التجريب العقلى واستخدامه للوصول الى الحقيقة

تقليص

عن الكاتب

تقليص

ابن النعمان مسلم اكتشف المزيد حول ابن النعمان
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التجريب العقلى واستخدامه للوصول الى الحقيقة

    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
    التجريب العقلي
    التجريب العقلي . واللعب الفكري . والتحريك الفكري
    يمكن الوصول الى حقائق الاشياء او على الاقل تحريها او فهمها بتكوين رؤية اشمل او ابراز بعض الحقائق التى تساعد على ذلك عن طريق التجريب العقلى بجانب اللعب والتحريك الفكرى فمثلا على سبيل المثال اذا كان الامر متعلق بالبحث فى حقيقة العدل لمعرفة ما اذا كان اعتقاد النصارى فيما يتعلق بحمل البشر لخطيئة ابيهم هل هو داخل فى اطار العدل ام لا . يمكننا ان نتصور
    الافتراضات التالية المتعلقة بالحكم ذاته والمحكوم تحت مفهوم و عنوان التجريب العقلى واللعب والتحريك الفكرى
    الافتراض الاول
    اذا كان هذا الحكم عادل فما الحكم افتراضا لو كان ظالم
    الافتراض الثانى
    واذا كان هذا الحكم ظالم فما الحكم افتراضا لو كان عادل
    وان قيل يمكن ان يكونليس هناك مجال للتصورات المقابلة فقد يكون الفعل المتاح لدى لا يحقق الا العدل فقط فكيف اتصور الفعل المتعلق بالظلم وليس له مجال نقول اذا قيل ذلك فانه سوف يدل على غباء القائل غير المتناهى لانه لو لم يكن لديك مجالا الا لفعل واحد هذا الفعل يحقق شىء ما فان امتناعك عن فعله سوف يحقق المقابل لهذا الشىء وبذلك يصبح لدينا كل التصورات فلا سبيل للمماطلة او الجدال فمثلا الامتناع عن تطبيق العدل ظلم بلا اى جدل أو شك
    ومن ناحية اخرى اذا كان هناك عدل فطبقا لحل تكافل الوجود يجب ان يكون هناك ظلم والعكس صحيح ((راجع كتاب حقائق الاسلام واباطيل خصومه) فمن الطبيعى ان يكون لكل شىء ضد يعطيه المعنى والفضل والذوق فلا يمكن لإنسان ان يشعر بطعم الراحة الا اذا ذاق مرارة التعب قال تعالى (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) الاية 49 من سورة الزاريات فقوله ( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ) اى المتضادات كالكفر والإيمان، والشقاوة والسعادة، والهدى والضلالة، والليل والنهار، والسماء والأرض، والإنس والجنّ والشياطين والملائكة والظلمة والنور (من تفسير الطبرى ).

    ثانيا ما يتعلق بالمحكوم
    وفيها نضع مسائل افتراضية متعددة ومختلفة تحت نفس العنوان تمكنا من الوصول الى رؤية موضوعية و شاملة عن مفهوم العدل نربطها بالحكم الذى تم تطبيقه وعن طريق النسبة والتناسب أو القياس يمكن بدقة تصنيف هذا الحكم هل هو عادل ام ظالم وهذه الافترضات ليس فيها مكر أو خداع لان العدل ليس مفصل على قضية او مسالة واحدة لكنه يستوعب كل المسائل وكل القضايا لان المسائل لابد لها ان تتعدد وان تتنوع نظرا لاختلاف الامكنة والازمنة والظروف والاحوال وان لم يكن ذلك متاحا حسيا فسوف يتاح تحت العنوان السابق بدرجة لا تقبل الشك
    واذا قلت انا لا اعتبر هذه الامثلة الافتراضية اقول لك اذا كنت تبحث عن الحقيقة فلن يكون هناك حقيقة لشىء والدليل على ذلك انك تبحث عن الحقيقة ذاتها فكيف تبحث عن الحقيقة وتعتبر ان هناك حقيقة لشىء قبل البحث عن حقيقته واذا اقررت بان ما انت فيه هو الحقيقة فكيف علمت بذلك وان كنت قد بحثت عن حقيقتة قبل ان تعلم انه الحقيقة هذا يدل على انه كان لك قبل البحث ليس حقيقة وهو المراد لا حقيقة لشىء الا بعد البحث عن حقيقته وحقيقة كل شىء موجودة بداخلك فى المخزون الفطرى واذا كنا نتكلم عن العدل فيجب ان نبحث عن حقيقته لنعلم ما هو العدل ولقد قلنا ان الحقيقة موجودة بداخل الانسان فلابد ان يستخلصها من ذاته تحت عنوان التجريب العقلى أو اى عنوان اخر فالنتيجة واحدة

  • #2
    مثال لذيادة الايضاح
    لو ان هناك انسان قتل انسان اخر وجاء قاضى وحكم بقتل ابن القاتل لابقتل القاتل ذاته فهل هذا القاضى حكمه عادل ام ظالم
    يمكننا معرفة ذلك باستخدام الافتراضات المتعلقة بالحكم والمحكوم تحت العنوان السابق
    1- ما يتعلق بالحكم
    اذا اقررت بان هذا الحكم عادل فما هو تصورى للحكم الظالم المتعلق بابن القاتل الذى تحمل وزر ابيه و اذا اقررت بان هذا الحكم ظالم فما هو تصورى للحكم العادل المتعلق بنفس الابن وذلك من باب كل شىء له مقابل فلابد من وجود رؤية حقيقية وفى نفس الوقت وجود تصور افتراضى مقابل وموازى للرؤية الحقيقية مع قابلية تحقيقه حسيا فى الواقع المحسوس اذا كان الامر متعلق بالظلم والعدل فالظلم والعدل ما هما الا جهان لعملة واحدة ظهور احدهما يطمس ظهور الاخر
    2- ما يتعلق بالمحكوم
    لو افترضنا هذا الانسان كان له العديد من الابناء فهل من العدل ان تقتص منه هو الفاعل الحقيقى ام تقتص من احد ابنائه فتظلمه بالنسبة للاخرين مما يؤدى الى و قوعك وقوعا يقينيا فى الظلم والجور فى نفس الوقت الذى انت تسعى فيه الى تحقيق العدل اذن افضل الحلول لن نجده الا فى الاقتصاص من الفاعل الحقيقى مما يجعلنا نتيقن بان الحكم السابق ظلم بدون ادنى شك كما ان هناك جانب اخر متعلق بالجانب النفسى يءكد على ذلك حيث ان جلب الراحة للنفس لن يتم الا بالاقتصاص ممن يستحق العقاب والمستحق للعقاب بلا جدال هو الفاعل الحقيقى للخطأ لان الاستحقاق من مفهومه شىء مقابل شىء وقد يغنى معنى المقايضة عن ذلك .
    ثم ناتى لموضوع ارث الخطيئة ونسال نفس السؤال هل هو من العدل ام هو من الطلم
    وبتطبيق كل ما سبق يمكن الفصل بين ذلك وذلك

    تعليق


    • #3
      التجريب العقلى وارث الخطيئة

      1- مايتعلق بالحكم

      اذا اقر انسان بنسبة ما يسمى بارث الخطيئة الى العدل فما هو تصوره للفعل المتعلق بالبشر و الذى يمكن ان ننسبه الى الظلم لابد ان يكون للعدل ميزه وضد يعطيه المعنى والفضل فى نفس الوقت الذى يجب إن يكون هناك فعل مقابل يمكن نسبته الى الظلم و ان بحثنا عن الفعل الذى يخالف العدل و يناسب الظلم فلن نجده ومادام غير موجود يكون الارث هو الظلم لانك لو قلت ان العدل هو الارث والظلم هو دخول النار لابناء ادم من باب القبيح والاقبح نقول ان دخول النار هو مردود الخطيئة ولا يفصل بين المردود والخطيئة الا الزمن والزمن محدود فقد يموت الانسان بعد لحظة ليجد مردود الخطيئة اى النار امامه
      ثانبا :
      لو كان ارث الخطيئة من الظلم فما هو العدل لان الظلم لابد ان يكون له مساوىء و عيوب وضد يعطيه المعنى والذوق تندرج تحتها تحت عنوان القبح فيجب ان نبحث عن الفعل الذى يناسب العدل ويخالف الظلم ولو بحثنا عنه سوف نجده فى عدم الارث ومادام موجود يكون هو العدل ويكون الارث هو الظلم ومن ذلك وذلك يتضح ان ما يسمى بارث الخطيئة ليس له علاقة بالعدل فى الاساس

      2- ما يتعلق بالمحكوم

      أ- اذا كانت خطيئة الاب متعلقة بالابن ذاته اى ان الاب اخطا فى حق الابن مع وجود امر الهى بعدم فعل ذلك فما هو الحكم فى هذه القضية ؟ ... لو طبقنا ارث الخطيئة على هذه المسالة سوف نخرج بالنتيجة التالية وهى ان الابن سوف يكون فى جحيم يستجير منه الجحيم وكيف ذلك لان الابن القى من ابيه فى الجحيم سواء كان حسيا أو معنويا وهذا هو الجحيم الاول ثم ورث الابن من ابيه هذه الخطيئة التى كانت فى حقه هو ومردود هذه الخطيئة هو الجحيم الاخروى فيكون مصير الابن هو الجحيم كابيه وهذا هو الجحيم الثانى والاب اخطا فى حق الابن والابن ورث عن ابيه هذه الحطيئة التى كانت فى حقه مما يجعل الابن يقول كيف اكون انا المظلوم واتحمل خطا الظالم هذا جحيم من نوع اخر متعلق بالنفس ويمكن ان نطلق عليه الجحيم النفسى وياخذ الترتيب الثالث واذا اضفت كل جحيم الى الاخر سوف تكون النتيجة هى جحيم الجحيم بينما يكون جحيم الاب اقل من ذلك بكثير وهو الظالم والابن هو المظلوم فهل انصر الظالم على المظلوم واقتص للقاتل من المقتول كل هذا يمكن ان يحدث اذا لم يكن هناك شىء اسمه حق او عدل او تحول الحق الى باطل ب- اذا كان الاب مجرم كثير الاخطاء فانه سوف يورث هذه الاخطاء للابنائه فكيف يرحم الابناء هذا الاب أو كيف يمكن ان تكون هناك عاطفة كالابوة أو البنوة متعلقة بالاب اوالابن والاب وهو الذى سوف يجعل الجحيم مثوى لابنائه فلماذا اذن لا يقتل الابناء الاباء حتى لا يزيدهم بأخطائهم من العذاب عذاب ولماذا لا يفعل ذلك كل ابن بابيه فتصبح قاعدة حتى لا يرث عنه اخطائه فان قلت ان القتل خطيئة فهل الافضل للابن ان يفعل خطيئة واحدة وهى قتل الاب ام ان يرث العديد من خطاياه التى سوف تزداد مع الزمن مع العلم بان فعل الاب ذلك بالابن يدل على عدم اعتبار عاطفة الابوه فيمكن للابناء هم الاخرين ان يتجاهلوا عاطفة البنوة
      ج - اذا كان لادم ابنان احدهما يحثه على فعل الخطيئة والاحر يحثه على عدم الفعل و يحذره من غضب الرحمن فهل الاثنان يسرى عليهم ارث الخطيئة لا فرق بين هذا وذاك بين من كان يبنى ومن كان دائما يهدم يجب ان يكون مردود هذا الابن مختلف عن مردود هذا الابن واذا كان مصير الاثنين واحد فاين هو الاختلاف فى المردود واذا كان هناك اختلاف فى المردود فليس هناك اذن شىء اسمه ارث الخطيئة ثم ناتى الى نقطة هامة يجب ان تتوفر اذا اطلقت العدل اذا ورث ابناء ادم عن ادم الخطيئة فانهم سوف يتحدون فى المصير المحتوم هم وابيهم وليكن الجحيم واذا كان المصير واحد لابد ان تكون الظروف واحدة اى لابد ان يشتركا فى نفس الظروف لكى يرثو عنه الحطيئة ولكننا سوف نجد ان هناك اختلاف كبير بين ادم وابنائة ادم دخل الجنة برحمة الله تعالى كما ان ادم لم يكن له اب ليرث عنه الخطيئة فاذا كان هناك عدل يجب ان اساوى بين ادم وابنائة فى الظروف قبل ان يرثوا عنه الخطيئة فيجب ان لا يكون لهم اب يرثون عنه خطيئته ويجب ان يسبق ارثهم للخطيئة دخول للجنة كما حدث لادم واذا لم يحدث كل ذلك فان الارث سوف يكون قد تعدى الظلم لو كان هناك فعلا ما يسمى بارث الخطيئة او بمعنى اخر هناك اختلاف بين ادم وابنائه شديد الاهمية حيث ان ادم قد تمتع بدخوله الجنة دون سبب يدعو الى ذلك الا رحمة الله بينما ابناء ادم لم تحدث لهم هذه الميزة اذن هناك ميزة يجب ان يتمتعوا بها اذا كنا نتكلم عن العدل مع الاطلاق وهناك ايضا خطيئة يجب ان يرثوها فتكون النتيجة فى اطار العدل ان هذه الميزة يجب ان تلاشى ارث الخطيئة فلا يكون هناك ارث للخطيئة وتنتهى بذلك المشكلة من الاصل واذا قيل ان الله قد رحم البشر باتيان من يحمل عنهم الخطيئة نقول ان ذلك يشمل ادم وابنائه وتبقى الميزة التى تمتع بها ادم باقية كما هى بلا تعويض مقابل بالنسبة للبشر وهذا مناقض للعدل
      د - من العدل ان يكون الارث شامل كل شىء فلا يرث ابناء ادم شىء ويتركو اشياء اخرى فاذا ورثو عنه مساوئه و اخطائه يجب ان يرثو عنه ايضا مزاياه وافعال خيره وبره
      واخيرا يجب ان يرثو عنه مصيره المنتظر فان كان مصيره الجنة فان ابنائه سوف يرثون عنه هذا المصير فيدخل هو وجميع ابنائه الجنة واذا كان مصيره النار فان ابنائه سوف يرثون عنه هذا المصير فيدخل هو وجميع ابنائه النار لان الارث شامل يشمل كل شىء والمردود النهائى للارث اما ان يكون الجنة و اما ان يكون النار هذا اذا كان العدل مطلق وسوف نصل الى نفس النتيجة لو تكلمنا عن سبب دخول ادم الجنة فاولا اما ان يدخل الجنة برحمة الله تعالى ورحمة الله غير مقيدة بشىء فيكون هذا الامر اى دخول الجنة بالرحمة ليس له علاقة بالخطا اوالصواب او الفعل عموما سواء كان له او لابنائه ثانيا واما ان يدخل النار كمردود للخطا و ابنائه كما فى معتقد النصارى سوف يرثون عنه هذا الخطا فيرثون عنه ايضا مردود هذا الخطا وهو النار اى اننا نصل الى نفس النتيجة السابقه وهى اما ان يدخل ادم وجميع البشر الجنة واما ان يدخل هو وجميع ابنائه النار سواء كان الدخول بالرحمة او كان نتيجة المردود
      ع - رفع الخطيئة عن ادم او احد ابنائه يعنى رفع الخطيئة عن الكل حيث ان ارث الخطيئة قد شمل الكل مع ان الفاعل كان واحد فقط من البشر وهو ادم اى ان ما سار على ادم سار على كل البشر كذلك رفع الخطيئة عن احد البشر ايا كان يعنى رفع الخطيئة عن كل البشر من ذلك نستنج الاتى اما ان يدخل ادم وكل ابنائة النار واما ان يدخل ادم وكل ابنائه الجنة من ناحية السريان ومن ناحية اخرى لان انتقال الخطاية يشمل كل الاتجاهات فاذا انتقلت الخطيئة من الاب الى الابن لسبب فانها سوف تنتقل من الابن الى الاب لنفس السبب واذا انتقلت من الاب الى الابن قبل ان يولد فلا عجب ان تنتقل من الابن الى الاب
      بعد الوفاة

      تعليق


      • #4
        ويمكن ايضا عن طريق التجريب العقلى


        إن نوضح ونحدد ونؤكد على بعض المفاهيم المتعلقة بالخطيئة ( الغفران , العفوا , الرحمة ) عن طريق تصور حدوث هذا المشهد ( الخطأ أو العصيان ) فى داخل اطار الاسرة من ابناء واباء وخدم أو حشم وعبيد ثم اقتناص ردود الفعل الفطرية المتعلقة بالخاطىء من غفران أو عفوا أو رحمة ومقارنتها أو قياسها برد الفعل الالهى حسب معتقد النصارى مع العلم بان رد الفعل الالهى سوف يكون الافضل والاكرم الى ما لا نهاية وسوف يتيقن كل انسان إن رد الفعل سوف يصل فى احيان كثيرة الى العفوا والسماح و سوف يتأكد هذا الرد وتتزايد احتمالته بدرجة اكبر عند اعتذار الطرف الاخر وطلبه السماح أو الغفران وخصوصا اذا كان يجمع بين العجز وقيلة الحيلة والطرف المعنى بالعفوا السماح يجمع بين القدرة والقوة .
        "وهذه المسألة السابقة "التجريب العقلي" اهتم بها كثيراً من المفكرين منهم " أرنست ماخ " في كتابه " المعرفة والخطأ " في الفصل الموسوم باسم " التجريب العقلي " . ثم أتى بعده " رنيانو" وركز على هذه المسألة في كتابه " نفسانية البرهان" , فأرجع كل أنواع البراهين العقلية تقريباً إلى التجريب العقلي .
        "فالتجريب العقلي معناه بصورة عامة أن يقوم الإنسان في داخل عقله بكل الفروض والتحقيقات والبراهين التي لا يتيسر له أن يقوم بها في الواقع . فكل مفكر وكذلك كل عالم قبل أن يقوم بعمل جديد يتصور كل ما يريد عمله وكل ما يحتاج إلية من عناصر وكيفية تحقيق ما يريد , وتوقع نتيجة ذلك .
        وهذا الشكل من التجريب العقلي ألاستباقي هام وله فائدة كبيرة :
        أولاً : من ناحية الاقتصاد في العمل . ذلك لأن القيام بهذا التجريب في داخل الذهن لا يكلف المرء شيئأ من الناحية المادية فلا يحتاج لمواد ولا عمل وجهد إلا العمل الفكري , ولا يكون مثل التجريب الواقعي المادي الذي يحتاج إلى زمن طويل , وبالتالي الاقتصاد في الوقت والجهد والمواد والنفقات .
        ثانياً : هذا التجريب العقلي قد يسمح بفرض فروض جريئة قد لا نتجه إلى اتخاذها لو أننا بإزاء تجريب واقعي , ومن الممكن أن تتحقق هذه الفروض بالفعل , لأن الحرية الميسرة للعقل في هذه الحالة أكبر منها في حالة التجريب الفعلي الذي كثيراً ما يشتت الذهن ويصرفه عن الإدراك الحقيقي للنسب العامة التي هي الأصل في كل نظرية مما يولد من جديد فروضاً خصبة تؤدي إلى اكتشاف نتائج أهم وأحسن .
        والشاهد على هذا ما فعله كثير من العلماء وعلى رأسهم جاليلو , وبشكل خاص أينشتاين فهو لم يجري أي تجربة واقعية عندما بنى نظريته النسبية . لقد استطاع كل منهم الوصول لأفكار ونظريات وقوانين بالاعتماد بصورة أساسية على التجريب العقلي . وقد قال ديكارت : على العموم إنني أستطيع أن أستغني عن إجراء أي تجربة واقعية لأنني أستطيع أن أركّب في ذهني كل العمليات الممكنة وحتى غير الممكنة .
        ولا يقتصر استخدام التجريب العقلي على الفيزياء والعلوم الطبيعية بوجه عام , بل يستخدم في الرياضيات فنحن نجري براهين لا حصر لها في داخل العقل , فيما يتصل بنظرية هندسية . فدون حاجة إلى أي قلم يرسم لنا الأشكال الهندسية نستطيع أن نفرض الفروض وأن نسير في التحليل عائدين , أو نبدأ من التركيب متقدمين , إما للبرهنة على نظرية معلومة أو لبيان نتائج خاصة من نظرية ما . وفي هذا كله نحن نقوم بعملية تجريب عقلي كالحال تماماً في التجريب الفيزيائي .
        ونحن نستخدم التجريب الفكري لاستبيان نتائج أي عمل أو أي تصرف . والتجريب العقلي هو الذي ينشئ التوقعات أو السيناريوهات لتطور الأحداث . وهناك التجريب الفكري والحسي ألاستباقي لرحلة أو لمقابلة أو زيارة . . إلخ .
        وليس هذا فقط . فالتجريب الفكري أوسع وأشمل من كل هذا, فهو يشمل أسس عمل دماغنا , فالعقل أو الدماغ تعرف على الوجود عن طريق تمثيله بأفكار ( أي بنيات فكرية ) , وصار عن طريق تحريك ( أو اللعب ) بهذه الأفكار ( أو التجريب الفكري ) يسعى لفهم ومعرفة هذا الوجود , والاستدلال والتنبؤ لما سيحدث , أو لما حدث . عن طريق قيامه بالتحليل أو التركيب , اللذين يمكن اعتبارهم شكل من التجريب .
        والتجريب الفكري الذي تصوره " ماخ " و " رنيانو " هو حالة خاصة متطورة من التحريك الفكري الذي يقوم به عقلنا في تعامله مع الوجود . فالتحريك الفكري هو الأساس الذي نقوم به في كافة عملياتنا الفكرية مها كان شكلها ونوعها ودرجة تعقيدها .
        إن غالبة تصرفاتنا الإرادية الواعية لا نقوم بها إلا بعد إجراء التجريب الفكري ومن ثم اعتماد التصرفات التي نراها الأفضل . صحيح أننا نقوم بتصرفات فوراً ودون تجريب فكري إذا كانت الأوضاع متكررة , فهذا لأننا نكون تعلمنا ولم نعد بحاجة لدراسة الوضع والقيام بالتجريب الفكري . فالتجريب الفكري لا بد منه في كل تصرف جديد وفي كل تجديد وإبداع واختراع .
        ما الفرق بين التجريب الفكري والتحريك الفكري ؟
        إن التحريك الفكري هو أساس آليات عمل الدماغ , التي بواسطتها يقوم بالتعامل مع الواقع باعتماد الاستجابات المناسبة لتحقيق تكيف وتطور الإنسان . وكذلك التحريك الفكري هو أساس التفكير الواعي , أكان يعتمد على اللغة أم لا يعتمد عليها .
        أما التجريب الفكري فهو شكل متطور للتحريك الفكري الإرادي الوعي , وهم يعتمد على القياس والمقارنة والتحليل و التركيب , وعلى المعلومات المتوفرة التي يتم استدعاؤها من الذاكرة .
        والشكل المتطور والمتقدم من التجريب الفكري هو ما يبدعه المفكرين والعلماء والأدباء والفنانين من أفكار وأعمال وقصص وروايات وأعمال أدبية وفنية .
        وهكذا نرى أن " رنيانو " قد أصاب عندما قال : أن التجريب الفكري يستخدم في كافة أشكال التفكير أكانت براهين أو غير ذلك .
        إن كل تفكير يعتمد على التعرف , وعلى الذاكرة, ولكي يتم التعرف لا بد أولاً من التأثر بالمراد التعرف عليه, ثم لا بد من الاحتفاظ بهذه المعرفة ( الذاكرة ) . و يجب تصنيف هذه التأثرات وذلك بالاعتماد على تمييز تأثيرات كل منها عن الآخر, وهذا يتم بمقارنتها مع بعضها لتمييز الفروقات بينها . فالتعرف يتضمن التمييز, والتمييز لا بد من للمقارنة, لذا فالتعرف ليس عملية بسيطة وهو الأساس الذي يبنى عليه كل تفكير , والتعرف بالنسبة للعقل البشري يتم ببناء ألهويات أو المفاهيم التي ترمز الأشياء التي تم التعرف عليها .
        إن ما يفعله كل مفكر في تعامله مع الوجود , هو تعيين الثوابت الأساسية في هذا الوجود , لكي ينطلق منها ويبني عليها أفكاره . فالوجود لا يمكن التعامل معه إلا بعد فهمه ومعرفته , وهذا لا يتم إلا بعد تثبيته وتحديده وتعيينه , و عمل العقل الأساسي هو التعرف على هذا الوجود وفهمه . فأهم وظيفة للعقل البشري هي كشف البنيات المضمرة في الوجود , وذلك ببناء نماذج فكرية تمثلها . فكما يقول كانت" أن المعرفة وليدة فعل الذهن في الأشياء والعقل لا يدرك إلا ما ينتجه على صورته ومثاله" .
        فالفكر يستطيع السير بتفاعلاته الفكرية بسرعة أكبر من السرعة التي تجري فيها في الواقع , أي إلى المستقبل . وكذلك يستطيع السير إلى الماضي عن طريق عكسه التفاعلات أو التحليل , ووضعه لسيناريو لما يمكن أن يكون حدث أو ما سوف يحدث , وتزداد دقة تنبؤاته باستمرار لتقترب من الواقع الفعلي" .
        "التجريب العقلى للكاتب السورى فى العلوم الانسانية نبيل حاجى نائف - جريدة العرب الاسبوعى الصادرة بتاريخ 2\8\2008 "
        (ونقلا عن موقع الجمعية الدولية للمترجمين واللغوين العرب ومدونة الفكر بتــاريخ : 11/10/2009 506 a

        تعليق

        مواضيع ذات صلة

        تقليص

        المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
        ابتدأ بواسطة Mohamed Karm, 7 فبر, 2023, 06:09 ص
        ردود 0
        123 مشاهدات
        0 معجبون
        آخر مشاركة Mohamed Karm
        بواسطة Mohamed Karm
         
        ابتدأ بواسطة ARISTA talis, 2 ديس, 2022, 01:54 م
        ردود 0
        66 مشاهدات
        0 معجبون
        آخر مشاركة ARISTA talis
        بواسطة ARISTA talis
         
        ابتدأ بواسطة عادل خراط, 21 نوف, 2022, 03:22 م
        ردود 25
        152 مشاهدات
        0 معجبون
        آخر مشاركة عادل خراط
        بواسطة عادل خراط
         
        ابتدأ بواسطة The small mar, 18 نوف, 2022, 01:23 ص
        ردود 0
        93 مشاهدات
        0 معجبون
        آخر مشاركة The small mar
        بواسطة The small mar
         
        ابتدأ بواسطة The small mar, 16 نوف, 2022, 01:42 ص
        ردود 0
        53 مشاهدات
        0 معجبون
        آخر مشاركة The small mar
        بواسطة The small mar
         
        يعمل...
        X