أحـزان الغروب

تقليص
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • لا تسئلني من أنا
    12- عضو معطاء
    حارس من حراس العقيدة

    • 23 Mar, Y
    • 2240
    • .............
    • الحمد لله مسلمةة

    #1

    أحـزان الغروب



    أحزان الغروب

    بينما كانت الشمس تشرع في رحلة الرحيل، وقف ذلك الشيخ المسن وهو يذرف دموعه
    في صمت مودعًا جثمان زوجته بعد زواج استمر أربعين سنة اتحد فيها قلباهما

    وعقلاهما ومشاعرهما، وما إن دخلت قبرها حتى شعر بأن الدنيا بأسرها قد أٌقبرت،

    وكأن شمس حياته قد أفلت، فأجهش بالبكاء حتى لم تعد تحمله قدماه، فامتدت إليه أيدي

    أبنائه الثلاثة تقيمه، فاحتضنوه واحتضنهم تمتزج منهم جميعًا الدموع والأنات في مشهد يفيض حزنًا،

    ثم أقفلوا بعدها عائدين إلى بيت الأسرة يجترون أحزانهم.

    وما إن دخل الدكتور/ أحمد مختار منزله حتى بدأ التجوال في أنحائه، وكأنه يتبادل الرثاء مع كل قطعة
    وناحية فيه، يستعيد خلالها الذكريات في ظل سيل من نظرات الشفقة من

    أبنائه، ها هو سيقاسي آلام الوحدة بعد حياة كانت عامرًة بالأصوات والهمسات والضحكات،
    ففي هذا البيت أرسى قواعد حياته الزوجية وعاش الحياة بحلوها ومرها بصحبة

    الزوجة الحنون، وفي هذا البيت أتى إلى الحياة محمود ومها وهالة، ترعرعوا فيه أمام ناظريه،
    حتى ذهب كل منهم إلى عش الزوجية الجديد، وصار لهم أبناء لم يكونوا في قلب الجد أقل مكانة من أبنائه.

    أبي، شق محمود السكون بهذا النداء، فاستطرد: لقد اتفقنا على أن يكون الغروب موعد لقائنا هنا كل يوم،
    ومها وهالة سوف يقتسمان أمر العناية بشؤون المنزل بالتناوب.


    مها وهي تبكي: لن نتركك وحدك يا أبي، لن ندعك للوحدة يا أغلى الناس.

    هالة وهي تحتضنه: حان الوقت الذي نرد فيه شيئًا من المعروف.

    فلم يعلق الأب على الكلام، وإنما نظر في صفحة خياله بصمت شارد إلى مشهد الغروب.

    ظل لقاء الغروب فترة من الزمن روضته ونور حياته، وكأن الشمس التى تأفل عن الخلق تشرق له وحده،

    فيقضي أجمل اللحظات بين أبنائه وأحفاده، ثم ينصرفون عنه يحدوه الشوق والأمل إلى الملتقى القادم.

    ثم بدا الغروب وكأنه يتمرد عليه، فيومًا يأتون ويومًا يتعللون، فتحين لحظة الغروب تحمل كثيرًا من الآلام،
    آلام ذبح الأمل، وآلام الذكريات، فيجلس يداعب قطه الجميل

    ويستخرج شريطًا يضعه في ( الكاسيت ) ليستمع إلى ما كان يسجل من أحاديث لرفيقة دربه، فتنساب دموعه،
    ثم ينهض ويطعم قطته ويتجرع مزقة لبن، ثم ينام وينام القط بجانبه.
    أما زالوا يأتون؟ نعم يأتون كل أسبوع في عجالة، وقد افتقد اللقاء تلك الحرارة وذلك الاهتمام،
    وصار فاترًا ينظر كل منهم إلى ساعته من حين لآخر، وعينه ترقبهم فيبادرهم

    قائلًا: هيا يا أبنائي لقد تأخرتم، فيودعونه وهو لا يعلم ماذا سيحمل له الغروب في الغد.

    غروب وراء غروب ومشهد الأب في شرفته ينتظرهم فيقرع جرس الهاتف سمعه،
    فيسير إليه بخطى تبدو عليها آثار السنين: أبي: أعتذر لن أتمكن من المجيء الليلة أيضًا،
    فيجيب الأب لا عليك يا حبيبتي، الطعام في الثلاجة كثير لا تنشغلي،
    ولكن هل ستأتي مها؟ تجيب: مها اتصلت بي، وقالت أنها تساعد ابنتها في دروسها فلديها امتحان في الغد، ومحمود لا أعلم هل سيأتيك أم لا؟
    لا عليك يا ابنتي كان الله في عونكم. ويرفع سماعة الهاتف ليتصل بـ محمود: محمود حبيبي ألن تأتي؟ فيجيب: عفوًا يا أبي قد نسيت الموعد وارتبطت مع زوجتي وأبنائي بموعد للنزهة، أنا آسف يا أبي، فيرد الأب: لا عليك يا حبيبي نزهة سعيدة إن شاء الله.
    شعر هذه الليلة بأنه لا يستطيع السير على قدميه إلا بصعوبة بالغة، قام إلى الحمام وهو يترنح،
    ويستند إلى الحائط، فارتعشت قدماه وسقط على الأرض مغشيًا عليه، فأفاق ولم يستطع الوقوف،
    وظل يزحف حتى يصل إلى الحمام، لكنه لم يتحمل.
    اندفع الماء بين رجليه رغمًا عنه، تسيل معه دموع من عينيه لم تكن يوما ما بهذا القدر، ونظر إلى قطه الذي يقف ناظرًا إليه، فتمنى لو أنه توارى عن عينيه خجلًا، ثم نظر إليه وكأنه يشكو إليه ما آل إليه حاله.
    ظل أبناؤه معه أسبوعًا حتى بدأ يتماثل للشفاء، فتناهى إلى سمعه حديثهم وهم في الغرفة المقابلة:

    محمود: لابد وأن نضع حلًا جذريًا لهذا الأمر، أنا كما تعلمان كثير المشاغل والارتباطات، وأنت يا مها احتياجات أبنائك كثيرة، وأنت يا هالة عملك وبيتك يستنزفان وقتك.
    مها: حتى اللقاء الأسبوعي الذي استقر عليه الأمر أصبحت لا أجد له وقتًا.

    هالة: وماذا عن خادم يقيم معه؟
    محمود في توتر: ومن سيدفع أجره؟
    مها: إنني لا أعمل، ودخل زوجي محدود، ولدينا أربع أطفال.
    هالة: وأنا راتبي وراتب زوجي بالكاد يكفينا.
    محمود في صوت مرتفع: إذا لا يبقى إلا أنا؟ أليس كذلك؟ ألا تعلمان أني أسعى لشراء عيادة جديدة في مكان أفضل بدلًا من عيادة والدي القديمة، وفي سبيل ذلك ضيقت على أسرتي في النفقة؟
    مها: وماذا عن معاش والدي؟
    محمود: لن يكفي للنفقة وأجرة الخادم، والتي تعلمون أنها قد ارتفعت جدًا في هذه الأيام، بالإضافة إلى مساهمته الشهرية بجزء من دخله لكفالة الأيتام، وهو مالا يتنازل عنه أبدًا، ولكن عندي حل.
    مها: ما هو؟
    محمود: دار المسنين، حيث الرعاية الكاملة التي لن يستطيع أي منّا القيام بها.

    تبادل الجميع النظرات في صمت لم يشقه إلا طرق الباب، كان الطارق هو والدهم الذي كان يتصنع ابتسامة تخفي وراءها الأنين، فقال بصوت واهن: أحبائي لقد اتخذت قرارًا لن أقبل فيه المناقشة، سوف أقيم في دار المسنين، ثم ولّاهم ظهره قاصدًا حجرته وسط نظرات صامتة من أبنائه.

    وهناك في دار المسنين، كانت الذكريات زاده وأنيسه، ينتقي أطايبها ويعتنقها فرارًا من واقعه، وبالرغم من الرعاية الكاملة، وكثرة النزلاء حوله، إلا أنه كان يضرب حول

    نفسه سياجًا من العزلة، ولم يفته مشهد الغروب، لم يكن يدري ما سر هذا الارتباط بينهما، هل ينتظر أملًا جديدًا؟ أم أنه قد استعذب آلامه؟ حقا لم يكن يدري.


    وفي يومه الأخير، بينما كان يودع الشمس ويستقبل مزيدًا من الأحزان، شعر باختناق شديد، فظل يهذي: سأموت نعم إنه الموت، سأفارق الحياة، ستكون نهايتي هنا في دار المسنين، بعيدًا عن بيتي الذي عشت فيه دهرًا مع أهلي وأحبائي، وظل شريط الذكريات يمر أمام ناظريه والألم يزيد والتنفس يزداد صعوبة وكأنه يتنفس من ثقب إبرة، ثم..........
    أحمد، أحمد: قالتها زوجته وهي توقظه في هلع لما رأته يمسك برقبته ويتألم وهو نائم، فانتفض قائمًا أنت ...أين أنا؟ قالت: أنت في بيتك، مع زوجتك وأولادك وأمك، قال:


    أمي أمي.
    أين الهاتف، فأتصل برقم ما قائلًا: نعم أنا الدكتور/ أحمد مختار، أود إلغاء الطلب الذي قدمته لكم بشأن والدتي، ثم هرع إلى غرفة والدته العجوز،فلما رآها ارتمى في حضنها وقبل يديها وقدميها ورأسها،
    سامحيني يا أمي سامحيني، قالها والجميع ينظرون إليه في دهشة فلم يكونوا على علم بما كان ينوي فعله،
    ثم انتشله من الموقف مشهد الغروب، فوقف يتطلع إليه في شرود.










    والذي نفسه بغير جمالٍ لا يرى في الكون شيئاً جميلاً
    أيهذا الشاكي وما بك داء كن جميلاً ترى الوجود جميلاً

عن الكاتب

تقليص

لا تسئلني من أنا الحمد لله مسلمةة اكتشف المزيد حول لا تسئلني من أنا

مواضيع ذات صلة

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
ابتدأ بواسطة راجى عفوربه, 25 Jan, Y, 06:i-PM
ردود 2
5,313 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة راجى عفوربه
بواسطة راجى عفوربه
ابتدأ بواسطة Ahmed_Negm, 13 Oct, Y, 01:i-AM
ردود 4
2,701 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة خادم الرسول
بواسطة خادم الرسول
ابتدأ بواسطة راجى عفوربه, 9 Feb, Y, 04:i-PM
ردود 3
6,132 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة باحث سلفى
بواسطة باحث سلفى
ابتدأ بواسطة شهاب ثاقب, 27 Jun, Y, 02:i-AM
ردود 3
2,325 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة عاشقة دين الاسلام
ابتدأ بواسطة عبد الله بن يس, 5 Jul, Y, 11:i-AM
ردود 0
1,369 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة عبد الله بن يس
ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 28 Dec, Y, 08:i-PM
ردود 14
539 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة د.أمير عبدالله
ابتدأ بواسطة مصر المسلمة, 1 Apr, Y, 09:i-PM
ردود 0
1,116 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة مصر المسلمة
بواسطة مصر المسلمة
ابتدأ بواسطة التاعب, 9 Apr, Y, 03:i-PM
ردود 0
2,931 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة التاعب
بواسطة التاعب
ابتدأ بواسطة ابن النعمان, 22 May, Y, 04:i-PM
ردود 0
2,319 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة ابن النعمان
بواسطة ابن النعمان
المتفائل
سيرة قراء مصر
بواسطة المتفائل
أنشأ بواسطة المتفائل, 2 Dec, Y, 03:i-PM
ردود 9
5,574 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة mavi_301
بواسطة mavi_301
ابتدأ بواسطة حاملة اللواء, 30 Jun, Y, 10:i-AM
ردود 0
1,001 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة حاملة اللواء
ابتدأ بواسطة ظل ظليل, 27 Dec, Y, 08:i-PM
ردود 3
2,940 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة الشهيدة
بواسطة الشهيدة
ابتدأ بواسطة عمر 1991, 12 Sep, Y, 06:i-AM
رد 1
2,060 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة عمر 1991
بواسطة عمر 1991
ابتدأ بواسطة Ahmed_Negm, 6 Jun, Y, 07:i-PM
ردود 4
2,848 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة Ahmed_Negm
بواسطة Ahmed_Negm
ابتدأ بواسطة تابع الشافعي, 24 Mar, Y, 03:i-PM
ردود 4
1,762 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة solema
بواسطة solema

مواضيع من نفس المنتدى الحالي

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
ابتدأ بواسطة kanrya, 16 Jan, Y, 06:i-PM
ردود 342
57,521 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة نصرة الإسلام
ابتدأ بواسطة العبادي محمد, 10 Feb, Y, 12:i-AM
ردود 173
17,930 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة العبادي محمد
ثابت: صحح أقوالك
بواسطة ام مريم
ابتدأ بواسطة ام مريم, 2 May, Y, 03:i-PM
ردود 167
44,005 مشاهدات
1 رد فعل
آخر مشاركة عاشق طيبة
بواسطة عاشق طيبة
ابتدأ بواسطة محب المصطفى, 22 Jan, Y, 07:i-PM
ردود 117
13,840 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة محب المصطفى
بواسطة محب المصطفى
ابتدأ بواسطة (((ساره))), 2 Oct, Y, 04:i-PM
ردود 110
27,478 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة عاشق طيبة
بواسطة عاشق طيبة
يعمل...
أحمد - مساعد المنتدى

السلام عليكم، أنا أحمد. اكتب سؤالك وسأحاول مساعدتك.

📢 رسالة توست

من فضلك اختر مستوى الإجابة: