كسر الخصوصية العيدية

تقليص

عن الكاتب

تقليص

عادل خراط مسلم اكتشف المزيد حول عادل خراط
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كسر الخصوصية العيدية

    ​​​​​​

    مع ثورة الإتصالات الحديثة؛ و تزايد الإمتزاج بغير المسلمين، أصلح المسلم يكثر احتكاكه بالحياة اليومية للمجتمعات الغربية، و أصبحت هذه الأمم المهيمنة تسكب على مجتمعاتنا المستضعفة أنماط حياتها في الزي و الطعام و الحفلات و غيرها. و من صور ذلك (أعياد الكفار) التي صار لها حضور في مناخنا الثقافي و الإجتماعي بسبب هذه المتغيرات الإتصالية المعاصرة، و نتيجة لضغط هذه التقاليد الغربية المسيطرة تزايدت الأصوات التي تحاول شرعنة أعياد الكفار، و تأويل المعطيات الشرعية التي تمنع مشاركة الكفار أعيادهم.

    و من الأمور التي شدتني كثيرا في السنة النبوية حساسية النبي صلى الله عليه وسلم لموضوع أعياد الكفار، حيث ظهر اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من حادثة بقضية عدم مشاركة الكفار في أعيادهم، في أكثر من قضية يستحضر النبي صلى الله عليه وسلم بشكل لافت هذه المفاصلة مع الكفار في أعيادهم، و يركز النبي صلى الله عليه وسلم على تعميق التفرد الإسلامي في فعاليات العيد.

    لنضع سويا هذه الوقائع النبوية الأربع تحت عدسة البحث، ثم لنحاول استخلاص المعنى الكلي فيها :

    ⛔ الواقعة الأولى :
    لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وجدهم و لهم يومان يلعبون فيهما، و يمارسون احتفالا اجتماعيا، لم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم الموضوع يمر مرورا عابرا، بل سألهم عن دوافع هذا الإحتفال؛ فقال لهم النبي :" ما هذان اليومان؟" فقالوا : كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فلم يقل النبي : لا بأس ؛الأهم أن لا يقع في الإحتفال منكر، لا؛ بل أوقف هذا الإحتفال و همّ في خِضم فعالياته، و قال صلى الله عليه وسلم :" إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما يوم الأضحى و يوم الفطر". أخرجه أبو داود.

    ⛔ الواقعة الثانية :
    أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نذر أن ينحر إبلا في موضع في الحجاز يقال له :(بوانة)، فجاء يستفتي النبي صلى الله عليه وسلم؛ فسأله النبي عدة أسئلة كإجراء احترازي للإباحة ، و كان منها أن سأله النبي قبل أن يفتيه بالجواز بهذا السؤال :" هل كان فيها - أي : في بوانة - عيد من أعيادهم- أي : الكفار-؟"، فقال الرجل : لا ، فقال له النبي :" أوف بنذرك". أخرجه أبو داود.

    ⛔ الواقعة الثالثة :
    أن النبي صلى الله عليه وسلم في أحد الفعاليات العيدية الإسلامية أطلق حكما كليا عاما يكرس الخصوصية العيدية فقال :" إن لكل قوم عيدا، و هذا عيدنا ". متفق عليه.

    ⛔ الواقعة الرابعة :
    أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار مرة إلى أيام المناسك و أكد استحضار الخصوصية العيدية من جديد فقال :" يوم عرفة و يوم النحر، و أيام التشريق؛ عيدنا أهل الإسلام". أخرجه الترمذي.

    حسنا!!
    دعنا نحاول استخلاص المعنى الكلي في هذه الوقائع النبوية الأربع ،لا أظنك تخالفني على الدهشة من شدة استحضار النبي صلى الله عليه وسلم لقضية الخصوصية العيدية، و أن موضوع العيد لم يكن في التصور الشرعي الذي يقدمه النبي صلى الله عليه وسلم مجرد شأن اجتماعي لا صلة للدين به، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يسلط الضوء على القضية بطرق مختلفة، فمرة يقول لهم و هم يحتفلون :" أبدلكم بهما خيرا منهما" ، حتى أن هذين العيدين الجاهليين اليثربَين ماتا كما يذكر المؤرخون.

    و قد طرح ابن تيمية تحليلا تاريخيا بديعا حول سر اختفاء هذين العيدين الجاهليين!!
    يقول أين تيمية :"فإن ذينك اليومين الجاهليين قد ماتا في الإسلام فلم يبق لهما أثر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم و لا عهد خلفائه ، و لو لم يكن قد نهى الناس عن اللعب فيهما و نحوه مما كانوا يفعلونه، لكانوا قد بقوا على العادة، إذ العادات لا تغير إلا بمغير يزيلها، لا سيما و طباع النساء و الصبيان و كثير من الناس متشوقة إلى اليوم الذي يتخذونه عيدا للبطالة و اللعب، و لهذا قد يعجز كثير من الملوك و الرؤساء عن نقل الناس عن عاداتهم في أعيادهم؛ لقوة مقتضيها من نفوسهم، و توفر همم الجماهير على اتخاذها، فلولا قوة المانع من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكانت باقية، و لو على وجه ضعيف، فعلم أن المانع القوي منه كان ثابتا ".
    المصدر : اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، بتحقيق : ناصر عبد الكريم العقل (١/ ٢٣٥).

    و مرة يطلق النبي شعار الخصوصية العيدية الإسلامية (لكل قوم عيد و هذا عيدنا)، و يقول في حادثة مشابهة :" عيدنا أهل الإسلام "، و هي لغة افتراق واضحة في موضوع العيد، و أنه ليس شأنا مدنيا يشترك الناس فيه، بل هو من الخصوصيات الشعائرية الدينية التي تتمايز فيها الأمم.

    هذه الوقائع النبوية الأربع أثّرت في فقه الصحابة و التابعين و أتباعهم؛ و من بعدهم، حتى أن عمر بن الخطاب قال :" اجتنبوا أعداء الله في عيدهم". أخرجه البيهقي في السنن الكبرى.
    بل إن عمر بن الخطاب في الشروط العمرية الشهيرة اشترط على أهل الذمة أن لا يظهروا أعيادهم في دار المسلمين، و كانت أعيادهم هما : الباعوث و الشعانين ، حيث جاء في شروط عمر على أهل الذمة :" و ألا نخرج باعوثا، - قال : و الباعوث يجتمعون كما يخرج المسلمون يوم الأضحى و الفطر - و لا شعانين". ذكره ابن القيم في أحكام أهل الذمة بتحقيق يوسف البكري و شاكر العارودي.

    بل إن ابن عباس و خمسة من التابعين معه : ابن سيرين و أبو العالية، و طاوس و الضحاك ،و الربيع بن أنس، استنى وا من قوله تعالى :" و الذين لا يشهدون الزور "أنه يدخل فيه أعياد الكفار كما نقل ذلك أهل التفسير بالمأثور،و أحدهم ابن كثير في تفسير القرآن (٦ /١٣٠). باعتبار أن عيد الكفار زور فلا يجوز شهوده.


    انتقل هذا المعنى الشرعي من الصحابة رضوان الله عليهم إلى فقه الأئمة الأربعة، و قد جمع كثير من أهل العلم كلام المذاهب الأربعة في ذلك، يقول ابن القيم :" و كما أنهم لا يجوز لهم إظهار عيدهم، فلا يجوز للمسلمين ممالأتهم عليه ، و لا مساعدتهم، و لا الحضور معهم؛ باتفاق أهل العلم الذين هم أهله، و قد صرح به الفقهاء من أتباع الأئمة الأربعة في كتبهم".
    المصدر : أحكام أهل الذمة (٣/ ١٢٤٥).
    ثم ساق ابن القيم نماذج من فقه المذاهب الأربعة في منع مشاركة الكفار أعيادهم، فيمكن لمن أراد التزود باقتباسات فقهية مذهبية مراجعتها في كتابه (أحكام أهل الذمة) في الجزء الثالث، الصفحات من ٤٥ إلى ٥٠ بعد الألف و مائتين).

    و لكن ،ثمة تساؤل يعترضنا ها هنا، و هو في غاية الوجاهة، السؤال بكل اختصار :
    ( إننا نعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم أبدى تسامحا و مرونة مذهلة في الإنتفاع بمنسوجات و أواني و أسلحة و مساكن و مصنوعات الكفار، بل أبقى النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا من الأوضاع الإجتماعية الجاهلية و لم يُغيرها ، فلماذا يا ترى أبدى النبي صلى الله عليه وسلم هذا التدقيق و الإستيقاف في موضوع أعياد الكفار؟ لماذا لم يعامل النبي صلى الله عليه وسلم أعياد الكفار كما عامل بقية شؤونهم الإجتماعية الأخرى التي تسامح معها؟).

    هذا السؤال هو الذي يقودنا إلى المفهوم الفقهي العميق لهذه القضية، هذا السؤال هو الجسر الذي ينتهي بجوهر الموضوع، فمن وضع هذه الأحاديث النبوية على طاولة البحث ثم طرح هذا السؤال على نفسه ؛انتهى حتما إلى صلب الإشكالية.

    و الجواب بكل اختصار : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتسامح مع أعياد الكفار كما تسامح مع كثير من شؤونهم الإجتماعية؛ لأن العيد في التصور الشرعي ليس شأنا اجتماعيا؛ بل شعيرة، و لا يجوز مشاركة الكفار في شعائرهم، و هذا المعنى هو الذي عبّر عنه ابن تيمية في لغة فقهية هندسها ببراعة مذهلة.
    تأمل معي - بالله عليك - هذا التحليل الذي يستخلصه ابن تيمية من الأحاديث السابقة، حيث يقول :" و أما الإعتبار في مسألة العبد فمن وجوه : أحدها : أن الأعياد من جملة الشرائع و المناهج و المناسك، التي قال الله فيها :" لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه"، كالقبلة و الصلاة و الصيام ،فلا فرق بين مشاركتهم في العيد و بين مشاركتهم في سائر المناهج، فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر، و الموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شُعب الكفر، بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع، و من أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر و أظهر شعائره، و لا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة بشروطه ".
    المصدر : اقتضاء الصراط المستقيم، تحقيق : د. ناصر عبد الكريم العقل. (١/ ٤٧٠).

    الفكرة الفقهية المبدعة ها هنا هي قول ابن تيمية أن (العيد من جملة الشرائع و المناسك)، بمعنى أن العيد ليس كالترتيبات الإجتماعية المحضة ،بل هو كالطواف و الرمي و الصلاة و اللحية و نحوها من الشعائر و السما الديني.

    و هذا يعني أنه لو جاء شخص و قال : و لكن عيد الكريسماس - مثلا - خرج عن كونه عيد ديني إلى كونه عيد اجتماعي لكان الجواب أن العيد بحد ذاته شعيرة بغض النظر عن نية فاعله، فلو جاء شخص غربي يضع قلادة صليب لا عن ديانة و إنما تجملا؛ و ما أكثر هذا في الغرب، لم يجز موافقته في ذلك، لأن الصليب بحد ذاته شعار ديني.
    و هكذا لو جاءنا شخص ياباني يحتفل في أحد معابدهم الوثنية بالطواف كفاعلية اجتماعية؛ لا عن تعبد، و ما أكثر ذلك، لم يجز موافقته في ذلك؛ لأن هذا الطواف في المعبد بحد ذاته عبادة، بغض النظر عن قصد فاعله، و هكذا لو جاءنا شخص هندي يمارس طقوسا اجتماعية لأوثانهم لما جاز مشاركتهم في ذلك، حتى لو كانت جزءا من التقاليد الإجتماعية.

    حسنا، إذا كان العيد شعيرة فهذا يعني أن من يهنئ كافرا على عيده فكأنما يهنئه على شعيرة معينة، و لذلك قال ابن القيم :" و أما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالإتفاق، مثل أن يُهنئهم بأعيادهم و صومهم ، فهذا إن سلِم قائله من الكفر فهو من المحرمات، و هو بمنزلة أن يُهنئه بسجوده للصليب ، بل ذلك أعظم إثما عند الله و أشد مقتا من التهنئة بشرب الخمر و قتل النفس و ارتكاب الفرج الحرام و نحو ذلك، و كثير ممن لا قدو للدين عنده يقع في ذلك، و لا يدري قبح نا فعل، فمن هنّأ عبدا بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله و سخطه ".
    المصدر : أحكام أهل الذمة. (١/ ٤٤١).

    بعض الناس يتعامل بحسن ظن مبالغ فيه أو ببرود، فيقول هؤلاء الذين يحتفلون أو يُجيزون الإحتفال بأعياد الكفار إنما أساس موقفهم هو البحث الفقهي الحر، و الواقع أن هذا تصوير مزيف لحقيقة الحال، و مما يدل على أن الخلل ليس مرتبطا برأي فقهي أصلا بقدر ما هو مرتبط بالخضوع للثقافة الغربية العلمانية أننا لم نر هؤلاء عندنا يحتفلون بالأعياد الإفريقية أو الأعياد الشرق آسيوية التي يحتفل بها الكفار هناك، بل يحتفلون بما يحتفل به الغربي الغالب فقط ؛ فهل هذا بحث فقهي حر، أم خنوع للمستبد الغربي ؟!

    و على الرغم من وضوح هذه القضية في النصوص الشرعية، و كثرة من يبينها من أهل العلم و الدعوة في كل مناسبة مرحبا و هو أن العيد بذاته شعيرة؛ و أن مشاركة الكفار و تهنئتهم بعيدهم كتهنئتهم ببقية شعائرهم، و مع ذلك كله فإننا نجد بعض الشباب المسلم يتقصّد تهنئة الكفار بأعيادهم علنا، خصوصا في مواقع التواصل، فما تفسير ذلك ؟!

    الواقع أنني تأملت في بعض الشخصيات التي تفعل ذلك، فتبين لي أن بعضهم يفعل ذلك لدوافع نفسية بحتة، بمعنى أنه لا يجهل تدقيق و اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بمسألة أعياد الكفار، و حرص النبي على مباينتهم فيها، و إنما يشعر بدوافع نفسية خفية لأن يخالف في هذه المسألة كعنوان على حداثة تفكيره، و أنه غير خاضع لهيمنة الخطاب الشرعي، ثمة ما يدفعه لتأكيد التحرر.

    بعض من يجاهر بتهنئة الكفار على شعائر الكفر يفكر بالمحيط الإجتماعي القريب الذي يراقبه، أكثر من تفكيره بالكافر الذي يتلقى تهنئته، فبعضها أحيانا يظهر التهنئة كبطاقة هوية في نادي الثقافة المعاصرة، و أحيانا تكون تهنئةً عصرتها أجواء المشاحنات فهي أقرب لكونها تهنئة نكاية بالمخالف السلفي، أكثر من كونها تهنئة علاقة حميمة مع أحد الكفار.

    و هذه الظاهرة مؤلمة حقا، و هي تتكرر تاريخيا؛ و قد أشار لها القرآن كما قال تعالى :" إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا و ارحمنا و أنت خير الراحمين. فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري و كنتم منهم تضحكون".
    قال ابن كثير عن قوله تعالى :" حتى أنسوكم ذكري"، أي : حملكم بغضهم على أن نسيتم معاملتي.

    و المراد في هذا المبحث هو مقارنة الوقائع النبوية الأربع :" أبدلكم الله خيرا منهما " و" هل كان فيها عيد من أعيادهم؟ " و" لكل قوم عيدا " و" عيدنا أهل الإسلام ".
    مقارنة ذلك بالمبدأ الذي استخلصه أهل العلم و صاغه شيخ الإسلام :" الأعياد من جملة الشرائع و المناهج و المناسك"، و أن العيد بحد ذاته شعيرة، و ينبني على ذلك كله مفهوم الخصوصية العيدية، و أنه لا يجوز مشاركة الأمم الكافرة أعيادهم.

    ⛔ المراجع :

    ١- تفسير القرآن العظيم لابن كثير، تحقيق سامي السلامة.
    ٢- اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام ابن تيمية.
    ٣- سلطة الثقافة الغالبة لإبراهيم السكران.

مواضيع ذات صلة

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
ابتدأ بواسطة عادل خراط, 22 أكت, 2021, 08:29 م
ردود 0
125 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة عادل خراط
بواسطة عادل خراط
 
ابتدأ بواسطة عبد الصمد حدوش, 25 سبت, 2019, 06:15 م
ردود 0
111 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة عبد الصمد حدوش  
ابتدأ بواسطة نصرة الإسلام, 17 ديس, 2015, 09:36 ص
ردود 28
6,001 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة فارس الميـدان  
ابتدأ بواسطة قلب ينبض بحب الله, 7 أبر, 2015, 09:03 ص
ردود 6
2,942 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة قلب ينبض بحب الله  
ابتدأ بواسطة الطلحاوي, 31 ينا, 2015, 10:49 م
رد 1
1,562 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة فارس الميـدان  
يعمل...
X