المُباهَلة
أحكامُها واستخدامُها فى الحِواراتِ الكِتابيَّة

بقلم :د. أمير عبد الله



سأل الأخ الكريم سؤاله موجهاً السؤال إلى حراس العقيدةِ فقال : "إخواني محاوري النصارى أغلب حالات الحوار يكون الطرف الآخر مكابرا معاندا .. فأين أنتم من المباهلة ؟
"



فنقول وبالله التوفيق .. أن
المباهلة لها شروطها وأركانها .. وأغلب الحوارات الكِتابية على الإنترنت لا يسْري عليها شروط المباهلة .. فليست المباهلة مع كل فردٍ فرْداً , وليْستِ المباهلةُ في كل وقتٍ وحين .. وإن كنا نتفِق معك في أن اكثر المحاورين معانِدين مُكابرين , فإننا نُضيف إليْكَ ما يجلِّي الصورة وهي أن معظم - إن لم يكن كل - الحواراتِ لم تكْتمِل عندما تبين الحجة وتظْهر على المخالِفِ فإنه ينْقطِعُ ويهْرُب من أصْل الحوار ... ومعْلوم أن المباهلة لا تكون إلا بعد استِنْفاذِ سُبُل الدعوة , وبعد إقامةِ الحجة .. ثم يجِب أن تكون المباهلة مع رؤوس الباطِل وليْس مع كل فردٍ فرداً .. ولِذا فلا ننصَح بالمباهلةِ على الإنترنت إلا في أضْيَقِ الحدود .. وهي تلك الحوارات التي استوفت الشروط الشرْعِيّة للمباهلة .. وكثيرٌ من الحوارات الكِتابيّةِ المكتمِلَةِ تتطرق للمباهلة لكِن لا تكْتمِل لانْسِحاب المحاور وانقِطاعه عنها... ولعل الأمر يحتاج مزيداً من التدارس والتفصيل من أهل العلم في تأصيلِ وجْهِ وكيفية وشروطِ المباهلة المكتوبة على صفحات الإنترنت.



شروط المباهلة عموما .. او متى ندْعو للمباهلة؟!

1- أن تكون المباهلة في أمرٍ مهم شرْعاً وقع فيه اشتباه وعناد لا يتيسر دفعه إلا بالمباهلة.

2- وأن يكون المباهِلُ مأمون الباطن مقطوعاً على صحة عقيدته أفضل الناس عند الله , من اهل الحقِّ راسِخاً في العلم متسلِّحاً باليقين الجازِم (كتاب الله وسنة نبيه وإجماع الأمة).

3- وأن تكونَ ضِدّ سوفسطائِيٍّ من رؤوسِ الضلالةِ , يسْتمر في جدله حفظاً لماء وجْهِه , أو عنادا وجحوداً وتلْبيساً على مستمعيه , بعد قيام الحجةِ عليْهِ.

4- ولا تكون إلا بعْد استِنْفاذِ سُبُلِ الرفق الدعوي بالحكمة والموْعِظة الحسنة والنصْحِ والإرْشاد.

5- وأن يكون الغرضُ خالِصاً لله بإظهار الحق الذي ثبُتَ عنده بيقين جازِمٍ , وإقامة الحجة على الخِصْمِ بالتلاعن.



فليْس لأي انْسانٍ أن يُباهِل .. أو يتهاون بأمر المباهلةِ .. إلا عن علمٍ ويقين جازم بانه على الحق .. وعليْهِ
فلا يجِب أن تصْدُر إلا من أهل العلم الراسِخين ضِدّ المخالفين , فيجِب أن يكون المحاور من القادِرين على المحاجة والجدال وتبيان الحق .. ولا تكونُ المباهلةُ لمجرد الخُلْفِ بيْنَ فرْديْنِ , بل يجِبُ أن تكونَ بعْد دعوة بالحُسْنى وتبيانٍ للحق , وعن عِلْمٍ ويقين جازِم .. والعلم واليقين عند أهل الإسْلامِ يتجلّى ويظهر بنصٍ من كتاب الله يحْتكِمان إليْهِ ، أو إلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو إلى إجماع أهل العلم أو بالقياسِ ... وإن كان من اهل الكِتاب ... فيجِب أن تُقام عليْه الحجةُ أولاً من كِتابِه .. ثم بالعقل والمنطِق والبرهان .. ثم إيصال الحق الرباني من كتاب الله وسنةِ نبيِّه .. فإن عاند المحاور واستمر على عِنادِه .. فهنا ياتي دوْرُ المباهَلَةِ ... إذاً فالمباهلة لا تكون إلا بعد العلم الجازم واسْتِنْفاذ وسائلِ الدعوة .. يقول تعالى "فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ "



توقيتُ ظهورِ أثر المباهلة :

ذكر الحافِظ ابن حجر في فتْحِ الباري .. أن من تجارِبٍه في المباهلة أن يظهر أثرها في خلال عامٍ او أشْهر فقال : "
و مما عُرفَ بالتجربة أن من باهَل و كان مبطلاً لا تمضي عليه سنة من يوم المباهلة ، و وَقَعَ لي ذلك مع شخص كان يتعصب لبعض الملاحدة ؛ فلم يقُم بعدها غير شهرين . اهـ ."

ونقول أن ما ذكره ابن حجَر ليْس توقيتا مؤكّداً و فيهِ نص .. بل بناءاً على خبرتِه الشخْصيّةِ .. وليس من الضروري ظهور آية تدل على كذب المبطل في عام او أشْهر ..
فالله يمهل ولا يُهْمِل ... ولعل في التأخير ما يكون قد سبق في عِلْمِ الله أن هذا المُبْطِل كتب الله عليْهِ التوبة , فيتوبُ عليْهِ ليتوب .. وذنْبُ المباهلةِ يُمْكِن غفرانُه إذا شاء الله , لأنه داخِلٌ تحت قول اللهِ تعالى " إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ " ... بل إن هناك بعض الكفار استعمل المباهلة مع نبيه صلى الله عليه وسلم , حيث قالوا : اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَآءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ .. ثم إنه لم ينزل بهم عذاب ألبتة .. قال تعالى " وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ".



أرْدَع وأصَحُّ طُرُق المباهلة:

كلما زادَت المباهلة لتطال أفراداً من خاصةِ أهل المباهِل , فإنها أوقع وأشد على النفْس وأنفع في إظهار الحقِّ , وأولى أن يُباهل الفرد بنفسِه وأهله وخاصّتِه .. فإنّها آكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه .. وعليْهِ فإن أقوى وأرْدَعِ طُرُق المباهلةِ هي ما نصّ عليه القرآن الكريم .. من جمْع أخص الأقارِبِ لتعم اللعنة على المباهِلِ وأهْلِه .. فقد قال تعالى " فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ" .. وكلما كانت المباهلة محققة لشروطِها الصحيحةِ , ومتناسِبةً مع القضِيّةِ المثارة لكانت اقنع وأوقع ... فليس من الحق ان يباهل أحدٌ في قضيّةٍ لا ينبني عليْها معتقدٌ أو تحتمل التأويل ولم يقف أحد الفريقينِ فيها على يقين .



صُوَر من المباهلة والملاعَنة كما جاءت في القرآن الكريم:

وليْست الملاعنة والمباهلة لإظهار الحق مُقْتَصِرة على صورةٍ واحِده .. فللتلاعُنِ صُوَرٌ أخْرى .. مِثْل:

1-المباهلة بتمني الموت : وهي أن يدعو المحاور على نفْسِه بالموت او اللعنة إن كان كاذِباً ..وهذه الصورة كانت في حقِّ اليهود ... فقال تعالى " قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ (95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ".

2- ومِثْل أن يُقْسِم المحاور المدعي على ما عِنْدَهُ من حق ويدعو على نفسه باللعنة إن كان كاذِباً ... ويقسِم النافي على أن المدعي كاذِب , ثم يدعو على نفْسِه بالللعنة إن كان المدعي صادِقاً .. وقد جاء القسَمُ في حقِّ من رمى زوجَتَهُ ولم يكن معهُ شهود بأن يُكرر أربع مراتٍ لتعدل أربع شهاداتٍ والخامسة أن يدعو على نفسِه باللعنة ان كان كاذِباً , ويمتنع الآخر عن القسَمِ أو يقْسِمُ على قسَمِه .. وقد جاء القسَمُ في حقِّ من رمى زوجَتَهُ ولم يكن معهُ شهود " وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ".


3-المباهلة بالتلاعن على النفْسِ وخاصةِ الأهل :وقد جاءت هذه المباهلة بدعوة الأهل من النساء والأبناء والانفس إلى المباهلة .. وكانت هذه المباهلة في حق النصارى .. عندما قدم وفد من نجران فجعلوا يحاجون في عيسى ويزعمون فيه ما يزعمون من البنوة والإلهية : فقال تعالى : " فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ" .. وجاء في صحيح مسلم " َلَمَّا نَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ. دَعَا رَسُولُ اللّهِ عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَحَسَناً وَحُسَيْناً فَقَالَ: اللَّهُمَّ هؤلاء أَهْلِي".

4-مباهلة المبطِلين : فبعض الكفار استعمل المباهلة مع نبيه صلى الله عليه وسلم .. بل هم من بدأوها .. وفيه دلالةٌ أن البادىء بالمباهلة او الداعي إليها لا يعني أنه على الحق .. حيث قالوا : ( اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَآءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) ..



وهل يُقْبَل دعوة المخالِف للمباهلة في كل حال ؟!!

وأهل الحق ليسوا بحاجة إلى المباهلة لكي ينْدفِعوا إليها , ويقبلوا على مباهلة كل من هبّ ودبّ .. بل عليْهِم قبل التوجه الى هذه المرحلة ان يمروا بمراحل سابِقة .. واجِبٌ أكْبر من ذلِك ... ومن أولى هذه المراحِلُ هي دعوةُ المخالِفِ بالرفق واللين والعلم .. وعليْهِم أن يحْفظوا هيبة المباهلة وحقها وأن يصْرِفوها إلى رؤوس الجهْلِ وأساطينِه ممن أقيمت عليهم الحجة فعاندوا وجادلوا .. وأما ان يُطالِبَ بعض الجاهلين بمباهلة كل من هبّ ودبّ .. فهذا قله فِقْهٍ وعِلْمٍ... وقد ينساق بعض الجهال خلْفَ بعْض المفتونين من أهلِ الباطِلِ حينَ يراهُ يدعو للمباهلة .. ويرى أن علماء الحق لم يدْعو إليْها .. فليْس في هذا تعطيل للمباهلةِ , كما أن السبْق إليها ليْسَ دليلاً على الحق او الحجة .. بل ربما السبْق إلى المباهلة أو الإنسياق خلف دعاتها من أهل الباطل , لهو دليل على الطيْش والرعونة وعدم الإحتكام إلى الحق وإنما إلى هوى النفس .. ولنا في رسول الله اسوةٌ حسنة .. فمن كل من كذبه لم نجِده أقام المباهلاتِ عند كل معاندةٍ او مكابرةٍ .. ولم نجِدْهُ اختار اليها جُهّال القوم .. وإنما باهل رؤوس الكُفر من نصارى نجْران بعد ان أقام عليْهِمث الحجّة .. فامتنعوا .



وأخيراً يجِب أن نُبيِّنَ مراتِب الحوار مع أهلِ الكِتاب :

1-مرتبةُ الدعوةِ إلى الله : وهي معلومة بشروطِها وآدابٍها ومستفاض الحديثُ عنها في هذا المنتدى المبارك.. ودليلها قوله تعالى " ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" ... وقوله تعالى " قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شيئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ "

2-مرتبة المجادَلةِ : ودليلها قوله تعالى " ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" ... وقال تعالى "وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إَِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ"

3- مرتبةُ المباهلة: ودليلها قوله تعالى " فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ونساءنا ونساءكم وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ"


4- مرتبةُ المفاصلة (البراءة ) في نهاية الحوار : فبعد ان يُعْرِض المعانِدُ , ويتولى عن الحق, فإن على المحاور المسْلِمِ أن يختم الحوار بالبراءة من معتقد الكافر , وأن يُشْهِدهم على إسْلامِهِ ... ودليلها قوله تعالى : " فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ" ويقول تعالى : " قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ 6" ... وقال تعالى " فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ".


ويصِح العودة إلى الدعوة بعد انقِضاء المباهلةِ وقبل المفاصَلةِ
.. مرة أخرى .. وذلِك يستبين ويتضِح من الآيات الكريمة التي تلت آية المباهلة والتي جاء فيها قوله تعالى " قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ"




والمباهلات على أرْض الواقِع او في الحوارات المباشِرة ضرورة ومنهج الهي , يجِب اتباعُهُ طالما جاءَ وقْتُها ومرحلتها .. بعد انتِهاء مرحلةِ الجدل وإقامةِ الحجة .. اما المباهلات في المنتدياتِ الكِتابية على الإنترنت فنادرة جداً جدا, إن لم تكن مستحيلة الحدوث .. ليْس تقصيراً او تعْطيلاً ... ولكِن لأنه يجِب أن تكون المباهلة محكومة بالضوابِطِ الشرْعِيّة .. وأين ستسْتمِع إلى مباهلة المخالف ولعنه وملاعنته ؟؟... ومن هو هذا المخالف المباهِل ؟؟... فضلا عن أن الدعوة للمباهلة على الإنترنت دون قيودٍ وضوابِط ستجعل الكثيرين من المسْتهتِرين قليلي العِلْمِ يستهتِرون بجلالةِ المباهلةِ ويلجاون إليها في كل أمر ورد وشرَد ..


والأمر يحتاجُ تفْصيلاً وتأصيلاً ... والله تعالى أعلم.



بعض أحبتنا زعم بالخطأ فقال: "أنهُ يُمكن البدأ بالمباهلة في بداية الحوار مع اى احد خصوصا في المناظرات" .. وهذا غير صحيح .

إذ لا يصِح المباهلة من غير اهل العلم المعروفين بالورع والتقوى , ولا تصح قبل إقامة الحجة .. وهذا إجْماع ... ومن باهل قبل الحوار فهو ضعيف عن ان يُقيم حجة ومحوِّرٌ لشرع الله مغير لحكمه مسيئاً فهمه .. ومن باهل بعد ان عجِز عن اقامة الحجة وظن أنه أقامها , فقد تعدى على شرْع الله .. والظن لا يعفيه .. لأنه غير مأمور أن يُباهِل إلا أهل العلم والتقوى .. فالمباهلة لا تكون إلا من أهل العلم والمحجّة , وذلِك بعد اقامة الحجة كاملة واضَحة بيِّنَة .. وبعد ان يعمد المعاند الى المكابرة مع الحجة الفالِجة او الإفحام .. ولا يوجد في الإسْلام اي أمر بالمباهلة قبل الحوار أو قبل اقامة الحجة الواضِحة الجلِيّة .. ليس هذا من الإسْلام .. وليس هذا شرع الله... ولقد باهل النبي واعطاهم ثلاثة أيامٍ يحاجُّهُم ويُجادِلونه ..



المَصدَر