- في الساعة السابعة عشرة والدقيقة 32 حاولت بعض طائرات العدو الإغارة على مواقعنا في الجبهة ولكنها ردت على أعقابها بعد أن أسقطت منها قاذفة قنابل من طراز (فوتور).
                      7- قام طيران العدو بعد ظهر أمس بقصف الرقابة الدولية في منطقة البطيحة ثلاث مرات متوالية، وقد قدمت هيئة الرقابة احتجاجاً على ذلك. إن الذين قصفوا المنطقة، إما إسرائيليون تعمدوا الاعتداء على هيئة الأمم المتحدة، أو أنهم طيارون غرباء عن المنطقة وذلك يشكل دليلاً آخر على العدوان الاستعماري الغاشم.
                      - بيان سوري رسمي تكلم عن:"أبعاد المؤامرة الإنجلو –أمريكية الصهيونية على الحق العربي" فقال:
                      "... أظهرت المعلومات التي وردت من جزيرة قبرص في أول حزيران، أن الطائرات البريطانية في قاعدة أكروتيري كانت في حالة تأهب وحركة دائمة. وكذلك لوحظت حركة شديدة للسيارات العسكرية في قاعدة أكروتيري وديكيليه. وكانت هذه السيارات العسكرية من القاعدتين البريطانيتين، تقوم بنقل القنابل والصواريخ من المخازن تحت الأرض إلى المطار، وأكثرها صواريخ بطول مترين.
                      كما أثبتت المعلومات أن حوالي 3000 جندي بريطاني بكامل عتادهم الحربي قد غادروا قاعدة أكروتيري إلى المنطقة المحتلة من فلسطين بتاريخ 28 آيار الماضي. وكذلك أثبتت المعلومات الموثوقة أنه بتاريخ 27 أيار الماضي وصل إلى القواعد البريطانية في قبرص قائد الأسطول السادس الأمريكي بطريق الجو وبصورة سرية للغاية، واجتمع فور وصوله بقائد القواعد البريطانية في الجزيرة.
                      وقال البيان السوري: "إن الأسلحة التي ترسلها أمريكا وبريطانيا عن طريق البحر تنتقل إلى إسرائيل في صناديق رسمت عليها إشارة الصليب الأحمر تمويهاً وتضليلاً كي لا يجري تفتيشها... وإمعاناً في التضليل يجري نقل هذه الصناديق بواسطة بواخر تجارية غير أمريكية أو بريطانية".
                      وقال البيان: "إنه تم التقاط اتصال لاسلكي للعدو يطلب تدخل قوات أجنبية من حاملات الطائرات الموجودة في شرق البحر الأبيض المتوسط لمساعدته في عملياته الجوية ضد العرب... وقال: إن الطيار الإسرائيلي إبراهام زيلان الذي أسرته القوات السورية، اعترف أن 17 طائرة من قاذفات القنابل الإنجليزية وصلت مع طياريها قبل العدوان إلى المنطقة المحتلة من فلسطين واشتركت بضرب الأهداف داخل ج.م.ع وسورية. وعلم أن حاملة طائرات بريطانية تحركت إلى أحد المرافئ الإسرائيلية من قبرص صباح الثلاثاء مع أربع قطع حزبية بريطانية"(44).
                      - الدكتور إبراهيم ماخوس جمع رؤساء البعثات الديبلوماسية في سورية باستثناء سفيري أمريكا وبريطانيا وشرح لهم الوضع الراهن، وكان من جملة ما قاله ماخوس:
                      "... إن دولاً صديقة عديدة نصحت الدول العربية بأن لا يبدأ العرب العدوان، كما أن كثيرين من السفراء وعلى رأسهم السفير الأمريكي أكدوا أن إسرائيل لا تنوي العدوان. وأن العرب قبلوا النصيحة، إلا أن الشعب العربي دفع الثمن باهظاً..".
                      "... ولو أننا بدأنا الهجوم لسحقنا العدوان وأنهينا العملية في يوم واحد.. ولكننا فوجئنا أمس بهجوم شامل على جميع المطارات في البلاد العربية بكثافة لا يمكن معها أن تكون إسرائيل وحدها في المعركة". وقال: "لقد أسقطنا أمس أكثر من 150 طائرة وكان الطيران الإسرائيلي مستمراً وكأننا لم نسقط طائرة واحدة. إلخ".
                      - الميجر جنرال حاييم هيرتسوج، المتحدث العسكري الإسرائيلي، والقائد السابق للاستخبارات الإسرائيلية قال: "إن لمصر 350 طائرة على الجبهة، ولسورية مائة طائرة خسرت منها 50 طائرة في اليوم الأول للقتال.."
                      - قال تقرير إسرائيلي: "إن طائرات سورية قد قصفت عدة أهداف داخل إسرائيل منها بعض القرى والمطارات الحربية في وسط وشمالي إسرائيل.."
                      - وقال بلاغ إسرائيلي آخر: إن القوات الإسرائيلية ردت قوة آلية مدعومة بالمدفعية حاولت التقدم إلى تل دان (تل القاضي) من الجبهة السورية.
                      - ادعى بلاغ إسرائيلي: أن إسرائيل أصبحت سيدة الجو في الشرق الأوسط وأن القوة الجوية العربية الضاربة قد أبيدت.
                      - وقالت المصادر الإسرائيلية: إن قواتها الجوية والبرية كانت تقصف المواقع الجبلية السورية طوال النهار بينما كانت المواقع السورية تقصف المستعمرات الإسرائيلية في الجليل. وقالت هذه المصادر أن القصف من الطرفين كان متواصلاً على طول الجبهة من دان في الشمال إلى بحيرة طبريا في الجنوب.
                      الأربعاء 7 حزيران 1967
                      البلاغات العسكرية السورية:
                      1- في الساعة 8،47 أسقطنا للعدو طائرتين من طراز ميراج أثناء اشتباك فوق منطقة القنيطرة. قفز أحد الطيارين الأعداء بالمظلة قرب خان أرينبة وأسر.
                      2- اشتركت القوات الجوية البريطانية هذا اليوم بشكل فعال بقصف مواقعنا الأمامية محاولة بذلك القيام بالمهمة التي فشل طيران إسرائيل بالقيام بها بعد أن أسقطنا للعدو معظم طائراته التي حلقت في أجوائنا.
                      إننا نؤكد أن الغارات التي جرت اليوم على مواقعنا الأمامية قد قامت بها طائرات من نوع كامبيرا، وهي قاذفة إنجليزية معروفة، وبهذه المناسبة، لقد أسفر الاستعمار عن وجهه بكل لؤم وغدر، فإننا نطمئن الإخوة المواطنين إلى أن المعارك تسير لصالحنا وأن تشكيلاتنا العسكرية تكيل للعدو ضربات قاسية في كل مكان(45).
                      3- في الساعة 11،20 حاولت طائرات معادية الإغارة على مواقعنا الأمامية وتصدت لها مدفعيتنا المضادة للطائرات وكانت النتيجة إسقاط قاذفتين من نوع فوتور سقطت الأولى في بستان الرمان وشوهدت الثانية تسقط باتجاه جبال الجليل وهي تحترق.
                      4- تستمر الاشتباكات والمعارك مع العدو على طول الجبهة العربية السورية منذ أن بدأت قواتنا باقتحام مواقع العدو في الأرض المحتلة وحاول العدو طيلة هذا اليوم إعادة تجميع قواته في بعض نقاط الجبهة للاقتراب من خطوط قواتنا ولكن قواتنا لم تمكنه من ذلك واستمرت في الاشتباك معه كما قصفته مدفعيتنا الميدانية وخصوصاً في مناطق تجمعه، ونتيجة لذلك تكبد العدو الخسائر التالية:
                      آ- دمرنا أربع دبابات وثلاث ناقلات جنود ومدرعة في القطاع الشمالي من الجبهة وأحدثت مدفعيتنا خسائر جسيمة في تجمعات العدو.
                      ب- دمرنا سرية مشاة وخمس دبابات في هاغوشريم.
                      جـ- دمرنا كافة تحصينات مستعمرة تل القصر (بيت كاتسير) وأسكتنا الأسلحة الموجودة فيها ولا زالت النيران تشتعل في هذا الموقع.
                      5- في تمام الساعة 16،30 تصدت طائراتنا المقاتلة لسرب معاد من الطائرات القاذفة الثقيلة واشتبكت معه في معركة جوية حامية فوق منطقة الشيخ مسكين. تمكن طيارونا البواسل من إسقاط ثلاث طائرات للعدو هوت وتحطمت في منطقة أزرع ونوى وطفس. وعادت طائراتنا إلى قواعدها سالمة.
                      هذا وقد بلغ مجموع الطائرات التي أسقطناها للعدو منذ صباح اليوم خمس قاذفات قنابل وطائرتين مقاتلتين.
                      6- تستمر قواتنا الباسلة في تدمير العدو على طول الجبهة، وتدور الآن رحى معركة عنيفة أمام تل العزيزيات وقد دمرنا للعدو حتى الآن قاعدة للصواريخ المضادة للدبابات وسريتين من مدافع الهاون وعدداً من الآليات المدرعة وتم تدمير بعض الجسور مقابل تل العزيزيات ولا يزال القتال مستمراً(46).
                      7- في حوالي الساعة 12،20 أبادت مدفعيتنا المضادة للطائرات طائرة إسرائيلية فوق المنطقة الجنوبية وسقطت شظايا الطائرة وتناثرت فوق بعض قرى محافظة درعا.
                      8- تم إسقاط طائرة معادية في الساعة 19،25 من مساء هذا اليوم فوق الجاعونة في القطاع الأوسط في الجبهة أثناء اشتباك مع مدفعيتنا المضادة للطائرات.
                      9- أسقطنا الآن طائرة معادية فوق الصنمين بواسطة المدفعية المضادة للطائرات وقذف الطيار بنفسه بالمظلة من الطائرة وتحركت فوراً مفرزة خفيفة من إحدى نقاطنا العسكرية للقبض عليه.
                      10- في الساعة 9،30 اكتشفت مراصدنا تحركات قوات معادية في القطاع الشمالي من الجبهة أمام تل العزيزيات، وكانت قوات العدو تحاول التجمع وهي من /50/ دبابة تقريباً ومعها وحدات من المدفعية والمشاة، بادرت مدفعية الميدان العربية السورية تساندها أنواع أخرى من الأسلحة إلى قصف هذه التجمعات بعنف وشتتتها وألحقت بها خسائر جسيمة.
                      11- خلال الاشتباكات التي جرت أمس في الجبهة أسرت قواتنا عدداً من جنود العدو بينهم ضابط برتبة ملازم أول.
                      - راديو دمشق اتهم "الاستعماريين الأمريكيين والبريطانيين بالاستمرار في مساعدة إسرائيل لإنقاذها من الدمار".
                      - أعلن الراديو في وقت لاحق استيلاء القوات السورية على سهل الحولة وقال إنها تطارد الإسرائيليين بطريقها إلى الناصرة.
                      وقال أحد المعلقين: إن الجيش السوري بطريقه الآن إلى صفد وعكا بالإضافة إلى الناصرة(47)...
                      الخميس 8 حزيران 1967
                      - راديو دمشق أذاع في الساعة الثالثة من الصباح أنه يتوقع أن تصل القوات السورية إلى صفد لتلتقي بالقوات الأردنية الزاحفة.
                      الراديو أذاع البلاغات العسكرية التالية:
                      1- تشتبك مدفعيتنا المضادة للطائرات الآن في القطاع الشمالي والقطاع الأوسط من الجبهة وتصد طائرات العدو المغيرة على مواقعنا.
                      2- في الساعة 9،50 تصدت مدفعيتنا المضادة لغارات العدو التي هاجمت مواقعنا، فأسقطت ثلاث طائرات اثنتان منها في القطاع الأوسط، تفجرت الأولى في الجو وهوت الثانية محترقة إلى الأرض، وأسقطت الثالثة في القطاع الشمالي وبهذا الانتصار على طيران العدو تفتتح مدفعيتنا المضادة، اليوم الرابع من المعركة التي سنخوضها حتى النصر.
                      3- في الساعة 10،10 جرى اشتباك فوق الجبهة أسقطنا على أثره قاذفتي قنابل للعدو، وهكذا أسقط للعدو خمس طائرات خلال نصف الساعة الماضية.
                      4- في الساعة 10،55 تم إسقاط طائرة إسرائيلية بمدفعيتنا المضادة للطائرات في القطاع الشمالي من الجبهة وقد هوت الطائرة باتجاه مواقع العدو وانفجرت قرب النبي يوشع.
                      5- جرى اشتباك جوي في الساعة 11،00 وتم إسقاط طائرة معادية انفجرت على السفح الشرقي من جبل الشيخ. وقد دمرنا للعدو خلال الساعات المنصرمة سبع طائرات.
                      6- أسقطنا للعدو طائرة في الساعة 11،45 وقعت في دغانيا.
                      7- أسقطنا للعدو في الساعة 14،30 طائرتين فوق الجبهة سقطت الأولى في الخالصة والثانية في هافرشيريم. بلغ عدد الطائرات التي دمرناها للعدو حتى الساعة 14،00 من هذا اليوم عشر طائرات.
                      8- في الساعة 14،30 أسقطنا طائرة معادية في ناؤوت مردخاي.
                      9- أسقطنا للعدو طائرتين في الساعة 15،00 إحداهما من طراز كانبيرا والثانية من طراز فوتور وذلك فوق منطقة الجليل الشمالي. ومجموع خسائر العدو حتى الآن 13 طائرة.
                      10- أسقطت مدفعيتنا المضادة للطائرات الساعة 16،50 طائرة معادية فوق القطاع الأوسط من الجبهة.
                      11- في الساعة 17،20 أسقطنا للعدو طائرتين وقعتا في بحيرة طبريا إلى الغرب من مستعمرة عين غيف. وبهذا نكون قد دمرنا حتى ساعة إذاعة هذا البلاغ 16 طائرة للعدو.
                      12- دمرت قواتنا البرية العاملة في القطاع الشمالي من الجبهة سرية كاملة من مدفعية العدو في مستعمرة ساديا نحاميا كما دمرنا مستودعاً للذخائر.
                      13- أسقطنا للعدو في الساعة 17،45 طائرتين إحداهما من نوع أوراجان والأخرى من نوع ميستير سقطت غرب القلع.
                      14- شوهدت في الساعة 20،40 تجمعات معادية من المدرعات والمشاة أمام القطاع الأوسط من الجبهة، بين يسود هامعالا وكعوش فقصفتها مدفعيتنا بشدة وأوقعت فيها خسائر فادحة.
                      - راديو دمشق أعلن أن سورية لن توقف القتال، وستواصل الحرب ضد إسرائيل وقال: "إن الحرب لا زالت في بدايتها، وسوف تستمر، والنصر لمن يصمد ولمن يرمي في المعركة كل يوم قوى جديدة.. إن أسلوب الحرب الصاعقة لفرض الهدنة لن يكتب له النجاح، وإن الغلبة في النهاية ستكون للحق العربي".
                      - بلاغ صدر عن السلطة العسكرية العليا في لبنان مساء هذا اليوم، قال: إن مواقع الجبهة العربية الشمالية في منطقة الجليل الأعلى توالي منذ الساعة العاشرة صباحاً قصف مستعمرة هاغوشريم والمستعمرات المحيطة بها. وقال البلاغ: إن العدو يقوم بغارات متواصلة محاولاً إسكات هذه المواقع إلا أن المدفعية اللبنانية والسورية المضادة للطائرات تصدت لها وجعلت طائرات العدو تفر بعد إخفاقها في تحقيق أهدافها. وأضاف البيان يقول: إن المدفعية السورية تواصل قصفها بقوة، محرقة هذه المستعمرات بنيرانها.
                      - متحدث رسمي إسرائيلي أعلن في مؤتمر صحفي وفي معرض حديثه عن أوضاع القوات الإسرائيلية مقابل القوات العربية "... أما على الجبهة السورية فإن معظم القوات السورية تنسحب الآن باتجاه دمشق، ويواصل الطيران الإسرائيلي قصف القوات المنسحبة حسب تقارير إسرائيلية غير رسمية.
                      أما التقارير الرسمية فقالت إن المدفعية السورية واصلت قصف المستعمرات الإسرائيلية في سهل الحولة اليوم. وقد نفى الناطق الإسرائيلي أن تكون القوات الإسرائيلية قد دخلت الأراضي السورية.
                      - أبا إيبان وزير خارجية إسرائيل قال أن القتال سيستمر إلى أن يحذو العراق وسورية حذو الأردن و ج.ع.م في الموافقة على وقف إطلاق النار. وأبلغ إيبان المجلس(48) أن إسرائيل لا تزال مشتركة في قتال عنيف مع القوات السورية.
                      الجمعة 9 حزيران 1969
                      راديو دمشق أذاع في الساعة الرابعة والدقيقة العشرين بعد الظهر بالتوقيت المحلي(49)، أن سورية وافقت على وقف إطلاق النار شريطة التزام الجانب الآخر بوقف القتال. وقال: "إن الجمهورية العربية السورية، تقديراً منها للظرف الراهن أبلغت الأمين العام للأمم المتحدة أنها قررت قبول دعوة مجلس الأمن إلى وقف إطلاق النار شريطة التزام الجانب الآخر بوقف إطلاق النار"(50).
                      وأذاعت القيادة العسكرية السورية البلاغات التالية:
                      1- بالرغم من أن قواتنا توقفت عن إطلاق النار حسب قرار مجلس الأمن، فقد بدأ العدو في الساعة 9،15 من صباح يوم السبت يشن هجوماً على مواقعنا الأمامية مستخدماً نيران المدفعية والدبابات، وكذلك قامت عدة تشكيلات معادية باختراق الأجواء السورية وقصفت مواقعنا في الجبهة ولكن قواتنا الباسلة تصدت للعدو وأسقطت طائرة ميراج معادية في الداخل وتقوم الآن قواتنا الصامدة بالرد على هجوم العدو بنيران غزيرة تقصف مستعمراته وتجمعاته.
                      2- القوات السورية دمرت طابورين للعدو عندما حاولا التقدم تجاه المواقع السورية، الطابور الأول حاول التقدم من موقع أم جنزير تجاه البحر(51) إلا أنه دمر. أما الطابور الثاني فقد حاول التقدم من تل قصر (بيت كاتسير) تجاه الناصرية (التوافيق) إلا أنه دمر أيضاً، وقامت المدفعية السورية بضرب مواقع مدفعية العدو.
                      3- القوات السورية دمرت طلائع العدو و9 دبابات شمال الجبهة. كما دمرت كافة دبابات العدو التي حاولت التسرب في القطاع الأوسط. وقد أسقطنا طائرة للعدو في بحيرة طبرية. ويقاتل جنودنا ببسالة خارقة ومعنويات عالية.
                      4- القوات السورية دمرت 13 دبابة للعدو شمال الجبهة، وأسقطت طائرة ثالثة فوق منطقة الكسوة.
                      5- الساعة 4،30(52)- إن القتال ما زال مستمراً على الخطوط الأمامية وأن القوات السورية تقاتل ببسالة نادرة وتكيل للعدو ضربات قاسية وتلحق به خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.
                      6- الساعة 5،10 –المدفعية السورية أسقطت طائرة للعدو حاولت التحليق في سماء دمشق.
                      7- تعرضت مدينة اللاذقية لغارات إسرائيلية جوية وقد ردت طائرات العدو على أعقابها.
                      8- تعرضت بعض المدن السورية لغارات جوية إسرائيلية واسعة النطاق يتراوح عددها بين 600،550 غارة. وتكشف هذه الغارات الأبعاد الكاملة للعدوان الاستعماري –الصهيوني بغية النيل من معنويات الشعب السوري ولكن النصر يكون دائماً في النهاية للشعوب.
                      9- على الرغم من تقيد سورية بقرار مجلس الأمن الدولي بوقف إطلاق النار، فإن العدو استمر منذ الصباح في شن هجمات بالمدفعية والدبابات ولكن القوات السورية تصدت له وكبدته خسائر فادحة وأوقفت تقدمه. وفي القطاع الشمالي من الجبهة تسللت قوات معادية من الدبابات فنشبت معركة شديدة وضارية(53) وعززت قواتنا بوحدات مدرعة ودبابات(54) وقد تمكنت قواتنا من احتلال مواقع دفاعية في القطاع الشمالي(55). وعلى الرغم من كثافة التغطية الجوية لقوات العدو الإسرائيلي فقد أسقطت قواتنا أربع طائرات معادية في الجبهة.

                      تعليق


                      • #12
                        - الدكتور نور الدين الأتاسي، وجه كلمة من راديو دمشق، جاء فيها: "... إننا نواجه اليوم أكبر مؤامرة دنيئة خسيسة في العالم الحديث، وأن الخطة تستهدف بعد كل المؤامرات المتلاحقة إلغاء مكاسب شعبنا مرة واحدة وإعادة وطننا إلى منطقة النفوذ الاستعماري الجائر على غرار القرن التاسع عشر...
                        .... وكما يكافح شعب فيتنام وكما كافح الجزائريون، سنحول الدنيا إلى جحيم الغزاة وسننتصر(56)".(انظر النص كاملاً في اليوميات الفلسطينية، المجلدان الرابع والخامس من 1/7/66 إلى 30/6/67).
                        - القيادتان القطرية والقومية لحزب البعث، قررتا الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين (كيما تتيح لهم جميعاً أن يسهموا في شرف الدفاع عن وطنهم).
                        - راديو دمشق أذاع أن أحد الطيارين الإسرائيليين اللذين وقعا في يد العراق أمس، صرح بأنه أقلع مع عدد من الطيارين الإسرائيليين الآخرين في طائرة هيلوكوبتر إلى حاملة طائرات أمريكية حيث قادوا الطائرات منها مباشرة واتجهوا إلى سماء المعركة.
                        - إسرائيل أعلنت صباح اليوم أن قواتنا قد بدأت الهجوم على مواقع الجبهة السورية التي كانت تقصف المستعمرات الإسرائيلية في الجليل باستمرار في اليومين الماضيين.
                        وقال بيان إسرائيلي آخر ظهر اليوم إن الهجوم على الجبهة السورية لا زال مستمراً وإن المواقع السورية قامت بقصف المستعمرات في الجليل هذا الصباح. وقال البيان إن المواقع السورية على طول خط الجبهة قامت بقصف متواصل للأراضي الإسرائيلية.
                        وقال إن المدفعية السورية لم تهدأ في قصفها للمواقع الإسرائيلية خلال الأيام القليلة الماضية، وقال أن بعض أهدافها كانت على مسافة بعيدة داخل إسرائيل كبلدة روشبينا وقريات شمونه وهاتسور.
                        وقال أن الطائرات السورية أغارت على مدينة طبريا وأن المشاة السوريين المدعومين بالمدفعية قاموا بعدة غارات على المستعمرات الإسرائيلية.
                        - مجلس الأمن الدولي عقد جلسة طارئة بطلب من سورية التي ناشدت المجلس وقف العدوان الإسرائيلي على أراضيها. وجاء في برقية من وزارة الخارجية السورية:"... إن العدوان الإسرائيلي استمر على الجبهة السورية، التي تتعرض حتى هذه اللحظات لغزو إسرائيلي شامل بجميع صنوف الأسلحة من دبابات ومدافع وطيارات". وقالت البرقية: "إن سورية تحمل مجلس الأمن والضمير العالمي، مسؤولية هذا العدوان المجرم".
                        - الدكتور جورج طعمة مندوب سوريا في مجلس الأمن:
                        "إنه ليس هناك من شك في أن هدف إسرائيل هو غزو شامل لسوريا، وفيما أنا أتكلم اليوم تقوم الطائرات الإسرائيلية دون تمييز بقصف الأهداف العسكرية والمدن والقرى والمدنيين. إن طوابير من الدروع الثقيلة تقضي على كل أثر للحياة والممتلكات ووحشية المعتدين تكاد لا توصف...".
                        أكد الدكتور جورج طعمة بعد 90 دقيقة من توجيه نداء مجلس الأمن بوقف إطلاق النار، قبول سورية مجدداً بوقف إطلاق النار، ولكنه قال: "... إن القوات الإسرائيلية لا زالت مستمرة بالتقدم داخل أراضي بلاده على الرغم من القرار الجديد، وأن الطائرات الإسرائيلية هاجمت دمشق. وأضاف يقول: إنه علم بينما كان المجلس لا يزال مجتمعاً أن القوات الإسرائيلية دخلت الأراضي السورية وأنها تتجمع حول بلدة مسعدة (قيادة القطاع الشمالي).
                        السبت 10 حزيران 1967
                        - بلاغ صادر من راديو دمشق صباح اليوم: "بالرغم من تأكيد إسرائيل لمجلس الأمن الدولي أنها أوقفت القتال فإنها لم تنفذ ما تعهدت به وبدأت قوات العدو صباح اليوم الضرب بكثافة من الجو وبنيران المدفعية والدبابات وما زالت قواتنا تقاتل العدو بكل ضراوة في جميع الجبهات".
                        - الساعة 9،30 أعلن بلاغ عسكري:"أن القوات الإسرائيلية استولت على مدينة القنيطرة بعد قتال عنيف دار منذ الصباح الباكر في منطقة القنيطرة ضمن ظروف غير متكافئة، وكان العدو يغطي سماء المعركة بإمكانات لا تملكها غير دولة كبرى. وقد قذف العدو في المعركة بأعداد كبيرة من الدبابات واستولى على مدينة القنيطرة على الرغم من صمود جنودنا البواسل. إن الجيش لا يزال يخوض معركة قاسية للدفاع عن كل شبر من أرض الوطن كما أن وحدات لم تشترك في القتال بعد قد أخذت مراكزها".
                        راديو دمشق، يردد الشعارات الوطنية، ويدعو إلى الاستبسال، ويقول:"سنقضي على العدو بالسلاح العربي وحده، وبالسلاح العربي وحده ودون الاعتماد على طيران صديق سننتصر(58)".
                        - الساعة 12،05 صدر بلاغ عسكري يقول: "إن قتالاً عنيفاً لا يزال يدور داخل مدينة القنيطرة وعلى مشارفها".
                        وقال البلاغ: "إن القوات السورية ما زالت حتى الآن تقاتل داخل المدينة وعلى مشارفها جنباً إلى جنب مع قوات الجيش الشعبي بكل ضراوة وصمود بحيث لم يتمكن العدو من السيطرة الكاملة على مدينة القنيطرة(59)". وأضاف:"أن القوات السورية دمرت أعداداً كبيرة من دبابات العدو بالقنابل المحرقة".
                        الساعة 12،34 بلاغ عسكري أعلن إسقاط 3 طائرات للعدو فوق دمشق.
                        الساعة 14،02 بلاغ عسكري أعلن إسقاط طائرة معادية شمال غربي دمشق.
                        الساعة 19،50 أي بعد الموعد المحدد لوقف إطلاق النيران، كان راديو دمشق لا يزال يردد نداءات الصمود إلى الجنود السوريين.
                        ثم أعلن وزير الدفاع بعد ذلك بلاغاً أعلن أن طائرات إسرائيلية حاولت التسلل إلى سماء دمشق في الساعة 19،35 أي بعد الموعد المحدد لوقف إطلاق النار بـ(5) دقائق. وقال البلاغ: إن المدفعية المضادة تصدت لها وأسقطت اثنتين وقعتا في التلال الواقعة جنوب الكسوة على بعد 25 كيلومتراً من دمشق.
                        وقال البلاغ أيضاً: إن الطائرات الإسرائيلية التي حلقت فوق مدينة حماة ليلة الجمعة أسقطت منها طائرة في الساعة 7،55 وأنه عثر على حطامها قرب قرية الوراقة التي تبعد مسافة 2 كيلومتر عن مصياف.
                        وقال البلاغ: إن المدفعية المضادة للطائرات أسقطت الساعة 9،30 من الصباح أيضاً قاذفة قنابل من نوع فوتور سقطت في الجبهة قرب تل أبي الندى وقد أسر طيارها.
                        وقال:"وبهذا تكون مدفعيتنا المضادة للطائرات قد أسقطت اليوم 7 طائرات للعدو".
                        - تقارير من تل أبيب تقول إن القتال على الجبهة السورية يبدو قد انتهى.
                        ونفت مصادر إسرائيلية أي نية في التوجه نحو دمشق. وقالت: إن إسرائيل تنوي فقط احتلال تلال الجبهة السورية المحصنة والمزروعة بالمدفعية التي كانت موجهة نحو المستعمرات الإسرائيلية في سهل الجليل.
                        وقالت التقارير: إن المدفعية السورية كانت قد أحدثت خراباً كثيراً وفوضى هائلة في الأراضي الإسرائيلية في اليومين الماضيين.
                        أما عن القتال فقالت تقارير واردة إلى تل أبيب من الجبهة السورية أن القتال في هذه الجبهة كان الأكثر دموية في الحرب كلها.
                        وتقول التقارير: إن القوات الإسرائيلية تسيطر الآن على المرتفعات الهامة على الجبهة بعد أن دخلت مئات من المدرعات من نقطة في القسم الشمالي من الجبهة وهاجمت القوات السورية من الخلف(60) وكانت القاذفات الإسرائيلية قد حاولت إسكات المواقع السورية بدون جدوى(61) وبقيت هذه المواقع تقصف الأهداف داخل إسرائيل حتى صباح اليوم.
                        وتقول التقارير الواردة من الجبهة: إن إسرائيل استعملت عدداً كبيراً من الدبابات التي أسرتها من الجبهة الأردنية في هجومها على سورية.
                        وتقول التقارير: إن السوريين استعملوا ثلاثة ألوية على الجبهة بما فيها المدرعات والمدفعية.
                        - بيير لامبرت مراسل جريدة "صنداي تايمس" البريطانية الأسبوعية، قال: إنه كان في إحدى الدبابات الإسرائيلية التي هاجمت سورية، وأنه شاهد ستة من الأسرى العرب يقودهم الإسرائيليون... وقال المراسل: إن أحد الجنود الذين كانوا يحرسون الأسرى أبلغه "أننا أسرناهم في خندق، كانوا 12 رجلاً وحاربوا كالأسود، وقد قتلنا الستة الآخرين".
                        - مراسل جريدة "جيروزاليم بوست" الحربي، ذكر أن المواقع الأمامية في الجبهة السورية، التي اخترقتها إسرائيل، كانت تحميها وحدات من الحرس القومي(62)، بينما كانت وحدات الجيش تتمركز في المواقع الخلفية في منطقة أعلى من التلال". وقال المراسل: "إن السوريين أبدوا مقاومة عنيفة، وأنهم تخلوا بعد قصف عنيف من المدفعية والطائرات وهجوم بالمدرعات ذي ثلاثة رؤوس تساندها وحدات من المشاة آلية تتقدم من الجنوب".
                        - الدكتور جورج طعمة مندوب سوريا في مجلس الأمن أعلن "أن معركة عنيفة تدور "في هذه اللحظة" بين القوات السورية و "القوات المجرمة" القادمة من تل أبيب والتي تحاول الوصول إلى دمشق في أقرب وقت ممكن..".
                        - أوثانت أبلغ مجلس الأمن أنه تلقى رسالة أخرى من الجنرال أودبول جاء فيها أن رئيس لجنة الهدنة السورية –الإسرائيلية المشتركة قد أعلمه أن هجوماً جوياً على دمشق كان لا يزال مستمراً في الساعة 12،23 من ظهر اليوم بتوقيت دمشق.
                        - أوثانت أبلغ مجلس الأمن أن رئيس لجنة الهدنة السورية –الإسرائيلية المشتركة
                        أكد في الساعة 13،25 على حدوث هجوم جوي في الساعة 9،35 على منطقة مطار دمشق، وهجوم آخر إلى الجنوب من دمشق الساعة 10،55 وهجوم ثالث إلى الشمال والشمال الشرقي من دمشق في الساعة 11،19 وأن كل الضربات كانت موجهة إلى خارج دمشق.
                        - في ساعة متأخرة من ليلة 10-11/6/1967، عاد مجلس الأمن للاجتماع، وقد جاء في تقرير لأوثانت: "... أن فريق طليعة من المراقبين وصل مع ثلاثة ضباط ارتباط سوريين إلى سعسع الواقعة على بعد 40 كيلومتراً من القنيطرة(63) وهناك علموا أن القوات الإسرائيلية احتلت البلدة".

                        وجاء في التقرير، نقلاً عن تقرير الجنرال أودبول "... أن مما يزيد في الصعوبات، توغل القوات المسلحة لأحد الجانبين كثيراً في أراضي الجانب الآخر".
                        وذكر أوثانت أن مراقبي الأمم المتحدة شاهدوا في الساعة 7،47 من مساء اليوم، بتوقيت دمشق، (أي بعد 17 دقيقة من موعد وقف القتال)، طائرات مجهولة الهوية ذات أجنحة على شكل دلتا تهاجم دمشق.
                        حـ- بعد الحرب
                        الأحد 11 حزيران 1967
                        - وزير الدفاع السوري أصدر بلاغاً جاء فيه: "... خلال المعارك القاسية التي جرت بين قواتنا الباسلة وقوات العدوان الاستعماري الثلاثي، حاول العدو اختراق خطوط دفاعنا الأولى أكثر من مرة، بكل ما يملك من أسلحة وطيران متفوق، وكانت قواتنا تصد تلك الهجمات المتكررة وتقصف مواقع العدو منزلة بها الدمار".
                        "... لقد قاتل جنودنا الأشاوس بضراوة نادرة، وصمدوا أمام تفوق العدو الآلي وغارات طيرانه الكثيف المتلاحق دون انقطاع الذي تأكد بشكل قاطع أنه لدول العدوان الثلاثي وليس لإسرائيل فقط".
                        "... لقد دافع جنودنا الأشاوس عن كل قطعة من أرض الوطن ببسالة منذ بدأ العدوان، ولكن القوى غير المتكافئة بيننا وبين العدو الثلاثي وخاصة الطيران الغزير(64)، مكن العدو من اختراق خط دفاعنا الأول في القطاع الشمالي في محاولة لتطويق قواتنا. ولقد قاومت قطعاتنا هذه الخطة بوعي وأحبطتها، ولم تمكن العدو من تنفيذ خطته, وقاتل جنودنا قوات العدوان الثلاثي المتفوقة ببسالة لم يشهد لها مثيل، وهم يتمركزون الآن في خط الدفاع الثاني متحفزين لاستعادة كل شبر من أرض الوطن(65).
                        - ناطق عسكري إسرائيلي قال اليوم إن القوات الإسرائيلية قد استولت على منطقة واسعة من الأراضي السورية خلف الجبهة.
                        - مجلس الأمن الدولي عقد اجتماعاً ليلياً بناء على دعوة مستعجلة من سورية التي قالت إن القوات الإسرائيلية لا زالت تتقدم في سورية.
                        - الدكتور جورج طعمة مندوب سورية قال: إن القوات الإسرائيلية تحركت إلى الشرق والجنوب من رافد (صوابها رفيد) وقال إن هدفها كان الاستيلاء على منابع اليرموك.
                        - نفت إسرائيل الشكوى وقالت إن تحركات الآليات تمت في نطاق خطوط وقف إطلاق النار وليس وراءها (لقد حددت إسرائيل خط وقف القتال على هواها).
                        - استمع المجلس إلى تقرير من الجنرال أودبول، جاء فيه "... أن دبابات إسرائيلية شوهدت تتحرك إلى الشرق ثم إلى الجنوب من قرية الجوخدار التي تقع إلى الجنوب الغربي من رافد(رفيد).
                        وقال الجنرال أودبول أيضاً:"... إن إسرائيل قد أسرت عدداً من ضباط الاتصال السوريين، ولكنها قالت فيما بعد إن ستة من هؤلاء الأسرى قد أعيدوا إلى سورية".
                        أندرو ويلسون المراسل الحربي لجريدة "الأوبزرفر" كتب يصف الحرب، في مقال طويل جاء فيه: "... إن النصر الإسرائيلي كان النصر المخطط الأكثر دقة منذ اجتياح جنود هتلر لفرنسا عام 1940، وقال إن الإسرائيليين اعتمدوا في ذلك على أن القوات العربية ليست تحت قيادة موحدة، وأن الأحداث أكدت صحة هذا الاعتقاد".
                        وقال:"... وعلى الجبهة الشمالية مع سورية، تحققت نبوءة المخططين الإسرائيليين، وكانت عمليات القوات السورية محدودة جداً، فلم يقم السوريون بأية عمليات جدية، لمساعدة المصريين في الخروج من المأزق الذي وقعوا فيه، وانحصرت مساعيهم في هجومات محلية على مستعمرتي حدود إسرائيليتين".
                        الاثنين 12 حزيران 1967
                        - جريدة "الثورة السورية":".. كان يمكن أن تكون نتائج المعركة أعظم بكثير لو توافر تنسيق أوسع للاستراتيجية العربية ورافق ذلك توزيع أدق للقوات".
                        "... كان من المفروض أن تعمل في الصحراء قوى خفيفة وسريعة الحركة مهمتها الضرب والانسحاب، على أن يركز العمل الهجومي من الحدود الأردنية وتبقى المهمة الرئيسية في الصحراء وعلى الجبهة السورية هي الدفاع وإشغال العدو".
                        "... أن الوطن العربي كله يجب أن يتحول إلى ثكنة مدربة بأقصى سرعة.."
                        "... أن القتال الذي دار في القنيطرة بين القوات السورية المعززة بقوات الجيش الشعبي وبين القوات الإسرائيلية، يفوق قتال ستالينجراد وبورسعيد"(66). ووصفت ذلك القتال جريدتا البعث والثورة، بأنه أشرف قتال عرفه التاريخ الحديث.
                        - إسرائيل منعت الدخول إلى منطقة المرتفعات السورية (الجولان) إلا بإذن خاص. وقال ناطق بلسان الجيش الإسرائيلي إن من يدخل المنطقة يعرض حياته للخطر لأنها زرعت بالألغام.
                        الثلاثاء 13 حزيران 1967
                        - جريدة الثورة السورية الناطقة بلسان الحكومة البعثية قالت:"... إن أهم نصر حصل عليه العرب في حربهم مع إسرائيل، هو تلك الاندفاعة الثورية التي امتدت من المحيط إلى الخليج"(67).
                        الأربعاء 14 حزيران 1967
                        - الدكتور نور الدين الأتاسي رئيس الدولة السورية، أذاع بياناً باسم القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم دعا فيه إلى "... استئصال الوجود السياسي والاقتصادي لبريطانيا والولايات المتحدة والدول الأخرى التي ساندت إسرائيل في العالم العربي". وجاء في البيان: "... وقد استجابت سورية للقرار بعد وقف القتال في سيناء –يقصد قرار وقف إطلاق النيران –نتيجة لذات الظروف القاسية". وقال: "إنه اتضح بما لا يقبل الشك أن الطيران الأمريكي والبريطاني دخل المعركة مع الطيران الإسرائيلي ضد سورية".
                        البريجادير صموئيل إيال، رئيس دائرة أسرى الحرب في الجيش الإسرائيلي، قال: إن إسرائيل تأمل تبادل 5499 أسيراً عربياً مقابل 16 جندياً إسرائيلياً أسروا خلال الحرب الأخيرة.
                        وادعى أن في المعسكرات الإسرائيلية 4،500 أسير مصري و487 أردني و333 سوري بالإضافة إلى 179 من الأسرى الجرحى الذين يعالجون في المستشفيات الإسرائيلية. وادعى أيضاً أن بين الأسرى المصريين 300 ضابط بينهم تسعة برتبة جنرال. أما عن الأسرى الإسرائيليين فقال إن تسعة منهم في أيدي المصريين واثنان في كل من العراق وسورية والأردن وواحد في لبنان.
                        الاثنين 19 حزيران 1967
                        باتريك بروجان، مراسل جريدة "التايمس" البريطانية، زار مع مجموعة من الإسرائيليين مرتفعات الجولان السورية التي احتلتها إسرائيل وقال: إن الإسرائيليين تغلبوا على خطوط الدفاع السورية التي تبدو غير قابلة للاختراق، بالدوران حولها، وأخذها من الخلف، وقال إنهم استخدموا الطريق التي كان الجميع يظن أنه لا يمكن اجتيازها، وهي الوادي الضيق الذي يمر شرقاً من مستعمرة دان(68) الذي يمر فيه نهر بانياس وقال أن الوادي لم يكن محمياً إلا من قبل لواء واحد وقليل من المدفعية وقد اجتاحها الإسرائيليون خلال الليل ثم استولوا على مواقع المدفعية على مهل.
                        السبت 24 حزيران 1967
                        محمد الزعبي وزير الإعلام السوري، صرح في مؤتمر صحفي رفض سورية للصلح مع إسرائيل، وقال: "... إن سورية خسرت في المعركة 20 ضابطاً و125 جندياً. وقد جرح 98 ضابطاً و500 جندي بالإضافة إلى 300 جندي من المدنيين والعسكريين أصيبوا بحروق من قنابل النابالم.
                        وأضاف أن حوالي 45 ألف سوري نزحوا عن المنطقة المحتلة. أما عن الأسرى فقال إنه لا يمكن إحصاؤهم لأن إسرائيل ما زالت تعتقل المواطنين.
                        وقال إن الجيش السوري صمد ثلاثة أيام حين هاجمته إسرائيل، إلى أن صدرت له الأوامر بالانسحاب حين رأت القيادة أن خطة إسرائيل كانت تطويق قطعات الجيش السوري(69)".
                        الجمعة 30 حزيران 1967
                        البريجادير جنرال مردخاي هود، قائد سلاح الطيران الإسرائيلي، قال في حديث له عن أعمال الطيران الإسرائيلي ضد الطيران العربي:"... إن ثلثي سلاح الطيران السوري دمر خلال ساعة واحدة... وعندئذ انتقل الثلث الباقي إلى مطارات تقع خارج نطاق القتال".
                        -2-
                        لمحات متنوعة من صور الجريمة
                        1- سبق أن أشرنا في فصل سابق إلى موضوع الملاغم... ولقد ثبت لدينا أن الملاغم هذه لم تنسف، ولو أنها نسفت لكان اليوم للجولان وضع آخر... لأن نسفها كفيل بإيقاف العدو عن التقدم ساعات طويلة.. قد تكون وقتها كافية ليستعيد القادة المخلصون أنفاسهم –إن وجدوا- ويستجمعوا قواهم، ويتخلصوا من عناصر الخيانة..ويسيطروا هم على قوات الجبهة.. فيديروا من جديد، قتالاً صحيحاً ضارياً... ربما كانت له آثار كبرى، في إحباط الصفقة المعقودة بين إسرائيل وحزب البعث... والتي بموجبها بيع الجولان للعدو.
                        2- بعد البطولات التي قام بها سدنة الأسلحة المضادة للطائرات... بدأت المأساة تمتد إليهم أيضاً، فبدأت الذخيرة تصل إليهم مطلية بالشحم، ولهذا أكبر الأثر في تأخير هذه الأسلحة عن تحقيق فعالياتها في الوقت المطلوب.. وذلك بسبب النقص الهائل في سدنة مستودعات الذخيرة، أو بسبب إهمال كبير ارتكبه قسم من إداريي وحدات المدفعية هذه... لأن واجب تنظيف الذخيرة من الشحم وإيصالها نظيفة صالحة إلى المدافع، هو من مسؤولية أجهزة الإدارة في هذه الوحدات.
                        3- في منطقة الجبهة، وفي القطاع الأوسط بين كفرنفاخ، والقنيطرة، توجد مستودعات ضخمة جداً للذخيرة من العيارات والأنواع المختلفة... محفورة في تل خنزير (المرتفع 977)... وهذه المستودعات مخصصة لتزويد وحدات القطاع الأوسط بكاملها وأية قطعات أخرى تلحق على القطاع.. باحتياجها من الذخيرة.
                        ولقد كان مشهد استلام الذخيرة من هذه المستودعات، من أسوأ صور الإهمال والفوضى... فلقد تزاحم مندوبو الوحدات لاستلام احتياجها من الذخائر... بينما لم يوجد في هذه المستودعات من المسؤولين عن التسليم سوى مساعدين(70) اثنين... وهذا ما سبب تأخيراً في وصول الذخيرة إلى المدفعية والمدفعية المضادة للطائرات.. كان له أثر كبير السوء في معنويات تلك الوحدات... وسرعة تدخلها ضد قوات العدو وطيرانه.
                        4- في ألوية الاحتياط، التي حشدت للزج بها في المعركة... والتي كلفت الهجوم على أحصن منطقة دفاعية في إسرائيل كلها، "منطقة الجليل، حتى صفد- الناصرة". في هذه الألوية كان أكثر من 90% من ضباط وحدات هذه الألوية، من غير المدربين مطلقاً على المهمات التي أوكلت إليهم..
                        فهناك ضباط احتياطون لم يدربوا على أكثر من قيادة فصيلة مشاة، عبئوا في وظائف رؤساء عمليات كتائب(71)، ورؤساء أقسام عمليات في قيادات الألوية. وهناك ضباط كلفوا قيادة وحدات الهاون أو المدفعية مع أن تدريبهم في كلية ضباط الاحتياط، كان على أعمال المشاة، أو كان منهم من درب –منذ عشر أو خمس عشرة سنة، على الهاون القديم –الإفرنسي- ثم جيء به ليقود قتال وحدات هاون أو مدفعية من النوع الروسي حديث الصنع. ومن الضباط من كلف قيادة وحدات المدفعية م/ط
                        5- لم تلجأ القيادة –رغم تهدد البلاد بالحرب- إلى إعلان التعبئة العامة، وخاضت الحرب –المسرحية- بقوات هزيلة مهلهلة... وباحتياط ضعيف غير مدرب وسيء التعبئة،..اعتمدت في تعبئته المقاييس الطائفية والطبقية. ووضعت هذه القوات في مقدمة الميدان.. بينما تركت الوحدات والعسكريين (الموثوقين)، والمأمون جانبهم، في داخل البلاد، لتبقى قوة ضاربة بيد الحزب، يضرب بها أي تحرك قد يصدر من الشعب، لإزاحته وتطهير الأرض من مفاسده....
                        ولو أجرينا مقارنة بسيطة في وقفة قصيرة... بين الحزب الحاكم في سوريا.. وحكام إسرائيل، لبدا لنا واضحاً... البون المخيف في مفهوم الغيرة على البلاد، وإعطاء أمنها المحل الأول.. قبل مصلحة وأمن الحزب أو الحاكم.

                        تعليق


                        • #13
                          فعلى الرغم من العداوة المستعرة بين ليفي أشكول –رئيس وزراء إسرائيل تلك الأيام-، وبين موشى دايان... فلقد كلف هذا الأخير، مهام وزارة الدفاع، وأعطي الصلاحيات الكاملة لقيادة الحرب ضد العرب..، أي وضع موشي دايان –وقت الحاجة إليه- في موضعه الذي منه يستطيع أن يقدم أفضل خدمة لدولته وشعبه.
                          أما الحزب.. فقد أبعد –حتى أيام الحرب- أهل الاختصاص والخبرة، وأصحاب المصلحة الحقيقية في الحفاظ على تراب البلاد وصون أمنها، وشردوا ولوحقوا... وسجنوا، وحوكموا، وصدرت بحقهم أحكام شتى...
                          كل ذلك.. لصون أمن الحزب، وسلامة الحكام... على حساب أمن البلاد.. وسلامة أرضها وأهلها.
                          6- وأسوأ من ذلك.. ورغم دعوة الاحتياط بالشكل السيء الذي شرحناه.. ورغم وضعه مشلولاً في مواجهة عدو مدرب خير تدريب، ويملك أحدث وأفتك الأسلحة... رغم كل ذلك، فقد كانت القيادة الحزبية الحاكمة، تمارس أبشع صور عدم الثقة بهذا الشعب، والخوف من أبنائه، فلم توزع الأسلحة والذخائر على الألوية الاحتياط المكلفة تنفيذ الهجوم على إسرائيل... إلا قريباً من قواعد الانطلاق... في منطقة وادي حواء، وسنابر، والجمرك... أي قريباً من العدو (1-2) كيلومتراً وحين أصبحت تحت رحمة طيرانه وضمن مدى رماياته بالمدفعية –وحتى الهاون-.
                          وليت الأمر وقف عند هذا الحد... بل قامت قيادة الحزب "المناضل"، بتطويق هذه الألوية بواسطة كتائب الدبابات، الجاهزة للتدخل ضدها –لا ضد العدو-، خوفاً من تحرك مفاجئ، قد تقوم به هذه الألوية أو جزء منها لـ:"ضرب الثورة وإعادة حركة التاريخ إلى الوراء(72)".
                          ولما حان وقت تسلم العدو للأرض التي باعه إياها الحزب الحاكم... عادت كتائب الدبابات هذه.. لتحمي "الثورة" وتركت ألوية الاحتياط –فريسة سهلة- أمام العدو، فكانت إحدى صور الكارثة.
                          7- وحتى أوامر الانسحاب (المزعومة)... فلم تصدر بشكل رسمي، ولم تبلغ بصورتها العسكرية الصحيحة إلى الوحدات... وإنما تم إبلاغها بصورة هامسة إلى الضباط الحزبيين, من القادة الكبار للتوجه إلى دمشق، وحضور اجتماعات حزبية.. الذين ما عتموا أن أداروا ظهورهم إلى وحداتهم، وولوا دبرهم للعدو... واتخذوا وجهة الهروب إلى دمشق... ومنها إلى حمص.. لأن قيادة الحزب كانت قد عملت حسابها أن دمشق ستسقط بيد العدو الإسرائيلي.
                          وأما الوحدات... وخاصة الأمامية أو المعزولة، أو المطوقة..، فلم تبلغ شيئاً من أوامر الانسحاب هذه.. ومكث أكثرها في أماكنهم حتى جاء يوم الجمعة 9حزيران... فوجدوا أنفسهم وقد أصبحوا معزولين عن باقي الوحدات... وأخذت أجهزة الهاتف تمارس البكم القاتل... وشعر الذين بقوا حتى ذاك التاريخ.. أنهم قد أصبحوا مثل بقايا قافلة.. تخلى عنها قادتها وحادوها وأدلاؤها... بعد أن تسللوا ليلاً إلى واحات مجاورة... وتركوها مشتتة في مواجهة الإعصار المحرق.. فابتدأ الهروب الكبير... بالشكل الذي شرحناه.
                          8- والحديث عن الهجمات المعاكسة... حديث ذو شجون.. يجرح القلب، ويشحن النفس بالآلام المزمنة...
                          الهجوم المعاكس.. أو سلسلة الهجمات المعاكسة التي كان مقرراً تنفيذها، لسد الخرق، ورد العدو واستعادة السيطرة على الأرض.. تلك السلسلة من الأعمال التي سبق أن قررت ودربت عليها الوحدات.. سلسلة الهجمات المعاكسة تلك.. بقيت حلماً في مخيلة أمثالي من الذين يشكل الجيش والجولان جزءاً عزيزاً من حياتهم... وبقيت صوراً باهتة عن فرضيات رسمها قادة سابقون.. ولكنها لم تنفذ على الأرض حقائق حية تبرز حيوية هذا الشعب المعطلة.. وتشكل وفاء لدين كبير في عنق الجيش... يؤديه راضياً مختاراً... إلى الشعب الذي وثق به وضحى من أجله بلقمة العيش، وخبز اليوم.
                          الهجمات المعاكسة... تلك الأعمال القتالية التي تمثل أعنف صور الإصرار على الاحتفاظ بالأرض ورد المهاجم إلى حيث جاء غازياً غريباً..، لم ينفذ منها شيء.. وإليك يا أخي.. الخفايا الغريبة التي تتعلق بموضوعها.
                          إنك لو عدت معي إلى صفحات سابقة... لوجدت أنني قد شرحت أن من جملة ما تضمنته خطة عمليات الجبهة والجيش... سلسلة من الهجمات المعاكسة... تنفذها الوحدات ابتداء من سرايا النسق الثاني من كتائب النسق الأول، المحتلة للموضع الدفاعي الأول... ومروراً باحتياطات الألوية فاحتياطات قيادة الجبهة... وانتهاءً باحتياطي الجيش..
                          ولكن... هل نفذ منها شيء...
                          إن الحديث عن الهجمات المقررة على مستوى احتياطات كتائب النسق الأول، واحتياطات ألوية النسق الأول، هو ضرب من ضروب العبث، وإضاعة للوقت دون أية فائدة، فلقد بينا أن هذه القوات.. لم تقاتل مطلقاً... ولم تنفذ واجبها الأول في إجراء وإدارة القتال الدفاعي الثابت... بله تنفيذ ما سبق وكلفت به.. من تنفيذ الهجمات المعاكسة.. التي هي مرحلة من أكثر مراحل القتال تعرضاً للأخطار المختلفة... وفي مقدمتها، الالتحام حتى بالسلاح الأبيض.
                          مثل هذا القتال، تنفذه وحدات مدربة، ذات عقيدة تقاتل عنها، وتحمل إصراراً عنيداً على طرد العدو ومنعه من السيطرة على الأرض.. وتدمير قواه... وشل فعالياته.
                          إذن، فالألوية لم تقاتل، ولم تنفذ هجماتها المعاكسة المقررة. وأسوأ من ذلك... قيادة الجبهة.
                          إن أسئلة ضخمة... تتجمع الآن، لتطلق في وجه المجرمين الذين كانوا يقودون الجبهة.
                          - ماذا فعلت بالقوات التي سبق لها أن سحبتها من مواضع القتال المتقدمة... بحجة إخلاء الأرض لألوية الهجوم "على صفد"... ، لاحتلال قواعد انطلاقها؟
                          - ماذا فعلت قيادة الجبهة... هذه، بالألوية التي ألحقت على الجبهة.. وفي مقدمتها لواء السويداء... وكتائب الصواريخ... وكتائب المدفعية الطويلة /122/ مم، وكتائب الهندسة و... و... إلخ؟؟
                          - بل ماذا فعلت تلك القيادة.. بالوحدات التي هي أصلاً من ملاكها.. مثل كتائب مدفعية الهاوتزر(73) "122" مم وكتائب المدفعية الطويلة "122مم" ذات المدى الأقصى الذي يبلغ (21) كيلو متراً.. وكتائب الهاون 120مم وكتيبة الهندسة. وسرية قاذفات اللهب، وكتيبة المغاوير، و...إلخ؟؟.
                          إني لأجد من العبث.. محاولة الاستمرار في هذه التساؤلات.. لأن الجواب واضح مسبقاً.. إذ كيف يمكن لقيادة أن تمارس سيطرتها على تلك القوات الضخمة... في وقت تجد فيها كبار قادتها... قد ولوا دبرهم للعدو... وتركوا تلك الوحدات مشلولة عاجزة؟
                          ... ويبقى الحديث عن قيادة الجيش، واحتياطي الجيش.
                          ولقد سبق أن بينت كذلك.. أن في خطة عمليات الجيش... وفيما يتعلق بالجولان.. هجمات معاكسة تنفذها مجموعة الألوية (29)، والتي تضم الألوية 72 المشاة المحمول، و18 المشاة، و90 الاحتياط، و70 المدرع، و37 المدفعية(74)، بمعاونة كتائب كثيرة من الهندسة، والمدرعات... والمدفعية، والإشارة... وقاذفات اللهب.. وبمعاونة الطيران.
                          مثل هذا الهجوم المعاكس.. سبق أن دربت عليه الوحدات أكثر من مرة... ووضعت فرضياته في صلب خطة عمليات الجيش الخاصة بالجولان... وكان يجب تنفيذه.
                          ولكن ما الذي حدث...؟
                          لست أدري إن كانت القيادة قد حشدت قوات مجموعة الألوية المذكورة، كلها أو قسماً منها، أو أكثر، ولكن الذي وصل إلى علمي يقيناً... أن اللواء السبعين المدرع(75)، كان قد حشد لهذه الغاية وتمركز في حرش بريقة –بير عجم قرب القنيطرة... في وضع الترقب لأداء واجباته.
                          وقبيل الاختراق الإسرائيلي للجبهة، الذي تم ظهر الجمعة 9 حزيران... وفي صباح يوم الجمعة المذكور نفسه أصدر (اللواء) أحمد سويداني.. أمره إلى شعبة العمليات بوجوب تحريك اللواء السبعين وكتائب المدفعية والصواريخ لتنفيذ الهجوم المعاكس باتجاه (القنيطرة- واسط- القلع). ولكن رئيس شعبة العمليات... اللواء عواد باغ، عارض الأمر، وفند خطأه، وأوضح للسويداني أن تحريك اللواء في وضح النهار، وفي أحوال انعدام الحماية الجوية الصديقة لتحركه... وتحت سيطرة العدو الجوية التامة المطلقة... على سماء الحرب... إن تحريك هذا اللواء (وأية وحدات أخرى).. نهاراً، وبصورة مكشوفة... يشكل جريمة كبرى، يكون من نتائجها إحراق وتدمير هذه الوحدات تدميراً تاماً..
                          فتراجع السويداني عن أمره... وأخذ عواد باغ على عاتقه تنفيذ الهجوم المعاكس في أحوال قتالية أفضل.. ولذا... فقد أصدر أمره إلى قائد اللواء السبعين... (العقيد عزت جديد) وقادة كتائب المدفعية والصواريخ بوجوب التحرك ليلة 9-10 حزيران باتجاه (قنيطرة –واسط- القلع)، لتنفيذ الهجوم المعاكس وطرد العدو المتقدم داخل أرض الجبهة.
                          إلا أن العقيد المذكور.. رفض تنفيذ هذا الأمر بحجة أنه ليس له أن يتحرك بدون حماية جوية... عندها ناقشه اللواء عواد باغ بأبسط الأسس القتالية الفنية... وأفهمه أنه جاهل بأبسط قواعد واجبه.. وبين له أن تحركه ليلاً لا يشكل عليه أي خطر.. حتى إذا ما أتم احتلال خط الانتشار المقرر لإجراء الهجوم المعاكس (كل ذلك ليلاً)... وأصبح قريباً من وحدات العدو.. فإنه حين ينبلج الصبح، يستطيع تنفيذ الهجوم المعاكس، والالتحام مع العدو ثم مطاردته... وبذلك يكون قد أصبح في وضع يحميه من ضرب طيران العدو... لأن هذا الأخير لا يجرؤ على الضرب، لصعوبة تمييزه بين وحدات كل من الطرفين، ولارتفاع نسبة احتمال إصابته لوحداته ارتفاعاً كبيراً..
                          .... ولكن صوت العلم والحق والإخلاص الذي علا... أخمدته رياح التآمر والإجرام.. فلجأ العقيد المذكور إلى الاحتماء بوضعه الحزبي.. والتطاول على أفضل شخصية عسكرية بقيت في الجيش حتى اليوم... واتصل مع كل من صلاح جديد، وحافظ الأسد، وأعلمهما بما تم بينه وبين عواد باغ.. وأبلغهما مخاوفه من أن يحاول هذا الأخير إحالته أمام القضاء العسكري... فطمأناه... وبددا مخاوفه وضاعت الجريمة في زحمة الجرائم، التي تلاحقت بصورة تحبس الأنفاس.
                          ثم ماذا فعل اللواء السبعون؟...
                          تحرك في الليل نفسه... ولكن ليس في الاتجاه (قنيطرة –واسط) بل في الاتجاه (قنيطرة –دمشق)، وذلك لإنقاذ دباباته من التدمير بواسطة الطيران... لأن هذا اللواء، هو الوحيد الذي بقي في يد الحزب، أداة فعالة لإزهاق نفوس الأحرار من أبناء الشعب، ووصل إلى دمشق في الليل نفسه... وانتشر في بساتين الغوطة وحدائقها... يخرب المزروعات.. ويدمر المحاصيل.. كل ذلك من أجل "حماية الثورة".
                          وأما كتائب المدفعية الصاروخية... فقد دمرت، وفر سدنتها بعد القادة... وفقد الجيش أحد الأسلحة الفعالة، التي كانت إلى ما قبل لحظة تدميرها من خيرة الاحتياطات.. بيد القيادة العامة، تتدخل بها في أي اتجاه مهدد.
                          9- والاستطلاع... ذلك الفرع الهام من فروع العمل القتالي –والذي تتوقف على درجة إتقان عناصره لواجباتهم... وعلى دقة المعلومات التي يقدمها... نتائج المعارك، وبالتالي نتائج الحروب.
                          وعند الحديث عن الاستطلاع.. نجد أنفسنا مضطرين للعودة إلى الوراء.. عدة سنوات... لنكشف للقارئ، جانباً آخر من جوانب الجريمة التي ارتكبها حزب البعث، منذ قيام حركتهم التي أسميت /8 آذار/.
                          فمنذ قيام حركة آذار المذكورة، عين في وظيفة رئيس قسم الاستطلاع، لقيادة الجبهة، ضابط احتياطي برتبة ملازم أول(76) اسمه نشأت حبش.
                          ونشأت حبش هذا.. شاب (بعثي)، من قرية جباتا الخشب، وشقيق السيد مروان حبش، عضو القيادة القطرية الحاكمة في سوريا.
                          والاختصاص الأساسي لنشأت الحبش هذا... معلم مدرسة ابتدائية... ثم أتبع دورة كلية ضباط الاحتياط التي تؤهله لقيادة فصيلة مشاة... وسرح بعد انتهاء خدمته العسكرية.. ثم رفع إلى رتبة ملازم فملازم أول احتياط... واستدعي عقب الثامن من آذار، وسلم وظيفة رئيس قسم استطلاع الجبهة، واستمر في هذا العمل كل تلك المدة... حتى يوم تسليم الجبهة في /10 حزيران/ 1967.
                          وبعد هذا الاستطراد الذي كان لا بد منه... نعود إلى عمل الاستطلاع، خلال أيام الحرب...
                          فأما بالنسبة لأقسام استطلاع الألوية... فلم يظهر لها مطلق أثر... وضاع ضباطها وعناصرها في زحمة الفوضى والهرب والانسحابات الكيفية التي وقعت...
                          أما ما سبق وقرر، من خطط استطلاع، وردت في خطط عمليات الألوية (القطاعات)... فهذا حديث أحلام..، ورؤساء الاستطلاع المسؤولون، لم يكونوا يدرون عنها شيئاً... لأن خطط الاستطلاع هذه كانت قد حفظت في مصنفات الوثائق التي خلفها عهدا "الوحدة، والانفصال"..، بينما في عهد الثامن من آذار، لم يعد من ضرورة لمتابعة خطط الاستطلاع، وتحقيقها، وتدريب الوحدات عليها..
                          إن ذلك قد أصبح من آثار العقلية (الرجعية) السابقة. أما أهل الثامن من آذار.. فقد ارتفعوا فوق ذاك المستوى.. إلى مستوى كوهين.. وشركائه الذين كشفوا والذين لم يكشفوا بعد..
                          وأما الاستطلاع في الألوية الاحتياط، التي كلفت الهجوم... ثم الدفاع.. فلست أدري إن كان قد عين في قياداتها ضباط استطلاع.. ليقوموا بهذا الواجب أم لا.. وأغلب الظن أنه لم يعين لها أحد لهذه الوظائف.. وإن كان قد عين لها أحد، فهل يمكن أن يكون خيراً من نشأت حبش.. الذي عين رئيساً لاستطلاع أخطر وأكبر مجموعة قوات، تحمل أخطر وأكبر عبء في البلاد؟؟
                          وأما سرايا استطلاع الألوية... فلم يك وضعها خيراً من وضع باقي القوات، سوى أنها كانت مزودة بناقلات للجند مدرعة (ب.ت. ر)، وكانت هذه الآليات صالحة لنقل سرايا الاستطلاع هذه إلى مناطق أمينة خارج حدود أرض القتال... ففرت مع الفارين، ولكن الطيران المعادي أدركها.. ودمر الآليات.. وأكمل الفارون زحفهم على الأقدام...
                          واستطلاع قيادة الجبهة... كان مشلولاً عاجزاً.. قدم سلسلة من التقارير المشوهة الضعيفة في مستوى صحة معلوماتها... وكان أبرز التقارير التي رفعها إلى القيادة.. تقرير كان تاريخه الجمعة 9حزيران ويفيد بأن العدو قد حشد في مواجهة القطاع الشمالي حوالي 60 دبابة(76) (لنا عودة لهذا الموضوع في صفحات قادمة).
                          أما المعلومات عن: (نوايا العدو –قطاع الخرق المحتمل – الاتجاه الرئيسي المحتمل للهجوم –كثافة(77) قوات العدو –مناطق تجمعه... قاعدة انطلاقه... إلخ) هذه المعلومات التفصيلية الدقيقة، التي من صميم عمل وحدات الاستطلاع، الحصول عليها وتقديمها إلى القائد في الوقت المناسب... فلقد كانت أشياء يجهلها "الحبش" ذاك... ولا غرو... فهو لم يسمع بها كل حياته، فمن أين له أن يناقشها ويحصل عليها ثم يقدمها للقائد؟.
                          وحتى بعد إجراء القتال.. وحين بدأت قوات العدو تدخل أرضنا الطاهرة.. كان من أكبر الواجبات المستمرة على الاستطلاع، أن يحدد بصورة دائمة للقائد، خطوط التماس مع العدو.. وأعماله المستمرة، ثم الكشف عن نواياه للمراحل القادمة من القتال..
                          ولقد كانت القيادة العامة في دمشق جاهلة كل الجهل، كل ما يفيدها عن خطوط التماس مع العدو، وعن أعماله وكانت –وكأنها قيادة جيش آخر يقع في الصين مثلاً- تجهل كل شيء... عن الوضع القتالي القائم في الجبهة.. رغم تحرك بعض القادة إلى مراصدهم المتقدمة... ولكن ذلك لم يفد شيئاً، وبقيت قيادة الجيش في دمشق، تسمع أخبار تحركات العدو، من الإذاعة السورية(78).. كل ذلك بفضل ضباط الاستطلاع (النموذجيين).. أمثال: نشأت حبش في القنيطرة وسهيل الحسن في دمشق.
                          10- ولو عدت معي يا أخي إلى صفحات سابقة، لوجدت أنني كنت ذكرت أن من جملة ما ضمنته خطة العمليات، وضمن نطاق خطة الدفاع م/د، هو عمل قاذفات اللهب الثقيلة، ومفارز السدود المتحركة.
                          فماذا جرى يا ترى...
                          قاذفات اللهب الثقيلة، تركت في أرضها، واستلمها العدو جاهزة ليحولها إلى صدور أبنائنا، ولم توجد الأيدي التي كانت لديها القدرة على ضغط زنادها، لتقذف حمم النيران "النابالم" فتحرق وتدمر دبابات العدو... وخاصة في القطاعين الأوسط والجنوبي.
                          وأما مفارز السدود المتحركة (انظر شرحها في فصل الإعداد المسبق)، فلم تعمل أبداً... وتركت الآليات (ب.ت.ر) في أماكنها ملأى بالألغام الجاهزة، وهرب السائقون، وكان نصيب الآليات أن دمرت بطيران العدو.. أو بقيت سليمة حتى جاءت مفارز جمع الغنائم الإسرائيلية، وأخذتها في جملة ما غنمت من أسلاب.. تركها جيشنا "المظفر".
                          11- أما الوثائق.. فيا حسرتا على الجهود والأموال التي بذلت –مدة العشرين عاماً قبل النكبة- لتجهيزها وتحضيرها.. وضبط أفضل السبل لصيانة أمن القوات والأرض.. بواسطتها.
                          الوثائق... التي كنا نعتبر أن كل حرف تضمنته، -مهما بلغ من تفاهته وقلة شأنه- سر من أشد الأسرار احتياجاً للحفظ.. وكنا نعتبر أن محتوياتها، يجب أن يكون خفياً حتى على أفراد جيشنا، إلا المسؤولين عن تنفيذ ما نصت عليه، وفي حدود حاجتهم للتنفيذ فقط..
                          الوثائق.. التي تحرص عليها حتى المؤسسات غير العسكرية.. وتخفيها وتتكتم عليها وتعهد بصيانتها إلى أشد موظفيها أمانة وقدرة على الكتمان..
                          الوثائق.. التي هي من أخطر الأسلحة التي يمكن أن تقع بيد جيش محارب، يستعمله ضد عدوه في ميادين القتال.. ومجالات الحرب النفسية والسياسية..
                          الوثائق.. ويكفي اسمها.. ويكفي أن نعرف أنها تضمنت فيما تضمنته، خطط العمليات لكل من القيادة العامة، وقيادة الجبهة، والألوية وباقي الوحدات..
                          الوثائق.. التي حوت كل شيء عن الجبهة.. منذ تأسيسها وحتى يوم النكبة..
                          الوثائق التي تعاقب القادة المختلفون على ائتمانها كل شيء عن الجبهة.. (حياتها –تدريبها –تسليحها- تحصينها –خطة قتالها –خطة أمنها –مشاكلها اليومية والدائمة..) وكل ما يمكن أن يخطر ببال إنسان عن حياة جيش عاش فيها عشرين عاماً يستعد ليوم حرب مثل يوم العار الذي وقع في حزيران...
                          الوثائق.. التي نصت الأوامر أن على كل مسؤول لديه وثائق –مهما كان نوعها وحجمها- أن يقتني إلى جانبها زجاجة مليئة بالبنزين مع واسطة إشعال (كبريت أو قداحة جاهزة) لإتلافها عند الخطر..
                          الوثائق.. التي كتب على كل مكان احتوته.. وبالخط العريض المحاط باللون الأحمر، لإبرازه لكل عين:"يتلف عند تهديد المقر".
                          هذه الوثائق.. التي تعادل حياة الجيش كله.. ماذا جرى بها؟
                          آ- إن الذي تأكد لدينا حتى كتابة هذه الصفحات.. أن مسؤولاً ما، من مستوى قيادات الكتائب فما فوق لم يفكر مطلقاً بإتلاف شيء منها.. وتركت في أرضها، غنيمة رائعة للعدو.. يستفيد منها أكثر مما أفادته أجهزة الجاسوسية التابعة له بمئات المرات..
                          ويمكننا أن نقول.. إن بعض القادة، حاول أن يحمل معه شيئاً من الوثائق الهامة.. التي اعتقد أن وقوعها بيد العدو يشكل أكبر خطر من وقوع سواها.. ولكن مثل هذا النوع من القادة، قليل جداً... وكان حمله مع هذه الوثائق لا يكاد يذكر، نظراً لضخامة التصنيف المتراكم في مراكز القيادات المختلفة(79).
                          ب- وأما الكثيرون من القادة الصغار.. وخاصة (ضباط الصف القدامى في الخدمة)، وفي المستويات العسكرية الصغرى (المتقدمة).. فلقد تمكن أكثرهم من إتلاف الوثائق التي في حيازته.. وخاصة في القطاعين، الأوسط والجنوبي.. وقطاع القنيطرة.. ولكن هذا الذي أتلف لا يشكل أكثر من إذن الجمل، بالنسبة لأكوام الوثائق (بمختلف درجاتها ومستوياتها، وبتنوع موضوعاتها..)، التي تركت في الجولان، في جملة ما ترك فيه للعدو، من سلاح وعتاد وذخائر ومؤن و... أرض هي أعز وأكرم من كل ما ضاع.
                          جـ- وأن الذي أكد لنا صحة هذه المعلومات.. هو ما وصل إلى علمنا من أناس كانت لهم صلة بالأسرى الذين عادوا إلى إسرائيل بعد الحرب.. فلقد أفاد هؤلاء الأسرى أن السلطات الإسرائيلية، عرضت عليهم أكداساً من الوثائق، التي كانت تعتبر من أشد الأسرار دقة وأهمية.. وكان الإسرائيليون يقولون لهم في كل مرة "هذه هي وثائقكم.. هذه هي خرائطكم.. هذه كانت نوايا قياداتكم المتعاقبة.. ها هي أمامنا.. موجودة في الوثائق والخرائط.. انظروا.. فنحن لسنا بحاجة إلى معلومات عنكم وعن جيشكم.. إننا نريد المعلومات عن الفدائيين.. والخبراء الروس فقط".
                          د- وهناك أمر آخر.. يؤكد صحة ما نروي.. وهو أكداس المقالات والتصريحات و"صور الخرائط والوثائق" التي ينشرها العدو في كتب متعاقبة وصحف ومجلات كثيرة، توزع بأكثر لغات العالم الحية، وتوزع في كل من أمريكا وأوروبا ودول المعسكر الشيوعي وعديد من بلدان آسيا (غير المسلمة) وعديد من بلدان أفريقيا..

                          تعليق


                          • #14
                            هذه المقالات.. والكتب والتصريحات.. التي حظر إدخالها إلى البلدان العربية.. تؤكد بوضوح أن العدو قد حصل على أكداس من الوثائق التي كانت في الجولان.. تشرح كل شيء عن وضع الجيش ونواياه طيلة العشرين عاماً التي سبقت النكبة.
                            وفي المناسبة هذه.. لا بد لي من استطراد بسيط، أرجو أن يحقق ما أرجوه.
                            ... إن حقائق الحرب (المسرحية)، خفية عن أبناء هذه الأمة.. بتأثير أجهزة خفية.. منتشرة هنا وهناك من هذا الوطن.
                            ولذا فإنني أوجه نداءاً إلى المخلصين القادرين (أفراداً أو مؤسسات) أن يقوموا بتتبع هذه الأمور التي ينشرها العدو في العالم.. وجمعها ودراستها ومقارنتها وإطلاع أهل الاطلاع والخبرة عليها، ليصار إلى تمييز الحق منها، وإزهاق الباطل الكثير فيها.. ثم عرض تلك الحقائق على الأمة العربية والشعوب الإسلامية.. صوناً لها من الضياع.. والوقوع في شراك الدعايات الصهيونية وشركائها وأجرائها.. المضللة.
                            12- وأما المقاومة الشعبية.. ذلك الرديف الأكبر، والمعين الأوفر، الذي كان يجب أن يمد المقاومة الضارية بموج يتبعه موج من أعمال الضرب والكر والفر والهجوم والدفاع، حتى يعود الغازي إلى جحوره.. وتتطهر الأرض.
                            المقاومة الشعبية.. التي كثيراً ما تبجحنا في سنين مضت، كلاماً عن دورها، وأهميتها.. والإنجازات التي حققناها لها.. (من تسليح، وتدريب، وتهذيب ثقافي.. ورفع في مستوى الحياة الاجتماعي.. وتوعية وطنية صادقة.. وإقناع بوجوب البقاء في الأرض، والدفاع عنها بإصرار وعناد.. إلخ من تلك الجمل البراقة التي مزقت أجهزة الإعلام بها أسماعنا.. تطبيلاً وتزميراً لصالح عهود الحكم الاستبدادي المتعاقبة..).
                            المقاومة الشعبية التي ظن الناس –قبل النكبة- لكثرة ما سمعوا عن الاهتمام بها.. أنها ستكون خيراً من مقاومات الشعب الفيتنامي، أو خيراً من دفاع أهالي ستالينغراد..
                            المقاومة الشعبية تلك.. ماذا حل بها؟
                            ماذا أصابها حتى انقلبت فجأة، وبين عشية وضحاها.. من (جيش شعبي)(80) قادر على حماية الثورة، ومستوعب لكل (الإطارات الثورية(81) المناضلة)، وقادر على تحقيق (صور من البطولة تعجز عنها جيوش الارتزاق(82).. إلى مجموعات من (النازحين(83).. تشردت في بقاع الله الواسعة.. تفتش عن مصادر للرزق الذي يقيم الأود، أو تقف صفوفاً يومية أو أسبوعية حتى ينالها ما خصص لها من تافه الزاد وضئيل المعونات؟؟
                            .. إننا سبق أن نوهنا عن نقاط الضعف والقوة التي تكمن في بنيان المقاومة الشعبية هذه.. وعن صور الاهتمام والإهمال التي أدركت شعب تلك المنطقة.. ولذا.. فلم يكن غريباً علينا، أن نسمع أبناء نزوح السكان.. وتخليهم عن واجب حماية الأرض، بعد أن تخلى عنه الجيش.. وتركهم وحدهم في مواجهة العدو المتفوق عليهم في كل شيء..
                            ولكن.. لا بد من توضيح جديد، لإحد وجوه الجريمة المحبوكة أدق حبك.. والتي نفذها حزب البعث الحاكم في سوريا.. منذ صباح الثامن من آذار 1963.
                            أ- الشيء الخطير في هذا الموضوع.. هو أن القيادة، قامت بتجريد رجال المقاومة الشعبية من أسلحتهم، وسحب كل ما كان بحوزة السكان من سلاح وذخائر.. وخاصة الأسلحة المتوسطة، كالرشاشات والهاونات المتوسطة والأسلحة الـ م/د، وباقي العتاد الخاص بالحرب، وتركت في أيدي مجموعات قليلة منهم، أعداداً من البنادق، وكميات محدودة من الذخيرة..للتضليل، وذر الرماد في العيون.
                            ب- وهناك شيء آخر، يتعلق بالمقاومة الشعبية ودورها الذي كان يجب أن تؤديه.. ولا يقل خطورة وأهمية عن الأمر السابق.. وهو أن قيادة حزب البعث العربي (العنصرية الطائفية).. كانت قد صنفت سكان تلك المنطقة (وكذا سكان سوريا كلها)، إلى مواطنين من فئات متعددة، وذلك حسب الترتيب التالي:
                            - السكان من أصل عربي، مواطنين من الفئة الأولى.
                            - السكان من أصل غير عربي (كردي، أو شركسي، أو تركماني، أو تركي..) مواطنين من الفئة الثانية. وكان هذا التصنيف، من أكبر الأسباب التي هدمت بناء المجتمع.. وهيأت البلاد لتقبل الهزيمة.
                            13- ومن الأمور المخزية التي كان لها دور كبير في تمزيق كرامة الجيش.. هو الدور السيء الذي كان لسلاح الإشارة.
                            فلقد صرح لي أحد القادة الذين كان لهم مكان في الحرب، أن أجهزة الإشارة كانت أيام الحرب غير صالحة للعمل بنسبة لا تقل عن (60-70%)، وذلك لأسباب فنية متعددة(84) أهمها أهمال الصيانة الدائمة للأجهزة وضعف المستوى التدريبي لسدنة الأجهزة، وتعيين كثيرين من الاحتياطيين، سدنة لأجهزة لم يروها كل حياتهم، وقد نتج عن ذلك أمور خطيرة نجملها بما يلي:
                            أ- فقد القادة سيطرتهم على وحداتهم بسبب فقدان الاتصالات.
                            ب- فقد الاتصال بين الوحدات المتجاورة، وكان من أهم نتائج ذلك، فقدان التعاون بين وحدات القتال.
                            جـ- استطاعت شبكات العدو الدخول على شبكات القوات السورية، وبذلك تمكنت من تحديد مواقع القوات والقيادات، ثم.. تدميرها، وكذلك استطاعت هذه الشبكات المعادية إيقاع الفوضى والبلبلة في صفوف القوات، وإعطاء القادة صوراً زائفة عن الوضع، مما سبب لهم عجزاً مطلقاً عن اتخاذ أي قرارات فعالة.
                            14- الشؤون الإدارية: كانت في أسوأ حال، وكان لها كبير الأثر في تدمير معنويات الوحدات، وشل فعالياتها، وفيما يلي نماذج من ذلك الإهمال المدمر:
                            - تركت القوات كلها بدون طعام مدة أربعة أيام متواصلة. ولنا عودة لموضوع الطعام خلال المناقشة.
                            - الماء كان مفقوداً خلال تلك المدة، والتزويد به بواسطة الآليات أو أية واسطة أخرى معدوماً، وشرب الجنود من كثير من برك الماء الآسنة.
                            - أكثر العربات توقفت على الطرقات لفقدان الوقود، فجاء الطيران ودمرها وهي واقفة في العراء، أهدافاً ثابتة.
                            - المواد الطبية.. كان حلماً من الأحلام أن يشم رائحتها أحد من الجنود، وخاصة في الأنساق الأولى، القريبة من حدود التماس مع العدو.
                            - وأما الذخيرة –وخاصة ذخيرة المدفعية م/ط- فلقد سبق أن أشرنا إلى انقطاعها أكثر من مرة عن الأسلحة، وقد اضطرت كثير من بطاريات المدفعية م/ط لنقل ذخيرتها على ظهر الدواب، التي استؤجرت من القرى لهذه الغاية بعد تدمير الآليات أو تعطلها.
                            - سيارات الإسعاف، دمرت بواسطة الطيران المعادي.. وكان الإخلاء(85) مفقوداً.. فتركت على الطرق وعلى جوانبها، الآليات والدبابات والأسلحة (المعطلة أو المدمرة، وحتى السليمة التي لم تصب بأذى) وإلى جانب ذلك، ترك الجريح، والقتيل والمبتور، والمحروق، والذي سقط إعياءً أو رعباً.. ذلك كله كان يعطي أرض الجولان –وخاصة قريباً من الطرق أو عليها-، وأكثر الطرق التي ازدحمت بذاك الحطام هي الطرق المؤدية إلى دمشق أو درعا أو إربد أو الأرض اللبنانية.
                            حدث ذلك كله في الوقت الذي كانت فيه مستودعات التموين المختلفة وخاصة في جباتا الخشب والحميدية، قد غصت بأنواع المؤونة المختلفة، ولكنها تركت للعدو ربحاً وفيراً.. دون أن تستفيد منه القوات، فتقوم بواجبها خير قيام.
                            15- ولقد بلغ من سوء حال القوات في تلك الأيام العصيبة وجهلها بالأرض التي تتحرك عليها –والتي سبق أن كلفت بالقتال عنها- أن حقول الألغام (حقولنا)، كانت مجهولة من القوات التي حشدت في الجولان، لدرجة أن وحدات كاملة (سرايا)، دخلت –خطأ- حقول الألغام (حقولنا)، ودفعت ثمناً لتلك الأخطاء، حياة عدد من أفرادها ومعنوياتها كلها، وروحها القتالية.. فكان لذلك دوره الكبير في تنفيذ المأساة التي خططت لوقوعها قوى الصهيونية، ونفذتها أجهزة حزب البعث.
                            16- ومن أكثر أسباب الألم للقلب والأسى للنفس.. الحديث عن أعمال التجسس والتخريب، التي قام بها عملاء العدو خلال تلك الأيام.
                            ولكن الحديث في هذا الموضوع، هو أيضاً من أكثر شعب الحديث حرجاً ودقة، لأنه يفتقر إلى معلومات دقيقة، وأدلة واضحة، ولذا فسنكتفي بالحديث عن بعض ما وقع، دون الدخول في التفاصيل التي تحتاج إلى أدلة وإيضاحات لا نملكها.
                            - فلقد لوحظ أن مقرات القيادة التعبوية في كل من القطاعات وفي القنيطرة، قد قصفت بالطيران المعادي قصفاً بلغ من الدقة والإحكام غايتهما.. مما يدل على أن إشارات قد وضعت فوق هذه المقرات، لتدل الطيران على أماكنها، أو أن المعلومات المسبقة قد وصلت لأيدي العدو، وحددت له أماكن تلك المقرات بالدقة الكاملة. وقد بلغ من دقة المعلومات لدى العدو أن الطيران لم يضرب سوى المواقع ومقرات القيادة الحقيقية، أما المواقع الهيكلية، ومقرات القيادة الخالية فلم يتعرض لها الطيران، وهذا وحده من أبلغ الأدلة على انتشار عملاء العدو وتغلغلهم المريع حتى استطاعوا الوصول إلى هذه الدقة.
                            - وكتيبة المدفعية الصاروخية لاحتياط الجيش:
                            ما إن تحركت لاحتلال مرابضها المقررة، لتقوم بالتمهيد للهجوم المعاكس (على مستوى الجيش)، حتى تناولها الطيران المعادي ودمرها.. وهذه الدقة في الهجوم على وحدة تتحرك.. بعد دقائق من تحركها، تدل بدقة متناهية على أن هناك من أعطى –في الوقت المناسب- للعدو، التوقيت المقرر للتحرك، فجاء تدخل الطيران المعادي حاسماً ودقيقاً.
                            - فوجئ كثير من الأسرى، وخاصة الضباط، بالسلطات الإسرائيلية، تعرض عليهم صوراً لمئات الضباط (سوريين ومصريين)، وتطلب منهم التعرف على أصحابها، وتزويدها بما يعلمونه عن كل منهم. ولقد لاحظ بعض الأسرى، أن على أكثر تلك الصور من وجهها الآخر، مطبوع ختم أحد المصورين المشهورين في القنيطرة(86).
                            ولهذه الصور قصة (تبدو الآن محزنة أكثر من أي وقت مضى)، وهي أن أسباب حصول ذاك المصور على العدد الأكبر من صور الضباط، هو ما يلي:
                            آ- أن ذاك المصور كان من أفضل المصورين في القنيطرة.
                            ب- كانت القيادة بين حين وآخر، تطلب من الضباط أن يرسل كل منهم –ضمن مهلة قصيرة جداً- عدداً من صوره، لوضعها في ملفاتهم، وخاصة في مناسبات الترفيع. ونظراً لقصر المهلة، كان يضطر القسم الأكبر من ضباط الجبهة لأن يؤمنوا تلك الصور المطلوبة بواسطة المصورين الموجودين في القنيطرة.
                            جـ- ولقد ثبت بعد الحرب، أن ذاك المصور كان من أكبر من يزود السلطات الإسرائيلية بمعلومات مختلفة، وفي مقدمتها صور العسكريين- خصوصاً الضباط- وما يعرفه عن كل منهم.
                            - ولقد برز للعيان خلال ليالي تلك الحرب، أن شهباً ضوئية كثيرة انطلقت من أماكن شتى، وخاصة الأماكن التي كانت فيها وحدات أو عتاد أو مجموعات آلية ذات أهمية.. وفي اليوم التالي يأتي الطيران إلى حيث انطلقت الشهب، ويحوم حومات عدة، ثم يحدد أهدافه ويضرب.
                            والذي نستطيع توضحيه حول هذا الموضوع، أن الشهب لم تكن تطلق –بيد الجواسيس- لتحديد الأماكن التي يجب ضربها- وإنما لإعلام العدو عن وجود أهداف له في هذه المنطقة –لأن تحديد هدف ما بدقة كافية، بواسطة الشهب الضوئية، أمر غير ممكن-، ثم يتم تحديد المكان بدقة كافية في النهار، بطرق مختلفة، وأهمها الطيران، الذي يحدد أهدافه- وخاصة في ظروف سيطرة جوية كاملة له- ثم يضرب.
                            17- خلال فترة حشد القوات في الجولان، "لخوض الحرب" كما يزعمون.. حشدت في منطقة وادي الرفيد كتيبة دبابات برمائية(87) (22دبابة)، وقد أعطيت هذه الكتيبة واجب الهجوم في الاتجاه (الرفيد –العال-الكرسي- جينوسار) وذلك في محاولة لتطويق القوات المعادية التي كان أكبر حشد لها شمالي بحيرة طبريا.
                            ولكن حين ألغيت خطة الهجوم (المزعومة)، وتحول الأمر إلى دفاع، تركت هذه الدبابات معطلة دون أن تعطى أي واجب...(ولعل القيادة قد نسيتها)، حتى كان يوم الهروب الكبير، وفر سدنتها والقادة مع الذين فروا من الجبهة، وتركت هدفاً ثميناً للعدو ليستولي عليها جاهزة سليمة، إلا أن بعض العسكريين، الذين آلمهم ترك هذه الكتيبة دون تدميرها، أعلنوا للقيادة تبرعهم بالتسلل للوصول إليها والعودة بها إلى دمشق قبل أن يتمكن العدو من اكتشاف أماكنها ويستولي عليها فرفضت القيادة ذلك، وتركت الكتيبة (البرمائية الثمينة) هدفاً من أثمن الأهداف التي مكنت قيادة حزب البعث، العدو الإسرائيلي من السيطرة عليه والفوز به.
                            18- وبعد احتلال الجولان.. وبعد انتهاء الحرب بفترة غير يسيرة.. قامت بعض الوحدات الفدائية بالتسلل إلى منطقة (جباتا الخشب)، بعد أن وصل إلى علمها أن المستودعات التي هناك، لا تزال سليمة ولم تصل إليها يد العدو، وأخذت تنقل ما قدرت عليه مما في تلك المستودعات، وكانت هذه فرصة عظيمة لهذه المنظمات للتزود بالكثير من السلاح والذخيرة.
                            ولكن ماذا جرى...
                            وصل إلى علم العقيد عبد الكريم الجندي "مدير مكتب الأمن القومي" نبأ فعل المنظمات هذه فأخذ يلاحق قادتها ويطاردهم ويضغط عليهم، حتى تمكن من معرفة الأماكن التي خبأوا فيها ما أخذوه، فصادره منهم، ولكن قادة المنظمات لم يسكتوا، فقابله بعضهم، وأفهمه أن عمله هذا مرفوض ومستهجن، وقال له "إننا نسرق السلاح من إسرائيل بعد أن تركه جيشكم لها ربحاً ثميناً سالماً من كل عطل، فهلا توجهت أجهزتكم إلى الذين تركوه للعدو بدلاً من ملاحقتكم لنا"؟
                            وكانت ردة الفعل –طبعاً- السجن والتعذيب للفدائيين الذين ناقشوه الحساب، والتهديد بالقتل لكل من تسول له نفسه إزعاج أمن السيدة "إسرائيل"، وإقلاق راحتها بعد أن ضمن لها خط وقف إطلاق النيران.. حدوداً جديدة.
                            19- وهذه صورة من الجريمة، أخرناها حتى أواخر المسلسل، رغم أن تاريخ وقوعها، كان في بداية الأحداث.. وهي قصة ترحيل العائلات، ونقل المتاع.
                            فأما عائلات العسكريين، وأثاث بيوت الضباط، فقد تم ترحيلها قبيل الحرب، وكلفت بهذه المهمة مئات الشاحنات العسكرية، في الوقت الذي كانت فيه الوحدات تعاني أزمة نقص خطرة في الشاحنات، لنقل القوات والأسلحة والتموين..
                            وبخصوص العائلات.. هناك أمر كنا نود لو أننا لا نذكره.. ولكنه يشكل سوءاً في أمانة الشرح لو أغفلناه.. وإخفاء عن القارئ لأبشع صورة من صور التمييز الطائفي لتهديم البنيان الاجتماعي للبلاد.. تمهيداً ليوم الهزيمة المتفق عليه.. فالعائلات التي رحلت (خوفاً عليها من أخطار الحرب).. هي عائلات العسكريين والموظفين أبناء الطائفة العلوية فقط، دون غيرها، وقد تم ترحيلها قبل وقوع الحرب بأسبوعين.
                            ولقد طالب بعضُ المخلصين، المحافظ السيد (عبد الحليم خدام(88)، بالعدل في معاملة كل الناس، والعمل على ترحيل كل العائلات.. فرفض بعناد متكبر وقح، وأنقذ عائلات العلويين من التشريد، علناً، وتحت سمع وبصر باقي السكان والعسكريين.. بل وأمر بالإعلان على المآذن وبواسطة مكبرات الصوت أن على السكان أن يصمدوا، وهدد كل من يغادر القنيطرة، أو ينقل منها شيئاً من متاعه، بالقتل علناً أمام جميع السكان ليكون عبرة لغيره.. فاضطر السكان المساكين للرضوخ.. وهم يرون بحسرة وحرقة...
                            وهكذا.. شاحنات الجيش، في ظل حزب البعث.. تنقل أثاث ومتاع العسكريين البعثيين، وتترك عتاد الجيش وسلاحه ووثائقه وحتى وحداته نهباً لطيران العدو.. وقواته الغازية!
                            ثم ترك السكان فيما بعد.. وخلال الحرب، تنزح، وتهجر قراها وبيوتها، على نحو يمزق القلوب حزناً.. حاولنا إبراز صورته في صفحات سابقة..
                            20- وحتى أموال البلدية، وفرع البنك (الحكومي) الوحيد في القنيطرة، تركت في أماكنها، ولم تنقل إلى دمشق، وقيل للعدو.. ها نحن سلمناك كل شيء.. كما اتفقنا.. حتى الأوراق والأموال والنقد.. و.. كل ما يحقق لك فائدة في الأرض التي قبضنا منك ثمنها..!
                            21- وكانت خاتمة الجرائم.. وأم الكبائر التي اجترحتها أيدي حزب البعث.. هو ذلك البلاغ المشؤوم الذي أعلن سقوط القنيطرة، قبل أن تسقط.
                            فما قصة ذلك البلاغ؟؟
                            إن الذي ثبت لدينا حتى الآن.. أن القوات الإسرائيلية لم تطأ أرض القنيطرة (رغم كل تلك المخازي والجرائم التي شرحناها) إلا بعد إعلان سقوطها بما لا يقل عن سبع عشرة ساعة.
                            فلقد تمكنت قوات العدو الإسرائيلي، من اختراق الجبهة السورية، يوم الجمعة، في 9 حزيران 1967، حوالي الظهر وكان الاختراق في قطاع واسط (قنبعة –القلع)، ومن القطاع الشمالي فيما بين تل العزيزيات وتل الأحمر، بقوة تعادل 2 لواء دبابات، معززين بالطيران والمدفعية وكتيبة الأقليات، ودون وجود قوات مشاة رئيسية مع قوات النسق الأول المهاجم.
                            ورغم كل ما أشرنا إليه من جرائم مدبرة، وخيانات مرتكبة، وهروب كبير في صفوف القوات المدافعة، فإن العدو –رغم قوته المخترقة –لم يستطع التقدم بحرية تامة، ولاقى من المقاومات الفردية ضراوة وشراسة وعنفاً في المقاومة، ما جعله يتقدم في حذر شديد، ويتوقف عند أول بادرة مقاومة تظهر في وجهه، حتى ولو كانت طلقة من بندقية..
                            ولقد أذيع البلاغ المجرم، يعلن سقوط القنيطرة، بينما كانت أقرب قوات متقدمة إليها تشتبك مع مقاومات بطولية فردية انبعثت من نقطة القلع وتل العزيزيات..
                            وكان للبلاغ المذكور.. فعل رصاصة الخلاص، فانهارت القوى المعنوية الجبارة التي أظهرت بطولات الرجال الأوفياء لأرضهم وبلدهم –وأؤكد أن ليس بينهم بعثي واحد- ودخل في روعهم أن مقاومتهم لم تعد تجدي، وبدأ يعتقد كل منهم –بفعل انقطاع الاتصالات وهروب القادة المسؤولين –أنه قد أصبح وحيداً يقاوم في جزيرة قد غمرتها الأمواج من كل ناحية، فقرروا الانسحاب آملين أن يلتحقوا بوحداتهم الكبرى، لمعاودة القتال.. ولكنهم ما عتموا أن غادروا مواقعهم.. حتى فوجئوا بالخيانة التي ارتكبت ضدهم وضد بلادهم.. ورأوا أن القنيطرة، ما زالت سليمة، وما زالت بيد قواتنا، وأن البلاغ الذي أعلن سقوطها كاذب مضلل، فأسقط في أيديهم.. وخاصة بعد أن رأوا ذلك المنظر القبيح، منظر الفرار الذي سمي انسحاباً.. زوراً وتضليلاً!
                            ولنا عودة لموضوع هذا البلاغ، خلال المناقشة المقبلة إن شاء الله.
                            22- وأسدل الستار على تلك المسرحية.. منذ يوم السبت 10 حزيران، وبعد إعلان سقوط القنيطرة –كذباً وبهتاناً- فغادر دمشق أعضاء الحكومة والحزب (بقيادته كلها)، والجيش (بجميع ضباطه البعثيين المجرمين).. وأخذت أرتال الآليات (عسكرية ومدنية)، تتتابع وتتدافع على طريق دمشق –حمص، حاملة في بطونها، النساء، والأطفال، والضباط، والقادة (المسوخ). و.. من رجال حزب البعث تاركين دمشق مفتوحة الأبواب، مكشوفة الصدر والظهر والجوانب.. نهباً لكل غاز.. وخلواً من كل حارس، وجالت السيارات تحمل مكبرات الصوت تثقل الأسماع بندائها المشؤوم.. "ممنوع التجول.. ممنوع التجول".. وذلك في صورة جديدة من صور التآمر، لتسليم دمشق إلى العدو الغازي.. دون مطلق مقاومة، حتى ولو كانت من طفل أو امرأة..
                            وفي الوقت نفسه، اهتبل بعض لصوص الحزب الفرصة، ونهبوا ما استطاعوا نهبه من أموال البنك المركزي في دمشق، بحجة أن نقل احتياطي الذهب واجب "قومي" لئلا يقع بيد العدو فتفلس الدولة.. ويا ليتها تفلس!
                            23- "إن المعركة لا تقاس نتائجها بعدد الكيلومترات التي خسرناها.. بل بأهدافها وما استطاعت أن تحقق فقد كان هدف إسرائيل، ليس احتلال بضعة كيلو مترات من سورية، بل إسقاط الحكم التقدمي فيها، وهذا ما لم يتم لها، ولذا يجب أن نعتبر أنفسنا الرابحين في هذه المعركة".
                            أحمد سويداني
                            قائد الجيش السوري قبل وخلال وبعد الحرب
                            "ليس مهماً أن يحتل العدو دمشق، أو حتى حمص وحلب.. فهذه جميعاً أراض يمكن تعويضها، وأبنية يمكن إعادتها، أما إذا قضي على حزب البعث، فكيف يمكن تعويضه وهو أمل الأمة العربية؟".
                            ".. لا تنسوا أن الهدف الأول من الهجوم الإسرائيلي، هو إسقاط الحكم التقدمي في سورية، وكل من يطالب بتبديل حزب البعث، عميل لإسرائيل..".
                            إبراهيم ماخوس
                            وزير خارجية سورية قبل وخلال وبعد الحرب.
                            ألا لا رعى الله حكماً هؤلاء قادته، والمسؤولون فيه.
                            ولا رعى الله حزباً ساهم بتدمير الأمة أكثر مما دمرها أشد الناس عداوة لها "اليهود والذين أشركوا".
                            ولست أجد في كل ما ارتكب بحق هذه الأمة من جرائم.. ولا أرى في كل ما لحق بها من إهانات واحتقار لكرامتها وشرفها أوقع من هذه التصريحات تصدر عن مجرمين، باعوا الأرض وشعبها لأكثر الأعداء لؤماً.. ثم وقفوا.. يمنون على ذلك الشعب.. بأن من فضلهم وكرمهم عليه، أنهم استطاعوا أن يثبتوا في وجه العدو الذي ادعوا أنه لم يكن لهجومه من هدف.. إلا إزالتهم عن (الحكم والتحكم برقاب أبنائه ومقدراتهم..).
                            ولست أجد صورة أستطيع من خلالها إبراز لؤم الجريمة وسوءها، مثل هذه التصريحات وأمثالها.. أختتم بها هذه السلسلة من حلقات التآمر والإهمال والجريمة.. لتكون للقارئ فكرة واضحة عن الذي حدث في حرب حزيران.. تلك التي سموها حرباً، تجنياً على الحروب، وبهتاناً على الجيوش، وما هي والله إلا مسرحية متقنة الإخراج، حدد فيها لكل ممثل دوره، وكان فيها النظارة المخدوعون، هم جماهير الأمة المنكوبة، أمة العرب، والشعوب الإسلامية في كل مكان.
                            فالأرض التي سلمت للعدو، والجيوش التي دمرت، والخسائر الهائلة، التي لحقت بنا، من سلاح، وعتاد ومؤن، والجهود المضنية التي بذلت، والضحايا التي ذهبت، وكل ذلك، وغيره أكثر منه، من كرامة الأمة، وشرفها الذي لوث، وعقيدتها التي أهينت.. كل ذلك ليس له أهمية، ما دام الحكم التقدمي الثوري، ما زال قابعاً فوق رقاب الشعب، يسوقه إلى هاوية أخرى، الله وحده يعلم عمقها وخطورة انحدارها.
                            يا عجباً..!، فلم يبق في هذه الأمة أحرار، تهز ضمائرهم تلك الإهانات الوقحة؟
                            من كانت له عينان فلينظر.. ومن كانت له أذنان فليسمع.. ومن كان له قلب فليفقه.. وإلا فنحن كالأنعام، بل أضل سبيلاً.

                            تعليق


                            • #15
                              3-
                              أعمال العدو.. خلال الحرب
                              نستطيع أن نؤكد، أن العدو لم يحارب على الجبهة السورية، ولم يدخلها ظافراً إثر قتال حقق فيه التفوق العسكري، أو أبرز فيه البطولة وحسن قيادة القتال، فتمكن من تحقيق ظفر.. يدعيه اليوم لنفسه.. وهو ليس له أهلاً.
                              إن القوات الإسرائيلية قد دخلت الأرض السورية حسب مخطط تآمري أعد مسبقاً ووضعت مقدماته ونتائجه في بعض السفارات، وأتم إكمال ملامحه وجوانبه في بعض العواصم الغربية.
                              فالعدو استطاع بدهائه ومغرياته أن يدفع حكام البلاد ليقوموا بتصفية الجيش.. وجعله غير قادر على خوض أية حرب.. وكان له ما أراد، وأكثر.
                              والعدو استطاع بوسائل الخداع والمكر والتآمر المختلفة، أن يضع الجماهير التي هي رديف الجيش، في حالة من التمزق والتشرذم وانحلال روح المقاومة.. بفضل ما فعل بها شركاؤه وجواسيسه.. خلال حكم حزب البعث العربي الاشتراكي.. وكانت الجماهير يوم الحرب كما خطط لها عدوها وشركاؤه.
                              والعدو حرص على عزل هذه الجماهير عن المشاركة الفعلية في حرب الحفاظ على الأرض والمقدسات.. فاستطاع عزلها.. وبقيت الجماهير طيلة الحرب.. قابعة في الدور والمقاهي.. مشدودة إلى "الترانزيستور".. تتابع أخبار الهزيمة.. وهي عاجزة كل العجز عن فعل الشيء.
                              هذه وغيرها كثير جداً.. كانت من الأمور التي خطط لها العدو قبل نكبة حزيران العار 1967، بأعوام طويلة.. واستطاع أن يجد من الشركاء من ينفذها له، بأكثر مما توقع، من حرصهم على خدمته وتسليمه ما يريد.
                              وهذا ليس مجال الحديث الآن.. فلقد أخذنا على عاتقنا الاهتمام بجانب القوات.. ما فعلت، وما فعل بها، وهذا بيت القصيد من شرحنا هذا.
                              ولذا.. فإن أعمال العدو.. القتالية.. كانت تافهة وتكاد لا تذكر نسبة إلى ما تقوم به القوات في حروب أخرى، يملك فيها المهاجم تصميماً على تحطيم خصمه، والفوز بأهدافه، ويتحلى فيها المدافع بعناد وإصرار على طرد المهاجم وإحباط آماله ومساعيه.. وبين هذا وذاك تبرز صور من الملاحم والبطولات بين أخذ ورد، تكون على مر الأيام صفحات متتالية في سفر التاريخ العسكري للشعوب.. كما تصبح في الوقت نفسه معيناً جديداً لخيال الشعراء والأدباء يصور كل منهم جانباً من بطولات شعبه.
                              ... وبهذا، كانت حرب المسرحية يوم حزيران، خالية من عنصر الإثارة، ومقومات الحروب الناجحة.. ولم تعد كونها مؤامرة.. كبرى.. تكمن عناصر الإثارة في دقة حبكها.. ولؤم الذين نفذوها.
                              ولكن.. لا بد رغم ذلك من التعرض بشيء من الإيضاح، إلى الأعمال القتالية، التي قام بها العدو.
                              1- لقد كانت أبرز أعمال العدو، هي أعمال الطيران.
                              فالطيران الإسرائيلي.. الذي خلت له سماء الحرب، وغاب النسور من وجهه..، قام بتغطية الجبهة برمايات كثيفة منذ صباح الثلاثاء 6 حزيران، وحتى مساء السبت 10 حزيران، واستطاع أن يركز كل قواه وإمكاناته ضد هذه الجبهة.. وهو ضامن عجز الطيران السوري عن مجابهته.. فقام بطلعات جوية تكاد لا تحصى.. قصف فيها الجولان (التحصينات، والمنشآت، وتجمعات القوات، ومرابض الأسلحة، وتحركات الآليات والأرتال)، ودمر الطرق وقام بغارات متتالية على مطاري المزة والضمير وبعض المطارات (السرية) الأخرى. فدمر عدداً من الطائرات التي لم تستطع الفرار، وضرب المهابط والمستودعات وكانت له السيطرة الكاملة في الجو، حتى بدأ طياروه يقومون بأعمال للتسلية تخرج عن نطاق المهمات القتالية الجادة، وهم لا يخشون أن يزعجهم عصفور.
                              ولقد تميزت أعمال الطيران المعادي بنواح متعددة، نشرحها:
                              أولاً: ضد التحصينات والمنشآت، وخطوط الدفاع، استعمل الطيران القنابل المتفجرة الثقيلة من عيار (250، و500) كلغ بقصد تدميرها وإنهاء فعاليتها.
                              ثانياً: ضد الخنادق، وتجمعات القوات المكشوفة، والأرتال الآلية أو الراجلة، استعمل الطيران المدفعية الرشاشة من عيار 25 مم، وقذائف النابالم المحرقة، لإخراج الوحدات خارج القتال.
                              ثالثاً: ضد مرابض المدفعية، وتجمعات الدبابات والآليات المتنوعة، أو أرتالها، ركز الطيران نيران الصواريخ وقذائف النابالم والقذائف الموقوتة المتفجرة (المنثار).
                              رابعاً: تميزت أعمال الطيران الإسرائيلي ضد الأرتال الآلية المتحركة، بصفة لئيمة تدل على مبلغ حرص العدو على أن لا تفلت آلية واحدة من يده.
                              فلقد كانت الطائرات تحوم حومتها الأولى، لتحدد حجم الرتل المتحرك واتجاه سرعة حركته والفواصل بين الآليات والوحدات، ثم تعدو في حومتها الثانية، وتقوم بالانقضاض، مبتدئة برأس الرتل، حتى تأتي عليه، فتترك الآليات حطاماً تتصاعد منه ألسنة النيران يشوه احمرارها دخان متدرج السواد، وتترك الأفراد شبه قطيع هاجمته الذئاب، فتركته بين قتيل ومجروح وهائم على غير هدى.
                              خامساً: تميزت أعمال الطيران الإسرائيلي بسرعة التدخل، وكثافة الرمي، وقد بلغ ذلك مبلغاً لا يكاد يصدق، فعندما كانت تبدو لرتل أو مجموعة من العدو داخل أرضنا، مقاومة ما –على غرار ما حدث في حرش الجويزة-، يلجأ القادة إلى الاسنتجاد بالطيران، فتأتي وحداته وتحرق الأرض وتفلحها لكثرة ما تصب عليها من النيران، حتى يتم الاطمئنان في نفوس القادة الجبناء، المحميين بأرتال الدبابات، وأسراب الطائرات، فيتابعون حركتهم دون خوف من أي إزعاج.
                              سادساً: ومن أعمال الطيران الإسرائيلي ذات الأهمية، هي نقل سدنة الدبابات والأسلحة، لإلحاقهم بوحداتهم بعد إتمام الاختراق، على غرار الذي حصل عند الخرق من القطاع الشمالي، كما سنبينه بعد قليل.
                              سابعاً: ولقد ساهمت طائرات العدو مساهمة كبيرة من الحرب النفسية ضد القوات والسكان، فكانت طائرات الهليوكوبتر تحلق فوق رؤوس الهاربين، وتخاطبهم بالمكبرات، أن ألقوا أسلحتكم وانجوا بأنفسكم.. فنحن لا نريد إيذاءكم وإنما نريد تدمير العتاد الروسي..!
                              ثامناً: وكثيراً ما خفت طائرات العدو، وخاصة الهيلوكوبتر، لنجدة أفراد أو مجموعات صغيرة من العدو، حين تعرضها لمآزق خطرة، وذلك على غرار ما حدث للطيار الذي أسقطته إحدى كتائب جيش التحرير الفلسطيني في منطقة الرفيد.
                              تاسعاً: قامت الطائرات الإسرائيلية بأعمال الإخلاء، ونقلت الجرحى وجثث قتلاهم، ولقد كان من أبرز الجرحى السوريين الذين نقلتهم طائرات العدو، ضابط برتبة نقيب، بعد أن أصيب بشظية مزقت بطنه فنقلته الهيلوكوبتر، وعولج ثم أعيد بعد الحرب أثناء تبادل الأسرى.
                              2- أعمال القوات الأرضية:
                              أبرز أعمال هذه القوات، هو الخرق الذي حدث ظهر الجمعة 9 حزيران، من قطاع واسط، في اتجاه (القلع –القنيطرة) مروراً بواسط ومن القطاع الشمالي (تل العزيزيات –هضبة المغاوير- تل الأحمر).
                              ولقد قام العدو بحشد قواته للهجوم على الجبهة السورية، حسب المعدل الآتي:
                              - في مواجهة القطاع الشمالي قام العدو بحشد ثلاثة ألوية دبابات، هي التي قامت بالاختراق، من القطاع المذكور، معززة بكتيبة الأقليات.
                              - في مواجهة القطاع الأوسط، قام بحشد لواءين مدرعين، دخلت الأرض السورية بعد إعلان سقوط القنيطرة.
                              - في مواجهة القطاع الجنوبي، تم حشد لواء مدرع واحد، دخل الأرض السورية كذلك بعد إعلان سقوط القنيطرة.
                              ولقد تم الاختراق ظهر الجمعة 9 حزيران، من قطاع واسط (أضعف القطاعات)، وفيما بين كفر شامير وكفر سلط في اتجاه القلع ومن القطاع الشمالي كما بينا قبل قليل، وباتجاه زعورة – مسعدة.
                              وقامت قوات العدو بأخذ تشكيلات الأنساق المتتابعة، في كل نسق(89) سرية "13 دبابة" حتى إذا أتمت القوات المعادية، تنظيف ما في طريقها من مقاومات، واستطاعت السيطرة على نقطة (القلع)، وأصبحت على طريق مسعدة –واسط (انظر الخريطة) عادت فتجمعت الدبابات، وانقسمت صباح السبت إلى ثلاث مجموعات:
                              - الأولى: بقوة كتيبة دبابات (40 دبابة)، انطلقت في اتجاه: القلع –واسط –كفر نفاخ، لتطويق القطاع الأوسط، وقد اصطدمت بمقاومة ضارية في (تل شيبان)، عطلت تقدمها حتى أذيع بلاغ القنيطرة رغم استنجاد قائد الكتيبة بالطيران، الذي أنهك التل المذكور قصفاً بالنابالم والمدافع الرشاشة.
                              - والثانية: بقوة كتيبة دبابات أيضاً، انطلقت في اتجاه: القلع –سكيك –كريز الواوي- مسعدة لتقوم بتطويق القطاع الشمالي.
                              - والثالثة: هي باقي وحدات اللواء المدرع، مع قيادته، وقد ظلت في وضع الترقب، وقيادة قتال الكتيبتين، ومن ثم لمتابعة التقدم في الاتجاه الأكثر حظاً في النجاح.
                              هذه القوة بمجموعها، هي لواء مدرع واحد من الألوية الثلاثة، التي حشدت في القطاع الشمالي، وقد كان لواء المقدمة، وهو الذي حقق الاختراق (دون قتال يذكر، سوى المقاومات المحدودة التي نأتي على ذكرها في موضعها).
                              أما اللواء الثاني من هذه الألوية الثلاث، فلقد هاجم من قطاع بانياس، في اتجاه: بانياس –مسعدة، واستطاع التقدم دون صعوبات، حتى إذا ما وصل إلى مواجهة تل الفخار، اصطدم بمقاومة ضارية، استبسل رجالها في وجه عدو متفوق تفوقاً ساحقاً، وأدت واجبها كأحسن ما يكون الأداء.
                              وقد رافقت هذا اللواء في هجومه كتيبة الأقليات، وأتم هذا اللواء الوصول إلى مسعدة، بعد أن قضى على مقاومة تل الفخار وبمعونة الكتيبة التي طوقت القطاع الشمالي على محور القلع –مسعدة.
                              أما اللواء الثالث من مجموعة الألوية هذه، فقد أبقاه قائد المجموعة تحت تصرفه ليزج به في عمق الدفاع، لمتابعة تحقيق واجب اليوم لمجموعة الألوية هذه، والذي كان احتلال القنيطرة.
                              ولكن القيادة البعثية، وفرت على العدو كل تلك الجهود و (التضحيات) وسهلت له احتلال القنيطرة ببلاغ فاجر، استغرقت إذاعته أقل من دقيقة، فألغى جهود وتضحيات عشرين عاماً، وضيع إمكانات تفوق حدود التصور، بذلت خلال تلك الأعوام، استعداداً لساعة محنة كهذه.
                              أما الألوية الثلاثة التي حشدها العدو في مواجهة القطاعين الأوسط والجنوبي، فقد ظلت في وضع الانتظار، حتى حان موعد تنفيذ المؤامرة، وإذاعة البلاغ المشؤوم، وإخلاء الأرض من كل الإمكانات والقوى المحشودة فيها، فتقدمت لتقوم بنزهتها العسكرية، مستخدمة المحاور الآتية:
                              بستان الخوري –الجمرك- العليقة- القنيطرة
                              عين غيف- الكرسي- البطيحة- الجمرك- العليقة
                              عين غيف- الكرسي- سكوفيا- فيق –العال –الرفيد
                              وبهذا تم للعدو –حسبما اتفق عليه مع قيادة البعث-، إتمام احتلال الجولان، دونما جهود أو قتال حتى صدر قرار وقف إطلاق النيران.. وقبله الطرفان، بعد أن حققت القوات الإسرائيلية سيطرتها على الجولان بأكمله.. حتى الخط:
                              مجدل شمس- سحيتا- أوفانية –الحميدية- عين عيشة –الرفيد- جسر الرقاد –كفر الما- الحمة- مروراً بالسفح الشمالي الغربي لوادي الرقاد.
                              وشوهد رجال هيئة الرقابة الدولية، يقومون بتأكيد هذه الحدود الجديدة، صباح الأحد 11 حزيران بوضع أعلام خاصة على مسافات معينة، "لمنع" الطرفين من "اجتيازها"، أو تسجيل المخالفات على الذين يجتازون...!
                              3- ولقد لجأ العدو إلى أسلوب يدل على مدى خوفه من المقاومات الضارية التي قد تعترض سبيل قواته، -رغم الاتفاقات المسبقة مع قيادة حزب البعث، بتسهيل الطريق أمامه ، فقد ركب في كل دبابة –خلال الهجوم- سائقها ورامي مدفعها فقط- لتقليل الخسائر في الرجال- وأما باقي السدنة، فقد ألحقوا بوحداتهم بواسطة الطيران (الهليوكوبتر)، وذلك في سهل المنصورة، بعد إتمام الاختراق وبعد إذاعة بلاغ سقوط القنيطرة، وبعد أن اطمأن العدو إلى أن مقاومات ما لن تعترضه بفضل دقة حزب البعث في تنفيذ ما اتفق عليه معه.
                              4- لوحظ أن أفراد الجيش الإسرائيلي، كانوا يطلقون النيران بغزارة هائلة، لدى اشتباههم بأية حركة، حتى ولو كانت في حقيقتها صادرة عن ابن آوى أو كلب شارد، مما يدل على جبن هذا العدو، وحرصه على تغطية طريقة بكل الإمكانات النارية، وخوفه من عناد الإنسان العربي وبطولته، اللذين قد يظهران في وجهه فجأة، رغم كل الضمانات والاحتياطات التي قد حققتها للعدو، قيادة حزب البعث.
                              ولقد وصلت بعض الأنباء من الأسرى الذين عادوا بعد الحرب، تفيد أن كثيراً من العرب (ومنهم بعض العسكريين) الموجودين في إسرائيل، قد أبلغوهم أن القوات الإسرائيلية في خلال هجومها على الجولان، تعرضت أكثر من مرة لنفاد الذخيرة، واضطر قادة المجموعات المكلفة بالهجوم والاحتلال، إلى الاستنجاد وطلب الامداد بالذخيرة، فاضطرت القيادة الإسرائيلية إلى سحب كميات كبيرة من القوات التي رابطت في سيناء أو في الضفة الغربية لتلبية احتياجات القوات على الجبهة السورية، بعد أن أفرغت هذه الذخيرة، كميات هائلة من النيران، أمامها، لتضمن قدرتها على التقدم، رغم ندرة المقاومات التي اعترضت سبيلها.
                              5- ولقد ذكر قسم من أفراد كتيبة الأقليات "للأسرى"، أن قيادة الجيش الإسرائيلي لا تثق بهم، وقد صدرت إليهم (قبل الهجوم) أوامر بالانسحاب إلى صفد. ثم عادت القيادة تلك، وأبلغتهم أن المظليين قد احتلوا القنيطرة، وأمرتهم بالعودة للعمل نسقاً ثانياً للقوات التي احتلت الجولان.
                              ولما عادت الكتيبة تلك، لتنفيذ ذلك الأمر، وجدت أن القيادة قد خدعتها، وألفت نفسها وجهاً لوجه –في النسق الأول- في مواجهة المقاومات الضارية... ولم تعثر على أي أثر للمظليين المزعومين.
                              6- ولقد صرح بعض عناصر هذه الكتيبة (سراً) إلى بعض الأسرى، أنهم كانوا على استعداد لضرب القوات الإسرائيلية في مقتلها، لو أن الجولان صمد، ولكن أنباء الهزيمة والفرار والتآمر التي سمعوها وشاهدوا بأعينهم آثارها، أجبرتهم على السكوت على مضض، والاستمرار في التظاهر بالولاء لهذه القوات... انتظاراً لفرصة قادمة...!
                              7- وقد يكون مفيداً في هذا السرد أن نذكر أن شائعة نقلها الأسرى من إسرائيل، بعد عودتهم، كانت تتردد هناك على نطاق واسع –ولا ندري مقدار صحتها-، وتفيد تلك الشائعة أن (موشي دايان)، رفض إصدار الأوامر بالهجوم على الجبهة السورية، خوفاً من ضياع "الانتصار" الذي تم له في كل سيناء وضفة الأردن الغربية.
                              وتتابع الشائعة قولها أن رئيس الأركان الإسرائيلي يومذاك "الجنرال إسحق رابين" هو الذي أخذ على مسؤوليته إصدار أوامر الهجوم على الجولان.. وبذلك أصيبت سمعة موشي دايان العسكرية بلوثة لا زالت تفسد عليه نشوة السكرة التي وضعته فيها حرب المسرحية.
                              8- لم تثبت لدينا صحة الشائعات التي روجت عن أن العدو أسقط وحدات من المظليين في الرفيد أو سهل المنصورة.
                              9- ومما يؤكد ما ذهبنا إليه من أن العدو تسلم الجولان دون قتال، هو روايات أكثر الذين شاهدوا الوحدات المعادية خلال تقدمها في الجولان، إذ كانت هذه الوحدات من الدبابات، تتقدم في تشكيلات السير، ودون ما حماية من المشاة، مما يؤكد اطمئنانها إلى خلو الطريق أمامها من مقاومات قد تعطلها.

                              تعليق

                              مواضيع ذات صلة

                              تقليص

                              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                              ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 19 فبر, 2023, 10:23 م
                              ردود 0
                              39 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
                              ابتدأ بواسطة سيف الكلمة, 20 سبت, 2021, 07:32 م
                              ردود 3
                              86 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                              بواسطة *اسلامي عزي*
                               
                              ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 21 أبر, 2021, 03:16 ص
                              ردود 0
                              94 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                              بواسطة *اسلامي عزي*
                               
                              ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 11 أبر, 2021, 12:20 م
                              ردود 0
                              65 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
                              ابتدأ بواسطة أكرمنى ربى بالاسلام, 1 فبر, 2021, 08:35 م
                              ردود 13
                              138 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة أكرمنى ربى بالاسلام  
                              يعمل...
                              X