تويت
قنديل البحر.... حيوان مكروه ومنبوذ لأنه يسبب الرعب والخوف في قلوب السابحين و الغواصين ويحرم الكثيرين من السباحة في مياه البحر وإذا كان مؤسفاً أن نلصق مثل هذه التهم بأي مخلوق مهما كانت صفاته فكيف إذا كان الأمر مع هذا المخلوق الخجول الرائع الجمال الذي أساء الناس فهمه كلياً؟
تنتمي قناديل البحر إلى الهلاميات اللاحشوية التي يشبه جسمها كيساً فارغاً مع نظام هضمي بدائي وهي تعيش على سطح البحار أو قريباً منها حيث تسيرها التيارات البحرية وتتقاذفها الامواج. و يراوح حجمها من بضع مليمترات إلى الأنواع الضخمة التي يزيد قطرها على المترين. أما مجسماتها الشعيرية فقد يصل طولها إلى العشرين متراً كما في القنديل الذي يدعى "البارجة البرتغالية"، و التي تساعده في التقاط غذائه.
يتكون جسم القنديل من ثلاث طبقات: الطبقة الداخلية التي تؤدي عمل الجهاز الهضمي لدى الكائنات الأكثر تطوراً، والهلامية وهي الأكبر، وطبقة الخلايا الشريطية اللاسعة التي تبرز في أسفل القنديل كخيوط قطنية مختلفة الطول و هذه الخيوط هي التي تجعل الاحتراس منه أمرا واجباً لدى السباحة و لا ضرر على الإطلاق في لمس ظهر القنديل، أو القسم الأمامي منه، لأنه لا يحمل خلايا سمية.
و يوجد في البحر اللبناني يوجد نوع واحد من قناديل البحر تدعى Rhopilema nomadica . و هي متوسطة الحجم و القسم الأمامي منها بحجم كرة القدم ويبلغ طول شعيراتها الخلفية حوالي الثلاثين سنتيمتراً. يصل هذا النوع إلى بحرنا في اشهر الصيف حيث يقصد الناس البحر بسبب الحر الشديد . و من الضروري التأكيد للجميع بان القنديل لا يسبح تحت سطح الماء خلسة حيث يفتش عن فريسة من بني ادم ليلسعها، فهذا الأمر ليس صحيحاً على الإطلاق. فهو يسبح مع التيارات البحرية على مقربة من سطح الماء وبمجرد اصطدامه بسباح أو غواص يفرز مادة كيميائية سامة للدفاع عن نفسه تسبب تورماً وآلاماً جلدية عند اللسع. لذا يجب وضع الخل الأحمر على مكان اللسعة لتخفف أو لتقضي نهائياً على الوجع. والصياد اللبناني الذي اعتاد العيش والعمل في البحر برفقة قنديل البحر يفضل وضع مادة المازوت على مكان اللسعة فتقضي بثوان معدودة على الوجع والورم.
وتتكاثر قناديل البحر في مياهنا بشكل غير اعتيادي في شهري تموز (يوليو) وآب (أغسطس). وأثناء غوصنا في المياه قلما نجد مساحة قدرها متراً واحداً من سطح الماء خالية منها . وخلال شهر تموز(يوليو) ، يسبح القنديل بشكل عام قي قاع البحر وفي شهري آب (أغسطس) وأيلول (سبتمبر) يرتفع تدريجياً إلى سطح الماء. ومن حسن حظنا فان قناديل البحر هي الطعام المفضل للسلحفاة البحرية التي استعادت وجودها ولو بشكل خجول عما كانت عليه في منتصف السبعينات من القرن الماضي . وقد لاحظنا في السنتين الماضيتين كيف لعبت السلحفاة البحرية دورها الطبيعي في تصحيح إعداد قناديل البحر ضمن الميزان الطبيعي للبيئة البحرية ولهذا لم نتضايق منها كما في الأعوام السابقة. و هناك اعتقاد بان هذه السنة ستشهد موسماً محدوداً لقناديل البحر من حيث وجودها وتكاثرها في بحرنا اللبناني والفضل بالتأكيد للسلحفاة البحرية.
ولقناديل البحر ايجابيات لا بد من ذكرها فوجودها جزاً لا يتجزأ من البيئة البحرية لذلك نجد بعض الأسماك الصغيرة تسبح حولها لكي تحتمي بها و قد شوهد سرب من سمك "أبو ريشة " يسبح حول قنديل بحر بهدف الاحتماء به ولولاه لهلك هذا السرب في دقائق معدودة. لكن الأهم هو جمال قناديل البحر فلعلها أجمل المخلوقات البحرية على الإطلاق. فما أجمل أن تتأملها وهي تسبح على مقربة منك وشعيراتها تسبح خلفها بانتظام رائع وبضع سمكات صغيرة تسبح من حولها.
و مع أن كثيرين ممن يكرهون هذا المخلوق الرائع يتمنون انقراضه فقد عاش في البحر قبل ظهورنا على هذا الكوكب بملايين السنين. ومن المؤسف أن نتسبب في انقراض أي مخلوق لمجرد إزعاج بسيط قد يسببه وجوده في بيئته الطبيعية. وإذا التقى السابح او الغواص وجهاً لوجه مع قنديل البحر فالحق في المرور هو لقنديل البحر الذي يتمنى على كل من يدخل ليستجم في بيئته البحرية بان يضع " ناضوراً بحرياً" يستطيع من خلاله رؤيته والاستمتاع بعالم ما تحت الماء وليبتعد من طريق قنديل البحر الذي ، على غرار الإنسان ، لا يستطيع أن يرى السابح ولا الغواص. وإذا واجه السابح قنديل بحر فما عليه إلا أن يلمسه من القسم الأمامي بكل لطف ليغير وجهة سيره. فلا داعي للخوف أوالذعر . وسيكون من الخطأ أن يضرب القنديل إلى حد القتل لان شعيراته ستتطاير مع التيارات البحرية وتلسع كل من تجده في طريقها.
من حيث التوالد فان القناديل الصغيرة تخرج من البيض وتلصق بالصخور أو بأي شيء آخر تجده في الماء. ثم تتحول ببطء إلى شكل طبق لتأخذ بعدئذ شكل زهرة ذات بتلات، كل بتلة هي قنديل جديد يبدأ بالوميض صغيراً ليستمر مشعاً مزيناً ظلام القاع ببريق ابيض يتلألأ ، لذا استحق وبكل جدارة أن يطلق عليه اسم قنديل البحر.... منقول
.gif "(281)")
تعليق