نقد الصوفية

تقليص

عن الكاتب

تقليص

عادل خراط مسلم اكتشف المزيد حول عادل خراط
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    وقفات مع الصوفية : 16

    الفقر مرض؛ فمن ابتُلي به فصبر أُثيب على صبره، و لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث الترمذي و هو صحيح : " يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام" لمكان صبرهم على البلاء، و لكن!!
    لكن المال نعمة و النعمة تحتاج إلى شكر، و الغني و إن تعب و خاطر كالمفتي و المجاهد؛ و الفقير كالمُعتزل في زاوية.

    ذكر شيخ مشايخ الصوفية : أبو عبد الرحمن السلمي في كتاب [ سُنن الصوفية ] بابا سمّاه ( باب كراهية أن يُخلف الفقير شيئا ) ، فذكر حديث الذي مات من أهل الصفة و خلف دينارين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كيّتان". و طبعا الحديث حسن لشواهده ، و لكن هذا احتجاج من لا يفهم الحال!!
    فإن ذلك الفقير كان يزاحم الفقراء في أخذ الصدقة و حبس ما معه؛ فلذلك قال عليه السلام : " كيّتان" ، و لو كان المكروه نفس ترك المال لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعدٍ : " إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكفّفون الناس ". [ متفق عليه ]. و لما كان أحد من الصحابة رضي الله عنهم يخلف شيئا، و قد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقة؛ فجئتُ بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" و ما أبقيتَ لأهلك؟ فقلتُ : مثله، فلم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم " [ رواه الترمذي ].

    قال ابن جرير الطبري : " و في هذا الحديث دليل على بطلان ما يقوله جهلة المتصوفة أن ليس للإنسان ادّخار شيء في يومه لغده، و أن فاعل ذلك قد أساء الظن بربه و لم يتوكل عليه حق توكله ".

    و كذلك قوله عليه الصلاة والسلام : " اتخذوا الغنم فإنها بركة" [ السلسلة الصحيحة للألباني ].
    فيه دلالة على فساد قول من زعم من المتصوفة أنه لا يصح لعبد التوكل على ربه إلا بأن يصبح و لا شيء عنده من عين و لا عرض و يمسي كذلك، ألا ترى كيف ادخر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه قوت سنة؟! . [ متفق عليه ].

    و قد خرج أقوام من الصوفية من أموالهم الطيبة ثم عادوا يتعرضون للأوساخ و يطلبون؛ و هذا لأن حاجة الإنسان لا تنقطع، و العاقل يعد للمستقبل، و هؤلاء مثلهم في إخراج المال عند بداية تزهُّدهم، مثل من روى في طريق مكة فبدّد الماء الذي معه.

    ذكر ابن أبي سعد في [ الطبقات : 4 / 235 ] بإسناد عن جابر بن عبد الله أنه قال : قدم أبو حصين السلمي بذهب من معدنهم فقضى دينا كان عليه و فضُل معه مثل بيضة الحمامة، فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ضع هذه حيث أراك الله أو حيث رأيت، قال : فجاءه عن يمينه فأعرض عنه، ثم جاءه عن يساره فأعرض عنه، ثم جاءه من بين يديه فنكس رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، فلما أكثر عليه أخذها من يديه فحذفه بها لو أصابته لعقرته، ثم أقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يعمد أحدكم إلى ماله فيتصدق به ثم يقعد فيتكفف الناس، و إنما الصدقة عن ظهر غنى و ابدأ بمن تعول ".
    و عندي في هذا الحديث نظر؛ بسبب تواجُد الواقدي الكذاب في إسناده؛ فأقل ما يُقال عنه أنه حديث موضوع.

    و قد رواه أبو داود في [ سننه ] من حديث محمود بن لبيد عن جابر بن عبد الله قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل بمثل البيضة من ذهب فقال : يا رسول الله أصبت هذه من معدن فخُذها فهي صدقة ما أملك غيرها، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتاه من قِبل ركنه الأيمن فقال مثل ذلك فأعرض عنه، ثم أتاه من قبل ركنه الأيسر فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتاه من خلفه فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فحذفه بها فلو أصابته لأقصعته أو لعقرته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يأتي أحدكم بما يملك فيقول هذه صدقة ثم يقعد يتكفف الناس، خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى".
    و قد ضعّف الشيخ الألباني هذه الرواية.

    و في رواية أخرى و هي صحيحة رواها أبو داود في [ سننه ] : " خذ عنا مالك لا حاجة لنا به ".

    و روى أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : دخل رجل المسجد فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرحوا ثيابا فطرحوه ، فأمر له منها بثوبين ثم حث على الصدقة، فجاء فطرح أحد الثوبين فصاح به : " خذ ثوبك ".

    قال ابن شاذان : دخل جماعة من الصوفية على الشبلي؛ فأنفذ إلى بعض المياسير يسأله مالا يُنفقه عليهم، فردّ الرسول و قال : يا أبا بكر ! أنت تعرف الحق فهلّا طلبتَ منه ، فقال الرسول : ارجع إليه و قل له الدنيا سفلة أطلبها من سفلة مثلك و أطلب الحق من الحق ، فبعث إليه بمائة دينار.

    قال ابن عقيل معلقا على هذه الحكاية : إن كان أنفذ إليه المائة دينار للإفتداء من هذا الكلام القبيح و أمثاله؛ فقد أكل الشبلي الخبيث من الرزق و أطعم أضيافه منه.​

    تعليق


    • #17
      وقفات مع الصوفية : 17

      بينا في الوقفات الأربع السابقة أن أوائل الصوفية خرجوا من أموالهم زهدا، و قد كان لبعضهم بضاعة فأنفقها؛ و قال : ما أريد أن تكون ثقتي إلا بالله، و قلنا بأن مثل هذا قلة فهم لأنهم ظنوا أن التوكل قطع الأسباب و إخراج الأموال. و ذكرنا أنهم - مع ذلك - قصدوا بذلك الخير إلا أنهم غلطوا في هذا الفعل، كما ذكرنا مخالفتهم بذلك الشرع و العقل.

      قال الجنيد - و هو أحد أعلام الصوفية الأوائل - : دققت على أبي يعقوب الزيات بابه في جماعة من أصحابنا، فقال : ما كان لكم شغل في الله عز و جل يشغلكم عن المجيء إليّ، فقلت له : إذا كان مجيئنا إليك من شغلنا به فلم ننقطع عنه، فسألته عن مسألة في التوكل فأخرج درهما كان عنده ثم أجابني؛ فأعطى التوكل حقه ثم قال : استحييت من الله أن أجيبك و عندي شيء.

      فلو فهم هؤلاء معنى التوكل و أنه ثقة القلب بالله عز و جل لا إخراج صور المال ما قال هؤلاء هذا الكلام، و لكن قل فهمهم، و قد كان سادات الصحابة و التابعين يتّجرون و يجمعون الأموال؛ و ما قال مثل هذا أحد منهم.

      على أيّ.. مضى الصوفية الأوائل على مثل هذا... فخلف من بعدهم خلْفٌ فمالوا إلى الدنيا و جمع المال من أيّ وجه كان إيثارا للراحة و حبا للشهوات.

      فمنهم : من يقدر على الكسب و لا يعمل؛ و يجلس في الزاوية أو المسجد و يعتمد على صدقات الناس و قلبه معلق بطرْق الباب، و معلوم أن الصدقة لا تحل لغنيٍّ و لا لذي قوة سويٍّ، و لا يُبالون من بعث إليهم، فربما بعث الظالم و الماكس فلم يردوه.

      و قد وضعوا في ذلك بينهم كلمات منها : تسمية ذلك ب ( الفتوح )، و منها : إن رزقنا لابد أن يصل إلينا، و منها : أنه من الله فلا يرد عليه و لا نشكر سواه، و هذا كله خلاف الشريعة و جهل بها؛ و عكس ما كان السلف الصالح عليه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الحلال بيّن و الحرام بين و بينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتّقى الشبهات فقد استبرأ لدينه و عرضه ". و قد قاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه من أكل الشبهة، و كان الصالحون لا يقبلون عطاء ظالم و لا ممن في ماله شبهة، و كثير من السلف لم يقبل صلة الإخوان عفافا و تنزها.

      قال أبو بكر المروزي : ذكرت لأبي عبد الله - الإمام أحمد - رجلا من المحدثين فقال رحمه الله : أي رجل كان لولا خلة واحدة؛ ثم سكت، ثم قال : ليس كل الخِلال يكملها الرجل، فقلت له : أليس كان صاحب سنة؟! فقال : لعمري لقد كتبت عنه و لكن خلة واحدة كان لا يبالي ممن أخذ.

      و قد دخل أحد أئمة الصوفية على أمير ظالم فوعظه و أعطاه شيئا فقبِله، فقال الأمير : كلنا صيادون و إنما الشباك تختلف.

      ثم أين هؤلاء من الأنفة من الميل للدنيا؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اليد العليا خير من اليد السفلى ". متفق عليه.
      و اليد العليا هي المعطية، هكذا فسرها العلماء؛ و هو الحقيقة.

      و قد سمعتُ بأذني [ عدلا موثق ] له مكتب العدول صوفي تأوّل الحديث فقال : اليد العليا هي الآخذة.

      و قد أجاب ابن قتيبة رحمه الله عن هذا التأويل قبل أن يصرح به السيد العدل بستة قرون فقال : لا أرى هذا إلا تأويل قوم استطابوا السؤال.

      شتّان بين الصوفية الأوائل الذين رأوا فعل أبي بكر الصديق منكر فأخرجوه من المتوكلين و بين هؤلاء الذين أصبح منهم قبطان للقوارب السياحية ( اليَخت ).

      أُمر أبو بكر بترك الكسب لأجل شغله بالخلافة فقال : من أين أُطعم عيالي؟!​

      تعليق


      • #18
        وقفات مع الصوفية : 18

        وقفة اليوم استثنائية يا إخوة؛ و ذلك أنها وقفة تقِفها ابنتي إسلام خراط - الصفحة الرسمية مع الصوفية ردّا على مُريدة ل ﺍﻟﺰﺍﻭﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻛﺮﻳﺔ الشاذلية ﻓﺮﻉ ﻃﻨﺠﺔ تطوان شفشاون قامت ببثٍّ مُباشر لدرسٍ حول ( لبس المرقعة ).

        فلأَدعُ ابنتي إسلام تقف هذه الوقفة مكاني!!

        قرّرت الآنسة أن المرقعة لا تُلبَسُ إلا من يد شيخ؛ و نقلت أسانيد مشايخ الصوفية في ذلك متصلا، و كله كذب و مُحال.

        ذكر محمد بن طاهر - و هو أحد مشايخ الصوفية - في كتابه، باب : السُّنة في لبس الخرقة من يد الشيخ.

        فجعل هذا من السنة، و احتج بحديث أم خالد أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بثياب فيها خميصة سوداء فقال : من ترون أكسو هذه؟! فسكت القوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ائتوني بأم خالد، قالت : فأُتي بي فألبسنيها بيده، و قال : " أبلي و أخلقي". رواه البخاري في باب اللباس.

        و احتجّت الآنسة بهذا الحديث !!

        و الحديث ليس فيه حجة على ما ذكرت الآنسة و لا ما ذكر ابن طاهر، و إنما ألبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم لكونها صبيّة، و كان أبوها خالد بن سعيد بن العاص، و أمها همينة بنت خلف قد هاجروا إلى أرض الحبشة فولدت لهما هناك أم خالد؛ و اسمها أمة، ثم قدموا فأكرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم لصِغر سنها، و كما اتفق فلا يصير هذا سُنة، و ما كان من عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلباس الناس، و لا فعل هذا أحد من أصحابه و لا تابعيهم.

        ثم ليس من السنة عند الصوفية أن يلبس الصغير دون الكبير، و لا أن تكون الخرقة سوداء؛ بل مرقّعة، أو فوطة، فهلّا جعلوا السنة لبس الخِرق السود كما جاء في حديث أم خالد؟!

        و ذكر ابن طاهر في نفس كتابه باباً هزليا سماه : باب السُّنة فيما شرط الشيخ على المريد في لبس المُرقعة، و احتج بحديث عبادة عند البخاري في باب الأحكام : " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع و الطاعة في العسر و اليسر".

        فانظُروا عباد الله إلى هذا الفقه الدقيق، و أين اشتراط الشيخ على المريد من اشتراط رسول الله صلى الله عليه وسلم الواجب الطاعة على البيعة الإسلامية اللازمة؟!

        قد كان في الصوفية من يرقع المرقعة حتى تصير كثيفة خارجة عن الحد؛ فقد حدّث ابن خباب أبو الحسين عن شيخه الصوفي ابن الكريني قال : أوصى لي ابن الكريني بمُرقّعته، فوزِنتُ فردة كُمّ من أكمامها، فإذا فيه أحد عشر رطلا.

        قال جعفر : و كانت المرقعات تسمى في ذلك الوقت : الكيل.

        رُوي عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال - و هو حديث ضعيف بهذا اللفظ وضعته للإستئناس - : " من لبس لُبس شهرة أعرض الله عنه حتى يضعه ".

        و لكن قد رُوي بلفظ آخر عن ابن عمر رضي الله عنه و هو حديث حسن ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب المَذلّة يوم القيامة ".​

        تعليق


        • #19
          وقفات مع الصوفية : 19

          [ تحريم مشايخ الصوفية على مريديهم جمع المال ؛ و تحليلهم لأنفُسهم جمعه ]

          هذه وقفة ابنتي إسلام مع هذه الجماعة الضّالّة!!

          كان أوائل الصوفية ينظرون في حصول الأموال من أي وجه و يفتشون عن مطاعمهم، و سُئل أحمد بن حنبل عن السُّري السقطي فقال : الشيخ المعروف بطيب المطعم.
          و قال السري : صحبت جماعة إلى الغزو فاكترينا دارا فنصبت فيها تنّورا، فتورّعوا أن يأكلوا من خبز ذلك التنور.

          فأما من يرى ما قد تجدد من صوفية زماننا من كونهم لا يُبالون من أين أخذوا فإنه يعجب.

          قال ابن الجوزي رحمه الله : لقد دخلت بعض الأربطة فسألت عن شيخه فقيل لي : قد مضى إلى الأمير فلان يُهنئه بخلعة قد خلعت عليه، و كان ذلك الأمير من كبار الظلمة، فقلتُ : ويحكم ما كفاكم أن فتحتم الدكان حتى تطوفوا على رؤوسكم بالسلع ، يقعد أحدكم عن الكسب مع قدرته عليه مُعولا على الصدقات و الصلات ثم لا يكفيه حتى يأخذ ممن كان، ثم لا يكفيه حتى يدور على الظلمة فيُستعطى منهم، و يُهنئهم بملبوس لا يحل؛ و ولاية لا عدل فيها، و الله إنكم أضر على الإسلام من كل مُضر.

          المصدر : تلبيس إبليس ، لابن الجوزي.

          فأوائل الصوفية أنكروا على من قال : هذا الطعام يضرني، و قد رووا في ذلك حكاية عن أبي طالب الرازي قال : حضرت مع أصحابنا في موضع فقدّموا اللبن؛ و قالوا لي : كُل، فقلت : لا آكله فإنه يضرني، فلما كان بعد أربعين سنة صليت يوما خلف المقام و دعوت الله عز و جل و قلتُ : اللهم إنك تعلم أني ما أشركتُ بك طرفة عين، فسمعتُ هاتفا يهتف بي و يقول : و لا يوم اللبن.

          و هذه الحكاية - الله أعلم بصحتها -، و من قال : هذا يضرني لا يريد أن ذلك يفعل الضرر بنفسه؛ و إنما يريد أنه سبب الضرر كما قال الخليل عليه السلام : { رب إنهن أضللنَ كثيرا من الناس }، و قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما نفعني مال كمالِ أبي بكر".
          و قوله : " ما نفعني" مقابل لقول القائل : ما ضرني.
          و قد ثبت أنه لا رتبة أولى من رتبة النبوة، و قد نسب النفع إلى المال و الضرر إلى الطعام، فالتحاشي عن سلوك طريقة النبي صلى الله عليه وسلم تعاطٍ على الشريعة ، فلا يلتفت إلى هذيان من هذى في مثل هذا.

          و قد صار جماعة من مشايخ الصوفية يجمعون المال من الشبهات ثم ينقسمون، فمنهم من يدّعي الزهد مع كثرة المال و حرصه على الجمع كشيخ الطريقة الكركرية و من نحا نحوه من مشايخ الطرق النقشبندية و العلاوية و غيرها ، فهذه الدعوى مُضادّة للحال ، و منهم من يُظهر الفقر مع جمعه المال كشيخ الطريقة البوتشيشية و الدرقاوية و غيرها.
          و أكثر هؤلاء يُضيّقون على الفقراء بأخذهم الزكاة؛ و لا يجوز لهم ذلك.

          كان أبو الحسن البسطامي - شيخ الزاوية البسطامية / رباط ابن المُجيان - يلبس الصوف صيفا و شتاء، و تقصده الناس يتبركون به، فمات فخلّف أربعة آلاف دينار.

          أي : ما يساوي بعملة وقتنا : 40 مليون دولار.

          و هذا فوق القبيح، و قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا من أهل الصُّفة مات فخلّف دينارين ؛ فقال صلى الله عليه وسلم : " كيّتان".​

          تعليق


          • #20
            وقفات مع الصوفية : 20

            الحمد لله رب العالمين، نحمده حمد الشاكرين، و نشكره شكر الحامدين، و الصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله و سلم عليه و على آله و صحبه أجمعين.

            و بعد :

            لقد غُرر بهذه الطالبة المسكينة - هداها الله و إيانا للحق - بأن وقفت موقف الحافظ الشارح لأصول الطُّرُقية البِدعية الكركرية ، و قد وقفت ابنتي - إسلام حفظها الله - وقفة معها برقم [ 18 ] ردا على الجزء الأول من هذا الشرح الهزلي الذي ما أنزل الله به من سُلطان ، فلتُراجَع في صفحتي.

            و مع عدم إتقان هذه الطالبة لكلمات القرآن و أخطائها في نطقها له مرات عديدة يتضح معدنُ ما تُخرّجه الزوايا بشكل أعمّ، و ﺍﻟﺰﺍﻭﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻛﺮﻳﺔ الشاذلية ﻓﺮﻉ ﻃﻨﺠﺔ تطوان شفشاون بشكل خاصّ، علاوة على استصحابِ اللهجة الإفرنجية كدليل على رسوخ علم الطالبة ، و ما ذاك إلا تلبيس يُلبّسه الشيطان على هذه الطائفة.

            و مما كُتب لها في الورقة لكي تُمليه على مَجمع الفقيرات ؛ أو اختارته بنفسها؛ و هو الأصل في الطريقة استدلالاتها الهزلية لأجل شرعنة لبس المُرقّعات، فلما علم هؤلاء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُرقع ثوبه كما رواه الإمام أحمد في المسند و صحّحه الأرناؤوط [ 6 / 167 ]، و أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان في ثوبه رقاع، و أن أُويسا القرني رحمه الله - و هو خير التابعين - كان يلتقط الرقاع من المزابل فيغسلها في الفُرات ثم يخيطها فيلبسها ، فاختاروا المُرقّعات.

            فهُنا الطالبة و طريقتها الكركرية أبعدوا القياس!!

            فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم و أصحابه كانوا يُؤثرون البذاذة و يعرضون عن الدنيا زهدا، و كان أكثرهم يفعل هذا لأجل الفقر، فقد دخل مَسلمة بن عبد الملك على عمر بن عبدالعزيز رحمه الله و عليه قميص وسِخ، فقال لامرأته فاطمة : اِغسلي قميص أمير المؤمنين! فقالت : و الله ما له قميص غيره.
            فأما إذا لم يكن هذا لفقرٍ و قصد البذاذة فما له من معنى.

            أما الحديث الذي استدلّت به الطالبة من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها : " لا تخلعي ثوبا حتى تُرقّعيه"، فهو حديث ضعيف جدا ضعّفه الإمام الألباني رحمه الله في [ السلسلة الضعيفة ] ، برقم : 1294.

            ففيما نعلم أن الصوفية يعمدون إلى ثوبين أو ثلاثة؛ كل واحد منها على لون، فيجعلونها خِرقا و يُلفقونها ، فيجمع ذلك الثوب وصفين : الشهرة و الشهوة، فإن لُبس مثل هذه المرقعات أشهى عند خلق كثير من الديباج، و بما يشتهر صاحبها أنه من الزهاد.
            أَفتَرينَهم يا آنسة يصيرون بصورة الرقاع كالسلف؟!
            كذا قد ظنوا!!
            فقد لعب الشيطان بهم؛ و قال لهم : أنتم صوفية، لأن الصوفية كانوا يلبسون المرقعات، و أنتم كذلك.
            أَترينَهم يا آنسة ما علموا أن التصوف معنى لا صورة؟!
            و قد فاتكم التشبيه في الصورة و المعنى ، فأما الصورة فإن القدماء كانوا يُرقعون ضرورة، و لا يقصدون التحسّن بالمرقع، و لا يأخذون أثوابا جددا مختلفة الألوان فيقطعون من كل ثوب قطعة و يُلفقونها على أحسن الترقيع، و يخيطونها مرقعة.

            و أما استدلالك بعمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنه قلة علم و فهم!!
            فلما قدم عمر رضي الله عنه بيت المقدس؛ حين سأل القِسّيسون و الرهبان - رغم أنك لا تعرفين نُطق لفظة القساوسة - عن أمير المؤمنين، فعرضوا عليهم أمراء العساكر مثل أبي عبيدة و خالد بن الوليد و غيرهما، فقالوا : ليس هذا المُصوَّر عندنا، ألكم أمير أو لا؟! فقالوا : لنا أمير غير هؤلاء، قالوا : نعم ، هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقالوا : أرسلوا إليه ننظره فإن كان هو سلّمنا إليكم من غير قتال، و إن لم يكن هو فلا، فلو حاصرتمونا ما تقدرون علينا، فأرسلوا المسلمين إلى عمر رضي الله عنه و أعلموه بذلك، فقدم عليهم و عليه ثوب مُرقع سبع عشرة رقعة بينها رقعة من أديم، فلما رأوه الروحانية و القُسوس على هذه الصفة سلموا بيت المقدس إليه من غير قتال.

            فأين هذا مما يفعله جُهال الصوفية في زماننا ؟!
            فإنما المعنى : أن أولئك كانوا أصحاب رياضة و زهد.

            و لقد كره العلماء لُبس الفوط المرقعات لأسباب أربعة :

            🔳 أولا : أنه ليس من لباس السلف، و إنما كان السلف يُرقعون ضرورة.
            🔳 ثانيا : أنه يتضمن ادّعاء الفقر، و قد أُمر الإنسان أن يُظهر نعمة الله عليه.
            🔳 ثالثا : أنه إظهار للزهد و قد أُمرنا بستره.
            🔳 رابعا : أنه تشبه بهؤلاء المُتزحزحين عن الشريعة ، و من تشبه بقوم فهو منهم كما في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود في سُننه؛ عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من تشبه بقوم فهو منهم".

            قيل للشّبلي - و هو أحد أقطاب الصوفية - : قد ورد جماعة من أصحابك؛ و هم في الجامع.
            فمضى، فرأى عليهم المُرقّعات و الفوط، فأنشأ يقول :

            أما الخيام فإنها كخيامهم ،،، و أرى نساء الحي غير نسائها

            و هذه البهرجة في تشبيه صوفية زماننا بأولئك لا تخفى إلا على كل غبي في الغابة، و أما أهل الفطنة فيعلمون أنه تنميس بارد، و الأمر في ذلك على نحو قول الشاعر :

            تشبهت حور الظباء بهم ،،، إن سكنت فيك و لا مثل سكن
            أصامت بناطق و نافر ،،، بآنس و ذو خلا بذي شجن
            مشتبه أعرفه و إنما ،،، مغالطا قلت لصحبي دار من

            و قال محمد بن خفيف : قلتُ لِرُوَيْمٍ - و هو أحد أعلام الصوفية - : أوصني ؟! فقال : بذلُ الروح، و إلا فلا تشتغل بتُرهات الصوفية.

            و قد روى البيهقي حديثا في الشعب برقم : 6229، إلا أنه حديث ضعيف جدا نستأنس به في مقالتنا هذه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشهرتين ، فقيل : و ما الشهرتان ؟! قال : " رقة الثياب و غلظها، و لينها و خشونتها، و طولها و قصرها، و لكن سداد بين ذلك و اقتصاد".

            و في ذلك أصل عند صحابي لم يُخالفه أحد في ذلك، و هو قول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : من لبس ثوبا مشهورا أذلّه الله يوم القيامة.

            و في رواية أخرى عنه قال : من لبس ثوب شهرة من الثياب ألبسه الله ثوب مذلة.

            و رأى على ولده ثوبا قبيحا دونا؛ فقال : لا تلبس هذا، فإن هذا ثوب شهرة.

            و عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال : من ركب مشهورا من الدواب أعرض الله عنه ما دام عليه و إن كان كريما.

            ذكر محمد بن طاهر - و هو أحد مراجع الصوفية - في كتابه، فقال : باب السنة في لبس المصبغات، و احتج بالحديث الذي رواه مسلم في صحيحه؛ كتاب : الحج ، برقم : 1358، أن النبي صلى الله عليه وسلم أُلبس حلة حمراء، و أنه دخل يوم الفتح و عليه عمامة سوداء.

            فنحن لا ننكر هذا؛ و لا نقول بأن لُبس الحلة الحمراء أو العمامة السوداء غير جائز، و إنما المسنون الذي يأمر به ، و يداوم عليه و قد كان الصحابة رضي الله عنهم يلبسونه : الأسود و الأحمر، فأما الفوط و المرقع فإنه لبس شهرة.

            روى الترمذي في سُننه عن ابن عمر رضي الله عنه، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب بالجابية فقال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " من أراد بحبوحة الجنة فلْيلزم الجماعة ، فإن الشيطان مع الواحد و هو من الإثنين أبعد".

            و في الحديث المتفق عليه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد".

            فحديث الترمذي في لُزوم طريق أهل السنة والجماعة، و الحديث المتفق عليه في ذمّ أهل البدع و المُبتدعة.

            و صلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.​

            تعليق


            • #21
              وقفات مع الصوفية : 21

              الحمد لله و صلى الله على نبينا محمد وعلى آله.

              تبقى العداوة بين الإنسان و الشيطان عداوة أزلية لا يُعرف لها صلح أو هدنة، فمنذ ذلك اليوم الذي خُلق فيه آدم عليه السلام، و أُمرت الملائكة بالسجود فسجدوا إلا إبليس أبى و استكبر، من يومها استعرّت نيران العداوة الكامنة داخل إبليس اللعين الذي رضي بأن يكون رجيما لعينا لا يهدأ عن إضلال بني آدم من البشر، حتى أعلن ذلك في الملأ الأعلى أمام ربه عز و جل إذ قال : { فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم. ثم لآتينهم من بين أيديهم و من خلفهم و عن أيمانهم و عن شمائلهم، و لا تجد أكثرهم شاكرين }.

              فالعداوة بين الحق و الباطل عداوة قديمة، و لا زال الحق يُظهره أهل العلم و يردون على الباطل؛ و نحن على آثارهم مُقتدون.

              و من ذلك أنني شاهدتُ حلقة الأستاذ أمين الكركري غازي - هو خِرّيج كلية الدراسات الإسلامية بوجدة - عن أصول لُبس المرقعة، و هو يُرقِّع لأصول المُرقعة ، و قد سبق و أن رددنا على هذا التهافُت في الوقفة : 18 👇

              https://m.facebook.com/story.php?sto...&id=1000841164 97871&mibextid=Nif5oz

              و كذلك لم نُبقِ ما يمكن قوله في الوقفة : 20 👇

              https://m.facebook.com/story.php?sto...&id=1000841164 97871&mibextid=Nif5oz

              فمن يستطيع أن يرد على هاتين الوقفتين فلْيُرينا نفسه ، و أما أن يأتينا بتفسير المسمى : ابن عجيبة شيخ أحد الطرق الصوفية مُقابل تفاسير أئمة الإسلام التي أجمعوا على عدالتهم؛ فهذا استهبالٌ حقيقي.

              ذكر محمد بن طاهر عن أبيه - و هما من مشايخ الطُّرقية الصوفية - أنه قال : لما دخلت بغداد في رحلتي الثانية قصدت الشيخ أبا محمد عبد الله بن أحمد السكري لأقرأ عليه أحاديث - و كان من المنكرين على هذه الطائفة - ، فأخذت في القراءة فقال : أيها الشيخ إنك لو كنت من هؤلاء الجهال الصوفية لعذرتُك، أنت رجل من أهل العلم تشتغل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم و تسعى في طلبه، فقلتُ : أيها الشيخ و أيّ شيء أنكرت علي حتى أنظر؛ فإن كان له أصل في الشريعة لزمته، و إن لم يكن له أصل في الشريعة تركته، فقال : ما هذه الشوازك التي في مرقّعتك؟ فقلت : أيها الشيخ هذه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها تخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له جُبة مكفوفة الجيب و الكمين و الفُرجين بالديباج، و إنما وقع الإنكار لأن هذه الشوازك ليست من جنس الثوب و الديباج ليس من الجهة، فاستدلننا بذلك على أن لهذا أصلا في الشرع يجوز مثله.

              قلتُ : لقد أصاب السكري في إنكاره ، و قلّ فقه ابن طاهر في الرد عليه، فإن الجُبة المكفوفة الجيب و الكمين قد جرت العادة بلُبسها كذلك ؛ فلا شهرة في لُبسها ، فأما الشوازك فتجمع شهرة الصورة و شهرة دعوى الزهد، و قد كان من هؤلاء الطّرقيين من يقطعون الثياب الصحاح ليجعلوها شوازك ؛ لا عن ضرورة ، بل يقصدون الشهرة لحسن ذلك، و الشهرة بالزهد ، و لهذا وقعت الكراهية، و حتى أكابر مشايخ الصوفية كرهوا ذلك.

              هذا جعفر الحذّاء أحد أعلامهم يقول : لما فقد القوم الفوائد من القلوب اشتغلوا بالظواهر و تزيينها.
              قال تلميذه الحسين بن هند : يعني ذلك أصحاب المصبغات و الفوط.

              و قال سفيان الثوري : كانت المرقعات غطاء على الدّر فصارت جِيفا على مزابل.

              و قال محمد بن علي الكتاني لأصحاب المرقعات : إخواني ، إن كان لباسكم موافقا لسرائركم لقد أحببتم أن يطلع الناس عليها، و إن كانت مخالفة لسرائركم فقد هلكتم و رب الكعبة.

              و قال ابن عبد الخالق الدينوري لأحد أصحابه : لا يعجبنك ما ترى من هذه اللبسة الظاهرة عليهم، فما زيّنوا الظواهر إلا بعد أن خرّبوا البواطن.

              و قال ابن عقيل : دخلت يوما الحمام فرأيت على بعض أوتاد السلخ جبة مُشوزَكة مرقعة بفُوط، فقلت للحمامي : أرى سلخ الحية، فمن داخل؟ فذكر لي بعض من يتصفف للبلاء حوشا للأموال.

              و قد رأينا من يلبس الصوف منهم تحت الثياب و يلوح بكُمه حتى يُرى لباسه، و هذا لص ليلي.

              و قد حضرتُ أحدهم في حضرة لبس الثياب اللينة على جسده و لبس الصوف فوقها، و بعد أن غاب في الحضرة نزع جبة الصوف و بقي باللباس اللينة الداخلية ، و هذا لص نهاري مكشوف.

              و غيرهم أرادوا التشبه بالصوفية الأوائل و صعب عليهم البذاذة و أحبوا التنعم ، و لم يروا الخروج من صورة التصوف لئلا يتعطل المعاش، فلبسوا الفوط الرفيعة و اعتمُّوا بالعمامة الرومية الرفيعة؛ إلا أنه بغير طراز، فالقميص و العمامة على أحدهم بثمن خمسة أثواب من الحرير.

              قال ابن الجوزي في كتابه [ تلبيس إبليس ] : و قد لبّس إبليس عليكم أنكم صوفية بنفيس النفس ، و إنما أرادوا أن يجمعوا بين رسوم التصوف و تنعم أهل الدنيا، و من علاماتهم مصادقة الأمراء و مفارقة الفقراء كبرا و تعظيما، و قد كان عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم يقول : يا بني إسرائيل ما لكم تأتونني و عليكم ثياب الرهبان و قلوبكم قلوب الذئاب الضواري، البسوا لباس الملوك و ألينوا قلوبكم بالخشية.

              قال مالك بن دينار : إن من الناس ناسا إذا لقوا القراء ضربوا معهم بسهم، و إذا لقوا الجبابرة و أبناء الدنيا أخذوا معهم بسهم، فكونوا من قراء الرحمن بارك الله فيكم.

              و قال كذلك : إنكم في زمان أشهب، لا يبصر زمانكم إلا البصير، إنكم في زمان كثير تفاحُشهم، قد انتفخت ألسنتهم في أفواههم، فطلبوا الدنيا بعمل الآخرة، فاحذروهم على أنفسكم لا يُوقعوكم في شباكهم.

              و نظر إلى شاب ملازم للمسجد فجلس إليه و قال : هل لك أن أُكلم بعض العشّارين يُجرون عليك شيئا و تكون معهم؟ قال : ما شئت يا أبا يحي، فأخذ مالك كفا من تراب فجعله على رأسه.

              و قال : كان فتى يتفرى فكان يأتيني فابتُلي ، فولي الجسر، فبينما هو يصلي إذ مرت سفينة فيها بطّ فنادى بعض أعوانه : قرب لنأخذ للعامل بطة، فأشار بيده؛ سبحان الله، أي : بطّتين ، قال : فكان أبي إذا حدّث بهذا الحديث بكى و أضحك الجلساء.

              و صلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.​

              تعليق


              • #22
                وقفات مع الصوفية : 22

                الحمد لله و صلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

                العداوة بين الحق و الباطل طفح كيل صاحبه؛ حتى ما تحمل إلا الإعلان عنها دون مُواربة أو كتمان، و شاءت إرادة الله أن يرانا الشيطان هو و قبيله من حيث لا نراهم، فزادت صعوبة المهمة عند الإنسان الذي صار يجاهد عدوا غير مرئي؛ إلا أن الله تعالى أعاض بني البشر بما هو خير من أسلحة إبليس و مكره و جنده، ألا و هو الإستعاذة به عز و جل ، و الإقبال عليه و ذكره، و به يقمع الشيطان و يخنس و ينكسر.

                و بناء على هذا قمنا بتفقيس بيض المُرقِّعة للمُرَقّعة، و لم ندع ما يُواجهوننا به من أدلة إلا و قمنا بتحنيطها و تحميلها على نعش العلم و تقديمها لمثواها الأخير، فلْتُراجَع الوقفات السابقة ؛ فقد أجدنا فيها و أفدنا، و لم نُبق للمُعاند علينا حُجة، و لا للسالك من محجة.

                فأما لُبس المُصبّغات ؛ فإنها إن كانت زرقاء فقد فاتهم فضيلة البياض، و إن كانت فوطا فهو ثوب شهرة، و شهرته أكثر من شهرة الأزرق، و أما المُرقعة فهي أكثر شهرة.

                و قد أمر الشرع بالثياب البيض و نهى عن لباس الشهرة، فعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " البسوا من ثيابكم البيض فإنها من خير ثيابكم، و كفنوا فيها موتاكم". رواه الترمذي في سننه و هو صحيح.

                و عن سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " البسوا الثياب البيض فإنها أطهر و أطيب، و كفنوا فيها موتاكم". متفق عليه.

                و قال ابن عمر رضي الله عنه :" و هذا الذي يستحبه أهل العلم ".

                و قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله : أحب الثياب إلينا أن نكفن فيها، البياض.

                و قال سفيان الثوري : كانوا يكرهون الشهرتين : الثياب الجياد التي يشتهر بها و يرفع الناس إليه فيها أبصارهم، و الثياب الرديئة التي يحتقر فيها و يستبذل.

                و قال معمر : عاتبتُ أيوب على طول قميصه، فقال : إن الشهرة فيما مضى كانت في طوله؛ و هي اليوم في تشميره.

                السلف كانوا يلبسون الثياب المتوسطة لا المرتفعة و لا الدون، و يتخيرون أجودها للجمعة و العيدين و لقاء الإخوان؛ و لم يكن غير الأجود عندهم قبيحا، فقد أخرج مسلم في صحيحه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى حُلة سيراء تُباع عند باب المسجد، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لو اشتريتَها ليوم الجمعة و للوفود إذا قدِموا عليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة" ، فما أنكر عليه ذكر التجمل بها ، و إنما أنكر عليه لكونها حريرا.

                قال أبو العالية : كان المسلمون إذا تزاوروا تجمّلوا.

                و كان المهاجرون و الأنصار يلبسون لباسا مرتفعا، و قد اشترى تميم الداري حُلة بألفٍ و لكنه يُصلي بها ، قال محمد بن سيرين : اشترى تميما الداري حلة بألف درهم و كان يقوم فيها الليل إلى صلاته.

                و روي مثل ذلك عن ثابت أنه قال : كانت لتميم الداري حلة قد ابتاعها بألف كان يلبسها الليلة التي ترجى فيها ليلة القدر.

                و روي عن ابن سيرين بطريق آخر أنه قال : اشترى تميم الداري رداء بألفٍ فكان يصلي بأصحابه فيه.

                و كان ابن مسعود من أجود الناس ثوبا و أطيبهم ريحا.

                و كان الحسن البصري يلبس الثياب الجياد.

                قال كلثوم بن جوشن : خرج الحسن و عليه جُبة يمنية و رداء يمني؛ فنظر إليه فرقد فقال : يا أستاذ لا ينبغي لمثلك أن يكون هكذا، فقال الحسن : يا ابن أم فرقد، أما علمتَ أن أكثر أصحاب النار أصحاب الأكسية.

                و كان الإمام مالك بن أنس يلبس الثياب العدنية الجياد.

                و كان ثوب الإمام أحمد بن حنبل يشترى بنحو الدينار.

                و قد كانوا يؤثرون البذاذة إلى حدّ ، و ربما لبسوا خلقان الثياب في بيوتهم، فإذا خرجوا تجمّلوا و لبسوا ما لا يشتهرون به من الدون و لا من الأعلى.

                قال عيسى بن حازم : كان لباس إبراهيم بن أدهم كتانا قطنا فروة لم أر عليه ثياب صوف و لا ثياب شهرة.

                رأى ذو النون - شيخ الصوفية - على ابن ريان خُفا أحمر فقال : انزع هذا يا بني فإنه شهرة ، ما لبسه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما لبس النبي صلى الله عليه وسلم خُفين أسودين ساذجين.

                و قال أبو جعفر المنصور : العري الفادح خير من الزي الفاضح.

                فأين هؤلاء من هؤلاء؟!

                تعليق


                • #23
                  عقيدة التصريف في الكون عند الصوفية:
                  يقول الشيخ مسلم عبدالله :
                  ماذا تعرف عن عقيدة (التصريف في الوجود) عند المتصوفة!!
                  التصريف هو قولُ الوليُّ -اختيارًا- للشيءِ: "كُن"؛ فيكون!
                  لا مأمورًا (كالملائكة والأنبياء)، ولا داعيًا مُجابًا (كعامة البشر).
                  قال محمد أبو المواهب الشاذلي: [[التصريف : هو تصرف المتحقق بالهمة القلبية العالية الغيبية في الأنام بالكلام من سير الفهوانية في الحضرة الإلهية ، وهي كلمة : كن يقول الله لوليه : أنا أقول للشيء كن فيكون وقد جعلتك تقول للشيء كن فيكون.]]

                  وقال أيضًا: [["التصريف يعطي للكامل إذنه فيما قل وجل من المضار والمنافع، ومن دونه يتصرف بالإذن بحسب النوازل والوقائع. ومن أعطى التصريف لا يخرج عن مشيئة الفاعل بالاختيار، ومن زعم غير ذلك حجبت عنه المعارف والأنوار]]


                  وقال ابن ضيف الله الصوفي في طبقاته عن أحد مشايخهم وأوليائهم : [[وقد أعطاه الله الدرجة الكونية ، وهي ، لغة : كن فيكون]] انتهى .
                  وقال التجاتي الصوفي في "جواهر المعاني": [[إن الله ملكهم الخلافة العظمى ، واستخلفهم على مملكته تفويضا عاما، أن يفعلوا في المملكة كل ما يريدون ، ويملكهم الله كلمة التكوين : متى قالوا للشيء: كن، كان من حينه .. فلا يستعصي عليهم شيء في الوجود]].
                  انتهى

                  وذكر الشعراني في طبقاته أحد أوليائهم ، وقال عنه : "وهو أحد من أظهره الله تعالى إلى الوجود ، وصرفه في الكون" انتهى .

                  وفي (طبقات الشاذلية) في ترجمة الأولياء الشاذلية تتكرر عبارة [[أقامه الله في الكون، فتصرف في الوجود]]،
                  ومن ذلك ما قيل في ترجمة النخال [[تصرف في مخلوقات الله فقضى وعزل وولى ونصب وحكم]]،
                  وأن أبا العباس الخضري : [[كان في زمنه غوثاً متصرفاً في جميع الموجودات]]، وقال صاحب المفاخر العلية عن الجيلاني [[ولّى وعزل ، وهدى وخذل، وأحيا وقتل، وأمرض وأشفى، ومنع وأعطى، ووصل وقطع، حمى ودفع وسلب وحجب وأعطى المحب ما طلب]].


                  ويورد اليافعي في "روض الرياحين" قصة اثنين من الأولياء "كان لهما مقام التولية والعزلة" في الحكام والملوك، فيقول:
                  [[وقد بلغني أنهما سمعا خطاباً من قِبل الحق عز وجل وهو يقول لهما: إذا أردتما أن تفعلا شيئاً فافعلا ولا تسألاني، فإني أكره أن أرى ذل السؤال في وجوهكما ]].انتهى

                  أي أنهما يتصرفان بتفويض كامل من الله حرصاً على ألا يجرح إحساسهما ,
                  وأن الله –تعالى عن ذلك علواً كبيراً– أراح نفسه من مشاكل العالم وتركه لهما يتصرفان فيه بدون الرجوع إليه!!


                  وهذه المسألة مما اختلف فيه الأشاعرة والمتصوفة، حتى صرَّح كبار الأشاعرة بلفظ (الكفر)!!
                  يقول ابن حجر الهيتمي (الأشعري) :
                  [[ومما يكون من الدعاء كفراً أيضاً : أن يطلب الداعي ثبوت ما دلّ القاطع العقلي على نفيه ، مما يُخلّ بإجلال الربوبية ، كأن يَعظُمَ شوق الداعي إلى ربه ، فيسأله أن يَحِلَّ في شيءٍ من مخلوقاته حتى يجتمع به ، أو أن يجعل له التصرف في العالم بما أراده]].


                  كذلك قال الإمام القرافي (الأشعري) :
                  [[وقد وقع هذا لجماعة من جهلة الصوفية ، ويقولون فلان أعطي كلمة (كن)، ويسألون أن يُعطَوْا كلمة (كن) ، التي في قوله تعالى: (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) . ومقتضى هذا الطلب : الشَّرِكة في الملك ؛ وهو كفر]] .


                  وفي ذلك تجويز إمكانية رفع البشر إلى درجة من الربوبية يتصرفون بها في الوجود!

                  وهذا مما تشابهت به قلوب المتصوفة وقلوب الذين كفروا من قبلهم..

                  فيعتقد النصارى مثل ذلك في المؤمنين بالمسيح، بما يسمى عندهم ب (شركة المؤمنين مع الآب في الطبيعة الإلهية)،
                  وهي عقيدة يُتوَّصل بها من خلال التحقق الحقيقي بالإيمان بلاهوت المسيح من الشراكة في الطبيعة الإلهية، فيكون للمؤمن قدرة على "عمل المعجزات" = "التصريف في الوجود"،

                  وقد عبَّر عنها قديسهم "إيريناوس" بقوله [الإله صار إنسانًا، لكي يجعل الانسان إلها].

                  وهذا موافق -من وجهة نظري- لعقيدة المتصوفة في تصريف الأولياء في الوجود!!
                  كذلك يوافق عقيدة التبني عند طوائف النصارى القديمة التي كانت تُنكر أن يكون المسيح إلهًا بالطبيعة الأصلية، بل ترى أن الله الآب اصطفاه في وقت معين (اختلفوا في تعيينه بين وقت المعمودية، ووقت الصلب، ووقت القيامة) ليرفعه لمرتبة الألوهية التابعة لألوهية الآب، وبذلك يمكنه التصرف في الوجود، والشفاعة، وغير ذلك.
                  وهذا موافق -من وجهة نظري- لعقيدة المتصوفة في تصريف الأولياء في الوجود!!
                  وموافق أيضًا لعقائد الديانة الهندوسية التي تؤمن بقداسة الصالحين حتى يصيروا متصرفين في أوجه من الوجود، ولذلك قدَّسوهم وعبدوهم، مع إيمانهم أن الإله بالطبيعة الذاتية واحد -هكذا أخبرني أحدهم مشافهةً-!

                  وقد ناقشتُ أحد دكاترة الأزهر ممن يقولون بهذه العقيدة ولا يُراع منها..
                  فكان مما ذكر أن التصريف المقصود بقول (كن، فيكون) هو استجابة الله لدعائهم، أو استخدام الله لهم في منفعة وضر العباد!!
                  فألزمته أن ذلك واقع لكل البشر، مؤمنهم وكافرهم..
                  فالكفار أيضًا قد يستخدمهم الله في منفعة أو ضر العباد، فهل يصح بذلك أن يقال أن لهم التصريف بقو​ل (كن، فيكون)،
                  فالتزم بلازمه وقال "نعم"!
                  وسألته (لو دعا الكافر المضطر فاستجاب الله له، فهل له أن يقول "قلتُ للشيء: كن، فكان؟)، فالتزم بلازمه وقال:"نعم"!!

                  #مسلم_عبدالله
                  #اللهم_براءة​

                  تعليق


                  • #24
                    وقفات مع الصوفية : 23

                    الحمد لله وحده؛ و الصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

                    أحد مشايخ الصوفية في عصرنا لباسُه الشتوي / الصيفي الصوف، و الصوف فقط، و لما سُئل من طرف الإعلام احتجّ بأن النبي صلى الله عليه وسلم لبس الصوف، و احتج بما رُوي في فضيلة لبس الصوف.

                    فأما لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوف؛ فقد كان يلبسه في بعض الأوقات لم يكن لبسه شهرة عند العرب، و أما ما يروى في فضل لبسه فمن الموضوعات التي لا يثبت منها شيء.

                    و لا يخلو لابس الصوف من أحد أمرين :

                    💠 إما أن يكون متعودا لبس الصوف و ما يُجانسه من غليظ الثياب فلا يُكره ذلك له لأنه لا يُشهر به.
                    💠 و إما أن يكون مترفا لم يتعوده فلا ينبغي له لبسه من وجهين :

                    🔻 أحدهما : أنه يحمل بذلك على نفسه ما لا تطيق و لا يجوز له ذلك.
                    🔻 أنه يجمع بلبسه بين الشهرة و إظهار الزهد.

                    رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من لبس الصوف ليعرفه الناس كان حقا على الله عز و جل أن يكسوه ثوبا من جرب حتى تتساقط عروقه".
                    و من باب الأمانة العلمية أن هذا الحديث موضوع عن النبي صلى الله عليه وسلم، و إنما الصواب فيه أنه قول لأحد التابعين.

                    و قد رُفع كذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم حديثا موضوعا آخر و ليس من قوله عليه السلام؛ و إنما قول أحد التابعين أنه قال :" إن الأرض لتعُج إلى ربها من الذين يلبسون الصوف رياء".

                    قال خالد بن شوذب : شهدتُ الحسن البصري و أتاه فرقد؛ فأخذ الحسن بكسائه فمده إليه و قال : يا فُريقد ابن أم فريقد !! إن البر ليس في هذا الكساء، و إنما البر ما وقر في الصدر و صدّقه العمل.

                    و قال أبو شداد المُجاشعي : سمعت الحسن البصري و ذُكر عنده الذين يلبسون الصوف فقال : ما لهم تعاقدوا - ثلاثا -،أكِنّوا الكِبْر في قلوبهم و أظهروا التواضع في لباسهم، و الله لأحدُهم أشد عجبا بكسائه من صاحب المطرف بمطرفه.
                    و هذه الرواية أرسلها الحسن للنبي صلى الله عليه وسلم، أي أن الحسن من التابعين، فإسقاط الصحابي في السند يُعدّ إرسالا.

                    و رُوي عنه أيضا أنه جاءه رجل ممن يلبس الصوف و عليه جُبة صوف و عمامة صوف و رداء صوف، فجلس و وضع بصره في الأرض فجعل لا يرفع رأسه، و كأن الحسن البصري خالَ فيه العجب.
                    فقال : ها إن قوما جعلوا كبرهم في صدورهم، شنّعوا و الله دينهم بهذا الصوف.
                    ثم قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من زي المنافقين.
                    قالوا : يا أبا سعيد ! و ما زيّ المنافقين؟!
                    قال : خشوع اللباس بغير خشوع القلب.

                    علّق ابن عقيل على ما قاله الحسن البصري بقوله : هذا كلام رجل قد عرف الناس و لم يُغرِه اللباس ، و رأيت الواحد من هؤلاء يلبس جبة الصوف فإذا قال له القائل : يا أبا فلان ، ظهر منه و من أوباشه الإنكار ، فعُلم أن الصوف قد عمل عند هؤلاء ما لا يعمله الديباج عند الأوباش.

                    و قد قدم حماد بن أبي سليمان البصرة فجاءه فرقد السنجي و عليه ثوب صوف، فقال له حماد : ضع عنك نصرانيتك هذه، فلقد رأيتنا ننتظر إبراهيم النخعي فيخرج علينا و عليه مُعصفرة.

                    و قال أبو قلابة : إياكم و أصحاب الأكسية.

                    و جاء أبو أمية إلى أبي العالية و عليه ثياب صوف، فقال له أبو العالية : إنما هذه ثياب الرهبان، إن كان المسلمون إذا تزاورا تجمّلوا.

                    و قال الفضيل بن عياض : تزينتَ لهم بالصوف فلم ترهم يرفعون بك رأسا، تزينت لهم بشيء بعد شيء، كل ذلك إنما لحب الدنيا.

                    قال أبو سليمان : يلبس أحدهم عباءة بثلاثة دراهم و نصف، و شهوته في قلبه بخمسة دراهم، أما يستحي أن يُجاوز شهوته لباسه، و لو سبى زهده بثوبين أبيضين من أبصار الناس كان أسلم.

                    و قال ابنه - سليمان بن أبي سليمان - : أيّ شيء أرادوا بلباس الصوف؟!
                    قالوا : التواضع.
                    قال : لا يتكبر أحدهم إلا إذا لبس الصوف.

                    أبصر سفيان الثوري رجلا صوفيا فقال له : هذا بدعة.

                    و قال لرجل عليه صوف : لباسك هذا بدعة.​

                    تعليق


                    • #25
                      وقفات مع الصوفية : 24

                      الحمد لله وحده، و الصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

                      و بعد :

                      فهِم الشيطان حقيقة معركته مع أهل الحق؛ فتعامل معها من باب الجد، حيث جنح إلى المكر و الإحتيال و فتح أبواب الشر، و إلباس الباطل ثوب الحق على وزن وضع السم داخل العسل؛ حتى يُزين لبني البشر فعل الخطأ، و أعطاه الله عز و جل إلى جانب ذلك نفسا أمّارة بالسوء.
                      و بقي الإنسان المسلم السُّنّيّ في ساحة المعركة رغم احتيال الشيطان عليه قويا شديدا بتلك الآيات الربانية ، و بدعوة الرسل، و بالعقل السليم، و بالإستعاذة بالله عز و جل، و سقط الإنسان المُبتدع في حبال الشيطان الرجيم.

                      عن جابر بن سمرة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس بالجابية فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في مثل مقامي هذا؛ فقال : " من أحب منكم أن ينال بحبوحة الجنة فلْيلزم الجماعة ، فإن الشيطان مع الواحد و هو من الإثنين أبعد".
                      قال الإمام الترمذي رحمه الله الذي روى هذا الحديث في سُننه : هذا حديث حسن صحيح.
                      و " فلْيلزم الجماعة" في هذا الحديث تعني : فلْيلزم أهل السنة و الجماعة.

                      و في حديث متفق عليه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ".
                      و في هذا الحديث ذمٌّ للبدع و المُبتدعين.

                      و لا مجال للشك قبل 23 وقفة أو بعدها؛ بأن الصوفية فِرَقٌ مبتدعة ، كل طريقة و عقائدها و عباداتها و أورادها ، و لباسها...
                      و كل ذلك ما أنزل الله به من سلطان.

                      و اللباس الذي يزري بصاحبه يتضمن إظهار الزهد و الفقر و كأنه لسان شكوى من الله عز و جل؛ و يوجب احتقار اللابس؛ و كل ذلك منهي عنه مكروه، و الدليل رواية الترمذي في سننه و هو صحيح، عن الأحوص عن أبيه أنه قال : أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم و أنا قشف الهيئة؛ فقال : هل لك مال؟! قلتُ : نعم. قال : من أيّ المال؟! قلتُ : من كل المال قد آتاني الله عز و جل من الإبل و الخيل و الرقيق و الغنم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " فإذا آتاك الله عز و جل مالا فلْيُرَ عليك".
                      و روى أبو داود في سننه؛ و هو صحيح، عن جابر قال : أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرا في منزلي فرأى رجلا شعثا؛ فقال : " أما كان يجد هذا ما يسكن به رأسه".
                      و رأى رجلا عليه ثياب وسخة فقال عليه الصلاة والسلام : " أما كان يجد هذا ما يغسل به ثيابه ".

                      و قد مضى علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الربيع بن زياد يعوده، فقال له : يا أمير المؤمنين! أشكو إليك عاصما أخي، قال : ما شأنه؟ قال : ترك الملاذ و لبس العباءة فغمّ أهلَه و أحزن ولده، فقال : عليّ عاصما.
                      فلما حضر بشّ في وجهه و قال : أترى الله أحلّ لك الدنيا و هو يكره أخذك منها؟! أنت و الله أهون على الله من ذلك، فو الله لابتذالك نِعَم الله بالفِعال أحب إليه من ابتذالك بالمقال.
                      فقال: يا أمير المؤمنين! إني أراك تؤثر لبس الخشن و أكل الشعير، فتنفّس الصعداء؛ ثم قال : ويحك يا عاصم! إن الله افترض على أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بالعوام لئلا يتبيّغ بالفقير فقره.

                      قال أبو بكر الأنباري : المعنى : لئلا يزيد و يغلو، يقال : تبيّغ به الدم ،إذا زاد و جاوز الحد.

                      فإن قال قائل : تجويد اللباس هوى للنفس، و قد أُمرنا بمُعاهدتها ، و تزيّنٌ للخلق و قد أُمرنا أن تكون أفعالنا لله لا للخلق.

                      قلنا : ليس كل ما تهواه النفس يُذمّ، و لا كل التزيّن للناس يُكره، و إنما ينهى عن ذلك إذا كان الشرع قد نهى عنه ،أو كان على وجه الرياء في باب الدين ، فإن الإنسان يجب أن يرى جميلا؛ و ذلك حظ النفس و لا يُلام فيه؛ و لهذا يُسرّح شعره؛ و ينظر في المرآة، و يُسوي عمامته ،و يلبس بطانة الثوب الخشن إلى داخل، و ظهارته الحسنة إلى خارج، و ليس في شيء من هذا ما يُكره أو يُذم.

                      و أبو حامد الغزالي أحد مشايخ الصوفية العِظام نفسه روى حديثا في كتابه [ إحياء علوم الدين ] عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرونه على الباب فخرج يريدهم و في الدار ركوة فيها ماء، فجعل ينظر في الماء و يسوي شعره و لحيته، فقلت : يا رسول الله و أنت تفعل هذا؟! قال : " نعم ، إذا خرج الرجل إلى إخوانه فليُهيّء من نفسه فإن الله جميل يحب الجمال".
                      فهذا إمام من أئمة الصوفية ينبُذ ما أنتم عليه، علما أنه كان جاهلا بعلم الحديث ، حيث جمع في كتابه هذا ما لذّ و طاب من الأحاديث الموضوعة و الضعيفة ؛ و من بينها هذا الحديث المُنكر كما وصفه الإمام زيد الدين العراقي الذي خرّج أحاديث الإحياء.

                      و قد رُوي من طريق آخر فيه عبد الله العزرمي؛ و هو ضعيف أن عائشة رضي الله عنها قالت : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر بركوة لنا فيها ماء فنظر إلى ظله فيها، ثم سوى لحيته و رأسه ثم مضى، فلما رجع قلت: يا رسول الله تفعل هذا؟! قال : " و أيّ شيء فعلتُ؟ فنظرت في ظل الماء فهيّأت من لحيتي و رأسي، إنه لا بأس أن يفعله الرجل المسلم إذا خرج إلى إخوانه أن يُهيّء من نفسه".

                      فإن قيل : إن سُرّي السقطي قال : لو أحسست بإنسان يدخل عليّ فقلت كذا بلحيتي - و أمرّ يده على لحيته كأنه يريد أن يسويها من أجل دخول الداخل عليه - لخشيت أن يعذبني الله على ذلك بالنار.

                      قلنا : ثبتت هذه الرواية عن سري السقطي، و هذا محمول منه على أنه كان يقصد بذلك الرياء في باب الدين من إظهار التخشع و غيره ، فأما إذا قصد تحسين صورته لئلا يُرى منه ما لا يستحسن فإن ذلك غير مذموم، فمن اعتقده مذموما فما عرف الرياء و لا فهم المذموم.

                      فالنبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر".انفرد به مسلم في صحيحه.
                      فقال رجل : إن أحدنا يجب أن يكون ثوبه حسنا و نعله حسنة؛ فقال : " إن الله جميل يحب الجمال، الكِبر بطر الحق و غمط الناس".
                      و معناه : الكِبر كبرُ من بطر الحق، و غمط ؛ أي : ازدرى و احتقر.

                      و صلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.​

                      تعليق


                      • #26
                        وقفات مع الصوفية : 25 [ الوقفة الأخيرة ]

                        الحمد لله وحده، و الصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

                        لن يفهم المتابع حقيقة ما تحدثنا عنه في هذه الوقفات الخمس و عشرين إلا عن طريق سفارة الوحي إلى البشر، فالرسل عليهم السلام وضحوا مكائد الشيطان و وضعوا للأمم الأسس التي ينبغي أن يسيروا عليها؛ طمعا في إنقاذ الأنفس من النار، ثم جاء العلماء من بعدهم خلفاء عدول، و ورثة شرعيون فأخذوا العلم فبثّوه إلى الناس، و مع ذلك : استهوت الوسوسة فرقة الصوفية/ الطرقية و خُدعوا بالبهرج فكانوا حُطاب ليل، و كلاب تنبح على كل من يرونهم، فاغتنم الشيطان الفرصة حيث أوقع في قلوبهم بوسواسه شكوكا و ريبا ، و هدى إلى البدعة و الضلالة ،و زرع بذور الإنحراف عن الكتاب و السنة بهدوء شديد حتى يظفر بما يشاء.

                        فمن ذلك أن منهم من يلبس الثياب المرتفعة، فقد كان أبو العباس الصوفي بن عطاء يلبس المرتفع من البز كالديبقي، و يُسبح بسبح اللؤلؤ و يؤثر ما طال من الثياب.
                        و هذا في الشهرة كالمرقعات ،و إنما ينبغي أن تكون ثياب أهل الخير وسطا.

                        و منهم من إذا لبس ثوبا خرق بعضه؛ و ربما أفسد الثوب الرفيع القدر.
                        دخل الشبلي الصوفي على ابن مجاهد فقال هذا الأخير : سأُسكته الساعة بين يديك - أي : بين يدي ابن مجاهد -،و كان من عادة الشبلي إذا لبس شيئا خرق فيه موضعا، فلما جلس قال له ابن مجاهد : يا أبا بكر ، أين في العلم فساد ما ينتفع به؟ فقال له الشبلي : أين في العلم { فطفق مسحا بالسوق و الأعناق }، فسكت ابن مجاهد، فقال له عليّ الوزير : أردت أن تُسكته فأسكتك، ثم قال له : قد أجمع الناس أنك مقرئ الوقت، فأين في القرآن إن الحبيب لا يعذب حبيبه؟ فسكت ابن مجاهد، فقال له علي الوزير : قل يا أبا بكر! فقال : قوله تعالى : { و قالت اليهود و النصارى نحن أبناؤ الله و أحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم }، فقال ابن مجاهد : كأنني ما سمعتها قط.

                        هذه الحكاية حق لنا أن نشك في صحتها، لأن في سندها الحسن بن غالب لا يوثق به، فقد قال فيه أبو بكر الخطيب : ادعى الحسن بن غالب أشياء تبين لنا فيها كذبه و اختلاقه.
                        أما إن صحت الرواية فقد أبانت عن قلة فهم الشبلي حين احتج بهذه الآية ، و قلة فهم ابن المجاهد حين سكت عن جوابه، و ذلك أن قوله تعالى : { فطفق مسحا بالسوق و الأعناق }؛ لأنه لا يجوز أن ينسب إلى نبي معصوم أنه فعل الفساد، و المفسرون قد اختلفوا في معنى الآية، فمنهم من قال : مسح على أعناقها و سوقها؛ و قال : أنت في سبيل الله. فهذا إصلاح.
                        و منهم من قال : عقرها ، و ذبح الخيل و أكل لحمها جائز، فما فعل شيئا فيه جناح.
                        فأما إفساد ثوب صحيح لا لغرض صحيح فإنه لا يجوز، و من الجائز أن يكون في شريعة سليمان جواز ما فعل و لا يكون في شرعنا.

                        و قد كان مذهب الصوفي أبو علي الروزباري تخريق أكمامه و تفتيق قميصه، فقد قال عنه أحمد بن عطاء : كان يخرق الثوب المثمن فيرتدي بنصفه و يأتزر بنصفه ، حتى إنه دخل الحمام يوما و عليه ثوب و لم يكن مع أصحابه ما يأتزرون به، فقطعه على عددهم فائتزروا به، و تقدم إليهم أن يدفعوا الخرق إذا خرجوا للحمام.
                        قال ابن عطاء : قال لي أبو سعيد الكازروني : كنت معه في هذا اليوم، و كان الرداء الذي قطعه يقوم بنحو ثلاثين دينارا.

                        و نظير هذا التفريط ما فعله أبو الحسن البوشنجي حيث يقول عن نفسه : كانت لي قبجة طلبت بمائة درهم فحضرني ليلة غريبان ، فقلت للوالدة : عندك شيء لضيفي؟ قالت : لا، إلا الخبز، فذبحت القبجة و قدمتها إليهما.

                        و قد كان يمكنه أن يستقرض ثم يبيعها و يعطي، فلقد فرط.

                        دخل أبو الحسين الدراج البغدادي الري، و كان يحتاج إلى لفاف لرجله، فدفع إليه رجلا منديلا ديبقيا فشقه نصفين و تلفف به، فقيل له : لو بعته و اشتريت منه لفافا و أنفقت الباقي، فقال : أنا لا أخون المذهب.

                        و كان أحمد الغزالي ببغداد فخرج إلى المحول فوقف على ناعورة تأن فرمى طيلسانه عليها فدارات فتقطع الطيلسان.

                        اُنظروا إلى هذا الجهل و التفريط و البعد عن العلم، فإنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن إضاعة المال، و لو أن رجلا قطع دينارا صحيحا و أنفقه كان عند الفقهاء مفرطا، فكيف بهذا التبذير المحرم؟!

                        و نظير هذا تمزيقهم الثياب المطروحة عند الوجد، ثم يدعون أن هذه حالة، و لا خير في حالة تنافي الشرع، أَفترونهم عبيد نفوسهم أم أُمروا أن يعملوا بآرائهم؟!
                        فإن كانوا عرفوا أنهم يخالفون الشرع بفعلهم هذا ثم فعلوه؛ إنه لعناد، و إن كانوا لا يعرفون إنه لجهل شديد.

                        لما تغير الحال على أبي عثمان وقت وفاته مزّق ابنه أبو بكر قميصا كان عليه، ففتح أبو عثمان عينه و قال : يا بني خلاف السنة في الظاهر و رياء باطن في القلب.

                        تجدون كل الوقفات على صفحتي هذه ، أو في الرابط الموجود في المنشور المثبت أعلى الصفحة.

                        و اقول قولي هذا، و أستغفر الله لي و لكم و لوالدينا، رب أنزلني مُنزلا مباركا و أنت خير المنزلين ، رب إني وهن العظم مني و اشتعل الرأس شيبا و لم أكن بدعائك رب شقيا، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، رب ارحم والدي و ارحم أمة نبيك رحمة عامة ، و أسألك سبحانك أن تغفر لابن خالتي [ ميمون ] و ترحمه رحمة واسعة، فقد تذكّرناه، و أن تُوسع عليه في قبره مدّ بصره.

                        و صلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.​

                        تعليق

                        مواضيع ذات صلة

                        تقليص

                        المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                        ابتدأ بواسطة عادل خراط, 21 نوف, 2022, 03:22 م
                        ردود 25
                        153 مشاهدات
                        0 معجبون
                        آخر مشاركة عادل خراط
                        بواسطة عادل خراط
                         
                        ابتدأ بواسطة عادل خراط, 4 أكت, 2021, 08:23 م
                        ردود 7
                        84 مشاهدات
                        0 معجبون
                        آخر مشاركة عادل خراط
                        بواسطة عادل خراط
                         
                        ابتدأ بواسطة وداد رجائي, 28 سبت, 2020, 07:20 ص
                        ردود 3
                        466 مشاهدات
                        1 معجب
                        آخر مشاركة محمد24
                        بواسطة محمد24
                         
                        ابتدأ بواسطة eeww2000, 18 يول, 2020, 10:43 ص
                        ردود 3
                        166 مشاهدات
                        0 معجبون
                        آخر مشاركة سعدون محمد1
                        بواسطة سعدون محمد1
                         
                        ابتدأ بواسطة eeww2000, 6 فبر, 2020, 08:40 ص
                        ردود 2
                        230 مشاهدات
                        0 معجبون
                        آخر مشاركة eeww2000
                        بواسطة eeww2000
                         
                        يعمل...
                        X