إبطال شبهات الملاحدة الماديين في إنكار الخالق العليم

تقليص

عن الكاتب

تقليص

ميدو جمال مسلم اكتشف المزيد حول ميدو جمال
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • إبطال شبهات الملاحدة الماديين في إنكار الخالق العليم

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

    ------

    يقول بعض الكتّاب: " إن الإيمان بالله لم يأت نتيجةً لبحثٍ علمي، أو تحليل منطقي، وإنما جاء عن طريق أن إنساناً ما وهو النبي قال للناس: إن هناك إلهاً وهذه هي صفاته، وهذه هي أحكامه وتشريعاته، فالمؤمن لم يتوصل إلى ذاك " الله " بمحض عقله، بل إن إيمانه جاء عن طريق تصديق النبي فيما قاله. إذاً الإيمان ما هو إلا نوع من تصديق شخص ما وليس أكثر من ذلك.." ا.هـ ، بهذا التبسيط الساذج، يقرر الملاحدة قضية الإيمان بالله، ليس هناك من دليل على وجوده، سوى شخص جاء وأخبر عنه، وأمر الناس بطاعته، فالإيمان لا يعدو أن يكون تصديق شخص ما، لا أقل ولا أكثر، فهل رأى أحدٌ سخرية من العقل والمنطق كهذه السخرية !!

    إن الإيمان بالله عز وجل خالق الوجود ومسيّره، أعظم وأجل من أن يقال فيه هذا، ووجوده أعظم من أن يقتصر في الاستدلال عليه على خبر النبي رغم أهميته وعظم دلالته، بل أدلة وجوده أوسع وأعمق، فهي تتسع لتشمل كل ذرات الكون من فرشه إلى عرشه، فما من مخلوق في هذا الكون إلا وهو ينادي بالدلالة على خالقه، وهي دلالة لا تقتصر على إثبات الوجود فقط، بل تتسع لتدل على صفات هذا الخالق العظيم، من العلم والحكمة والإرادة والقدرة وغيرها.

    ورغم سعة هذه الدلالات وعظمتها، فقد وجد من شواذ البشر، من زعم أنه لا إله، وأن الحياة مادة صماء لا تعقل ولا تنطق، وهي مع ذلك قد أوجدت نفسها بنفسها عن طريق التلقائية والمصادفة !! وهي ذاتها تسيَّر نفسها عن طريق نظام الطبيعة وقوانينها، دون أن يتدخل أحد لا في إيجادها ولا في تسييرها، في منطق يعجز العقل عن تصوره، إذ كيف لمادة صماء أن توجد نفسها، فضلا على أن تهب الحياة لغيرها ؟!! كيف ؟! والعقل قاضٍ بأن الموجود لابد له من موجد، وأن المخلوق لا بد له من خالق، كما نطق بذلك لسان الفطرة عند أعرابي، عندما سئل عن دليل وجود الله ؟ فقال: البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، ألا تدل على العليم الخبير.

    وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد

    ومع وضوح دلائل وجود الخالق سبحانه، إلا أننا نرى أن لا بد من الإتيان على ما يتشبث به الملاحدة من شبه بالنقض والإبطال، ليعلموا أن ليس معهم من العلم شيءٌ يستندون إليه في إنكار خالقهم ورازقهم، فمن شبهات الملاحدة:

    الشبهة الأولى ، قولهم: إن العقول عاجزة عن تصور كنه هذا الإله وحقيقته، وما عجزت العقول عن إدراكه وتصوره فهذا دليل على عدم وجوده.

    ونحن نجيب على هذه الشبهة بقولنا: إن المقدمة الأولى من هذه القضية صحيحة بلا شك، فالعباد قاطبة عاجزون عن معرفة حقيقة هذا الإله العظيم، ومن مأثور كلام أهل العلم في ذلك، قولهم: "كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك، وعجزك عن درك الإدراك إدراك، والبحث في كنه ذات الله إشراك "، لكن المقدمة الثانية غير صحيحة، إذ ليس كل ما عجزت العقول عن معرفة حقيقته وكنهه عدم، وإلا للزم أن تنكر العقول كثيرا من أسرار هذا الكون لعجزها عن معرفة حقيقتها وكنهها، فقد وقف العلماء عاجزين عن معرفة حقيقة المادة التي بين أيديهم، وهم يرونها بأعينهم، ويذوقونها بألسنتهم، ويشمونها بأنوفهم، ويصرفونها في طرق الحياة والعيش . فإذا كان هذا الشأن في معرفة أقرب الأشياء من الإنسان وألصقها به، فهل يطمع الإنسان أن يصل بعقله إلى معرفة حقيقة الله تعالى؟ وهل يطمع الإنسان الذي لا يعرف كيف يعرف ؟ ولا يدرك كيف يدرك ؟ ولا يعقل كيف يعقل ؟ أن يعقل حقيقة الله تعالى !!.

    إن العلم لا يزال عاجزاً عن معرفة الطريقة التي يتم بها الإدراك، والوسيلة التي يتم بها الاتصال بين المادة والعقل، والكيفية التي يتلقى بها العقل الروحاني الإحساس بالشيء المادي فيدركه، فهل يطمع بعد ذلك أن يعرف كنه ذات الله تعالى ؟.

    إن عدم اقتداركم – أيها الملاحدة - على تصور حقيقة الله لا يعني استحالة وجوده، ويكفي العقول أن تستدل على وجود الله بآثاره من نظام وإتقان وإحكام في هذا العالم، أما التطلع إلى إدراك حقيقة ذاته، فهذا ما لا سبيل للإنسان إليه، وفي هذا يقول أحد الفلاسفة الكبار، "روجر باكون " : " إنه لا يوجد عالم من علماء الطبيعة يستطيع أن يعرف كل شيء عن حقيقة ذبابة واحدة وخواصها، فضلا عن أن يعرف كنه ذات الله ".

    الشبهة الثانية قولهم: إن عقولنا لا يمكن أن تتصور حصول شيء من لا شيء، أي استحالة خلق المادة من العدم، فكيف يخلق الإله من العدم ؟ وجوابنا عن هذه الشبهة من وجهين:

    الوجه الأول: أن قولهم لا يمكننا أن نتصور حصول شيء من لا شيء، مبني على قولهم بقدم المادة وأزليتها، وهذا عين المحال، إذ كيف للمادة الصماء أن توجد نفسها !! وإذا كنتم ادعيتم عجز العقول عن تصور خلق شيء من لا شيء، فإن العقول أعجز عن تصور قدم المادة وأزليتها، ذلك أن المادة لا يعقل أن تخلو من صورة تقوم بها، والعقل السليم يقطع بأن كل صورة تقوم في المادة هي حادثة لأنها تزول وتتغير، ولا يخفى أن كل ما يطرأ عليه العدم يستحيل عليه القدم .

    الوجه الثاني: أن عجز العقول عن تصور حصول شيء من لا شيء، لا يعني امتناعه في نفسه، فقد تعجز العقول عن تصور أمور كثيرة وهي ثابتة، كعجزها عن تصور حقيقة المادة رغم أنها ملامسة مشاهدة، فإذا كان هذا الشأن في معرفة أقرب الأشياء من الإنسان وألصقها به، فهل يطمع الإنسان أن يخضع بعقله أفعال الله سبحانه لقوانين البشر وقدراتهم .!!

    إن منشأ هذه الشبهة – إنكار الخلق من العدم - هو قياس التمثيل، فعندما رأوا أن المخلوق لا يمكن أن يصنع شيئا إلا من شيء آخر، نفوا أن يكون شيء مصنوعا من لا شيء، وإبطال هذا القياس بإيضاح الفرق بين الخالق والمخلوق، فالمخلوق لا يمكنه أن يصنع شيئا من لا شيء، أما الخالق فقدرته ليس لها حدود، فهو على كل شيء قدير، { إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون } ( يس : 82 ) .

    الشبهة الثالثة قولهم : لو كان نظام الكائنات مخلوقا من إله حكيم، لكان موضوعا بقصد وحكمة، ولكانت علامات القصد والحكمة تامة في كل شيء، إلا أننا نرى في العالم أشياء لا تنطبق على القصد والحكمة.

    والجواب على هذه الشبهة: أن جهلنا بحكمة مخلوق أو نظام ما في هذا الكون، ليس مبررا على الإطلاق أن ننكر خالقه سبحانه، ذلك أننا نشاهد من أسرار الله في مصنوعاته الحكم الباهرة ولم تزل تظهر لنا يوما بعد يوم حكمة بعد أخرى، مما كان خافيا علينا دهورا طويلة، فليس عدم إدراكنا للحكمة يعني انتفاءها وعدم وجودها، فقد تظهر لنا في يوم من الأيام ، كما ظهر سواها .

    وإذا تأملتم – أيها الملاحدة - قصور العقل البشري وعجزه عن إدراك كثير من الأمور المادية المشاهدة لنا، وقارنتم بين هذا العجز وبين قدرة الله العظمى وحكمته، لم تستغربوا اختفاء حكمة بعض الأشياء عن عقولنا، ورأيتم أن من الأولى قياس القليل النادر، مما لم تظهر حكمته، على الكثير المستفيض الذي لا يعد ولا يحصى من شواهد حكم الله الظاهرة في مخلوقاته، لا أن تتخذوا من هذا القليل النادر الذي خفيت حكمته دليلا على إنكار وجود الله الخالق.

    الشبهة الرابعة ، قولهم: إذا كان لكل موجود موجد، ولكل مخلوق خالق فمن خلق الله ؟ والجواب على هذه الشبهة من وجهين:

    الوجه الأول: أن إيراد هذا السؤال خطأ بين، ذلك أن قدرة الله جل جلاله تتعلق بالممكنات لا المستحيلات، وأن يخلق الله إلها من المستحيلات بلا شك، فلا تتعلق به القدرة، ذلك أن هذا الإله الذي سيخلقه الله سبحانه سيكون مخلوقا، وإذا كان مخلوقا فبالضرورة لن يكون خالقا وبالتالي لا يصلح أن يكون إلها.

    الوجه الثاني: أننا لو تنزلنا وقلنا بصحة السؤال، لأفضى ذلك إلى التسلسل، وهو محال عقلا، بيانه أننا إذا أجبنا على سؤال من خلق الله ؟ بالقول: إنه خالق آخر، فسوف يرد نفس السؤال على الخالق الآخر، فيقال من خلق الخالق الآخر، وهكذا دواليك إلى ما لا نهاية، وفي المحصلة سنكون قد ارتكبنا محالين عقليين: الأول نفي الخالق، والثاني: القول بتسلسل علل لا نهاية لها.


    الإيمان والعلم والفلسفة


    كثيرا ما يستند الملاحدة في إنكارهم للخالق إلى الفلسفة والمنطق، ويحاولون أن يظهروا بمظهر الباحثين والمفكرين، ولكنهم في حقيقة الأمر من أجهل المخلوقات على الإطلاق، ذلك أن الدين والعلم والفلسفة كلها قد اتفقت على الإيمان بالله سبحانه، وأنه موجد الكون ومدبره، ولكن كما قال بعض الفلاسفة: القليل من الفلسفة يبعد عن الله، لكن الكثير منها يرد إلى الله، وقد اخترنا في خاتمة هذا المقال بعض مقولات لعظماء من الفلاسفة الذين نصوا على وجود الله سبحانه، والإيمان به:

    يقول "أفلاطون": " إن العالم آية في الجمال والنظام، ولا يمكن أن يكون هذا نتيجة علل اتفاقية، بل هو صنع عاقل، توخى الخير، ورتب كل شيء عن قصد وحكمة "

    ويقول "ديكارت": "إنِّي مع شعوري بنقصٍ في ذاتي، أُحسُّ في الوقت نفسه بوجود ذاتٍ كاملة، وأراني مضطرًّا إلى اعتقادي؛ لأنَّ الشعور قد غَرَسَتْه في ذاتي تلك الذات الكاملة المتحليَّة بجميع صفات الكمال؛ وهي الله".

    ويقول "أناكساغورس" أحد فلاسفة اليونان الأوائل: " من المستحيل على قوة عمياء، أن تبدع هذا الجمال، وهذا النظام اللذين يتجليان في هذا العالم، لأن القوة العمياء لا تنتج إلا الفوضى، فالذي يحرك المادة هو عقل رشيد، بصير حكيم "

    ويقول ديكارت أيضاً: " أنا موجود فمن أوجدني ومن خلقني؟ إنني لم أخلق نفسي، فلا بد لي من خالق. وهذا الخالق لا بد أن يكون واجب الوجود، وغير مفتقر إلى من يوجده، أو يحفظ له وجوده، ولا بد أن يكون متصفا بكل صفات الجمال. وهذا الخالق هو الله بارئ كل شيء "

    ويقول باسكال: " إن إدراكنا لوجود الله، هو من الإدراكات الأولية، التي لا تحتاج إلى جدل البراهين العقلية، فإنه كان يمكن أن لا أكون، لو كانت أمي ماتت قبل أن أولد حيا، فلست إذا كائنا واجب الوجود، ولست دائما ولا نهائيا، فلا بد من كائن واجب الوجود، دائم لا نهائي، يعتمد عليه وجودي، وهو الله الذي ندرك وجوده إدراكا أوليا، بدون أن نتورط في جدل البراهين العقلية، ولكن على الذين لم يقدر لهم هذا الإيمان القلبي أن يسعوا للوصول إليه بعقولهم.."

    وبهذه الثلة من أقوال هؤلاء الفلاسفة وبما سبق من أدلة عقلية جلية، يتبين أن الإيمان بوجود الخالق قضية ضرورية بديهية، مركوزة في النفس والعقل، لا يخالطها ريب ولا شك، ولا تحتاج لبرهان إلا لمن فسدت فطرته، والله الموفق والهادي إلى سواء لسبيل.



    "اللهم أرنا الحق حقاً، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، واجعلنا للمتقين إماما "

  • #2
    جزاك الله خيراً ...
    ونفع بعلمك.......

    تعليق


    • #3
      من المعلوم يا أخي أن الحق يعلو ولو بعد حين

      تعليق


      • #4
        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
        أخي العزيز ميدو جمال ، أعجبني موضوعك جداً فجزاك الله خيراً وأحسن إليك وأقر عينك به في موازين حسناتك ..
        وقد أحببت أن أشاركك ببعض الإضافات تكميلاً لإجاباتك المتينة ، فهي كلمات تغلغلت في الصدر وأبت إلا ظهوراً مع كونك قد كفيت وشفيت جزيتُ الجنة ..
        وهنا أستميحك عذراً في هذه المشاركة ..
        أخوك في الله
        أبو محمد

        ومن حيث انتهيتَ أبدأ:


        المشاركة الأصلية بواسطة ميدو جمال مشاهدة المشاركة
        يقول بعض الكتّاب: " إن الإيمان بالله لم يأت نتيجةً لبحثٍ علمي، أو تحليل منطقي، وإنما جاء عن طريق أن إنساناً ما وهو النبي قال للناس: إن هناك إلهاً وهذه هي صفاته، وهذه هي أحكامه وتشريعاته، فالمؤمن لم يتوصل إلى ذاك " الله " بمحض عقله، بل إن إيمانه جاء عن طريق تصديق النبي فيما قاله. إذاً الإيمان ما هو إلا نوع من تصديق شخص ما وليس أكثر من ذلك.." ا.هـ

        أقول : هذا استهبال شديد وغباء من قائله إذ أن أتباع الأنبياء كانوا من ذوي العقول المتوقدة والذكاء الشديد ، وكل من نظر في التأريخ علم صدق المقالة وها أنت ترى المسلمين في عصرهم الذهبي إلى أين وصلوا في العلوم ،
        بل قد عُرِف من أهل الفلسفة والذكاء الخارق من جره ذكاءه إلى كفرياتٍ فلسفية مع إقراره بالعلة الفاعلة واجب الوجود ، كابن سيناء وغيره وهو من أذكياء العالم وآثاره يشهد عليها الغرب إلى الآن ..

        ولكن العبرة بالختام فالإنسان يزداد ذكاءه وعلمه وفهمه كلما عاش أكثر واكتسب خبرة في الحياة والعلوم ، وهذا الفيلسوف لم يمت حتى أعلن توبته وكان يختم القرآن كل ثلاثة أيام ويتصدق كما حكى ذلك عنه أحد تلاميذه ونقله ابن خلكان في ترجمته ، وتوبة من حاله كابن سيناء الذي لم يمتحن ويبتلى في دينه دليل على قناعة وصول العقل لنقطة الابتداء وإقراره بضلال مشواره السابق ..

        ومن نظر في سير الصحابة والسلف وجد فيهم من النباهة والذكاء من كان يضرب به المثل كالمغيرة ومعاوية وعمرو بن العاص وغيرهم ومع ذلك فإيمانهم يهز الجبال ..
        فهل هذا الكلام يخرج من عاقل يعرف ما يقول ؟
        لقد سطرت كتب الفقه والعقائد والأدب والأصول والتفاسير نتاج عقول تذهل كل من اعتنى بها ، شاهدة على عقول كتابها ، ولم يجل في فكر أحد ما تشكيك في إيمانه مما يدل على أن العقل يشهد ويؤيد الفطرة التي خلق الإنسان عليها .

        ولم نزل نرى علماء العصر الحديث مع توسع المعرفة بسعة الكون والأجرام والاكتشافات المذهلة والاختراعات العظيمة لازال أصحاب هذه العقول من الغرب يؤمنون بالأديان ...
        أفيأتي من لا أثر له يذكر ولا بصمة تبصر .. فيتغابى ليظن أنه العاقل مكتشف الحقيقة التي غابت عن أذهان أذكياء العالم ..

        ألم يرى غبينا هذا أن علماء الكلام والفلسفة المنتسبة للإسلام من رؤوس الفرق الضالة كالمعتزلة وأفراخهم علماء المنطق قد عدوا أول واجب على العبد من أصول الإيمان : المعرفة والنظر ، التفكر والاستدلال ، ولا يدخل الإسلام عندهم أحد إلا إذا صح تفكره وإيمانه العقلي بالله ثم ينطق الشهادة ... وبالغ بعضهم حتى جعل أول واجب الشك حتى يتم الاستدلال والنظر !
        ومع ذلك فكلهم قد نطقوها ومنهم من قارع النصارى بالمناظرات لإثبات أحقية الإسلام .. فلماذا إن كان الحق ما تدعي أن لم يوفق دعواك عاقل على مدى العصور مع تفكرهم العقلي في إثبات وجود الله ..
        فإذا اتفقت العقلاء على خلاف قول ، فاعلم أنه بعيد عن العقل !
        ---
        نعم جاءت الأديان بالإخبار عن وجود الخالق ، فصدقوه وأتبعوه ..
        ولكن هذا الغبي يظن أنه قد جاء بالقاصمة ، فهل كل من قال أنا نبي صدقه الناس واستسلموا له ؟
        ألم يتنبأ العشرات والمئات ولم يصدقوا ولم يكتب لهم النجاح ؟
        ومن هذا الغبي الذي يصدق الادعاء بالنبوة من دون دليل ؟ أتتهم الناس كلهم بالغباء؟
        وهل كلهم اتبعوه أم وجد معارضون ؟ ولماذا وجد الاعتراض وماذا كان موقفهم آخراً ؟
        ولماذا صبر المصدقون على التعذيب والقتال والاستشهاد ؟
        لأن الإيمان كان في القلوب قوياً ، ولا يمكن أن يدافع الإنسان السوي عن قضية إلى درجة تحمل العذاب وترك المال والعشيرة والتضحية بالحياة إلا إذا كان موقناً مؤمناً بها ولا يمكن أن يكتسب اليقين بمجرد دعاوى من دون براهين ..
        لذلك فلم يأتي نبي من الأنبياء إلا بدليل من الله تعالى ، لا يبقي معه لمستمع شبهة إلا العناد والكبر .. ولذلك لم يكذب صناديد الكفر الأنبياء ولكن رفضوا القبول والإذعان .. وبينهما فرق ..

        ومن الأدلة عدم تجريب القوم على الأنبياء كذباً ولا فسقاً ولا خيانة ولا شيء من مساوئ الأخلاق ، مما يدل على صدق المتكلم المتنبئ ...
        فكيف بالمعجزات التي أيدهم الله بها ومن جنس ما يتقن القوم من علوم ... فالطب كقوم عيسى والسحر كقوم موسى...... والإعجاز إن كان مما يتقن القوم كان أدعى للقبول ... فكيف لا يصدقونه وهو يعجزهم في مجال أتقنوه وعلموا أن المتنبئ لم يُعرف بهذا المجال من قبل ، فهو إذاً مؤيد من الله ....

        نعم ، من المؤكد جداً ، أنه لا يوجد شخص في الدنيا عاقل ينقاد لشخص يدعي أمراً غريباً فيقبله من غير تمحيص قط .. فهذا كلام غير واقعي والله المستعان ..

        المشاركة الأصلية بواسطة ميدو جمال مشاهدة المشاركة
        الشبهة الأولى ، قولهم: إن العقول عاجزة عن تصور كنه هذا الإله وحقيقته، وما عجزت العقول عن إدراكه وتصوره فهذا دليل على عدم وجوده.

        عدم قدرة العقول على تصور الإله هو الدليل على وجوده سبحانه ،
        إن ابن آدم حباه خالقه بكمال في العقل والتفكير عن غيره من الحيوانات وهداه إلى توحيده وأعطاه من الأدلة ما يؤكد وجوده وأرسل له رسله ،
        فإذا استعمل الإنسان عقله في تصور خالقه فإنه بداهة لا يمكن أن يكون إلا مما يعجز العقل عنه ، فإنه خالق الوجود خالق الكون وموجده على نظام الدقة المتناهية في نظام الطبيعة والتي أذهلت الباحثين والمتخصصين ..
        فمن خلق الكمال هو أحق بكل كمال ، وعقولنا مهما توسعت فلن تعدو محيطها وما يمكن الوصول إليه ، ولذلك فإننا لا نستطيع أن نتصور الأحداث في الجنة والنار رغم ورود الأخبار الكثيرة فيها ولكنها لا زالت فوق مستوى التصور والإدراك العقلي ، وفيه يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل ( فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) وذلك لأن من خلق لنا العقل قد حده بإطار محيطه فإن خرج عنه تاه ..
        كيف والعلم الحديث لازال يعلن العجز عن إدراك كنه أمور كثيرة وردت في بيان أخينا (ميدو جمال)

        وأضرب مثلاً هنا ، لعل فيه فائدة ..
        إن عقل الإنسان وهبه الخالق لابن آدم وهو يختلف من شخص لآخر حسب استعماله وحسب ما يحيط به ، وهذا يدل أن المتأخرين في استخدامه أكثر فهماً وخبرة منهم من المتقدمين بسبب اطلاعهم على عقول من سبقهم وأعمالهم وبدؤهم من حيث انتهى من قبلهم ... ولا يعني هذا أن عقول أهل زمننا أكبر وأشد ذكاء ممن قبلنا وهذا واضح ..
        ومع ذلك فقد وجد ممن قبلنا ممن أتى بما أذهل أهل عصرنا ولم ينجزوا مثل ما أنجز إذ كان بوابة لمن بعده كالخوارزمي وابن سيناء وغيرهم كثير ..
        والمثال الذي أريد : هو أن تتخيل لو فرض تمكن معاصر من مقابلة متقدم عنا بمئات السنين فقيل له سيأتي يوم ويكون فيه أجهزة لا تعرفها ووصف له وسائل الاتصال كالجوالات والفضائيات بل والطائرات وغيرها فهل من الممكن أن يتصورها عقله ؟
        الجواب الطبيعي أن هذا لا يمكن أن يتصور عقله أمر كهذا ولو كان من الأذكياء وأن جوابه سيكون : مستحيل ، لا يمكن ، لا يعقل ..
        وهذا لأن العقل خلقه الله متكيفاً مع ما حوله وعاجزاً عن إدراك ما يخالف واقعه ، في حين أننا لو قيل لنا أشياء أكبر خيالاً من هذه لوضعنا احتمالاً بالتصديق وذلك بسبب كون عقولنا تعايش ما حولها

        إذاً فبما أن المستحيل - في عرف العقول سابقاً - لم يعد كذلك ، فهذا أكبر دليل على كون العقل لا يُعتمد على حكمه فيما لم يخلق لعقله ، ولو قيل لما قلت لم يخلق لعقله ، قلنا لأن خالقه أراد ذلك .. والله تعالى أعلم .

        المشاركة الأصلية بواسطة ميدو جمال مشاهدة المشاركة
        الشبهة الثانية قولهم: إن عقولنا لا يمكن أن تتصور حصول شيء من لا شيء، أي استحالة خلق المادة من العدم، فكيف يخلق الإله من العدم ؟

        فكيف إذاً خُلِقَ الموجود الأول من عدم ؟
        حتى على قول الفلاسفة بقدم العالم فلم يزل كبارهم يقولون بوجود العلة الفاعلة واجب الوجود ..
        وهل يصدق العقل بوجود الكون هذا من دون أولية ؟
        ونقول لصاحب الشبهة ، أن اعتمادك على هذه المقدمة قد يكون عقلياًَ مقبولاً ، ولكنه محصور تحت القوانين الطبيعية التي وُجِدتْ عليها هذه الموازين والقوانين ، فعلى القول بأن لها خالقاً هو من أبدع هذه القوانين فلا يمكن أن تلزمه بقوانين هو من أبدعها وأوجدها ، فعقلك إذاً لابد ألا يخرج عن القوانين الطبيعية التي تحيط به ..

        والجواب عن هذا الكلام من نفس كلامه ، إذ قد أقرت العقول أنه لا يمكن تصور حصول شيء من لا شيء ، فكل شيء موجود لابد له من موجد له ،
        فالسبب في وجود الكون هو وجود الله تعالى وأفعاله سبحانه ..


        المشاركة الأصلية بواسطة ميدو جمال مشاهدة المشاركة
        الشبهة الثالثة قولهم : لو كان نظام الكائنات مخلوقا من إله حكيم، لكان موضوعا بقصد وحكمة، ولكانت علامات القصد والحكمة تامة في كل شيء، إلا أننا نرى في العالم أشياء لا تنطبق على القصد والحكمة.

        هل من مثال ؟
        بل على العكس إننا لا نرى إلا حِكَماً يذعن العقل ويسجد إجلالاً لمبدعها ، وكل العلماء الفلكيين وغيرهم قد قرروا النظام الدقيق الذي لا يقر العقل بوجوده بدون مبدع له متقن ..
        ثم الحكمة هذه قد تخفى على قوم وتختلف في نظر قوم عن غيرهم فما تراه حكمة قد لا يراه غيرك فهل الضابط العقل المستقل فلن تجد أكثر الحكم متفق عليها ..

        وأغلب المتكلمة يقصدون بالحكمة هنا الحكم الشرعية من العدل وغيره ، ويجعلونها معارضة لوجود الإله وهذا غباء إذ التسليم بوجود إله خالق ينبغي ألا يبنى إلا على الحكم الكونية كمقدمة أولية للإيمان به .. أما الحكم الشرعية فلا تناقش إلا من قبل المقرين بالله سبحانه .. إذ من غير المعقول نفي وجود دولة بسبب سوء سياستها ، إذ الكلام عن سياستها يعتمد على الإيمان بوجودها ومناقشة مبرراتها واعتباراتها حسب تصور أتباعها للتوصل إلى الحكم عليها بإنصاف ..


        المشاركة الأصلية بواسطة ميدو جمال مشاهدة المشاركة
        الشبهة الرابعة ، قولهم: إذا كان لكل موجود موجد، ولكل مخلوق خالق فمن خلق الله ؟

        هذه شبهة لم يأتي بها سوى ملاحدة المادة الدهرية ، وهذا نتيجة التفكير الموجه بمعنى المعتمد على نتيجة مسبقة ..
        ولو كان المفكر في هذه الأمور من المؤمنين لخرج بغير هذه النتيجة ...
        وهي عائدة إلى أن العقل لا يمكن أن يحل هذه المعضلة ، إذ القول : أن الوجود بدون موجد . أمر لا يصدقه عقل عاقل البتة ، إذ سنقول كيف وجد أولاً (المسبب الأول) لابد من كونه كان عدماً إذ لا يعقل الموجود المعتمد على موجود مثله أن يوجد بلا موجد أي بلا سبب إيجاد ..
        ولو قلنا بواجب الوجود تُحل المعضلة ، وهو ما أقر به الناس قبلنا وبعدنا ولكن اختلفوا فمنهم من جعله غير قادر على الإيجاد - وهو العالم - ومنهم من آمن بواجب الوجود وهو الموجد للوجود وهو ما يمكن للعقل أن يقر له ويستكين عند ذوي الفطر السليمة ..

        إذاً فالعدم وهو اللاشيء كان أولاً ، ثم وجد الشيء .. ولا يمكن وجوده من لاشيء إلا أن يقال بوجود شيء هو من أوجد الأشياء ، وهذا هو ما يمكن أن يقر به العقل ..
        وهذا ما قاله نبينا صلى الله عليه وسلم (( كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء ثم خلق السماوات والأرض وكتب في الذكر كل شيء ))

        إذاً ، أيهما أكثر تسليماً وراحة للعقل ؟
        التسليم بكون لا مسبب أول والعالم قديم لا يوجد له أول ..
        أو التسليم بوجود مسبب أول هو من خلق وأوجد الوجود وتجنب النظر في وجوده ؟.

        لاشك أن العقل يتقبل الوقوف والتسليم عند قضية من خلق الله ، ولا يقبل قط التوقف عند قضية أن لا أولية للكون مع يقينه أن لاوجود لشيء إلا بسبب ..
        فليتفكر ، والله تعالى أعلم وأحكم

        هذا آخر ما نضح به القلم فتقبلوا مروري واغفروا فضولي وتجاوزوا عن خلل قلمي وتقصيري ، والله من وراء القصد ..
        محبكم في الله
        أبو محمد

        تعليق


        • #5
          بارك الله فيك، هذا ما كنت أبحث عنه

          تعليق


          • #6
            موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

            تعليق


            • #7
              ما دام وجود الله بهذا الجلاء الواضح لماذا كل هذه اكتب والمقالات و المناظرات و المواقع من أجل إعطاء الأدلة على وجوده: على وقعت مثلا يوما ما على كتاب عنوانه الأدلة على وجود الشمس أو مناظرة بين عالمين حول إثبات أو نفي وجود الشمس.

              تعليق


              • #8
                المشاركة الأصلية بواسطة أبو لؤلؤة مشاهدة المشاركة
                ما دام وجود الله بهذا الجلاء الواضح لماذا كل هذه اكتب والمقالات و المناظرات و المواقع من أجل إعطاء الأدلة على وجوده: على وقعت مثلا يوما ما على كتاب عنوانه الأدلة على وجود الشمس أو مناظرة بين عالمين حول إثبات أو نفي وجود الشمس.
                الأعمى لا يرى الشمس لذا عليك أن تعرفه سر الحرارة التى يشعر بها فى الصيف
                كذلك الملحد فهو أسوأ من الأعمى لا أقول لا يرى أدلة وجود الله بل لا يفهم ما حوله من الكون
                لذا اضطر أهل العقول أن يتنزلوا لمعدوميها
                الأعرابى عرف وجود الله من الفجاج والأفلاك
                أما الملحد فهو أقل عقلا ومعرفة من الأعرابى الذى يسير فى البادية

                تعليق


                • #9
                  يوجد من الناس من تؤثر فيهم مصائب الدنيا ويتحقق فيهم قول الله تعالى :

                  (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)

                  وآخرون تفسد فطرتهم بسبب كثرة ما أحدثوه من ذنوب ومحرمات . قال تعالى:

                  (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)
                  وقال:( تُعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً فأي قلب أشربها نُكت فيه نُكتة سوداء وأي قلب أنكرها نُكت فيه نُكتة بيضاء حتى تصير القلوب على قلبين : على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مرباداً كالكوز مجخياً لا يعرف مَعروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه) .

                  تعليق


                  • #10
                    مشاركة إشرافية

                    تم حجب جميع المشاركات التي تشتت الموضوع و تخرج به عن مساره.

                    و أي مشاركة تتصف بالتشتيت أو تهدف لإخراج الموضوع عن سياقه سيتم حذفها.

                    الزميل أبو لؤلؤة، تنبيه أخير، لا تتجاهل توجيهات الإشراف و التزم بقوانين الحوار مع الملحدين و العلمانيين.

                    تعليق


                    • #11
                      مشاركة إشرافية

                      سيتم نقل جميع المشاركات المحجوبة لموضوع منفصل، في قسم الرد على أسئلة غير المسلمين.

                      تعليق


                      • #12
                        كيف تصل لله و انت لا تدرك ماهيته او ذاته؟؟






                        يقول بعض الكتّاب: " إن الإيمان بالله لم يأت نتيجةً لبحثٍ علمي، أو تحليل منطقي، وإنما جاء عن طريق أن إنساناً ما وهو النبي قال للناس: إن هناك إلهاً وهذه هي صفاته، وهذه هي أحكامه وتشريعاته، فالمؤمن لم يتوصل إلى ذاك " الله " بمحض عقله، بل إن إيمانه جاء عن طريق تصديق النبي فيما قاله. إذاً الإيمان ما هو إلا نوع من تصديق شخص ما و ليس أكثر من ذلك.." ا.هـ ، بهذا التبسيط الساذج، يقرر الملاحدة قضية الإيمان بالله، ليس هناك من دليل على وجوده، سوى شخص جاء وأخبر عنه، وأمر الناس بطاعته، فالإيمان لا يعدو أن يكون تصديق شخص ما، لا أقل ولا أكثر، فهل رأى أحدٌ سخرية من العقل والمنطق كهذه السخرية !!





                        إن الإيمان بالله عز وجل خالق الوجود ومسيّره، أعظم وأجل من أن يقال فيه هذا، ووجوده أعظم من أن يقتصر في الاستدلال عليه على خبر النبي رغم أهميته وعظم دلالته، بل أدلة وجوده أوسع وأعمق، فهي تتسع لتشمل كل ذرات الكون من فرشه إلى عرشه، فما من مخلوق في هذا الكون إلا وهو ينادي بالدلالة على خالقه، وهي دلالة لا تقتصر على إثبات الوجود فقط، بل تتسع لتدل على صفات هذا الخالق العظيم، من العلم والحكمة والإرادة والقدرة وغيرها.





                        ورغم سعة هذه الدلالات وعظمتها، فقد وجد من شواذ البشر، من زعم أنه لا إله، وأن الحياة مادة صماء لا تعقل ولا تنطق، وهي مع ذلك قد أوجدت نفسها بنفسها عن طريق التلقائية والمصادفة !! وهي ذاتها تسيَّر نفسها عن طريق نظام الطبيعة وقوانينها، دون أن يتدخل أحد لا في إيجادها ولا في تسييرها، في منطق يعجز العقل عن تصوره، إذ كيف لمادة صماء أن توجد نفسها، فضلا على أن تهب الحياة لغيرها ؟!! كيف ؟! والعقل قاضٍ بأن الموجود لابد له من موجد، وأن المخلوق لا بد له من خالق، كما نطق بذلك لسان الفطرة عند أعرابي، عندما سئل عن دليل وجود الله ؟ فقال: البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، ألا تدل على العليم الخبير.





                        وفي كل شيء له آية *تدل على أنه واحد





                        ومع وضوح دلائل وجود الخالق سبحانه، إلا أننا نرى أن لا بد من الإتيان على ما يتشبث به الملاحدة من شبه بالنقض والإبطال، ليعلموا أن ليس معهم من العلم شيءٌ يستندون إليه في إنكار خالقهم ورازقهم، فمن شبهات الملاحدة:





                        الشبهة الأولى ، قولهم: إن العقول عاجزة عن تصور كنه هذا الإله وحقيقته، وما عجزت العقول عن إدراكه وتصوره فهذا دليل على عدم وجوده.





                        ونحن نجيب على هذه الشبهة بقولنا: إن المقدمة الأولى من هذه القضية صحيحة بلا شك، فالعباد قاطبة عاجزون عن معرفة حقيقة هذا الإله العظيم، ومن مأثور كلام أهل العلم في ذلك، قولهم: "كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك، وعجزك عن درك الإدراك إدراك، والبحث في كنه ذات الله إشراك "، لكن المقدمة الثانية غير صحيحة، إذ ليس كل ما عجزت العقول عن معرفة حقيقته وكنهه عدم، وإلا للزم أن تنكر العقول كثيرا من أسرار هذا الكون لعجزها عن معرفة حقيقتها وكنهها، فقد وقف العلماء عاجزين عن معرفة حقيقة المادة التي بين أيديهم، وهم يرونها بأعينهم، ويذوقونها بألسنتهم، ويشمونها بأنوفهم، ويصرفونها في طرق الحياة والعيش . فإذا كان هذا الشأن في معرفة أقرب الأشياء من الإنسان وألصقها به، فهل يطمع الإنسان أن يصل بعقله إلى معرفة حقيقة الله تعالى؟ وهل يطمع الإنسان الذي لا يعرف كيف يعرف ؟ ولا يدرك كيف يدرك ؟ ولا يعقل كيف يعقل ؟ أن يعقل حقيقة الله تعالى !!.





                        إن العلم لا يزال عاجزاً عن معرفة الطريقة التي يتم بها الإدراك، والوسيلة التي يتم بها الاتصال بين المادة والعقل، والكيفية التي يتلقى بها العقل الروحاني الإحساس بالشيء المادي فيدركه، فهل يطمع بعد ذلك أن يعرف كنه ذات الله تعالى ؟.





                        إن عدم اقتداركم – أيها الملاحدة - على تصور حقيقة الله لا يعني استحالة وجوده، ويكفي العقول أن تستدل على وجود الله بآثاره من نظام وإتقان وإحكام في هذا العالم، أما التطلع إلى إدراك حقيقة ذاته، فهذا ما لا سبيل للإنسان إليه، وفي هذا يقول أحد الفلاسفة الكبار، "روجر باكون " : " إنه لا يوجد عالم من علماء الطبيعة يستطيع أن يعرف كل شيء عن حقيقة ذبابة واحدة وخواصها، فضلا عن أن يعرف كنه ذات الله ".





                        الشبهة الثانية قولهم: إن عقولنا لا يمكن أن تتصور حصول شيء من لا شيء، أي استحالة خلق المادة من العدم، فكيف يخلق الإله من العدم ؟ وجوابنا عن هذه الشبهة من وجهين:





                        الوجه الأول: أن قولهم لا يمكننا أن نتصور حصول شيء من لا شيء، مبني على قولهم بقدم المادة وأزليتها، وهذا عين المحال، إذ كيف للمادة الصماء أن توجد نفسها !! وإذا كنتم ادعيتم عجز العقول عن تصور خلق شيء من لا شيء، فإن العقول أعجز عن تصور قدم المادة وأزليتها، ذلك أن المادة لا يعقل أن تخلو من صورة تقوم بها، والعقل السليم يقطع بأن كل صورة تقوم في المادة هي حادثة لأنها تزول وتتغير، ولا يخفى أن كل ما يطرأ عليه العدم يستحيل عليه القدم .





                        الوجه الثاني: أن عجز العقول عن تصور حصول شيء من لا شيء، لا يعني امتناعه في نفسه، فقد تعجز العقول عن تصور أمور كثيرة وهي ثابتة، كعجزها عن تصور حقيقة المادة رغم أنها ملامسة مشاهدة، فإذا كان هذا الشأن في معرفة أقرب الأشياء من الإنسان وألصقها به، فهل يطمع الإنسان أن يخضع بعقله أفعال الله سبحانه لقوانين البشر وقدراتهم .!!





                        إن منشأ هذه الشبهة – إنكار الخلق من العدم - هو قياس التمثيل، فعندما رأوا أن المخلوق لا يمكن أن يصنع شيئا إلا من شيء آخر، نفوا أن يكون شيء مصنوعا من لا شيء، وإبطال هذا القياس بإيضاح الفرق بين الخالق والمخلوق، فالمخلوق لا يمكنه أن يصنع شيئا من لا شيء، أما الخالق فقدرته ليس لها حدود، فهو على كل شيء قدير، { إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون } ( يس : 82 ) .





                        الشبهة الثالثة : قولهم لو كان نظام الكائنات مخلوقا من إله حكيم، لكان موضوعا بقصد وحكمة، ولكانت علامات القصد والحكمة تامة في كل شيء، إلا أننا نرى في العالم أشياء لا تنطبق على القصد والحكمة.





                        والجواب على هذه الشبهة: أن جهلنا بحكمة مخلوق أو نظام ما في هذا الكون، ليس مبررا على الإطلاق أن ننكر خالقه سبحانه، ذلك أننا نشاهد من أسرار الله في مصنوعاته الحكم الباهرة ولم تزل تظهر لنا يوما بعد يوم حكمة بعد أخرى، مما كان خافيا علينا دهورا طويلة، فليس عدم إدراكنا للحكمة يعني انتفاءها وعدم وجودها، فقد تظهر لنا في يوم من الأيام ، كما ظهر سواها .





                        وإذا تأملتم – أيها الملاحدة - قصور العقل البشري وعجزه عن إدراك كثير من الأمور المادية المشاهدة لنا، وقارنتم بين هذا العجز وبين قدرة الله العظمى وحكمته، لم تستغربوا اختفاء حكمة بعض الأشياء عن عقولنا، ورأيتم أن من الأولى قياس القليل النادر، مما لم تظهر حكمته، على الكثير المستفيض الذي لا يعد ولا يحصى من شواهد حكم الله الظاهرة في مخلوقاته، لا أن تتخذوا من هذا القليل النادر الذي خفيت حكمته دليلا على إنكار وجود الله الخالق.





                        الشبهة الرابعة ، قولهم: إذا كان لكل موجود موجد، ولكل مخلوق خالق فمن خلق الله ؟ والجواب على هذه الشبهة من وجهين:





                        الوجه الأول: أن إيراد هذا السؤال خطأ بين، ذلك أن قدرة الله جل جلاله تتعلق بالممكنات لا المستحيلات، وأن يخلق الله إلها من المستحيلات بلا شك، فلا تتعلق به القدرة، ذلك أن هذا الإله الذي سيخلقه الله سبحانه سيكون مخلوقا، وإذا كان مخلوقا فبالضرورة لن يكون خالقا وبالتالي لا يصلح أن يكون إلها.





                        الوجه الثاني: أننا لو تنزلنا وقلنا بصحة السؤال، لأفضى ذلك إلى التسلسل، وهو محال عقلا، بيانه أننا إذا أجبنا على سؤال من خلق الله ؟ بالقول: إنه خالق آخر، فسوف يرد نفس السؤال على الخالق الآخر، فيقال من خلق الخالق الآخر، وهكذا دواليك إلى ما لا نهاية، وفي المحصلة سنكون قد ارتكبنا محالين عقليين: الأول نفي الخالق، والثاني: القول بتسلسل علل لا نهاية لها.








                        الإيمان والعلم والفلسفة :





                        كثيرا ما يستند الملاحدة في إنكارهم للخالق إلى الفلسفة والمنطق، ويحاولون أن يظهروا بمظهر الباحثين والمفكرين، ولكنهم في حقيقة الأمر من أجهل المخلوقات على الإطلاق، ذلك أن الدين والعلم والفلسفة كلها قد اتفقت على الإيمان بالله سبحانه، وأنه موجد الكون ومدبره، ولكن كما قال بعض الفلاسفة: القليل من الفلسفة يبعد عن الله، لكن الكثير منها يرد إلى الله، وقد اخترنا في خاتمة هذا المقال بعض مقولات لعظماء من الفلاسفة الذين نصوا على وجود الله سبحانه، والإيمان به:





                        يقول "أفلاطون": " إن العالم آية في الجمال والنظام، ولا يمكن أن يكون هذا نتيجة علل اتفاقية، بل هو صنع عاقل، توخى الخير، ورتب كل شيء عن قصد وحكمة "





                        ويقول "ديكارت": "إنِّي مع شعوري بنقصٍ في ذاتي، أُحسُّ في الوقت نفسه بوجود ذاتٍ كاملة، وأراني مضطرًّا إلى اعتقادي؛ لأنَّ الشعور قد غَرَسَتْه في ذاتي تلك الذات الكاملة المتحليَّة بجميع صفات الكمال؛ وهي الله".





                        ويقول "أناكساغورس" أحد فلاسفة اليونان الأوائل: " من المستحيل على قوة عمياء، أن تبدع هذا الجمال، وهذا النظام اللذين يتجليان في هذا العالم، لأن القوة العمياء لا تنتج إلا الفوضى، فالذي يحرك المادة هو عقل رشيد، بصير حكيم "





                        ويقول ديكارت أيضاً: " أنا موجود فمن أوجدني ومن خلقني؟ إنني لم أخلق نفسي، فلا بد لي من خالق. وهذا الخالق لا بد أن يكون واجب الوجود، وغير مفتقر إلى من يوجده، أو يحفظ له وجوده، ولا بد أن يكون متصفا بكل صفات الجمال. وهذا الخالق هو الله بارئ كل شيء "





                        ويقول باسكال: " إن إدراكنا لوجود الله، هو من الإدراكات الأولية، التي لا تحتاج إلى جدل البراهين العقلية، فإنه كان يمكن أن لا أكون، لو كانت أمي ماتت قبل أن أولد حيا، فلست إذا كائنا واجب الوجود، ولست دائما ولا نهائيا، فلا بد من كائن واجب الوجود، دائم لا نهائي، يعتمد عليه وجودي، وهو الله الذي ندرك وجوده إدراكا أوليا، بدون أن نتورط في جدل البراهين العقلية، ولكن على الذين لم يقدر لهم هذا الإيمان القلبي أن يسعوا للوصول إليه بعقولهم.."





                        وبهذه الثلة من أقوال هؤلاء الفلاسفة وبما سبق من أدلة عقلية جلية، يتبين أن الإيمان بوجود الخالق قضية ضرورية بديهية، مركوزة في النفس والعقل، لا يخالطها ريب ولا شك، ولا تحتاج لبرهان إلا لمن فسدت فطرته، والله الموفق والهادي إلى سواء لسبيل


                        تعليق

                        مواضيع ذات صلة

                        تقليص

                        المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                        ابتدأ بواسطة Mohamed Karm, 7 فبر, 2023, 06:09 ص
                        ردود 0
                        126 مشاهدات
                        0 معجبون
                        آخر مشاركة Mohamed Karm
                        بواسطة Mohamed Karm
                         
                        ابتدأ بواسطة ARISTA talis, 2 ديس, 2022, 01:54 م
                        ردود 0
                        67 مشاهدات
                        0 معجبون
                        آخر مشاركة ARISTA talis
                        بواسطة ARISTA talis
                         
                        ابتدأ بواسطة عادل خراط, 21 نوف, 2022, 03:22 م
                        ردود 25
                        154 مشاهدات
                        0 معجبون
                        آخر مشاركة عادل خراط
                        بواسطة عادل خراط
                         
                        ابتدأ بواسطة The small mar, 18 نوف, 2022, 01:23 ص
                        ردود 0
                        93 مشاهدات
                        0 معجبون
                        آخر مشاركة The small mar
                        بواسطة The small mar
                         
                        ابتدأ بواسطة The small mar, 16 نوف, 2022, 01:42 ص
                        ردود 0
                        55 مشاهدات
                        0 معجبون
                        آخر مشاركة The small mar
                        بواسطة The small mar
                         
                        يعمل...
                        X