الإيمان بالغيب..بين اليقين والريب

تقليص

عن الكاتب

تقليص

مستفيد مسلم اكتشف المزيد حول مستفيد
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الإيمان بالغيب..بين اليقين والريب

    الغيب أهم مسألة وجودية بحث فيها الناس قديما وحديثا ولا يزالون..وصنّفت فيه ملل ومذاهب..فهذا يدعي أنه منكر والآخر موقن وثالث مرتاب..والأصل أنه لا يوجد من ينكر الغيب على الحقيقة رغم كثرة الإدعاءات والتشكيكات..ولكن يوجد تفاوت في درجة الإيمان..فصاحب المنهج التجريبي البحت المنكر لما وراء المادة وهو أشد المذاهب غلوا في إنكار اللامحسوس نراه مثلا لا ينكر المتواتر فنجد لديه إيمانا يقينيا بأن والديه هما والديه على الحقيقة رغم أنه لم يشهد زمن الولادة وعند كبره لم يحتاج لفحص dna ليحصل لديه علما يقينيا فهو يعتبره حاصل بداهة..ولم نره ينكر وجود مدن وشوارع لم تطأها قدميه لمجرد حصول العلم اليقيني لديه بالخبر الصادق لا بالحواس !..بل حتى في مجاله التجريبي المبني أساسا على التجريد والفروض النظرية كفرض البوزن هيغ الذي يُعتمد عليه في تفسير نشأة الكون والذي لم يقم دليلا تجريبيا على وجوده وكذلك المادة السوداء في الكون التي يعتمد عليها التجريبيون في تفسير وجود الكون وغيرها من المواد اللا محسوسة واللامرئية التي وقع الإستدلال على وجودها بالآثار والفروض العقلية كالمادة المضادة وغيرها..بل هؤلاء الغلاة من التجرييبين ناقضوا أكثر فأكثر مذهبهم بأن اقتحموا عالم الغيب بصورة فجة بجعلهم العدم أصل الوجود وفي هذا اختراق صريح لما وراء المادة عكس ما يدعون..
    المناهج الربوبية بتشعيباتها كذلك لم تنكر عالم الغيب كضرورة عقلية ,فهؤلاء آمنوا بوجود خالق قدير عليم..وبالرغم من أنه إحساس فطري إلا أنه يضل اختراقا لعالم آخر مخالف لعالم المادة..
    ..والإيمان الربوبي قريبا نوعا ما من إيمان مشركي قريش خاصة من ناحية الهدف من إنكار الغيب على حقيقته..فهم آمنوا بالله ربا سميعا مجيبا وهو إيمان بالغيب ثم انكروا تفصيل ذلك الغيب بما جاءت به الرسالة المحمدية..يعني الإشكال عندهم ليس في إنكار عالم آخر غير عالم الشهادة و إنما في إنكار التكليف الذي جاء من عالم الغيب..ثم تجدهم يصورون الأمر على انه إنكار للغيب وهو خلاف ما يدعون..وما أبلغ الحديث النبوي الشريف الذي صور لنا هذا المعنى حين خرج رسول الله حتى صعد الصفا ثم جمع إليه المشركين وقال :"أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلا تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مصدقي قالوا ما جربنا عليك كذبا قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد قال أبو لهب تبا لك ما جمعتنا إلا لهذا ثم قام فنزلت تبت يدا أبي لهب"
    يعني إشكالهم الحقيقي ليس في أن يأتهم خبر غيبي لم تدركه حواسهم بقدر ما هو رفض للتكليف والإلتزام وهذا واضح لدى كل من سبق ذكرهم من مناهج بحيث يقبلون الغيب المضمّن الدليل على صدقه في شتى المجالات وينكصون إذا ما تعلق بالتكليف..إذن فالعيب ليس في وجود عالم الغيب بل هم لا ينكرونه وإنما ضلوا لأسباب ثلاث: ...
    أولها:
    الجحود والنفور من التكليف كما سبق وبينا
    ثانيها:
    الخلل في طريقة الإستدلال الموصلة لمعرفة ذاك العالم وهذا عيب شائع في جميع المدارس العقلية حتى الإسلامية منها فهي تؤمن بالله والرسول والبعث والجزاء..ولكن في المقابل تنكر بعضا منه كسؤال القبر وفتنته وعذابه ونعيمه ورؤية المؤمن ربه في الجنة..وغيرها من القضايا الغيبية التي يضل صاحبها بمجرد إسقاطها وقياسها على عالم الشهادة ..والسبب أنهم وظفوا نعمة الإستدلال في ما لا طاقة لها به..فالإنسان يقدر أن يستدل بالمحسوسات على وجود خالق عليم قدير وان يستدل على حقيقة البعث بمجرد نفي العبث..او ان يستدل بوجود الخير والشر على حقيقة الجزاء والثواب..ولكن هل يقدر أن يخوض في دقائق وتفاصيل تلك الحقائق ؟..قطعا لا..فالإستدلال العقلي والفطري على وجود حقيقة اسمها عالم الغيب هي الوسيلة التي تضع جميع البشر على نفس المسافة من الإختبار الإلهي والذي من أجله أنزل الله الكتب وبعث الرسل ألا وهو الإيمان بدقائق الأخبار عن عالم الغيب..فغاية الإيمان هو أن تكون عبدا لله وحده لا تشرك به شيئا وهذا لا يتحقق إلا عندما يكون الإيمان بالغيب على الحقيقة التي أرادها الله.بشرط أن يكون الإيمان في عالم الشهادة..ففرعون آمن عند الغرغرة لما رأى ملائكة العذاب فرُدّ عليه إيمانه إذ أنه حينها لم يكن مؤمنا بعالم الغيب، بل صار مؤمنا بعالم الشهادة ومؤمنا بالمحسوس : "يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً " [الأنعام:158]
    فكان بذلك الإستدلال الفاسد سببا مباشرا في الضلال وسببا في تسلل الشك للقلوب ليحل محل اليقين فمحاولة الإقتصار على العالم المادي والإستناد فقط على المحسوسات هو إلغاء صريح لإنسانية الإنسان وسجنه في قفص حيواني..فالعالم المادي هو بحث في نقاط الإلتقاء بين الإنسان والحيوان والمنحصرة في الحواس والشهوات بينما العالم الإنساني هو بحث في نقاط الإختلاف بينهما..وهذا الإختلاف لم يتأتى من فراغ فالإنسان يطرح مسائل وجودية غريبة عن عالم المادة..كالبحث في مسألة وجود الخالق..ووجود الإنسان ومصيره بعدا الموت..كل هذه القضايا تدفع الإنسان دفعا لاقتحام عالم الغيب.., فعالم الشهادة لا يمكّننا إلا من طرحها موقنا بأن هناك إجابة مقرا بعدم امتلاكها.. إذن فمعرفة عالم الغيب هي ضرورة عقلية نظرا لوجود فجوة معرفية في ذهن الإنسان لم يقدر عالم الشهادة على سدها.. فالملحد مثلا يحاول تغطية هذا النقص بالسعي للحصول على تلك الأجوبة سواء بفلسفات أو نظريات وهمية سواء في مسألة وجود الكون والبحث في العلة الاولى او في مسألة وجود الإنسان ومحاولة الإيهام بنظرية التطور كتفسير لوجود الحياة وبغض النظر عن درجة الصحة من عدمه إلا انها تبقى إقرارا منه بضرورة وجود إجابات لكل تلك المسائل ..ولكنها تبقى محاولة يائسة فالبحث عن عالم الغيب في عالم الشهادة هو ضرب من الجنون وسببا مباشرا فيه.. لأن الله عز وجل أراد ان يربط هذا الإنسان بعالم آخر وغاية اخرى سامية غير غاية الوجود المادي والسبيل الوحيد الموصل لتلك الغاية هو الوحي والغيبيات التي تسمو بالإنسان عن عالم المادة..كالجزاء والثواب والملائكة..وتربط الإنسان بالمصير وما سيلقاه بعد الموت.. وأية محاولة لإدراك هذه الحقائق بالعقل هي محاولة فاشلة فقصارى جهد العقل هو الوقوف عند حقيقة وجود عالم غيب مضمن لكل الأجوبة الوجودية والتي لا سبيل لمعرفتها إلا بخبر من ذاك العالم..فلسان الحال يقول ان الإنسان ليس ابن الأرض وإنما ابن السماء.."وفي السماء رزقكم وما توعدون"..
    ثالثها:
    مصادرة الغيب بدعوى الخرافة..وهي مغالطة كانت الكنيسة سببا مباشرا فيه..يقول العلامة سفر الحوالي في هذا الباب : "كان الرجل المادي يقف ليخطب أو يتكلم ويدعو الناس فيقول: آمنوا بالحقائق ولا تؤمنوا بالخرافات. إذا سئل ما هي الحقائق، وما هي الخرافات؟ فيقول لهم: الحقائق هي هذه الأمور المشاهدة: أترون السماء، أترون الجبال، أترون الأرض أترون هذه الأشياء المادية؟ إنها حقيقة، فآمنوا بها وآمنوا بكل الماديات، وجربوا، واخترعوا، واكتسبوا، ويقول: أما الغيب فهو ما جاء عن الرب -والرب عندهم يسوع- وما جاء في الأناجيل عن اليوم الآخر، وما جاء فيها من معجزات، أخبار، كل ذلك لا تؤمنوا به ولا تصدقوه؛ لأن العقل والعلم ينفيه.
    "
    وهذا القول لو تأملناه هو عين الخرافة فإسقاط وضع خاص على وضع عام بلا دليل هو عين الخرافة..فالأصل أن يكون الدليل هو الفيصل بين الجميع ليتبين الحق من الخرافة..
    والملحد واللاديني والفرق الضالة جميعها لم تستند على دليل في نفيها لعالم الغيب أو لبعض منها..: "بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ" [يونس:39]
    فالأولى أن تكون هي الخرافة إن أردنا الإنصاف..فعالم الغيب ثابت بقول الله عز وجل "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ" [فصلت:53]


مواضيع ذات صلة

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
ابتدأ بواسطة Mohamed Karm, 7 فبر, 2023, 06:09 ص
ردود 0
123 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة Mohamed Karm
بواسطة Mohamed Karm
 
ابتدأ بواسطة ARISTA talis, 2 ديس, 2022, 01:54 م
ردود 0
67 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة ARISTA talis
بواسطة ARISTA talis
 
ابتدأ بواسطة عادل خراط, 21 نوف, 2022, 03:22 م
ردود 25
153 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة عادل خراط
بواسطة عادل خراط
 
ابتدأ بواسطة The small mar, 18 نوف, 2022, 01:23 ص
ردود 0
93 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة The small mar
بواسطة The small mar
 
ابتدأ بواسطة The small mar, 16 نوف, 2022, 01:42 ص
ردود 0
55 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة The small mar
بواسطة The small mar
 
يعمل...
X