جامع الردود على بعض مزاعم الملاحدة (سلسلة متجددة)

تقليص

عن الكاتب

تقليص

د/ربيع أحمد مسلم سلفي العقيدة اكتشف المزيد حول د/ربيع أحمد
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • د/ربيع أحمد
    قام بالرد
    الرد على زعم اللادينيين بعدم الحاجة إلى تشريعات أخلاقية بدعوى أن إرادة الإنسان تغنيه

    الرد على زعم اللادينيين بعدم الحاجة إلى تشريعات أخلاقية بدعوى أن إرادة الإنسان تغنيه عنها







    إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .


    و أشهد أن لا إله إلى الله ، و أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة ونصح الأمة و كشف الله به الغمة و جاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين .


    أما بعد :

    فيزعم اللادينيون بعدم الحاجة إلى تشريعات أخلاقية لأن الإنسان عنده إرادة حرة تدفعه إلى أن يقيم لنفسه في الحياة مثلاً عليا ، يطمح بها إلى تحقيق حياة خيرة ، تسير على هدى المعرفة والمحبة الإنسانية ، ومن شأن حرية الاختيار هذه أن تغني الإنسان عن البحث عن نظريات أخلاقية لا طائل وراءها .


    و الجواب أن الناس قد ترى بهواها النافع ضارا والضار نافعا متأثرين بشهواتهم وتطلعهم للنفع العاجل اليسير دون التفات إلى الضرر الآجل الجسيم و لذلك حرية الاختيار لا تغني عن الحاجة إلى تشريعات أخلاقية .

    و العقول متفاوتة فقد يكون الحسن عند أحدهم قبيح عند الآخر ، و القبيح عند أحدهم حسن عند الآخر و لذلك لو فعل كل شخص ما يراه من حسن لأدى ذلك إلى فوضى مما يدل أن حرية الاختيار لا تغني عن الحاجة إلى تشريعات أخلاقية تلزم الجميع .

    و القوانيين البشرية عرضة لأن تخترق فلا سبيل لتهذيب البشر بالعلوم المادية الكسبية وحدها بل لابد من الإيمان بالغيب ليكون باعث على اتباع الحق وترك الظلم و إقامة العدل ففرق بين قانون بشري يمكن أن يخترقه الشخص سرا و بين قانون سماوي ، و شرع إلهي يعرف الإنسان أن هناك خالق بصير به سميع له رقيب عليه يراه في السر والعلن ،و هناك آخرة و جنة و نار فيعمل الإنسان الصالحات كي يدخل الجنة و يجتنب المعاصي كي لا يدخل النار و بهذا تهذب النفس ، ويصلح المجتمع ، وهذا يدل أن حرية الاختيار لا تغني عن الحاجة إلى تشريعات أخلاقية .

    والمشهور أن أرقى البشر عقلا و رأيا في شئون العالم رجال السياسة الدولية في الغرب و إنك لتجد غاية سياستهم أن يسخروا ثروة شعوبهم ونتائج علومها و فنونها لعداوة بعضهم لبعض و إعدادها للتقتيل و التدمير [1] فهل صلحة البشرية بعقول البشر أم صلاح البشرية باتباع تعاليم خالق السماء والأرض فهو الذي يعلم ما يصلحها و ما يفسدها ،و صدق الله القائل في القرآن : ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾[2] .

    هذا و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات




    [1] - الوحي المحمدي لمحمد رشيد رضا ص 45
    [2] - الملك الآية 14

    اترك تعليق:


  • د/ربيع أحمد
    قام بالرد
    الرد على زعم الملاحدة أن الاعتقاد بوجود الله يجمّد مبدأ العلّية في دنيا الطبيعة

    الرد على زعم الملاحدة أن الاعتقاد بوجود الله يجمّد مبدأ العلّية في دنيا الطبيعة ، ويلغي قوانينها







    إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .

    و أشهد أن لا إله إلى الله ، و أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة ونصح الأمة و كشف الله به الغمة و جاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين .

    أما بعد :
    فيزعم الملاحدة هداهم الله أن الاعتقاد بوجود الله و أنه مسبب الأسباب يجمّد مبدأ العلّية في دنيا الطبيعة ، و يلغي قوانينها ونواميسها التي يكتشفها العلم ، و يربط كلّ ظاهرة وكلّ وجود بالإله و يضع السبب المعقول لما يشاهده الإنسان من ظواهر الطبيعة وحوادثها ، ومحاولة لتبرير وجودها ، فتزول الحاجة إلي اكتشاف أسباب الظواهر الطبيعية .

    و الجواب ليس مسألة الاعتقاد بوجود الله و أنه مسبب الأسباب مسألة أصابع تمتدّ من وراء الغيب ، فتقطر الماء في الفضاء تقطيراً ، أو تحجب الشمس عنّا ، أو تحول بيننا وبين القمر ، فيوجد بذلك المطر والكسوف والخسوف ، فإذا كشف العلم عن أسباب المطر وعوامل التبخير فيه ، وإذا كشف عن سبب الكسوف ، و الخسوف يخيّل لهؤلاء الملاحدة أنّ الإيمان بوجود الله لم يبقَ له موضوع ، وأنّ الأصابع الغيبية التي تحجب الشمس أو القمر عنّا ، عوَّض عنها العلم بالتعليلات الطبيعية ، وليس هذا إلاّ لسوء فهم الإيمان بالله ، وعدم تمييز لموضع السبب الإلهي من سلسلة الأسباب .


    و الاعتقاد بوجود الله و أنه مسبب الأسباب لا يعني الاستغناء عن الأسباب الطبيعية ، أو التمرّد على شيء من حقائق العلم الصحيح ، وإنّما هو اعتقاد بأن الله هو المسبب لهذه الأسباب الطبيعية ، ويحتّم على تسلسل العلل والأسباب أن يتصاعد إلى قوّة فوق الطبيعة و فوق الكون. و بهذا يزول التعارض بينه وبين كلّ حقيقة علمية تماماً .

    و العلم إنما يفسر كيف تحدث الظواهر الطبيعية و لكن لا يفسر لماذا تحدث هذه الظواهر و لا يفسر السر ورء حدوث هذه الظواهر ، والمؤمنون يؤمنون بأن كل الظواهر الكونية ترجع في النهاية إلى سبب خارج عنها فوق الكون و فوق الطبيعة ألا وهو الله سبحانه .

    هذا و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

    اترك تعليق:


  • د/ربيع أحمد
    قام بالرد
    الرد على زعم الملاحدة أن الإلتزام بالدين يجعل الإنسان لا يستطيع أن ينظم حياته

    الرد على زعم الملاحدة أن الإلتزام بالدين يجعل الإنسان لا يستطيع أن ينظم حياته



    إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .

    و أشهد أن لا إله إلى الله ، و أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة ونصح الأمة و كشف الله به الغمة و جاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين .

    أما بعد :

    فيزعم الملاحدة أن الإلتزام بالدين يجعل الإنسان لا يستطيع أن ينظم حياته ،و إن قصدوا بهذه المقولة كل الأديان ما عدا الإسلام فحق أما إن قصدوا كل الأديان بما فيها دين الإسلام فقد كذبوا و ضلوا و كل من يعرف الإسلام حق المعرفة يعرف أن الإسلام دين النظام و الصلاح و الإصلاح ، وقد نظم حياة المسلم في جميع جوانبها .

    و المسلم الحق يسلم كيانه كله لله و يسلم جميع أموره لخالقه و يجعل حياته كلها لله قال تعالى :﴿ قلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [1] أي كل أعمالي ومقاصدي محصورة في طاعة الله ورضوانه، ، و بينت الآية أن المسلم يجب أن يكون قصده وعمله وكل ما يقدمه من عمل هو لوجه الله تعالى، سواء في أثناء حياته، أو ما يعقبه من عمل صالح بعد مماته، هو لله، وإلى الله، وفي سبيل الله، ولطاعة الله تعالى مما يجعل المسلم لا يعمل إلا العمل النافع .



    والمسلم يمكنه أن يجعل كل حياته لله حتى الأمور الدنيوية البحتة؛ من طعام وشراب وملبس، ولعب ومزاح، وعمل وزواج، وما يلحق به من تعلُّمٍ وغيره من أمور الحياة بأن يحول العادة إلى عبادة؛ بابتغاء وجه الله - تعالى - في كل عمل، على أن يكون هذا العمل مشروعًا، فهو يأكل بنيَّة التقوِّي على عبادة الله، ويلعب بنيَّة الترويح المشروع عن النفس، ويتزوَّج بنيَّة تكوين ذريَّة صالحة تعبد الله من بعده ويعمل، بل يجتهد ويكد في العمل بنيَّة تقدُّم ورقي أُّمَّته، وبناء وطنه، ويتعلم ويعلم الناس، ويفقههم بنيَّة أن يعبدوا الله على بصيرة، فينجوا من عذاب الله يوم القيامة، ويتصدق وينفق قربة إلى الله - تعالى - ويلتزم بحُسن الأخلاق وجميلها، ويبتعد عن المذموم منها بنيَّة الاقتداء بسيِّد البشرية محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو إذا نظر في أي جانب من جوانب حياته، يجد الإسلام قد نظم له هذا الجانب بما يتلاءم مع الشرع الحكيم، فها هو أحد النصارى يتعجب قائلاً لسلمان الفارسي - رضي الله عنه -: عجبت من نبيِّكم هذا! يعلمكم كل شيء حتى الخراءة، كما يعلمكم الآية من القرآن[2].


    و قد نظم الإسلام العلاقات بين الأفراد بعضهم بعضًا، وبين الأفراد وحكوماتهم، وبين الحكومات والحكومات الأخرى، وبين الدول والدول الأخرى حتى آداب ذبح الحيوان و آداب قضاء الحاجة .


    و قد جاء الإسلام ليحكم الحياة من جميع نواحيها دينا و دنيا لا يزيد في جانبٍ على حساب آخر و كما أمر بتزكية الروح و إصلاحها و تهذيبها أمر بنظافة البدن و تجميله و الحفاظ عليه و كما نظم حياة المسلم الدينية نظم له حياته الدنيوية .

    و كما أمر الإسلام بالالتزام بالدين أمر بعدم نسيان الإنسان حظه من الدنيا قال تعالى : ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [3] أي : ولا تترك حظك من لذات الدنيا فى مآكلها، ومشاربها وملابسها فإن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا[4] و من هداية الآية : حلّية الأكل من الطيب والشرب من الطيب واللبس والركوب والسكن من غير إسراف ولا خيلاء ولا كبر[5]

    وليس من الدين الزهد في الدنيا حتى تتركها وتعيش عالة على غيرك، بل الدين يطالبك بالعمل والجد والغنى من طريق الحلال، فإذا جمعت المال فأعط حق الله فيه، ولا تنس نصيبك من الدنيا، أى: تمتع ببعضه بلا إسراف ولا تقتير[6] .

    و قد مر أبو بكر الصديق رضي الله عنه بحنظلة رضي الله عنه فوجده يجلس جنبحائط يبكي .. قال ما يبكيك؟ قال نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فيذكرناالجنة والنار فكأنا رأي عين فإذا خرجنا من عنده عافسنا الزوجات[7] وعالجنا الضيعات[8] ولاعبنا الأولاد ونسيناكثيرا ثم قال نافق حنظلة فبكي أبو بكر وقال والله إني لأجد الذي تجد انطلق بنا إلىرسول الله صلي الله عليه وسلم أكبر مصيبة أصبنا بها هي فقد رسول الله بابي أنت وأمييا رسول الله لكن عزاؤوك أن بين يديك سنته قال فأتينا رسول الله صلي الله عليه وسلم: فقلنا : نكون عندك يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي عين، فإذاخرجنا من عندك عافَسْنا الأزواج والأولاد والضيعات ونسينا كثيرا .. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «و الذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكرلصافحتكم الملائكة على فرشكم و في طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة و ساعة – وكررها ثلاثا »[9] أي هذه ساعة طاعة و هذه ساعة لترويح عن النفس بفعل شيء من المباحات .




    وفي نظام الأسرة بيَّن الإسلام الأسس التي بها تختار بها المرأة زوجة، وهي: المال والجمال والحسب والدين، ومن يظفر بذات الدين، يكون قد ربح؛ لأن الدين يبقى وينتفع منه المؤمن بالعمل الصالح في الآخرة، أما الأمور الأخرى فتفنى، بل إن الدنيا كلها ستفنى، وبيَّن الإسلام كيف يفرح المسلم بزواجه؛ من لهوٍ مباح وغيره، بعيدًا عن الصخب ولهو الحديث، وبعيدًا عن المظاهر الخليعة والماجنة.

    وحتى لا يظلم الرجل زوجته، ولا تقصِّر المرأة تجاه زوجها، بيَّن الإسلام حقوق كل منهما تجاه الآخر، ولكي يخرج النشء المسلم ذا تربية عالية، وأخلاق رفيعة ورجولة، وضَّح الإسلام وسائل التربية الإسلامية التي يجب اتباعها مع النشء من حين إتيان الرجل زوجته إلى خروج المولود إلى الحياة، ثم كيفية تربيته إلى أن يبلغ أشده بالرعاية والنصيحة، واهتم بالفرد اهتمامًا واسعًا، فبيَّن كيفية إعداد رجال الغد والمستقبل أبناء الأمة الإسلامية، ومن سيحملون لواء الدعوة والجهاد في سبيل الله؛ من خلال المنهج النبوي الذي اتبعه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - مع هذا الصنف، وفي مجال التعامل مع غير المسلمين أرشدنا الإسلام إلى كيفية التعامل مع الذميين والمعاهدين وغيرهم، ومالهم من حقوق وما عليهم من واجبات، وما هو النظام الذي يطبق عليهم إذا أخل أحدهم بأحد الواجبات المفروضة عليه، أو ارتكب جريمة ما؟ وما هي الحدود الشرعية في المعاملات بينهم وبين المسلمين في مجال الزواج، والبيع والشراء، والطعام والشراب، وغير ذلك؟[10]



    و‌ في مجال العمل قال تعالى : ﴿ و َقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [11] أي : فسيرى الله عملكم خيرا كان أو شرا ، فيجب عليكم أن تراقبوه تعالى في أعمالكم ، و تتذكروا أنه ناظر إليكم ، عليم بمقاصدكم ونياتكم لا تخفى عليه منكم خافية، وجدير بمن يؤمن برؤية الله لعمله أن يتقنه، وأن يخلص له النية فيه، فيقف فيه عند حدود شرعه، ويتحرى به تزكية نفسه والخير لخلقه، ولا يكتفي فيه بترك معاصيه، واجتناب مناهيه[12] و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه »[13] .

    و في استغلال الوقت في المفيد النافع قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة، والفراغ »[14] و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع خصال : عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، و عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه»[15] .

    و في مجال الاقتصاد يقوم النظام الاقتصادي الإسلامي على منهج عقائدي أخلاقي مبعثه الحلال والطيبات و الأمانة و الصدق و الطهارة و التكافل و التعاون و المحبة و الأخوة مع الإيمان بأن العمل ( و منه المعاملات الاقتصادية) عبادة ، و أساس ذلك قول الله عز وجل : ﴿ فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباًوَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ [16][17] , و حث الإسلام على العمل قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده »[18] ، و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي الجبل فيجيء بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه »[19] .

    و عندما طبق المسلمون الشريعة في صدر الإسلام ، تقدم المجتمع باتباع شرعالله و أحكامه بما فيها التعاليم الاقتصادية و خير دليل على ذلك ما شهدته الدولةالإسلامية من رخاء اقتصادي في عهد الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز ، حيث بلغتالدولة الإسلامية من الغنى ما زاد عن حاجات المسلمين حتى أعطوا منه أهل الذمة .

    و في المجال الاجتماعي فالنظام الاجتماعي في الإسلام يقوم على التكامل بين الأفراد الذكر و الأنثى كل له رسالة محددة يكمل بعضهم بعضاً. و الناس بمجموعهم تقوم حياتهم على التكامل لا على الصراع ، تقوم على أن يحب الفرد المسلم لأخيه ما يحب لنفسه فهم كالبنيان وكالجسد الواحد يكمل بعضهم بعضاً. الغني مع الفقير تقوم حياتهم على التكامل والتكافل لا على الحسد والتباغض والصراع الطبقي المقيت. الذي يظهر في المجتمعات الرأسمالية المعاصرة. وأيضاً التكامل في المهمات المتعددة والمناشط والمواهب الإنسانية التي يكمل بعضها بعضاً، فلا يمكن للفرد أن يصنع لنفسه كل حاجاته ولكن الجماعة في الإسلام يتحقق في رحابها جميع معاني التكامل في الحياة والتكافل الذي يحقق مصالح الدنيا والآخرة.

    و التكامل في هذا الجانب يميز النظام الاجتماعي في الإسلام ويحقق قوة الترابط بين أفراد المجتمع على أساس من التقوى التي تزكى علاقة المسلم بربه وتنمى علاقة المسلم بأخيه المسلم وبمجتمعه و أمته.

    ومن هذه الخاصية تتحقق الأخوة التي هي رابطة المؤمنين الوثيقة كما قال جل وعلا: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ[20] وفضل الأخوة و التفصيل فيه مبسوط في كتاب "فقه الأخوة في الإسلام" للدكتور علي عبد الحليم محمود ، و الأخوة في الله هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في تأسيس المجتمع المسلم في المدينة المنورة، وهي الطريق الواضح لبناء المجتمع المسلم في المدينة المنورة وهي الطريق الواضح لبناء المجتمع المسلم في كل وقت وحين، الإخوة الإيمانية التي لا يعرف لذاتها إلا من عايشها ولا يعرف أبعادها إلا من سابق فيها كيف لا وهي تقوم على الحب في الله بجماله وعاطفته وبهائه مع سمو القصد فيه، الحب القائم على الإيمان بالله ما أجمله وما أصفاه [21]

    و في المجال السياسي يحدد النظام الإسلامي العلاقة بين الإمام والرعية من ناحية تحديد سلطة ولي الأمر وبيان حقوقه وواجباته، وحقوق الرعية وواجباتها، و علاقة الدولة المسلمة بغيرها من الدول فيحالتي السلم والحرب، و تنظيم موارد الدولة ونفقاتها وكيفية استثمارالمال ,و نظم الإسلام القضاء ، والعقوبات ، والجنايات .

    و الكلمة العليا في النظام السياسي في الإسلام إنما هي لله تبارك وتعالى فالله وحده هو الذي له حق التشريع، وحق تنظيم أمور عبادهقال تعالى :﴿أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [22]،ومظهر ذلك و دليله في الواقع : القبول و الإقرار و التقيد بالشرع المنزل كتاباً وسنة ،والانصياع له ، والدوران في فلكه، وعدم الخروج عليه. قال تعالى : ﴿وَمَاكَانَ لِـمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنيَكُونَ لَهُمُ الْـخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ[23] .

    و النظام السياسي في الإسلام قائم على العدل والمساواة والشورى و النصيحة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر .


    و من كمال نظام الإسلام وتمام تناسقه وعظمة شموله شرع الإحسان في ذبح الحيوان حتى لا يتألم الحيوان و هو يذبح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ ، وَ إِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ »[24] .


    و من كمال نظام الإسلام و تمام تناسقه وعظمة شموله أن الإسلام وضع آدابا لقضاء الحاجة ومنها قضاء الحاجة والتبول في المكان المخصص فيجتنب المسلم قضاء الحاجة و التبول في موارد الماء، أو في مكان تجمع الناس أو في ظلهم، أو في الطرقات أو الشوارع على مرأى من الناس و قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا اللَّعَّانين ». قالوا: وما اللعانان يا رسول الله؟ قال: « الذي يتخلَّى[25] في طريق الناس أو في ظلهم »[26] .
    وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذهب لقضاء حاجته يسير حتى لا يكاد يُرىابتعاداً عن أعين الناس، وهذا هو المقصود من قول المغيرة بن شعبة رضي الله عنه : « كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذهب المذهب أبعد » [27] ، ولذلك لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يرفع ثوبه إلا بعد الدنو من الأرض .


    و آداب تمنع من تعلّق النجاسة بالثياب أوالجسم، وتسهم في الحماية من وسوسة الطهارةكالأمر بالتبوّل جلوساً كي لا تتلوث الملابس، و كان أغلب حال النبي صلى اللهعليه وسلم أن يقضي حاجته وهو جالس .

    وجاء النهي عن مس الذكر باليد اليمنى حال قضاء الحاجة، أو استخدامها في إزالة الأذىصيانةً وإكراماً لها، لحديث : «إذا بال أحدكم فلا يأخذنّ ذكره بيمينه، ولا يستنجبيمين»[28] ، فإن الشريعة قد جعلت لليمين كل الأعمال الحميدة، وجعلت مباشرةالأذى والنجاسات باليد الأخرى .

    و من كمال نظام الإسلام و تمام تناسقه وعظمة شموله أن الإسلام وضع آدابا للجماع و منها الجماع في القبل موضع الحرث قال تعالى : ﴿ نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ [29] أي : نساؤكم موضع زرع لكم, تضعون النطفة في أرحامهن, فَيَخْرج منها الأولاد بمشيئة الله, فجامعوهن في محل الجماع فقط, وهو القبل بأي كيفية شئتم, وقَدِّموا لأنفسكم أعمالا صالحة بمراعاة أوامر الله[30] .

    و على المسلم أن يقدِّم بين يدي الجماع بالملاطفة والمداعبة والملاعبة والتقبيل، فقدكانالنبي
    صلى الله عليه وسلم يلاعب أهله و يقبلها و المداعبات التى تتم قبل المعاشرة الزوجية مفيدة و هي أهم عملية تتم قبل الشروع بالوصال الجنسي إذ يوجد بعض الغددالتناسلية التى تفرز سائلأ مخاطيأ لزجا يساعد على إتمام اللقاء الجنسى بلاألم بترطيب مهبل الزوجة ، و لتحسين الرغبة الجنسية عند المرأة لابد من المداعبه قبل المباشرة .

    و نهى الإسلام عن الجماع وقت الحيض فقد قال تعالى :﴿َيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [31] و جماعه المرأة وقت الحيض يؤدي إلى اشتداد النزف الطمثي، لأن عروق الرحم تكون محتقنة وسهلة التمزق، وجدار المهبل سهل الخدش، وتصبح إمكانية حدوث الالتهابات كبيرةمما يؤدي إلى التهاب الرحم أيضاً أو يحدث التهاب في عضو الرجل بسبب الخدوش التيتحصل أثناء الانتصاب والاحتكاك، كما أن جماع الحائض يسبب اشتمئزازاً لدى الرجلوزوجه على السواء بسبب وجود الدم ورائحته، وبالتالي قد يؤثر على الزوج فيصاب بالبرود الجنسي و مقاومة المهبل لغزو البكتيريا تكون في أدنى مستواها أثناءالحيض، إذ يقل إفراز المهبل للحامض الذي يقتل الميكروبات، ويصبح الإفراز أقل حموضةإن لم يكن قلوي التفاعل، كما تقل المواد المطهرة الموجودة بالمهبل أثناء الحيض إلىأدنى مستوى لها،و جدار المهبل المكون من عدة طبقات من الخلايايرق أثناء الحيض، ويصبح رقيقاً ومكوناً من طبقة من الخلايا بدلاً من الطبقاتالعديدة التي نراها في أوقات الطهر، وخاصة في وسط الدورة الشهرية حيث يستعد الجسمبأكمله للقاء الزوج.
    لهذا فإن إدخال القضيب إلى الفرج والمهبل في أثناء الحيضليس إلا إدخالاً للميكروبات في وقت لا تستطيع فيه أجهزة الدفاع أن تقاوم، كما أنوجود الدم في المهبل والرحم يساعد على نمو تلك الميكروبات وتكاثرها ..


    و قد شرع الإسلام الصلاة خمس مرات و في ذلك تمرين على النظام فى الحياة العامة، بما فيها من ضبط لأوقات الصلاة وتنسيق لأداء أركانها ، وترتيب الإنسان لمواعيد نومه ، ويقظته واعماله الأخرى .

    و الفرق شاسع بين نظم الإسلام و النظم الوضعية فنظم الإسلام مصدرها الله الخالق سبحانه وتعالى، علَّمَها البشر عن طريق الوحي الإلهي و الوحي لا يخطيء لأن صاحبه هو خالق البشر فشريعة الإسلام صالحة لكل زمانومكانأما النظم الوضعية فمصدرها الفكر البشري و هي عرضة للخطأ إذ ليست المصلحة هي كل ما يراه الناس مصلحة بل المصلحة ما رآها الشرع مصلحة فالإنسان قد يرى الشيء الضار نافعا ، ويرى النافع ضارا متأثرا بشهواته و تتطلعه للنفع العاجل اليسير دون النظر للضرر الآجل الجسيم و لذلك تعجز النظم الوضعية عن حل كثير من القضايا العصرية و المستجدات التي تحدث في المجتمع ، بل و يفاجأالواضعون لها بظهور أنواع من الخلل فيها ، و لذلك نجدها دائماً تتغير في كل بضعسنوات ، و شريعة الإسلام فيها من المرونة و الحيوية ما يجعلها دائماً صالحة لكل زمانو مكان .

    و نظم الإسلام حكمت بها دول وشعوب مختلفة على مدى ثلاثة عشر قرنا ، فكان فيها لكل مشكلة حل ،حتى في عهد التقليد والجمود أما النظم الوضعية رغم أنها لم تطل في البلاد الإسلامية إلا قرنا ، ومعهذا فقد ضاقت بها النفوس ، ولم يبق متعلقا به إلا شرذمة ترى أن حياتها مرتبطة بحياتها، وسعة أرزاقها منوطة ببقائها . ولكن الله سيظهر دينه ولو كره المشركون .


    و نظم الإسلامتربط دائما بين الجزاءالدنيوي والجزاء الأخروي . فليس معنى انفلات الشخص من الجزاء الدنيوي انفلاته منالجزاء الأخروي . ولذا رأينا المتدينين لايهمهم أن يكسبوا قضية أمام القضاء إلا إذا ارتاحت ضمائرهم أن هذا الحق الذي أثبتهلهم القضاء حق مشروع ، بينما المشتغلون بالفقه الوضعي لا يهمهم إلا الحكم لدنيويحتى ولو رفضه الشرع ، ولذا يتفننون في الحيل التي يكسبون بها هذا الحق الدنيوي فالقوانيين الوضعية عرضة للخرقة و التحايل بخلاف القوانيين و النظم الإلهية .


    و نظم الإسلام تهتم بالجانب الجسدس والروحي معا بخلافالنظم الوضعية إذ النظم الوضعية لا تهتم بالجانب الروحي للإنسان ولا تعامله كآدمي لهروح، ولذلك لا نجد أي عناية للآداب والأخلاق والمكارم في هذهالقوانين.

    و نظم الإسلام تهتم بالحقوق والواجبات التي على الإنسان لغيره مثل بر الوالدين وتربيةالأبناء وصلة الأرحام و النظم الوضعية لا تهتم بالحقوق والواجبات التي على الإنسان لغيره .

    و من هنا نخلص أن الالتزام بالإسلام تمام الالتزام يجعل المسلم منظما في جميع جوانب حياته الدينية و الدنيوية بخلاف الالتزام بالقوانيين البشرية و الأعراف البشرية .

    هذاو الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات


    [1] - الأنعام الآية 162
    [2]- من مقال الإسلام هو الحياة للدكتور . عبدالله بن محمد الطيار
    [3]- القصص من الآية 77
    [4]- تفسير المراغي 20/94
    [5]- أيسر التفاسير لأبي بكر الجزائري 4/100
    [6]- التفسير الواضح للحجازي 2/889
    [7] - عاسف الزوجة يداعب أو يجامعزوجته
    [8] - عالجنا الضيعات أي أصلحنا أموالنا كأن يباشر عمله أو وظيفته مثلا
    [9] - رواه مسلم
    [10]- من مقال الإسلام هو الحياة للدكتور . عبدالله بن محمد الطيار
    [11] - التوبة من الآية 105
    [12] - تفسير المنار 11/98
    [13] - حديث حسن كما في صحيح الجامع الصغير للألباني حديث رقم 1880
    [14] - رواه البخاري
    [15] - رواه الترمذي وحسنه الألباني
    [16] - المائدة من الآية 88
    [17] - الفروق الأساسية بين النظام الاقتصادي الإسلامي والنظم الاقتصادية الوضعية للدكتور حسين شحاتة
    [18] - حديث صحيح كما في صحيح الجامع الصغير للألباني حديث رقم 5546
    [19] - حديث صحيح كما في صحيح الجامع الصغير للألباني حديث رقم 5041
    [20]- الحجرات من الآية 10
    [21] - من مقال خصائص وأهداف النظام الاجتماعي في الإسلام للدكتور عبد المحسن الصويِّغ شبكة الألوكة
    [22] - الأعراف 54
    [23]- الأحزاب من الآية 36
    [24] - رَوَاهُ مُسْلِمٌ في صحيحه رقم 1955
    [25] - يتخلَّى أي يقضي حاجته
    [26] - رَوَاهُ مُسْلِمٌ في صحيحه
    [27]- رواه النسائي في سننه
    [28] - رواه البخاري
    [29] - البقرة من الآية 223
    [30] - التفسير الميسر
    [31] - البقرة الآية 222

    اترك تعليق:


  • د/ربيع أحمد
    قام بالرد
    الرد على زعم الملاحدة أن السببية لا تصح دليلا على وجود الله لعدم وجودها في الحقيقة

    الرد على زعم الملاحدة أن السببية لا تصح دليلا على وجود الله لعدم وجودها في الحقيقة


    إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .


    و أشهد أن لا إله إلى الله ، و أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة ونصح الأمة و كشف الله به الغمة و جاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين .

    أما بعد :

    فيزعم الملاحدة أن السببية لا تصح دليلا على وجود الله لعدم وجودها في الحقيقة فالسببية عندهم عادة ذهنية ترسخت في الذهن عن طريق التكرار ، و ليس لها أصل حسي ، و لا تثبتها التجربة الحسية و ما نسميه بالعلية ماهو إلا اقتران ظاهرتين زمانا ومكانا و هذا الكلام يغني فساده عن إفساده و بطلانه عن إبطاله و الناس منذ أن خلقوا على خلافه حتى الحيوانات على خلافه و القوانين الفيزيائية على خلافه .


    و السببية قانون عقلي لا قانون تجريبي يزاوله الناس في حياتهم أي هذا القانون يطبقه الناس في دنيا الواقع فالناس عندهم الأكل سبب للشبع و شرب الماء سب للإرتواء و النكاح و الجماع سبب لإنجاب الولد و العمل سبب في الحصول على المال و تناول الدواء سبب في حصول الشفاء بإذن الله و النار سبب للحرارة و لو لم يكن هناك ضرورة بين الأكل و الشبع ما أكل الناس ليشبعوا و لو لم يكن هناك ضرورة بين الشرب و الإرتواء ما شرب الناس ليرتووا و من ينكر علاقة الضرورة و السببية بين الأكل و الشبع و الشرب و الإرتواء و غير ذلك عد من المجانيين .

    و جميع العلوم الكونية مبنية على السببية و لذلك لا يمكن للعلوم الاستغناء عن السببية ، و بسقوط السببية تنهار جميع العلوم .

    و عدم اعتبار أصل السببية يؤدي الى عدم الاستدلال، لأن الإثبات والدليل عامل مهم من عوامل قبول النتائج، واذا لم يرتبط الإثبات بالنتائج ، فلا يؤدي الإثبات إلى نتيجة .

    و مبدأ العلية مبدأ ضروري لا يمكن الاستدلال على رده، وذلك لأن الدليل علة للعلم بالشيء المستدل عليه ، و إذن محاولة الاستدلال على رد مبدأ العلية تنطوي على الاعتراف بمبدأ العلية و تطبيقه .

    و لو لم تكن السببية موجودة في الواقع لما أمكن التفكير، ولا تناول الطعام، ولا المشي أيضا و لا الشرب و غير ذلك من أمور الحياة .

    و لو لم تكن السببية موجودة في الواقع لما تمكن العلماء من تفسير الظواهر الكونية .

    و لو لم تكن السببية وجودة في الواقع لما تمكن الأطباء من علاج الأمراض و الوقاية منها .

    و قولهم السببية عادة ذهنية ترسخت في الذهن عن طريق التكرار يبطله الواقع فمن يرى كتابة يعرف أن لها كاتب و لو كانت أول كتابة يراها و من يرى كرسي يعرف أن له صانع و لو كان أول كرسي يراه و لو من يرى لوحة فنية يعرف أن لها فنان و كانت أول لوحة فنية يراها في حياته و حتى الطفل الصغير إذا سمع صوتا انتبه إلي مكانه ليعرف سببه و إذا جاع طلب الطعام .

    و إن قالوا ما نسميه بالعلية ماهو إلا اقتران ظاهرتين زمانا ومكانا فالجواب أن هذا الاقتران لظاهرتين اقتران واقعي فعلي ضروري و ليس مجرد عادة ذهنية فهناك ترابط و عدم انفكاك بين السبب و النتيجة و العلة و المعلول و كلما حدث السبب حدثت النتجة و كلما حدثت العلة حدث المعلول و دون حدوث السبب لا تحدث النتيجة .

    ووجود هذا الكون بعد أن لم يكن لدليل بديهي على وجود مسببه موجده ولا ينكر هذا إلا عديم العقل و منتكس الفطرة هذا و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
    ش
    التعديل الأخير تم بواسطة محب المصطفى; 29 سبت, 2012, 09:53 م. سبب آخر: تكبير الخط

    اترك تعليق:


  • د/ربيع أحمد
    قام بالرد
    الرد على زعم الملاحدة أن السببية لا تطبق على الوجود ككل لكن تطبق داخله فقط

    الرد على زعم الملاحدة أن السببية لا تطبق على الوجود ككل لكن تطبق داخله فقط




    إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .


    و أشهد أن لا إله إلى الله ، و أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة ونصح الأمة و كشف الله به الغمة و جاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين .


    أما بعد :

    فقد زعم الملاحدة هداهم الله أن السببية لا تطبق على الوجود ككل لكن تطبق داخله فقطفلا يمكن استقراء أن لكل حادث علة و الجواب إن قصدوا بالوجود الوجود المحسوس و هو الكون الذي نعيش فيه فهذا باطل فإذا كان أصغر جزء في الكون يستحيل أن يكون بلا صانع فكيف يصح أن يقال هذا الكون بأكمله بلا خالق ؟!!!

    و إن قصدوابالوجود الوجود المطلق فالوجود المطلق يوجد في الأذهان لا في الأعيان ،و لم يعين الوجود المطلق ولم يخصص، و يتحول هذا الوجود المطلق إلى الحقيقة إذا عين بآحاده فنقول وجود الله ووجود الكون ووجود الإنسان ووجود الطبيعة و مثل لفظ الوجود لفظ الإنسان من الألفاظ المطلقة و لا يوجد هذا اللفظ مطلقا إلا في الذهن أما خارجه فلا يوجد مسمى الإنسان إلا معينا و مقيدا مثلا خالد , محمد ، عمر , عثمان إلخ .

    و قانون العلية قانون عقلي لا قانون حسي نابع من الاستقراء و ليس قانون العلية قاصرا على الكون فحسب فما مادام هناك فعل لابد أن يكون له فاعل سواء في عالمنا أو في غير عالمنا و تخصيص العلية بالكون الذي نعيش فيه فقط تخصيص بلا مخصص و تشذ العوالم الأخرى غير المادية عن قانون العلية، ويبقى هذا القانون سارياً في جميع العوالم .

    هذا و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات



    التعديل الأخير تم بواسطة محب المصطفى; 29 سبت, 2012, 09:53 م. سبب آخر: تكبير الخط

    اترك تعليق:


  • د/ربيع أحمد
    قام بالرد
    الرد على زعم الملاحدة أن العلة الأولى فاعل بالطبع

    الرد على زعم الملاحدة أن العلة الأولى فاعل بالطبع




    إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .


    و أشهد أن لا إله إلى الله ، و أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة ونصح الأمة و كشف الله به الغمة و جاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين .


    أما بعد :
    يزعم الملاحدة أن العلة الأولى لايمكن أن تكون إلا فاعل بالطبع و هو ما يعبر عنه العلماء في الوقت الحاضر بأنه الطبيعة أو قوى الطبيعة .

    و الجواب أن وجود مخلوقات عالمة في هذا الكون ينفي أن يكون موجودها فاعل غير عالم ؛ لأن من ليس عنده علم لا يهب العلم ففاقد الشيء لا يعطيه .

    ووجود مخلوقات حكيمة في هذا الكون ينفي أن يكون موجودها فاعل غير حكيم ؛ لأن من ليس عنده حكمة لا يهب الحكمة ففاقد الشيء لا يعطيه .

    و الكون منتظم لأنه يظهر فيه حسن النظام والتركيب والقصد في كل شيء، فيستلزم وجود كائن ذي علم و إرادة قد نظمه وهو الله لا الطبيعة غير العاقلة و غير العالمة و غير الحكيمة .

    و زعم الملاحدة أن الطبيعة هي التي خلقت الكون غير صحيح فالطبيعة هي حقيقة هذه الأشياء المخلوقة الموجودة ، فهم بهذا ينسبون هذا الشيء إِلَى نفسه مثل الذي يقول: الإِنسَان خلق الإِنسَان، والطبيعة خلقت الطبيعة و كيف يكون الشيء خالق و مخلوق في نفس الوقت و إنما هي اسم يطلق عَلَى المخلوقات، فمن الذي يخلق المخلوقات؟ .

    و كيف يأتي من الميت الذي يسمونه الطبيعة ، و هي الجبال و الأشجار و ما إِلَى ذلك إيجاد الحياة ، و كيف يتأتي منها الفعل أو التدبير؟
    [1]

    و الشيء الحادث لا يخلق نفسه؛ لأنه قبل وجوده معدوم، فكيف يكون خالقاً ؟

    و الشيء المرئي لا يكون منه إلا شيئاً مرئياً لذا المادة لا يمكنها أن تخلق الشيء اللامرئي ، و لا يجوز أن نجعل اللامرئي انعكاساً إلى الشيء المرئي إذ شتان بينهما. و عليه فإن المادة تكون ناقصة قاصرة وعاجزة عن الخلق، و بما أن اللامرئي من الأشياء الحادثة لا يمكنه أن يخلق المرئيات من الأشياء إذن و وفق الاستدلال المنطقي نصل إلى أن الشيء اللامرئي برهان قاطع على وجود الخالق .

    والشيء لا يخلق شيئاً أرقى منه ، فالطبيعة من سماء وأرض ونجوم وشموس وأقمار لا تملك عقلاً ولا سمعاً ولا بصراً، فكيف تخلق إنساناً سميعاً عليماً بصيراً! هذا لا يكون [2].

    سبحان ربي هل الطبيعة اللاعاقلة و اللامريدة أوجدت هذا الانسان العاقلو المريد ؟!!

    هذا و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات





    [1]- شرح العقيدة الطحاوية لسفر الحوالي
    [2]- العقيدة في الله ص 29

    اترك تعليق:


  • د/ربيع أحمد
    قام بالرد
    الرد على زعم الملاحدة أن المؤمنين بالله هم المطالبون بإثبات وجود الله لا النفاة لوجود

    الرد على زعم الملاحدة أن المؤمنين بالله هم المطالبون بإثبات وجود الله لا النفاة لوجوده





    إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .


    و أشهد أن لا إله إلى الله ، و أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة ونصح الأمة و كشف الله به الغمة و جاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين .

    أما بعد :

    فيزعم الملاحدة أن المؤمنين بالله هم المطالبون بإثبات وجود الله لا النفاة لوجودهو يعتبرون أن المؤمنين مسئولون عن التدليل على معتقدهم ; لأنّ المؤمنين هم أصحاب الموقف الإيجابي ، أي : يدعون الثبوت ، فيجب عليهم أن يبرّروا موقفهم ويبرهنوا على وجود ما يدّعوه .

    و الجواب أننا لا نسلم أن وجود الله دعوى بل هو أمر فطري و بديهي ، و الله قد فطر الناس على الإيمان بوجوده و لا ينكر وجوده إلا من تدنست فطرته و قد شهد التاريخ على أن الإنسان مخلوق متديّن، ذو ميول طبيعية دينية، حتى أنه لم يوجد شعب في عصر أو مكان بدون ديانة ما، ولا وُجدت لغة في العالم خالية من اسم الله أو ممَّن هو في مقام الله . و بما أن اللغة تعبّر عن أفكار الإنسان وإحساساته يكون ذلك دليلاً على أن شعور الإنسان بوجود الله عميق في قلب الجميع ولا ينقض ذلك أن البعض ينكرون وجود الله، لأن الإنسان يقدر أن يناقض طبيعته إذا أراد ، و ينكر ما هو مغروس فيه من الله لشبهات عنده أو هوى .


    و لو افترضنا إنساناً يولد في الصحراءبعيداً عن تعليم الأهل والمجتمع، ثُمّ يكبر هذا الإنسان حتى يبلغ سنّ الرشد ، فإنّهكما يعرف غرائزه وأحاسيسه، فسيعرف أنّ له ربّاً وخالقاً، خلقه وأوجده من العدم . وكما يعرف أنّه يحتاج إلى الطعام لسدّ جوعه ، وإلى الشراب لإرواء عطشه ، وإلى الجنسلإطفاء شهوته ، وغيرها من الغرائز في ذاته، فإنّه ليعرف كذلك من خلال فطرته بأنّهبحاجة إلى خالق لخلقه، وموجد له يوجده من العدم. أنّه يبحث بذاته ويتساءل: من أينجاء؟ والى أين سيذهب ؟ ، ولماذا هو في هذه الدنيا؟ ولابدّ أن يكون له خالقاً خلقهوكوّنه وأبدعه. فهو يؤمن بوجود خالق يتوجه إليه في حاجاته- وخصوصاًعند الشدائد- بدون حاجة إلى من يعلمه ذلك .

    و فطرية الإيمان باللّه لا تعني بالضرورة أن يكون الإنسان متوجهاً إلى اللّه دائماً ملتفتاً إليه مرتكزاً إيّاه في جميع حالاته وآونة حياته اليومية ، إذ رب عوامل تتسبب في إخفاء هذا الإحساس في خبايا النفس وحناياها وتمنع من تجليه ، وظهوره على سطح الذهن ، وفي مجال الوعي والشعور. و أمّا عند ما يرتفع ذلك الحجاب المانع عن الفطرة فالإنسان يسمع نداء فطرته بوضوح .

    و الإنسان إذا وقع في محنة شديدة لا يبقى في ظنه رجاء المعاونة من أحد ، فهو بأصل خلقته يتضرع إلى من يخلصهمنها ، وما ذاك إلا شهادة الفطرة بالافتقار إلى الصانع المدبر .

    و من أوضح الأدلة على فطرية المعرفةب الله عز وجل والإيمان بوجوده ذلك الدافع القوي الذي يُلجئ الإنسان عند المصائب والمخاطر إلى نداء الله تعالى ، والاستغاثة به كائناً من كان ذلك الإنسان مؤمناً أوغير مؤمن
    ففي الشدة تبدو فطرة الناس جميعاً كما هي في أصلها الذي خلقها اللهعليه ، وعندما تمر المحنة وتأتي العافية والنعمة يعودون إلى مخالفة فطرتهم من جديد، ويندر أن لا يذكر إنسان أمثلة من حياته عاش فيها هذا المعنىقال تعالى :﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِى ٱلْبَحْرِ ضَلَّمَن تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّـٰكُمْ إِلَى ٱلْبَرّ أَعْرَضْتُمْوَكَانَ ٱلإِنْسَـانُ كَفُورًا .


    ووجود الله أمر بديهي لا يحتاج إلى إثبات و أوضح من أن يُبَرهن كما أن دلالة الفعل على الفاعل لا تحتاج أن تبرهن أو يدلل عليها و كما أن دلالة الأثر على المؤثر لا تحتاج أن تبرهن أو يدلل عليها .

    و الدليل يُطلب في المسائل التي لا تدرك بداهة، أمّا الأمور التي تدرك بداهة فلا نحتاج فيها إلى دليل، بل الدليل ينتهي عند الأمور البدهية، ولولا البدهيات لما أمكن تقديم الدليل، لأنّ الدليل يتسلسل حتى يستقرّ مستنداً إلى بدهية .

    و هذا الكون وجد بعد أن لم يكن فلابد أن يكون له موجد أوجده .
    و الحياة في المخلوقات الحية دليل على وجود خالق لها فمن الذي وهب الحياة للمخلوقات الحية ؟
    و العقل في المخلوقات العاقلة دليل على وجود خالق له فمن الذي وهب العقل لهذه المخلوقات ؟
    و الحكمة في المخلوقات الحكيمة دليل على وجود خالق لها فمن الذي وهب الحكمة لهذه المخلوقات ؟
    و البصر في المخلوقات ذي البصر دليل على وجود خالق له فمن الذي وهب البصر لهذه المخلوقات ؟
    و السمع في المخلوقات التي تسمع دليل على وجود خالق له فمن الذي وهب السمع لهذه المخلوقات ؟
    و الضحك في المخلوقات التي تضحك و تبكي دليل على وجود خالق له فمن الذي وهبه لهذه المخلوقات ؟
    و لا يصح القول بأن المادة أو الطبيعة هي الخالقة فهي ليست حية و ليست عاقلة و ليست حكيمة و ليست سميعة و ليست بصيرة .

    و بما أن وجود الله فطريا فلا يحتاج وجود الله إلى دليل فضلا عن إنكار و هل نحتاج دليل على وجود حياتنا ؟!! و هل نحتاج دليل إلى حاجتنا إلى الطعام أو الشراب ؟!! و هل نحتاج دليل على حب العدل و بغض الظالم ؟!!

    و بما أن وجود الله بديهيا فلا يحتاج وجود الله إلى دليل فضلا عن إنكار و هل نحتاج دليل لإثبات أن للقصر باني و لو لم الباني و أن للكتابة كاتب و لو لم نر الكتب و أن للفعل فاعل و لو لم نر الفاعل و أن للصورة مصور و لو لم نر المصور ؟!!

    و على هذا فالملحد غير محق في إنكاره لوجود الله ؛ لأنه يخالف المعلوم بداهة و المعلوم فطرة فكيف يعترض على عدم وجود الله وهو مخالف المعلوم بداهة و المعلوم فطرة ؟!!

    و البينة على المدعي ادعاء يستوجب الدليل إذ الواجب البقاء على الأصل حتى يرد الناقل و من ينقلنا عن الأصل المتقرر بديهة أو عقلا أو فطرة فهو المطالب بالدليل على هذا النقل ولا يحق له مطالبتنا بالدليل المبقي على الأصل ، ولذلك القاعدة : ( الأصل أن الدليل يطلب من الناقل عن الأصل لا من الثابت عليه ) ، فلو لم نعرف الأصل لما عرفنا من الذي يطالب بالدليل ، فإن جاء الناقل ببينة قبلنا قوله وإلا فقوله مردود عليه وهذه من أعظم الفوائد .

    و الملحد خالف الدليل البديهي على وجود الله و الدليل الفطري على وجود الله فهو المطالب بالدليل و ليس من آمن بالله .

    و لو سلمنا جدلا بأن المؤمن بالله مطالب بالدليل على وجود الله ؛ لأنه مثبت فالنافي لوجود الله في الوجود مطالب بالدليل على نفيه من باب أولى ؛ لأنّه لم يجعل وجود الله عنده موضع شكّ ، و إنّما نفى وجود الله نفياً قاطعاً ، والنفي القاطع كالإثبات القاطع يفتقر إلى الدليل و الملحد حين زعم أنّ الله لا وجود له ، ادّعى في هذا الزعم ضمناً أنّه أحاط بالوجود كلّه ، ولم يجد فيه موضعاً لوجود الله ، فلابدّ أن يقدّم دليلا على هذه الإحاطة العامّة ، وتبريراً للنفي المطلق .

    و كيف للملاحدة أن يثبوا خلو الوجود من إله فمن هذا الباب الملاحدة مطالبون ببرهنة صدق نفيهم الذي هو في الحقيقة إثباتٌ وفقالمعاييرهم التي تعتمد على الحواس و لا ترى في الوجود إلا الوجودالحسي المادي .

    و مَثَل الذي يقول أن ليس في الكون إله كمَثَل الذي يقول – بمعايير الملاحدة -: "لا يوجد فيالمدينة المجاورة لنا رجل اسمه فلان " فقوله هذا يثبت في الحقيقة أنه فتشتلك المدينة ركنا ركنا ودخلها بيتا بيتا وجاب كل شوارعها مستفسرا عن أسماء كل منفيها فعرف حينها أنه لا يوجد فيها رجل اسمه فلان و إذا زعم أحد مثل هذاالزعم فإنه بلا شك مطالب بإثبات دعواه .

    و إن قال الملحد لا يوجد شيء فوق الزمان و المكان و فوق الكون و الجواب عدم الوجدان لا يعني بالضرورة عدم الوجود و الجزم بعدم وجود شيء فوق الزمان و المكان و فوق الكون لابد له من دليل و أنى له ذلك و هل لو لم تجد شيء في المكان الفلاني معناه يقينا أن هذا الشيء غير موجود أم قد يكون موجودا و أنت لم تجده ؟ .

    و إذا أراد الملحد أن ينفي وجود الله و أنى له فيجب أن يكون دليله هو العقل ، لا التجربة المباشرة ، خلافاً للمادّية التي درجت على اعتبار التجربة دليلا على مفهومها الخاصّ ، زاعمة أنّ القضايا الغيبية بصورة عامّة لا يمكن إثباتها بالتجربة ، وأنّ التجربة هي التي تردّ على تلك المزاعم ; لأنّها تحلّل الإنسان و الطبيعة ، و تدلّل على عدم وجود أشياء مجرّدة فيهما ; ذلك أنّ التجارب و الحقائق العلمية إذا صحّ للمادّية ما تزعمه : من أنّها لا تقوم دليلا على الاعتقاد الغيبي فهي أيضاً لا تصلح دليلا للنفي المطلق الذي يحدّد الاتّجاه المادّي ومن الواضح : أنّ التجربة لا يمكن أن تعتبر برهاناً على نفي حقيقة خارج حدودها . فالعالِم الطبيعي إذا لم يجد السبب المجرّد في مختبره ، لم يكن هذا دليلا إلاّ على عدم وجوده في ميدان التجربة ، وأمّا نفي وجوده في مجال فوق مجالات التجربة ، فلا يمكن أن يستنتج من التجربة ذاتها .

    نخلص من هذا أن الملاحدة يخالفون الأصل المعلوم بداهة و فطرة بوجود خالق إله و هم المطالبون بالدليل لا غيرهم و قد جزموا بعدم وجود الله وهم لم يحيطوا علما بأنفسهم فضلا عن الكون فضلا عمن فوق الكون و قد قال تعالى :﴿ و َلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً
    [1] .

    هذا و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات




    [1] - الإسراء الآية 36
    __________________

    اترك تعليق:


  • د/ربيع أحمد
    قام بالرد
    الرد على زعم الملاحدة أن قانون السببية يؤدي بنا أن نبحث عن سبب وجود الله

    الرد على زعم الملاحدة أن قانون السببية يؤدي بنا أن نبحث عن سبب وجود الله




    إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .


    و أشهد أن لا إله إلى الله ، و أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة ونصح الأمة و كشف الله به الغمة و جاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين .


    أما بعد :

    فيزعم الملاحدة هداهم أن التمسك بقانون السببية , و أن كل موجود له سبب يستلزم السير في القانون إلى نهايته وهو البحث عن سبب لوجود اللهو يقولون إذا كان لا بد لنا من البحث عن علة لكل شيء لوجب إذن أن نبحث عن علة للإله نفسه .


    و الجواب ليس كل شيء محتاج إلى سبب ، بل كل ما هو حادث يحتاج إلى سبب، و لا يحتاج الله إلى سبب ، لأنه تعالىلا ينفكُّ عن الوجود أصلاً ، و لأنهأزلي قديم غير مسبوق بالعدم ، و الحاجة إلى الإيجاد من خصائص الشيء المسبوقبالعدم ، أما لو كان الشيء موجودا في الأزل فلا يحتاج إلى الإيجاد .


    و زعمهم أن البحث عن علة لكل شيء في هذا الكون ، يجرّ إلى البحث عن علة لله نفسه زعم باطل فهو قائم على قياس الله على الكون و الله أزلي و الكون حادث فالقياس فاسد أي هم قاسوا الأبدي واجب الوجود لذاته ، ويستحيل في العقل عدمه ، على الكون الحادث الممكن في العقل عدمه و الممكن في العقل عدمه ووجد بعد أن لم يكن لا بد من البحثِ عن علة انتقاله من العدم إلى الوجود .

    و قاعدة الشيء لا يتحقق بلا علّة تختص بالموجودات الإمكانية التي لا تقتضي في ذاتها وجوداً ولا عدماً؛ إذ الحاجة إلى العلّة، ليس من خصائص الموجود بما هو موجود، بل هي من خصائص الموجود الممكن، فإنه حيث لا يقتضي في حدِّ ذاته الوجود ولا العدم، لا بدّ من علّة توجده، ويجب إنتهاء أمر الإيجاد إلى ما يكون الوجود عين ذاته ولا يحتاج إلى غيره، لامتناع التسلسل إذ التسلسل يقتضي ألا يكون هناك سبب إذ عند التسلسل يتوقف وجود السبب على السبب الذي قبله و الذي قبله على الذي قبله إلى ما لا نهاية فيلزم من هذا التسلسل اللانهائي أن لا سبب للكون ، و هذا مستحيل للظواهر الكونية الدالة على وجود الله مسبب الأسباب و علة العلل ، و الإشتباه نشأ من الغفلة عن وجه الحاجة إلى العلّة وهو الإمكان لا الوجود .

    و كون الله سبب الموجودات لا يستلزم أن يكون له سبب إذ كما لا يتطلّب المعلول دائماً معلولا ينشأ منه فقد تتولّد ظاهرة من سبب ولا يتولّد عن الظاهرة شيء جديد كذلك العلّة لا تتطلّب علّة فوقها ، وإنّما تتطلّب معلولا لها ، و قياس رب الخلق على الخلق قياس فاسد .

    و إذا كان الموجود فى ذاته غنياً عن غيره فى الوجود، فلا معني لإحتياجهِ الى علة تفيضعليه الوجود ما دام غنياً عما سواه فى ذلك إذ الوجود بالنسبة اليه متحقق، و هذا من قبيل عدم احتياج الملح الى ملح حتى يكونمالحاً فما دام هو مالحاً لا معنى لاحتياجه الى الملح، اذ ان امراً كهذا يكون لغواً .

    هذا و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات


    __________________

    اترك تعليق:


  • د/ربيع أحمد
    قام بالرد
    الرد على زعم الملاحدة باستحالة إثبات وجود الله

    الرد على زعم الملاحدة باستحالة إثبات وجود الله




    إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .

    و أشهد أن لا إله إلى الله ، و أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة ونصح الأمة و كشف الله به الغمة و جاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين

    أما بعد :

    فيزعم الملاحدة هداهم الله أن وجود الله حتى يثبت واقعاً لابد أن يثبت بدليل تركيبي ،و القضايا التركيبية فقط هي التي تصف الحقيقة و القضايا التركيبية تحتاجإلى معرفة بالعالم و تعتمد علي المشاهدة و التجربة فقط و لأنه لايوجد ظاهرةفوق طبيعية أو غير مادية في العالم تثبت وجود الله فإن إثبات وجود الله مستحيل هكذا سولت لهم عقولهم المريضة .


    و القضايا التركيبية عبارة عن قـضـايـا يـضـيـف مـحـمـولـهـا ( ما نخبر به عن الشيء ) إلـى مـوضـوعـهـا ( الشيء الذي نخبر عنه ) شـيـئـا جـديـدا غـيـر مـتـضـمـن فـيـه مثل (طـول الـسـبـورة أربـعـة أمـتـار) و ( الـكـتـاب قـديـم ) ... فـالأربـعـة أمـتـار فـي الـمـثـال الأول لـيـسـت صـفـة جـوهـريـة لـلـسـبـورة، بـل هـي صـفـة زائـدة إذ قـد تـكـون الـسـبـورة أقّـل أو أكـثـر طـولا و مـع ذلـك تـبـقـى سـبـورة و قديم في المثال الثاني ليست صفة جوهرية للكتاب فقد يكون الكتاب جديدا و مع ذلك يبقى كتابا .

    و الجواب وجود الله أمر بديهي لا يحتاج إلى إثبات و أوضح من أن يُبَرهن كما أن دلالة الفعل على الفاعل لا تحتاج أن تبرهن أو يدلل عليها و كما أن دلالة الأثر على المؤثر لا تحتاج أن تبرهن أو يدلل عليها .

    و الدليل يُطلب في المسائل التي لا تدرك بداهة، أمّا الأمور التي تدرك بداهة فلا نحتاج فيها إلى دليل، بل الدليل ينتهي عند الأمور البدهية، ولولا البدهيات لما أمكن تقديم الدليل، لأنّ الدليل يتسلسل حتى يستقرّ مستنداً إلى بدهية .

    و هذا الكون وجد بعد أن لم يكن فلابد أن يكون له موجد أوجده .

    و الحياة في المخلوقات الحية دليل على وجود خالق لها فمن الذي وهب الحياة للمخلوقات الحية ؟

    و العقل في المخلوقات العاقلة دليل على وجود خالق له فمن الذي وهب العقل لهذه المخلوقات ؟

    و الحكمة في المخلوقات الحكيمة دليل على وجود خالق لها فمن الذي وهب الحكمة لهذه المخلوقات ؟

    و البصر في المخلوقات ذي البصر دليل على وجود خالق له فمن الذي وهب البصر لهذه المخلوقات ؟

    و السمع في المخلوقات التي تسمع دليل على وجود خالق له فمن الذي وهب السمع لهذه المخلوقات ؟

    و الضحك في المخلوقات التي تضحك و تبكي دليل على وجود خالق له فمن الذي وهبه لهذه المخلوقات ؟

    و لا يصح القول بأن المادة أو الطبيعة هي الخالقة فهي ليست حية و ليست عاقلة و ليست حكيمة و ليست سميعة و ليست بصيرة .

    و كل أثر فهو بحاجة إلى مؤثر و احتياج الأثر إلى مؤثر يمثل محمول قضية : كل أثر فهو بحاجة إلى مؤثر و هذا المحمول يدركه العقل بنحو تلقائي من تحليل مفهوم الموضوع وهو كلمة ( الأثر). فالأثر يعني الشيء الذي يحتاج الى مؤثر و احتياج الكون لخالق من هذا الباب .

    و إن قيل هذا الكلام مبني على التشابه بين الكائنات الطبيعية و المصنوعات البشرية ، لكن هذا التشابه بمجرده لا يكفي لسحب و تعْدِيَة حكم أحدهما إلى الآخرلاختلافهما ، فإن مصنوعات البشر موجودات صناعية ، بينما الكون موجود طبيعي ، فهما صنفان لا تناسب بينهما ، فكيف يمكن أن نستكشف من أحدهما حكم الآخر وصحيح أننا جربنا مصنوعات البشر فوجدناها لا توجد الا بصانع عاقل، ولكننا لم نجرب ذلك في الكون ؟ والجواب أن لا فارق بين الأحداث التي تكون في الطبيعة أو التي يفعلها الانسان من حيث السببو العلة .


    و دليل السببية دليل عقلي لا يخضع للتجربة و عليه فيصح فيه قياس الشاهد على الغائب .

    و محل الدليل هو وجود أثر و الأثر يفتقر إلى مؤثر و هو متحقق في جميع المخلوقات كما أنه متحقق في المصنوعات البشرية فلا يجوز التفريق بينهما وهما متماثلان في هذه الوجهة و إنما اختلفا فيغير محل الدليل أي وجه التشابه أو الربط الذي سوغ القياس بين الكائنات الطبيعية و المصنوعات البشرية هو البديهة العقلية القاضية بأن الأثر لا بد أن يكون له مؤثر و الفعل لا بد له من فاعل و لا يلغي البديهة العقلية التي بيناها أن هذا طبيعي و هذا صناعي ، فالفارق الذي ذكر غير مؤثر في الحكم .

    و إذا كان أصغر شيء مصنوع في الكون يستحيل أن يكون بلا صانع فكيف يصح أن يقال هذا الكون بأكمله بلا خالق ؟!!!


    و هناك أسئلة تدور في ذهن الإنسان و تلح على الإنسان في داخله لا يستطيع دفعها عن أصل الوجود و نهايته وسببه، وعن الموت وأسراره، وعن الروح وأسرارها مما يدل على وجود فطرة كافية في النفوس تبرز هذه الأسئلة عن الإله والوجود فمن الذي فطر النفوس على إبراز هذه الأسئلة عن الإله ؟!

    وقد لاحظ العلماء أن جميع الأمم التي درس علماء تاريخ الأديان تاريخها اتخذت معبودات تتجه إليها وتقدَّسها، و لا يوجد عَلَى الإطلاق في أي عصر من العصور ، و لا في أي أمة من الأمم مجتمع بلا دين و لا بلا إله معبود ، حقاً كَانَ أو باطلاً فهناك اتجاه فطري إِلَى أن يكون هناك دين ، و إله معبود فمن الذي فطر البشر على الإيمان بوجود إله ؟!

    و كم من شخص دعى الله فاستجيبت دعوته و هذا الأمر مشهود في كل الأزمان و كل العصور فمن الذي استجاب دعاء الشخص ؟!!

    و كم من شخص مريض شفي من مرضه و آخر مريض بنفس المرض لم يشف من مرضه رغم أنه أخف من الأول فمن الذي شفى هذا و لم يشف هذا ؟!!

    و قولنا الله موجود لا تدل على أكثر من الإخبار عن أمر بديهي و إنكار وجود الله يؤدي إلى تناقض لذلك فهي من جنس القضايا التحليلية لا القضايا التركيبية و القضايا التحليلية هـي الـتـي يـكـون مـحـمـولـهـا ( ما يخبر به ) تـكـرارًا أو تـحـلـيـلا لـموضـوعـهـا ( ما يخبر عنه ) ، ولا يـضـيـف إلـيـه شـيـئـا جـديـدا كـقـولـنـا :
    (الأب رجـل لـه ابـن ) أو ( الـمـثـلـث شـكـل هـنـدسـي ) أو (الـجـسـم مــتـدّ ) أو( 5 = 3 + 2 ) أو = ( أ + ب ) ( أ - ب ) .

    و القرءان الكريمالذي بين أيدينا يثبت وبدون شك عند تفحصه و مقارنته بكلام البشر أنه ليس من كلامهم و في الوقت ذاته فهو رسالة من خالق هذا الكون لنا يبلغنا فيه أنه خالقنا ويبلغنا فيهعن صفاته فإن لم يكن هناك خالق فمن أرسل بهذه الرسالة ؟ وإذا كان هناك خالق آخرفلماذا لم يتفضل بإبلاغنا عن وجوده؟!


    و إن قيل لو كان وجود الله بديهيا لما أنكر وجوده أحد ؟
    و الجواب رغم أن وجود الله أمرا بديهيا إلا أن البعض أنكر وجوده بسبب شبهات و مؤثرات خارجية تجعله يغفل أو ينكر هذه البديهة فقد تختلج شبهة في الذهن تسبب مشكلة للإنسان، فيظن أنَّ هذا الضروري الواضح ليس بضروريٍ ، مثلاً استحالة اجتماع النقيضين من البديهيات الأوليَّة، بل هي أساس جميع البديهيّات - كما سيتَّضح - ولكن ربَّ شبهة تشكك في هذا البديهي، فيتصوَّر البعض أنّه من الممكن اجتماع النقيضين كما لو توهَّم أنَّ بين النور والظلمة حالةً ليست من الظلمة وليست من النور! و و البديهي بديهيٌ على أي حال .

    و من أثر عنه إنكار و جود الله في البشر قليلون جداً على مرّ التاريخ مقارنة مع من يثبت وجوده ، و هذه القلة على قسمين :
    أحدهما : قسم ينكر وجود الله ظاهراً فقط ، مع إيمانه بخلاف ذلك في قرارة قلبه و أشهر هؤلاء : فرعون موسى وأمثاله .
    قال الله تعالى في حقهم : ﴿وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً
    [1] .
    الثاني : قسم آخر هو في الحقيقة معترف بوجود صانع مدبر خالق ظاهراً و باطناً ، غير أنه يحيل ذلك إلى الطبيعة أو غيرها، مما يدل على وجود علوم أولية بديهية مشوبة بالشبهات و المؤثرات الخارجية .

    و إن قيل نفوس العقلاء تتطلع إلى الاستدلال على وجود الله فلو كان أمرا بديهيا لما تطلع للاستدلال عليه :
    و الجواب الاستدلال على وجود الله رغم بداهته من باب تعدد الأدلة ،وتعدد الأدلةيزيد في التصديق، واليقين، والمعرفة .
    .

    و الإقرار والاعتراف بالخالق فطري و ضروري في نفوس الناس، وإن كان بعض الناس قد يحصل له ما يفسد فطرته و ما يجعله يغفل عن الأمور البديهة حتى يحتاج إلى نظر تحصل له به المعرفة .

    و زعم الملاحدة أن وجود الله حتى يثبت واقعاً لابد أن يثبت بدليل تركيبي و القضايا التركيبية هي فقط التي تصف الحقائق نتيجة عدم اعترافهم بمعارف عقلية ضرورية سابقة على التجربة و اعتبارهم التجربة الأساس الوحيد للحكم الصحيح و لذلك حددوا طاقة الفكر البشري بحدود الميدان التجريبي ، و أصبح من العبث كلّ بحث ميتافيزيقي أو دراسة لمسائل ما وراء الطبيعة ، على عكس المذهب العقلي تماماً .

    و الجواب عن هذه الشبه أن مقولتكم : أن أساس المعرفة القضايا التركيبية و للحكم على الأشياء لابد من التجربة إن كانت خطأ سقط المذهب التجريبي بانهيار قاعدته الرئيسية ، وإن كانت صواباً صحّ لنا أن نتساءل عن السبب الذي جعلكم تؤمنون بصواب هذه القاعدة ، فإن كنتم قد تأكّدتم من صوابها بلا تجربة فهذا يعني : أنّها قضية بديهية وأنّ الإنسان يملك حقائق وراء عالم التجربة ، وإن كنتم قد تأكّدتم من صوابها بتجربة سابقة فهو أمر مستحيل ; لأنّ التجربة لا تؤكّد قيمة نفسها .

    و بمقولتكم : أن أساس المعرفة القضايا التركيبية و للحكم على الأشياء لابد من التجربة لن تستطيعوا الحكم باستحالة شيء أو بالضرورة شيء آخر ومع سقوط مفهوم الإستحالة يكون التناقض ممكناً ومع إمكانه تنهار العلوم .

    و هناك عدّة أشياء لم تكشف التجربة عن وجودها ، بل دلّت على عدمها في نطاقها الخاصّ ، ومع ذلك فنحن لا نعتبرها مستحيلة ، ولا نسلب عنها إمكان الوجود كما نسلبه عن الأشياء المستحيلة ، فكم يبدو الفرق جليّاً بين اصطدام القمر بالأرض ، أو وجود بشر في المرّيخ ، أو وجود إنسان يتمكّن من الطيران لمرونة خاصّة في عضلاته من ناحية ، وبين وجود مثلّث له أربعة أضلاع ، ووجود جزء أكبر من الكلّ ، ووجود القمر حال انعدامه من ناحية اُخرى . فإنّ هذه القضايا جميعاً لم تتحقّق ولم تقم عليها تجربة ، فلو كانت التجربة هي المصدر الرئيسي الوحيد للمعارف لماصحّ لنا أن نفرّق بين الطائفتين ; لأنّ كلمة التجربة فيهما معاً على حدّ سواء ، وبالرغم من ذلك فنحن جميعاً نجد الفرق الواضح بين الطائفتين : فالطائفة الاُولى لم تقع ولكنّها جائزة ذاتياً ، وأمّا الطائفة الثانية فهي ليست معدومة فحسب ، بل لا يمكن أن توجد مطلقاً ، فالمثلّث لا يمكن أن يكون له أضلاع أربعة سواءٌ اصطدم القمر بالأرض أم لا . وهذا الحكم بالاستحالة لا يمكن تفسيره إلاّ على ضوء المذهب العقلي بأن يكون من المعارف العقلية المستقلّة عن التجربة .

    و مبدأ العلّية لا يمكن إثباته عن طريق التجربة ، و التجربة لا يمكنها أن توضّح لنا إلاّ التعاقب بين ظواهر معيّنة ، فنعرف عن طريقها أنّ الماء يغلي إذا صار حارّاً بدرجة مئة ، أو أّنه يتجمّد حين تنخفض درجة حرارته إلى الصفر ، وأمّا سببية إحدى الظاهرتين للاُخرى والضرورة القائمة بينهما فهي ممّا لا تكشفها وسائل التجربة مهما كانت دقيقة ومهما كرّرنا استعمالها و إذا انهار مبدأ العلّية انهارت جميع العلوم الطبيعية .

    و الخلاصة أن زعم الملاحدة باستحالة إثبات وجود الله لأن الله لا يثبت إلا بالقضايا التركيبية و القضايا التركيبية تقوم على التجربة والمشاهدة و هذا غير ممكن زعم باطل مبني على أساس أن أساس العلوم هو التجربة و هذا قول فاسد لا أساس له من الصحة و وجود الله أمر بديهي لا يحتاج إلى إثبات .

    هذا و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات






    [1]- النمل الآية 14

    اترك تعليق:


  • د/ربيع أحمد
    قام بالرد
    الرد على زعم الملاحدة باستحالة الحياة الآخرة و بقاء الروح بعد الموت

    الرد على زعم الملاحدة باستحالة الحياة الآخرة و بقاء الروح بعد الموت







    إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .


    و أشهد أن لا إله إلى الله ، و أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة ونصح الأمة و كشف الله به الغمة و جاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين .

    أما بعد :
    فيزعم الملاحدة هداهم الله باستحالة الحياة الآخرة و بقاء الروح بعد الموت و برروا ذلك أن الخلود لو كان هو المصير الذي تنتصر فيه النفس بعد الموت ، فما السبب في عجز النفس عن أن تشغل لها حيزاً إلى جانب الجسد في هذه الحياة الدنيا ؟

    و الجواب أن لا علاقة بين استقلال الروح عن الجسد في الحياة الدنيا و بين بقاء الروح بعد الموت و قد اقتضت حكمة الله أن تكون الروح بداخل الجسد لا مفارقة له في الحياة الدنيا ، وليس معنى عدم وجود الروح منفصلة عن الجسد في الحياة الدنيا أن الروح لا يمكن أن توجد بعد موت الشخص فالذي خلق الروح في الجسد قادر أن يبقي الروح بعد موت الجسد .

    و إن قالوا لا نتصور بقاء الروح بعد الموت و الحكم على الشيء فرع عن تصوره فالجواب عدم تصوركم بقاء الروح بعد الموتلا يعني امتناعه في نفسه، فقد تعجز العقول عن تصور أمور كثيرة كعجزها عن تصور حقيقة العقل رغم أنه داخلنا ولا يمكن أن نفكر بلا عقل و عجزها عن تصور حقيقة الروح رغم أنها بداخلنا ، فإذا كان هذا الشأن في معرفة أقرب الأشياء من الإنسان وألصقها به، فهل يطمع الإنسان أن يخضع بعقله أفعال الله سبحانه لقوانين البشر وقدراتهمو الشيء الذي لا نشاهده في الواقع الحسي لا يلزم عقلاً أن يكون غير ممكن الوجود ، فعدم الوجود لا يدل على استحالة الوجود .




    و إنكارهم الحياة الآخرة و البعث باطل فمن بدأ الخلق من العدم فهو قادر على إعادة الخلق بعد أن يكونوا ترابا و بداهة من قدر على الإبداء قدر على الإعادة من باب أولى ، و لو كان الله عاجزاً عن الإعادة بعد الموت لكان عن الإبداء أعجز وأعجزقال تعالى : ﴿ و َضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [1]فاحتج تعالى بالإبداء على الإعادة ، و بالنشأة الأولى على النشأة الآخرة .

    و قال تعالى : ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ
    [2] و قوله : (أهون) هذا بالنسبة للبشرفالآية متوجهة لجميع المخاطبين على حسب فهمهم ، فيكون الهون بالنسبة للبشر لا لله ؛ لأن الإعادة أسهل عندهم من الإبتداء أما بالنسبة لله تعالى فإن كلا الأمرين هين عليه تعالىلا؛ فلا فرق بين الأمرين .

    و من أدلة البعث أن من يقدر على إحياء الأرض بعد موتها , يقدر أيضاً على بعث الأجساد بعد موتها قال تعالى : ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير﴾[3] أي : ومن علامات وحدانية الله وقدرته : أنك ترى الأرض يابسة لا نبات فيها، فإذا أنزلنا عليها المطر دبَّت فيها الحياة , و تحركت بالنبات, و انتفخت و علت , إن الذي أحيا هذه الأرض بعد همودها, قادر على إحياء الخلق بعد موتهم, إنه على كل شيء قدير, فكما لا تعجز قدرته عن إحياء الأرض بعد موتها, فكذلك لا تعجز عن إحياء الموتى[4] .

    و من أدلة البعث أن من قدر على خلق السموات و الأرض و هما في غاية العظم قادر من باب أولى على إعادة خلق الإنسان قال تعالى :﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [5]فمن قدر أن يخلق هذه السموات على ارتفاعها وعظمتها, وهذه الأرض على اتساعهاو تنوعها كانأقدر على أن يحيي عظاماً قد صارت رميماً ، فيردها إلى حالتها الأولى.

    و إن قال الملاحدة كيف يحيى الله الإنسان من جديد بعد أن يضمحل و يتلاشى بدنه فيستحيل إعادة الإنسان بعد أن يصير عدما ؟ و الجواب أن الملاحدة هداهم الله يعتقدون بأن حقيقة الإنسان هي عبارة عنهذا البدن المادي الذي يتلاشى وينعدم بالموت، وإذا ردت له الحياة من جديد بعدالموت، فهو إنسان آخر لا هو عين الأول ، لأن إعادة المعدوم أمر محال .

    و هذا لجهل الملاحدة أن المعاد ليس من باب إعادة للمعدوم ، بل عودة الروحالموجودة إلى الجسد المادي مره أخرى فالبعث إعادة و ليس تجديدًا إعادة لما زال و تحول ؛ فإن الجسد يتحول إلى تراب ، و العظام تكون رميما ؛ يجمع الله تعالى هذا المتفرق ، حتى يتكون الجسد ، فتعاد الأرواح إلى أجسادها ، و أما من زعم بأن الأجساد تخلق من جديد ؛ فإن هذا زعم باطل بنص القرآن قال تعالى : ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ
    [6].

    الملاحدة جهلوا حقيقة الإنسان أنها من روح وبدن , و أن الروح باقية لا تنعدم , و إنما كانت متلبسة بالبدن ثم تفارقه عند الموت , و أما البدن فأنه لا ينعدم و إنما يتحلل إلى عناصره بعد أن كان مركباً والتحلل إلى العناصر الأصلية لا يسمى عدماً. فلو فرضنا أن هناك مهندس فكك السيارة بصورة تامة إلى أجزائها الأولية ثم أعاد تركيبها فهل هذا يسمى عدماً للسيارة ؟! فتحصل لدينا أن الموت لا يعني عدم الإنسان أما الروح فهي باقية,وأما البدن فهو يتحلل إلى عناصره ولا تنعدم هذه العناصر.

    و إذا قيل : ربما تأكل السباع الإنسان ، و يتحول جسمه الذي أكله السبع إلى تغذية لهذا الآكل تختلط بدمه ولحمه وعظمه وتخرج في روثه وبوله فكيف يعاد هذا الجسد ؟ و الجواب : أن الأمر هين على الله ؛ يقول للشيء كن فيكون ، و يتخلص هذا الجسم الذي سيبعث من كل هذه الأشياء التي اختلط بها ، وقدرة الله عز وجل فوق ما نتصوره ؛ فالله على كل شيء قدير .

    و إذا قيل البدن الذي يتلاشى و يضمحل يفقد قابليته و استعداده للحياة و وقوع العودة فعلا و خارجا مشروط بقابلية البدن لتلك العودةو الجواب أن النظام الذي نشاهده في عالم الدنيا، ليس هو النظامالوحيد الممكن ، والشروط والأسباب التي نعرفها من خلال مشاهداتنا وتجاربنا ليست هيالأسباب والعلل الوحيدة و الإيمان بالبعث إيمان بأمر غيبي و الأمور الغيبية لا تخضع للتجارب التي نخضع لها ظواهر هذا الكون المادّية .

    و سر إنكار الملاحدة البعث الجهل و القول بغير علم مما أوقعهم في قياس عالم الغيب على عالم الشهادة و إخضاع عالم الغيب للتجارب و قياس فعل رب الخلق على فعل الخلق و قد قال تعالى : ﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [7] .

    هذا و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات






    [1] - يس الآية 78 - 79
    [2]- الروم من الآية 27
    [3]- فصلت الآية 39
    [4]- التفسير الميسر
    [5] - الأحقاف الآية 33
    [6]- الروم من الآية 27
    [7]- الإسراء الآية 36

    اترك تعليق:


  • د/ربيع أحمد
    قام بالرد
    الرد على زعم الملاحدة بعدم صحة دليل النظام كدليل على وجود الله

    الرد على زعم الملاحدة بعدم صحة دليل النظام كدليل على وجود الله





    إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .


    و أشهد أن لا إله إلى الله ، و أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة ونصح الأمة و كشف الله به الغمة و جاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين .


    أما بعد :

    فقد زعم الملاحدة هداهم الله أن دليل النظام لا يصح أن يكون دليلا على وجود الله ؛ لأن الاستدلال به قائم على التشابه بين الكائنات الطبيعية و المصنوعات البشرية ، فلأننا شاهدنا أن جميع المصنوعات البشرية لا تخلو من صانع ، فلا بد أن يكون للكون المنظَّم من صانع خالق أيضا ، لشباهته بتلك المصنوعات البشرية و قال الملاحدة : هذا التشابه بمجرده لا يكفي لسحب و تعْدِيَة حكم أحدهما إلى الآخر لاختلافهما ، فإن مصنوعات البشر موجودات صناعية ، بينما الكون موجود طبيعي ، فهما صنفان لا تناسب بينهما ، فكيف يمكن أن نستكشف من أحدهما حكم الآخر وصحيح أننا جربنا مصنوعات البشر فوجدناها لا توجد الا بصانع عاقل، ولكننا لم نجرب ذلك في الكون ؟


    والجواب أن برهان النَّظم ليس مبنياً على التشابه و التماثل بين مصنوعات البشر والموجود الطبيعي حتى يقال بالفرق بين الصنفين ، و يقال هذا صناعي و ذاك طبيعي و يقال إِنَّا جربنا ذلك في المصنوعات البشرية و لم نجرّبه في الكون لعدم تكرر وقوعه وعدم وقوفنا على تواجده مراراً ولا يمكن إِسراء حكم الأَول إلى الثاني .


    وبرهان النظم قائم على إدراك الحس بوجود النظام في الكون بملاحظة العقل للنَّظم و التناسق و الانضباط بين أَجزاء الوجود أي ملاحظة نفس ماهية النظام من دون تنظيرها بشيء ، فيحكم بما هو هو، من دون دخالة لأَية تجربة و مشابهة ، بأَنَّ موجد النَّظم لا محالة يكون موجوداً حكيما قديرا .


    و برهان النظام قائم أيضا على البديهة العقلية القاضية بأن النظام لا يكون إلا من منظم ذي إرادة و قدرة وحكمة و ما ذكروه من أن هذا مصنوع وهذا طبيعي لا يلغي وجود النظام في كليهما ، ولا يلغي البديهة العقلية القاضية بوجود منظم للكون .

    و الفارق الذي ذكروه بين الأحداث التي تكون في الطبيعة و التي يفعلها الانسان غير مؤثر إذ لا فارق بين الأحداث التي تكون في الطبيعة و التي يفعلها الانسان من حيث السبب و العلة .



    و محل دليل النظام هو وجود النظام و النظام يفتقر إلى منظم و هو متحقق في جميع المخلوقات كما أنه متحقق في المصنوعات البشرية فلا يجوز التفريق بينهما وهما متماثلان في هذه الوجهة و إنما اختلفا في غير محل الدليل بأن هذا طبيعي و هذا صناعي .

    و العقل إذا رفض الإِذعان بأَنَّ الساعة وجدت بلا صانع أَو أنَّ السيارة وجدت بلا علة، فإِنما هو لأَجل ملاحظة نفس الظاهرة (الساعة والسيارة) حيث يرى أَنَّها تحققت بعد ما لم تكن، فيحكم من فوره بأَنَّ لها موجداً. وليس هذا الحكم إِلا لأَجل الإِرتباط المنطقي بين وجود الشيء بعد عدمه، ولزوم وجود فاعل له، وإِنْ شئت قلت لأَجل قانون العلية والمعلولية الذي يعترف به العقل في جميع المجالات .

    و إذا كان الشيء الأقل نظاما في الكون محتاجـًا لمريد حكيم ذي قدرة ، فكيف بالنظام الأحكم والأشمل للكون فهو أولى بالاحتياج إلى مريد حكيم .

    و الاعتقاد بوجود علامات النظام التي تدل بالضرورة على منظم عاقل قادر من أوليات العقل[1] .

    و زعمهم بعدم صحة دليل النظام ؛ لأنه قائم على التشابه بين الكائنات الطبيعية و المصنوعات البشرية رغم أنه خطأ فهو أيضا القول بعدم صحة أمر حسي ضروري بأمر متوهم إذ انتظام الكون أمر مشاهد و حاجة النظام إلى منظم من البديهات[2] ، و الأمور الحسية الضرورية لا تحتاج إلى أدلة تثبت صحتها فكيف يقال أنها لا تصح ؟!!!

    هذا و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات




    [1]- العقل يميّز بعض الحقائق دون حاجةٍ إلى براهين تثبتها أو لشهادة إنسان لتصدّقها. وتُسمى تلك الحقائق أوليات وبديهيات وضروريات


    [2] - البدهيات هي حقائق ضرورية لا تحتاج إلى برهان، أي أنها تفرض نفسها على الذهن بحيثلا يحتاج إلى برهان لإثباتها. ويجمع العقلاء على صحتها واعتمادها كأصول ضروريةلازمة، وهي تعتبر أسسا وقواعد أولية ومقاييس تبنى عليها باقي الأفكار، وبراهينلإثبات صدق غيرها من الأفكار .

    اترك تعليق:


  • د/ربيع أحمد
    قام بالرد
    الرد على زعم الملاحدة وجود الكون ليس دليلا على وجود الله لأننا لم نر الله يخلق الكون

    الرد على زعم الملاحدة وجود الكون لا يقوم دليلا على وجود الله لأننا لم نر الله يخلق الكون





    إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .


    و أشهد أن لا إله إلى الله ، و أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة ونصح الأمة و كشف الله به الغمة و جاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين .


    أما بعد :

    فيزعم الملاحدة هداهم الله أن وجود الكون لا يقوم دليلا على وجود الله لأننا لم نر الله يخلق الكون و يقولون إننا لا نعلم عن العلةشيئا إلا أنها الحادثة السابقة التي نشاهدها قبل حدوث معلولها, وإذن لا بد منمشاهدة الحادثتين معا السابقة واللاحقة على السواء, إننا نستدل بوجود الساعة علىوجود صانعها ؛ لأننا رأينا الساعة و الصانع كليهما و إذن فوجود الكون لا يقوم دليلاعلى وجود صانعه إلا إذا رأينا الصانع و المصنوع جميعا .

    والجواب أن دلالة الفعل على الفاعل و دلالة الأثر على المؤثر و دلالة المعلول على العلة من البديهيات و لا تحتاج مشاهدة الفعل و الفاعل معا أو مشاهدة الأثر و المؤثر معا أو مشاهدة العلة و المعلول معا ومجرد أن ترى المعلول تعتقد بداهة أن له علة و لو لم تشاهد العلة و مجرد أن ترى الفعل تعتقد بداهة بأن له فاعل و لو لم تشاهد الفاعل و مجرد أن تشاهد الأثر تعتقد بأن له مؤثر و لو لم تر المؤثر .

    و الفعل يدل على الفاعل و الأثر يدل على المؤثر و المعلول يدل على العلة بدلالة اللزوم أو دلالة العقل أي يحكم العقل بوجود هذه الدلالة بين الدال و المدلول و هذه الدلالة تنشأ من الملازمة بين الشيئين ملازمةً ذاتية في وجودهما الخارجي كالأثر والمؤثِّر و كالفعل و الفاعل و كالعلة و المعلول و كضوء الصبح الدال على طلوع الشمس. و تتميَّز هذه الدلالة : بأنَّها لا تختلف باختلاف الأشخاص والأمصار، فهي تحصل لأيِّ إنسانٍ مهما كان سواء العالم أو الجاهل ، القروي أو الحضري .

    و نعترف عند رؤية البناءبوجود الباني و لو لم نره و نعترف عند رؤية الصنعة بوجود صانع و لو لم نره و نعترف عند رؤية الكتابة بوجود كاتب و لو لم نره .

    و إذا كان أصغر شيء مصنوع في الكون لم نر صانعه يستحيل أن يكون بلا صانع فكيف يصح أن يقال هذا الكون بأكمله بلا خالق لأننا لم نر الله يخلق الكون ؟!!!

    و من هنا يتبين فساد زعم الملاحدة أن وجود الكون لا يقوم دليلا على وجود الله لعدم رؤيتنا خلق الله للكون .

    هذاو الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات


    اترك تعليق:


  • د/ربيع أحمد
    قام بالرد
    الرد على زعم بعض الملاحدة أن العلة يجب أن تكون من جنس المعلول

    الرد على زعم بعض الملاحدة أن العلة يجب أن تكون من جنس المعلول




    إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .


    و أشهد أن لا إله إلى الله ، و أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة ونصح الأمة و كشف الله به الغمة و جاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين .


    أما بعد :

    فيزعم بعض الملاحدة أن العلة لا بد أن تكون من جنس المعلول و عليه فعلة الكون المادي لا يمكن أن تكون إلا علة مادية ؛ لأنه يجب أن يكون هناك تناسب بين العلة و المعلول و إلا لصدر أي شيء من كل أي شيء .


    والجواب أن هذا الكلام فيه خلط بين العلة الفاعلة و العلة المادية و العلة المادية هي الأجزاء المادية التي يتكون و يتركب منها المعلول و العلة الفاعلية و هي التي تفعل الفعل، و سبب وجود الفعل فمثلا صناعة السرير و صانع السرير صناعة سرير من خشب تتوقف على وجود نجّار يصنعه ، فيعدّ النجّار، علة فاعلية في صنع السرير ، و السرير لا يوجد بلا خشب، فالخشب علة مادية لوجود السرير و مثال آخر كتابة رسالة و كاتب الرسالة العلّة الماديّة للكتابة المواد التي يلزم توفّرها لكتابة الرسالة: الورق ، القلم ، الحبر ... فهذه أمور ماديّة للكتابة و العلّة الفاعليّة للكتابةالمراد منها القوّة و الفاعل الذي سيقوم بفعل الكتابة أي كاتب الرسالة .

    و قولهم يجب أن تكون العلة من جنس المعلول لا يصح و الواجب يجب أن تكون العلة المادية من جنس المعلول .

    و العلة الفاعلة قد تكون من جنس المعلول و قد لا تكون من جنس المعلول و مادام هناك فعل و فاعل فهناك علة و معلول ، و مادام هناك سبب و نتيجة فهناك علة و معلول فالكتابة ليست من جنس الكاتب و الصنعة ليست من جنس الإنسان الصانع و الأكل ليس من جنس الإنسان الآكل .

    و اشتراط المناسبة بين العلة و المعلول معناه أن أحدهما يناسب الآخر و يصلح له دون غيره ، كما في مناسبة الاذن للسمع ، و العين للبصر ، و الخشب للسرير ، و الماء للبرودة ، و النار للحرارة و الحرارة لا تصدر عن الثلج ، و البرودة لا تنبعث من الحرارة، و الجاهل لايكون مصدراً للعلم كما أن العلم لايصدر عن جاهل، لأن فاقد الشيء لا يعطيه ، و العطاء لا يصدر من لاشيء .

    و اشتراط المناسبة بين العلة و المعلوللا يستلزم أن تكون العلة من جنس المعلول فهناك تناسب بين الكتابة و الإنسان الكاتب لكن ليست الكتابة من جنس الإنسان و هناك تناسب بين الأكل و الإنسان الآكل لكن ليس الأكل من جنس الإنسان .


    و الملاحدة فهموا من قاعدة التناسب بين العلة و المعلول أن العلة يجب أن تكون من جنس المعلول بدل أن يفهموا أن قاعدة التناسب بين العلة و المعلول أفادت أن كل مجموعة من الأشياء إذا كانت متفقة فى حقيقتها، يلزم انسجامها فى أسبابها و نتائجها و عللها و معلولاتها فكل حكم يستحيل تعميمه كقانون علمى شامل لجميع موارده المفترضة إلاّ بالاعتماد على قاعدة التناسب بين العلة و المعلول .
    و قاعدة التناسب بين العلة و المعلول تنفي أن تكون علة الكون الفاعلة علة مادية و تثبت أن علة الكون علة عالمة حكيمة قادرة حية سميعة بصيرة... لأن وجود مخلوقات عالمة في هذا الكون ينفي أن يكون موجودها فاعل غير عالم ؛ لأن من ليس عنده علم لا يهب العلم ففاقد الشيء لا يعطيه .

    ووجود مخلوقات حكيمة في هذا الكون ينفي أن يكون موجودها فاعل غير حكيم ؛ لأن من ليس عنده حكمة لا يهب الحكمة ففاقد الشيء لا يعطيه .

    و الكون منتظم لأنه يظهر فيه حسن النظام والتركيب والقصد في كل شيء، فيستلزم وجود كائن ذي علم و إرادة قد نظمه وهو الله لا الطبيعة غير العاقلة و غير العالمة و غير الحكيمة .

    و زعم الملاحدة أن الطبيعة هي التي خلقت الكون غير صحيح فالطبيعة هي حقيقة هذه الأشياء المخلوقة الموجودة ، فهم بهذا ينسبون هذا الشيء إِلَى نفسه مثل الذي يقول: الإِنسَان خلق الإِنسَان، والطبيعة خلقت الطبيعة و كيف يكون الشيء خالق و مخلوق في نفس الوقت و إنما هي اسم يطلق عَلَى المخلوقات، فمن الذي يخلق المخلوقات؟ .

    و لا تناسب بين خلق الطبيعة نفسها و لا تناسب بين خلق الطبيعة الميتة الأحياء و لا تناسب بين خلق الطبيعة البكماء لذوي السمع و لا تناسب بين خلق الطبيعة العمياء لذوي البصر .

    و كيف يأتي من الميت الذي يسمونه الطبيعة ، و هي الجبال و الأشجار و ما إِلَى ذلك إيجاد الحياة ، و كيف يتأتي منها الفعل أو التدبير؟
    [1]

    هذاو الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات









    [1]- شرح العقيدة الطحاوية لسفر الحوالي

    اترك تعليق:


  • د/ربيع أحمد
    قام بالرد
    الرد على سؤال الملاحدة كيف تخصصون قاعدة كل شيء له سبب ؟

    الرد على سؤال الملاحدة كيف تخصصون قاعدة كل شيء له سبب ؟





    إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .

    و أشهد أن لا إله إلى الله ، و أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة ونصح الأمة و كشف الله به الغمة و جاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين .

    أما بعد :

    فقد قال الملاحدة هداهم الله إن الله عند المؤمنين شيء بلا سبب ، و هذا يستلزم تخصيص القاعدة العقلية القائلة بأن الشيء لا يتحقق بلا سبب فكيف تخصصون قاعدة كل شيء له سبب ؟.


    و الجواب أن الإشكال الموجّه إلى المؤمنين يتوجه أيضا إلى الملحدين ؛ لأن كل من المؤمنين و الملحدين يعترفان بموجود قديم تنتهي إليه كل الممكنات ، أما الملحدون فهم يرون أن ذلك الموجود المتحقق بلا سبب هو المادة الأولى التي تتحول و تتشكل إلى صور و حالات و لذلك يجب على المؤمنين و الملحدين الإجابة على هذا السؤال على حدّ سواء ، و لا يتوجه الإشكال إلى المؤمنين وحدهم .

    و الفرق كبير بين توقيف وجود الممكنات عند سبب عاقل و هو الله ، و توقيف وجود الممكنات عند سبب مادي غير عاقل و هو المادة .

    و غير صحيح أن نوقف وجود الممكنات على المادة لأسباب منها :

    السبب الأول : أن المادة تخضع لقوانين فمن الذي فرض عليها القوانين ؟

    و الجواب إما المادة نفسها أو القوانين نفسها أو شيء خارج عن المادة و إن قلتم الذي فرض على المادة القوانين هو المادة نفسها فهذا يستلزم أن الشيء يكون قبل نفسه لأن الفاعل قبل المفعول و هذا باطل و إن قلتم قوانين المادة هي التي فرضت القوانين على المادة فهذا باطل لأن القوانين مجرد وصف سلوك للمادة يفرض عليها من خارجها و نحن نكتشف ذلك باستقراء أحوال المادة و الوصف لا يكون ذاتا فاعلة فلا يبقى إلا فاعل خارج عن المادة هو الذي فرض القوانين عليها و هو الله .

    السبب الثاني : أن المادة غير حية فكيف تهب الحياة للممكنات الأحياء فمن الذي وهب الحياة للممكنات الأحياء و واهب الحياة لا بد أن يكون حيا ؟!!

    السبب الثالث : أن المادة غير عاقلة فكيف تهب العقل لذوي العقول من الأحياء ؟!!

    السبب الرابع : أن المادة غير حكيمة فكيف تهب الحكمة لذوي الحكمة من الأحياء ؟!!

    السبب الخامس : أن المادة عمياء فكيف تهب البصر لذوي الأبصار من الممكنات ؟!!

    السبب السادس : أن المادة صماء فكيف تهب السمع لمن يسمع من الممكنات ؟!!


    و قاعدة كل شيء له سبب تخُص الموجودات الممكنة و الظواهر المادية المسبوقة بالعدم و التي تحتاج في وجودها إلى سبب فالقاعدة كل شيء معلول له سبب أو كل شيء حادث له سبب ، إذ لولا السبب للزم وجود الممكن بلا سبب ، و هو محال و الله واجب الوجود لذاته فكيف نسأل عن سبب وجود واجب الوجود لذاته ؟!! و لفظ " الشيء " أعمّ من واجب الوجود الأزلي و الممكن الحادث ..
    و الله عند المؤمنين غني عن السبب و الإيجاد ؛ لأنه أزلي قديم غير مسبوق بالعدم ، و الحاجة إلى الإيجاد من خصائص الشيء المسبوق بالعدم ، أما لو كان موجودا في الأزل فلا يحتاج إلى الجعل و الإيجاد .

    و لعل الملاحدة تصوروا أن الحاجة إلى السبب من خصائص كل الموجودات ، و السبب من خصائص الموجود الممكِن المسبوق بالعدم ، و واجب الوجود لذاته خارج عن هذه القاعدة ، إذ القاعدة لا تشمل واجب الوجود .

    و الله ليس له بداية فكيف نسأل عن سبب في بدايته و السؤال عن سبب وجود الله كسؤال ما سبب الشيء الذي لا سبب له ؟!!

    و لو فرضنا جدلا أن الله له سبب – تعالى الله عن ذلك – و سبب الله له سب و هكذا سينتهي بنا الأمر إلى الدور و التسلسل .

    أما الدور فباطل لما يترتب عليه من التناقض مثل قولك زيد سبب أحمد و أحمد سبب زيد فزيد توقف سببه على أحمد و أحمد توقف سببه على زيد و بهذا يكون زيدا سابقا لأنه سبب و يكون مسبوقا لأن له سبب و الشيء الواحد لا يكون سابقا و مسبوقا في وقت واحد و إذا اتفق صديقان على إمضاء وثيقة و اشترط كل واحد منهما لإمضائها إمضاء الآخر ، فتكون النتيجة توقف إمضاء كلٍ على إمضاء الآخر ، و عند ذلك لن تكون تلك الورقة ممضاة .

    و أما التسلسل فباطل أيضا لأنه يقتضي ألا يكون هناك سبب لتوقف وجود السبب على السبب الذي قبله و الذي قبله على الذي قبله إلى ما لا نهاية فيلزم من هذا التسلسل اللانهائي أن لا سبب للكون ، و هذا مستحيل للظواهر الكونية الدالة على وجود الله مسبب الأسباب و علة العلل .

    و الخلاصة ليس كل شيء محتاج إلى سبب ، بل كل ما هو حادث يحتاج إلى سبب ، و الله عند المؤمنين ليس بحادث فلا يحتاج إلى سبب ، لأنه تعالى لا ينفكُّ عن الوجود أصلاً و قولنا الممكنات تنتهي إلى مسبب سبب كل شيء ، وليس له سبب، بل هو سبب ما سواه فهذا هو الموافق للعقل و المنطق .

    هذا والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
    التعديل الأخير تم بواسطة محب المصطفى; 29 سبت, 2012, 09:52 م. سبب آخر: تكبير الخط

    اترك تعليق:


  • د/ربيع أحمد
    قام بالرد
    فساد قول بعض الملاحدة أنه لا ديني بالفطرة

    فساد قول بعض الملاحدة أنه لا ديني بالفطرة





    إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .

    و أشهد أن لا إله إلى الله ، و أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة ونصح الأمة و كشف الله به الغمة و جاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين .

    أما بعد :


    فنجد بعض الملاحدة يخبر أنه لا ديني بالفطرة و إن العاقل ليتعجب كيف تكون الفطرة عدم التدين و عدم الإيمان بخالق و عدم الإيمان بمعبود و التاريخ يشهد بعكس ذلك ؟!!


    و جميع الأمم التي درس العلماء تاريخها تجدها اتخذت معبودات تتجه إليها وتقدَّسها، وما يحصل من ضلال أو انحراف أمر طارئ على هذه الفطرة السليمة فالإنسان قد تحيط به مؤثرات كثيرة تجعله ينحرف عن المعبود الحق .


    ولا يوجد عَلَى الإطلاق في أي عصر من العصور، و لا في أي أمة من الأمم مجتمع بلا دين و لا بلا إله معبود، حقاً كَانَ أو باطلاً فهناك اتجاه فطري إِلَى أن يكون هناك دين ، و إله معبود حتى قال بعضهم : " لقد وجدت وتوجد جماعات إنسانية من غير علوم وفنون وفلسفات ، لم توجد جماعة بغير ديانة " و ذكر بعضهم أن فكرة التدين لم تخل منها أمة من الأمم في القديم و الحديث فكيف يكون الشخص لا ديني بالفطرة ؟!!! .


    و قد وجد العلماء أن التدين وعبادة إله معبود من الأمور الثابتة بشكل من الأشكال، في كل العصور على امتداد التاريخ، وهذا الثبات والشمولية للدين دليل على فطريته .


    ولم توجد لغة في العالم خالية من اسم الله أو من هو في مقام الله عند الناس يعبد و بما أن اللغة تعبّر عن أفكار الإنسان واحاسيسه يكون ذلك دليلاً على أن شعور الإنسان بوجود الله عميق في قلبه و وجود دين يعتنقه الإنسان شيء عميق فيه ولا ينقض ذلك أن البعض ينكرون وجود الله و ينكرون الدين ، لأن الإنسان يقدر أن يناقض طبيعته إذا أراد لشبهات عنده أو هوى ،و كل إنسان يتجه إِلَى ما يظن أنه نافع له، وإلى ما يعتقد أن فيه مصلحته، ما لم يأت صارف فيصرفه عن ذلك


    والإنسان لو نشأ في مكان ليس فيه أحد و لم يسمع بالدين ولم يعرف شيئاً عنه فإنه يعرف أنه مخلوق له خالق ، لكن يخفى عليه أشياء من تفاصيل العبادة، فيقول -مثلاً-: أنا مخلوق ولي خالق، وخالقي له حقوق علي ، ولكن ما هي ؟ وكيف أؤدي هذه الحقوق ؟ وما الذي يحبه حتى أفعله؟ و ما الذي يكرهه حتى أتركه ؟ و كل هذه الأسئلة يجيب عنها الدين .


    و إذا لم يهتد الإنسان إلى الله تعالى فإنه يُعبِّد نفسه لأي معبود آخر ليشبع في ذلك نهمته إلى التدين ، وذلك كمن استبد به الجوع فإنه إذا لم يجد الطعام الطيب الذي يناسبه فإنه يتناول كل ما يمكن أكله ولو كان خبيثا ليسد به جوعته .


    و قد يسأل البعض لماذا يهمل بعض الناس البحث عن الدين مع أن التدين فطرة و الجواب أن من الممكن أن يتجنب البعض البحث عن الدين بسبب الكسل وحب الارتخاء والراحة، أو بسبب أن الإيمان بالدين يفرض عليهم الكثير من الضوابط و الحدود و يمنعهم من بعض الممارسات التي ترغب بها نفوسهم فعلى هؤلاء اللادينيين تقبل الآثار السيئة لهذا الكسل والغرور و ما يعقبها بعد ذلك من العذاب الأبدي في جهنم و و يمكن أن يكون سبب إفساد هذه الفطرة البيئات والمجتمعات، و الآباء والأجداد والأمهات والجدات، و المربين والمعلمين والمنشئين .


    و الناس جميعهم في كل العصور والأزمان ، وفي كل البقاع والأماكن ذكورهم وإناثهم ، كبيرهم وصغيرهم ،عالمهم وجاهلهم ، فقيرهم وغنيهم ، رئيسهم ومرؤسهم ، كل أصناف البشر إذا ما تعرضوا لشدائد يعجز البشر عن إخراجهم منها .هنالك تستيقظ الفطرة ، وتنفض ما بها من غبار وما علق فيها من شوائب فتلجأ إلى خالقها ذليلة صاغرة تستنجد بربها وحده لا تلتفت إلى أحد سواه .


    هذا والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
    التعديل الأخير تم بواسطة محب المصطفى; 29 سبت, 2012, 09:51 م. سبب آخر: تكبير الخط

    اترك تعليق:

مواضيع ذات صلة

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
ابتدأ بواسطة Mohamed Karm, 7 فبر, 2023, 06:09 ص
ردود 0
123 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة Mohamed Karm
بواسطة Mohamed Karm
 
ابتدأ بواسطة ARISTA talis, 2 ديس, 2022, 01:54 م
ردود 0
67 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة ARISTA talis
بواسطة ARISTA talis
 
ابتدأ بواسطة عادل خراط, 21 نوف, 2022, 03:22 م
ردود 25
153 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة عادل خراط
بواسطة عادل خراط
 
ابتدأ بواسطة The small mar, 18 نوف, 2022, 01:23 ص
ردود 0
93 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة The small mar
بواسطة The small mar
 
ابتدأ بواسطة The small mar, 16 نوف, 2022, 01:42 ص
ردود 0
55 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة The small mar
بواسطة The small mar
 
يعمل...
X