مناظرة بين الإسلام والنصرانية- الجزء الأول

مناظرة أظهرت حقائق عن النصرانية يجهلها كثير من الناس . وانتهت باعلان القساوسة المناظرين دخولهم في الإسلام والتبرؤ من أفكار النصرانية المضللة.

الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد

مصدر الكتاب : موقع الإسلام

يمكنك الإستماع لما دار في المناظرات بالضغط هنا

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة الناشر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه .
وبعد :

الصراع بين الحق والباطل والكفر والإيمان سيظل قائما ما بقيت السماوات والأرض لا تهدأ معاركه ، ولا تخبو جذوته ، ولا تنتهي حوادثه ، لكن مهما بلغت قوة الباطل وصولته ، ومهما كانت دولته وكثرته فإن العاقبة ستكون بإذن الله دائما لأولياء الله المتقين ودعاته المخلصين ، فحسب دعاة الحق أنهم يستمدون قوتهم من قوة الله ، ويأخذون أدلتهم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

أما دعاة الباطل فليس لهم إلا الحجج الواهية التي ترتكز على ضروب من الجهل والأوهام السخيفة .
والكتاب الذي نمهد له خير شاهد على ذلك .

فلقد قام نخبة من علماء المسلمين بدعوة من بعض قساوسة نصارى ومبشرين في الفترة من 23 / 1 / 1401هـ إلى 29 / 1 / 1401هـ ، الموافق 1 / 12 / 1980م إلى 7 / 12 / 1980م ، بالخرطوم . وقد مثل الجانب الإسلامي كلا من :

  • الشيخ الدكتور محمد جميل غازي
  • والأستاذ إبراهيم خليل أحمد
  • واللواء المهندس أحمد عبد الوهاب .

وفي الجانب النصراني:

  • برئاسة البشير جيمس بخيت سليمان
  • والأستاذ تيخا رمضان ،

وقد قام هؤلاء باستعراض تفصيلي لحقيقة العقيدة النصرانية المسطرة في كتبهم ومناقشتها على ضوء ما يقرون به من معتقدات التثليث والصلب والفداء والأبوة والبنوة وعن الكتب المقدسة بعهديها القديم والجديد ، وأماطوا اللثام عن هذا التعارض والتناقض الذي تحمله هذه الأناجيل .

ولا شك أن جدالا كهذا جدير بالاهتمام والاطلاع عليه لما فيه من حقائق عن النصرانية يجهلها كثير من الناس . ولو لم يكن فيه من الفائدة إلا إعلان هؤلاء القساوسة دخولهم في الإسلام والتبرؤ من أفكار النصرانية المضللة بعد نقاش طويل واقتناع تام لكفى نصرا للإسلام والمسلمين .

فما أجدر المسلمين أن يقوموا بالدعوة إلى الله ونشر العقيدة الإسلامية في أرجاء العالم ، وما أحراهم أن يتمسكوا بدينهم منهجا وسلوكا . ونلفت النظر إلى أنه قد ورد ضمن هذا الكتاب بعض الألفاظ التي تعبر عن رأيِ قائليها مثل ” المسيحية ” و ” المسيحي ” ، و ” إخواننا المسيحيين ” ، ولا يخفى ما فيها من التجاوز ، وقد آثرنا تركها على ما هي عليه لأنها حكاية قول ورد في هذه المناظرة .

هذا ويسر الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد – وهي حاملة لواء الدعوة الإسلامية في هذه البلاد الطيبة – أن تنشر هذا السفر الجليل على نفقتها وتوزعه مجانا مساهمة منها في محاربة الشرك والكفر والإلحاد ، وبيانا لمن أراد الله هدايته .

وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
الرياض في 22 / 2 / 1407 هـ .
الناشر
الرئاسة العامة لإدارات البعوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد

تمهيد

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
-1-
قال الله تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } . (1)
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } . (2)
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا }{ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } . (3)
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } . (4) .
{ هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ } . (5) .
{ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ } . (6) .
_________
(1) سورة آل عمران ، آية 1-2.
(2) سورة النساء ، آية 1.
(3) سورة الأحزاب ، الآيتان 70-71.
(4) سورة البقرة ، آية 21.
(5) سورة آل عمران ، آية 138.
(6) سورة آل عمران ، آية 187.

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } . (1) .
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا } . (2) .
{ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } . (3) .
{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ } . (4) .
{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } . (5) .
_________
(1) سورة النساء ، آية 170.
(2) سورة النساء ، آية 174.
(3) سورة النساء ، آية 108.
(4) سورة الحج ، آية 8.
(5) سورة آل عمران ، آية 64.

أما بعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد – صلى الله عليه وسلم – وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .

-2- إن الإسلام دين مفتوح النوافذ على النور والخير . . . .
وإن حقائقه واضحة ، ومعقولة ، وصريحة ، وهادية ، وإنسانية ، وعالمية ، وخالدة . . . .
ولهذا ، فإن الإسلام ، وإن الدعاة المسلمين ليرحبون بكل حوار هادئ هادف . . يدعى إليه ، أو يقوم بينهم وبين من عداهم من أهل سائر الملل والنحل . . . !
إن الدعاة المسلمين يعتبرونها فرصة سانحة لعرض دعوتهم على القلوب والعقول والضمائر . . .
وهم يعتقدون اعتقادا صادقا ، أن دعوتهم حينما تصادف آذانا واعية ، وقلوبا مخلصة ، وعقولا فاهمة . . . فإنها ستجد القبول والإيمان والإذعان! وهذا ما حدث ويحدث في هذا الزمان ، وفي كل زمان!
لقاءات فكرية هنا وهناك ، في الشرق والغرب ، في الماضي والحاضر . . . !
تبدأ في جو من الغموض والشكوك والتوجس يحيط برؤوس الذين لا يعرفون الإسلام ولا يفقهونه . . .
ثم تنتهي بالإيمان وتقدير وإعجاب بعد أن يزول الضباب ، وتمحى الجهالات ، ويظهر الحق لكل ذي عينين . . . !

إننا ندعو – بني الإنسان – حيث كانوا من أرض الله أن يقيموا جسورا للتفاهم . . بينهم وبين العقيدة الإسلامية الصحيحة . . .
وعلى كل صاحب ملة ونحلة ألا يخاف ولا يجبن ، فإنه في نهاية (اللقاءات العلمية المخلصة) لن يصح إلا الصحيح .

أهم المناظرات بين الإسلام والنصرانية

-3- كثيرة هي اللقاءات بين الإسلام والنصرانية ، فكم من لقاءات تمت في الماضي ، وكم من اللقاءات ينتظر أن تتم في المستقبل . . . ومن لقاءات الماضي نذكر بعضا منها مكتفين بما حدث في الماضي القريب .

1- في شهر رجب سنة 1270ه – أي منذ حوالي 130 عاما-

عقدت مناظرة في مدينة كلكتا بالهند بين نفر من علماء المسلمين ومبشري النصرانية الذين درجوا على الطعن في الإسلام واستدراج الجهلة من عوام الناس .
وتحددت لها موضوعات خمسة هي :

  • التحريف .
  • والنسخ .
  • والتثليث .
  • وحقيقة القرآن .
  • ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم .

وقد استطاع علماء المسلمين – بتوفيق من الله- إظهار الحق بمجرد مناقشة الموضوعين الأولين وهما التحريف والنسخ . وآنذاك لم يملك مناظروهم من علماء النصارى سوى الانسحاب ، اعترافا بإخفاقهم .

وقد شاع خبر هذه المناظرة في العالم الإسلامي الذي كان أغلبه يئن آنذاك تحت سطوة حكم الدول النصرانية ، وطلب كثير من المسلمين الاطلاع على ما دار في تلك المناظرة مما دعا شيخ علماء المسلمين فيها وهو : رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي إلى إصدار كتابه النفيس ” إظهار الحق ” الذي لا يزال مرجعا فريدا في مجال المناظرة بين المسلمين والنصارى .

2-حوار حقوق الانسان بالرياض

بناء على الرغبة التي أبداها بعض كبار رجال القانون والفكر في أوروبا عن طريق السفارة السعودية في باريس للاجتماع بالعلماء في المملكة العربية السعودية للتعمق في مفاهيم حقوق الإنسان في الإسلام ، فقد نظمت وزارة العدل السعودية ثلاث ندوات لهذا الغرض في الرياض ابتداء من يوم الأربعاء 7 من صفر سنة 1392ه ، الموافق 22 من مارس سنة 1972 م .

وعلى أثر ذلك تعاقب خطباء الوفد الأوروبي وفي مقدمتهم السيد ” الأستاذ ماك برايد ” الأستاذ في جامعة دبلن ، ووزير خارجية أيرلندا السابق ، والرئيس السابق لاتحاد المجلس الأوروبي ، والسكرتير العام سابقا في اللجنة التشريعية الدولية ، فقال : ” من هنا ومن هذا البلد الإسلامي يجب أن تعلن حقوق الإنسان ، لا من غيره من البلدان ، وإنه يجب على العلماء المسلمين أن يعلنوا هذه الحقائق المجهولة على الرأي العام العالمي والتي كان الجهل بها سببا لتشويه سمعة الإسلام والمسلمين والحكم الإسلامي عن طريق إعلاء الإسلام والمسلمين ” .

3- في يونيه سنة 1976 م ، عقد في جنيف بسويسرا مؤتمر بين المسلمين والنصارى دعا إليه مجلس الكنائس العالمي

حول موضوع : ” نظرة الأديان السماوية إلى الإنسان وإلى تطلعه نحو السلام ” . وفي ذلك المؤتمر أبدى مجلس الكنائس العالمي أسفه الشديد ، لأن الواقع أثبت أن إرساليات التبشير النصرانية في ديار المسلمين قد تسببت في إفساد الروابط بين المسلمين والنصارى ، كما اعترف بأن تلك الإرساليات كان طابع نشاطاتها في خدمة الدول الأوروبية المستعمرة ، وأنها كانت تستخدم التعليم وسيلة لإفساد عقائد المسلمين . وقد تعهد الجانب النصراني في هذا المؤتمر بإيقاف جميع الخدمات التعليمية والصحية التي تستخدم لتنصير المسلمين .

4- في عام 1979 م ، عقد في قرطبة بإسبانيا المؤتمر الثاني للمناظرة بين المسلمين والنصارى ،

وقد ألقى كلمة الافتتاح الكاردينال ترانكون رئيس أساقفة إسبانيا ، فكان مما قاله : ” إني كأسقف أود أن أنصح المؤمنين المسيحيين بنسيان الماضي ، كما يريد المجمع البابوي منهم ، وأن يعربوا عن احترامهم لنبي الإسلام . .

إن هذا شيء هام جدا بالنسبة للمسيحي ، إذ كيف يستطيع أن يقدر الإسلام والمسلمين دون تقدير نبيهم والقيم التي بثها ولا يزال يبثها في حياة أتباعه ؟
لن أحاول هنا تعداد قيم نبي الإسلام الرئيسية الدينية منها والإنسانية فليست هذه مهمتي ، وسوف يلقيها عليكم الإخصائيون واللاهوتيون المسيحيون بالمؤتمر ، غير أني أريد أن أبرز جانبين إيجابيين- ضمن جوانب أخرى عديدة – وهما إيمانه بتوحيد الله وانشغاله بالعدالة ” .
وفي ذلك المؤتمر ألقى الدكتور يبحيل كروث بحثا عن ” الجذور الاجتماعية والسياسية للصورة المزيفة التي كونتها المسيحية عن النبي محمد ” ، وقد جاء فيه قوله : ” لا يوجد صاحب دعوة تعرض للتجريح والإهانة ظلما على مدى التاريخ مثل محمد . . ولقد سبق لي أن أكدت في مناسبة سابقة- وأظن أنني قد قررت ذلك عدة مرات- الاستحالة ، من الوجهة التاريخية والنفسية ، لفكرة النبي المزيف التي تنسب لمحمد ما لم نرفضها بالنسبة لإبراهيم وموسى وأصحاب النبوات الأخرى من العبرانيين ، الذين اعتبروا أنبياء .

إنه لم يحدث أن قال نبي منهم بصورة بينة وقاطعة أن عالم النبوة قد أغلق . . وفيما يتعلق بالشعب اليهودي فإن عالم النبوة ما يزال مفتوحا ، ماداموا ينتظرون المسيح المخلص .
أما فيما يتعلق بالحركة المسيحية فإنه لا يوجد أي تأكيد قطعي يدل على انتهاء عالم النبوة ” .

-5- ثم كان لقاء الخرطوم . .

لقاء العائدين إلى الله بعد أن بحثوا عن الحق زمنا طويلًا وساروا في سراديب ودهاليز لا أول لها ولا آخر . . .
لعل فيه درسا للمبشرين بالكف عن إفساد عقائد المسلمين فإن الحق دائما غلاب .

لماذا كان المؤتمر ؟

إن كثرة من أبنائنا العرب يقضون إجازاتهم في العواصم الأوروبية يدفعهم إلى ذلك قبل كل شيء رغبتهم في إتقان اللغات الأوروبية وهم لذلك يلتحقون أول ما يهبطون إلى البلد الذي يقصدونه بالمدارس الليلية والحرة ، ويجدون في مكتباتها الكثير عن الإسلام ، والكثير من تشويهه والطعن عليه .
ثم إن كثيرا من البلاد العربية الإسلامية قد وقعت زمنا طويلا تحت وطأة الاستعمار الصليبي ، وما تزال تعتمد عليهم في مختلف مرافقها ، وتنظر إليهم نظرة إكبار وتقدير ، وتندفع بغير شعور منها ، وبشعور أيضا إلى تقليدهم وتصغي باهتمام إلى آرائهم .

كل ذلك يمهد الطريق لكتب الغرب وآراء الغرب كي تنتشر بيننا .
وشيء آخر ذو أهمية .
إن كتب السيرة النبوية ، وكتب التاريخ العربي ، ما يزال أسلوبها صعبا على طلاب ودارسي الثقافة الإسلامية الناشئين ، فقلما نجد من يرجع إلى سيرة ابن هشام ، أو السيرة الحلبية ، أو نهاية الأرب ، أو طبقات ابن سعد . . . بله تاريخ الطبري ، والذهبي ، وابن الأثير ونحوها . فربما وجدوا قراءة ما كتب المستشرقون أيسر وأجدى .
وهناك كتب كثيرة عن السيرة النبوية العطرة أخرجها كتاب معاصرون .
ولكن كثيرا من الكتب قد اهتم مؤلفوها بسرد حوادث السيرة ، وتبسيطها ، وقليلا منهم تعرض في مواقف قصيرة لآراء المستشرقين .
وأشهر الكتب التي أخرجت في العصر الحاضر عن السيرة النبوية هو كتاب ” حياة محمد ” للدكتور محمد حسين هيكل .
وقد عرض فيه لآراء المستشرقين أو لبعض آرائهم بوجه عام وخص بالذكر والأهمية اميل درمنجم المستشرق الفرنسي .
وقد يفهم من كلام الدكتور هيكل أن اميل درمنجم مسالم للإسلام .

خطورة الغزو الفكري :

إذن فقد عمت الترجمات ، وشاع بين أبناء الإسلام ما كنا نحذر أن يشيع وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على مؤشر خطير في الغزو الفكري عن فريق الاستشراق ” البحث العلمي ” ، وعن طريق التبشير (الدعوة الدينية ، استشرى مما ضايق الغيورين على الإسلام . فتعاونوا على دفع هذا الهجوم ودحض الافتراءات عن الإسلام ولكنهم قليل مضطهدون .

نصيحة مهتد للإسلام إلى بني قومه :

وإنه لمن الخير أن نقدم ما كتبه المسلم الفرنسي ” ناصر الدين ” في كتابه القيم (الشرق كما يراه الغرب) حيث قال : لقد أصاب الدكتور ” سنوك هرغرنجه ” في قوله : ” إن سيرة محمد الحديثة تدل على أن البحوث التاريخية مقضي عليها بالعقم إذا سخرت لأية نظرية أو رأي سابق ” .
وهذه حقيقة يجمل بمستشرقي وبمبشري العصر جميعا أن يضعوها نصب أعينهم ، فإنها تشفيهم من داء الأحكام السابقة التي تكلفهم من الجهود ما يجاوز حد الطاقة فيصلون إلى نتائج لا شك خاطئة ، فقد يحتاجون في تأييد رأي من الآراء إلى هدم بعض الأخبار وليس هذا بالأمر الهين ، ثم إلى بناء أخبار تقوم مقام ما هدموا ، وهذا أمر لا ريب مستحيل .

الرجوع إلى الحق فضيلة :

يحتاج المستشرق والمبشر في القرن العشرين إلى معرفة كثير من العوامل الجوهرية ، كالزمن والبيئة ، والإقليم ، والعادات ، والحاجات والمطامح والميول والأحقاد . . إلخ . . لا سيما إدراك تلك القوى الباطنة التي لا تقع تحت مقاييس العقول والتي يعمل بتأثيرها الأفراد والجماعات .

وفي نهاية الكتاب الذي ألفه ناصر الدين عن الرسول محمد – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم – قال عن :
وثبة الإسلام :
قال ش . شرفيس في كتابه ” بونابرت والإسلام ” . .

(عندما رفع الله إليه مؤسس الإسلام العبقري كان هذا الدين القويم قد تم تنظيمه نهائيا ، وبكل دقة ، حتى في أقل تفاصيله شأنا . . .
وكانت جنود الله قد أخضعت بلاد العرب كلها ، وبدأت في مهاجمة امبراطورية القياصرة الضخمة بالشام .
وقد أثار القلق الطبيعي المؤقت ، عقب موت القائد الملهم بعض الفتن العارضة ، إلا أن الإسلام كان قد بلغ من تماسك بنائه ، ومن حرارة إيمان أهله ، ما جعله يبهر العالم بوثبته الهائلة التي لا نظن أن لها في سجلات التاريخ مثيلا . ففي أقل من مائة عام ، ورغم قلة عددهم ، استطاع العرب الأمجاد ، وقد اندفعوا- لأول مرة في تاريخهم- خارج حدود جزيرتهم المحرومة من مواهب النعم أن يستولوا على أغلب بقاع العالم المتحضر القديم ، من الهند إلى الأندلس) .

وقد شغلت -في قوة- هذه القصة المجيدة تفكير أعظم عباقرة عصرنا هذا- أعنى نابليون بونابرت – الذي كان ينظر دائما إلى الإسلام باهتمام ومودة ، فيقول عن نفسه في إحدى خطبه المشهورة بمصر ، أنه ” مسلم موحد ” .

وقال لاس كازاس في كتابه ” مذكرات سانت هيلين ” ، ج3 ، صفحة 183 :

ويذكر الإسلام في أواخر أيامه ، فيرى أننا إذا طرحنا جانبا الظروف العرضية التي تأتي بالعجائب ، فلا بد أن يكون في نشأة الإسلام سر لا نعلمه ، وأن هناك علة أولى مجهولة ، جعلت الإسلام ينتصر بشكل عجيب على النصرانية ، وربما كانت هذه العلة المجهولة أن هؤلاء القوم ، الذين وثبوا فجأة من أعماق الصحارى قد صهرتهم -قبل ذلك- حروب داخلية عنيفة طويلة ، تكونت خلالها أخلاق قوية ، ومواهب عبقرية ، وحماس لا يقهر أو ريما كانت هذه العلة شيئا آخر من هذا القبيل ” .

ومن هذا المنطلق كان لقاؤنا بالخرطوم في الفترة من 23 / 1 / 1401ه ، إلى 29 / 1 / 1401هـ ، الموافق 1 / 12 / 1980 ، إلى 7 / 12 / 1980م ، مع قادة الفكر النصراني وقادة الفكر الإسلامي وكان رجاؤنا أن يعي كل من المسلمين والمسيحيين على السواء هذه العبر ليضعوا المستشرقين والمبشرين في مكانهم الطبيعي وحجمهم الطبيعي .
وإزاء هذا لا ينبغي أن نتجاهل التيارات المعادية للإسلام ومن ورائها الغزو الفكري الصليبي والصهيوني والشيوعي تحت ستار الحضارة الحديثة الذي يتسرب إلينا من خلال حملاتهم الإعلامية والدعائية المشبوهة . إن الواجب المقدس يحتم علينا- ونحن أعلم بحقائق ديننا- أن ندفع شبهات هؤلاء القوم وأن نبين وجه انحرافهم ، وسبب هجومهم على الإسلام .
والحوار هو أحد الأساليب الناجحة لتنقية الرسالات السابقة من الشوائب في ضوء القرآن الكريم والسنة المطهرة .

نبذة عن المشاركين في الحوار:

ولقد شارك في هذا اللقاء الكبير الخطير ثلاثة من أعلام الفكر الإسلامي- هم :

أولا : الدكتور محمد جميل غازي ، الذي قام بإدارة الحوار والمشاركة فيه .

– من مواليد يناير 1936- بكفر الجرايدة – كفر الشيخ .
– عالمية الأزهر الشريف من كلية اللغة العربية .
– دكتوراه في النقد الأدبي .
– رئيس المركز الإسلامي العام لدعاة التوحيد والسنة بالقاهرة .
– نائب الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية .
– له كتابات في التفسير وعلوم الدين ، مثل :
– من مفردات القرآن : 3 أجزاء .
– أصدق الحديث (في التفسير أيضا) صدرت منه بعض أجزاء .
– الصوفية الوجه الآخر .
– دموع قديمة .
– أسماء القرآن في القرآن – وغيرها .
– وله أعمال كثيرة في تحقيق التراث ، وبخاصة تراث ابن تيمية وابن القيم .
– وقد حصل على الدكتوراه في تحقيقه لكتاب : (الأوائل لأبي هلال العسكري ) .
– له نشاطه في الدعوة الإسلامية- عن طريق المحاضرات والندوات والمناقشات- في مصر وغيرها من بلاد العالم الإسلامي .

ثانيا : الأستاذ إبراهيم خليل أحمد . نشأ نشأة مسيحية . ولد بمدينة الإسكندرية في 13 يناير عام 1919 م ، واسمه إبراهيم خليل فيلبس ، تدرج في مدارج العلم بمعاهد الإرسالية الأمريكية وحصل على دبلوم كلية أسيوط الثانوية عام 1942 م ، وهو معادل للتوجيهية ، ثم حصل على دبلوم كلية اللاهوت الإنجيلية بالقاهرة عام 1948 م ، وعين قسا راعيا بكنيسة بافور الإنجيلية / محافظة أسيوط ، وفي عام 1952 م ، انتدب بالإضافة إلى عمله بالكنيسة قسا بكلية اللاهوت الإنجيلية الكندية بأسيوط ، ثم رقي إلى قسيس مبشر بالإرسالية السويسرية الألمانية بأسوان . وشغل مراكز : عضو مجمع مشيخة أسيوط ، وعضو سنودس النيل ، وزميل للمرسلين الأمريكيين وضالع في المخطط التبشيري بين المسلمين مع المراسلين الأمريكيين والأوروبيين .
والأستاذ إبراهيم خليل أحمد لم يكن من رجال الأكليروس يتزيا بزي كهنوتي ، بل كان يلبس الزي الإفرنجي المألوف الذي تسمح به طبيعة عمله بين المسلمين ، فينجح ويأتي بثمار تبشيره .

لكن الله جلت حكمته ألقى به بين يدي قوله تعالى { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ } ، فثاب إلى رشده وأخذ في دراسة مقارنة من عام 1955 م ، حتى 25 ديسمبر عام 1959 م ، حتى أتاه اليقين فأعلن إسلامه وجاهد في سبيل الله ، وله مؤلفات متداولة منها :

– محمد – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم – في التوراة والإنجيل والقرآن .
– المستشرقون والمبشرون في العالم العربي والإسلامي .
– إسرائيل فتنة الأجيال ” العصور القديمة ” .
– إسرائيل فتنة الأجيال ” العصور الحديثة ” .
– إسرائيل والتلمود ” دراسة تحليلية ” .
– الاستشراق والتبشير وصلتهما بالإمبريالية العالمية .
– هذا إلى جانب مؤلفات أخرى تحت الطبع ، وهي :
– يسوع المسيح كلمة الله .
– العلم يهدي إلى الإيمان .
– مواجهة الإسلام لتحديات الاستشراق والتبشير .
– مواجهة الإسلام للتحدي الحضاري الحديث الفكري .
– آيات الله تتجلى في عصر العلم .
– حدود الله : التوارة والإنجيل والقرآن .
– الإسلام في التوراة والإنجيل والقرآن .
– المسيح في التوراة والإنجيل والقرآن .

فقبل الله عمله ونفع به أمة محمد صلى الله عليه وسلم .

وأما الرجل الثالث : فهو السيد اللواء مهندس أحمد عبد الوهاب علي .
– ولد في مدينة فاقوس – محافظة الشرقية في أول يونيو (حزيران) عام 1930 م .
– حصل على بكالوريوس هندسة كهربائية ، شعبة الاتصالات من جامعة القاهرة عام 1954 م .
– التحق بالقوات المسلحة وتدرج في مختلف الرتب حتى رتبة اللواء .
– شغل بمقارنة الأديان منذ أكثر من 25 عاما .

وهذه هي مؤلفات سيادته :

أولا : سلسلة دراسة في الأديان :

– الوحي والملائكة في اليهودية والمسيحية والإسلام .
– النبوة والأنبياء في اليهودية والمسيحية والإسلام .
– المسيح : في مصادر العقائد المسيحية .

ثانيا : دراسات أخرى :

– العلوم الذرية الحديثة في التراث الإسلامي .
– إعجاز النظام القرآني .
– حقيقة التبشير بين الماضي والحاضر .

لقد بدأ اللقاء بإخلاص وحب ورغبة أكيدة في الوصول إلى الهدى والرشاد . . وانتهى- بإحقاق ما هو حق ، وإبطال ما هو باطل . . . ! لقد آمن جميع المسيحيون المناظرون ، ودخلوا في دين الله عن إيمان وإذعان . . . !
وقال قائلهم- كلمة عمر – رضي الله عنه : والله لا يبقى مجلس جلست فيه بالكفر إلا جلست فيه بالإيمان . . . !

ثم استمروا في طريقهم . . يؤدون دورهم في الدعوة إلى الله ، . . . فبلغ حتى الآن عدد الذين أسلموا بإسلامهم خمسمائة !! .
وما زالت الوفود تتوالى . . .
وصدق الله العظيم إذ يقول : { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ } . (1) .
وإذ يقول : { وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا } . (2) .
_________
(1) سورة التوبة ، آية 23 – الصف ، آية 9.
(2) سورة الإسراء ، آية 81.

كلمات الافتتاح للمشاركين

كلمة فضيلة الشيخ : طاهر أحمد طالبي الملحق الديني بسفارة المملكة العربية السعودية بالخرطوم .
كلمة فضيلة الشيخ : عوض الله صالح رئيس هيئة إحياء النشاط الإسلامي بالسودان .
كلمة تمهيدية للأستاذ : الدكتور محمد جميل غازي .
كلمات القس : جيمس بخيت ، والسيد : تيخا رمضان .
كلمة افتتاحية للأستاذ الدكتور : محمد جميل غازي .

كلمة الشيخ : طاهر أحمد طالبي

الملحق الديني بسفارة المملكة العربية السعودية بالخرطوم
بسم الله الرحمن الرحيم . وبحمده نستفتح ، وصلاة وسلاما على خيرته من خلقه محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته واهتدى بهداه إلى يوم الدين وبعد :

إخوتي الأفاضل ، مستمعين الأعزاء ، إنه ليسعدني ويسعدكم أيضا مثل هذا اللقاء الإسلامي- النصراني الذي تم بناء على طلب مقدم من القس : جيمس بخيت سليمان ، موجه لرئيس وأعضاء هيئة إحياء النشاط الإسلامي بالسودان وللملحق الديني بسفارة المملكة العربية السعودية بالخرطوم أيضا . وإنه ليسعدنا جميعا أن يكون مثل هذا اللقاء على الإخاء والمحبة لنعرف الحقيقة ولنعرف الحق من الباطل . والله نسأل أن يوفقنا للحق أينما كان ، وحيثما كان ، وأن يرزقنا اتباعه ، كما نرجو أن تتكور مثل هذه اللقاءات في كل مكان وفي كل زمان ، كما نرجو أن تثمر ويكون لها أثر ففال حتى يهدينا الله إلى طريق الحق والخير والسلام .
وبعد : فإنه ليسرني ويسركم أن يفتتح هذا اللقاء الأستاذ الفاضل والشيخ الكبير : عوض الله صالح الرئيس العام لهيئة إحياء النشاط الإسلامي في السودان ، ومفتي جمهورية السودان سابقا ، والعضو الحالي والمشارك في رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة ، فليتفضل جزاه الله خيرا عن الإسلام .

كلمة فضيلة الشيخ : عوض الله صالح

رئيس هيئة إحياء النشاط الإسلامي بالسودان
بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى جميع إخوانه من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
أما بعد : فإني سعيد بهذا اللقاء وأرحب بكم في هذه الدار نيابة عن الإخوة أعضاء هيئة إحياء النشاط الإسلامي .
ولقد حضرت قبل خمس سنوات حوارا يشبه هذه المناظرة في طرابلس بليبيا ، ولقد كان أول ما يلاحظ على تلك الندوة أنها بعدت عن كل كلمة نابية ، بل لم يذكر نبي من قبل المسلمين غير محمد صلوات الله عليه وسلامه : إلا ذكر بكلمات تعظيم وتقدير ، ولم يذكر من المسيحيين غير عيسى – عليه السلام – أي نبي : إلا وكانت تحف كل كلمة حوله مظاهر التبجيل والإكرام ، ولقد كانت تلك الندوة بحق ندوة بحث عن حقيقة .
إن في العالم أخطاء كثيرة . . .
إن بعض أفهام خاطئة عن الإسلام شائعة . . . وينبغي أن تصحح باللقاءات الهادفة والمناقشات الهادئة ، وان بعض الأخطاء والانحرافات موجودة في تصورات من ينتمون إلى الإسلام وسلوكهم . . .
والدارس المنصف يقرر أن الإسلام شيء والمنتمين إليه شيء آخر . . .

فالإسلام- ككل ملة ونحلة- إنما يراجع في نقوله المقررة والمتفق عليها . . .
وما يقال عن الإسلام يقال عن المسيحية التي كانت أبعد عهدا من الإسلام . .
والدراسة المنصفة والنية الخالصة والرغبة الأكيدة في الوصول إلى الصراط المستقيم . . كل أولئك قادر على تصحيح الأخطاء وكشف الشبهات وتوضيح الغموض وإعادة الدين وجوهره إلى نقائه وصفاته .
إن كلمتي هذه ليست مشاركة في هذه الندوة ، وإنما هي ترحيب فقط . . باسمي . . وباسم إخوتي أعضاء هيئة إحياء النشاط الإسلامي . .
ولا يفوتني بهذه المناسبة أن أذكر لكم لمحة عن ندوة سابقة أعجبتني . . وأنا على يقين أن هذه الندوة ستكون على مستواها من الموضوعية والإخلاص والالتزام . .
لقد اتفق المتحاورون من مسلمين ومسيحيين أن يقفوا بدعواتهم عند مناطقهم إسلامية كانت أو مسيحية .

أنا لا أعرف ماذا جرى من المسيحيين بعد هذا الاتفاق الذي فات عليه الآن أكثر من ست سنوات . ولكني أؤكد- وفي هذا البلد بالذات- أننا التزمنا من جانبنا بأننا لا نعمل إلا في جو المسلمين وأطفال المسلمين لنحتفظ بهم وبإسلامهم حتى لا ينجرفوا انجرافا لا يعجب الإسلام ولا المسيحية على السواء . وإني أرجو أن يكون من نتائج ذلك أيضا أن لا تذهب المسيحية إلى مواطن المسلمين لإغرائهم ، وأكثر ما يغري الناس : الفقر والضعف الفكري ، فيتحولون من عقيدة إلى عقيدة .
أخشى أن أكون قد أطلت عليكم ، وأرحب بكم جميعا ، وأتمنى أن تزيل هذه المناظرة اللثام عن الحق في مسألة من أهم المسائل المتعلقة بحياة الإنسان بل هي أعظمها ؛ وهي الطريق القويم لعبادة الله العبادة الحقة ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

كلمة تمهيدية للأستاذ الدكتور : محمد جميل غازي

بسم الله الرحمن الرحيم { وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } (1) . وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
في الأول نقدم لكم الأخ : جيمس بخيت ليتحدث معكم وقبل أن أقدمه إليكم لي رجاء أن أرى الابتسامة على وجوهكم . فأرجو أن نكون جميعا على تفاؤل كامل لأننا مقبلون ولله الحمد على عمل طيب وصالح . ونسأل الله أن يكون موفقا ، لا عداء بيننا ولا كراهية وإنما هو الحب الذي جمعنا والحب هو الذي جعل كل واحد منا يتحدث إلى صاحبه . بالحب كله وبالتقدير كله فإنني أقدم إليكم الأخ جيمس بخيت ، أو من يقدمه إليكم ، وأرجو من خلال حديثه أن يشير إلى هذه الأسئلة التي قدمها إلى فضيلة الأخ الشيخ طاهر أحمد طالبي لتكون هي مجال المناظرة في هذه الندوة أو في هذا اللقاء الإسلامي النصراني والذي بدأ انعقاده هذه الليلة ولا يعلم إلا الله وحده كم يستمر من ليال وكم يستغرق من ساعات .
_________
(1) سورة النمل ، آية 93.

كلمة السيد جيمس بخيت
وكلمة السيد تيخا رمضان

قال السيد جيمس بخيت :
أيها السادة : مساء الخير . يتحدث نيابة عني الأخ : تيخا رمضان .

ثم قال السيد : تيخا رمضان :
السادة أعضاء هيئة إحياء النشاط الإسلامي . السيد فضيلة الملحق الديني السعودي بالخرطوم . السلام عليكم ورحمة الله .
إنها بحق إِرادة الله الذي مهد لنا هذا الاجتماع الروحي لا للانتقاد أو الإدانة وإنما للاستفسار وتوضيح بعض المواضيع الدينية في الإسلام والمسيحية بالأدلة والبراهين ، كما أنزله الله على رسله بعيدين عن أي تعصب ديني . آملين أن يهدينا الله جميعا لما فيه خير أمتنا .
السادة الكرام : نحن القادة المسيحيون في العاصمة المثلثة وجبال النوبة كنا مسلمين بالوراثة ولكننا لم نتعمق في تعلم الإسلام ، وتعلمنا أيضا شيئا من الديانة المسيحية نتيجة للتبشير المكثف الذي تقوم به الطوائف المسيحية بالسودان .

سادتي : لقد أحدث هذا خلطا بين العقيدتين وشكوكا في نفوسنا مما أدى بنا إلى اللجوء إلى البشير : جيمس بخيت ، بعد عودته من ” الولايات المتحدة الأمريكية وكندا ” بدعوة من إحدى الطوائف المسيحية هناك آملين أن نجد لديه المساعدة في هذا الشأن لإيجاد مخرج لنا ، فإما آمنا بالإسلام أو بالمسيحية بعد معرفة الحقيقة .
هذا وكان السبب الذي دعانا إلى اللجوء إلى البشير : جيمس ، ما لمسناه من اقتداره في الناحية الدينية وإيمانا منه بحرية العبادة مع ملاحظة أنه رفض كل الطوائف المسيحية في السودان ، ويسعى الآن لتأسيس طائفة مسيحية يقوم بإدارتها إخوة سودانيون .

لقد كان رد البشير : جيمس لنا أنه كما كفلت الثورة حرية العبادة للجمع فيجب علينا أيضا أن نساعد في تنفيذ هذا المبدأ مسلمين كنا أو مسيحيين على السواء ، ونبعد التعصب الديني من أنفسنا ، ونعطي كل فرد حريته في اختيار المذهب الذي يريده . وقد نصحنا البشير : جيمس ، بعدم الانضمام لأي مذهب ديني حتى طائفته ، رفض أيضا أن ننضم إليها إذا لم يكن ذلك بالاقتناع التام . وقد قام باختيار منازل بعض الإخوة كمراكز لتجمعات روحية فكان من نتاج تحركه واهتمامه بهذه المشكلة مولد اجتماع اليوم .

ولا يفوتنا أيضا أن نخص بالشكر الأستاذ : جويعد النفيعي الملحق الثقافي السعودي بالخرطوم لما بذله من جهود عظيمة لتحقًيق رغبة الإخوة للالتقاء بهيئة إحياء النشاط الإسلامي وفضيلة الشيخ طاهر أحمد طالبي الملحق الديني السعودي بالخرطوم .

وفي الختام أيها السادة نسأل الله الكريم أن يساعدنا ويهدينا إلى الطريق القويم ويظللنا ببركاته ويقوينا ويعطينا المقدرة لإتمام رسالته من أجل الخلاص الروحي .

والسلام عليكم ورحمة الله وركاته .

الأسئلة التي تقدم بها الجانب المسيحي برئاسة البشير : جيمس بخيت لتكون موضوعا للمناظرة الإسلامية النصرانية .

بعد كلمة السيد : تيخا رمضان ، وقف البشير : جيمس بخيت ليقرأ الأسئلة المقدمة لتكون موضوعا للمناظرة الإسلامية النصرانية وهي ذات شقين ، يدور الأول منها حول الديانة المسيحية ، ويدور الثاني حول الديانة الإسلامية .

وهذه الأسئلة هي :

1- الديانة المسيحية
1- هل يؤيد القرآن المسيح والإنجيل ؟
2- النسخ والتحريف في الإنجيل كيف تم كما يزعم المسلمون ؟ وهل يحتفظ المسلمون بأصل الإنجيل ؟
3- الخمر محرم في القرآن ولكنه غير محرم في الإنجيل فكيف تفسرون ذلك ؟ وهل هناك آية في القرآن الكريم تحرم الخمر ؟
4- هل يؤمن المسلمون برسل المسيح الذين اختارهم وأوكل إليهم مهمة التبشير لجميع الأمم كما ذكر في الإنجيل ؟
5- هل يؤيد القرآن الكريم الروح القدس ؟
6- حسب ما جاء في الإنجيل أن المسيح – عليه الصلاة والسلام – صلب ومات ودفن ثم قام من بين الأموات في اليوم الثالث . فماذا جاء في القرآن فيما يختص بهذا القول ؟
7- ورد في الإنجيل أن المسيح ابن الله . فما رأي القرآن ؟
8- هل يؤيد القرآن الكريم الأقانيم الثلاثة : الأب والابن والروح القدس حسب ما جاء في الإنجيل ؟

9- ما هي مكانة مريم العذراء لدى المسلمين كأم المسيح عليه الصلاة والسلام ؟

2- الدين الإسلامي
1- محمد – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم – كيف كانت حياته ونزول القرآن عليه ؟
2- كيف نقنع المتشككين بأنه خاتم الأنبياء كما جاء في القرآن فقط ؟
3- هل استعمل السيف في فجر الإسلام لإخضاع الكفار للدخول في الإسلام ؟ وهل كان ذلك في عهد الرسول – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم – أم في عهد الخلفاء الراشدين ؟
4- ما رأي المسلمين في إخوتهم العلماء الذين قاموا بتفسير القرآن حسب آرائهم مما أدى ذلك إلى تكوين طوائف مختلفة ، وما حقيقة هذه الطوائف ؟
5- يتزوج المسلمون بأكثر من امرأة . فهل هناك آية في القرآن توضح ذلك ، وما هي الأسباب التي دعت النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم – يتزوج بأكثر من أربع ؟
6- لماذا يحرم القرآن لحم الخنزير ؟ وهل هناك آية تحرم ذلك ؟
7- هل يقلد القرآن أن المسيح عليه السلام مرسل لبني إسرائيل فقط ؟
8- نلاحظ في القرآن أن هناك آيات تنسخ آيات ، مثل :

{ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ }{ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ }{ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ }{ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ }{ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ }{ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } (1) . في حين أن هناك آية أخرى تقول { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } (2) .
فما رأي المسلمين في هذا التناقض ؟
9- ما هي نظرة المسلم لغير المسلم فيما يختص بالمعاملات الاجتماعية المختلفة ؟
10- لماذا تمنع السلطات السعودية دخول المسيحيين في الأماكن المقدسة في المملكة العربية السعودية ؟
_________
(1) سورة الكافرون ، الآيات 1-6.
(2) سورة المائدة ، آية 3.

كلمة افتتاحية للأستاذ الدكتور : محمد جميل غازي

إذا كان من المقرر أن ألقي كلمة في أول هذا الاجتماع وفي افتتاحه فإن خير ما يمكن أن أقول هو أن أقرأ عليكم بعض آيات من القرآن الكريم .
يقول الله سبحانه وتعالى . أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :

{ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }{ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }{ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }{ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ }

{ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ }{ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }{ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }{ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ }{ وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }

{ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }{ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }{ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ }{ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ }

{ قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ } { تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }{ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } . (1) .
_________
(1) سورة البقرة ، الآيات 127-141.

أتمنى أن أدير حديثي لا مع هؤلاء الأفاضل الطيبين ولكن معكم أنتم أيها المسلمون . بماذا تردون على هذه الكلمات الطيبة التي ألقاها في وجوهكم هذا الأخ الطيب حينما أعلنكم بهذه الحقائق المرة ؟ هل فكرتم أنكم الجناة الحقيقيون ؟ هل فكرتم أنكم ستدانون بين يدي الله لأنكم قصرتم في تبليغ كلمة الله ، لم تعلنوها ولم تنطقوا بها ؟ لقد استمرأتم الحياة الدنيا ورفاهيتها ، وعشتم في أحضان الدعة والهدوء والاستقرار ، وآثرتم الطريق الآمن والأسهل في الوقت الذي كان الأجانب يأتون فيه من آخر الدنيا يدكون حصونكم ويدقون أبوابكم دقا عنيفا ، ويسرقون أولادكم وفلذات أكبادكم ؟ هل فكرتم في هذه الكلمات الطيبة التي قالها الأخ الطيب ومزق بها كبدي ؟ أرجو أن تعلموا أنها لكم . لا بد أنها تهز مضاجعكم حتى لا تهنأوا بمنام وحتى لا تستقر جنوبكم على الأرض فلا نامت أعين الجبناء .

وإنما عليكم أن تحرسوا بناء محمد ودعوة الأنبياء جميعا .

أما الأسئلة التي قرأها عليكم الأستاذ : جيمس ، فلقد رأيت أن أعيد وضع خريطة لها لتكون هي الخريطة التي تؤدي بنا إلى مجموعة من الدراسات لأننا لسنا في حاجة إلى مواعظ ، ولسنا في حاجة إلى خطب رنانة ، وعلى جيوش الخطباء أن يوفروا جهودهم . إننا في حاجة إلى دراسة علمية موضوعية هادئة وهادفة نعرف فيها الحق ونعرف فيها الطريق المستقيم حتى نسلكه جميعا صفا واحدا .

ولقد رأيت أن أعيد تنظيم الخريطة وأن أوزعها على الإخوة الأساتذة الذين سيتولون الحديث معكم لا في هذه الليلة فحسب ، بل وفي ليال تالية إن شاء الله .

وعليكم أن تصبروا علينا لأن جهالات عصور كاملة ينبغي أن تمحى ، وهي ليست متعة صيد أو فسحة ، وإنما هي دراسة ديانات كاملة والديانات لا تدرس في رحلة ولا تدرس في جلسة واحدة ، وإنما تدرس دراسات متأنية عبر النصوص المقدسة عند الطرفين .

خريطة العمل

ولسوف يكون تنظيم خريطة العمل على الوجه التالي :
في هذه الليلة سوف يحدثكم الأخ الأستاذ : أحمد عبد الوهاب ، حول قضية قانونية الأناجيل ، ولقد جاء حولها أسئلة ، منها السؤال القائل بالنسخ والتحريف في الإنجيل كيف تم كما يزعم المسلمون ؟ وهل يحتفظ المسلمون بأصل الإنجيل ؟

وقبل أن أقدم لكم الأستاذ : أحمد ، أود أن أشير إلى نقطتين ، الأولى :
أن نبدأ بالإجابة على الأسئلة النصرانية أولا ، لأن دراسة النصرانية يجب أن تسبق دراسة الإسلام . وأما الثانية : فهي ألا يكتفي الأستاذ : أحمد بالإجابة على هذين السؤالين الخاصين بالنسخ والتحريف ، وإنما هناك موضوعات أخرى مرتبطة بهما يجب الاهتمام بها ، كقصة كتابة الأناجيل ، وكيف قبل بعضها وصار قانونيا مثل الأناجيل الأربعة ، وكيف رفض أكثريتها ولماذا ؟ رما هي موضوعات التآلف أو الاختلافات بين هذه الأناجيل القانونية ؟ ثم ما هو موقف بقية أسفار العهد الجديد وقيمتها العقائدية ، وكيف تكون العهد الجديد القانوني ؟ كل هذا وما يرتبط به وهو كثير وكثير أرجو أن نتلقى فيه إجابات واضحة محددة من الأخ الأستاذ : أحمد عبد الوهاب . والله أسأل أن يهدينا إلى الحق فإنه لا يهدي إلى الحق إلا هو وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه وأن يرينا . الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه .

وأترككم الآن مع الأستاذ : أحمد عبد الوهاب ليبدأ حديثه .

1- إنجيل مرقس :


1- يقول بابياس (حوالي عام 135 م) : ” في الواقع أن مرقس الذي كان ترجمانا لبطرس قد كتب بالقدر الكافي من الدقة التي سمحت بها ذاكرته ما قيل عن أعمال يسوع وأقواله ولكن دون مراعاة للنظام .
(ونلاحظ أن مرقس هذا هو كاتب أقدم الأناجيل الذي اعتمد عليه كل من متى ولوقا ) .
ولقد حدث ذلك لأن مرقس لم يكن قد سمع يسوع ولا كان تابعا شخصيا له ، لكنه في مرحلة متأخرة كما قلت أنا ( بابياس ) من قبل قد تبع بطرس ” .
ويتفق مع قول بابياس هذا ما اقتبسه أيرنيوس في قوله : ” بعد موت بطرس ويولس فإن مرقس تلميذ بطرس وترجمانه سلم إلينا كتابة ما صرح به بطرس ” (1) .
2- ” لم يوجد أحد بهذا الاسم ( مرقس ) عرف أنه كان على صلة وثيقة وعلاقة خاصة ( بيسوع ) أو كانت له شهرة خاصة في الكنيسة الأولى . . ومن غير المؤكد صحة القول المأثور الذي يحدد مرقس كاتب الإنجيل بأنه يوحنا مرقس المذكور في (أعمال الرسل 12 : 12 ، 25- أو أنه مرقس المذكور في رسالة بطرس الأولى ، 5 : 13 أو أنه مرقس المذكور في رسائل بولس : كولوسي 4 : 10 ، (2) تيموثاوس 4 : 11 ، فليمون 24) .
_________
(1) فريدريك جرانت : ص73 ، 74.

لقد كان من عادة الكنيسة الأولى أن تفترض أن جميع الأحداث التي ترتبط باسم فرد ورد ذكره في العهد الجديد إنما ترجع جميعها إلى شخص واحد له هذا الاسم ، ولكن عندما نتذكر أن اسم مرقس كان أكثر الأسماء اللاتينية شيوعا في الإمبراطورية الرومانية فعندئذ نتحقق من مقدار الشك في تحديد الشخصية في هذه الحالة (1) .

3- وبالنسبة لتاريخ كتابة هذا الإنجيل : ” فإنه غالبا ما يحدد في الجزء المبكر من الفترة 65-67 م ، وغالبا في عام 65 م ، أو عام 66 م . . ويعتقد كثير من العلماء أن ما كتبه مرقس في (الإصحاح 13) قد سطر بعد عام 70 م ” .

وأما عن مكان الكتابة : ” فإن إنما المأثورات المسيحية الأولى لا تسعفنا . . إن كليمنت السكندري وأوريجين يقولان روما ، بينما يقول آخرون مصر . وفي غياب أي تحديد واضح تمدنا به هذه المأثورات لمعرفة مكان الكتابة فقد بحث العلماء داخل الإنجيل نفسه عما يمكن أن يمدنا به ، وعلى هذا الأساس طرحت بعض الأماكن المقترحة مثل أنطاكية ، لكن روما كانت هي الأكثر قبولا ” (2) .

ومن ذلك يتضح أن أحدا لا يعرف بالضبط من هو مرقس كاتب الإنجيل ، كذلك فإن أحدا لا يعرف بالضبط من أين جاء هذا الإنجيل .
مشاكل إنجيل مرقس :
_________
(1) دنيس نينهام : ص39.
(2) دنيس نينهام : ص42.

إن من مشاكل إنجيل مرقس :

اختلاف النسخ على مر السنين ، ولقد أدى ذلك إلى قول علماء المسيحية إنه قد ” زحفت تغييرات تعذر اجتنابها ، وهذه حدثت بقصد أو بدون قصد . ومن بين مئات المخطوطات- أي النسخ التي عملت باليد- لإنجيل مرقس والتي عاشت إلى الآن فإننا لا نجد أي نسختين تتفقان تماما ” .

كذلك من مشاكل إنجيل مرقس خاتمة هذا الإنجيل ، ذلك أن الأعداد من 9 إلى 20 (التي تتحدث عن ظهور المسيح ودعوته التلاميذ لتبشير العالم بالإنجيل) هذه تعتبر إلحاقية ، أي أنها أضيفت فيما بعد بحوالي 110 من السنين ، فلم تظهر لأول مرة إلا حوالي سنة 180 م (1) .
_________
(1) دنيس نينهام : ص11.

2- إنجيل متى :


” لا يزال من الواضح أن كلًا من بولس الهلليني ومتى المبشر اليهودي له وجهة نظر تخالف الآخر تماما فيما يتعلق بأعمال يسوع وتعاليمه ” (1) .
وأما بالنسبة لتاريخ كتابة هذا الإنجيل فيمكن القول بأنه ” كتب في حوالي الفترة من 85 إلى 105 م ، وعلى أية حال فيمكن القول بأنه كتب في الربع الأخير من القرن الأول أو في السنوات الأولى من القرن الثاني ” (2) .
وفيما يتعلق بمكان تأليفه : ” فإن شواهد قوية تشير إلى أنطاكية باعتبارها موطنه الأصلي . ولما كان من الصعب ربط الإنجيل بمدينة محددة (مثل أنطاكية) فمن المناسب إذن القول بأنه يأتي من مكان ما في المنطقة المحيطة بها أو أي مكان ما يقع شمال فلسطين ” (3) .


مشاكل إنجيل متى :

1- توقع نهاية العالم سريعا : ولو أن هذه الفكرة قد سيطرت على تفكير مؤلفي أسفار العهد الجديد ، إلا أن متى كان أكثرهم حرصا على تأكيد ذلك . فهو قد يتوقع أن تأتي نهاية العالم في أيام المسيح : قبل أن يكون رسله قد أكملوا التبشير في مدن إسرائيل (10 : 23) ، وقبل أن يدرك الموت بعض معاصري المسيح والذين استمعوا إلى تعاليمه (16 : 28) وقبل أن يكون ذلك الجيل الذي عاصر المسيح وتلاميذه قد فني (24 : 34) .
_________
(1) فريدرلك جرانت : ص 141.
(2) جون فنتون : ص 11.
(3) فريدريك جرانت : ص 140.

ومن الواضح كما يقول جون فنتون في ص 21- ” أن شيئا من هذا لم يحدث كما توقعه متى ” .
2- ثم تأتي خاتمة الإنجيل التي يشك فيها العلماء ويعتبرونها دخيلة .
فهي تنسب للمسيح قوله لتلاميذه : ” اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس (28 : 19) ” .
ويرجع هذا الشك- كما يقول أدولف هرنك – وهو من أكبر علماء التاريخ الكنسي ، إلى الآتي :
أ- ” لم يرد إلا في الأطوار المتأخرة من التعاليم المسيحية ما يتكلم عن المسيح وهو يلقي مواعظ ويعطي تعليمات بعد أن أقيم من الأموات ، وأن بولس لا يعلم شيئا عن هذا ” .
ب- ” إن صيغة التثليث هذه غريب ذكرها على لسان المسيح ، ولم يكن لها نفوذ في عصر الرسل ، وهو الشيء الذي كانت تبقى جديرة به ، لو أنها صدرت عن المسيح شخصيا ” (1) .
_________
(1) أدولف هرنك : ج1- ص79.

3- إنجيل لوقا :


يبدأ بمقدمة ألقت كثيرا من الضوء على ما كان يحدث في صدر المسيحية ، وخاصة فيما يتعلق بتأليف الأناجيل ، فهو يقول :
” إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخذاما للكلمة . رأيت أنا أيضا إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس . لتعرف صحة الكلام الذي علمت به ” (1 : 1-4) .


ومن هذه المقدمة يتضح جملة أمور لا بد من التسليم بها :
1- أن لوقا يكتب رسالة شخصية إلى ثاوفيلس ، وأن هذه الرسالة تكتب على التوالي حسبما تتوفر لها إمكانيات الكتابة من وقت ومعلومات .
2- وأن هذا العمل قام به لوقا بدافع شخصي بحت بغية أن تصل المعلومات التي علم بها إلى صديقه . ولم يدع الرجل في رسالته أنه كتبها بإلهام أو مسوقا من الروح القدس ، بل إنه يقرر صراحة أن معلوماته جاءت نتيجة لاجتهاده الشخصي لأنه تتبع كل شيء من الأول بتدقيق .
3- كذلك يقرر لوقا أن كثيرين قد أخذوا في تأليف أناجيل .

4- وأخيرا يعترف لوقا بأنه لم ير المسيح ولم يكن من تلاميذه ، لكنه كتب رسالته بناء على المعلومات التي تسلمها من الذين عاينوا المسيح وكانوا في خدمته . ومن المعلوم أن سفر أعمال الرسل- وهو أطول أسفار العهد الجديد- هو الجزء الثاني من رسالة لوقا إلى ثاوفيلس .

ولقد حاول العلماء معرفة ثاوفيلس هذا ، لكن جهودهم لم تصل إلى نتيجة محددة .

يقول فريدريك جرانت : ” لم نخطر بمن يكون ثاوفيلس هذا ، قد يمكن افتراضه موظفا رومانيا . . كذلك لم نخطر بمن أولئك الكثيرين الذين أخذوا في تأليف قصص مماثلة . . ورغم أن الموضوع لا يتعدى مجرد احتمالات غير مؤكدة فليس من المتعذر أن يكون مؤلف إنجيل لوقا قد جمع مادته في فلسطين أو سوريا مبكرا في الفترة 70- 80 م ، ثم ربطه بالجزء الأكبر من إنجيل مرقس في وقت ما من السبعينات ثم أصدر إنجيله حوالي عام 80 أو 85 م . وبعد ذلك بحوالي خمس سنوات فإنه ذيل كتابه الأصلي برسالة ثانية نعرفها الآن باسم أعمال الرسل . . ثم نشر مصنفه في حوالي عام 95 م ” (1) .

ومن أقوال العلماء في كتابات لوقا :
_________
(1) فريدريك جرانت : ص 121 ، 127 ، 128.

” إن سفر أعمال الرسل يوجد به كثير من النقاط التي تتعارض تعارضا تاما مع التعاليم المذكورة في رسائل بولس ، ومن غير المعقول إذن أن تكون هذه قد سطرها شخص له معرفة مباشرة ببولس ورحلاته التبشيرية (التي تحدث عنها تفصيلا سفر أعمال الرسل حتى أن هذا السفر يسمى أحيانا سفر أعمال بولس . . ) . ومن النادر ذكر لوقا كشخصية بارزة في سجلات التاريخ للقرن الأول من المسيحية ” (1) .

مشاكل إنجيل لوقا :

1- ” يعاني نص إنجيل لوقا من التغييرات التي تعاني منها الكتب الأخرى للعهد الجديد ، إلا أن النص الغربي للإنجيل وسفر أعمال الرسل يعاني من اختلافات كثيرة بالإضافة أو الحذف عما في النصوص الأخرى لذات الإنجيل ، مثل النص السكندري والنص البيزنطي ” (2) .

2- ” ثم هناك المشكلة الحادة التي نتجت عن اختلاف نسب المسيح كما ذكره لوقا عما جاء في نظيره في إنجيل متى وفي أسفار العهد القديم ” . وهذه واحدة من مشاكل الأناجيل التي سوف نبحثها فيما بعد .
_________
(1) جورج كيرد : ص 15 ، 16 ، 17.
(2) جورج كيرد : ص 32-33.

4- إنجيل يوحنا :


” لقد كان من المعتقد لفترة طويلة أن يوحنا كان على بينة من وجود الأناجيل الثلاثة المتشابهة ، وأنه قد كتب ليكملهم أو ليصحههم في حالة أو حالتين . فقد جرى القول بأن حادثة تطهير الهيكل- على سبيل المثال- قد وضعها يوحنا عمدا في بداية دعوة يسوع ، لأنه حسبما تذكرها يوحنا الذي تقدمت به السنون كان ذلك موضعها .


كذلك فإنه صحح تاريخ الصلب ، حيث وضعه عشية الفصح في اليوم الذي تذبح فيه خراف الفصح . ومن ناحية أخرى فإن لقب : ابن الإنسان (الذي كان يطلقه المسيح على نفسه ويفضله كثيرا على الألقاب الأخرى) والي لم يستخدمه بولس قط ، قد أبقى عليه يوحنا . .


لقد كان يوحنا مسيحيا ولجانب ذلك فإنه كان هللينيا ، ومن المحتمل ألا يكون يهوديا ولكنه شرقي أو إغريقي . .
ومن المحتمل أن يكون إنجيل يوحنا قد كتب في أنطاكية أو أفسس أو الإسكندرية أو حتى روما ، فإن كلا من هذه المدن كانت مركزا عالميا للدعاية العقائدية في القرنين الأول والثاني من الميلاد ، كما كانت على اتصال ببعضها ” (1) .


ويقول جون مارش في مقدمته لتفسير إنجيل يوحنا تحت عنوان : ” استحالة التوكيد ” :
_________
(1) فريدريك جرانت : ص 156 ، 166 ، 174 ، 178.

” حين نأتي لمناقشة المشاكل الهامة والمعقدة التي تتعلق بالإنجيل الرابع وإنجيله ، نجد أنه من المناسب والمفيد أن نعترف مقدما بأنه لا توجد مشكلة للتعريف (بالإنجيل وكاتبه) يمكن إيجاد حل لها .
من كان يوحنا هذا الذي قيل إنه المؤلف ؟ أين عاش ؟ لمن من الجمهور كان يكتب إنجيله ؟ أي المصادر كان يعتمد عليها ؟ متى كتب مصنفه ؟ . .

حول كل هذه الأسئلة وحول كثير غيرها توجد أحكام متباينة ، أحيانا تقرر تأكيدات قوية ومع ذلك فإن أيا منها لا يرقى إلى مرتبة اليقين . . .

(ثم يختتم جون مارش مقدمته بقوله) :
وبعد أن نفرغ كل ما في جعبتنا نجد أنه من الصعب إن لم يكن من المستحيل تحقيق أي شيء أكثر من الاحتمال حول مشاكل إنجيل يوحنا .

ويعتقد كاتب هذه السطور ( جون مارش ) أنه ليس من المستحيل الاعتقاد أنه خلال السنوات العشر الأخيرة من القرن الأول الميلادي قام شخص يدعى يوحنا ، من الممكن أن يكون يوحنا مرقس ، وقد تجمعت لديه معلومات وفيرة عن يسوع ، ومن المحتمل أنه كان على دراية بواحد أو أكثر من الأناجيل المتشابهة ، فقام عندئذ بتسجيل شكل جديد لقصة يسوع اختص بها طائفته التي كانت تعتبر نفسها عالمية ، كما كانت متأثرة بوجود تلاميذ يوحنا المعمدان ” (1) .

مشاكل إنجيل يوحنا :

تقول دائرة المعارف الأمريكية : ” يوجد ذلك التضارب الصارخ بينه وبين الأناجيل المتشابهة ، فهذه الأخيرة تسير حسب رواية مرقس للتسلسل التاريخي للأحداث فتجعل منطقة الجليل هي المحل الرئيسي لرسالة يسوع ، بينما يقرر إنجيل يوحنا أن ولاية اليهودية كانت المركز الرئيسي .
وهناك مشكلة الإصحاح الأخير (رقم 21) من الإنجيل : إن القارئ العادي يستطيع أن يرى أن الإنجيل ينتهي بانسجام تام بانتهاء الإصحاح العشرين الذي يقول : وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله . . إن هذا الإعلان يبين بوضوح الغرض الذي كتب من أجله هذا الكتاب .
_________
(1) جون مارش : ص20 ، 80.

بعد ذلك يأتي الإصحاح الأخير (رقم 21) الذي يخبرنا أن يسوع ظهر كرب أقيم من الأموات لخمسة تلاميذ . . وأنه قال لبطرس : ارع خرافي . . وكذلك تعليق مبهم يقول : هذا هو التلميذ الذي جاء عن طريق الجماعة التي تشير إلى نفسها بكلمة : نحن (نعلم) . . وفي حقيقة الأمر فإن هؤلاء يصعب تحديدهم ” (1) .
ولقد ظهر شيء من التآلف بين إنجيلي لوقا ويوحنا مما ساعد على ظهور نظرية تقول بأن يوحنا استخدم إنجيل لوقا كأحد مصادره . إلا أن هذه النظرية تجد معارضة بسبب الاختلاف الواضح بين الإنجيلين في المواضع المشتركة بينهما :
” فكلا الإنجيلين يتحدث عن بطرس وصيد السمك بمعجزة ، لكن أحدهما ( لوقا ) يضع القصة مبكرا في رسالة يسوع في الجليل ، أما الآخر ( يوحنا ) فيضعها بعد قيامه من الأموات ” ( لوقا 5 : 1- 11 ، يوحنا 21 : 1-14) .
وكلاهما يتحدث بلغة مشتركة عن كيفية مسح يسوع (بالطيب) من امرأة . لكنها في أحدهما ( لوقا ) كانت زانية في بيت فريسي ، بينما هي في الآخر ( يوحنا ) كانت امرأة صديقة ليسوع ، وأن ذلك حدث في بيتها .
( لوقا 7 : 36- 38 ، يوحنا 12 : 1- 8) (2) .
_________
(1) دائرة المعارف الأمريكية : ج16- ص 159.
(2) جورج كيرد : ص20.

أما بعد . . فإن النتيجة التي لا مفر من التسليم بها كما بينتها هذه الخلاصة لأبحاث علماء النصرانية تقول بحق :
إِن الأناجيل القانونية ما هي إلا كتب مؤلفة- بكل معنى الكلمة- وهي تبعا لذلك معرضة للصواب والخطأ . ولا يمكن الادعاء ولو للحظة واحدة أنها كتبت بإلهام .
لقد كتبها أناس مجهولون ، في أماكن غير معلومة ، وفي تواريخ غير مؤكدة . والشيء المؤكد- الذي يلحظه القارئ البسيط كما يلحظه القارئ المدقق- أن هذه الأناجيل مختلفة غير متآلفة ، بل إنها متناقضة مع نفسها ومع حقائق العالم الخارجي (حيث فشلت التنبؤات بنهاية العالم) كما رأينا وكما سنرى فيما بعد .

إن هذا القول قد يضايق النصراني العادي ، بل إنه قد يصدمه ولكن بالنسبة للعالم النصراني المدقق فقد أصبح القول بوجود أخطاء في أسفار الكتاب المقدس حقيقة مسلما بها .

إن الكنيسة الكاثوليكية كانت تتمسك بشدة بعقيدة الإلهام ، كما يقول موريس بوكاي التي تأكد القول بها في مجمع الفاتيكان الذي عقد عام 69- 1870 م ، والذي تقرر فيه ” أن الكتب القانونية لكل من العهدين القديم والجديد قد كتبت بإلهام من الروح القدس وأعطيت هكذا للكنيسة ” .

لكنها عادت الآن- بعد نحو قرن من الزمان- لتواجه الحقائق وتعترف بها . فلقد بحث المجمع المسكوني الثاني للفاتيكان (62- 1965 م) المشكلة التي تتعلق بوجود أخطاء في بعض نصوص أسفار العهد القديم ، وقدمت له خمس صيغ مقترحة استغرق بحثها ثلاث سنوات من الجدل والمناقشة . وأخيرا تم قبول صيغة حظيت بالأغلبية الساحقة ، إذ صوت إلى جانبها 2344 ضد 6 ، وقد أدرجت في الوثيقة المسكونية الرابعة عن التنزيل فقرة تختص بالعهد القديم (الفصل الرابع ، ص 53) تقول :
” بالنظر إلى الوضع الإنساني السابق على الخلاص الذي وضعه المسيح تسمح أسفار العهد القديم للكل بمعرفة من هو الله ومن هو الإنسان . .
غير أن هذه الكتب تحتوي على شوائب وشيء من البطلان ” .
(نقلا عن الطبيب الفرنسي الكاثوليكي (1) موريس بوكاي من كتابه :
La Biblie ، Le Coran et la Science .
وقد نشرت دار المعارف بالقاهرة ترجمته العربية تحت عنوان : ” دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة ” . وهذه الفقرة منقولة عن الطبعة الأولى (2) .
_________
(1) يوم أن كان كاثوليكيا ولكنه أسلم.
(2) ص59-60.

إن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو : كم من المؤمنين بقداسة هذه الأسفار واعتبارها تعليما إلهيا موحى به من الله ، يعلم هذا الذي قررته الكنيسة بشأنها ، وما تحتويه من شوائب وبطلان ؟
وما لنا نذهب بعيدا ولدينا الكتاب المقدس- طبعة الكاثوليك 1960 م- وهو يقدم لأسفار موسى الخمسة (التوراة) بقوله : ” كثير من علامات التقدم تظهر في روايات هذا الكتاب وشرائعه مما حمل المفسرين كاثوليك وغيرهم على التنقيب عن أصل هذه الأسفار الأدبي . فما من عالم كاثوليكي في عصرنا يعتقد أن موسى ذاته قد كتب كل البانتاتيك (الأسفار الخمسة) منذ قصة الخلق إلى قصة موته . كما أنه لا يكفي أن يقال إن موسى أشرف على وضع النص الملهم الذي دونه كتبة عديدون في غضون أربعين سنة .
كذلك يقول الكتاب المقدس في تقديمه لسفر راعوث : ” من المحتمل أن يكون الكاتب قد استعان في البدء بذكريات تقليدية غير واضحة الظروف تماما ، ثم أضاف إليها عددا من التفاصيل ليجعل الرواية أكثر حياة ويعطيها قيمة أدبية ” !!

وها هي كتب التبشير التي تورع هنا بين المسلمين تعترف بتسرب أخطاء خطيرة إلى أسفار العهد الجديد . لقد جاء في كتاب : ” هل الكتاب المقدس حقا كلمة الله ؟ ” في ص 160 ، ما يلي :
بمقارنة أعداد كبيرة من المخطوطات القديمة باعتناء يتمكن العلماء من اقتلاع أية أخطاء ربما تسللت إليها . مثالا على ذلك الإدخال الزائف في رسالة يوحنا الأولى ، الإصحاح الخامس . فالجزء الأخير من العدد 7 ، والجزء الأول من العدد 8 ، يقول حسب الترجمة البروتستنتية العربية ، طبع الأمريكان في بيروت- ونقرأ في الترجمة اليسوعية العربية شيئا مماثلًا : في السماء . . . الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد والذين يشهدون في الأرض هم ثلاثة (الروح والماء والدم وهؤلاء الثلاثة في واحد) .
ولكن طوال القرون الثلاثة عشر الأولى للميلاد لم تشتمل أية مخطوطات يونانية على هذه الكلمات . وترجمة ” حريصا ” العربية تحذف هذه الكلمات كليا من المتن . والترجمة البروتستنتية العربية ذات الشواهد تضعها بين هلالين موضحة في المقدمة أنه ليس لها وجود في أقدم النسخ وأصحها ” .

أعتقد أن أبسط تعليق هو التذكرة فقط بأن هذا النص الخطير الذي أدخل ابتداء من القرن الثالث عشر ، والذي يقتبس منه فكرة التثليث ، لم يكن له وجود طوال القرون السابقة . وهذا شيء لا يمكن اعتباره تحريفا بسيطا ، بل إنه تحريف خطير ، لأنه يمس أساس العقيدة . وهكذا نجد أن نصوصا وأفكارا تتسرب إلى الكتابات التي اعتبرت مقدسة عبر القرون ، فكل ما يتعلق بتثليث أو ثالوث ، ما من شك في أنه دخيل على مسيحية المسيح الحقة التي لا تزال لها بقايا في الأناجيل الموجودة حاليا .

صلاة المسيح الأخيرة في إنجيل ( يوحنا 17 : 3)

ويكفي أنه عندما يأتي العلماء لتفسير صلاة المسيح الأخيرة في إنجيل ( يوحنا 17 : 3) التي يقول فيها : ” وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ، ويسوع المسيح الذي أرسلته ” .
فإنهم يقولون : إن هذا توحيد لاشك فيه .
وطبعا هذا الكلام معناه باللغة العربية المتداولة : لا إله إلا الله ، المسيح رسول الله .
ومن هذه النقاط يمكن أن تلتقي النصرانية مع الإسلام .
وفي فقرات أخرى وفي لقاءات أخرى مع الإسرائيليين كان قوله : ” اسمع يا إسرائيل : الرب إلهنا رب واحد) (إنجيل مرقس 12 : 29) .

وهذه الفقرة تشير إلى ما في أسفار العهد القديم . (سفر التثنية 6 : 4) وعندما تقدم إليه إسرائيلي ليسأله : ” أيها المعلم الصالح ، ماذا أفعل لأرث الحياة الأبدية ؟ ) (إنجيل لوقا 18 : 18) .
ماذا قال المسيح ؟
لم يقل له افعل كذا أو كذا . . لكنه أولا نفى الصلاح عن نفسه فقال : ” كيف تدعوني صالحا ؟ ليس أحد صالحا إلا واحد وهو الله ” . . بعد ذلك بدأ المسيح يعلمه ما جاء في أسفار العهد القديم وما دعا إليه وهو التوحيد في العقيدة والتمسك بشريعة موسى والحفاظ عليها . أعتقد أنه بهذا نكون قد انتهينا من الحديث عن أسفار العهد الجديد .
بعد ذلك ندخل للحديث عن ” نظرة في أسفار العهد الجديد ” بحيث يستطيع كل واحد مهما كان حظه من الثقافة والعلم أن يتأكد من صحة هذا الكلام .

نظرة في أسفار العهد الجديد


1- مشكلة الاختلاف الكثير:

يوجد اختلاف كثير بين الأناجيل : الواحد عن الآخر ، واختلاف داخل الإنجيل نفسه . ومن الطبيعي أنه في أي دراسة سواء كانت دراسة دينية أو أي دراسة وخاصة ما يتعلق بالوحي والتنزيل والكتب المقدسة فإنه تحكمنا القاعدة الأساسية التي لا بد أن يقبلها الكل ، وهي أنه : { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } (1) .


(1)- اختلاف متى ولوقا في نسب المسيح :

لقد جرت التقاليد المسيحية في نسبة المسيح ليوسف النجار خطيب مريم (2)
فها هو لوقا يقول : ” ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة ، وهو على ما كان يظن أنه ابن يوسف (النجار) بن هالي بن . . . . . . ” ( 3 : 23 ) .
ولقد اختلف متى مع لوقا في تسلسل نسب المسيح هذا ، إذ جعله متى يأتي من نسل سليمان بن داود ، بينما جعله لوقا يأتي من نسل ابن آخر لداود هو ناثان .
_________
(1) سورة النساء ، آية 82.
(2) اتهام مخزي ، نسبوه إلى هذا النبي الكريم وهو برئ منه أشد البراءة ، واتهام لأمه مريم البتول العفة الحصان . وقد قص الله تعالى علينا أمرها وابنها في سورة مريم ، قال تعالى : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا ) الآيات 16- 21 ، وقال سبحانه عنها في سورة التحريم : ( وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ) الآية 12 .

ويتضح الموقف بعمل جدول يبين الأنساب التي ذكرها كل من متى ولوقا مقارنة بأنساب الآباء التي وردت في أسفار العهد القديم وخاصة سفر أخبار الأيام وذلك كالآتي : إنجيل لوقا سفر أخبار الأيام الأول إنجيل متى مسلسل إنجيل لوقا سفر أخبار الأيام الأول إنجيل متى مسلسل اليعازر يوسي عير المودام قصم أدي ملكي نيزي شألتيئيل زربابل ريسا يوحنا يهوذا يوسف حزقيا منسي آمون يوشيا يهوياقيم يكنيا شألتيئيل فدايا زربابل حنتيا حزقيا منسي آمون يوشيا – يكنيا شألتيئيل – زربابل أبيهود الياقيم عازور صادوق أخيم 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 داود ناثان متاثا مينان مليا الياقيم يونان يوسف يهوذا شمعون لاوي متثات يوريم داود سليمان ناثان رحبعام أبيا آسا يهوشافاط يورام اخزيا يوآش أمصيا عزريا يوثام آحاز داود سليمان رحبعام أبيا آسا يهوشافاط يورام عزيا – – – يوثام آحاز 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 إنجيل لوقا سفر أخبار الأيام الأول إنجيل متى مسلسل إنجيل لوقا سفر أخبار الأيام الأول إنجيل متى مسلسل يوسف ينا ملكي لاوي فتثاث هالي يوسف 36 37 38 39 40 41 42 شمعي متاثيا مآث نجاي حسلي ناحوم عاموص متاثيا اليود اليعاذر متان

يعقوب يوسف 28 29 30 31 32 33 34 35 يلاحظ في هذا الجدول- أنه تبسيطا للدراسة- فقد اكتفينا بتتبع نسب سليمان بن داود كما جاء في سفر أخبار الأيام حتى المسلسل رقم (23) فقط وصرفنا النظر عن تتبع نسب ناثان بن داود . كما أن الأنساب التي وضع مكانها (-) تحت إنجيل متى إنما تعني أسماء آباء سقطت خطأ من القائمة التي كتبها متى .
إن الجدول السابق يكشف عن عدد من الملاحظات التي لا تخفى على أحد . ولقد تحدث مفسرو الأناجيل في هذه الملاحظات فكان مما قالوه الأتي :
يقول جون فنتن : ” من المحتمل أن يكون متى قد استمر في الاعتماد على (سفر أخبار الأيام الأول 3 : 5 10- 16) إلا أنه حذف ثلاثة أجيال بين يورام ويوثام ، كما حذف يوهاقيم بعد يوشيا . أما تسلسل النسب في لوقا فإنه يسير خلال ابن آخر لداود وهو ناثان . ولقد استطاع متى أن يأخذ الأسماء الثلاثة : يكنيا ، وشألتيثيل ، وزربابل ، من (أخبار الأيام الأول 3 : 16) وما يليها ، أما بالنسبة لبقية الأسماء المذكورة في قائمته فلم يكن لديه أي مصدر مكتوب حسبما نعلم .
كذلك فإن لوقا أورد في قائمته : شألتيئيل وزربابل ، لكنه لم يذكر أحدا من الآخرين (المذكورين في متى ) .

ويشير متى إلى أنه في كل من العصور الثلاثة يوجد أربعة عشر جيلا ، رغم أنه في الحقيقة لم يذكر سوى ثلاثة عشر اسما في الجيل الأخير ابتداء من 1 : 12-16 ” (1) .
ويقول جورج كيرد : ” في منتصف قائمة لوقا نجد هذه الأسماء الثلاثة : يوحنا بن ريسا بن زربابل – لكن يوحنا هي صيغة أخرى لاسم حننيا الذي كان ابنا لزربابل . إن هذا الشخص ريسا لم يذكر البتة في (سفر أخبار الأيام الأول 3 : 19) ، لكن ريسا هي كلمة آرامية تعني أمير ، ولا بد أنها ملحقة في القائمة الأصلية كلقب يسبق زربابل ، وهو الرجل الوحيد الذي كان يمكن الإشارة إليه بهذا اللقب بعد عام 586 ق . م (عام السبي البابلي) .
إن الخطأ الذي لحق بقائمة لوقا يمكن إرجاعه إلى أن القائمة الأصلية (التي نقل عنها) كانت مصنفة بترتيب عكس هذا : زربابل الأمير ولد يوحنا ” (2) .
وخلاصة القول في نسب المسيح أننا إذا اعتبرنا سفر أخبار الأيام الأول هو المرجع الرئيسي لأنساب الآباء نجد الآتي :
1- أخطأ متى في سلسة نسب المسيح حين أسقط منها خمسة أسماء ( المسلسلات أرقام 9 ، 10 ، 11 ، 18 ، 21 ) .
2- أخطأ لوقا حين أضاف ريسا ( المسلسل رقم 24 ) بين زربابل ويوحنا .
_________
(1) تفسير إنجيل متى : ص39 ، 40.
(2) تفسير إنجيل لوقا : ص19.

3- اختلف لوقا مع متى اختلافا جوهريا حين جعل يوسف زوج مريم ينحدر من نسل ناثان بن داود ، بينما جعله متى ينحدر من نسل سليمان بن داود .
ومنذ قرون مضت بذل نفر من المدافعين عن الأناجيل- باعتبارها وحيا من الله- محاولات مضنية للتوفيق بين لوقا ومتى اعتمادا على التقاليد الإسرائيلية ، لكن محاولاتهم باءت جميعها بالفشل .
ويكفي التسليم بالخطأ الذي لحق بقَائمة متى عند مقارنتها بما في سفر أخبار الأيام الأول- إذ أنه أسقط منها يوآش ، وأمصيا ، وعزريا ، ويهوياقيم ، وهو أمر واضح لا يحتمل الجدل- حتى يكفي التسليم تبعا لذلك باختلاف لوقا مع متى وهو الشيء الذي قرره علماء المسيحية .

(ب)- اختلاف الأناجيل في أسماء التلاميذ :

يقول متى في إنجيله : ” أما أسماء الاثني عشر رسولا فهي هذه . الأول سمعان الذي يقال له بطرس ، وأندراوس أخوه . يعقوب بن زبدي . ويوحنا أخوه . فيلبس ، وبرثولماوس . توما ومتى العشار . يعقوب بن حلفي ، ولباوس الملقب تداوس . سمعان القانوني ، ويهوذا الإسخريوطي (10 : 2- 4) . لكن لوقا يقول : ” لما كان النهار دعا تلاميذه واختار منهم اثني عشر الذين سماهم أيضا رسلا . سمعان الذي سماه أيضا بطرس ، وأندراوس أخاه . يعقوب ، يوحنا . فيلبس وبرثولماوس . متى وتوما . يعقوب بن حلفي ، وسمعان الذي يدعى الغيور . يهوذا أخا يعقوب ، ويهوذا الإسخريوطي – 6 : 13-16 ” .
ويذكر يوحنا أسماء بعض التلاميذ من بينهم يهوذا آخر غير الخائن وهو الذي يقول عنه : ” يهوذا ليس الإسخريوطي ” (14 : 22) .
من الواضح أن هناك اختلافا بين ما ذكره متى ومرقس من جانب وبين لوقا ويوحنا من جانب آخر ، ولهذا يقول جورج كيرد : ” عندما كتبت الأناجيل لم يكن هناك مجرد التحقق من شخصية التلاميذ . أن يهوذا بن يعقوب لا يظهر في القائمة المذكورة في كل من متى ومرقس ، بينما شغل مكانه لباوس المقلب تداوس ” .

وهنا لا بد أن نلفت النظر إلى أن محمدا ظهر تحت شمس التاريخ وقد بلغ صحابته مائة ألف أو يزيدون ، وقد عرفت أسماؤهم وأخبارهم . فكيف بكتبة الأناجيل يعجزون عن التحقق من الاثني عشر تلميذا . . . . ؟ (جـ)- اختلاف متى ومرقس في قصة تطهير الهيكل وشجرة التين :
يقول إنجيل متى : ” دخل يسوع إلى هيكل الله وأخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل . . وقال لهم مكتوب بيتي بيت الصلاة يدعى وأنتم جعلتموه مغارة لصوص . . . ثم تركهم وخرج خارج المدينة إلى بيت عنيا وبات هناك .
وفي الصباح إذ كان راجعا إلى المدينة جاع . فنظر إلى شجرة تين على الطريق وجاء إليها فلم يجد فيها شيئا إلا ورقا فقط فقال لها : لا يكن منك ثمر بعد إلى الأبد . فيبست التينة في الحال .
فلما رأى التلاميذ ذلك تعجبوا قائلين كيف يبست التينة في الحال . . فأجاب يسوع وقال لهم : الحق أقول لكم إن كان لكم إيمان ولا تشكون . . إن قلتم لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر فيكون ( متى 21 : 12- 21 ) .

لكن إنجيل مرقس يقول في هذا الحادث : ” في الغد لما خرجوا من بيت عنيا جاع . فنظر شجرة تين من بعيد عليها ورق وجاء لعله يجد فيها شيئا فلما جاء إليها لم يجد شيئا إلا ورقا . لأنه لم يكن وقت التين . فأجاب يسوع وقال لها : لا يأكل أحد منك ثمرا بعد إلى الأبد . وكان تلاميذه يسمعون .
وجاءوا إلى أورشليم . ولما دخل يسوع الهيكل ابتدأ يخرج الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام . . وكان يعلم قائلا لهم أليس مكتوبا بيتي بيت صلاة يدعى . . وأنتم جعلتموه مغارة لصوص . .
ولما صار المساء خرج إلى خارج المدينة وفي الصباح إذ كانوا مجتازين رأوا التينة قد يبست من الأصول . فتذكر بطرس وقال له يا سيدي : انظر التينة التي لعنتها قد يبست . فأجاب يسوع وقال لهم . . من قال لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر ولا يشك في قلبه . . فمهما قال يكون له (مرقس 11 : 12-24) .
ومن الواضح أن هناك اختلافا بين الروايتين يمكن تلخيصه في الآتي :

1- بينما يذكر إنجيِل متى أن تطهير يسوع للهيكل من الباعة والصيارفة قد حدث قبل أن يمر بشجرة التين ثم يلعنها ، نجد عكس ذلك في إنجيل مرقس الذي يذكر حادث شجرة التين قبل تطهير الهيكل .
2- كذلك فإن تفصيلات حادث شجرة التين مختلفة في كل منهما .
ويشير جون فنتون إلى نقط الخلاف بينهما فيقول : ” نجد في إنجيل مرقس أن يسوع يبحث عن ثمر في الشجرة ويلعنها في نفس اليوم ثم يلفت بطرس نظر يسوع إلى جفافها في اليوم التالي .
ولكن نتيجة لما قام به متى من إعادة ترتيب الرواية فإن جميع أحداثها تقع في نفس اليوم ” (1) . .
تعليق الدكتور محمد جميل غازي :
وقد علق الدكتور محمد جميل غازي على قصة شجرة التين بقوله : إن إحدى الروايات تقول إن الوقت لم يكن وقت تين ، وهذا يعني أن معلومات المسيح الذي قيل إنه الله أو إنه ابن الله لم تصل إلى مستوى معلومات الفلاح العادي الذي يعلم إن كان الوقت وقت تين أم لا ، ولم يعلم إن كانت الشجرة التي يراها على مد البصر بها تين أم لا .
وتقول الروايتان إن هذا الإله الجائع ذهب إلى الشجرة ولما لم يجد بها تينا فإنه لعنها .
_________
(1) تفسير إنجيل متى : ص336.

2- مشكلة التنبؤات التي استحال تحقيقها :


بعد ذلك نأتي لموضوع خطير هو مشكلة التنبؤات التي استحال تحقيقها .
إن المتفق عليه بين علماء الديانات وخاصة ديانات الكتب المقدسة يعني بذلك عند أهلها هو أن أحد تعاريف النبي بأنه الشخص المرسل من عند الله سبحانه وتعالى أو الذي يتكلم بوحي من خالقه ولا يدخل الخلف في أخباره .
فمن المؤكد أن النبي الذي يصدقك فيما حدث في الدنيا ، لا بد أن يصدقك ما وعد به في الآخرة . لكن عندما تنسب نبوءة لنبي ما ، بل وأكثر من نبوءة نثبت أن الحياة الدنيا التي نعيشها قد انتهت ، فماذا يكون المصير بالنسبة لتنبؤات الحياة الأخرى ؟ من المؤكد أن ما وعد به لن يتحقق أيضا . أعتقد أن هذه قاعدة متفق عليها .


وبالنسبة لموضوع التنبؤات في الأناجيل نجد الآتي :


(1) التنبؤ بأن نهاية العالم تحدث في القرن الأول الميلادي :

تقول الأناجيل إن السيد المسيح ” دعا تلاميذه الاثني عشر وأعطاهم سلطانا على أرواح نجسة حتى يخرجوها ويشفوا كل مرض . . وأوصاهم قائلًا . . ها أنا أرسلكم كغنم وسط ذئاب فكونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام . . ومتى طردوكم في هذه المدينة فاهربوا إلى الأخرى . فإني الحق أقول لكم لا تكملون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان ( المسيح ) ” ( متى 10 : 1- 23 ) .
أي أن عودة المسيح ثانية إلى الأرض تحدث قبل أن يكمل تلاميذه التبشير في مدن إسرائيل .
وهي كذلك تحدث قبل أن يكون معاصري المسيح الذين عاشوا في النصف الأول من القرن الأول الميلادي- قد ماتوا :
” إن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازى كل واحد حسب عمله . الحق أقول لكم إن من القيام هاهنا قوم لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتيا في ملكوته ” ( متى 16 : 27-28 ) .
وبصورة أخرى تؤكد ما سبق فإن نهاية العالم وعودة المسيح ثانية إلى الأرض لا بد أن تحدث قبل أن يفنى ذلك الجيل الذي عاش في القرن الأول من الميلاد :

” بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس والقمر لا يعطي ضوءه والنجوم تسقط من السماء وقوات السماء تتزعزع . وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء . . ويبصرون ابن الإنسان آتيا على سحاب السماء بقوة ومجد كثير . . الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله ” ( متى 24 : 29- 34 ) .
ويتفق كل من إنجيلي ( مرقس 13 : 24- 30 ) و(لوقا 21 : 25-32 ) مع ذلك التقرير الخطير الذي قرره متى .
هذا ومن الواضح- كما يقول جون فنتون – : ” إن شيئا من هذا لم يحدث كما توقعه متى ” (1) .
وعلى ذلك تكون التنبؤات التي نسبتها الأناجيل للمسيح عن حدوث نهاية العالم في القرن الأول الميلادي استحال تحقيقها ولا يمكن لأحد الدفاع عنها .

(ب) التنبؤ باصطحاب يهوذا الخائن للمسيح في العالم الآخر :

في حوار جرى بين المسيح وتلاميذه عمن تكون له النجاة في العالم الآخر ، سأل بطرس معلمه عن أجر المؤمنين به فقال : ” ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك فماذا يكون لنا ؟ ” فأجابه المسيح : ” متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده تجلسون أنتم أيضا على اثني عشر كرسيا ، تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر ” (2) .
_________
(1) تفسير إنجيل متى : ص21.
(2) ( متى 19 : 27- 29).

لقد كان يهوذا الإسخريوطي أحد التلاميذ الاثني عشر الذين قيلت لهم هذه النبوءة وبعد خيانته أصبح يعرف (بابن الهلاك) لأنه طرد من صحبة المسيح في الدنيا والآخرة . وبهذا استحال تحقيق هذه النبوءة .
وإذا رجعنا إلى نظير هذه الفقرة في إنجيل لوقا لوجدنا- كما يقول جون فنتون – ” أنه حذف العدد الاثني عشر ، ولعل ذلك يرجع إلى أنه كان يفكر في يهوذا الإسخريوطي ” (1) .

(جـ) التنبؤ بدفن المسيح في الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال :

حاول قوم من اليهود تعجيز المسيح فقالوا له : يا معلم نريد أن نرى منك آية . فأجاب وقال لهم : جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تعطى له آية إلا آية يونان النبي . لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال يكون هكذا ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال ( متى 12 : 38- 40 ) .
_________
(1) تفسير إنجيل متى : ص317.

إن هذا القول شائع في الأناجيل وتكرر ذكره في أغلبها وفي أكثر من موضع . وقد ذكر في إنجيل ( مرقس في 8 : 31 ، 9 ، 31 ، 10 : 34 ) . وذكر في إنجيل لوقا مع اختلاف هام يلحظه القارئ ، وذلك في قوله : ” هذا الجيل شرير يطلب آية ولا تعطى له إلا آية يونان النبي . لأنه كما كان يونان آية لأهل نينوى كذلك يكون ابن الإنسان أيضا لهذا الجيل ( 11 : 29- 30) . وذكرت الأيام الثلاثة في إنجيل ( يوحنا 2 : 19) .
ونقرأ في سفر يونان ( يونس ) ما حدث له فقد ” أعد (الرب) حوتا عظيما ليبتلع يونان . فكان يونان في جوف الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال . . فصلى يونان إلى الرب إلهه من جوف الحوت . . وأمر الرب الحوت فقذف يونان إلى البر- ( 1 : 17 ، 2 : 1- 10 ) . ومن الواضح إذن أنه لكي تتحقق هذه النبوءة فيجب أن يبقى المصلوب في بطن الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال .

ولكن إذا رجعنا إلى ما تذكره الأناجيل عن أحداث الصلب والقيامة لوجدنا أن المصلوب أنزل من على الصليب مساء الجمعة (يوم الصلب) : ” ولما كان المساء إذ كان الاستعداد أي ما قبل السبت جاء يوسف الذي من الرامة . . ودخل إلى بيلاطس (الحاكم) وطلب جسد يسوع . . فدعا قائد المائة وسأله هل له زمان قد مات . ولما عرف من قائد المائة وهب الجسد ليوسف .
فاشترى كتانا فأنزله وكفنه بالكتان ووضعه في قبر كان منحوتا في صخرة ودحرج حجرا على باب القبر ( مرقس 15 : 42-46 ) .
ولقد اكتشف تلاميذ المسيح وتابعيه أن ذلك القبر كان خاليا من الميت في الساعات الأولى من فجر يوم الأحد . وفي هذا يقول إنجيل متى :
” وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر . . فأجاب الملاك وقال للمرأتين . . ليس هو هاهنا لأنه قام كما قال ( 28 : 1- 6 ) .
كذلك يقول إنجيل يوحنا :
” في أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكرا والظلام باق فنظرت الحجر مرفوعا عن القبر ( 20 : 1 ) .
وبعملية حسابية بسيطة نجد أن :
عدد الأيام التي قضاها الميت في بطن الأرض (في القبر)= 1 يوما (يوم السبت) .

عدد الليالي التي قضاها الميت في بطن الأرض (في القبر)= 2 ليلة (ليلة السبت وجزء من ليلة الأحد على أحسن الفروض) .
وبذلك استحال تحقيق هذه النبوءة التي قالت ببقاء الميت في بطن الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال .

قضيّة الصَّلب

ننتقل الآن لمناقشة قضية هامة وخطيرة هي قضية الصلب . . .
وأقولها الآن- بأمانة- إن من أكبر معجزات القرآن أنه نفى نفيا قاطعا القول بصلب المسيح . لقد قالها في آية واحدة ، هي الآية رقم 157 (1) من سورة النساء . لكن قضايا أخرى مثل القول بأن الله هو المسيح أو أن المسيح ابن الله ، ذكرها القرآن في مواضع كثيرة وتكفل بالرد عليها باعتبارها كفرا صريحا . ولقد استغرق الحديث عن قضية التوحيد وما يرتبط بها نحو ثلث الكتاب الكريم . ومن المعلوم أن سورة الإخلاص التي تقول : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ }{ اللَّهُ الصَّمَدُ }{ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ }{ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } . – تعدل ثلث القرآن .
ويحق لنا أن نقول : لو أن القرآن كان من عند غير الله وأن بشرا من الأرض قد افتراه كذبا على الله وادعى أنه أوحي إليه ، أما كان الأولى به والأيسر لرواج دعوته أن يقول بصلب المسيح ، باعتبار ذلك شائعا ومعروفا بين الناس . وفي تلك الحال فإنه يستميل النصارى إليه ويقلل من المشاكل والعقبات التي تعترض قبولهم الإسلام .
_________
(1) الآية من سورة النساء وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم . . .

إن الشواهد القريبة تبين أن تحول المسيحي من طائفة مسيحية إلى أخرى يمكن أن يحدث دون ضجة ، وذلك لاشتراك تلك الطوائف في أصول عقائدية كثيرة . لقد بينت الشواهد البعيدة- في الزمن- أن تحول أصحاب العقائد التي شاعت في العالم الروماني الوثني إلى المسيحية كان يرجع بالدرجة الأولى إلى التشابه الكبير بين أصول تلك العقائد والعقيدة المسيحية التي شاركتها فكرة الإله المتجسد وأفكارا وطقوسا أخرى سوف نتحدث عنها بشيء من التفصيل فيما بعد .

أما تحول المسيحي إلى الإسلام فإنه يعتبر انقلابا في حياته ومعتقداته لأنه غير مفاهيم وعقائد كثيرة ترسبت في عقله ووجدانه .

لكن القرآن- كتاب الإسلام- لم يجار النصارى على معتقداتهم وما تعارفوا عليه ، لكنه حدد المواقف تحديدا واضحا فجعل القول بأن ” الله هو المسيح ” أو أن ” المسيح ابن الله ” كفرا لا يقبل المغفرة . حتى إذا جاء الحديث عن قتل المسيح – وكم قتل اليهود من أنبياء قبله- نجد القرآن ينفي قتل المسيح وينفي صلبه نفيا قاطعا لا لشيء إلا لأن ذلك ما حدث فعلًا . فالقرآن لا يقول إلا الحق بصرف النظر عما إذا كان ذلك الحق يتفق وما شاع بين الناس وصار من المسلمات بينهم أم أنه جاء مخالفا لما توارثوه عبر قرون عديدة .

وبما أن الصلب قضية ، وما نناقشه هنا عبارة عن مجموعة من القضايا ، فالأولى بنا أن نذكر بقاعدة بسيطة متفق عليها تحكم أحكام الناس في مختلف القضايا على مختلف المستويات- وهذه القاعدة تقول : كل ما تسرب إليه الاحتمال سقط به الاستدلال .
فحين تختلف شهادة شاهدين أمام قاض في محكمة ، فإن ما تفرضه عدالة المحكمة هو عدم الاعتداد بأي من الشهادتين إلى أن يأتي شاهد ثالث يؤيد شهادة أحد الشاهدين ، وإلا امتنع صدور حكم عادل .

والآن نذهب لمناقشة قضية الصلب كما تعرضها الأناجيل ، وهي التي تبدأ بمجموعة من الأحداث الخاصة بمحاولة قتل المسيح إلى أن تنتهي بتعليق شخص يصرخ يائسا على الصليب ، وما أعقب ذلك من تكفينه ودفنه .

1- مسح جسد المسيح بالطيب :

لقد اختلفت الأناجيل في هذه الحادثة البسيطة التي تعتبر مقدمة لأحداث الصلب . يقول إنجيل مرقس ” كان الفصح وأيام الفطير بعد يومين وكان رؤساء الكهنة والكتبة يطلبون كيف يمسكونه بمكر ويقتلونه . . وفيما هو في بيت عنيا في بيت سمعان الأبرص وهو متكئ جاءت امرأة معها قارورة طيب ناردين خالص كثير الثمن فكسرت القارورة وسكبته على رأسه .
وكان قوم مغتاظين في أنفسهم فقالوا لماذا كان تلف الطيب هذا . لأنه كان يمكن أن يباع هذا بأكثر من ثلاثمائة دينار ويعطى للفقراء وكانوا يؤنبونها (14 : 1-005) .
وقد ذكر متى هذه الحادثة في (26 : 6-9) ، ولوقا في (7 : 36- 39) ، ويوحنا في (12 : 1-6) مع اختلافات بينهم في توقيتاتها وعناصرها الرئيسية .

يقول نينهام في هذه القصة : ” نجد القديس يوحنا يذكرها مبكرا عما أورده القديس مرقس ببضعة أيام ، وكذلك يضعها القديس لوقا في موقع مختلف تماما من سيرة يسوع . . فبينما نجدها في إنجيل مرقس قد حدثت في منزل سمعان الأبرص من قرية بيت عنيا . . نجدها في إنجيل يوحنا قد حدثت في بيت مريم ومرثا ولعازر ” (1)
ويمكن تلخيص اختلاف الأناجيل في هذه القصة كالآتي :
مكان الحادث :
في بيت سمعان الأبرص ( مرقس ومتى )- (في بيت فريسي ( لوقا )- في بيت الإخوة لعازر ومريم ومرثا ( يوحنا ) .
شخصية المرأة :
مجهولة ( مرقس ومتى )- خاطئة ( لوقا )- امرأة صديقة هي مريم أخت لعازر ( يوحنا ) .
ماذا فعلت :
دهنت رأس يسوع بالطيب ( مرقس ومتى )- دهنت رجليه بالطيب ( لوقا ويوحنا ) .
رد الفعل عند المشاهدين :
اغتاظ قوم لإسرافها ( مرقس )- اغتاظ التلاميذ ( متى )- كان تساؤل الفريسي مع نفسه حول معرفة يسوع لشخصية المرأة ( لوقا )- اغتاظ يهوذا الإسخريوطي لإسرافها ( يوحنا ) .

2- التحضير للعشاء الأخير :

يقول مرقس : ” وفي اليوم الأول من الفطير حين كانوا يذبحون الفصح قال له تلاميذه أين تريد أن نمضي ونعد لتأكل الفصح .
_________
(1) تفسير إنجيل مرقس : ص370 .

فأرسل اثنين من تلاميذه وقال لهما اذهبا إلى المدينة فيلاقيكما إنسان حامل جرة ماء اتبعاه . وحيثما يدخل فقولا لرب البيت إن المعلم يقول أين المنزل حيث آكل الفصح مع تلاميذي فهو يريكما علية كبيرة مفروشة معدة . هناك أعدا لنا . فخرج تلميذاه وأتيا إلى المدينة ووجدا كما قال لهما . فأعدا الفصح . ولما كان المساء جاء مع الاثني عشر ” (14 : 12-17) .
ويقول نينهام : (إن أغلب المفسرين يعتقدون أن هذه الفقرة بأعدادها من رقم (12 إلى 16) إنما كانت في الواقع إضافة أدخلت فيما بعد إلى الرواية التي يتبعها القديس مرقس في هذا الجزء من إنجيله . ومن بين الأسباب لذلك الاعتقاد ما يأتي :
1- وصف اليوم الذي قيل : إن القصة حدثت فيه بأسلوب لا يستخدمه اليهودي العادي الذي كان معاصرا لها .
2- وصف أتباع يسوع في كل فقرة من هذا الإصحاح (الرابع عشر) بأنهم تلاميذه بينما أشير إليهم بإصرار في هذه الفقرة بأنهم الاثنا عشر .

3- أن كاتب العدد 17 (الذي يقول : ” ولما كان المساء جاء مع الاثني عشر) لا يعلم شيئا عن رحلة التلميذين التي ذكرت في العدد 13 ، فلو كان كاتب العدد 17 يعلم محتويات تلك الفقرة لكان عليه أن يتحدث عن : (العشرة وليس الاثني عشر ، أي أن العدد 17 كان يجب أن يقرأ هكذا : ولما كان المساء جاء مع العشرة) . . ” (1) .
ويختلف متى مع مرقس في قصة الإعداد للعشاء ، إذ أنه يجعل التلاميذ جميعا- كما يقول جون فنتون في ص 414 من تفسيره- يشتركون في هذا الإعداد ، فهو يقول : ” قال يسوع لتلاميذه اذهبوا إلى المدينة إلى فلان وقولوا له . المعلم يقول إن وقتي قريب . عندك أصنع الفصح مع تلاميذي . ففعل التلاميذ كما أمرهم يسوع وأعدوا الفصح ” ( 26 : 18- 19 ) .

3- توقيت العشاء الأخير وأثره على قضية الصلب :

يقول جون فنتون : ” يتفق متى مع مرقس ( وكذلك لوقا 22 : 8 ) في أن العشاء الأخير كان هو الفصح . وعلى العكس من ذلك نجد الإنجيل الرابع يجعل الفصح يؤكل في المساء بعد موت يسوع ” (2) .
ويرى أغلب العلماء أن توقيت كل من متى ومرقس ( ولوقا ) ، صحيح وأن يوحنا قد غير ذلك لأسباب عقائدية ” (3) .
_________
(1) تفسير إنجيل مرقس : ص376.
(2) يوحنا 18 : 28 ، كما يقول جون فنتون .
(3) تفسير إنجيل متى : ص415.

ذلك أن يوحنا يقرر أن العشاء الأخير الذي حضره يسوع مع تلاميذه كان قبل الفصح ؛ فهو يقول : ” أما يسوع قبل عيد الفصح . . فحين كان العشاء . . قام عن العشاء وخلع ثيابه وأخذ منشفة واتزر بها ، ثم صب ماء في مغسل وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ ” ( 13 : 1- 5 ) .
وكذلك يقرر يوحنا أنهم قبضوا على يسوع في مساء اليوم السابق لأكل الفصح ، وذلك في قوله : ” ثم جاءوا بيسوع من عند قيافا إلى دار الولاية ، وكان صبح ، ولم يدخلوا هم إلى دار الولاية لكي لا يتنجسوا فيأكلون الفصح ” ( 18 : 28 ) .
إن اختلاف الأناجيل في العشاء الأخير وتوقيته ترتب عليه اختلافهم في نقطة جوهرية تعتبر واحدة من أهم عناصر قضية الصلب ، ألا وهي تحديد يوم الصلب .
فإذا أخذنا برواية مرقس ومتى ولوقا لكان يسوع قد أكل الفصح مع تلاميذه مساء الخميس ، ثم كان القبض بعد ذلك بقليل في مساء الخميس ذاته ، ولذلك يكون الصلب قد حدث يوم الجمعة .
أما الأخذ برواية يوحنا فإنه يعني أن القبض كان مساء الأربعاء ، وأن الصلب حدث يوم الخميس .
هل حدث الصلب يوم الخميس أم يوم الجمعة ؟ !!

4- العشاء الأخير والتلميذ الخائن :

يقول مرقس : ” ولما كان المساء جاء مع الاثني عشر ، وفيما هم متكئون يأكلون قال يسوع الحق أقول لكم إن واحدا منكم يسلمني الأكل معي فابتدأوا يحزنون ويقولون له واحدا فواحدا ، هل أنا ؟ وآخر ، هل أنا ؟ فأجاب وقال لهم . هو واحد من الاثني عشر الذي يغمس معي في الصحفة . إن ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه . ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن الإنسان . كان خيرا لذلك الرجل لو لم يولد ” (14 : 17- 21) .
ولقد أدخل متى بعض التغييرات على رواية مرقس .
ويقول لوقا : ” فدخل الشيطان في يهوذا الذي يدعى الإسخريوطي وهو من جملة الاثني عثر . فمضى وتكلم مع رؤساء الكهنة وقواد الجند كيف يسلمه إليهم . . وكان يطلب فرصة ليسلمه إليهم خلوا من جمع .
ولما كانت الساعة اتكأوا الاثني عشر رسولا معه . . وقال لهم شهوة اشتهيت أن آكل الفصح معكم . . ولكن هو ذا يد الذي يسلمني هي معي على المائدة . . فابتدأوا يتساءلون فيما بينهم من ترى منهم هو المزمع أن يفعل هذا ” (22 : 22-23 ) .

أما رواية يوحنا ففيها اختلاف يسهل ملاحظته- عما روته الأناجيل الثلاثة الأخر ، فهو يقول : ” لما قال يسوع : هذا اضطرب بالروح وشهد وقال الحق الحق أقول لكم إن واحدا منكم سيسلمني . فكان التلاميذ ينظرون بعضهم إلى بعض وهم محتارون من قال عنه . . أجاب يسوع هو ذاك الذي أغمس أنا اللقمة وأعطيه . . فغمس اللقمة وأعطاها ليهوذا سمعان الإسخريوطي . فبعد اللقمة دخله الشيطان .
فقال له يسوع : ما أنت تعمله فاعمله بأكثر سرعة .
فذاك لما أخذ اللقمة خرج للوقت وكان ليلا ” ( 13 : 21-30 ) .
وبصرف النظر عن اختلاف الأناجيل في إجابة المسيح لتلاميذه عمن يكون الخائن ، إذ قال إنجيل لوقا : ” الذي يغمس في الصحفة ” بينما قال إنجيل يوحنا : ” الذي أغمس أنا اللقمة وأعطيه ” – لكن النقطة الهامة التي تتعلق بخيانة يهوذا هي اختلاف الأناجيل في حادثة دخول الشيطان فيه . فها هو يقرر أن الشيطان دخل يهوذا قبل العشاء الأخير بيوم على الأقل ( لوقا 22 : 3-7 ) ، بينما يقرر يوحنا أن الشيطان دخل يهوذا بعد أن أعطاه يسوع اللقمة ( يوحنا 13 : 27 ) أثناء العشاء الأخير .

هذا- ونكتفي بهذا القدر الذي عرضنا فيه بعض عناصر قضية الصلب وهي : مسح جسد المسح بالطيب- ثم التحضير للعشاء الأخير- ثم توقيت العشاء الأخير وأثره على قضية الصلب- وأخيرا ما قيل عن العشاء الأخير والتلميذ الخائن .

ونستأنف في الغد- إن شاء الله تعالى- استكمال بحث قضية الصلب .

 

مقالات أخرى للكاتب

مشاركة

فيسبوك
تويتر
واتس
تيليجرام
Pinterest
Print

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *