الملحد ودعواه أن الإسلام يبيح النفاق في سبيل الحفاظ على الحياة

تقليص

عن الكاتب

تقليص

د/ربيع أحمد مسلم سلفي العقيدة اكتشف المزيد حول د/ربيع أحمد
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الملحد ودعواه أن الإسلام يبيح النفاق في سبيل الحفاظ على الحياة

    الملحد ودعواه أن الإسلام يبيح النفاق في سبيل الحفاظ على الحياة
    د.ربيع أحمد



    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين ، و على من أتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :

    فقد انتشر في عصرنا مرض الإلحاد ، وهو أحد الأمراض الفكرية الفتاكة إذ يفتك بالإيمان و يعمي الحواس عن أدلة وجود الخالق الرحمن ،و تجد المريض يجادل في البديهيات و يجمع بين النقيضين ويفرق بين المتماثلين ،ويجعل من الظن علما و من العلم جهلا و من الحق باطلا و من الباطل حقا .

    ومن عوامل انتشار هذا المرض الجهل بالدين و ضعف العقيدة واليقين والاسترسال في الوساوس الكفرية والسماع والقراءة لشبهات أهل الإلحاد دون أن يكون لدى الإنسان علم شرعي مؤصل .

    وشبهات أهل الإلحاد ما هي إلا أقوال بلا دليل وادعاءات بلا مستند ،ورغم ضعفها و بطلانها إلا أنها قد تؤثر في بعض المسلمين لقلة العلم وازدياد الجهل بالدين ولذلك كان لابد من كشف شبهات ومغالطات ودعاوي أهل الإلحاد شبهة تلو الأخرى و مغالطة تلو المغالطة ودعوى تلو الدعوى حتى لا ينخدع أحد بكلامهم وشبههم .

    وفي هذا المقال سنتناول بإذن الله دعوى بعض الملاحدة أن الإسلام يبيح النفاق في سبيل الحفاظ على الحياة ،واحتج أحدهم بقوله تعالى : ﴿ لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾ ( آل عمران : 28 ) ،وبقوله تعالى : ﴿ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ ( النحل : 106 )،و استنتج بناءا على هذه الدعوى أن الخالق – عز وجل - عاجز عن حماية أتباعه من أي ضرر يصيبهم في حالة إعلانهم عن عقيدتهم – تعالى الله عما يقول الظالمون - ،وقد وجدت نفس هذه الشبهة في إحدى مواقع التنصير ،ولعل الملحد اقتبس شبهته منها .
    د. ربيع أحمد طبيب بشري قليل التواجد في المنتدى
    بعض كتاباتي على الألوكة
    بعض كتاباتي على المختار الإسلامي

  • #2
    رد: الملحد ودعواه أن الإسلام يبيح النفاق في سبيل الحفاظ على الحياة

    منشأ الشبهة

    كلام الملحد هداه الله أن الإسلام يبيح النفاق في سبيل الحفاظ على الحياة ينم عن عدم تفريقه بين النفاق و التقية ،و النفاق مذموم في كل حال والتقية جائزة في حالات معينة ،والملحد توهم أن التقية الجائزة شرعا من جنس النفاق لاشتراكهما بصفة إظهار الإنسان لشيءٍ على خلاف ما يُبطن .


    و كي يتضح زيف هذه الشبهة لابد من بيان مفهوم النفاق و مفهوم التقية والفرق بينهما ثم بيان أن إباحة الإسلام للتقية الجائزة شرعا يعد من محاسن الشريعة الإسلامية ، وبيان أن الرجل لا يعد منافقا إذا تظاهر بشيء لينجو من بطش ظالم وبيان أن الله - سبحانه وتعالى - لا يعجز عن حماية أوليائه .


    مفهوم النفاق لغة واصطلاحا


    والنفاق لغة: مصدر نافق، يُقال: نافق نفاقًا ومنافقة ،و نَافق اليربوع نفَاقًا وَمُنَافِقَة دخل فِي نافقائه وَفُلَان أظهر خلاف مَا يبطن[1] ،والنفاق إما مأخوذ من النفق أو النافقاء ،و النفق: سرب في الأرض له مخلص إلى مكان ، و النافقاء : موضع يرققه اليربوع من جحره ، فإذا أُتي من قبل القاصعاء ضرب النافقاء برأسه فانتفق ، أي: خرج منه، ويقال: نفق اليربوع من جحره ، قالوا: ومنه اشتقاق النفاق ؛ لأن الإيمان يخرج من قلبه ، أو يخرج هو من الإيمان[2] .

    و النفاقَ في اللغة من جنس الخداع والمكر وإظهار الخير، وإبطان خلافه [3].

    ومادة نفق تدل على الإخفاء وعدم الإظهار ،ولذلك سمي السرب في الأرض الذي له مخلص إلى مكان آخر نفقا ، وسمي أحد جحري اليربوع النافقاء والنفقة ؛ لأنه يكتمه ويظهر غيره فإذا طلب من مخرج هرب إلى الآخر ، وخرج منه ،وسمي النفاق بهذا الاسم ؛ لأن صاحبه يكتم خلاف ما يُظهر, فكأن الإيمان يخرج منه، أو يخرج هو من الإيمان في خفاء .


    والنفاق اصطلاحا إظهار الإيمان باللّسان وكتمان الكفر بالقلب[4] ،وهذا التعريف ينطبق على النفاق الاعتقادي ،وقيل النفاق هو إظهارُ الإسلام والخير، وإبطانُ الكفر والشر؛ سمي بذلك ؛ لأنه يدخل في الشرع من باب، ويخرج منه من باب آخر، وعلى ذلك نبه الله تعالى بقوله: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ ( التوبة : 67) أي: الخارجون من الشرع [5] ،وقيل النفاق هو أن يظهر المرء ما يوافق الحق، ويبطن ما يخالفه؛ فمن أظهر أمام الناس ما يدل على الحق، وكان حقيقة أمره أنه على باطل من الاعتقاد، أو الفعل، فهو المنافق، واعتقاده، أو فعله هو النفاق [6] ،وقيل النفاق هو التظاهر الكاذب بالفضيلة والتمسك بالدين
    مع إبطان الرذيلة ومخالفة الدين .

    وأساس النفاق الذي بني عليه هو الكذب، وأن يقول الرجل بلسانه ما ليس في قلبه، كما أخبر الله تعالى عن المنافقين أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم[7] .


    أقسام النفاق


    و النفاق في الشرع ينقسم إلى قسمين:
    أحدهما: النفاقُ الأكبرُ – وهو النفاق الاعتقادي - ، وهو أنْ يظهر الإنسانُ الإيمانَ بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويُبطن ما يُناقض ذلك كلَّه أو بعضه، وهذا هو النِّفاق الذي كان على عهد النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ونزل القرآن بذمِّ أهله وتكفيرهم، وأخبر أنَّ أهله في الدَّرْكِ الأسفل من النار .
    والثاني : النفاق الأصغر، وهو نفاق العمل – أي النفاق العملي - ، وهو أنْ يُظهر الإنسانُ علانيةً صالحةً، ويُبطن ما يُخالف ذلك[8] .

    ومِنْ أعظم خِصال النفاق العملي : أنْ يعملَ الإنسان عملاً ، ويُظهرَ أنَّه قصد به الخيرَ، وإنَّما عمله ليتوصَّل به إلى غرض له سيِّئٍ، فيتمّ له ذلك، ويتوصَّل بهذه الخديعةِ إلى غرضه، ويفرح بمكره وخِداعه وحَمْدِ النَّاس له على ما أظهره، وتوصل به إلى غرضه السيِّئِ الذي أبطنه [9].


    ومن الفروق بين النفاق الأكبر والنفاق الأصغر ما يلي:
    1 - إن النفاقَ الأكبرَ يُخرجُ من الملَّة، والنفاقَ الأصغر لا يُخرجُ من الملَّة.
    2 - إن النفاق الأكبر: اختلاف السر والعلانية في الاعتقاد، والنفاق الأصغر: اختلاف السر والعلانية في الأعمال دون الاعتقاد.
    3 - إن النفاق الأكبر لا يصدر من مؤمن، وأما النفاق الأصغر فقد يصدر من المؤمن.
    4 - إن النفاق الأكبر في الغالب لا يتوب صاحبه، ولو تاب فقد اختلف في قبول توبته عند الحاكم. بخلاف النفاق الأصغر؛ فإن صاحبه قد يتوب إلى الله، فيتوب الله عليه[10] .




    [1] - المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية 2/942

    [2] - مجمل اللغة لابن فارس 1/877

    [3] - جامع العلوم والحكم لابن رجب 3/1250

    [4] - التعريفات للجرجاني ص 245

    [5] - عقيدة التوحيد وبيان ما يضادها لصالح بن فوزان الفوزان ص 85

    [6] - المفيد في مهمات التوحيد للدكتور عبد القادر صوفي ص 191


    [7] - منهاج السنة النبوية لابن تيمية 1 / 159

    [8] - جامع العلوم والحكم لابن رجب 3/1250

    [9] - جامع العلوم والحكم لابن رجب 3/1260

    [10] - عقيدة التوحيد وبيان ما يضادها لصالح بن فوزان الفوزان ص 88
    د. ربيع أحمد طبيب بشري قليل التواجد في المنتدى
    بعض كتاباتي على الألوكة
    بعض كتاباتي على المختار الإسلامي

    تعليق


    • #3
      رد: الملحد ودعواه أن الإسلام يبيح النفاق في سبيل الحفاظ على الحياة

      مفهوم التقية لغة واصطلاحا

      و التقية لغة من الاتقاء ،و أصل الاتِّقاء الحَجْز بَين الشّيئين، يُقَال: اتَّقاه بالتّرس أَي جعله حاجزاً بَينه وَبَينه، واتقاه بحَقِّه أَيْضا كَذَلِك وَمِنْه الوِقاية وَيُقَال وَقاه وَمِنْه التّقِيَّة[1] ،ووقى الشيءَ وقايةً: إِذا صانه بوِقاء ،ووقاه الله تعالى : أي حفظه ومنعه[2] ، و اتَّقَى الرَّجُل الشَّيْءَ يَتَّقِيهِ، إِذَا اتَّخَذَ سَاتِرًا يَحْفَظُهُ مِنْ ضَرَرِهِ .

      و التُّقاة وَالتقيَّة والتقوَى والاتِّقاءُ كلُّه واحدٌ[3] ،و أصل المادة المنع، كالذي يتقى البرد بالملابس، ويتقى عذاب الله بالطاعة، ويتقى سهام العدو بالدرع، والتقية بهذا هي اتخاذ ما يمنع المكروه، أو هي الشيء الذي يتخذ لمنع المكروه .

      و التقية اصطلاحا الحذر من إظهار ما في الضمير من العقيدة ونحوه عند الناس[4] ،و قيل التَّقِيَّةُ الْحَذَرُ مِنْ إِظْهَارِ مَا فِي النَّفْسِ مِنْ مُعْتَقَدٍ وَغَيْرِهِ لِلْغَيْرِ[5] ،وقيل التَّقِيَّةُ أَنْ يَقِيَ الإْنْسَانُ نَفْسَهُ بِمَا يُظْهِرُهُ وَإِنْ كَانَ يُضْمِرُ خِلاَفَهُ [6] ،ومن هنا يتبين أن التقية معناها إظهار خلاف ما في الباطن بسبب قهر أو خوف يواجهه الإنسان أي الإنسان يفعل التقية احترازا من الوقوع في مكروه أو التعرض لضرر ،وبالتالي التقية من جنس ( الإكراه ) بالمصطلح الشرعي .

      حكم التقية وشروط العمل بها

      التقية تجوز عند خوف الضرر كالقتل أو القطع أو الإيذاء أي الترخص بالتقية يكون في حال الإكراه ، قال تعالى : ﴿ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ ( النحل : 106 ) قال ابن كثير – رحمه الله - : ( وأما قوله: ﴿ إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ﴾ فهو استثناء ممن كفر بلسانه ووافق المشركين بلفظه مكرها لما ناله من ضرب وأذى، وقلبه يأبى ما يقول، وهو مطمئن بالإيمان بالله ورسوله )[7].



      وفي حكم المكره من يكون بين قوم لا يدينون بما يدين، وإذا لم يجارهم في القول تعمدوا إضراره والإساءة إليه فيماشيهم بقدر ما يصون به نفسه، ويدفع الأذى عنه ؛ لأن الضرورة تقدر بقدرها قال تعالى : ﴿ لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾ ( آل عمران : 28 ) .

      ومعنى الآية : لا تتخذوا، أيها المؤمنون، الكفارَ ظهرًا وأنصارًا توالونهم على دينهم، وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين، وتدلُّونهم على عوراتهم، فإنه مَنْ يفعل ذلك ﴿ فليس من الله في شيء ﴾ ، يعني بذلك : فقد برئ من الله وبرئ الله منه، بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر ﴿ إلا أن تتقوا منهم تقاة ﴾ ، إلا أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم، فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم، وتضمروا لهم العداوة، ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر، ولا تعينوهم على مُسلم بفعل[8] .

      وقوله: ﴿ إلا أن تتقوا منهم تقاة ﴾ أي: إلا من خاف في بعض البلدان أو الأوقات من شرهم، فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته، كما حكاه البخاري عن أبي الدرداء أنه قال: "إنا لنكشر في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم" [9].


      والتقاة ليست بأن أكذب وأقول بلساني ما ليس في قلبي، فإن هذا نفاق، ولكن أفعل ما أقدر عليه كما في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» [10].


      فالمؤمن إذا كان بين الكفار والفجار لم يكن عليه أن يجاهدهم بيده مع عجزه، ولكن إن أمكنه بلسانه وإلا فبقلبه، مع أنه لا يكذب ويقول بلسانه ما ليس في قلبه، إما أن يظهر دينه وإما أن يكتمه، وهو مع هذا لا يوافقهم على دينهم كله، بل غايته أن يكون كمؤمن آلفرعون - وامرأة فرعون - وهو لم يكن موافقا لهم على جميع دينهم، ولا كان يكذب، ولا يقول بلسانه ما ليس في قلبه، بل كان يكتم إيمانه.

      وكتمان الدين شيء، وإظهار الدين الباطل شيء آخر. فهذا لم يبحه الله قط إلا لمن أكره، بحيث أبيح له النطق بكلمة الكفر. والله تعالى قد فرق بين المنافق والمكره ، والرافضة حالهم من جنس حال المنافقين، لا من جنس حال المكره الذي أكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان، فإن هذا الإكراه لا يكون عاما من جمهور بني آدم، بل المسلم يكون أسيرا أو منفردا في بلاد الكفر، ولا أحد يكرهه على كلمة الكفر، ولا يقولها، ولا يقول بلسانه ما ليس في قلبه، وقد يحتاج إلى أن يلين لناس من الكفار ليظنوه منهم، وهو مع هذا لا يقول بلسانه ما ليس في قلبه، بل يكتم ما في قلبه .


      وفرق بين الكذب وبين الكتمان فكتمان ما في النفس يستعمله المؤمن حيث يعذره الله في الإظهار، كمؤمن آل فرعون. وأما الذي يتكلم بالكفر، فلا يعذره إلا إذا أكره. والمنافق الكذاب لا يعذر بحال، ولكن في المعاريض مندوحة عن الكذب. ثم ذلك المؤمن الذي يكتم إيمانه يكون بين الكفار الذين لا يعلمون دينه، وهو مع هذا مؤمن عندهم يحبونه ويكرمونه ; لأن الإيمان الذي في قلبه يوجب أن يعاملهم بالصدق والأمانة والنصح، وإرادة الخير بهم، وإن لم يكن موافقا لهم على دينهم، كما كان يوسف الصديق يسير في أهل مصر وكانوا كفارا، وكما كان مؤمن آل فرعون يكتم إيمانه ، ومع هذا كان يعظم موسى ويقول: ﴿ أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ﴾ ( غافر: 2 ) [11].


      والأمور التي يكره الإنسان على فعلها لدفع الضرر عن نفسه أو عرضه هي في أصلها ممنوعة ولكن الله أباحها للضرورة إذ الضرورات تبيح المحظورات ، ويجوز دفع أعلى المفسدتين بارتكاب أخفهما وما يدل على ذلك قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ (البقرة : 173 )

      ودفع الإنسان الضرر عن نفسه من باب المحافظة على النفس ،ولا يجوز للإنسان أن يضرّ بنفسه تعالى: قال تعالى : ﴿ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ (البقرة : 195 )


      و التقية لا تجوز بما يرجع ضرره إلى الغير كالقتل والزنا وغصب الأموال وإطلاع الكفار على عورات المسلمين إذ القاعدة لا ضرر ولا ضرار ،و الضَّرَرَ لاَ يُزَالُ بِمِثْلِهِ ، والضَّرَرُ يُزَالُ بِلاَ ضَرَرٍ ،ولا يجوز للإنسان أن يضرّ بنفسه ولا بغيره ،وليس نفس الإنسان وعرضه وماله أولى من نفس الغير وعرضه وماله .

      والتقية رخصة ، وليست بعزيمة[12] .

      والأصل في المسلم القيام بدينه و إظهاره وتطابق الظاهر مع الباطن ،والأخذ بالعزيمة والصبر على الأذى أو القتل أولى من الترخص وإجابة داعية الإكراه ، ومن ترك الرخصة وصبر على إظهار الإسلام ، و تحمل الأذى فذلك أحظى له عند ربه إن صدق .

      و قال بن بطال – رحمه الله - : ( أجمعوا على أن من أكره على الكفر واختار القتل أنه أعظم أجرا عند الله ممن اختار الرخصة وأما غير الكفر فإن أكره على أكل الخنزير وشرب الخمر مثلا فالفعل أولى ) [13].





      الفرق بين التقية الجائزة شرعا و النفاق

      تختلف التقية عن النفاق في التعريف و الغاية فالتقية الجائزة شرعا كتمان الإيمان وإظهار خلافة باللسان لضرورة قائمة واقعة كدفع أذى محقق أو تكون التقية حيلة لجلب مصلحة للمسلمين في الحرب أما النفاق فهو إظهار الإيمان ،والخير و إبطان الكفر والشر لمرض في القلب و صاحبه يمارسه ليدخل بين المسلمين فيفسد عقائدهم، ويبث الشبهات بينهم لتشكيكهم في دينهم، ويغرس البدع التي تفسد عليهم دينهم .

      و تختلف التقية عن النفاق في وقت التحلي بها فالتقية الجائزة شرعا حالة استثنائية مؤقتة مخالفة لما يجب أن يتحلى به المؤمن فلا تباح إلا لضرورة والأصل في المسلم أن يتطابق ظاهره وباطنه ، ولذلك كان التظاهر بالكفر من غير ضرورة معتبرة شرعا نفاقاً وخداعاً لا يصح بحال وينتهي العمل بالتقية بمجرد زوال الضرورة الداعية إليها أما أهل النفاق فحالهم الدائم مخالفة الظاهر للباطن .

      و تختلف التقية عن النفاق في حال المتحلي بها فالتقية الجائزة شرعا حالة يلجأ إليها المسلم عند الضرورة دون رضى و حب أما النفاق فيتحلى به صاحبه عن رضى و حب .

      و تختلف التقية عن النفاق في الحكم فالتقية تجوز عند الضرورة أما النفاق فلا يجوز مطلقا .

      والتقية الجائزة شرعا تكون مع الكفار أو الفساق و الظلمة، أما النفاق فيكون مع المسلمين عندما يكون لهم الشوكة و الظهور في الغالب.








      [1] - المخصص لابن سيده 4/61

      [2] - شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم للحميري 1/7275

      [3] - تهذيب اللغة لأبي منصور الهروي 9/199

      [4] - الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري للكرماني 24/61

      [5] - فتح الباري لابن حجر 12/314

      [6] - المبسوط للسرخسي 24/45

      [7] - تفسير ابن كثير 4/605

      [8] - تفسير الطبري 6/313

      [9] - تفسير ابن كثير 2/30

      [10] - رواه مسلم في صحيحه رقم 49

      [11] - منهاج السنة لابن تيمية 6/424-425

      [12] - زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي 1/272

      [13] - فتح الباري لابن حجر 12/317
      د. ربيع أحمد طبيب بشري قليل التواجد في المنتدى
      بعض كتاباتي على الألوكة
      بعض كتاباتي على المختار الإسلامي

      تعليق


      • #4
        رد: الملحد ودعواه أن الإسلام يبيح النفاق في سبيل الحفاظ على الحياة

        إباحة الإسلام للتقية عند الضرورة من محاسن الشريعة

        إن إباحة الإسلام للتقية عند الضرورة يعد من محاسن الشريعة ،ودليل على مرونتها وعدالتها وموافقتها للعقل حيث إباحة التقية عند الاضطرار فيه مراعاة حال المكره المضطر ،وتكليفه بما يستطيع و يقدر عليه فلم تلزمه بوجوب تحمل الضرر و الأذى ،وأجازت له النطق بكلمة الكفر عند الإكراه للنجاة من القتل والتعذيب بشرط أن يكون القلب مطمئنا بالإيمان فالكثير من الناس لا يتحمل التعذيب ،وهذا دليل على عدالة الشريعة الإسلامية فلم تلزم الإنسان بما لا يستطيع تحمله .

        و في إباحة التقية عند الاضطرار موافقة لحكم العقل فالعقل يقضي بدفع الضرر والفرار منه وجلب ما فيه السلامة والنجاة ، ودفع أعلى المفسدتين بارتكاب أخفهما .








        لا يعد منافقا من تظاهر بشيء لينجو من بطش ظالم

        لا يعد منافقا من تظاهر بشيء لينجو من بطش ظالم فهذا التظاهر إنما هو حيلة ووسيلة للدفاع عن النفس و الحفاظ عليها وهذا أمر جائز شرعا وعقلا وفطرة ولا يذم من استعمل هذه الوسيلة للنجاة بنفسه من بطش ظالم بل يمدح على ذكائه وحسن تصرفه كما يمدح ضابط الشرطة عندما يتظاهر أمام اللصوص أو تجار المخدرات أنه منهم حتى يتمكن من القبض عليهم وتخليص المجتمع من شرهم ، ويمدح الصحفي عندما يتظاهر بأنه رجل فقير يريد العمل عند رجل محتال ليكشف احتياله .











        لا يعجز الله- سبحانه وتعالى - عن حماية أوليائه

        الله - سبحانه وتعالى - لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ،ولا يعجز عن حماية أوليائه وقادر أن يهلك الظالم و الكافر ،وينجي المؤمن من الكافر في لمح البصر لكنه - سبحانه وتعالى - أجرى بعض السنن في خلقه ،ومن هذه السنن سنة الابتلاء والتمحيص للمؤمنين وسنة الإملاء والإمهال للكافرين قال تعالى: ﴿ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الكَافِرِينَ ﴾ (آل عمران : 141) .


        و قال تعالى : ﴿ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ ( آل عمران : 154) ،و قال تعالى : ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ﴾ ( العنكبوت: 2 ) .


        و قال تعالى : ﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ ( آل عمران : 179) ،و قال تعالى : ﴿ ولَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾ ( محمد : 4 )

        ومن حكم سنة الابتلاء والتمحيص للمؤمنين وسنة الإملاء والإمهال للكافرين أن يظهر الصالح من الطالح ،والمحق من المبطل ،والمؤمن من المنافق والكافر و ومريدو الآخرة من مريدي الدنيا ،ويظهر من بعض العباد عبادة الصبر على البلاء ،ومن آخرين عبادة الشكر على السلامة والأمن ،ومن آخرين عبادة الشكر على النجاة من الظالمين و تظهر عبادة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتظهر عبادة الجهاد في سبيل الله إلى غير ذلك من الحكم .
        وأنت أيها المخلوق الضعيف قد تتعمد في وضع ابنك في مشكلة تستطيع أن تحلها له لكنك لا تفعل وتتركه يحل هذه المشكلة بنفسه كي يتعود على حل المشاكل و تنمي فيه المقدرة على حل المشاكل ،وقائد الجيش قد يتعمد وضع بعض الجنود في مأزق يستطيع أن يخلصهم منه لكنه يتركهم يتخلصون من هذا المأزق بأنفسهم تدريب لهم على التخلص من مثل هذه المآذق وكي يرى من يستحق من الجنود بالقيادة ومن عنده سرعة بديهة ،ولله المثل الأعلى الله قادر أن يهلك الظالم و الكافر ، وينجي المؤمن في لمح البصر لكنه أمهل الكافر وابتلى المؤمن لحكم عظيمة .

        هذا و الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات

        مراجع المقال :
        التعريفات للجرجاني
        المبسوط للسرخسي
        المخصص لابن سيده
        المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية
        المفيد في مهمات التوحيد للدكتور عبد القادر صوفي
        تفسير ابن كثير
        تفسير الطبري
        تهذيب اللغة لأبي منصور الهروي

        جامع العلوم والحكم لابن رجب
        زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي
        شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم للحميري
        عقيدة التوحيد وبيان ما يضادها لصالح بن فوزان الفوزان
        فتح الباري لابن حجر
        مجمل اللغة لابن فارس
        منهاج السنة النبوية لابن تيمية
        د. ربيع أحمد طبيب بشري قليل التواجد في المنتدى
        بعض كتاباتي على الألوكة
        بعض كتاباتي على المختار الإسلامي

        تعليق


        • #5
          رد: الملحد ودعواه أن الإسلام يبيح النفاق في سبيل الحفاظ على الحياة

          التحميل من هنا أو هنا
          د. ربيع أحمد طبيب بشري قليل التواجد في المنتدى
          بعض كتاباتي على الألوكة
          بعض كتاباتي على المختار الإسلامي

          تعليق

          مواضيع ذات صلة

          تقليص

          المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
          ابتدأ بواسطة Mohamed Karm, 7 فبر, 2023, 06:09 ص
          ردود 0
          123 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة Mohamed Karm
          بواسطة Mohamed Karm
           
          ابتدأ بواسطة ARISTA talis, 2 ديس, 2022, 01:54 م
          ردود 0
          67 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة ARISTA talis
          بواسطة ARISTA talis
           
          ابتدأ بواسطة عادل خراط, 21 نوف, 2022, 03:22 م
          ردود 25
          153 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة عادل خراط
          بواسطة عادل خراط
           
          ابتدأ بواسطة The small mar, 18 نوف, 2022, 01:23 ص
          ردود 0
          93 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة The small mar
          بواسطة The small mar
           
          ابتدأ بواسطة The small mar, 16 نوف, 2022, 01:42 ص
          ردود 0
          55 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة The small mar
          بواسطة The small mar
           
          يعمل...
          X