رسالة في الرد على شبه منجانا حول صحيح البخاري

تقليص

عن الكاتب

تقليص

Ehab_Ehab1 مسلم اكتشف المزيد حول Ehab_Ehab1
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رسالة في الرد على شبه منجانا حول صحيح البخاري

    اضغط على الصورة لعرض أكبر.   الإسم:	image.png  مشاهدات:	14  الحجم:	853.0 كيلوبايت  الهوية:	824757

    رسالة في الرد على شبه منجانا حول صحيح البخاري




    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
    حضرة الأخ المكرم: أحمد نافع، نفع الله به، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:

    فقد وصلتني رسالتك المتضمنة بعض شبه المستشرق منجانا الطاعنة في صحيح البخاري، وطلبتم الجواب عليها، وقد تلكأتُ قليلاً في الجواب لانشغالي ببعض الأعمال، إلا أني لم أجد بداً من الاستجابة لطلبكم، نصحاً لله ولرسوله ولعامة المسلمين وخاصتهم، وذباً عن الجامع الصحيح للإمام البخاري.. ولما ذكرتم من رغبتكم ترجمةَ ما نكتب إلى اللغة الإنجليزية، فلعله يطلع عليه طالب حق فيهتدي، أومبتغي نَصَف فيسترشد.

    هذا وقد وقفتُ على دراسة منجانا ونُسْخَته تلك منذ زمن طويل، على يد أخينا الشيخ المفضال أبي أحمد نظام يعقوبي البحريني، وفقه الله، فإنه زودني بمصورة من نسخة منجانا من الصحيح وبدراسته عليه، كي أفيد منها في دراساتي عن الصحيح، حيث كنت أشتغل بالمختصر النصيح آنذاك.

    وقبل أن أستعرض ما أورده منجانا أنبه على أمر غفل عنه بعض الباحثين ممن تصدى للرد على المستشرقين وتفنيد شبههم، ألا وهو:

    انَّ عامة من ألَّف أو بحث في شبه المستشرقين فإنه يتناول شبههم شبهةً شُبهة بالتفنيد والإبطال، وهذا أمر حسن، إلا أنَّ الأحسن منه أن يبين منهج المستشرقين الذي يبنون عليه شبههم، ويقدحون منه أباطيلهم، فإذا أبطلنا هذا المنهج وبيَّنَا زيفه وبهرجه أبطلنا ما بُني عليه من شبه واهية، بُنيت على شفا جرف هار من منهج علمي زائف، وكشفنا حقدهم وحسدهم الذي أخبرنا به الباري سبحانه وتعالى في غير آية، كقوله تعالى (حسداً من عند أنفسهم) وأكده النبي صلى الله عليه وسلم في غير حديث.

    وسأشير لك – أخي المكرم- إلى هذا المنهج الذي تبنوه، والسراب الذي اقتفوه في إيراد أباطيلهم، وترويج شبههم، ثم أورد الحق على شبه منجانا بالتفصيل شبهة شبهة لندمغها به، ونزهق باطلها فـ(إن الباطل كان زهوقا)..

    أقول مستعيناً بالله:

    إنَّ منهج المستشرقين في دراساتهم لعلوم الكتاب والسنة: لا يَعْتَبر بمنهج المسلمين في الضبط والرواية والكتابة والتدوين، ولا يأخذ به، وهم يدرسون ويحققون النصوص العربية ويتعاملون مع تراث المسلمين كما يتعاملون مع تراثهم الغربي – مع قلته – وليس للموروث الغربي حظ من الضبط والصيانة، وهم معروفون بالتفريط في حفظ العلم وتزويره وتبديله، كما حكى الله تعالى ذلك عنهم مع كتبهم المنزلة.

    ولذا يتعامل المستشرقون مع النص القرآني أو الحديثي المنقول إلينا بالكتب والدواوين وفق ما وجدوه في مخطوطاته، ولا يولون جانب حفظ الصدر المتمم لحفظ القمطر أي اعتبار.

    وأُرجع سبب جهالتهم بمنهج المسلمين هذا إلى ثلاثة أسباب:
    الأول
    : عدم اطلاع عامتهم على أصول علم الرواية، وآداب الضبط والكتابة، لأنهم يرونها مقدمات غير مهمة، فيقصدون إلى الأمهات- اختصاراً للوقت في البحث والتحصيل - وهم لم يفهموا الأصول المهمة لرواية الكتاب والسنة، ولا طريقة التدوين والحفظ عند المسلمين.
    الثاني: ضعفهم بلسان العرب الذي كتب به التراث الإسلامي، وهو ضعف في العربية إفراداً وتركيباً، ولم يسلم منه أئمتهم وأساطينهم كجولدزيهر ونولدكه وهما من الطبقة الأولى – في حسباني- من المستشرقين علماً واطلاعاً، فكيف بحال منجانا، وهو من طبقة متأخرة.
    الثالث: الحقد الدفين في قلوبهم على الإسلام وعلومه، والحسد على ما أًوْلَت هذه الأمة تُراثها من الضبط والحفظ والصيانة، ولذلك يتعمد بعضهم التزوير، ويجتهد في إخفاء الصحيح، وإن كان الحق الأبلج يأبى إلا أن يظهر على فلتات ألسنتهم، وبين سطور كلماتهم، كما قال المستشرق الحاقد مرجليوث: ليفتخر المسلمون ما شاؤوا بعلم حديثهم..

    وأما ما ذكره منجانا من شبه حول صحيح البخاري، فإنني أقدم بين يدي ذلك بمقدمة فأقول:

    لقد بذل أهل الحديث جهوداً عظيمة في حفظ النص النبوي، واشترطوا لقبول الحديث والحكم بصحته أن يكون راويه حافظاً له، حفظ صدر أو حفظ قمطر، وكان من عادة المحدثين أن يجمعوا بين الحفظين، فيكتبوا أحاديثهم ثم يحفظوها، فإذا أدوا الحديث لم يحدثوا إلاَّ بما يحفظون، ثم جاء علماء النقد فنقدوا هذه الأحاديث، وبينوا المحفوظ منها من الشاذ، فإنَّ الحافظ الضابط قد يهم أحياناً، فبينوا أحاديثه التي وهم فيها، وكذلك الضعيف قد يضبط أحياناً، فبينوا أحاديثه المحفوظة، وعامة ذلك مسطور في كتب الجرح والتعديل وكتب العلل، ومن هاهنا تعددت الألفاظ المصطلحية.

    ثم إنهم صنفوا الحديث في الكتب، فكان المؤلف يحدث بالكتاب من أصله، ويرويه على الناس، ويقصده الناس لسماعه منه، وهذا ما حصل للبخاري فإنه ألف صحيحه في مدة طويلة، حتى التأم له على الصورة التي خرج بها للناس وحدثهم بها، وكان البخاري يحدث بكتابه أينما حل، وقد روينا في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (2/12) عن محمد بن يوسف الفربري أنه قال: سمع كتاب الصحيح لمحمد بن إسماعيل تسعون الف رجل فما بقي أحد يرويه غيري أهـ.

    وهذا وإن كان في إسناده نظر إلا أنه غير مستبعد، فقد بلغت شهرة البخاري وشهرة الفكرة التي جاء بها -وهي الاقتصار على الحديث الصحيح - الآفاق، حتى نفَسَه عليها بعض شيوخه، فضلاً عن أقرانه، فكان البخاري يحدث به في كل مكان، إلى قبيل وفاته بقليل، فمثلا: سمع الراوي محمد بن يوسف الفربري الصحيح من البخاري مرتين، مرة عام 248، في فربر موطن الفربري، وأخرى في بخارا سنة 252، أي قبل وفاة البخاري بأربع سنوات.

    ليس هذا كل ما عند أهل فِرَبر من سماعات للبخاري، فقد روى صاحب تاريخ بخارا -وهو غنجار - عن الكشاني، عن الفربري قال: سمع الجامع من البخاري بفربر في ثلاث سنين، في سنة 253، وسنة 254، وسنة 255. وهذا ذكره ابن نقطة في (التقييد ج1/ص132) بإسناد صحيح.

    وقد أثبتُّ أنَّ البخاري كان يحدث بصحيحه إلى قبيل وفاته، بيسير، وذلك في مقدمة كتاب: المختصر النصيح (ج1/ص46-48). قصدي من هذا أنْ أُبين أنَّ البخاري لم يكن بدعاً من أصحاب الحديث، بل كان يحدث الناس من أصوله، فيكتبون عنه، ثم يقابلون، ويسمعون من لفظه، أو يقرؤون عليه، كعادة أهل الحديث في رواية الحديث، ومن هنا جاءت: الروايات والنسخ عن صحيح البخاري.

    فقد اتصلت الرواية بصحيح البخاري من طرق كثيرة عنه، وقد ذكرتُ في مقدمة المختصر النصيح (1/34) سبع روايات مشهورة، اتصل خبرها بالعلماء، كلها روت الصحيح عن البخاري، واتفقت في الجملة على ما فيه. وهذه الروايات هي: رواية حماد بن شاكر، وأبي طلحة منصور بن محمد بن علي بن قرينة البزدوي، وإبراهيم بن معقل النسفي، وحاشد بن إسماعيل، وطاهر بن محمد بن مخلد النسفي، وأبي الحسن علي بن أحمد الجرجاني، والفربري.
    إلا أنه تبين لي بعد ذلك أن ذكر حاشد بن إسماعيل في الرواة وهم، وكتبت في ذلك مقالا.

    وقد كتب كل واحد من هؤلاء نسخة من صحيح البخاري، ثم لم يلبث أن رواها لتلاميذه، وانتسخوا منها نسخاً لهم، ومن هاهنا جاء تعدد النسخ والروايات عن رواة البخاري.

    إلا أنَّ العلماء – مع تعدد هذه النسخ وكثرتها وانتشارها في أمصار المسلمين – لم يجعلوها على قدر واحد من الثقة والجلالة، وقوة الاعتماد في ضبط النص، بل اهتموا بنسخ مضبوطة متقنة، تميزت عن سائر النسخ بالضبط والصيانة والمقابلة والجمع بين عدة روايات لصحيح البخاري على جهة المقارنة بينها، تماماً كما يفعل المحقق لكتاب من كتب التراث تعددت نسخه، ولا أستطيع أن أبسط القول عن نسخ البخاري في هذه العجالة، لكن لعلك تطالع مثالاً على ذلك ما كتبتُه عن نسخة العلامة الصغاني، بعنوان: "نسخة الإمام الصغاني من صحيح البخاري وقيمتها العلمية"، والمقال منشور في صفحتي على الألوكة، وغيرها، وهذا رابطه:
    http://www.alukah.net/library/0/39186/#ixzz3KOOZtbto

    إلا أنه من المفيد نقل ما ذكرته في أول المقال، حيث قلتُ:
    ثمَّتَ نسخ من صحيح البخاري اشتهرت بأسماء أصحابها فلا يُذكرون إلا بها، وإنما اشتهرت هذه النسخ عما سواها من نسخ الصحيح الكثيرة لصحتها، والثقة بأصحابها، ولقوة الاعتماد على ما فيها.

    وهذه النسخ على نوعين:
    الأول
    : منها ما هو نسخة راوٍ واحد:
    كنسخة أبي زيد المروزي، وهو يروي الصحيح عن الفربري عن البخاري، وكنسخة أبي محمد الأصيلي وهو يروي عن أبي زيد المذكور، وكان عند القاضي عياض تلك النسخة التي بخط الأصيلي واستفاد منها فوائد عظيمة، وكنسخة أبي سهل الحفصي، وهو يروي الصحيح عن الكشميهني عن الفربري عن البخاري، وهو صاحب مجلس سماع صحيح البخاري المشهور، المسمى: بالجمع الكبير في بغداد سنة 465، وقد طالعها الحافظ ابن حجر واستفاد منها في مواضع في شرحه.
    الثاني: ما جمع أصحابها فيها عدة روايات:
    وأقدمها على الإطلاق نسخة أبي ذر الحافظ، حيث جمع في نسخته رواياته عن شيوخه الثلاثة المستملي والحمويي والكشميهني، وكالنسخة اليونينية، وهي من أشهر النسخ التي جمعت عدة روايات للصحيح للمتأخرين.
    إلا أن أحدا من أصحاب هذه النسخ لم يتيسر له الاطلاع على أصل الفربري الذي كان يحدث منه، اللهم إلا الحافظ الصغاني الذي اطلع على هذا الأصل وقابل عليه نسخته، ولذلك فإن نسخة الصغاني تعتبر من أعلى النسخ إسنادا وإن كان صاحبها متأخر الوفاة أهـ.

    وبعد هذه المقدمة المقتضبة نبدأ بنقض ما أورده المستشرق مانجانا شبهة شبهة.

    1-الشبهة الأولى: عدم وجود نسخة من الصحيح بخط البخاري.
    نص كلام منجانا: "كل حديث سواء كان طويلًا أوقصيرًا مبدوء بعبارة: "أخبرنا البخاري قال حدثنا فلان "وفي أي كتاب آخر سوف يستنتج القارئ مباشرًة من هذه الكلمات المبدوء بها كل حديث أنه لم يكن المؤلف نفسه هو الذي كتب الكتاب بل هو أحد تلاميذه، ويؤكد هذه الافتراض أنه في بداية كتاب الصوم يذكر في صفحة 26 ب أسماء الرواة أو المحدثين الذين أخبروا كاتب هذه المخطوطة كأبي زيد محمد بن أحمد المروزي ومحمد بن يوسف الفربري، وهذا الافتراض يتعذر الدفاع عنه لمن يهتم ببحث هذه المخطوطة بعناية، ففى الواقع، كاتب هذه المخطوطة لا يقول "أجازنى شيخي المروزي المجاز
    من الفربري، أن اكتب نص البخاري على طريقة كذا وكذا، ولكنه ببساطة يقدم لنا النص كاملاً مبدوءًا بعبارة: حدثنا المروزي الذي حدثه الفربري أن البخاري حدث فلان.... ولا تتناول المعلومات المنقولة شفهيا بهذه الطريقة سوى ذكر الحقيقة التاريخية، أن البخاري تلفظ بهذه العبارة كما هو مذكور فى المخطوطة
    " أهـ.

    مع اعتذاري أن يحمل كتابي مثل هذا التطامن في لسان العرب، إلا أن من بعض أدواء المستشرقين هو ضعفهم بلسان العرب، وكما قيل من قبل: من العجمة أتيت.

    وقد يفهم من كلامه هذا الطعن في نسبة الكتاب إلى البخاري.
    فإن كان هذا مراده، فإن منجانا يعتمد في زعمه أن الكتاب من تأليف بعض تلامذة البخاري ورود البخاري في نسق إسناد الأحاديث، والرد على ذلك من وجوه:
    1- إن صحيح البخاري مما تواتر عند العامة والخاصة والقريب والبعيد أنه من تأليف البخاري، تواترا يقطع به، ويتسلسل طبقة بعد طبقة، حتى زماننا هذا، ولا ينكر ذلك إلا مكابر للحس، ولكن المستشرقين -وغيرهم من كتاب هذا الزمن- متأثرون بمناهج الفكر الحديث، والتي يشكك بعضها بالمسلَّمات.
    2- إن عادة رواة الكتب والمسانيد أن يذكروا أسانيدهم في أول كتبهم تلك، ولا سيما إذا كانت ملكهم، أو هم من انتسخوها، وهذا المنطق لو طبق لما بقي نسبة كتاب لمؤلف، فينظر في سنن أبي داود مثلا، فيجد الخطابي وأبا نعيم مثلا يقولان: أخبرنا ابن داسة أخبرنا أبو داود، بالكتاب كله، فيقول: ليس هذا من تأليف أبي داود!
    إذن هو من تأليف من؟ هل هو من تأليق الخطابي، أم من تأليف أبي نعيم؟
    ولذا فإن منجانا أُتيَ في هذه من قلة علمه بمنهج المسلمين في رواية الكتب وسماعها.
    3- أن الصحيح كما ذكرتُ له عدة نسخ وروايات، اتصل بنا بعضها، فلو كان الكتاب للفربري مثلا، لما كانت رواية حماد بن شاكر والنسفي لتجيء موافقة له، ولكنها لما جاءت موافقة له وهم من أقران الفربري كان ذلك دليلا على أن الكتاب للبخاري، وليس لراويه.
    4-تعدد الأسانيد من طرق كثيرة إلى البخاري، منها ما هو عن الفربري، ومنها ما هو عن غيره، وهذه الأسانيد مما امتن الله به على هذه الأمة، وليس لأهل الكتاب من الأسانيد لا قليل ولا كثير، فهم لا يفقهون هذه الخصيصة، ولا يعلمون مكانتها، ولذلك قال من قال من السلف: الإسناد من الدين.
    وهذه الأسانيد إلى البخاري متصلة بنا في هذا الزمان ولله الحمد، وللعبد الضعيف كاتب هذه الورقات عوال من الأسانيد يتصل بها بالبخاري، ومن طريقه بسيد الأولين والآخرين، صلى الله عليه وسلم.
    5-أن المسلمين يفرقون من خلال الأسانيد بين الراوي والمؤلف، فالمؤلف هو الشخص الذي تتغير منه الأسانيد، والراوي هو الذي يروي النسخة بإسناد واحد إلى المؤلف، وهذا ما وقع في نسخة منجانا.
    ففي نسخته: أخبرنا أبو زيد محمد بن أحمد، قال حدثنا محمد بن يوسف، قال أخبرنا البخاري، قال حدثنا أبو عاصم.. ثم ساق حديثا..
    ثم في الذي يليه بدأ بقوله:
    أخبرنا البخاري، حدثنا عبدالله بن يوسف..ثم ذكر حديثا..
    ثم في الذي يليه:
    أخبرنا البخاري، حدثنا أحمد بن يونس..
    وهكذا، في بقية الكتاب، ولا يكرر إسناده إلى البخاري إلا في أوائل الكتب، مثل كتاب الحج، كتاب الصيام، وقد يكرره في بطونها أحيانا.
    فالرواية: هي في قوله: أخبرنا أبو زيد محمد بن أحمد، قال حدثنا محمد بن يوسف، قال أخبرنا البخاري..
    علمنا أن هذه رواية أبي زيد عن الفربري.
    والمؤلف: صاحب هذا الجزء هو البخاري، إذ منه تتغير المشيخة.
    ولو لم أكن أعرف النسخة ولا ما هي لما تغير الحكم، ولفرقت بين المؤلف والراوي بهذه الطريقة.
    6-من الأدلة القاطعة بصحة نسبة الكتاب إلى البخاري، ونسخة منجانا على وجه الخصوص، السماعات التي على النسخة، وقد قرأها منجانا بمساعدة الحاقد مرجليوث، وذكرت في مقدمة تحقيق النصيح أنه لم يحسن قراءة السماعات، وأقول الآن كما أنه لم يحسن قراءة السماعات فإنه لم يحسن الاستفادة منها، فإن السماعات عندنا هي بمثابة شهادات العلماء والمسلمين طبقة بعد طبقة على صحة هذا الكتاب، وهي كالخاتم عليه، ولا أريد الإطالة بهذه السماعات، إلا أنها ثابتة في مقدمة المختصر النصيح (1/78-86).
    وفيها يقول العلماء: سمعت هذا الكتاب الجامع الصحيح على فلان بحق روايته عن فلان فيسوقون إسناده إلى المؤلف، وذلك في مجالس عدتها كذا، وصح وثبت في البلدة الفلانية، بتاريخ كذا وكذا.
    وإلى هذا المنتهى في التثبت والضبط.

    وأما إنْ كان مراده أنه لا توجد من صحيح البخاري نسخة بخط البخاري، وبالتالي النسخة التي عنده هي نسخة راو، وليست نسخة من الصحيح، وقد يكون الراوي تصرف بها، فالجواب من وجوه:
    1-لا شك أن البخاري كان يحدث بكتابه هذا مرتباً مؤلفاً على الصورة التي وصلنا
    ، لأنه حدث به في أمصار كثيرة، وبأزمنة مختلفة، ولم يختلف الرواة عنه في مجموع ذلك، فدل على أنَّه ولا شك كان مؤلفاً لديه، ومن المشهور أنه اتخذ وراقاً له يورق عليه كتبه.
    بل كان أحيانا هو يباشر الكتابة بنفسه، مثل ما روى عنه محمد بن يوسف الفربري قال: قال البخاري: ما كتبت في كتاب الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين.
    بل هناك خبرٌ يفيد أن الفربري كان عنده أصل البخاري وكتابه، ومنه كان الناس ينسخون ويقابلون.
    وهو ما ذكره الحافظ ابن حجر في هدي الساري (8): ذكر الإمام أبو الوليد الباجي المالكي في مقدمة كتابه في أسماء رجال البخاري فقال: أخبرني الحافظ أبو ذر عبد الرحيم بن أحمد الهروي قال حدثنا الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المستملى قال: انتسخت كتاب البخاري من أصله الذي كان عند صاحبه محمد بن يوسف الفربري أهـ.
    2-أيحسب منجانا أن نسخته هذه هي الأصل الوحيد لصحيح البخاري في العالم؟ حتى تسمى بنسخة أبي زيد، أم يحسب أن أبا زيد هو الراوي الوحيد عن الفربري، وهكذا الفربري هو الراوي الوحيد عن البخاري؟
    كل هذا لا يكون
    ، فإن نسخته تلك – وهي نسخة سطا عليها من أمصار المسلمين لأنها موقوفة- ليست إلاَّ نسخة من مجموع آلاف النسخ من صحيح البخاري التي تتفق في الجملة على ما فيها من أحاديث.
    ولو أن كل نسخة من نسخ الرواة اختلفت عن النسخة الأخرى لصح ما توهمه منجانا، فإنه قاس رواية الصحيح على رواية الإنجيل، فرأى أن الأناجيل تختلف باختلاف نساخها وأصحابها، ولذلك تنسب الأناجيل إلى أصحابها، فيقال: إنجيل متى، وإنجيل مرقص، وهكذا، وضاع إنجيل الله في هذه النسخ المختلفة، فأجرى منجانا ذلك على رواة ونساخ الصحيح، وظن أن سبيلهما واحد، وشتان ما بينهما، وهذا منهج كبيرهم الذي علمهم الإفك: جولدزيهر، فإنه كثيراً ما يقارن بين رواية القرآن ورواية الأناجيل، على طريقة النصارى، فهو يفهم رواية القرآن من خلال ما يعلمه هو من رواية الأناجيل، ولذا يكثر عنده في كتاب "مذاهب المسلمين في التفسير" –الذي يعده هو أهم كتبه- أن يقول بعد إيراد شبهه على القرآن: وهذا مثل ما عندنا في الإنجيل ونحو ذلك من العبارات، وذلك في الفصل الأول من فصول كتابه آنف الذكر، وهو فصل القراءات القرآنية.
    ولكن رواة البخاري ونساخه يأتلفون ولا يختلفون، ويجتمعون ولا يتباينون، وحسبك أن تنظر في كتاب الصيام من المختصر النصيح – مثلا – حيث قابلت نسخة منجانا على نسخة الأصيلي التي رواها المهلب، لترى كيف تأتلف ولا تختلف، وكيف أنها خرجت من أصل واحد، ومشكاة واحدة.
    3-لو فرضنا أنه لا توجد إلا هذه النسخة التي عند منجانا لما ضر ذلك في نسبة الكتاب إلى البخاري، وأن نسميه بصحيح البخاري، لأن الاعتماد عندنا على الجرح والتعديل، وثقة الراوي الناقل للكتاب، وهو ثقة فيما ينقل، ولكن منجانا لا يعرف منهجية المسلمين في رواية الكتب وفي نقد الرواة.
    4- عادة أهل الحديث -كما أسلفنا- أنهم يملون على الرواة أحاديثهم وكتبهم، فيقرؤونها عليهم، ويروونها عنهم، وتلك صفة القرن الثاني والثالث في رواية الكتب، والبخاري أحد هؤلاء، وهذه منهجية متبعة، وعادة لأهل الحديث.
    وقد ذكرنا ذلك في المقدمة.

    2-الشبهة الثانية: اختلاف أحاديث وأبواب وكتب البخاري.
    قال منجانا: " ميزة تميزت بها هذه المخطوطة عن غيرها: وتنعكس أيضا الاختلافات التي تميز نص هذه المخطوطة مقارنة بما هو موجود في المخطوطات الأخرى في النصوص المطبوعة في الصياغات لصحيح البخاري التي تظهر كمًا كبيرًا من الاختلافات في الألفاظ، وسوف أستشهد بنص باب من أبواب البخاري من كتاب الحج، كما في نقل صحيح البخاري ومذكور في النسخة الموثقة والمشكّلة التي طبعت في القاهرة عام 1345 هـ جانبًا إلى جانب، مع نفس الباب كما هو مذكور في مخطوطتنا، وميزة رابعة ظهرت في هذه المخطوطة وهى أن الكتب تختلف عن الترتيب الموجود فى المخطوطات الأخرى والمطبوع...إلخ".
    أقول: نعم، هناك اختلاف بين روايات ونسخ صحيح البخاري، سببه ما ذكرته، من أن البخاري كان يحدث به في أماكن كثيرة، وليس كل الرواة سمعوه في مجلس واحد، بل يختلف التاريخ والمكان والظروف التي سمع منها رواة الصحيح من البخاري، وما يقال عن رواة الصحيح عن البخاري يقال عن رواتهم.
    ولأضرب لك مثلا: إن الأصيلي والقابسي تزاملا في سماع الصحيح على أبي زيد المروزي، فسمعا منه بمكة سنة 353، وكان القابسي ضريرا، فضبط الأصيلي نسخته، ثم رحل الأصيلي إلى بغداد فسمع الصحيح من أبي زيد مرة أخرى في صفر سنة 359، بعضه بقراءة أبي زيد وبعضه بقراءة الأصيلي.
    وبين هذه السماعات الثلاث فروقات يسيرة.
    ذلك لأن الرواة بشرٌ قد يطرأ عليهم تصحيف خط وكتابة أو تصحيف سماع وأُذن، وذلك في كلمات يسيرة، معروفة عند العلماء، قد ألفوا في ضبطها وبيان الراجح الصحيح منها مؤلفات، وللقاضي عياض في هذا جهد مشكور في كتابه "مشارق الأنوار على صحاح الآثار"، وللحافظ ابن حجر المنتهى في ذلك كذلك.
    ولكن في عبارة منجانا ما يشعر أن الخلاف الشديد هو الأصل، وهذا باطل.
    ولأضرب لك مثالاً في أهم وأكبر فرق بين رواية الأصيلي والقابسي عن أبي زيد المروزي عن الفربري عن البخاري، كي تقيس عليه.
    في حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه في باب: لا يستنجي بروثة، حديث رقم: 156 في الصحيح، ورقم 92 في المختصر النصيح:
    أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الله يَقُولُ: أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَائِطَ، فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ، فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ، وَالْتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْهُ، فَأَخَذْتُ رَوْثَةً فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ، وَقَالَ: «هَذَا رِكْسٌ».
    وَقَالَ أَبُوالحَسَن: «رِجْسٌ» بِالجيمِ
    أهـ.
    أبو الحسن هو القابسي، وهذا هو الخلاف الذي وقع بينهما: أحدهما قال ركس، والآخر رجس، وعلى هذا فقس، فإن عامة الاختلاف بين الرواة في الألفاظ ليس بالجليل، ولكن العلماء على ذلك لم يغفلوه بل بينوه وصوبوه.
    وأما اختلاف كتب صحيح البخاري، فذلك من هذا القبيل، وسببه هو السبب نفسه الذي لأجله اختلفت بعض الألفاظ، فربما جعل بعض الرواة الباب كتاباً فزاد في عدد الكتب، فيقول: كتاب كذا، وهو في نسخة أخرى باب كذا..
    وهذا وقع في أول الصحيح: إذ ثبت في رواية الأصيلي من النسخة التي طالعها ابن حجر قول البخاري: بسم الله الرحمن الرحيم كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    قال الحافظ (في فتح الباري1/8): هكذا في رواية أبي ذر والأصيلي بغير باب وثبت في رواية غيرهما أهـ.
    بينما هو في نسخة المهلب من روايته عن الأصيلي: باب كيف كان بدء الوحي..كما في المختصر النصيح (1/159).
    فيقول قائل: نقصت هذه الرواية باباً كاملا، وزادت تلك بابا كاملا، وحقيقة الأمر أنه نقص كلا نقص، وزيادة في اللفظ لا في الشكل!
    وكذا وقع في آخره، ففي رواية الأصيلي والقابسي عن أبي زيد: قال: كتاب الأسماء، ثم ذكر أبواباً ثم قال كتاب الصفات..، وهو الباب رقم (70)، وأول حديث فيه، رقمه: 2715.
    وهو في غير هذه الرواية كتاب واحد ضم كل هذه الأبواب والأحاديث بالنسق نفسه الذي فرقته رواية الأصيلي والقابسي، فكان ماذا في هذا؟!
    مع أني أقول إن مثل هذا الاختلاف في الكتب قد يكون من تصرف بعض الرواة، ولذا نجد أن الحافظ يستصوب في مثل هذا الخلاف رواية الأكثر، وهذا منهج راجح، ناتج عن فهم ثاقب، وحدس صحيح.
    ومنجانا يتظاهر وكأنه أبو بجدة هذا الاكتشاف، ويطير به في كلمات كبيرة، يعظم هذا الذي وقع عليه، وهكذا شأن المستشرقين، عامتهم يتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور، فإن العلماء المسلمين ذكروا هذا قديماً، وبينوه، وتكلموا على هذا الاختلاف بين النسخ، وفي الأبواب والكتب، بل وفي عدد الأحاديث.
    ولأبي محمد الحمويي أحد رواة الصحيح عن الفربري جزء حققته وطبعته، عد فيه جميع أحاديث صحيح البخاري، وإلى هذا –رعاك الله - المنتهى في الضبط والصيانة.

    3-الشبهة الثالثة: اتهام شروح صحيح البخاري بأنه ليس لهم أصول قديمة.
    قال منجانا: "وقد اطلعتُ على النصوص المطبوعة لهذه الشروح وفوجئت بأنهم لم يكن لديهم النصوص القديمة للصحيح، سوى ما أعده السمعاني وابن عساكر والصغاني واليونيني، ومن المعلوم أنهم غالبًا ما يشيرون إلى الفربري والكشميهني ورواة قدامى آخرين، ولكنهم لم يتوفر لديهم نصاً مكتوباً بأيديهم، ويبدو أنهم تعلموا هذه النصوص فقط على الطريقة التقليدية ومن أعمال محدثين متأخرين مثل أبي ذر وأبي الوقت وغيرهم.
    ومن بين ال 27 شارحًا الذين ذكرهم بروكلمان يحدد تاريخ وفياتهم جميعًا- باستثناء واحدًا منهم- بعد عام 559 هـ، وهى الفترة التي قد استقر خلالها نص البخاري في شكله النهائي تقريبًا على يد أفضل الرواة المحققون الاوائل للنص:وهما أبو ذر وأبو الوقت , ولذلك، يعتبر عملهم من ناحية النقل القديم لنص البخاري ليس له قيمة كبيرة.
    " أهـ.

    وأقول مرة أخرى أُتي منجانا من جهله بنسخ البخاري، وقد عانيتُ كثيراً في فهم هذا الكلام الركيك.
    وأقول: كتبَ الرواةُ عن البخاري نسخهم، وعنها انتسخ الرواة عنهم نسخاً لهم، وربما كان للرجل أكثر من شيخ فيكتب نسخة واحدة، ويضبط في حواشيها اختلاف شيوخه، كحال نسخة أبي ذر التي أشار إليها، فإن أبا ذر سمع الصحيح من ثلاثة عن الفربري، من الحمويي، والمستملي، والكشميهني.
    وكتب عنهم النسخة المشهورة، فجاء الرواة عن أبي ذر فانتسخوا لهم فروعاً عن نسخته الأم، ورووها عنه بعد المقابلة، بعضهم سماعاً وبعضهم قراءة، فنتج عن ذلك فروع لا تقل قيمة عن الأصل، وهي متأخرة نسبياً.
    كنسخة أبي علي الصدفي، فإنها فرع عن رواية أبي ذر الهروي.
    وكنسخة ابن سعادة، فإنها فرع عن رواية أبي علي الصدفي.
    وقد يحيط بالنسخة المتأخرة أمور تجعلها أنفس من مثيلة لها متقدمة، مثل جودة أصولها المنتسخة منها، وقراءات العلماء لها، وسماعاتهم عليها.
    وليس تاريخ النسخة دائماً هو المعول عليه في جودة الأصل، وإنما يعتمدُ على قدم التاريخ المجرد عن أي شيء: النصارى في تقديم نسخ الأناجيل، لأنه ليس لديهم من أصول الضبط والرواية والأسانيد ما عند المسلمين، فكلما وجدوا نسخة أقدم طاروا بها.

    وأما المسلمون فمنهجيتهم في الكتابة والنسخ تختلف.
    مثال ذلك: نسخة اليونيني من صحيح البخاري، وهو الحافظ أبو الحسين علي بن محمد بن الحسين اليونيني، فقد جمعتْ نسختُه المتأخرة (في القرن السابع) عدة روايات، وذكر الذهبي أنَّ اليونيني قابل نسخته تلك في سنة واحدة وأسمعها إحدى عشرة مرة، وقد ضبط رواية الجامع الصحيح وقابل أصله الموقوف بمدرسة آقبغا آص بسويقة العزي خارج باب زويلة من القاهرة المعزية بأصل مسموع على الحافظ أبِي ذرِّ الهروي، وبأصل مسموع على الأصيلي، وبأصل الحافظ مؤرخ الشام أبِي القاسم ابن عساكر، وبأصل مسموع عن أبِي الوقت، وذلك بحضرة الإمام اللغوي النحوي جمال الدين أبِي عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الله ابن مالك الطِّائيِّ الجيِّانيِّ الشِّافعيِّ صاحب الألفية في النحو.

    وقرأ البخاري على ابن مالك تصحيحاً، وسمع منه ابن مالك روايةً، وأملى عليه فوائد مشهورة.
    وهذه النسخة النفيسة طالعها الحافظ ابن حجر واستفاد منها (انظر هدي الساري: 224).
    وكذلك طالع الحافظ نسخة الحفصي وهو متوفى سنة 466 وغيرها.
    مع أن بعض الشراح من رواة الصحيح، وممن توفي في القرن الرابع، كالخطابي مثلاً.

    4-الشبهة الرابعة: نفي نسبة شرح البخاري للخطابي.
    قال منجانا: "والأمر الغريب أن الذهبي الذي يخصص فصلاً مستقلاً عن الخطابي لم يذكر من بين كتبه شرحاً على البخاري ولا حتى السبكي في الفصل المطول الذي ذكره عنه، ولذلك يحتمل أن هذا الشرح تناول فقط بعض فصول صحيح البخاري المتفرقة وغير المنسقة وهو كما رجحنا من قبل ما كان منتشرًا بين العامة في مذاهب الحديث المختلفة ويدعم هذا الافتراض أن صغر حجمه ومحتوياته في مخطوطة القسطنطينية التي تحوي هذا الشرح بالمقارنة مع الحجم الكبير للنص الأصلي للصحيح ولن نستطيع أن نستنتج أهمية هذا الشرح فى تاريخ نقل نص البخاري حتى يتم طبع مخطوط القسطنطينية وتثبت صحتها، ولا تشير المقارنات المذكورة فى هوامش كثير من مخطوطات البخاري إلى أي قراءة من طريق الخطابي ولا حتى التعليقات التاريخية فى بعض المخطوطات قبل نص البخاري لكي تثبت صحتها بأسانيد متصلة أو شبه متصلة، وقد طبع حديثًا له شرحه على سنن أبو داوود فقط (لا على صحيح البخاري) الذي يذكره العديد من العلماء المذكورين آنفا" أهـ.

    أقول: لم أفهم الترجمة جيدا، إلا أن شرح الخطابي على صحيح البخاري قد طُبع في رسالة علمية في جامعة أم القرى، سنة 1408هـ، 1988م بتحقيق: محمد بن سعد بن عبدالرحمن آل سعود، واسمه: أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري.

    نعم لم يذكر له الذهبي شرح صحيح البخاري في ترجمته، لكنه لم ينف أن يكون ألفه، فإنه ترجمه في السير والتاريخ والتذكرة وسمى لها كتابا أو كتابين ثم قال: وله مصنفات أخرى..

    وقد ذكر هذا الشرح في مصنفات الخطابي من هو أقدم من الذهبي، بل ورواه بإسناده، وهو الحافظ ابن خير الإشبيلي (المتوفى سنة 575هـ) فإنه قال في فهرسته (ص170): كتاب الْأَعْلَام فِي شرح كتاب البُخَارِيّ لأبي سُلَيْمَان حمد بن مُحَمَّد الْخطابِيّ رَحمَه الله وَكتاب المعالم فِي شرح كتاب السّنَن لأبي دَاوُد السجسْتانِي رَحمَه الله من تأليفه أَيْضا، وَكتاب تَفْسِير الْأَدْعِيَة المأثورة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من تأليفه أَيْضا، حَدثنِي بذلك كُله الشَّيْخ أَبُو بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن ظَاهر رَحمَه الله قَالَ حَدثنَا أَبُو عَليّ حُسَيْن بن مُحَمَّد الغساني رَحمَه الله قَالَ كتب إِلَيّ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو الْقَاسِم عبد الله ابْن طَاهِر الْبَلْخِي التَّمِيمِي من بَغْدَاد يُخْبِرنِي بهَا عَن أبي الْحُسَيْن عبد الغافر بن مُحَمَّد بن عبد الغافر عَن أبي سُلَيْمَان حمد بن مُحَمَّد الْخطابِيّ رَحمَه الله..
    وحَدثني بهَا أَيْضا الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بن عتاب رَحمَه الله إجَازَة قَالَ حَدثنَا أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن أبي بكر السفاقسي رَحمَه الله إجَازَة أَيْضا عَن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الْملك الْحَافِظ الْفَسَوِي عَن أبي سُلَيْمَان الْخطابِيّ مؤلفها رَحمَه الله
    أهـ.
    وفي هذا كفاية لإثبات نسبة الكتاب إلى الخطابي إن كان قصد منجانا نفيها عنه، بحسب ما فهمت من الكلام أعلاه.
    مع العلم أن منهج الخطابي في شروحه هو الاقتضاب والاختصار، والاقتصار على المشكل، من ضبط لفظ وكشف مهمل، وبيان مجمل، وشرح فقه الحديث.

    5-الشبهة الخامسة: الالحاقات في صحيح البخاري.
    في الجزء الثالث من دراسته، كتب منجانا: "ولكن على حد علمي ليس هناك أي لفظ يشير إلى وجود وثيقة مكتوبة بخط يد هذا الراوي...وثمة نقطة هامة أخرى ينبغي الانتباه لها هنا وهي أنه كان هناك العديد من الأقوال الشفهية للفربري، الذي كان قد رأى البخاري وسمع منه، تلقاها كل من تلاميذه المروزي والكشميهني وانتقل عن طريقهم إما مكتوبًا أو شفهيًا إلى المحدثين ممن بعدهم وقد لفتنا الانتباه إلى ثلاثة روايات شفهية اثنان من النص المطبوع وواحدة من المخطوطة الحالية..ثم قام رواة متأخرون بدمج هذه الأقوال الشفهية للفربري داخل نص الصحيح نفسه وبهذا يحوي كثيراً من الألفاظ التي لم تنشأ عن البخاري نفسه، بعض هذه الألفاظ يحتمل أنها كتبت بواسطة بعض الرواة القدامى على الملاحظات الهامشية في النص والتي يحتمل أنها تجسدت مؤخرا في نص الصحيح عن طريق رواة متأخرون كثر مثل أبي ذر وأبي الوقت، وبخصوص المخطوطة التي نحن بصددها يشير الكاتب إلى أقوال شفهية للفربري على أنها أقوال مأثورة طارئة على نص البخاري ومع ذلك تُدمج كثيراً من المخطوطات الحديثة أقوال الفربري على أنها جزء من نص البخاري (الأصلي) تحت كنية الفربري ( أبو عبد الله) بدون تفسير لذلك وربما لم يكن النساخ على دراية بأيهما كان هو أبو عبد الله، ويحتمل أنه كان أحد المصادر الشفوية للبخاري نفسه وترك الأمر إلى المحققين النقاد والشراح للصحيح مثل السمعاني وبالأخص العسقلاني لإتمام عملية التمييز في نصوصهم بين الألفاظ الأصلية التي هي من البخاري وبين الإقحامات المزيفة التي أدخلت فيه على شكل تعليقات شفوية للرواة الأوائل " أهـ.

    أُتي منجانا أيضا من قبل منهجه الذي يتبعه في النقد، القائم على التشكيك، وضرب الفرضيات الجدلية، ومن قبل جهله بمنهج المسلمين في الضبط.

    والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
    الأول
    : الإلحاقات والتهميشات لها آداب عند النساخ والرواة، يعرفها أهل الحديث، ويميزون ذلك، ويذكرون قواعدها في كتب المصطلح.
    فما يذكره الرواة والنساخ من زيادات على الأصل يسميه العلماء: التخريج، ويكون بخط مختلف، وفي حواشي الكتاب.
    ولو طالع منجانا أي كتاب من كتب أصول الرواية ثم عرض ما قرأ على النسخة التي بين يديه لوجد مصداقها، ولانحلت له هذه الشبهة الافتراضية.
    قال التقي ابن الصلاح في (معرفة علوم الحديث، المشهور بمقدمة ابن الصلاح ص196) في النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرينَ: فِي كِتَابَةِ الْحَدِيثِ، وَكَيْفِيَّةِ ضَبْطِ الْكِتَابِ، وَتَقْيِيدِهِ، ما نصه:
    وَأَمَّا مَا يَخْرُجُ فِي الْحَوَاشِي - مِنْ شَرْحٍ، أَوْ تَنْبِيهٍ عَلَى غَلَطٍ، أَوِ اخْتِلَافِ رِوَايَةٍ، أَوْ نُسْخَةٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، مِمَّا لَيْسَ مِنَ الْأَصْلِ - فَقَدْ ذَهَبَ الْقَاضِي الْحَافِظُ عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ لِذَلِكَ خَطُّ تَخْرِيجٍ، لِئَلَّا يَدْخُلَ اللَّبْسُ، وَيُحْسَبَ مِنَ الْأَصْلِ، وَأَنَّهُ لَا يُخَرَّجُ إِلَّا لِمَا هُوَ مِنْ نَفْسِ الْأَصْلِ، لَكِنْ رُبَّمَا جَعَلَ عَلَى الْحَرْفِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ التَّخْرِيجِ عَلَامَةً كَالضَّبَّةِ، أَوِ التَّصْحِيحِ إِيذَانًا بِهِ.
    قُلْتُ: التَّخْرِيجُ أَوْلَى وَأَدَلُّ، وَفِي نَفْسِ هَذَا الْمُخْرَجِ مَا يَمْنَعُ الْإِلْبَاسَ، ثُمَّ هَذَا التَّخْرِيجُ يُخَالِفُ التَّخْرِيجَ لِمَا هُوَ مِنْ نَفْسِ الْأَصْلِ فِي أَنَّ خَطَّ ذَلِكَ التَّخْرِيجِ يَقَعُ بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَيْنَهُمَا سَقَطَ السَّاقِطُ، وَخَطُّ هَذَا التَّخْرِيجِ يَقَعُ عَلَى نَفْسِ الْكَلِمَةِ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا خُرِّجَ الْمَخْرَجَ فِي الْحَاشِيَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    الثَّانِيَ عَشَرَ: مِنْ شَأْنِ الْحُذَّاقِ الْمُتْقِنِينَ الْعِنَايَةُ بِالتَّصْحِيحِ، وَالتَّضْبِيبِ، وَالتَّمْرِيضِ.
    أَمَّا التَّصْحِيحُ: فَهُوَ كِتَابَةُ (صَحَّ) عَلَى الْكَلَامِ، أَوْ عِنْدَهُ، وَلَا يُفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا فِيمَا صَحَّ رِوَايَةً وَمَعْنًى، غَيْرَ أَنَّهُ عُرْضَةٌ لِلشَّكِّ، أَوِ الْخِلَافِ، فَيَكْتُبُ عَلَيْهِ (صَحَّ) لِيُعْرَفَ أَنَّهُ لَمْ يُغْفَلْ عَنْهُ، وَأَنَّهُ قَدْ ضُبِطَ وَصَحَّ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ.
    وَأَمَّا التَّضْبِيبُ، وَيُسَمَّى أَيْضًا التَّمْرِيضَ، فَيُجْعَلُ عَلَى مَا صَحَّ وُرُودُهُ كَذَلِكَ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ، غَيْرَ أَنَّهُ فَاسِدٌ لَفْظًا، أَوْ مَعْنًى، أَوْ ضَعِيفٌ، أَوْ نَاقِصٌ، مِثْلُ: أَنْ يَكُونَ غَيْرَ جَائِزٍ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةُ، أَوْ يَكُونَ شَاذًّا عِنْدَ أَهْلِهَا يَأْبَاهُ أَكْثَرُهُمْ، أَوْ مُصَحَّفًا، أَوَيَنْقُصَ مِنْ جُمْلَةِ الْكَلَامِ كَلِمَةً، أَوْ أَكْثَرَ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَيُمَدُّ عَلَى مَا هَذَا سَبِيلُهُ خَطٌّ، أَوَّلُهُ مِثْلُ الصَّادِ، وَلَا يُلْزَقُ بِالْكَلِمَةِ الْمُعَلَّمِ عَلَيْهَا، كَيْلَا يُظَنَّ ضَرْبًا، وَكَأَنَّهُ صَادُ التَّصْحِيحِ بِمَدَّتِهَا دُونَ حَائِهَا، كُتِبَتْ كَذَلِكَ لِيُفَرِّقَ بَيْنَ مَا صَحَّ مُطْلَقًا مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَبَيْنَ مَا صَحَّ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ دُونَ غَيْرِهَا، فَلَمْ يُكْمَلْ عَلَيْهِ التَّصْحِيحُ، وَكُتِبَ حَرْفٌ نَاقِصٌ عَلَى حَرْفٍ نَاقِصٍ إِشْعَارًا بِنَقْصِهِ وَمَرَضِهِ مَعَ صِحَّةِ نَقْلِهِ، وَرِوَايَتِهِ، وَتَنْبِيهًا بِذَلِكَ لِمَنْ يَنْظُرُ فِي كِتَابِهِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ وَقَفَ عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّ غَيْرَهُ قَدْ يُخَرِّجُ لَهُ وَجْهًا صَحِيحًا، أَوْ يَظْهَرُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ الْآنَ. وَلَوْ غَيَّرَ ذَلِكَ وَأَصْلَحَهُ عَلَى مَا عِنْدَهُ لَكَانَ مُتَعَرِّضًا لِمَا وَقَعَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَجَاسِرِينَ، الَّذِينَ غَيَّرُوا وَظَهَرَ الصَّوَابُ فِيمَا أَنْكَرُوهُ، وَالْفَسَادُ فِيمَا أَصْلَحُوهُ..
    وَمِنْ مَوَاضِعِ التَّضْبِيبِ: أَنْ يَقَعَ فِي الْإِسْنَادِ إِرْسَالٌ، أَوِ انْقِطَاعٌ، فَمِنْ عَادَتِهِمْ تَضْبِيبُ مَوْضِعِ الْإِرْسَالِ، وَالِانْقِطَاعِ، وَذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ مِنَ التَّضْبِيبِ عَلَى الْكَلَامِ النَّاقِصِ.
    وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ أُصُولِ الْحَدِيثِ الْقَدِيمَةِ فِي الْإِسْنَادِ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ جَمَاعَةٌ مَعْطُوفَةٌ أَسْمَاؤُهُمْ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ عَلَامَةٌ تُشْبِهُ الضَّبَّةَ فِيمَا بَيْنَ أَسْمَائِهِمْ، فَيَتَوَهَّمُ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ أَنَّهَا ضَبَّةٌ وَلَيْسَتْ بِضَبَّةٍ، وَكَأَنَّهَا عَلَامَةُ وَصْلٍ فِيمَا بَيْنَهَا، أُثْبِتَتْ تَأْكِيدًا لِلْعَطْفِ، خَوْفًا مِنْ أَنْ تُجْعَلَ " عَنْ " مَكَانَ الْوَاوِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
    ثُمَّ إِنَّ بَعْضَهُمْ رُبَّمَا اخْتَصَرَ عَلَامَةَ التَّصْحِيحِ فَجَاءَتْ صُورَتُهَا تُشْبِهُ صُورَةَ التَّضْبِيبِ، وَالْفِطْنَةُ مِنْ خَيْرِ مَا أُوتِيَهُ الْإِنْسَانُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    الثَّالِثَ عَشَرَ: إِذَا وَقَعَ فِي الْكِتَابِ مَا لَيْسَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُنْفَى عَنْهُ بِالضَّرْبِ، أَوِ الْحَكِّ، أَوِ الْمَحْوِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَالضَّرْبُ خَيْرٌ مِنَ الْحَكِّ وَالْمَحْوِ
    أهـ.

    وإنما سقت هذا بطوله لعرض جانب من أصولهم ومناهجهم رحمهم الله في التدوين.
    فهل وعى منجانا وأصحابه هذه النصوص، وهل اطلعوا عليها.
    ففي نسخة منجانا من هذه الأمور التي ذكرها التقي ابن الصلاح الشيء الكثير، إذ فيها لحق وتخريج وتصحيح، ولا تكاد تخلو منها صفحة.

    2-على فرض انعدام قواعد الضبط
    المذكورة أعلاه عند المسلمين فإن ما افترضه منجانا ممتنع، وذلك لأن صحيح البخاري لم يتفرد الفربري بروايته عن البخاري كي نقع في هذا اللبس الذي لا سبيل لكشفه، بل بمقارنة رواية الفربري مع رواية غيره تظهر زياداته تلك.
    3-ذكر العلماء في ترجمة الفربري ما له من زيادات نص هو عليها، ورواها عنه أصحابه، بل ميزوا زياداته تلك في أي رواية عنه.
    مثلا قال الذهبي في ترجمة الفربري (في سير أعلام النبلاء 15/12): وَقَدْ عَلَّى فِي أَوَائِل (الصَّحِيْح) حَدِيْثَ مُوْسَى وَالخَضِر، فَقَالَ: حدثنَاهُ عَلِيُّ بنُ خَشْرَم، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَهَذَا ثَابِت فِي رِوَايَة ابْن حَمُّوَيْه دُوْنَ غَيْرهِ اهـ فهذا من زياداته.
    4-هذه الزيادات قليلة جداً، وعامتها في تعيين مهمل، أو رواية كلمة سمعها من البخاري خارجة عن الحديث.

    فهذا ما تيسرت كتابته في الرد على شبه منجانا، وبعض ما ذكرناه لو بسطناه لكان في مجلد، ولكن حسبك من القلادة ما أحاط بالعنق، والله الموفق، والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه.

    وكتبه: أحمد بن فارس السلوم، غرة صفر، عام 1436هـ
    التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 15 مار, 2021, 07:35 م.

مواضيع ذات صلة

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 29 يول, 2021, 12:23 ص
رد 1
44 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة *اسلامي عزي*
بواسطة *اسلامي عزي*
 
ابتدأ بواسطة Ehab_Ehab1, 18 فبر, 2021, 07:48 ص
ردود 0
895 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة Ehab_Ehab1
بواسطة Ehab_Ehab1
 
ابتدأ بواسطة Ehab_Ehab1, 18 فبر, 2021, 06:48 ص
ردود 0
190 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة Ehab_Ehab1
بواسطة Ehab_Ehab1
 
ابتدأ بواسطة Ehab_Ehab1, 18 فبر, 2021, 06:10 ص
ردود 0
462 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة Ehab_Ehab1
بواسطة Ehab_Ehab1
 
ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 8 فبر, 2021, 01:31 ص
ردود 0
33 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة *اسلامي عزي*
بواسطة *اسلامي عزي*
 
يعمل...
X