تويت
البابا شنودة في المصيدة
يعرف البابا شنودة الجماعة القبطية للإصلاح الكنسي جيداً.. فهي تحاصره في كل مكان.. تحيطه هو ورجاله بالمنشورات التي تصل إلي الجميع لا فرق بين أقباط ومسلمين.. هزت الجماعة بمنشوراتها أمن الكنيسة فهي تكشف - من وجهة نظرها بالطبع - زلات البابا ورجاله.. لكن ما جاء في البيان الثاني عشر يذهب في الهجوم علي البابا إلي مدي بعيد.. لا يتحدث عن سياسات ولا قرارات.. ولكنه يعلن اتهامها للبابا شنودة بشكل واضح أنه ساعد بالكتابة والنشر والتخطيط لخطف البابا يوساب.
البابا يوساب هو بابا الأقباط رقم 115.. أي أنه كان يحتل نفس منصب البابا شنودة ويفصل بينهما البابا كيرلس فقط.. لكن ماذا حدث في شبابه؟
كان البابا شنودة يطالب بالإصلاح الكنسي.. وكانت مطالبته مقرونة بالهجوم علي القيادات الكنسية وبالذات ضد الأنبا يوساب بصفة شخصية.. كان محور هجوم البابا شنودة - كان وقتها لايزال اسمه نظير جيد - علي الأنبا يوساب هو كسره للقانون الكنسي إذ كان الأنبا يوساب مطراناً لجرجا قبل أن ينتخبه الشعب لمنصب البطريرك مخالفاً القانون رقم 15 لمجمع نيقيا.. عمد البابا شنودة في كتاباته ومحاضراته إلي التحريض علي شخص البابا، وكانت النتيجة عزل يوساب من كرسيه.
لكن الأخطر من العزل كان ما فعلته جماعة الأمة القبطية التي - حسب بيان الجماعة القبطية للإصلاح الكنسي - الذي يقول موجهاً كلامه للبابا شنودة: منذ خمسين سنة تقريباً يا قداسة البابا كان لكم دور قوي وفعال في الإصلاح الكنسي بالفكر والرأي والنشر في مقالات عديدة ضد أسلوب البابا يوساب ومنهجه وطريقة الإدارة الكنسية، هذا كان وقت خدمتكم بمدارس الأحد، ثم كانت منكم المساندة والتخطيط والتعضيد لجماعة الأمة القبطية التي قامت بخطف البابا يوساب بسبب خضوعه لخادمه «ملك» واتباع نظام السيمونية في الرسامات الكهنوتية بمعرفة ملك، وكان تمسك البابا يوساب به قد أدي إلي كارثة علي الكنيسة انتهت بمأساة «خطف البابا»
وأنت يا قداسة البابا لا تغيب عنك تلك الأحداث مهما بعد الزمن بها وتراها أمام عينيك دائماً، لقد كنت تسعي في شبابك يا قداسة البابا إلي إصلاح ما أفسده ملك في الكنيسة، سواء بالكتابة والنشر أو التخطيط لخطف البابا يوساب.
ويصور بيان جماعة الإصلاح جرم ما حدث يقول: كانت النهاية المأساوية للبابا يوساب الشيخ الوقور علي يد جماعة الأمة القبطية التي قامت بخطفه وإلقائه في جوال علي شريط السكة الحديد بمهمشة ولولا عناية الله لداست عجلات القطارات بطريرك الأقباط..
ويغمز البيان في شخص البابا شنودة: هذه حادثة شهيرة كنت قداستكم تعرف أفرادها وعناصرها وأبطالها.. الذين هم في النهاية جماعة الأمة القبطية التي تذهب بعض الآراء إلي أنها أخطر جماعة قبطية متطرفة وأكثرها إجراماً تخلصت من الأنبا يوساب بطريرك الأقباط في بداية الخمسينيات وشطبت اسمه من ذاكرة الأقباط ومن تاريخ الكنيسة لتنفرد واتباعها بحكم الكنيسة القبطية مبتدعين قوانين مخالفة لمنهج الكنيسة المرقسية الأرثوذكسية.
حاولت أن أسأل عن علاقة البابا شنودة بجماعة الأمة القبطية: وهل من المنطقي أن يكون البابا عضواً في مثل هذه الجماعة المتطرفة.. التي لا تحارب بالأفكار فقط.. ولكنها تخطف بل وتقتل..
كانت هناك تأكيدات أن البابا شنودة كان علي اتصال وثيق مع أعضاء هذه الجماعة وأنه كان علي علم بكل ما تفعله وتخطط له وكان يبارك ذلك إذا لم يعترض عليه.. لكن هناك من حاول تخفيف الوطأة وقال إن مقالات البابا شنودة ضد الأنبا يوساب والتي نشرها في مجلة «مدارس الأحد» والتي لاتزال موجودة بنصوصها حتي الآن هي التي حركت جماعة الأمة القبطية وشحنتها وجعلتها تخطف الأنبا يوساب ويجري له ما جري.. حيث تحددت إقامته في المستشفي القبطي بعد إنقاذه ورفض أعضاء المجمع المقدس الصلاة عليه وخروج جنازته من الكاتدرائية لولا تدخل الأنبا بنيامين أسقف المنوفية وقتها.
لم يشغلني كثيراً إذا ما كان البابا شنودة شارك في خطف الأنبا يوساب أم لا؟.. فهذه قضيته وحده وقناعاته في تنفيذ أهدافه.. لكن ما الذي كان يأخذه البابا شنودة علي الأنبا يوساب في الخمسينيات؟.. إن كثيراً مما أخذه البابا شنودة علي الأنبا يوساب وقع فيه الآن بقدميه..
ومن بين أوراق مؤتمر العلمانيين الأول للإصلاح الكنسي نقرأ: اليوم هناك أسباب أخطر من ذلك بملايين المرات والشعب لا يحرك ساكناً، ولعل حادثة عزل الانبا يوساب لم تفارق ضمير ولا خيال البابا شنودة، وهي أكثر مما يؤثر اليوم علي تصرفاته وانفعالاته وحساسيته من النقد بل والضرب بيد من حديد علي كل من يشير من بعيد أو قريب لكتابات نظير جيد أو يتكلم عن القانون الكنسي الذي كسره الأنبا شنودة مثلما فعله الأنبا يوساب، بل
وأكثر من ذلك فالبابا يوساب انتخبه شعب إبراشية القاهرة والإسكندرية طبقاً للقانون الكنسي تحت إشراف وزارة الداخلية، بينما في اختيار البابا شنودة منع الشعب من الانتخاب، حيث ساندت الحكومة هذا الإجراء المخالف للقانون الكنسي.
هنا تحديداً تأتي مصيدة البابا شنودة.. فهو يفعل نفس ما انتقد الأنبا يوساب بسببه قبل أكثر من نصف قرن، وليس هذا تحريضاً علي عزل البابا أو خطفه.. فهذا ليس أسلوباً لائقاً..
لكن ماذا يفعل البابا شنودة عندما ينظر إلي نفسه في المرآة؟.. لقد ضرب بكل أشكال الرحمة عرض الحائط.. لكن يبدو أن هذه ليست المصيدة الوحيدة التي دخلها البابا شنودة بقدميه.. فهناك مصيدة أخري يقف علي بابها هذه المرة الأنبا كيرلس أسقف قنا الذي يصر البابا علي محاكمته.
قد تكون هناك أسباب وجيهة لهذه المحاكمة.. لكن هزتني صورة مصاحبة لبيان يوزعه مريدو الأنبا كيرلس يجلس فيها الرجل ورأسه محني إلي الأرض ومكتوب فوقها «أنا هو الرجل الذي رأي المذلة»،
وفي البيان تجريح هائل في رجال البابا شنودة ومن يحطيون به.. فهؤلاء الكهنة وضعوا أنفسهم قضاة، يحاسبون رئيسهم ونسوا أن الشعب له حقوق عليهم، ولكن أين هم من الشعب، وأين افتقاد الذين يحتاجون الافتقاد.. أين كلمة الرب في قلوبهم.. وأين رعايتهم لأولاد الله الذين ينهارون يوماً بعد يوم، وأين هم من تعاليم المسيح ووصايا السيد المسيح نريد أن نعرف عندما تقدموا بهذه الثورة، هل نسوا أن هناك إلهاً يعبدونه ويقفون علي مذبحه المقدس اليوم، نحن نري كهنة يطالبون بحقوق ليس لهم حق فيها لأنهم خدام الله علي الأرض كما يقولون.. هل هم كهنة الله الذين يقفون علي مذبح الله ويصرخون ويقولون «ارحمنا يا الله».. أين رحمتهم هم من أسقفهم ومن الشعب ومن الضيقات التي تصادف الشعب يوماً بعد يوم؟
<<<
هذه هي المشكلة إذن.. يمكن للبابا شنودة أن ينقذ نفسه.. ويمكن أن يواصل طريقه الذي لا يري فيه إلا نفسه.. وأغلب الظن أنه سيفعل الثانية.. وساعتها لن يفيده شيء.. لأن باب المصيدة إذا أغلق عليه فلن ينقذه منه أحد.
جريدة الفجر
تعليق