تويت
حكم صلاة الجماعة ومدى وجوبها
إن صلاة الجماعة من مسلمات الدين ، وفي هذه المسلمات عموم وخصوص. أما العموم فإن دين الإسلام يأمر بالاجتماع، وينهى نهي تحريم عن التفرق والاختلاف؛ فمن الأمر بالاجتماع قول الله تعالى في الحذر حال الحرب :( يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا). وقوله في وصف المجاهدين والثناء عليهم لاجتماعهم : ( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص). وقوله عز وجل في الأمر بصلاة الجمعة : ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع). والآيات في القرآن عن الاجتماع أكثر من أن تحصر في هذا الجواب.أما النهي عن التفرق والاختلاف فمنه قول الله عز وجل : ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات). وقوله: ( وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد). وقوله: ( وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ). والآيات في النهي عن الاختلاف وذمه أكثر من أن تحصر أيضاً في هذا الجواب. هذا في القرآن، أما في السنة فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بملازمة الجماعة في قوله: (يد الله مع الجماعة). كما أمر بلزوم الجماعة في السفر بقوله: (الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب).
أما من حيث الخصوص فقد أمر الله بصلاة الجماعة في قوله تعالى : ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين). وهذا أمر بإقامة الصلاة والركوع فيها مع الراكعين، وهذا لا يكون إلا مع جماعة فاقتضى هذا أن إقامة الصلاة يكون مع الجماعة، وقد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا في قوله: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية)). وقوله عليه الصلاة والسلام: (لقد هممت أن آمر المؤذن فيقيم ثم آمر رجلاً يؤم الناس ثم آخذ شعلاً من نار فأحرق من لا يخرج إلى الصلاة بعد). وهذا وعيد، ولا يكون الوعيد إلا لمن ترك ما أُمِرَ به لوجوبه عليه.
وفي مجال الاجتهاد بدت آراء في بعض مذاهب الأئمة عن مدى وجوب الصلاة جماعة، وهل هي واجبة أم سنة، ففي مذهب الإمام أبي حنيفة عامة مشايخ المذهب على أنها واجبة . وفي مذهب الإمام الشافعي إن صلاة الجمعة في جماعة فرض عين، أما في غيرها من الفرائض فتجب بحيث يظهر الشعار في المكان، فإن امتنع كل أهله قوتلوا. وفي مذهب الإمام أحمد تجب صلاة الجماعة وجوب عين للصلوات الخمس، وهذا هو المعتمد في المذهب، ووجه الدلالة من القرآن قول الله تعالى واركعوا مع الراكعين. وقوله عز وجل وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك. فهذا أمر بالجماعة حال الخوف وفي غيره أولى وأشد، أما وجه الدلالة من السنة فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ليس صلاة اثقل على المنافقين من الفجر والعشاء ولو يعلمون مافيهما لأتوهما ولو حبوا). وقوله عليه الصلاة والسلام لابن أم مكتوم -وهو أعمى- لما سأله الرخصة أن يصلي في بيته (هل تسمع النداء بالصلاة؟) فلما قال نعم قال (ما أجد لك رخصة).
أما في مذهب الإمام ابن حزم، فلا صلاة للمنفرد مالم يكن له عذر وفي هذا قال أبو محمد: "ولا تجزئ صلاة فرض أحد من الرجال إذا كان بحيث يسمع الأذان أن يصليها إلا في المسجد مع الإمام، فإن تعمد ترك ذلك بغير عذر بطلت صلاته. فإن كان بحيث لا يسمع الأذان ففرض عليه أن يصلي في جماعة مع واحد إليه فصاعداً، ولابد فإن لم يفعل فلا صلاة له إلا أن لا يجد أحداً يصليها معه فيجزئه حينئذٍ إلا من له عذر فيجزئه حينئذٍ التخلف عن الجماعة".
قلت: والصواب ما ذكر بأن صلاة الجماعة واجبة على المكلف وجوب عين لا يسقط إلا بعذر، والأدلة على ذلك واضحة في الكتاب والسنة ،كما ذُكر طرف منهما.
