الاخلاق ورفد القانون (21)

تقليص

عن الكاتب

تقليص

Shebl Al Saqar مسلم اكتشف المزيد حول Shebl Al Saqar
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الاخلاق ورفد القانون (21)

    سلسلة نقد المذهب الربوبي (21):

    الأخلاق ورفد القانون :

    ولقائل أن يقول: إنّ القوانين الوضعيّة كفيلة في حال تطبيقها بضبط الإنسان والحدّ من نزعته العدوانية، والرقابة والمحاسبة القضائية في هذا المجال تكفي لضمان تطبيق تلك القوانين، فلا موجب للحديث عن الأخلاق وعن الرقابة الإلهية، فحديث الأخلاق والروح والرقابة الإلهية هو حديث الشعوب غير المتحضرة والتي تتراجع فيها سلطة القضاء والقانون، وتسودها شريعة الغاب، فيراد التخفيف من عدوانية الإنسان فيها ومن وحشيته، وذلك بصياغة منظومة أخلاقية توصي بالتزام الأخلاق النبيلة.

    والجواب:
    إنّ الذين تعاملوا مع الإنسان بهذه الطريقة جنوا على البشرية، وجرّوا عليها الويلات. إنّ تجويف الإنسان من البعد الروحي والأخلاقي حوّل الإنسان إلى ما يشبه الآلة الجامدة والوحش الكاسر الذي همّه «الأنا» وتأمين مصالحه ولو على حساب أوجاع الآخرين.

    إنّنا لا نضع الأخلاق بديلاً عن القانون، وإن كنا نتطلع إلى عالم يسوده الخلق السوي ولا يعود الإنسان فيه بحاجة إلى الرقابة القانونية، ولكنّ هذا أشبه بالحلم في أن نعيش في مدينة ملائكية فاضلة؛ لأننا عندما نتحدّث عن الإنسان فنحن نتحدّث عن عالم تتشابك فيه المصالح والمبادئ، وتتصارع فيه النفس اللوامة مع النفس الأمّارة، وتتزاحم فيه الغرائز والعواطف، وكثيراً ما ينتصر الحقد على الحبّ، وتنتصر الغريزة على العقل، وتتقدّم المصالح على المبادئ، وتلتهم الغرائز إنسانيّة الإنسان وتحوله إلى وحش كاسر يفتك دون رحمة ويقتل دون
    إحساس أو شعور بالذنب. ومن هنا تنشأ حاجتنا إلى القانون الذي ينظّم ويحاسب ويحاكم، وحاجتنا إلى النظام الذي يحكم بالعدل ويمنع التعدي ويأخذ على يد الظالم والمجرم والمفسد، ولا شكّ أنّ صرامة القانون ستساهم في إيجاد قوّة ردعٍ كبيرة في النفوس، وبذلك تحصل العبرة ويتعظّ الكثيرون من ذوي النوايا الإجرامية، وبهذا الاعتبار أو اللحاظ يكون القانون بما في ذلك قانون العقوبات رغم قسوته مظهر رحمة بالإنسانية، إذ لولاه لساد الهرج والمرج وعمّت الفوضى، فمبدأ المحاسبة أو نظام العقوبات هو لحماية الحياة الإنسانيّة وحفظ استقرارها،
    وهذا ما أشارت له الآية المباركة، وهي قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [البقرة – 179]، فمحاسبة الفرد على إجرامه لا ترمي إلى التشفّي أو الانتقام منه، وإنّما تهدف إلى إصلاحه وتأديبه من جهة، وإصلاح وحماية المجتمع من جهة أخرى.

    هذه هي فلسفة القانون ومبرّر وجوده، بيد أنّ ذلك على أهميته لا يفقد القيم الأخلاقيّة وعلى رأسها قيم الحبّ والعفو والتسامح وغيرها أهميتها في المجال الاجتماعي والإنساني، شريطة أن نعمل على تحويل هذه القيم إلى ثقافة عامة نبشّر بها ونربي الأجيال عليها، وهذا سوف يساعد على تحقيق الغاية التي من أجلها وضعت القوانين وسُنت الدساتير والشرائع، وهي تحقيق الانتظام والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي؛ إنّ مفعول قيمة المحبّة - إذا أحسنّا تربية الأجيال عليها - هو أقوى من كلّ القوانين وأبلغ أثراً من كلّ القرارات، فالقوانين
    بإلزاميتها وقسوتها وصرامتها تستطيع أن تحاسب المعتدي وتقتصّ من المجرم أو تزجّه في السجون، لكنّها لن تملك أن تصنع منه إنساناً فاعلاً ينبض بالحبّ والعاطفة، إنساناً مشاركاً في صنع الحياة. القانون - ولو كان عادلاً - لا يعرف العاطفة ولا الرحمة، وإن كان مبدأ العقوبة هو مظهر رحمة بالإنسانية كما أسلفنا، أمّا قيمة الحبّ - عنيت بذلك حبّ الإنسان للإنسان وحبّه للخير وللجمال - إذا ترجمناها إلى ثقافة عامة نبشّر بها وجسّدناها في سلوكنا وسلوك مَنْ حولنا وحوّلناها إلى نماذج تحتذى وتقتدى، فإنّها ستخترق كلّ الحواجز والسدود وستخفف من
    الظلم والتعدّي والجريمة، فتكون بذلك صنواً للقوانين والتشريعات ومكمّلة لها، بل إنّها قد تلغي الحاجة إليها في الكثير من الأحيان، لأنّ المتحابيْن في الله أو في الإنسانية لن يسمحا لخلافهما في أيّ أمر من الأمور أن يتحوّل إلى صدام واحتراب.

    إنّنا نحتاج ونحن في زمن تتقدم فيه الأحقاد إلى قيمة الحبّ، لا لأنّها تُخفِّف من حالات التحاكم إلى القانون والقضاء فحسب، بل نحتاج إليها حتى بعد تطبيق القانون وبعد الترافع إلى القاضي وصدور الحكم. فإنّ صرامة القانون وشدّته قد تُنَمِّي الأحقاد في النفوس وتجعل الشخص الذي طاله سيف القانون يفكر بالانتقام ويخطط له، ومن هنا نجد أنّ الكثيرين من الناس الذين يُحكمون قضائياً بدخول السجون يخرجون منها بعد انتهاء محكوميتهم وهم أكثر إجراماً وعدوانيّة، ولهذا يكون من الضروري والملحّ العمل على إصلاح السجناء وفْقاً لبرنامج تربويّ
    هادف، لا تركهم في حالة مزرية، لتكون النتيجة ما هي عليه الحال في الكثير من السجون في بلداننا والتي يدخلها الشخص بسبب جنحة صغيرة ويخرج منها مجرماً محترفاً!

    وإننا على يقين بأنّ رسالة الدين هي رسالة حبّ لا رسالة كراهية أو حقد، وأنّ من أهمّ القيم التي بشّر بها الأنبياء هي قيمة الحب، بالرغم من كون هذه القيمة أصبحت غائبة عن قاموسنا كما هي غائبة عن مجتمعات المتدينين!.

    ومن جهة أخرى، فإنّ منْ ينبض قلبه بالحبّ، حبّ الله وحبّ الإنسان، لن يتصرّف مع من يعتدي عليه أو يظلمه من منطلق التشفّي أو الانتقام ولو قدر عليه وتمكّن منه، بل سيسمو به الحبّ ليعفوَ ويسامح، فالعفو عند المقدرة شيمة الكرام، والتشفّي والانتقام ولو من الظالم هو شيمة اللئام.لهذا كانت النبوّة من أصول الدين.

    وإذا كانت النبوّة قد مثّلت - كما سلف - استجابة وتلبية لاحتياجات الإنسان، وكان لها هذا الدور الكبير في بنائها فرداً ومجتمعاً، وقامت بهذه الوظيفة العظيمة في هدايته وإرشاده، كان من الطبيعي أن تكون أصلاً من أصول الدين، ويتوقف الانتساب إلى الدين على الإيمان بها.

    إنّ الإيمان بالنبوة يعني حكماً بناء تصورنا عن الحياة وتحديد مواقفنا وسلوكياتنا فيها على ضوء ذلك الإيمان. ومن هنا فإننا نعتقد أنّ للإيمان كيمياءً خاصة، وهو ليس مجرد طقوس جوفاء وفارغة من الروح والمعنى، إنّ الإيمان الحقيقي لا بدّ أن يحدث تغييراً شاملاً وتاماً في حياة الإنسان وبنائه الثقافي في تصوراته وسلوكه وعلاقاته ومشاعره، فكل ذلك لا بدّ من صوغه على ضوء الاعتقاد بالنبوّة، قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ
    رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة –285].

    ونظير هذه الآية قوله تعالى: {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [آل عمران – 84].

    ونلاحظ أنّ الآية الأولى أكّدت على لزوم الإيمان بالرسل، والثانية على ضرورة الإيمان بما أُنزل على الرسل، واشتركت الآيتان في عدم جواز التفريق بين الأنبياء، فإيماننا بهم لا يصحُّ تجزئته، فالجميع رسل الله أو أنبياؤه ولا يحق لنا أن ننكر أحداً منهم، أو نأخذ منه موقفاً سلبياً حتى لو كان أتباع هذا النبي ظالمين منحرفين، وقد عدّت بعض الآيات التفريق بين الرسل كفراً، قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا} [النساء - 150].

مواضيع ذات صلة

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
ابتدأ بواسطة الراجى رضا الله, منذ 15 ساعات
رد 1
6 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة الراجى رضا الله  
ابتدأ بواسطة Mohamed Karm, 7 فبر, 2023, 06:09 ص
ردود 0
126 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة Mohamed Karm
بواسطة Mohamed Karm
 
ابتدأ بواسطة ARISTA talis, 2 ديس, 2022, 01:54 م
ردود 0
67 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة ARISTA talis
بواسطة ARISTA talis
 
ابتدأ بواسطة عادل خراط, 21 نوف, 2022, 03:22 م
ردود 25
154 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة عادل خراط
بواسطة عادل خراط
 
ابتدأ بواسطة The small mar, 18 نوف, 2022, 01:23 ص
ردود 0
93 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة The small mar
بواسطة The small mar
 
يعمل...
X