بعض إشكاليات حروب الاسترداد في الأندلس

تقليص

عن الكاتب

تقليص

sara94 مسلم اكتشف المزيد حول sara94
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بعض إشكاليات حروب الاسترداد في الأندلس



    بعض إشكاليات حروب الاسترداد في الأندلس

    د / محمد الشريف *
    يمثل الوجود العربي الإسلامي في الأندلس امتداداً لحركة الفتح الإسلامي التي انطلقت من شبه الجزيرة العربية، ونجح المسلمون في السيطرة على معظم نواحي شبه الجزيرة الإيبيرية، فأقاموا بها مدة تقارب ثمانية قرون، إلى أن اضطروا إلى إخلائها كلية في أواخر القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي (897 ه/ 1492 م)، عقب نجاح ما يسمى بحرب أو حركة الاسترداد المسيحية، وهي تسمية أطلقها المؤرخون المحدثون على مجموع العمليات العسكرية التي نفذها الإسبان المعارضون للوجود العربي بالأندلس منذ نهاية القرن الأول الهجري حتى نهاية القرن التاسع. إنها ترجمة حرفية للمصطلح الإسباني "الريكونكيستا" Reconquista. ومن نافلة القول أن هذا المصطلح لا يرد في المصادر العربية بتاتاً، ولا نعثر على ما يقابله أو يقوم مقامه، أو يشابهه في دلالاته.
    وتعد حروب الاسترداد عنصراً كبير الأهمية في تكوين إسبانيا الحديثة، ويعتبرها الشعب الإسباني من أهم الأحداث الوطنية الخالدة في تاريخه القومي، ويرى فيها مقاومة إسبانية قومية، ويعدها أمجد مراحل الكفاح الإسباني خلال تاريخ إيبيريا على مر عصورها التاريخية.
    وليس غريباً أن وجدنا الدراسات الأوربية، وعلى الأخص الدراسات الإسبانية، تولي اهتماماً كبيراً لحركة الاسترداد؛ إلا أن الطابع الانتقائي يسِمُ معظم تلك الدراسات، لتعمّدها إبراز جوانب معينة في الموضوع، أو تتسم بالغلو في تقييم الحركة، بل وتتصف في كثير من الأحيان بطابع قومي متطرف، وديني متعصب، بتصويرها حروب الاسترداد على أنها صراع صرف بين الإسلام والمسيحية؛ وبعض تلك الدراسات تفسح المجال لكثير من الأساطير الخارقة، إبرازاً للتأييد الإلهي للإيبيريين في مقاومتهم لأعدائهم المسلمين، خاصة في المراحل الأولى للمقاومة المسيحية للوجود الإسلامي بالأندلس.
    إن دراسة حركة الاسترداد - التي وضعت حداً لوجود العرب في القارة الأوربية - تخلق لنا حالة حزن وألم، خاصة حينما نقف على صفحاتها المغرقة في القسوة والدموية، وما آل إليه مصير المسلمين الأندلسيين. إنها صفحات تدفعنا إلى تقديم قراءة صراعية لتاريخ العلاقات المغربية الإيبيرية في العصر الوسيط، تختلف جذرياً عن القراءات التوافقية التسامحية التي تعودنا عليها ونحن ندْرس تاريخ الأندلس وحضارتها.
    من جهة أخرى تحفزنا دراسة حروب الاسترداد لتخطي مرحلة التغني بأمجاد أجدادنا وبإنجازاتهم، لنتأمل تأملاً واعياً في الجوانب المشرقة والكئيبة - على السواء - من تاريخ أسلافنا، لنتعرّف في صدق على أسرار كبوتهم وعثراتهم الماضية، لنستفيد من ذلك في حاضرنا، ورسم معالم مستقبلنا.

    وليس هناك من شك في أن دراسة تاريخ حركة الاسترداد، منذ أن ظهرت بداياتها في أعقاب الفتح الإسلامي لإيبيريا إلى أن انتهت بجلاء المسلمين عنها في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي/ التاسع الهجري، تكشف لنا عن أسرار كثير من عثرات المسلمين في ماضيهم، وهي عثرات تتشابه معظم أسبابها، وعناصرها، وأشكالها، مع تلك التي نعانيها، نحن حفدتهم، في الوقت الحاضر؛ إذ ما أشبه اليوم بالبارحة(1).
    من المقاومة إلى حروب الاسترداد:
    لقد انطلقت حركة المقاومة الإسبانية للوجود العربي الإسلامي بالأندلس من إقليم أشتوريس المطل على الجزء الأوسط من ساحل بحر كنتبرية المطل على المحيط الأطلسي، وذلك في أواخر عام 99 ه/ 718 م، أي بعد نحو سبع سنوات فقط من فتح المسلمين إيبيريا، فقد تجمع فلول القوط المنهزمين والتجئوا إلى مغارة تدعى كوفادونغا تقع في سلسلة جبال كانتبرية المنيعة في أعلى قممها التي يطلق عليها الإسبان مناقير أوربا Picos de Europa بينما يسميها المؤرخون المسلمون الصخرة، ويجعلونها في جليقية.
    أما القائد الذي التفت حوله هذه الفلول فيدعى بلايو (أو بلاجوس)، وتعرفه الرواية العربية باسم بلاي. وهو شخصية يحيط بأصلها الغموض، لكنه على الأرجح ينتمي إلى أصل قوطي نبيل.
    وتقول بعض الروايات أنه كان ابناً للدوق فافيلا، دوق كنتبرية، وأنه كان الساعد الأيمن للملك لذريق، وقد وقع بلاي أسيراً بيد المسلمين، وسجن في قرطبة، لكنه تمكن من الفرار في زمن الحر بن عبد الرحمان الثقفي سنة 98 ه/ 718 م، واتجه إلى منطقة أشتوريس في الشمال الغربي من البلاد(2). وأخذ ينتقل في هذه المنطقة حتى استقر به المقام في قرية كانجاس دي أونيس، حيث التف حوله نفر من القوط الهاربين من المسلمين ومن الإيبيريين والرومان المقيمين في هذه المنطقة، فأخذ يحرضهم على الوثوب بالمسلمين ويعيب عليهم الاستسلام والتراجع، وقد لوحق بلاي من قبل منوسة، القائد البربري المسلم في منطقة الأشتوريس، لكن بلاي تمكن من الإفلات منه والاختفاء في الجبال المنيعة، وقد استهون المسلمون أمر هذه الشرذمة الصغيرة وانصرفوا إلى شؤونهم الداخلية(3).
    ولم تلبث أحداث هذا التمرد أن تطورت إلى ثورة فعلية على المسلمين في عام 103 ه/ 722 م، وهي ثورة جرت إلى صدام عسكري بين الفريقين في آكام كوبادونغا Covadonga المعروفة عند المسلمين بصخرة بلاي، أو الصخرة فقط... وهو صدام أصيبت فيه القوات الإسلامية بأول هزيمة لها على مستوى إيبيريا كلها منذ فتحها، وكان إغفال أمر هؤلاء المقاومين من أعظم الأخطاء التي ارتكبها العرب في الأندلس، فقد قويت معنويات بلاي وجماعته بانسحاب المسلمين فانضم إليه العديد من الأنصار الذين اختاروه ملكاً عليهم.
    لقد بالغت المصادر اللاتينية في تصوير معركة كوبادونغا فجعلتها شيئاً أشبه بالفتح المبين الذي تَمّ بإرادة وتدبير القوى الإلهية، وزاد مؤرخو الإسبان هذا النصر تقديراً وإجلالاً فجعلوه بداية لصراعهم من أجل إخراج المسلمين من الأندلس، ولا جدال في أن انتصار مسيحيي اشتوريس على المسلمين في تلك المعركة كان ضعيفاً هزيلاً في حد ذاته، إذ اقتصر على انحسار النفوذ الإسلامي عن الجزء الجبلي القاحل الذي دارت عليه وحوله المعركة في أقصى شرق أشتوريس(4).
    وانتهز ألفونسو دوق كنتبرية - التي لم يكن قد شملتها موجة الفتح الإسلامي الأولى، أو امتدت إليها السيطرة الإسلامية فيما بعد - الفرصة وضم تلك المنطقة إلى دوقيته منذ العام الأول لاعتلائه الحكم في عام 739 م وأعلن ميلاد أول كيان سياسي مسيحي في الشمال مستقل عن الكيان الإسلامي الأندلسي في الجنوب، عرف بمملكة أشتوريس التي كانت بمثابة أول تعبير ملموس نحو تكوين جبهة إسبانية مسيحية في شمال إيبيريا ضد المسلمين في تلك الفترة المبكرة.
    ويعد ألفونسو الأول (الكاثوليكي) المؤسس الحقيقي لإسبانيا النصرانية، فقد وسع مملكته وقواها وأزاح عنها خطر المسلمين إلى حين، فحكم في ظروف مواتية (121-140 ه/ 739-757 م) لن الخلافات الداخلية كانت قد شغلت المسلمين عنها لسنوات طويلة، فسرعان ما تضخمت مساحة مملكته على نحو لم يكن في الحسبان بحيث امتدت سيطرتها على كل ما يقع شمال نهر دويرة Duero من إقليم جليقيا (غاليسيا) المطل على المحيط الأطلسي غرباً حتى بلاد البشكنش (الباسك) شرقاً، أي ما يوازي نحو ربع مساحة إيبيريا.

    وتطورت استراتيجية هذه المملكة من مجرد الدفاع عن نفسها إلى الهجوم والضغط على المسلمين، ثم تبلورت أهدافها النهائية في تقرير أحقيتها وحدها في الحياة والسيطرة على إيبيريا، الأمر الذي لم تقدر معه لوجهتيْ نظر اشتوريس والأندلس أن تلتقيا على هدف، أو أن تتعايشا في سلام ومودة أو حسن جوار، وإنما اتسمت العلاقات بينهما بالعداء الصارخ.
    لقد أوصل المسلمون بأنفسهم مملكة أشتوريس إلى هذه الغايات، وأفسحوا لها بطريقة غير مباشرة الطريق إلى تحقيقها، إذ واكب الفترة الملازمة واللاحقة لنشأتها انشغال المسلمين عنها فيما نشب بين بعضهم البعض من صراعات، بدأت بصراع العرب والبربر الذي ما كاد ينتهي بإخلاء البربر طواعية لمناطق استيطانهم في إقليمي أشتوريس وجليقية، حتى حلت محله حروب ضارية بين العرب أنفسهم.
    وهكذا كانت حركة التمرد في إقليم أشتوريس بشمالي إيبيريا وما أعقبها من قيام مملكة فيه مستقلة عن النفوذ الإسلامي في الأندلس، أول تعبير إسباني مسيحي لإعاقة المسلمين على نطاق إيبيريا كلها، ويشكل فترة هامة وحرجة للغاية من تاريخ المسلمين فيها، إذ صارت أشتوريس على هذا النحو البؤرة التي انبثقت منها فكرة المقاومة ضدهم، قبل أن تظهر في غيرها من أقاليم إيبيريا، فابتدأت بها أولى مراحل التقلص التدريجي البطيء للنفوذ الإسلامي في إيبيريا، وهو تقلص تكفلت القوى المسيحية التي تلت مملكة أشتوريس (قشتالة وليون وأرغون وبرشلونة) بإتمام مراحله على صورة أشد وأقسى، وذلك فيما عرف بحركة الاسترداد التي انتهت بالفعل بإجلاء المسلمين عن آخر معاقلهم واستعادة الإسبان السيطرة عليها كلية عام 1492 م أي بعد ما يقرب من ثمانية قرون على فتح المسلمين لها عام 711 م(5).
    إن فكرة حدود ثابتة قارة بين الممالك المسيحية والإسلامية لم تكن لتتوافق مع منطق الريكونكيستا(6): فكل تقدم مسيحي باتجاه الجنوب لم يكن ليمثل سوى مرحلة أو خطوة في مسار طويل، وأن الأراضي المسترجعة كان يتم تنظيمها وكانت تقسّم حسب التراتبية الاجتماعية للتعمير في أفق التحضير لهجوم آخر مستقبلي، وهكذا نجد أن التحصينات الأولى في مملكة قشتالة، بما في ذلك القصور، التي شيدت نهاية القرن الحادي عشر الميلادي وبداية القرن الثاني عشر، تَمّ التخلي عنها وهجرها حينما توسعت الحدود أكثر باتجاه الجنوب، وحينما لم يعد لها دور عسكري(7).
    ومن المؤكد الآن أن حركة المقاومة المسيحية قد بدأت ضد من استولوا على البلاد، لا ضد ديانة، فالعامل الديني كان ثانوياً في تحريك عملية المقاومة وحركة الاسترداد في بداياتها. ولم يبرز هذا العامل جلياً في الصراع الإيبيري- العربي الإسلامي إلا مع ترسخ التقليد الديري، خاصة في شمال شبه الجزيرة الإيبيرية، لقد لعب "الشعور الوطني" دوراً كبيراً في نشأة حركة الاسترداد، فلم تكن هذه الأخيرة حرباً دينية، بقدر ما كانت حرب تحرير، مارسها الإسبان على مدى امتداد ثمانية قرون متتالية لتخليص بلادهم من الوجود العربي الإسلامي، أو لنقل أنهم نجحوا في خلق ضميرهم الجماعي من خلال صراع لم يتوقف، ولم يكن يفصل البتة بين الدفاع عن العقيدة المسيحية والدفاع عن الوطن المغتصب.
    وإلى حدود القرن الثاني عشر لم تكن المدونات التاريخية المسيحية تطلق على خصومهم تسميات مرتبطة بمعتقدهم الديني (مسلمين، أو كفار...) وإنما أطلقت عليهم تسميات ذات مدلول إثني (من قبيل الموروس، = السكان الأقدمون لمريطانيا الطنجية الرومانية، أي البربر، أو السراسان Sarakenoi وهي كلمة أطلقها الإغريق على قبائل الرحل جنوب فلسطين، أي العرب).
    أما المصادر العربية فإنها لا تثير بتاتاً قضية الصراع الديني في هذه المرحلة - وإنما تتحدث عن الصراع حول الأرض ومن يحق له الاستيلاء عليها، يذكر ابن حيان أن بلاي «عاب على العلوج طول الفرار، وأذكى قرائحهم حتى سما بهم إلى طلب الثأر، ودافع عن أرضه، ومن وقته أخذ نصارى الأندلس في مدافعة المسلمين عما بقي بأيديهم من أرضهم»(8).

    وفيما بعد نجد أن فرناند أمير جليقية يشترط على أهل مدينة طليطلة - لعقد الصلح - شروطاً لا يقدرون عليها فقالوا له: لو كنا نقدر على هذه الأشياء، وهذه الأموال لنفقناها على البرابرة، واستدعيناهم لكشف هذه المعضلة، فقال لهم فرذلند: «... وأما استدعاؤكم البرابرة فأمر تكثرون به علينا، وتهددونا به، ولا تقدرون عليه مع عداوتهم لكم، ونحن قد صمدنا إليكم ما نبالي من أتانا منكم، فإنما نطلب بلادنا التي غلبتمونا عليها قديماً في أول أمركم، فقد سكنتموها ما قضي لكم، وقد نصرنا الآن عليكم برداءتكم، فارحلوا عنا إلى عدوتكم، واتركوا لنا بلادنا، فلا خير لكم في سكناكم معنا بعد اليوم، ولن نرجع عنكم أو يحكم الله بيننا وبينكم»(9).
    ولئن كان الدافع الديني خافتاً في بداية الحركة، فإنه سرعان ما أصبح العنصر المهيكل لمجموع تحركات القوى المسيحية، خاصة بعد تسرب الأنظمة الديرية إلى شبه الجزيرة الإيبيرية، وعلى رأسها نظام كلوني Cluny، ونظام سيستيرسي Cistercy. وأضفت الكنيسة على حركة الاسترداد صبغة الحرب الصليبية، ومنحتها نفس امتيازاتها. ولقد أبان البابا أينوسان الثالث - تولى كرسي البابوية سنة 1191 م، وهو من أصل إسباني - عن حماسة منقطعة النظير لحركة الاسترداد. وزاد البعد الديني أهمية بعد إنشاء "النظم الدَّيْرِية العسكرية" Ordres militaires، مثل "نظام قلعة رباح Calatrava" سنة 1161 م، و"نظام شانت ياقب Santiago" سنة 1170 م، و"نظام القنطرة Alcantara" سنة 1213 م، وغيرها من الأنظمة العسكرية التي قامت ونشطت في مناطق الثغور المتاخمة لأراضي المسلمين في الأندلس، ودعمتها أنظمة ديرية أخرى من مختلف أصقاع أوربا المسيحية، واشتد أعضاؤها في محاربة الأندلسيين بهمة وحماس، وفي ردع القوات المغربية في مسعاها لاستنقاذهم.
    لقد مرت حركة الاسترداد بين مد وجزر، فكانت تخبو شرارتها، وتنحسر امتداداتها، حينما تكون الجبهة الأندلسية المغربية قوية متماسكة، وتعود إلى الحيوية والنشاط حينما تضعف تلك الجبهة بفعل التناحر، والانشقاقات، والحروب الداخلية.
    لقد عرفت حركة الاسترداد أقوى الدفاع لها في القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي، وهو عصر دول الطوائف بالأندلس (422 ه/ 1023 م-485 ه/ 1092 م) ففي هذا العصر انفرطت عرى وحدة الدولة بالأندلس، وتجزأت إلى عدد كبير من الدويلات المتناحرة فيما بينها، وأصبح التاريخ الأندلسي مطبوعاً بالصراعات بين ملوك الطوائف، وبتدخل الملوك المسيحيين في الشؤون الداخلية للأندلس أكثر فأكثر. وزاد الأمر خطورة الضعف العسكري الكبير الذي أضحت عليه الطوائف بالمقارنة مع الممالك المسيحية الشمالية. واستغل المسيحيون هذه الظروف وعبّدوا الطريق أمام حركة الاسترداد.
    وكان استيلاء ألفونسو السادس، ملك ليون وقشتالة، على مدينة طليطلة، "درة وسط الأندلس"، سنة 478 ه/ 1085 م، من أهم أحداث حركة الاسترداد، في القرن الحادي عشر، فقد «كان له نفس الصدى الذي حدث عند سقوط هذه المدينة يوم كانت عاصمة القوط الغربيين في أيدي المسلمين، قبل ذلك بأربعمائة سنة، بحيث سرى هذا الاستيلاء في جميع أنحاء الأندلس والمغرب مسرى الألم والحسرة»(10). مما كان حافزاً أساسياً، دفع أمير المرابطين، يوسف بن تاشفين، إلى التدخل العسكري في شبه الجزيرة الإيبيرية، ليكبح جماح حركة الاسترداد مؤقتاً، بالانتصار الساحق الذي حققه في معركة الزلاقة، يوم الجمعة 12 رجب، سنة 479 ه/ 23 أكتوبر 1086 م، بعد مضي سنة واحدة على سقوط طليطلة. ومنذئذ توحّدت العدوتان: الأندلسية والمغربية، وأصبحت الأندلس ولاية مغربية داخل الإمبراطورية المغربية الكبرى، وغدا المغرب - طيلة العصر المرابطي والموحدي والمريني - عنصراً فاعلاً في الأحداث الأندلسية، ومعنياً بصفة مباشرة بالدفاع عن المسلمين في الأندلس أمام الزحف المسيحي، وتحالف الدول الإسبانية - البرتغالية، المؤيدة من قوى أوربية متطوعة في حرب طاحنة، لم تكن تهدأ إلا لتنطلق من جديد، عاتية، مثل الحروب الصليبية في المشرق الإسلامي.
    لقد سالت دماء المغاربة خلال صدّهم للزحف المسيحي، وفي دفاعهم عن الأندلس، ووجدنا من السلاطين والأمراء المغاربة من استشهد هناك ذوداً عن الأرض الأندلسية وأهلها. وحينما دخل المغرب المريني طور الاحتضار، مسبوقاً بسقوط القواعد الأندلسية الكبرى، عقب سلسلة من المعارك والمحن الطاحنة (قرطبة سنة 633 ه/ 1236 م، بلنسية سنة 636 ه/ 1238 م، شاطبة سنة 644 / 1246 م، مرسية سنة 640 ه/ 1243 م، جيان سنة 643 ه/ 1246 م، إشبيلية سنة 646 ه/ 1248 م...)؛ كان ذلك إيذاناً بنهاية الأندلس: «وانقطعت الجيوش المغربية عن العبور إلى الأندلس لمقاتلة النصارى... وتركت غرناطة من ذلك الحين إلى مصرها داخل الجزيرة...»(11).
    ولعل أشهر الحروب التي خاضها المغاربة بالأندلس لوقف مد حركة الاسترداد - فضلاً عن معركة الزلاقة سنة 479 ه/ 1086 م، هي معركة الأرك سنة 591 ه/ 1195 م، ومعركة العقاب سنة 609 ه/ 1212 م، ومعركة طريف سنة 741 ه/ 1340 م(12).
    يجدر بنا أن نذكر بالانتصار الكبير الذي أحرزه الموحدون بمعركة الأرك 591 ه/ صيف 1195 م(13). إلا أن هذا الانتصار كان مثل انتصار الزلاقة «انتصاراً دفاعياً بحثاً لم يعقبه استيلاء على أراضي جديدة مهمة. فالخليفة المنصور لم يحصل من انتصاره الكبير في معركة الأرك على أكثر من نصف دزينة من الحصون الحدودية الخالية من السكان»، حسب تعبير ويسي ميراندا(14)

    أما معركة العقاب «التي كانت السبب في هلاك الأندلس» - حسب المؤرخين المغاربة، فتمثل بداية عهد جديد في تاريخ حروب الاسترداد، فقد مالت بشكل نهائي كفة هذه الحروب لصالح المسيحيين على حساب المسلمين، بعدما بقيت كفتها تتأرجح بين هطا الطرف وذاك منذ استعادة المسيحيين لطليطلة عام 1085 م، وأدت هذه الهزيمة - على المدى البعيد - إلى انهيار الأندلس وضياعها تدريجياً من يد المسلمين، فقد كانت «نقطة تحول نهائي في حروب الاسترداد لأنها وضعت حداً لمسلسل التدخلات الناجحة للإمبراطوريات المغربية في شؤون الأندلس، ذلك أن المحاولات التي سوف يقوم بها المرينيون لاحقاً لن تحول دون الفقدان التدريجي والحتمي للأندلس»(15).
    أما معركة طريف عند ريو سالادو Rio de Salado يوم سابع جمادى الثانية 741 ه/ 28 نوفمبر 1340 م، التي أسفرت عن مذبحة للمسلمين، وأسر عدد من الجنود، ومن بينهم أحد أبناء أبي الحسن، ووفاة زوجة السلطان الحفصية التي قتلت مع زوجة أخرى، وهروب السلطان بنفسه نحو سبتة، فقد كانت آخر سهم في جعبة المغاربة للدفاع عن الأندلس.
    والواقع أن السلطان المريني سيكتفي بمساعدة الأندلسيين من بعيد. فعندما حوصرت الجزيرة الخضراء في بداية سنة 743 ه/ يوليوز 1342 م اكتفى أبو الحسن بمساعدة المحاصرين من مدينة سبتة، وإرسال المؤونة لهم بحراً، بانتظار استسلام المدينة للعدو. وبسقوط الجزيرة الخضراء في بداية شوال 743 ه/ مارس 1343 م فقد المغرب المريني نقطة هامة للعمليات العسكرية ولانتقال الجيوش، وأصبح ألفونسو الحادي عشر سيد مياه الزقاق بدون منازع.
    منذ هذه الفترة لا نجد اهتماماً كبيراً بالنقطتين اللتين كانتا ما تزالان تحت الإدارة المرينية، وما لبث المرينيون أن تنازلوا عن رندة للنصريين سنة 1361 م وفي سنة 1374 م تنازلوا لهم عن جبل طارق، وبذلك لم يعد هناك وجود مريني بأرض الأندلس. بل أصبح المغرب نفسه، وقد دخل مرحلة الانحلال والضعف، ميدان تدخل ودسائس نصرية لا تنتهي.
    لقد حدّت مجموعة من العوامل المعقدة من جدوى التدخل المريني بالأندلس، وعلى رأسها: الانشغال في الحروب مع الجار الزياني، والفتن الداخلية بالمغرب، والصراع على السلطة، والتناقض المريني النصري، وعدم توفر المرينيين على أسطول كبير، واختلال التوازن بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط بصفة عامة. ومع ذلك فإننا لا ننفي أن المغرب المريني «استطاع أن يؤخر كارثة الأندلس بنحو قرنين من الزمن، لما بذله من دفاع مجيد عن الفردوس المفقود»(16) ، لكن انقطع العبور المغربي إلى الأندلس ترك الأندلسيين يواجهون لوحدهم زحف حركة الاسترداد الجارف الذي توج بسقوط غرناطة، عاصمة النصريين، سنة 1492 م.

    محاولة تفسير أسباب الانتصارات العسكرية المسيحية خلال حروب الاسترداد

    إن الفترة التي أعقبت الانحلال الموحدي بالمغرب والأندلس بعد معركة العقاب قد عرفت توسعاً مذهلاً لحركة الاسترداد. فقد مال فيها التوازن كلياً لصالح النصارى، وتكالبت القوى المسيحية خلالها على جزيرة الأندلس من كل جانب، فكانت «فترة ضاعت فيها ثغور المسلمين، واستبيح حماهم، والتهم العدو بلادهم وأموالهم نهباً في الحرب، ووضيعة ومدارة في السلم. واستولى طواغيت الكفر على أمصارها وقواعدها»(17). وتمتد هذه الفترة حسب ابن خلدون حوالي نصف قرن من 622 إلى 670 ه / 1225-1271 م.
    فقد بدأ الزحف المسيحي الكبير بغرب الأندلس حينما استطاع البرتغاليون - بمساعدة الصليبيين القادمين من أوربا الغربية - من انتزاع قصر أبي دانس سنة 1217 م، واستولى مسيحيو مملكة ليون على قاصرش Cáceres سنة 1227 م. بيد أن خلفاء المنتصرين في معركة العقاب، الملكيْن النشيطين فرناندو الثالث القشتالي (1217-1252 م) وخايمي الأول الأرغوني (1213-1276 م) هما اللذان نجحا - بعد التغلب على المشاكل التي صاحبت توليتهما على عرش بلديهما - في إعطاء الدفعة القوية للتوسع المسيحي على حساب السلطات الضعيفة التي أصبحت تتقاسم الأندلس آنذاك. ففي بضعة سنوات نجحت أرغون في الاستيلاء على الجزر الشرقية وشرق الأندلس، واستولت البرتغال على إقليم الغرب بأكمله، وتحركت قشتالة للزحف على أراضي الوادي الكبير ومدنه. (الاستيلاء على ميورقة 1229-1233 م وعلى بلنسية 1238 م وعلى قرطبة 1236 م وجيان 1246 م وإشبيلية 1248 م... ووضعت مرسية تحت حماية فرناندو الثالث سنة 1243 م...).
    وحينما نريد أن نعرف الأسباب الكامنة وراء انهيار الجبهة الأندلسية أمام زحف حركة الاسترداد هذه، غالباً ما تثار مجموعة من العوامل، منها ما هو ديموغرافي (ازدياد عدد النصارى)، ومنها ما هو استراتيجي، فضلاً عن الفرقة في صفوف المسلمين، وتفوق خصومهم التكنولوجي في مجال السلاح، وقصور المسلمين في التمكن من أخذ أو استرداد المدن المسوَّرة، كطليطلة ولشبونة، واستبعاد معظم الأندلسيين عن الخدمة في الجيش منذ أيام الخليفة عبد الرحمن الثالث (الناصر لدين الله) والمنصور محمد بن أبي عامر (القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي)، والاعتماد على عناصر من غير أهل البلاد في الدفاع عنها... إلخ(18).

    أطروحة العقلية الانهزامية للأندلسيين:

    يتحدث بعض الباحثين العرب عن "العقلية الانهزامية" التي استولت على الأندلسيين منذ سقوط طليطلة بيد ألفونسو السادس سنة 478 ه/ 1085 م، والتي صورها أحسن تصوير الشاعر الأندلسي عبد الله بن فرج اليحصبي المشهور بابن العسال، حين قال بعد ضياع المدينة:

    يا أهلَ أندلسٍ حُثوا مَطِيَّكُمُ

    فما الْمَقامُ بها إلاَّ منَ الغلَطِ

    الثوبُ يُنْسلُ منْ أطْرافِهِ وَأرى

    ثوْبَ الْجَزيرةِ مَنْسُولاً مِنَ الوَسَطِ

    وَنَحْنُ بيْنَ عَدُوّ لا يفارِقُنا

    كَيفَ الحياةُ مع الحَيّات في سَفَطِ؟



    ويتجلى من صرخة هذا الشاعر أن مسلمي الأندلس كانوا يشعرون بأنهم أجانب، وأنهم بأرض ليست بأرضهم، حان وقت حثّ المطايا لمفارقتها. ومما يؤكد هذا الأمر قول شاعر مجهول أورده أحمد المقري(19):

    يا أهل أندلسٍ رُدُّوا الْمُعارَ فما

    في الْعُرفِ عاريّةٌ إلاّ مُرَدَّاتُ

    أَلَمْ تَرَوْا بيْدَقَ الكفار فرْزَنَة

    وشَاهُنا آخرُ الأبياتِ شَهْماتُ



    هكذا يبدو أن الأندلسيين كانوا يشعرون أنهم استعاروا إلى أجل أرضاً غير أرضهم، أو أنه مُنحوا "عارية" لابد أن ترد إلى أصحابها الشرعيين.
    وقد أعاد هذه الصرخة الشاعر إبراهيم ابن الدباغ الإشبيلي بعد هزيمة العقاب 609 ه/ 1212 م، كاشفاً عما أصاب النفس الأندلسية من انهيار، وما لاح على العزائم من خور، فبدا الجميع عاجزين مذعورين مستسلمين(20).

    وقائلة: أراك تطيل فكراً

    كأنك قد وقفت لدى الحساب

    فقلت لها: أفكر في عقاب

    غداً سبباً لمعركة العقاب

    فما في أرض أندلس مقام

    وقد دخل اللا من كل باب(21).


    فالشاعر لا يدعو أهل بلده إلى التكتل أمام الخطر وإلى نبذ ما بينهم من أسباب الانقسام والفرقة بل إنه يحثهم على الرحيل (فما في أرض أندلس مقام). «فمغادرة السفينة الأندلسية وشأنها، قد هيأت لها إذن عقلية انهزامية استولت على النفوس منذ قرون»(22).

    أطروحة خفوت الروح الجهادية:

    وقد يدعم هذه الأطروحة ما ذهبت إليه بعض الدراسات الأوربية من كون الحقائق السوسيولوجية والمادية لم تكن وحدها وراء الضعف الأندلسي، وأن هناك قضية مرتبطة بالثقافة والعقلية الأندلسية، التي لم تفسح المجال كثيراً لبروز إيديولوجية محركة للجهاد على المستوى الشعبي، مشابهة لتلك التي كانت تحرك المسلمين المشارقة ضد الصليبيين على عهد الزنكيين والأيوبيين. هذا ما يذهب إليه (بيير غيشكار) في أطروحته عن "مسلمي بلنسية في مواجهة حركة الاسترداد"، استناداً على ما خلص إليه (دومنيك أورفوا) (23).، الذي كتب يقول بأن الانصهار بين المذهب وفكرة الجهاد التي نجحت في خلق حركة عملية ضد الصليبيين في المشرق قد فشلت بالأندلس، حيث ألقيت مهمة بالجهاد على عاتق المغاربة البربر(24)..
    وفي مقال له حول الجهاد على عهد المرابطين ينتقد (فانسان لا غاردير) فكرة خفوت الروح الجهادية بالأندلس خلال القرن الثاني عشر، ويسوق عدداً من الأمثلة لعلماء وفقهاء شاركوا في الجهاد، لكنه يدافع بدوره عن كون الجهاد ظل ذا طابع رسمي، ولم يتسرب عميقاً في الوعي الأندلسي، ونشك أن تكون الأمور قد تغيرت لاحقاً، وبقي الجهاد مسؤولية ملقاة على عاتق الدولة ولم تلمس الأندلسيين عموماً.

    أطروحة ميل الأندلسيين لقبول السيطرة المسيحية:

    ونرى أن هذه التفسيرات (العقلية الانهزامية للأندلسيين وخفوت روح الجهاد لديهم) ترتبط بخيط ما مع أطروحة مينانديس بيدال - صاحب المؤلف الشهير "إسبانيا السيد" - حول "ميل" الأندلسيين إلى قبول السيطرة القشتالية أو الأرغونية بفعل المكون الإسباني المشترك الذي قد يكون وحّد سكان شمال شبه الجزيرة الإبيرية وسكان جنوبها، وكان أكثر قوة وعمقاً من الاختلاف الثقافي والديني الذي يفرق بينهما(25)..
    وهذه الأطروحة قد تبناها أغلب مؤرخي منتصف القرن العشرين أمثال (سانشيز ألبرنس). يتحدث بيدال عن مسلمي الأندلس - باعتبارهم ورثة إسبانيا قبل الغزو الإسلامي أكثر من كونهم ورثة الثقافة العربية "الأجنبية" - وبأنهم كانوا، في فترة الاسترداد "أكثر ميل" نحو التوافق مع "إخوانهم في الدم والعرق"، أي مع مسيحي ممالك الشمال، إن لم يكونوا ميالين لقبول السيطرة السياسية للملوك المسيحيين. وهكذا يكتب مينانديس بيدال في "إسبانيا السيد"، بأن «الأندلس التي استعادت بسرعة استقلاله عن المشرق، قد أسْبَنَتْ إسلامها، والعناصر العرقية الأسيوية والإفريقية قد تم تقريباً امتصاصها وإدماجها في العنصر الأهلي المحلي، بحيث أن الغالية العظمى من المسلمين الإسبان كانوا بباسطة إيبيريين - رومانيين أو قوطيين، تكيفوا مع الثقافة الإسلامية، وكان بإمكانهم التفاهم بسهولة مع إخوانهم بالشمال الذين ظلوا أوفياء للثقافة المسيحية. لهذا السبب، حينما أصبح الشمال مهيمناً عسكرياً، مالت الأندلس بسهولة نحو الخضوع، لأنه كانت تنقصها الروح الوطنية والدينية».
    ونعثر على فكرة الاستمرارية في الزمان والمكان لنفس الحضارة "الإسبانية" المستندة على التلاؤم الإثني لشبه الجزيرة الإيبيرية عند مؤلفين آخرين أمثال Ubieto Artera الذي كتب يقول: «خلال العصر الوسيط، كانت أغلبية سكان شبه الجزيرة الإيبيرية يعتنقون الديانة الإسلامية. فمن غير المنطقي اعتبار "الموروس" في هذه الفترة شيئاً غريب عن أنفسنا... فالتعارض بين المسلمين والمسيحيين الذي نقدم على ضوئه العصر الوسيط الإسباني... غير منطقي ولم يظهر سوى في القرن 16 م حينما ربَطتْ المشاكلُ الدينية والسياسية الأوربية الديانة المسيحية بإسبانيا، والخطر التركي بالإسلام».
    إن السهولة التي أخضع بها المسيحيون مناطق شاسعة من الأندلس وخاصة شرقها البلنسي، وخضوع عدد كبير من الجماعات القروية للجيش المسحي، من شأنها - ظاهرياً - أن تدعم أطروحة "الاستمرارية" هذه بيد أنه ينبغي الحذر من التبسيطات، لأن أسباباً أخرى يمكن أن تفسر لنا موقف الجماعات القروية الأندلسية التي تركت لشأنها من قبل السلطات المركزية، والمتشبثة بأرضها، ومن دون قدرات للتصدي للغزاة المسيحيين، الذين لم تتأخر في الثورة عليهم كما، تشهد بذلك عدد من حقائق التاريخ الأندلسي(26).. ينبغي أن ندرس كل حالة لمعرفة طريقة خضوع مختلف مناطق الأندلس للجيش المسيحي. ولذلك فإننا نتردد في الأخذ بهذا التفسير الإثنو سيكولوجي، وبالتالي يتعين علينا البحث عن أسباب أخرى لتفسير النجاح النهائي لحركة الاسترداد.

    أطروحة التفوق العسكري للمسيحيين:

    من الممكن - ولو من الصعب إثبات ذلك - أن يكون أهل الأندلس من المسلمين قد أصيبوا في سنوات 1230-1250 م بالإحباط أمام دينامية المسيحيين الغازين وشراستهم. ولا شيء يؤكد في المقابل أنهم لم يكونوا متشبثين بعقيدتهم وبحضارتهم وبأرضهم، أو أنهم لم يكونوا عازمين على الدفاع عن تلك المكونات. إن التوسع الديموغرافي قد ساهم بلا شك في تفسير الضغط المسيحي على الإسلام، ولكن لا شيء يثبت أن المسلمين كان عددهم قليلاً ليلا يتصدوا له.
    والواقع أن الأندلسيين قد وجدوا أنفسهم وحيدين - بعد انحلال البنية السلطوية للموحدين - في مواجهة تفوق أعدائهم العسكري نتيجة انتصاراتهم المتتالية عليهم. إن مؤلف أول مدونة عامة Primera Crónica General يوضح بجلاء عدم قدرة الأندلسيين العسكرية حينما يتحدث عن ابن هود، أمير مرسية، الذي تعرض لهزيمة قاسية على يد الليونيين سنة 1230 م. يقول صاحب "المدونة": «كان هذا الملك - ابن هود - يخشى القيام بحملات عسكرية كبيرة، لأنه في كل مرة كان يهزم ويجد نفسه في موقف صعب، ولهذا السبب حتى ولم قيل له بأن ملك قتشالة فرناندو لا يصحبه سوى نفر قليل، لم يكن يثق في ذلك»(27)..
    ونفس الشيء بالنسبة لأمير بلنسية، زيان بن مردنيش، الذي تعرض بعد ذلك لهزيمة في أنيشة سنة 1237 م. إن كلا الزعيمين الأندلسيين كانا في بداية أمرهما قائدين عسكريين، ويتمتعان بشهرة طيبة كرجُلَيْ حرب. لكن يبدو أنهما وجدا نفسيْهما أمام الضعف البنيوي للتركيبة السوسيو سياسية والثقافية الأندلسية، وهو ضعف نسبي ولا شك، تكرس بفعل المواجهة مع تشكلات اجتماعية وممالك مسيحية أكثر دينامية وعدوانية وميالة للتوسع.
    فتسليح الجيش الأندلسي - كما تظهر بعض الصور - كان ضعيفاً مقارنة بالجيش المسيحي(28).. ومن المحتمل كذلك أنه ابتداءً من هذه الفترة بدأت الهوّة تتسع على مستوى التعدين والتقنيات بين العالم الإسلامي والعالم المسيحي(29).. وانطلاقاً من هذا الاختلال البنيوي بين التشكيلتين يذهب بعض الباحثين إلى أن المسيحيين كانوا يتقدمون على حساب مجتمع أندلسي مدني لا يتوفر على إمكانيات الدفاع عن نفسه، نظراً لاختلال بنياته الدولتية، لقد ظل المجتمع الأندلسي في عمقه مجتمعاً مدنياً، تهيمن عليه نخبة من الفقهاء والكتاب، وكان - على عكس المجتمع المسيحي "الفيودالي" - لا يخصص جزء معتبر من موارده للاعتناء بالقطاع العسكري القرين لطبقة الفرسان(30)..
    ولا يخالجنا شك في أن فهم التقدم الكبير الذي حققته حركة الاسترداد بالأندلس يحتم علينا الأخذ بعين الاعتبار الخصائص "الفيودالية" لدول الممالك المسيحية بشمال إسبانيا ولمجتمعاتها، والتي من شأنها أن تجعلنا نفهم "التباينات الحاسمة بين المجتمع الغازي والمجتمع المغزو"، وتسهل علينا فهم "اختلاف قدراتهما العسكرية" فهماً جيداً. فالمجتمع المسيحي للممالك الشمالية "مجتمعاً مهيكلاً من أجل الحرب" A society organized for war كان - حسب تعبر (إلينا لوري) (31). ويبدو من المنطقي أن نفترض وجود علاقة وثيقة بين طبيعته الفيودالية وميله للتوسع، كما توضح ذلك راينا باستور Rayna Pasteur في مؤلفها "من الإسلام إلى المسيحية"(32).
    في هذا الإطار فإن العنف المصاحب للصراع الطبقي، وعلى رأسه العنف الأرستوقراطي - الذي أوضحه (بيير بوناسي) في دراسته حول قطالونيا في القرن العاشر(33)، والذي لا نشك في أنه امتد إلى حدود القرن 12 و13 م - يمكن أن يتحول إلى قهر المزارعين والفلاحين في الداخل، أو إلى مشاريع خارجية بهدف ضمان الغنيمة للفرسان، ومنحهم الأراضي وجماعات قروية جديدة لاستغلالها.

    لذلك نجد من الباحثين من يقترح تفسير مسار حركة الاسترداد بجعل الطبقة الأرستوقراطية والعنف الفيودالي في قلب حركة التوسع. «إن إحدى الحلول المجربة للتغلب على الأزمة التي كانت تضرب طبقة الأسياد القطلانيين والأرغونيين نهاية القرن 12 م، تتمثل في التوسع نحو الشمال، وقد توقفت فجأة على أسوار موريط Muret. ومع وفاة بيير الكاثوليكي، انمحى دور الموحد التي كانت تلعبه الملكية التي كانت تتجاوز - دون أن تحل - التناقضات الداخلية للطبقة المسيطرة، ودخلت هذه الأخيرة من جديد في صراعات داخلية بين مكوناتها المختلفة. وكان ينبغي البحث عن الحل في الاستمرار في السيطرة على المناطق الجنوبية... وهكذا تَمّ البحث عن حل التناقضات الداخلية بالاتجاه نحو الخارج، نحو الأراضي البلنسية».
    والواقع أن تفسير حروب الاسترداد على ضوء نمط الإنتاج الفيودالي وجعله العنصر الأساسي في فهم التوسع المسيحي في القرن 11-13 في شبه الجزيرة الإيبيرية، هو مجرد اختزال ظاهرة معقدة وإخضاعها قسراً لمصطلحات ومفاهيم التاريخ الاقتصادي والاجتماعي الماركسي. كما يصعب علينا تقديم العناصر السيكولوجية والمعنوية والدينية وحدها كعناصر قمينة بتفسير نجاح حركة الاسترداد. ولا يكفي كذلك أن نفسر التقدم العسكري بفعل الشجاعة والحماس الديني للغازين مثلما لا يمكننا تفسير التوسع التجاري للجنويين والبيزيين في البحر المتوسط في القرن 12 م بفعل الخصال التجارية لمواطني الجمهوريات الإيطالية. إن هذه العناصر لا يمكن نفيها في تفسير شمولي للظواهر التاريخية، بيد أنه ينبغي وضعها في إطار سياسي واجتماعي وتقني الذي شجع على ظهورها والذي ترتبط به تلك العناصر.
    لا يبدو أن الحضارة الأندلسية كانت أقل شأناً من الحضارة الغربية اقتصادياً وثقافياً وتقنياً. بل العكس هو الحاصل إن نحن نظرنا في تفاصيل الأمور. بيد أن التفوق العسكري للقطلانيين والأرغونيين يبدو أمراً لا جدال فيه، مما يوحي بأن المستوى العالي للثقافة والتنظيم الإداري والسياسي، والثروات الاقتصادية للأندلسيين لم يكن موجهة - على غرار التشكيلة السوسيو سياسية المسيحية المنافسة نحو تحريك جيد للقدرات القتالية الشرسة، وهو ما يظهر جلياً من عدد الفرسان الذي كان يمكن أن يرمي به المسلمون في المعارك مع القوات المسيحية.
    وهذا الطابع غير المعسكر، اجتماعياً وسيكولوجياً للتشكيلة السياسية والاجتماعية الأندلسية لعب بلا شك دوراً مهماً في عدم قدرته على التحرك بطريقة مواتية أمام الضغط المسيحي المتزايد(34).
    إن الأندلسيين لم يكونوا "مدنيين غير مسلحين" أو عزل من السلاح، لا في المدن ولا في البوادي، وخاصة في المناطق الحدودية. فحين تسليم حصونهم للعاهل الأرغوني يتم التنصيص في عدد من الحالات على أن المسلمين سيحتفظون بأسلحتهم. وفي بعض الأحيان يتم التنصيص على أن من أراد الهجرة من المناطق التي سقطت يمكنهم ذلك مع حمل سلاحهم ورماحهم. ومن الواضح أن الجماعات القروية والحضرية - وليس الجيوش النظامية - هي التي كانت تدافع عن حصونها.
    ولم يكن الفرسان المسيحيون يعتبرون المواجهة العسكرية مع سكان الحصون الإسلامية محسومة سلفاً. بل كان المسلمون يستميتون في الدفاع عن حصونهم بشجاعة أشاد بها الملك جاك المحارب نفسه. فلم يتم الاستيلاء على بريانة، المدينة الصغيرة في شرق الأندلس، مثلاً في خريف 1233 م إلا بعد حصار دام ثلاثة أشهر. ويجب أن نتوقف هنا للإشارة إلى أمر مهم، حسب مذكرات الملك الأرغوني كان بمدينة بريانة المحاصرة في هذا الوقت 7000 شخص ما بين رجل وامرأة وطفل، ولم يكن من بينهم سوى سبعة فرسان كان المسيحيون يعرفونهم بسبب الخرجات المتكررة التي كانوا يقومون بها للاستحواذ على بعض رؤوس الماشية السائمة بين أسوار المدينة ومعسكر المحاصرين. وهذه النسبة الضعيفة للفرسان نجد سنداً لها في عدد من النصوص التي نتوفر عليها. النسبة هي: 5 فرسان من ألف راجل. وفي المعركة الحاسمة التي خاضها زيان بن مردنيش في بويك دي سيبويا - وكان قد جمع كل القوى البلنسية المتوفرة وحصل على دعم من جزيرة شقر وشاطبة - لم يتمكن من الحصول سوى على ستمائة فارس.

    لا شك أن القوى التي كانت يحركها المسيحيون في حروب استرداد لم تكن بدورها هائلة جداً. فقد كان الملك يسير في غالب الأحيان حاميات متوسطة لا يتجاوز عدد أفرادها بضع مئات فارس، ولم تكن تصل في بعض الأحيان إلى مائة فارس. لكن هذه الأعداد كان يتم تحريكها مؤقتاً انطلاقاً من شبكة فيودالية أكثر عدداً وكثافة، لم يكن يستعمل منها سوى قسم خلال كل حملة عسكرية أو غارة.
    فالأندلسيون لم يكونوا "عزل من السلاح" وإنما كانوا "غير مسلحين جيداً". لأنه لم يكن ثمة طبقة فرسان مهيمنة في التنظيم السوسيو سياسي الأندلسي تستمد موارد عيشها من فئة الفلاحين والمزارعين. فالنمط الخراجي الذي يعتقد أنه كان سائداً بالأندلس كان لا يجعل من الفارس مكوناً أساسياً وله اعتبار اجتماعي خاص، كما هو الشأن بالنسبة لطبقة الفرسان في المجتمع المسيحي. ومن المؤكد أن قسطاً مهماً من الموارد الضريبية كان يستفيد منها الموظفون والفقهاء والأدباء، وهم مدنيون لا عسكريون. وهذا الأمر نقف عليه على طول الفترة الأندلسية، وخاصة خلال فترة الزحف المسيحي في القرن 13 م(35).
    لم يتمكن المرابطون ولا الموحدون من تحطيم البنية السوسيو سياسية الأندلسية، ولو أنهم فرضوا على هذا المجتمع المدني جداً سلطة قبلية بربرية واستعملوا قسماً مهماً من الواردات الضريبية لتمويل الحرب ضد النصارى. بيد أنه لم يستطيعوا تغيير تنظيم المجتمع الأندلسي نفسه. وبغياب الحاميات الموحدية لم يعد هناك أمام المسيحيين سوى جند أندلسيين غير كافيين للتصدي للزحف المسيحي الجارف خلال سنوات 1230-1245 م. فلا التقاليد الأندلسية ولا عقليتهم ولا بنيات مجتمعهم ودولتهم كانت تسمح بتجاوز هذا الضعف العميق الذي لم يكن الأندلسيون واعين به على ما يبدو.
    إن الجماعات القروية والحضرية التي تشكل عمق التنظيم السوسيو سياسي لم يكن لها أن تتوحد إلا بوجود سلطة قوية ذات برنامج موحد ومحرك كما كان الشأن مع المرابطين. بينما كانت السلطنات الأندلسية ضعيفة ومقسمة إيديولوجيا من دون وسائل كافية للتحرك العسكري. إن حلم قيام دولة أندلسية قوية بما فيه الكفاية للتصدي للزحف المسيحي لم يكن لينبثق من الثقافة الأندلسية الإسلامية التي لم تكن بطبيعة الحال تطرح سوى مفهوم "الأمة" التي كانت في ذلك الزمن تتعارض معها الحقيقة المؤسفة المتمثلة في التشرذم السياسي للأندلسيين.
    أما نجاح التجربة النصرية بغرناطة منذ سنة 1237 م فترجع إلى كونها قد توفرت لديها مجموعة من المؤهلات لم تكن تتوفر لحكومات بلنسية ولا لحكومات مورسية بشرق الأندلس. لقد ضحى النصريون بجيان وقرطبة وإشبيلية، وربحوا فترة هدنة ثمينة أتاحت لهم إعادة تنظيم دفاع منطقة الأندلس الجبلية الواقعة جنوباً، والأكثر صعوبة للاختراق من قبل القوات المسيحية مقارنة بالسهول والهضاب الشرقية والساحلية لشرق الأندلس. ومن جهة أخرى استفاد النصريون - أكثر من ولاة الشرق - من الصراع الدبلوماسي والعسكري بين قشتالة وأرغون، وكذا من قربهم الكبير من بلاد العدوة حيث اجتاز المغاربة مياه المضيق مرات متعددة لحمايتهم. في نفس الفترة بدأت تتضح وتتبلور فكرة الدولة السلالية Etat dynastique إن لم نقل دولة وطنية national، افتقدها الأندلسيون في الفترات السابقة من تاريخهم(36).
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
    الهوامش :
    *جامعة عبد الملك السعدي ـ كلية الآداب - تطوان
    1ـ عبد المحسن طه رمضان، الحروب الصليبية في الأندلس، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 2001،
    ص . 16.
    2ـ حسين مؤنس، «بلاي وميلاد أشتريس»، مجلة كلية الآداب، جامعة فؤاد الأول، القاهرة، 1949، مجلد 11، ج 1.
    3ـ أبو العباس أحمد المقري، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تحقيق إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1988، ج 3، ص. 17 (نقلاً عن ابن حيان).
    4ـ حول معركة كوفادونجا والآراء التي أثيرت حولها، انظر حسين مؤنس، فجر الأندلس، القاهرة، 1959، صص. 318-342.
    5ـ عبد المحسن طه رمضان، الحروب الصليبية في الأندلس، مرجع سابق.
    6ـ هذا ما يستخلص من دراسة خوسي أنطونيو مارابال:
    A. Maravall, El concepto de España en la Edad Media, Madrid, 1963
    7ـ Ph. Jansen, A. Nef, Ch. Picard, La Méditerranée entre pays d’Islam et monde latin (milieu Xe-milieu XIIIe siècle), SEDES, 2000, pp. 296-297.
    8ـ نفح الطيب، ج 3، ص. 17، نقلاً عن ابن حيان.
    9ـ ابن عذاري المراكشي، البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، تحقيق ومراجعة ج. س. كولان وإ. ليﭭي بروﭬنسال، بيروت، ط. 2، 1980، ج 3، صص. 281-282.
    10 ليﭭي بروﭬنسال، «ألفونسو السادس والاستيلاء على طليطلة سنة 1085 م»، ضمن كتابه: الإسلام في المغرب والأندلس، ترجمة السيد محمود عبد العزيز سالم، د. ت، ص. 120.
    11ـ محمد الشريف، المغرب وحروب الاسترداد، تطوان، 2006، ص. 6.
    12ـ حول مختلف هذه المعارك انظر:
    A. H. Miranda, Las grandes batallas de la Reconquista durante las invasions africanas (almoravides, almohades y benimerines), Madrid, CSIC, 1965.
    13ـ حول معركة الأرك، يستحسن الرجوع إلى أعمال المؤتمر الدولي بمناسبة الذكرى المائوية الثامنة لوقوعها، والذي نظمته جامعة كاستيا لا مانشا سنة 1996.
    Izquiedo, R., Y Ruiz. F, (éd), Alarcos1195. Congreso International Commemorativo del VIII Centenario de la Batalla de Alarcos, Cuenca, Universidad de Castilla-La Mancha, 1996.
    14ـ أمبروسيو هويثي ميراندا، التاريخ السياسي للإمبراطورية الموحدية، ترجمة عبد الواحد أكمير، منشورات الزمن، الدار البيضاء، 2004، ص. 422.
    15ـ أمبروسيو هويثي ميراندا، التاريخ السياسي للإمبراطورية الموحدية، المرجع السابق، ص. 422.
    16ـ محمد المنوني، ورقات عن حضارة المرينيين، الرباط، 1996، ج 2، ص. 19.
    17ـ عبد الرحمان بن خلدون، تاريخ ابن خلدون المسمى كتاب العبر وديوان المبتدإ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، دار الكتب العلمية، بيروت، 1992،
    ج 7، صص. 223-225.
    18ـ انظر مثلاً دراسة محمد حناوي، النظام العسكري بالأندلس في عصري الخلافة والطوائف، الرباط، 2003.
    19ـ المقري، نفح الطيب، مصدر سابق، ج 4، ص. 352، 447.
    20ـ جمعة شيخة، الفتن والحروب وأثرها في الشعر الأندلسي، تونس، 1994، ج 2، صص. 181-182.
    21ـ المقري، نفح الطيب، مصدر سابق، ج 4، ص. 464.
    22ـ محمد الطالبي، «الهجرة الأندلسية إلى إفريقية أيام الحفصيين»، ضمن كتابه: دراسات في تاريخ إفريقية وفي الحضارة الإسلامية في العصر الوسيط، منشورات الجامعة التونسية، 1982، صص. 170-171.
    23ـ D. Urvoy, «Sur l’évolution de la notion de gihad dans l’Espagne musulmane», Mélanges de la Casa de Velazquez, 9, 1973, pp. 335-371.
    24ـ D. Urvos, “Sur l’volution de la notion de Gihad”, op. cit., p. 358.
    25ـ Menéndez Pidal, España del Cid, 1969, I, p. 77.
    26ـ Cité par Pierre Guichard, De la conquête arabe à Reconquête ; Grandeur et fragilité d’al Andalus, el Legado Andalusi, Granada, 2000, pp. 230.
    27ـ Cité par Pierre Guichard; De la conquête arabe à Reconquête; Grandeur et fragilité d’al; Andalus, op. cit., p. 230.
    28ـ يتجلى ذلك بوضوح من خلال المصادر العربية. ونسوق مثال المذبحة التي تعرض لها أهل إشبيلية بفحص طليلطلة سنة 622 ه/ ماي -يونيو 1225 م يقول الحميري: «... فأغار الروم الغربيون على تلك الجهة فغنموا ما وجدوا، واستاقوا ما أصابوا؛ والعادل، صاحب المغرب يومئذ، بإشبيلية ووزيره أبو زيد بن يوجان، ومعهما أهل الدولة وأشياخ الأمر، لا غناء لديهم ولا مدفع عندهم، إذ كان الأمر قد أدبر، ورونق الدولة قد تغير،... وكان خبر هؤلاء الروم بلغ إشبيلية قبل ذلك بأيام، واجتمع جمع كثير من العامة في المسجد الجامع، فلما فرغ من صلاة الجمعة قاموا فصاحوا بالسلطان يحملونه على الخروج. فلما كان يوم السبت، خرج المنادي ينادي الناس بالخروج على العدو، فأخذوا في ذلك وتجهزوا، وخرج بعضهم في ذلك اليوم، ولما كان يوم الأحد جد بالناس الخروج، فخرجوا على كل صعب وذلول، كبارهم وصغارهم، بسلاح وبغير سلاح، كما يخرجون إلى نزههم في البساتين والجنات، فتكامل جمعهم في جهة طليطلة يوم الأحد، ولم يخرج معهم من الخيل إلا دون المائة، والروم في عدد ضخم، عليهم الدروع وبأيديهم الأسلحة، وأكثر جمع المسلمين بغير سلاح، إلا ما لا قدْر له، وإنما هم أهل السواق والباعة،... فلما رأى الروم ذلك، مالوا على أولك العامة، فلما رأوهم مستقبلين لهم أخذوا في الفرار، فوقع القتل بهم، فأفنى منهم بالقتل كثير، وأسر منهم كثير، وأفلت كثير. وكان الناس بعد يختلفون في مقدار من أتى القتل عليه من أهل إشبيلية والأسْرُ، فمقلل ومكثر. فالمكثر يقول بلغوا عشرين ألفاً، وقيل دون ذلك، فالله أعلم». (محمد بن عبد المنعم الحميري، كتاب الروض المعطار في خبر الأقطار، تحقيق إحسان عباس، بيروت، ط. 2، 1980، ص. 395.

    29ـ Pierre Guichard, De la conquête arabe à Reconquête ; op. cit., p. 230.
    30ـ P. Guichard, Les musulmans de Valence face à la Reconquête XI-XIIIè siècle, Damas, 1990, t. 2, p. 390.
    31ـ H. Lourie, «A society organized for war; medieval Spain», Present, 35, 1966, pp. 54 sqq.
    32ـ R. Pastor de Togneri, Del Islam al Cristianismo en las fronteras de dos formacions economico-sociales, Barcelona, 1975.
    33ـ P. Bonnassie, La Catalogne du milieu du Xè à la fin du XIè siècle, Toulouse, 1975-1976.
    34ـ هذا هو أساس أطروحة الأستاذ بيير غيشار في كتابه السالف الذكر حول مسلمي بلنسية في مواجهة حركة الاسترداد.
    35ـ هذا هو أساس أطروحة الأستاذ بيير غيشار في كتابه السالف الذكر حول مسلمي بلنسية في مواجهة حركة الاسترداد.
    36ـ Guichard, Les musulmans de Valence, op. cit., pp. 391-392.
    المصدر : مجلة التاريخ المغربية

    http://www.altareekh.com/article/vie...%84%D8%B3.html

مواضيع ذات صلة

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 19 فبر, 2023, 10:23 م
ردود 0
37 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
ابتدأ بواسطة سيف الكلمة, 20 سبت, 2021, 07:32 م
ردود 3
82 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة *اسلامي عزي*
بواسطة *اسلامي عزي*
 
ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 21 أبر, 2021, 03:16 ص
ردود 0
93 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة *اسلامي عزي*
بواسطة *اسلامي عزي*
 
ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 11 أبر, 2021, 12:20 م
ردود 0
63 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
ابتدأ بواسطة أكرمنى ربى بالاسلام, 1 فبر, 2021, 08:35 م
ردود 13
134 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة أكرمنى ربى بالاسلام  
يعمل...
X