تـقوى اللائكي (2 )

تقليص

عن الكاتب

تقليص

الطلحاوي الإسلام اكتشف المزيد حول الطلحاوي
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تـقوى اللائكي (2 )

    الـسلام عليكم

    صنفـان مُعلبـان لا يستسيغان الحديث عن تقوى الله فيهمـا و لا يقبلان البتة أن يُقالُ لهم اتقوا الله دون أن يتعـكَّر مزاجهمـا:
    الحاكم المستبد و اللائكي الفضّ، الأول أشهـر من أن يُــعرَّف بمخـالفاته للعدل الإسـلامي يتخوف من سلـطة فقـيه يُـذَكِّرهُ بإجرامـاته و طيشـه فينتفض شـاهـرا سيفـه لجز الرقاب و مـلاحقـة الأشاوس، و قد كرستهُ ذلك تجـارب الحكـام في تـاريخنـا الإسلامي منذ الانكسار الفـاصل لفتـرة تجربـة الخلفـاء عن مـا بعدهم ، و في كتـاب (الإسلام بين العلمـاء و الحكام) لعبد العزيز البدري مـا يُغنـي عن البحث عن الأمـثلـة التـاريخية ، و أبـرز من تـصدَّرَ الحلقة عبد الملك بن مـروان عندمـا قـالَ كلمته الشهيرة : " إنــي لا أداوي أمــراض هذه الأمة إلا بحد السيف ، و الله لا يأمــرني أحــد بعد مقامي هـذا بتقوى الله إلا ضربتُ عنقَــه " ثـم صـارت فيما بعد عنوانـا و قانونـا كليا تحددت بهـا تقاليد الممـارسة السياسية الاستبدادية الخـارجة عن أصول الدين و سنن التطور .أمـا عـن الثـاني فبنية تفكيره تجعله أكثر النـاس نفورا من الهـدي الربـاني و أشدهـم حساسية من الأحكـام الشرعية ،فأن تُحدثهُ عن الإسلام يعنـي بساطـة حصول اختنـاق في قنـوات صرف العقل و سذاجـة في الطرح،فذلك عند البعض شر مستطير أنتجَ "تطرفا" و خَـلَـقَ "إسلامويون" "متأسلمون" لا همَّ لهـم إلا الحنين للمـاضي و الدوران في فلك الدين و قد علِمَ العـالم كيف صـارتَ الإنسانية الآن أرفع مقاما و أسمـى علـوا، لـم يكتفِ هـذا العقل بنقد الخطـاب الإسلامي الموصول بفكر الحركـات و القيادات التنـظيمية و إنمـا قصدَ هـدم الأسـاسَ و بث التشويش فكريا، ففرج فودة أوغَـلَ في التطرف الفكري إلى حـد إنـكاره المعلـوم بالضرورة و نـاطحَ لتكون "القديسة اللائكية" مسمـوعـة ، و نصر حـامد تطرَّفَ أيمـا تطرف خصوصـا في تفكيكاته للنص و جادلَ ليجرد من قدسيته فنسفَ فكره عمـارة في ( التفسير المـاركسي للإسلام ) و باتَ فكره مقبورا معه ، و عصيـد –إنْ اعتبرنـاهُ أصـلا مفكرا – في شطحـاته و خرجاتـه نـاوشَ ليرفعَ من "الكونية" محل العصمـة و القداسـة و صـارَ الإسلام عنده غير ذات قيمـة ، و فؤاد زكريا صارَ عنده الإسلام مسألـة من المسائل...إن كـانت مـواقف هـؤلاء و أضرابهم من الإسلام نفسه فكيفَ تـأتي أنتَ أيهـا الفقيـه لتقول في وجهـم اتق الله ؟ كيفَ لكَ أن تُـسمِعَ من في قبور الغفـلة يمرحون؟ أم تـرجوا تـوبـة من انطمست بصيرته إلا أن يتغمدهُ الله برحمة منه جلت قدرته تعـالى.
    و مـن سفاسف الأمـور قلب التصورات و ادعـاءات اللائكيين المملة بتقديسهم للدين بإزاحته عن مضمـار السياسـة و عبث المتدينين كمـا زعم فودة في المنـاظرة الشهيرة حول الدولة الدينية و المدنية و حفظهـا أتباعـه أبا عن جد.لا أحـد صـارَ الآن يصدق هراء اعتنـاءهم بالدين و شعائره و قد دلت جل الممارسات العملية التي تصدر من القوم علـى مفارقات فجـة أقلُّ مـا يقالُ عنهـا أنهـا لادينية ، أفَـتطمعُ من مـاركسي منـاضل أن يُـمدَّكَ بمحـاسن اقتصـاد السوق و مركزية حق التملـك أم تطمع من ليبرالي أن يزيِّن لكَ فقاعـات الجدل المـادي و التـاريخي؟ أم تحلـم من لا ديني أكلتهُ نوازعُ الهـوى اختيارا أن يُتحفكَ بنظريات في الفقه السياسـي و مرجعياته في التعـاقد التـاريخي ؟ ليس من الحكمـة إطـلاقا تبرير الأليكة بنـاء علـى فرضيات الإبعـاد إذ هو في عرف الشرع نفسـه إهمـال و استهتـار و لم يُنـزَل الدين لتخزينـه بل لتفعـيله و صونـه من المتلاعبين اللائكيين و تفسيرات الإدمـاج المطلق للسياسة بالدين . إن الحيلة المُبتَكَـرة تُمـثِّل فعـلا مدخـلا دهـائيا لتحجيم فاعلية التدين تمهيدا لإطـلاق غرائز التحرر من الدين في مفاصل المجتمع و السياسة ، و لسنـا بشاردين عن طرح اللائكيين حول تخوفاتهم النفسية إلباس الفكر ملبس الدين ذاته من طرف الإسلاميين الواصلين للسلطة ، لأن ذلـك يطعن في السلوك الفرع و ليس في الأصل المُؤسس، كمـا أن ذلك يعتبر تسذيجـا مقصودا يرمـي إلـى استعـادة الصور النمـطية الغربية في ذهـن القارئ تمهيدا لشحنـه بمفردات "الحق الإلهـي" و "ظل الله في الأرض" و "السلطة المطلقة" و مـا إلـى ذلك من المحفوظـات المستهلكة بشراهـة. إن الكتـابات الإسلامية المعاصرة في الفلسفة السياسية جددت كثيرا في تحديد طبيعة السلطـة السياسية في الإسلام و طرحت مقاربات مختلـفة، لكن المـلاحَظ أن العقل اللائكي لا يأبـهُ –أو لا يريد ربمـا – بالجديد الفكري السياسي في السـاحة الأكـاديمية الإسلامية و لا يقرأ كثرا للاجتهـادات المتنوعـة إذ يكتـفي باجتـرار التهم القديمة رغم تقادمهـا و كأنـهُ يعيش حـالة انحسـار و انحباس في تفكيره .
    لــكن قد يقال : مـا هذا التهجين و الرفس ؟ مـا لهـؤلاء الدينيون يخلطـون بين فضاء السياسة و الدولة ككيانـات وضعية و بين مفردات الطرح الديني بإقحـام التقوى كإيمـان مستقل ؟ و نـسارع بالقول إن مـا تفهـمونـه من التقوى كشعور وجداني مُحاصَر هـو فهـم لائكي من أسـاسه حيث كل شيء يوضع تحت المقصلـة اللائكية ،أمـا عند الإسلامي فالتقوى أساس التفاضل ومحور الوجود الإنسانـي و أطار يغطي المؤمنَ حركـاته سواء تموقعَ في جهـاز الدولة أو بيت الأسرة . إن نـقد السلوك اللائكي نـابع من كونه نـاتجا عن خـواء قيمي و استبداد لُغَـوي تشهـد عليه ثكنـاته التغريبية التي يأوي إليهـا و يهرع إليهـا عند التنـازع و التخـاصم، فـلا حق لـه بمصادرة الآخـر في استعمـال قامـوسه لوصفه ، إذ كمـا ألِفَ هم إرسـال المفاهيم "الكونية" لتنميطهـا قسرا عليه أن يقبل علـى مضض مـا ينتقده به الآخر بتوظيفه المفردات الدينية الأصيلة . إن جفـاف التدين و إنجراف العقل اللائكي نحو مستنقعـات المذاهب الهـدامـة يُعلل لـدى الكثير مخاوفهم من أن يحوّلوا الدولـة إلـى إطارات انحلالية مضادة لمقتضيات الدين ، كمـا يعلل عند البعض أسباب النفور الشديد من الإسلام كحساسية تُسبِّبُ لهم "فوبيا" عـارمة و تُحدِثُ انقلابـا في التكوين النفسي و تصدعـا في الفهم التـاريخي، من هـذا المنطلـق نــسأل : أفـلا يجوز النـظر إلـى العـقل اللائكي كمنتـوج مُكوَّن بدل محاججته من زاوية المعرفة ؟ ألا يكفِ الإعـراض عن عصاراته الموروثـة بموجب خِصـامـه للدين و انتـفاء شرط الالتـزام في ممــارساتـه بدل الزجّ في نـقاش مُـستَنـزِفٍ بـلا طـائل ؟ و هـل فعـلا يمكن أن يلتـقي التفكير اللائكـي الضارب في المـاديات بالتفكير الإسلامـي ؟ أضغـاث أحـلام !
    تـقوى اللائكـي أن يُــسبِّـحَ بحمـد الفلسفـة الفردانيـة "القردانية" أو المـادية الدهرية فينـحنـي لهـا إجـلالا علــى "فتوحـاتهـا" العـالمية ، تقوى اللائكي أن يتعبَّدَ بمتـون تمثلُ مـراجعَ نهـائية نـاسخـة لأشكـال الإبداع الفكري المُغايِـر فـلا تُسعِفـهُ ثرثرتهُ من مغادرة الأرضيـة "العقلانية" نحو أفق أرحب ، متطرفون أولـئك الذين ينكرون الحِجـاجَ بالأدلـة القرآنية و المأثورات النبوية لرد منـظومـة قيمٍ منـخورةٍ القيم تحكمهـا استعـلاءات العقل الشارد عن هـدايـة الوحـي الربـاني، و أيُّ تطرف أكبر من أن يُـلغ الإنسـان عمقـه الحضاري لينـزاحَ تحت صدمـة "الحداثة" يحفظ ترانيمها و إيقاعاتها، أيُّ تطرف أبلـغ من أن يكون المـرء نـاطقـا باسم تـاريخِ غيرٍ يهوي لهـا استجداء للانسـحاق و الذبول فتستفزهُ قول الله جل عـلاه و أحاديث رسوله ؟ . إن ِ نقدنـا لعقل اللائكي الذائب يجد مبرره الأخـلاقي في خـواء تقواه علـى الأرجح بحيث يبدو أيُّ نقـدٍ يوجهه هـذا العقل للسياسـة الشرعية أو التـاريخ أو الفكر الإسلامـي و مجتمـعه يبدو نقدا هراءً مـا دامَ يدّعـي نفسـه مصححا للمـسار و بديلا عن صياغـات الإسلاميين في مضمـار التغيير المنـشود، فلـو أعلنهـا صريحـة بخروج فكره عن مرجعية الإسلام تأصـيلا و أوضحَ انحيازه اللامشروط للغرب الثقافي كإطـار نـاظم فإن قضيـة النـقد ستتخـذ آنـذاك مسلكـا آخـرا يتأسس علـى نـقض الأصول الفكرية و المقدمـات الفلسفية و مـقارعـة المقاربة الخـارجية بالإثبات المضاد ، لكنـهُ يتصنَّعُ التجديد من الداخـل فاقتـضى ذلك النـظر أولا في المُـطابَـقات العملية وصولا للمقاربات الفكرية . جدير بالذكـر هنـا أن توصيفات البعض لبعض الرمـوز اللائكية "بالمفكرين الإسلاميين" كجمـال البنـا و العشمـاوي و عبد الرزاق..إنمـا هو تزوير فاضح و تـلاعب قذر بالمفردات لا يتنـاسب إطـلاقا مع طبيعـة "البضاعة" الفكري" و المشاريع الملفقة التي صاغهـا أمـثال هـؤلاء في مجمـل كتـاباتهم، الأصح اعتباراهم امتدادات موضوعية لأجنحـة الغرب و سياقات لا تداولية وقعت في فخ "عقدة النقص" فأردتهم كيانات هجينـة في الخطـاب و الممـارسة، لقد صـارَ الآن الحديث عن الدولة "المدنية" و "العلمنة" و "التنوير" و العولمة و "الكونية" مرتعـا لكل كتـابة، و من يدرِ فقد نُــسمَعُ يومـا عن عصيد كمفكر إسلامي بارز مجدد للقرن ، تُسعفهُ في ذلك مُقَيْـلاتـهِ المتنـاثرة علـى أعمدة المواقع الإلكترونية،في زمـن الضجيج الفكري و الإعـلامي تُصبحُ التشوهـات و التشوشات في المبـاني و المعـاني اعتيادية ـلكنهـا تصير بازغـة لذوي الألباب و أصحـاب القلوب العَطِرة .

    مـلاحظة : أعتذر لأنـي أدرجتُ في الجزء الأول من المقال مقتطعات مكررة

    تقبلوا تحياتي

مواضيع ذات صلة

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
ابتدأ بواسطة Islam soldier, 6 يون, 2022, 01:23 م
ردود 0
179 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة Islam soldier
بواسطة Islam soldier
 
ابتدأ بواسطة Islam soldier, 29 ماي, 2022, 11:22 ص
ردود 0
27 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة Islam soldier
بواسطة Islam soldier
 
ابتدأ بواسطة Islam soldier, 29 ماي, 2022, 11:20 ص
ردود 0
43 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة Islam soldier
بواسطة Islam soldier
 
ابتدأ بواسطة عادل خراط, 6 أكت, 2021, 07:41 م
ردود 0
44 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة عادل خراط
بواسطة عادل خراط
 
ابتدأ بواسطة Ibrahim Balkhair, 4 سبت, 2020, 05:14 م
ردود 3
90 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة Ibrahim Balkhair
بواسطة Ibrahim Balkhair
 
يعمل...
X