ان تكون يهوديا بعد غزة

تقليص

عن الكاتب

تقليص

انس مسلم بكل فخر اكتشف المزيد حول انس
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ان تكون يهوديا بعد غزة

    الكاتب: عرض:/ الحسن سرات
    لليهود المنتشرين في العالم علاقة وثيقة مع إسرائيل، تختلف من جهة إلى أخرى من حيث القوة والمتانة، عاطفة وتاريخا وسياسة، علاقة تتعرض للاختبار والسؤال والاهتزاز عند كل أزمة، وعند كل حرب تكون إسرائيل رقمًا أساسيًا فيها.

    وقليل من اليهود، سواء في الدولة اليهودية أو في الشتات، من يستطيع رفع صوته منتقدًا إسرائيل لما اقترفته يداها من مجازر بحق الفلسطينيين.

    "إيستير بنباسة" الكاتبة اليهودية ذات الأصل التركي، والمنشأ الإسرائيلي، والباحثة بالمركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا واحدة من هؤلاء المنتقدين القلائل، وقد خصصت لهذه القضية بحثًا مركزًا قسمته إلى خمسة أقسام في كتابها الأخير " أن تكون يهوديًا بعد غزة ".

    يفيض الكتاب بنفس حائر قلق على مصير إسرائيل وما تمثله ليهود الشتات، وكيف يعيد التاريخ نفسه على يدها؛ فينقلب الضحية إلى جلاد عندما تذيق الدولة اليهودية الفلسطينيين ما أذاقته أوروبا عامة وألمانيا النازية خاصة من محرقة وهولوكوست.

    مصدر القلق والحيرة العميقة لدى يهود الشتات - حسب الكاتبة - بدأ عندما أكره كثير من اليهود "المغاربيين" و "العرب" على الهجرة إلى إسرائيل في عملية اقتلاع قسري امتزج فيها الترهيب بالترغيب، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أرغم هؤلاء "اليهود العرب" على "الإيمان بعقيدة الهولوكوست" رغم بعدهم عنها وتاريخهم الطويل والهادئ في بلدان المغرب العربي. و "حتى لا يبقى هذا اليهودي عربيًا"، كان عليه أن يطرد من ذاته "العربي" عادات وتقاليد وحركات وطريقة حديث ومظهر فيزيولوجي.

    ذلك شكل غير مسبوق ومقلوب لاحتقار الذات؛ فالعربي كان يثير ما كان يرفضه اليهود أن يكونوا، واستبدلت الجذور المقتلعة بالهولوكوست على أنها هي تاريخ اليهود الإسرائيليين وهويتهم المشتركة.

    ثم صارت إسرائيل جزءا لا يتجزأ من هوية اليهودي في العالم الحالي، خاصة لدى يهود فرنسا الذين ازدادت مخاوفهم نتيجة الحضور الإسلامي المتعاظم. وتقول بنباسة: "يمكن اليوم أن نتساءل بعد وقائع الهولوكوست هل بقي كثير من اليهود يهودا بدون إسرائيل. تلك الدولة التي شملها تقديس مزدوج، تقديس الإنجيل وتقديس الأحداث المتعاقبة".

    من أبطال إلى ضحايا
    وبأسلوب رائق تتحدث "بنباسة" عن تعلق يصل إلى حد التدين ليهود الشتات بإسرائيل فتقول: "التدين الحق ليهود اليوم يكمن في تقديس إسرائيل، وفي الحماسة التي تشعلها فيهم".

    إنهم ينتظرون كل شيء من هذا البلد، والحب الذي يكنونه له في صدورهم أعمى، وهم على استعداد للدفاع عنه بالأظافر والمناقير ضد المسلمات كلها"، ثم تضيف واصفة الحالة النفسية لهؤلاء اليهود وهم يتابعون مجريات الأحداث في إسرائيل "الإسرائيليون هم بمثابة أبطال يقاتلون من "أجلنا" نحن يهود الشتات، يقاتلون العماليق، ذلك العدو الإنجيلي الدائم الذي يجسده اليوم الفلسطينيون، فلسطينيون هم في الآن نفسه الضحايا الأبرياء".

    ولذلك لا ينفك هؤلاء اليهود عن التفكير في إسرائيل وتمجيدها، وإن غفلوا عن ذلك فإن إسرائيل تذكرهم بذلك، وتنفث في روعهم أن بحبوحة العيش التي ينعمون بها في بلدان الغرب فضل منها عليهم، وإذا ما نسوا دولتهم المحبوبة وتركوها تواجه مصير الزوال، فإنهم سيكونون أول من يدفع ثمن ذلك، "فإسرائيل هي "حاميهم" ومستقبلهم متعلق بها".

    وترى الكاتبة أن الإسرائيليين انصهروا تدريجيا منذ 1970 في نفسية الضحايا، غير أن حكومة اليمين التي وصلت الحكم في 1977 مع مناحيم بيغن، جعلت الهولوكوست في صلب عقيدتها السياسية لتبرير مزيد من الأراضي، ومن دون شعور أخذت إسرائيل تتحول من بلد أنشئ لتجميع الناجين من المحرقة إلى قوة استعمارية، وكأن الدولة اليهودية تفعل ذلك باسم الهولوكوست مخافة أن يتكرر، وهذا هو التناقض بعينه.

    وتضيف الباحثة اليهودية أنه مع مضي الزمن وتوالي المعارك والمواجهات العسكرية، لم تعد إسرائيل تحتفي بأبطالها ولكن بضحاياها، فصارت سياسة الاحتلال ضرورية لبقائها، بل عملاً شريفًا وأخلاقيًا في أعين الرأي العام الدولي ويهود الشتات والإسرائيليين، وصار الغرب المحاصر بعقدة المحرقة ملزمًا بالسكوت، بل ومساندة إسرائيل في أعمالها؛ فهي الدولة الوحيدة في العالم التي تفعل ما تشاء، ولا تتصرف مثل باقي دول العالم. وتخلص الكاتبة في نهاية هذا التحليل النفسي والسياسي والدولي إلى أن جوهر المشكل هو أن إسرائيل لا تقل سوءًا عن باقي الدول.

    محاصرة اليهود المنتقدين
    وتمتلك الكاتبة شيئًا من الشجاعة تدفعها إلى إعلان انتقادها لإسرائيل، على غرار المنتقدين اليهود أنفسهم على قلتهم، وصعوبة وصول أصواتهم للعامة من اليهود والإسرائيليين.

    تقول بنباسة:" إن كل انتقاد صادر عن غير اليهودي سرعان ما يقدم على أنه مشبوه. أما اليهودي الذي نشأ في بلد عربي أو إسلامي، فمن الخير له أن يسكت، خاصة إذا تعلق الأمر بمثقف".

    واليهود القلائل الذين يرفضون الانحياز إلى "فلسفة" المثقفين العضويين الطائفيين، ترفع في وجوههم تهمة "كراهية الذات"، وخيانة إسرائيل، والتحول إلى يهود فاسدين".

    وتشير الكاتبة إلى الطرق الخبيثة التي تستعمل لإخراس هذه الأصوات والحيلولة بينها وبين الناس، وإغلاق كل المنافذ أمامها، وتنظيم "الإعدام الإعلامي" لها، غير أنه لحسن الحظ ما تزال المنشورات المكتوبة بمنأى عن هذه العمليات المميتة، و "ما تزال الإصدارات مجالاً للتعبير عن الرأي المخالف، ولكن إلى متى؟".

    ثم تشرع الكاتبة في انتقاداتها قائلة:" لا... إسرائيل ليست دينًا، ولكنها حقيقة سياسية، ودولة قائمة"، مضيفة أن:" معاملة إسرائيل على أنها الطفل المدلل دون أن توضع لها الحدود، أو توقيرها على أنها وحي من السماء لا تسأل عما تفعل، لن يؤدي في الأمد البعيد إلا إلى شيء واحد: أن يعرض عنها يهود الغد ولا يولوها اهتمامًا، تماما كما يفعل فتيان اليهود الأميركيين، فلماذا مساندة بلد يشوش على مكانة اليهود في الشتات، ويزعزع استقرارهم في بلدان الشتات؟ فإن هؤلاء ليسوا هم الأحوج إلى إسرائيل، بل إسرائيل هي التي في أشد الحاجة إليهم".

    وترى المؤلفة أن الحرب الأخيرة على غزة كانت فشلاً ذريعًا لإسرائيل على المستوى الأخلاقي والمستوى الإعلامي، إذ فقدت إسرائيل كثيرًا من مصداقيتها، ورأى الناس في وسائل الإعلام الأخرى صورًا فظيعة لما ارتكبته قواتها رغم الحصار الإعلامي المحكم الذي فرضته على الصحافيين الذين حاولوا تغطية الحرب من جهتها.

    بين العجل والمشيح
    رغم الانتقادات الشجاعة التي جهرت بها الكاتبة اليهودية الفرنسية، فإنها ختمت كتابها بإعلان تعلقها بإسرائيل، إذ:" لا يمكن انتزاع هذا البلد من قلبي لأني ترعرعت فيه، غير أن هذا لا يمنعني من توجيه النقد له، ولا يمكن أن تحمل هذا البلد بين ضلوعك، ولا يمكن فك الارتباط العاطفي معه ما بقيت حيًا، إذا كنت تضمر له الاحتقار".

    وتعود المؤلفة إلى عقدة الهولوكوست لتربطها بالفلسطينيين فتقول:" إن تجاوزات إسرائيل بحق الفلسطينيين لم تبدأ مع الحرب الأخيرة على غزة، ولكن هذه المرة حدث أمر جديد في غاية الأهمية: فالخط الأحمر الذي يرسم معالم اليهودي بما يحمله من تاريخه، جرى تجاوزه... وطابور الهولوكوست اهتز منذ أمد بعيد".

    وتكشف الباحثة النقاب عن الاختلافات بين الهيئات السياسية والهيئات الدينية الممثلة لليهود بفرنسا، وتقول إن الالتباس الحاصل بين الهيئات يزيد الطين بلة، ويشوش على الخطاب اليهودي الموجه للفرنسيين.

    ففي التجمع اليهودي ليوم 4 يناير 2009، بدعوة من المجلس الممثل للهيئات اليهودية الفرنسية - يطلق عليه اختصارا "كريف"- حضر حوالي 12 ألف شخصًا قرب سفارة إسرائيل، وهناك خاطبهم الحاخام الأكبر جيل بيرنهيم - ذو التكوين الفلسفي - فقال:" من منا من لم تشمله التعبئة؟ إن ليالينا صارت قصيرة مليئة بالابتلاءات. إسرائيل لا تنوي أبدًا القضاء على شعب آخر، وكل هم الجيش الإسرائيلي المحافظة على مبدأ الإنسانية والحرية لجميع الناس بكل محبة وشجاعة".

    ومن جانبه دعا الحاخام الأكبر باريس للترحم على عائلات الجنود والضحايا الذين فتك بهم "الإرهاب". وتعلق بنباسة على هذين الموقفين فتقول:" هكذا يتردد حب إسرائيل بين عجل الدولة الذهبي والانتظار الطويل للمشيح".

    وتشير إلى ما كتبه إينريكو ماسياس بالمناسبة ذاتها فقال:" إن المشيح - المسيح المنتظر - قد ظهر يوم إنشاء دولة إسرائيل، ولا شيء سوف يوقف مسيرة تاريخنا. وسوف أبقى دائمًا إلى جانب إسرائيل، ولو لم تكن لدي عوائق شخصية لكنت بنفسي حاضرًا في غزة مع جنود جيشنا. إنهم يموتون من أجلنا، وأريد الموت من أجلهم".

    جدار ما بعد غزة
    وتنهي الكاتبة حديثها بتحذير أخير من أن تتحول الضحية - الفلسطيني - إلى هولوكوست جديد فينقلب سحر إسرائيل عليها، وتنبعث معاداة السامية من تحت الرماد. تقول بنباسة:" لا أريد أن أكون يهودية وأرفض إسرائيل، ولا أريد في الوقت نفسه أن أقبل هذه الحرب اللاأخلاقية التي تقوم بها إسرائيل، فلا أنا بدون إسرائيل، ولا أنا مع إسرائيل كما هي عليه اليوم، ولا أنا مع الهيئات والحاخامات الذين فقدوا كل وازع أخلاقي ويستمرون في إعلان دعمهم غير المشروط لإسرائيل، وهي تهاجم غزة في حرب احتلال وليس في حرب دفاع".

    والحل في نظرها دولتان واحدة لليهود وثانية للفلسطينيين:" فإذا كان من حق اليهود أن تكون لهم دولتهم، فإن الفلسطينيين لهم الحق نفسه مهما كانت أخطاء فترة شبابهم، وغير هذا.. فإنه عاجلاً أم آجلاً سيتخلى اليهود عن إسرائيل، وكذلك القوى الكبرى.

    وإذا كان كثير من اليهود لا يجدون ذواتهم إلا بالتوحد مع إسرائيل فعليها أن تكون أخلاقية حتى يكون لليهودية معنى وروح، وإلا فما فائدة أن يكون اليهودي يهوديًا ؟ ".

    وتخلص بنباسة إلى أنه:" بعد غزة بدأ جدار جديد يعلو ويعلو بين يهود الشتات ومجتمعاتهم... ومن منا يتمنى أن يعيش وراء هذا الجدار؟ وإلى متى؟".

    من هو اليهودي؟
    ربما كانت الكاتبة اليهودية بنباسة شجاعة في آرائها وانتقاداتها بالنظر إلى القوة الإعلامية لإسرائيل وحلفائها، وهي توقن أن الحصار لا محالة سيدركها.

    وكل ما تطالب به أن تتحلى إسرائيل بالأخلاق اليهودية، وتكف عن سياسة الاحتلال، وتلتزم بالحرب الدفاعية؛ لأن بنباسة مقتنعة تمامًا بأن من حق اليهود أن تكون لهم دولتهم.

    لكنها لم تتساءل طيلة الكتاب عما اقترفه الفلسطينيون حتى يتعرضوا لمثل ما تعرض له اليهود في أوروبا وهم لم يفعلوا باليهود أي شيء، وما ذنبهم حتى تكفر أوروبا عن خطيئتها تجاه اليهود بخطيئة أخرى لا تقل فظاعة وسوءًا، وربما فاقتها في بعض المحطات.
    وعلى الرغم من عمق الألم : ما زال قلبى تسكنه السكينة والطمأنينة والثقة بأن آخر هذه المحنة ستتمخض لصالحنا ويخسأ الفسقة والطغاة , وسيكون فرجٌ بعد الشدّة ,وفرحٌ بعد الحزن ..قد ننتظر .. واثقين أن الرياح ستدفع شراعنا !( محمد أحمد الراشد )

  • #2
    منتظر ردودكم
    وعلى الرغم من عمق الألم : ما زال قلبى تسكنه السكينة والطمأنينة والثقة بأن آخر هذه المحنة ستتمخض لصالحنا ويخسأ الفسقة والطغاة , وسيكون فرجٌ بعد الشدّة ,وفرحٌ بعد الحزن ..قد ننتظر .. واثقين أن الرياح ستدفع شراعنا !( محمد أحمد الراشد )

    تعليق

    مواضيع ذات صلة

    تقليص

    المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
    ابتدأ بواسطة عاشق طيبة, 26 ينا, 2023, 02:58 م
    ردود 0
    40 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة عاشق طيبة
    بواسطة عاشق طيبة
     
    ابتدأ بواسطة عطيه الدماطى, 23 ينا, 2023, 12:27 ص
    ردود 0
    62 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة عطيه الدماطى  
    ابتدأ بواسطة د. نيو, 24 أبر, 2022, 07:35 ص
    رد 1
    64 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة د. نيو
    بواسطة د. نيو
     
    ابتدأ بواسطة محمد بن يوسف, 1 نوف, 2021, 04:00 م
    ردود 0
    23 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة محمد بن يوسف
    بواسطة محمد بن يوسف
     
    ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 18 يون, 2021, 02:47 ص
    ردود 0
    73 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة *اسلامي عزي*
    بواسطة *اسلامي عزي*
     
    يعمل...
    X