أثار الشهرة السيئة

تقليص

عن الكاتب

تقليص

خديجة/ مسلم اكتشف المزيد حول خديجة/
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أثار الشهرة السيئة

    طبع الإنسان بادي الرأي أنه ميال إلى حب المحمدة ونيل الشهرة وانتشار الصيت والسمعة ، ونفسه تواقة إلى أن يشار إليه بالبنان أو أن يكون هو حديث المجالس أو أن يسمع قوله أو يكتب قوله
    والواقع أن من هذه حاله فإنه لا يحب أن يكون على هامش الاهتمام أو في مؤخرة الركب أو في دائرة الرضا بالدون ، ومثل هذا الطبع يعد أمرًا جبلِّيًّا إلى حد ما لا يعاب مطلقا ولا يحمد مطلقا ؛ لأن الإطلاق في كلا الأمرين موقعٌ في خلل غير مراد لأن صاحبه سيظل متأرجحًا بين إفراط أو تفريط .. والقاعدة المنصفة تشير إلى أن خير الأمور هو الوسط .. وأن كلا طرفي قصد الأمور ذميم ، ومن هذا المنطلق جاءت الشريعة الغراء بالدعوة إلى كل خير وإلى كل ما يوصل إلى هذا الخير .. وجاءت بالنهي عن كل شر وعن كل ما يوصل إلى هذا الشر ؛ فأصبح الحلال بيِّنًا والحرام بينا ، غير أن بينهما أمورًا مشتبهات .. فمن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه .. وإن مما حذر عنه في الشرع المطهر وجاء التحذير من مغبته هو حب الشهرة والظهور الداعي النفس المريضة إلى تعلق القلب بتأسيس بنيان السمعة على شفا جرفٍ هار أو الإعداد لرفع الظمأ من سراب بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماء ؛ إذ من خصائص الشهرة أنها تؤز المرء إلى المغامرة أزًّا ويدعى إلى تبرير كل وسيلة موصلة إليها دعّا .. وهنا مكمن الخطر ومحمل الشوك الذي لا ينتقش حب الشهرة مظنة الانحراف ورقية الشذوذ عن الجماعة وسلم الإعجاب بالنفس والاعتداد بالرأي .. إضافة إلى اقتفاء غرائب الأمور وعدم الأخذ بالنصح والرجوع إلى الحق .

    الشهرة سربال الهوى وغربال حب المخالفة .. من اشتهر تعرض للفتنة ، ومن تعرض للفتنة فسينال عجرها وبجرها .. حب الشهرة مرض عضال يورث الأنانية وحب الذات والإعجاب القاضي على معرفة عيوب النفس .. نرى الشخص قد علا وحلّق في جو الشهرة وجاز فيها مسارح النظر ، ثم انحدر بعد هذا وتدهور وعفا رسمه فصار أثرًا بعد عين وخبرًا بعد ذاك.. وقد يساق المرء مُشْرئبًا إلى اقتطاف ثمار الثناء والشهرة وتخليد الذكر ، فإذا أخذ مأخذه لم يكد يخطو خطوة من خطوات سيره المشوش حتى تتعثر أقدامه ويروح إلى عطنه الأولى به .. وهو خمول ذكره ؛ لأن طالب الشهرة أسيٌر لخوفٍ لا ينقطع وإشفاقٍ لا يهدأ .. قلق متلفت تقية صيد صائد أو غول غائل ، وربما مات في طلب الشهرة ولم ينل شيئًا منها يقربه إلى الله - جل وعلا -
    قال ابن عبد البر : " الإعجاب آفة الأحباب ، ومن أُعجِب برأيه ضل ، ومن استغنى بعقله زل " .

    إن من أشد العوائق عن كمال الانصياع للحق ولزوم الجماعة والبعد عن ما حرم الله حب الشهرة والصيت ؛ لأنه متى لامست قلب المرء بزخرفها حجبته عن نور الجماعة والثبات عن الطريق المستقيم والرجوع إلى الصواب عند الزلل مهما كانت الشهوات المتاحة أمامه ولو لم يكن الباعث عن مثل هذا إلا كونه بعيدًا عن الإخلاص في التماس رضا الخالق - جل وعلا - دون غيره لكفى به محذورًا وزللًا بغيضًا عند الله أولًا ثم عند خلقه ثانيًا .

    والذي سيقرأ التاريخ سيجد كمًّا كبيرًا من ضحايا حب الشهرة دون التاريخ عبرتهم وصاروا مثلًا لكل متعظ ..
    يقول ابن خلدون في مقدمته المشهورة : " قلما صادفت الشهرة والصيت موضعها في أحدٍ من طبقات الناس في أحد مجالاتهم على وجه العموم ، وكثير ممن اشتهر بالشر وهو بخلافه وكثير ممن تجاوزت عنه الشهرة وهو أحق بها ، وقد تصادف موضعها وتكون طبقا على صاحبها .. وإن أثر الناس في إشهار شخص ما يدخل الذهول والتعصب والوهم والتشيع للمشهور ، بل يدخله التصنع والتقرب لأصحاب الشهرة بالثناء والمدح وتحسين الأحوال وإشاعة الذكر بذلك ، والنفوس مولعةٌ بحب الثناء .. والناس متطاولون إلى الدنيا وأسبابها فتختل الشهرة عن أسبابها الحقيقة فتكون غير مطابقة للمشتهر بها " .. انتهى معنى كلامه .

    إن خطورة طالب الشهرة وعاشقها ليست من الأخطار القاصرة على نفس المشتهر فحسب ، بل إنها من المخاطر المتعدية إلى غيره ، والخطر المتعدى أولى بالرفع والدفع من الخطر القاصر لئلا يتضرر به الآخرون ؛ لأن عاشق الشهرة لو تُرِك له المجال فسيفسد في الآخرين من حيث يشعر أو لا يشعر لأن شهرته حجبت عن الناس الفرز والتنقية في باب التلقي عنه ، وشهرته ستوجد له أتباعًا وأشياعًا من لدن الأغرار من الناس ودهماء المجتمعات ..

    وقد أشار ابن قتيبة - رحمه الله - إلى مثل هذا بقوله : " والناس أسراب طير يتبع بعضهم بعضا ، ولو ظهر لهم من يدعي النبوة مع معرفتهم بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتم الأنبياء أو يدعي الربوبية لوجد على ذلك أتباعا وأشياعا" انتهى كلامه .

    وحينئذ يكون الزلل المشهور عن ألف زلة لما يترتب على ذلك من المفسدة المتعدية ، ولقد أحسن من قال :
    العيب في الجاهل المغمور مغمور *** وعيب ذي الشهرة المشهور مشهور

    ومع هذا كله فإن حب الشهرة داءٌ منصفٌ يفتك بصحابه قبل أن يفتك بغيره ؛ حيث يقول الفضيل بن عياض - رحمه الله - : " إنه ما أحب أحدٌ الشهرة والرياسة إلا حسد وبغى وتتبع عيوب الناس وكره أن يذكر أحدٌ بخير " .. ويقول سفيان الثوري - رحمه الله - : " إياك أن تكون ممن يحب أن يعمل بقوله أو ينشر قوله أو يسمع قوله ، وإياك وحب الشهرة ؛ فإن الرجل يكون حب الشهرة أحب إليه من الذهب والفضة ، وهو بابٌ غامضٌ لا يبصره إلا البصير من العلماء السماسرة " .

    عاشق الشهرة لا ينظر إلا إلى رضا الناس ، ومن تتبع رضا الناس فقد تتبع شططا ..
    وقال إبراهيم بن أدهم - رحمه الله - : " ما صدق اللهَ عبدٌ أحب الشهرة " ..
    ولنأخذ الحكمة ممن جربها وخاض غمارها رغمًا عنه فعرفها وعرف خطرها وحذر منها مع أن شهرته كانت شهرة حق وثبات على الدين؛
    فها هو الإمام أحمد - رحمه الله - إمام أهل السنة يقول : " من بُلي بالشهرة لم يأمن أن يفتنوه .. إني لأفكر في بدء أمري طلبت الحديث وأنا ابن ست عشرة سنة " ..

    ثم إن الشهرة قد تكون بالشذوذ والمخالفة للحق وقد تكون أيضا بقول الحق وإظهاره، فمن قال الحق ليشتهر به فهو مراء وواقع في أتون الشرك الخفي الذي حذر منه النبي - صلى الله عليه وسلم - .. وقد أشار الحافظ الذهبي - رحمه الله - إلى أنه ينبغي للمرء أن يقول الحق ولا يتراءى به ؛ لأنه ربما أعجبته نفسه وأحب الظهور فيعاقب ويدخل عليه الداخل من نفسه ..
    فكم من رجلٍ نطق بالحق وأمر بالمعروف فيسلط عليه من يؤذيه لسوء قصده وحبه للشهرة والرياسة الدينية ؛ فهذا داءٌ خطيرٌ سارٍ في النفوس " انتهى كلامه .

    فإذن كلام الذهبي هذا فيمن قال الحق لينال الشهرة ؛ حيث جمع محمدة واحدة وهي قول الحق وجمع مذمة واحدة وهي حب الشهرة ، فيكف إذن فيمن جمع مذمتين : قول الباطل ولأجل الشهرة - عافانا الله وإياكم من الفتن -.

    وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - إلى أن طالب الشهرة والتصدر ولو بالباطل ترضيه الكلمة التي فيها تعظيمه وإن كانت باطلا وتغضبه الكلمة التي فيها ذمه وإن كانت حقا ، والمؤمن ترضيه كلمة الحق له وعليه وتغضبه كلمة الباطل له وعليه لأن الله يحب الحق والصدق والعدل ويبغض الكذب والظلم " انتهى كلامه .

    وحسبنا في ذلك وصية الصادق المصدوق - عليه أفضل الصلاة والتسليم - فقد قال : " إذا رأيت شُحًّا مُطاعًا وهوًى متبعًا وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع عنك العوام " رواه أبو داود والترمذي .

    ويالله .. ويالله ما أصدق كلام المصطفى - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول : " حق على الله ألا يرتفع شيءٌ من الدنيا إلا وضعه" رواه البخاري .
    تأول نزولًا إن تكن حزت العلا *** فالشيء يهوي إن تسامى وارتفع
    ما طار طيرٌ مرةً نحو العلا *** مستمتعًا إلا كما طار وقع

    إننا حينما نتحدث عن الشهرة ومخاطرها فإن الداعي إلى هذا الحديث ما بلغته أمة الإسلام في هذا العصر من ظهورٍ إعلاميٍّ منقطع النظير ، وأن المرء قد تبلغ شهرته الآفاق وهو قابعٌ في بيته ، وذلك عبر الرائي أو المسموع أو المقروء ..
    وإذا كان تحذير السلف - رحمهم الله - من عاقبة هذا الباب بناءً على ما شاهدوه في أزمانهم المتواضعة .. ففي زماننا هذا من باب أولى ، وإذا كان المشهور عندهم يؤثر في المئات أو الآلاف من الناس فإن المشهور في هذا الزمان يؤثر في الملايين المملينة

    والشهرة وحبها بابٌ واسعٌ ليس مقتصرًا على فئةٍ بعينها ، بل تكون في الحاكم والعالم والوزير والغني والمفكر والكاتب وممتهن الفن والصحفي وغيرهم كثير وكثير .. فكم من شخص أراق الدماء وبطش وظلم لأجل التصدر والشهرة ، وكم من غنيٍّ عبَّ من الربا كما الهيم ليشتهر غناه ، وكم من عالمٍ أو داعٍ كبا وزلَّ وانقلبت حاله أو راءى وسمع لأجل الشهرة ، وكم من صحفيٍّ قال باطلًا وأخفى حقًّا وأشعل نارًا للفتنة لأجل الشهرة ، وكم من ممثلٍ وممثلةٍ ارتكب الحرام وأشاع الفاحشة لأجل الشهرة

    إنه ما جاء نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن لباس الشهرة إلا ليضفي لأمة الإسلام روح الوسط والاعتدال ونيل الأمور من أبوابها المتاحة دون نهمٍ أو تكالبٍ على محرم ؛ فقد قال - صلى الله عليه وسلم - : " من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلةٍ يوم القيامة " رواه أحمد وأبو داود وغيرهما .

    وما تواطأ السلف - رحمهم الله - على ذم الشهرة والتحذير من مغبتها إلا لمزالقها .. يقول الثوري - رحمه الله - : " إياك والشهرة ؛ فما أتيت أحدًا إلا وقد نهى عن الشهرة " ، وقال أيضا : " خرجت حاجًّا أنا وشيبان الراعي مشاة ، فلما صرنا ببعض الطريق إذا نحن بأسدٍ قد عارضنا فصاح به شيبان فبصبص وضرب بذنبه مثل الكلب ؛ فأخذ شيبان بأذنه فعركها ، فقلت : ما هذه الشهرة ؟ قال : وأي شهرةٍ ترى يا ثوري ؟ لولا كراهية الشهرة ما حملت زادي إلى مكة إلا على ظهره " .. وقال أبو بكر بن عياش : " أدنى نفع السكوت السلامة .. وكفى بها عافية ، وأدنى ضرر المنطق الشهرة .. وكفى بها بلية " .

    وحاصل الأمر أن الشهرة مزلقٌ خطير ، فكيف بمن يحبها ويسعى لها ويبذل كل وسيلة لينالها ؟
    وهذا هو الذي قصدناه من الحديث عنها .. أما من أشهره صدقه وتقاه وثباته على الحق وقول الحق فهذا ممدوح ، وهو من عاجل بشرى المؤمن مع عدم أمن الفتنة عليه ؛ فقد ذكر ابن كثير وابن الجوزي وغيرهما : أن الإمام أحمد سُمِع في مرض موته وهو يقول : " لا بعد .. لا بعد حتى أموت ، فسئل عن ذلك ، فقال : عرض لي الشيطان وهو عاض على أصبعه يقول : لقد فتني يا أحمد .. لقد فتني يا أحمد – أي لم أستطع غوايتك - فقلت له لا حتى أموت .. حتى أموت "


    منقول عن خطبة للشيخ سعود الشريم

  • #2
    بارك الله فيك أختي الكريمة خديجة
    طلب الشهرة داء ابتليت به الأمة الإسلامية في عصرنا هذا أيما ابتلاء وما ذلك إلا لغياب الإخلاص في القلب ولكثرة المتفيهقين وهو داء قلّما ينجو منه العلماء فكيف بمن هم دونهم ؟؟؟
    فكثيرا ما نجد طالب علم قد تعلّم شيئا من العلم لا يؤهّله ليحصل على لقب عالم لكنه بحسن نيّة يسعى لنشره بين الناس بنيّة الدعوة فيجعل لنفسه درسا يجتمع إليه الناس ليأخذوا عنه هاتين الكلمتين اللتين تعلّمهما ثم ما يلبث أن يقع في براثن مرض طلب الشهرة فينسى مهمته التي بدأ من أجلها ويصبح همّه واهتمامه في طلب الشهرة ولا حول ولا قوّة إلا بالله ....
    ورحم الله القائل : " قرقعة أقدام الرجال خلف الرجال كم قصمت من ظهور الرجال !!! "

    نسأل الله تعالى السلامة من كل ما يحول بيننا وبين رضاه
    وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل وأن يجعل عملنا متقبّلا

    العلم لا يؤخَذ إلا عن العلماء أما المتعلّمين فيدعون إلى دينهم عن طريق التزامهم بتعاليمه وعن طريق نقل ما يحصلون عليه من علم إلى ذويهم بدون اتخاذ مكانة بينهم وهذا أمر يغفل عنه الكثير من المسلمين

    جزاك الله كل خير أخيّتي وأثابك الجنة على هذا النقل الطيب
    وجعله في ميزان حسناتك وحسنات الشيخ سعود الشريم حفظه الله
    - اللهم لولا أنت ما اهتدينا **** ولا تصدقنا ولا صلينا
    إن اليهود قد بغوا علينا **** وإن أرادوا ذلنا أبينا
    فأنزلن سكينة علينـــــا **** وثبت الأقدام إن لاقينا
    - ربنا إننا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين
    - وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون

    تعليق


    • #3
      جزانا وإياكِ أختي الكريمة آية اللطف

      أشكر مرورك وإضافتك القيّمة للموضوع

      تحياتي

      تعليق

      مواضيع ذات صلة

      تقليص

      المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
      ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 18 ينا, 2021, 05:31 ص
      ردود 2
      153 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة *اسلامي عزي*
      بواسطة *اسلامي عزي*
       
      ابتدأ بواسطة د. نيو, 27 نوف, 2020, 06:25 م
      ردود 4
      85 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة د. نيو
      بواسطة د. نيو
       
      ابتدأ بواسطة أحمد محمد أحمد السبر, 23 يول, 2020, 06:53 م
      ردود 0
      54 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة أحمد محمد أحمد السبر  
      ابتدأ بواسطة عاشق طيبة, 20 ديس, 2019, 11:46 م
      ردود 3
      79 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة عاشق طيبة
      بواسطة عاشق طيبة
       
      ابتدأ بواسطة دكتور أشرف, 21 يون, 2019, 12:57 ص
      ردود 4
      103 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة دكتور أشرف
      بواسطة دكتور أشرف
       
      يعمل...
      X