تتمــة
ما فــهمــهُ اللائكــيُّ ( الجزء الثاني)
الديكتاتوريـة اللائكيــة تُعـلِّمُ ذراري المسلمين كيف تصمــت عــن الاستبداد اللائكي عندمـا يتحكم لائكي طـاغوتي على رقاب المستضعفين، علمتهم كيف ينتجون تقولات سياسيــة تصرف الأنـظار عــن أساليب احتكـار السلطـة و نهب خيرات النـاس، علمتهم كيف يخوضون معـارك تـافهـة ضد الإسلاميين باسم الإرهـاب فـلا يهمهم إلا الانتصار علـى هؤلاء المُجَلبَبــين المُلتحين في ساحـات اللعب الكـلامية، تمـامـا كمـا علَّـم الديكتاتوريون الأمويون –مع بعض الاستثناء- و العباسيون النـاسَ الأدباء و الوعـاظ و الفلاسفة و "الفقهـاء" كيف يقيمون منـاظرات "عقلانية" مع خصومهم في أجواء تُنسي الجميع دينَ الانقياد فينشغلوا عن الظلم السياسي الذي بدأ مـع حيازة السلـطة بالعنف و الغلبـة، أي بالانقلاب و الاغتيالات ، تمـامـا كمـا يبتلع اللائكيون في مصر ألسنتهم عن حقوق الإنسان و حرية الرأي و العدل و العدالة الاجتماعية و المساواة و "الدولة المدنية" و قيم التعايش و احترام قواعد الديموقراطية و فصل السلـط ،لا يثرثرون إلا عندمــا تفرز الصنـاديق أغلبية إسلاميــة تفضــح حقيقة الامتداد الشعبي اللائكي في الشارع و تكشف حجمهـم البئيس كتيار نخبوي لا يتقن غير الكـلام المُسجـع،و لا يتحركون إلا عندمــا تصعقهم اكتساح قوى إسلامية للمشهـد الانتخابي سواء في مؤسسة سياسية أو مدنية فيسارعون إلـى تدبير المؤامرات و نسج عـلاقات استكبارية مع أطراف خـارجية تنقذهم من حرجهم و مأزقهم السياسي كمـا هو الشأن في تجربتي مصر و تونس علـى وجه التحديد . لقد فهمَ اللائكــيُّ السلـطةَ كإبنٍ شرعــي لــه يفعل بهـا مـا يريد و تصرف معهــا كمزرعــة يفرقهــا علــى مـافيات الفسـاد العشائرية و الايديولوجية كمـا لـو أن الأمـر يتعلق بمـاركة مسجلة أو تحفـة موروثـة من الأجداد اللائكيين ، و قـد كـان أمـرا صعبا علـى هـذا العقل أن يتخيل مجيء من ينـازعـه في "ملكيته" و يشاركـه الحكم فيها بله انتزاعه منه، الشيء الذي اقتضى منــه عقد مختلف التحـالفات لكي يمـارس "حرب الاسترداد" و يعيد "تركتــه" سالمـة غـانمــة بعد أن يكون قد دبر كــل الحيل الشيطـانية التـي يتقنهــا أبالسـة العصر.
مـا فهمــه اللائكــيُّ من السلـطة و الحكم لا يتعدى فهـمُ المقاولاتيُّ لمؤسستــه ، فالمقاولاتيُّ لا يفكر عـادة إلا في احتكـار موارده و منـع أية منـافسـة خـارجية قــد تطيحُ بأربـاحـه أو تحد منهـا ، أمـا اللائكــيُّ الماديُّ فلا يرى بأسـا من أن يُـقـصـي كـلَّ الأطراف التـي تهدد مقاعـده التـي اغتصبهـا حينـا من الدهـر و لا يهمـه إلا أن يدلِّسَ بضاعتـه للنـاس تحت دعـاوى مُستوردة من قواميس المستكبرين ، فكمـا أن المقاولاتيّ يسعـى دومـا لتوسيع سيطرته علـى سـاحـة الإنتـاج الخدمـاتي و ابتكـار أساليب تمكنـهُ من السيادة فإن اللائكــيُّ العروبي خاصـة ورثَ بدوره عـاهــة الاستئثـار بالسلـطة و ممـارسـة قبائح التزوير الانتخـابي منــذ قرون خلت و لا زالَ مشهورا بأرقامـه القياسيـة التسع و تسعون بالمئـة . لم يتطور عقل اللائكي إذن رغـم كــل الشعـارات الفُسيفسائيـة التـي يرفعهـا دومـا في الكتابات الأكـاديمية عن السلمية و الدولـة المدنية و حقوق الإنسان و المواطنـة و المساواة، و كأن منطق اشتغـال العقل عنده مثَّلَ ثابتـا من ثوابت الميكيافيلية السياسية و الايديولوجية ،و فــي مصر نموذجـا- باعتبارهـا ساحـة قديمـة للصراعـات بين الإسلاميين و اللائكيين اللادينيين- يتعجب الإنسان كيف يتحول اللائكي لأداة ديكتاتورية تُشرعن الاستبداد السياسي و تلتمس كل المبررات لإعطـاء إطـار دستوري للانقلاب الدمـوي ، يتعجب من حجم الأحقاد التــي تغلغلت في قلوب أعـوان الظلمـة و حجم التحريض الشنيع ضد حركـات معـارضة لهـا وزنهــا الثقيل في الساحـة الشعبية ( رفعت السعيد، عبد الله كمـال الذي بشـر بانتهـاء جماعة الإخوان المسلمين في 2014 فكـان قدر الله أنهُ هـو الذي انتهـى و بقيت الجمـاعة ، وجدي الحكيم الذي كـانت آخر كلماته قبل موتـه "لا بد من إبادة الإخوان المسلمين " فشاء الله أن يُهلكَ و يُبـاد...) .
منـطق اشتغـال الإسلاميين علـى قضـايا الحكم لا تتأسس علـى مفهـوم التنـاد الكلـي بينهـا و بين المعـارضين اللائكيين و لا تُحركـه حسابـات التصفيـات السياسيـة و الإقصـاء الايديولوجـي كمـا هـو الشأن للفكر اللائكـي، و إنمــا تعززه قدرته علـى بنـاء القاعدة الشعبية فتخولـه الصعود للحكم بدون الالتجـاء للعنف و الشغب ، و ليس عيبـا البتـة أن يكون للحزب الفائز أحقيتــه في بنـاء التشكيلات السياسية اللازمـة لقيادة الحكومـة، بل من قواعـد احترام أصوات النـاخبين أن تُجرَّب برامـج الأحزاب الصاعـدة و تُنزَّل محل التطبيق، و مــع ذلك فتجربـة الإسلاميين في مصر و تونس أكدت نزوعهم في عدم ممـارسـة أسلوب الانتقام السياسي و ملاحقة المعـارضين سواء كـانوا إعلاميين أو ساسـة أو مفكرين عكـس مـا شاهدنـاه في حمـلات الاستئصـال اللائكـي و الإرهـاب العنيف ضد كـل الرموز الإسلامية المعـارضة، لقـد فهـمَ اللائكـيُّ بنـاءً على وهْم الاستئثار السلطوي الجنوني أن السياسـة فنُّ للممكن و أنّ الوصول للسلطة بأية طريقـة تتيح لهم استنبات جذور التسلـط عبر تغذيـة مشاعـر الكراهيـة ضد هـؤلاء الإسلاميين لتحجيم نفوذهم و الحد من امتدادهم فأخطئوا التقدير و أساءوا لشعاراتهم .
مـا فهـمه بعض-أقول بعض- الفضلاء اللائكيين الغـاضبين علـى الظلم اللائكي الاستبدادي من "رجال دين" يباركون سلطـة التغلب لـه مبرره أحـيانـا في رفض مشاركـة الإسلاميين في الحكم إذ تصوروهم أشبـه بإكليروس متحالفين مـع أنظمـة إقطـاعية غارقـة في الاستبداد ، و قرروا علـى ضوء ذلـك تبعيـة "الفقهـاء" لزومـا بالديكتاتورية السياسية ، فهمـوا أن دولـة التغلب التــي يصمت عنهـا بعض السَّلْفَــوِيـيـن بل و يقرون "بشرعيتهـا" ليست إلا دليلا آخـر علــى إسقاط تجربـة الغرب علـى الشرق و أن الفقهـاء بإطـلاق ليسوا بأكثـر من أبواق وُجِـدت لتثبيت نظام المُلك الجبري الاستبدادي ، و للحقيقـة نقول أن التجربـة المصريـة كشفت قنـاع تلك الطبقة الدينية التـي عبّرت عـن وفائهـا لخط تقديس التـاريخ الإسلامي علـى علاته، أقصد تلك الطبقـة التـي تستمد "الشرعية" من وقائع التاريخ و تعتبرهـا نموذجـا يصلح للتعميم بإطـلاق، فالذين يذهبون الآن من فقهـاء البلاطات إلـى تبرير خيار الانتـزاء علـى السلطة بحد السيف يجدون في تـاريخنـا من أمثلـته مـا يجعلهم يستدلون بمعياريته علـى زمـاننـا، إذ لا يخلُ تـاريخنـا من أساليب السطو علـى الحكم بطرق ميكيافيلية و لا يكشف في معظمــه إلا عن تجارب ملوك السيف التي قهرت إرادة النـاس عنوة و جثمت علـى رقابهـا بحكم القوة و الشوكة ، في مصر تحديدا يُــبــهِــتُـكَ كيف يتكـاثر المُتغَـلبون الفقهـاء و يُدهشُـكَ مُفَــوَّهٌ هنـا أو هنـاك يخطب بلا خجل عـن حق السمع و الطـاعـة لِمُغتصب السلــطة ( طلعت زهران، مصطفى العدوي ، رسلان...) ، طـائفيون سـلْـفَـويون جمعهم الجبن من ظـالم فاسق و الحقد علـى الحركـة الإسلامية منذ القديم . جبْـريون سياسيون لا وظيفـة لهم غير القعود مع الظـالمين يعينونهم علـى محـاربـة الحق باسم "الدين" و يُقيمون حروبـا عقدية و فقهيـة ، و لا ينشغلون لا بالدمـاء و لا بالأعراض و لا بالأموال المنهوبـة و لا بالسلطة الغاصبة التي دمرت الدولـة و قتلت القيم الإنسانية و الكرامـة الآدمية.
مـا فهمهُ بعض اللائكيين عن بعض "رجال الدين" مُتغلبين فاعتبرهم اكليروسـا هـو نفسـه مـا فهمه عن الدين، إذ لا يكــلُّ يردد احترامـه للدين مـع تهميشـه له في واقع الممـارسـة و لا يدرك منـه إلا الجـانب التعبدي المحض و لا يرى فيه إلا ظـاهرة مُتجـاوزة تعطي الحق لأي كـان للحديث فيه و الاجتهـاد في مضامينــه ، قـد يكون اللائكي اسلامولوجيّـاً بارعا يسبر أغـوار متون النصوص و منحنيات التـاريخ لكنـه حتمـا مصاب بآفـة التأويلات و القراءات الخارجية الجـامدة، لذلـك نتفهم من الإسلاميين سبب التركيز أحيانـا في مؤلفاتهم على شرح مضامين الدين و بسط أصولـه و فروعـه ضمن كتب طـابعهـا المحاججة و السجـال كمـا في (حوار مع الفضلاء الديموقراطيين) للشيخ عبد السلام ياسين رحمه الله أو في (الاسلام عقيدة و شريعة ) لمحمود شلتوت رحمه الله أو في (بينات الحل الإسلامي وشبهات العلمانيين والمتغربين ) ليوسف القرضاوي أو في ( الاسلام و السياسة :الرد على شبهـات العلمانيين) لمحمد عمارة ...
باختـصار، فهم اللائكـيُّ للسياسـة و الدين و التاريخ فهــم مغلوط من أساسه ، لذلـك صارَ من الواجب ألاَّ تُنـاقشَ قضايـا فرعيـة مـا لـم يُعـاد النظر في المحمول المعرفي المُؤَليَك و القطيعـة مـع أسلوب الإسقاطـات المتعسفـة الـتي دأب عليهـا و راهن عليهـا .
الديكتاتوريـة اللائكيــة تُعـلِّمُ ذراري المسلمين كيف تصمــت عــن الاستبداد اللائكي عندمـا يتحكم لائكي طـاغوتي على رقاب المستضعفين، علمتهم كيف ينتجون تقولات سياسيــة تصرف الأنـظار عــن أساليب احتكـار السلطـة و نهب خيرات النـاس، علمتهم كيف يخوضون معـارك تـافهـة ضد الإسلاميين باسم الإرهـاب فـلا يهمهم إلا الانتصار علـى هؤلاء المُجَلبَبــين المُلتحين في ساحـات اللعب الكـلامية، تمـامـا كمـا علَّـم الديكتاتوريون الأمويون –مع بعض الاستثناء- و العباسيون النـاسَ الأدباء و الوعـاظ و الفلاسفة و "الفقهـاء" كيف يقيمون منـاظرات "عقلانية" مع خصومهم في أجواء تُنسي الجميع دينَ الانقياد فينشغلوا عن الظلم السياسي الذي بدأ مـع حيازة السلـطة بالعنف و الغلبـة، أي بالانقلاب و الاغتيالات ، تمـامـا كمـا يبتلع اللائكيون في مصر ألسنتهم عن حقوق الإنسان و حرية الرأي و العدل و العدالة الاجتماعية و المساواة و "الدولة المدنية" و قيم التعايش و احترام قواعد الديموقراطية و فصل السلـط ،لا يثرثرون إلا عندمــا تفرز الصنـاديق أغلبية إسلاميــة تفضــح حقيقة الامتداد الشعبي اللائكي في الشارع و تكشف حجمهـم البئيس كتيار نخبوي لا يتقن غير الكـلام المُسجـع،و لا يتحركون إلا عندمــا تصعقهم اكتساح قوى إسلامية للمشهـد الانتخابي سواء في مؤسسة سياسية أو مدنية فيسارعون إلـى تدبير المؤامرات و نسج عـلاقات استكبارية مع أطراف خـارجية تنقذهم من حرجهم و مأزقهم السياسي كمـا هو الشأن في تجربتي مصر و تونس علـى وجه التحديد . لقد فهمَ اللائكــيُّ السلـطةَ كإبنٍ شرعــي لــه يفعل بهـا مـا يريد و تصرف معهــا كمزرعــة يفرقهــا علــى مـافيات الفسـاد العشائرية و الايديولوجية كمـا لـو أن الأمـر يتعلق بمـاركة مسجلة أو تحفـة موروثـة من الأجداد اللائكيين ، و قـد كـان أمـرا صعبا علـى هـذا العقل أن يتخيل مجيء من ينـازعـه في "ملكيته" و يشاركـه الحكم فيها بله انتزاعه منه، الشيء الذي اقتضى منــه عقد مختلف التحـالفات لكي يمـارس "حرب الاسترداد" و يعيد "تركتــه" سالمـة غـانمــة بعد أن يكون قد دبر كــل الحيل الشيطـانية التـي يتقنهــا أبالسـة العصر.
مـا فهمــه اللائكــيُّ من السلـطة و الحكم لا يتعدى فهـمُ المقاولاتيُّ لمؤسستــه ، فالمقاولاتيُّ لا يفكر عـادة إلا في احتكـار موارده و منـع أية منـافسـة خـارجية قــد تطيحُ بأربـاحـه أو تحد منهـا ، أمـا اللائكــيُّ الماديُّ فلا يرى بأسـا من أن يُـقـصـي كـلَّ الأطراف التـي تهدد مقاعـده التـي اغتصبهـا حينـا من الدهـر و لا يهمـه إلا أن يدلِّسَ بضاعتـه للنـاس تحت دعـاوى مُستوردة من قواميس المستكبرين ، فكمـا أن المقاولاتيّ يسعـى دومـا لتوسيع سيطرته علـى سـاحـة الإنتـاج الخدمـاتي و ابتكـار أساليب تمكنـهُ من السيادة فإن اللائكــيُّ العروبي خاصـة ورثَ بدوره عـاهــة الاستئثـار بالسلـطة و ممـارسـة قبائح التزوير الانتخـابي منــذ قرون خلت و لا زالَ مشهورا بأرقامـه القياسيـة التسع و تسعون بالمئـة . لم يتطور عقل اللائكي إذن رغـم كــل الشعـارات الفُسيفسائيـة التـي يرفعهـا دومـا في الكتابات الأكـاديمية عن السلمية و الدولـة المدنية و حقوق الإنسان و المواطنـة و المساواة، و كأن منطق اشتغـال العقل عنده مثَّلَ ثابتـا من ثوابت الميكيافيلية السياسية و الايديولوجية ،و فــي مصر نموذجـا- باعتبارهـا ساحـة قديمـة للصراعـات بين الإسلاميين و اللائكيين اللادينيين- يتعجب الإنسان كيف يتحول اللائكي لأداة ديكتاتورية تُشرعن الاستبداد السياسي و تلتمس كل المبررات لإعطـاء إطـار دستوري للانقلاب الدمـوي ، يتعجب من حجم الأحقاد التــي تغلغلت في قلوب أعـوان الظلمـة و حجم التحريض الشنيع ضد حركـات معـارضة لهـا وزنهــا الثقيل في الساحـة الشعبية ( رفعت السعيد، عبد الله كمـال الذي بشـر بانتهـاء جماعة الإخوان المسلمين في 2014 فكـان قدر الله أنهُ هـو الذي انتهـى و بقيت الجمـاعة ، وجدي الحكيم الذي كـانت آخر كلماته قبل موتـه "لا بد من إبادة الإخوان المسلمين " فشاء الله أن يُهلكَ و يُبـاد...) .
منـطق اشتغـال الإسلاميين علـى قضـايا الحكم لا تتأسس علـى مفهـوم التنـاد الكلـي بينهـا و بين المعـارضين اللائكيين و لا تُحركـه حسابـات التصفيـات السياسيـة و الإقصـاء الايديولوجـي كمـا هـو الشأن للفكر اللائكـي، و إنمــا تعززه قدرته علـى بنـاء القاعدة الشعبية فتخولـه الصعود للحكم بدون الالتجـاء للعنف و الشغب ، و ليس عيبـا البتـة أن يكون للحزب الفائز أحقيتــه في بنـاء التشكيلات السياسية اللازمـة لقيادة الحكومـة، بل من قواعـد احترام أصوات النـاخبين أن تُجرَّب برامـج الأحزاب الصاعـدة و تُنزَّل محل التطبيق، و مــع ذلك فتجربـة الإسلاميين في مصر و تونس أكدت نزوعهم في عدم ممـارسـة أسلوب الانتقام السياسي و ملاحقة المعـارضين سواء كـانوا إعلاميين أو ساسـة أو مفكرين عكـس مـا شاهدنـاه في حمـلات الاستئصـال اللائكـي و الإرهـاب العنيف ضد كـل الرموز الإسلامية المعـارضة، لقـد فهـمَ اللائكـيُّ بنـاءً على وهْم الاستئثار السلطوي الجنوني أن السياسـة فنُّ للممكن و أنّ الوصول للسلطة بأية طريقـة تتيح لهم استنبات جذور التسلـط عبر تغذيـة مشاعـر الكراهيـة ضد هـؤلاء الإسلاميين لتحجيم نفوذهم و الحد من امتدادهم فأخطئوا التقدير و أساءوا لشعاراتهم .
مـا فهـمه بعض-أقول بعض- الفضلاء اللائكيين الغـاضبين علـى الظلم اللائكي الاستبدادي من "رجال دين" يباركون سلطـة التغلب لـه مبرره أحـيانـا في رفض مشاركـة الإسلاميين في الحكم إذ تصوروهم أشبـه بإكليروس متحالفين مـع أنظمـة إقطـاعية غارقـة في الاستبداد ، و قرروا علـى ضوء ذلـك تبعيـة "الفقهـاء" لزومـا بالديكتاتورية السياسية ، فهمـوا أن دولـة التغلب التــي يصمت عنهـا بعض السَّلْفَــوِيـيـن بل و يقرون "بشرعيتهـا" ليست إلا دليلا آخـر علــى إسقاط تجربـة الغرب علـى الشرق و أن الفقهـاء بإطـلاق ليسوا بأكثـر من أبواق وُجِـدت لتثبيت نظام المُلك الجبري الاستبدادي ، و للحقيقـة نقول أن التجربـة المصريـة كشفت قنـاع تلك الطبقة الدينية التـي عبّرت عـن وفائهـا لخط تقديس التـاريخ الإسلامي علـى علاته، أقصد تلك الطبقـة التـي تستمد "الشرعية" من وقائع التاريخ و تعتبرهـا نموذجـا يصلح للتعميم بإطـلاق، فالذين يذهبون الآن من فقهـاء البلاطات إلـى تبرير خيار الانتـزاء علـى السلطة بحد السيف يجدون في تـاريخنـا من أمثلـته مـا يجعلهم يستدلون بمعياريته علـى زمـاننـا، إذ لا يخلُ تـاريخنـا من أساليب السطو علـى الحكم بطرق ميكيافيلية و لا يكشف في معظمــه إلا عن تجارب ملوك السيف التي قهرت إرادة النـاس عنوة و جثمت علـى رقابهـا بحكم القوة و الشوكة ، في مصر تحديدا يُــبــهِــتُـكَ كيف يتكـاثر المُتغَـلبون الفقهـاء و يُدهشُـكَ مُفَــوَّهٌ هنـا أو هنـاك يخطب بلا خجل عـن حق السمع و الطـاعـة لِمُغتصب السلــطة ( طلعت زهران، مصطفى العدوي ، رسلان...) ، طـائفيون سـلْـفَـويون جمعهم الجبن من ظـالم فاسق و الحقد علـى الحركـة الإسلامية منذ القديم . جبْـريون سياسيون لا وظيفـة لهم غير القعود مع الظـالمين يعينونهم علـى محـاربـة الحق باسم "الدين" و يُقيمون حروبـا عقدية و فقهيـة ، و لا ينشغلون لا بالدمـاء و لا بالأعراض و لا بالأموال المنهوبـة و لا بالسلطة الغاصبة التي دمرت الدولـة و قتلت القيم الإنسانية و الكرامـة الآدمية.
مـا فهمهُ بعض اللائكيين عن بعض "رجال الدين" مُتغلبين فاعتبرهم اكليروسـا هـو نفسـه مـا فهمه عن الدين، إذ لا يكــلُّ يردد احترامـه للدين مـع تهميشـه له في واقع الممـارسـة و لا يدرك منـه إلا الجـانب التعبدي المحض و لا يرى فيه إلا ظـاهرة مُتجـاوزة تعطي الحق لأي كـان للحديث فيه و الاجتهـاد في مضامينــه ، قـد يكون اللائكي اسلامولوجيّـاً بارعا يسبر أغـوار متون النصوص و منحنيات التـاريخ لكنـه حتمـا مصاب بآفـة التأويلات و القراءات الخارجية الجـامدة، لذلـك نتفهم من الإسلاميين سبب التركيز أحيانـا في مؤلفاتهم على شرح مضامين الدين و بسط أصولـه و فروعـه ضمن كتب طـابعهـا المحاججة و السجـال كمـا في (حوار مع الفضلاء الديموقراطيين) للشيخ عبد السلام ياسين رحمه الله أو في (الاسلام عقيدة و شريعة ) لمحمود شلتوت رحمه الله أو في (بينات الحل الإسلامي وشبهات العلمانيين والمتغربين ) ليوسف القرضاوي أو في ( الاسلام و السياسة :الرد على شبهـات العلمانيين) لمحمد عمارة ...
باختـصار، فهم اللائكـيُّ للسياسـة و الدين و التاريخ فهــم مغلوط من أساسه ، لذلـك صارَ من الواجب ألاَّ تُنـاقشَ قضايـا فرعيـة مـا لـم يُعـاد النظر في المحمول المعرفي المُؤَليَك و القطيعـة مـع أسلوب الإسقاطـات المتعسفـة الـتي دأب عليهـا و راهن عليهـا .
اترك تعليق: