نقض افتراءات للتشكيك في تواتر و صحة نقل القران الكريم

تقليص

عن الكاتب

تقليص

د/ربيع أحمد مسلم سلفي العقيدة اكتشف المزيد حول د/ربيع أحمد
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    الرد على سؤالهم : كيف يكون جمع القرآن عن إجماع من الصحابة و قد اعترض ابن مسعود عليه ؟ و كيف يكون القرآن متواترا عن الصحابة و قد اعترض ابن مسعود على المصحف العثماني ؟




    كيف يكون جمع القرآن عن إجماع من الصحابة مع أن عبد الله بن مسعود وهو ذو السابقة في الإسلام قد كره أن يتولى زيد جمع المصحف ، وقال : « يا معشر المسلمين كيف أعزل عن جمع المصحف ويتولاه رجل والله لقد أسلمت وإنه لفي صلب رجل كافر» ، وقال أيضا: «أعزل عن المصاحف وقد أخذت من فيّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعين سورة وزيد بن ثابت ذو ذؤابتين يلعب مع الصبيان» و في رواية « بضعا وسبعين سورة ... » .

    والجواب :
    : أن قول ابن مسعود هذا لا يدل على عدم جواز جمع القرآن في المصحف، ولا على أنه كان مخالفا في الجمع، وكل ما يدل عليه أنه يرى أنه أحق من زيد بجمع القرآن لسوابقه في الإسلام، على أنه قال هذا في وقت غضبه فلما سكت عنه الغضب أدرك حسن اختيار عثمان ومن معه من الصحابة لزيد بن ثابت وقد ندم على ما قال واستحيا منه .


    فقد روى أبو وائل هذه القصة ثم قال عقبها: إن عبد الله استحيا مما قال فقال: ما أنا بخيرهم ثم نزل عن المنبر ولم يكن اختيار أبي بكر وعثمان لزيد إلا لما له من المزايا التي تؤهله لهذه المهمة الجليلة وقد أفصح عن هذه المزايا الصديق بقوله : إنك رجل ، شاب، عاقل، لا نتهمك كنت تكتب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - .


    فقد وصفه بأربع صفات لا بد منها لمن يقوم بهذا العمل وهي الشباب المقتضي للقوة والصبر والجلد ، والعقل وهو جماع الفضائل، والأمانة وعدم التهمة وهي الصفة التي لا بد منها لمن يقوم بهذا العمل، وكتابة الوحي، وبها يتم التوثق والاطمئنان ومع ذلك فقد ضم عثمان إليه ثلاثة من أوثق الصحابة وأعلمهم ، وهذه الخصائص لا تقتضي أفضليته على عبد الله بن مسعود ولا على أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وإنما تقتضي أهليته لما عهد إليه به [1].


    و قال ابن حجر : « وَقد شقّ على بن مَسْعُودٍ صَرْفُهُ عَنْ كِتَابَةِ الْمُصْحَفِ حَتَّى قَالَ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بن سعد عَن بن شِهَابٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْهُ قَالَ بن شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَرِهَ لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ نَسْخَ الْمَصَاحِفِ وَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أُعْزَلُ عَنْ نَسْخِ كِتَابَةِ الْمَصَاحِفِ وَيَتَوَلَّاهَا رَجُلٌ وَاللَّهِ لَقَدْ أَسْلَمْتُ وَإِنَّهُ لَفِي صُلْبِ رَجُلٍ كَافِرٍ يُرِيدُ زيد بن ثَابت .
    وَأخرج بن أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ خُمَيْرِ بْنِ مَالِكٍ بِالْخَاءِ مصغر سَمِعت بن مَسْعُودٍ يَقُولُ لَقَدْ أَخَذْتُ مِنْ فِيِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعِينَ سُورَةً وَإِنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ لَصَبِيٌّ مِنَ الصِّبْيَانِ وَمن طَرِيق أَبى وَائِل عَن بن مَسْعُودٍ بِضْعًا وَسَبْعِينَ سُورَةً وَمِنْ طَرِيقِ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْهُ مِثْلَهُ وَزَادَ وَإِنَّ لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ذُؤَابَتَيْنِ .


    وَالْعُذْرُ لِعُثْمَانَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ فَعَلَهُ بِالْمَدِينَةِ وَعَبْدُ اللَّهِ بِالْكُوفَةِ وَلَمْ يُؤَخِّرْ مَا عَزَمَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ إِلَى أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِ وَيَحْضُرَ وَأَيْضًا فَإِنَّ عُثْمَانَ إِنَّمَا أَرَادَ نَسْخَ الصُّحُفِ الَّتِي كَانَتْ جُمِعَتْ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَأَنْ يَجْعَلَهَا مُصْحَفًا وَاحِدًا وَكَانَ الَّذِي نَسَخَ ذَلِكَ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ هُوَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ كَمَا تَقَدَّمَ لِكَوْنِهِ كَانَ كَاتِبَ الْوَحْيِ فَكَانَتْ لَهُ فِي ذَلِكَ أَوَّلِيَّةٌ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ »[2] .


    و كلام ابن مسعود – رضي الله عنه - لا يدل على الطعن في جمع القرآن إنما يدل على أنه كان يرى في نفسه أنه هو الأولى أن يسند إليه هذا الجمع ؛ لأنه كان يثق بنفسه أكثر من ثقته بزيد في هذا الباب ، وذلك لا ينافي أنه كان يرى في زيد أهلية وكفاية للنهوض بما أسند إليه وإن كان هو في نصر نفسه أكفأ وأجدر غير أن المسألة تقديرية .


    ولا ريب أن تقدير أبي بكر وعمر وعثمان لزيد أصدق من تقدير ابن مسعود له كيف وقد عرفت فيما سبق مجموعة المؤهلات والمزايا التي توافرت فيه حتى جعلته الجدير بتنفيذ هذه الغاية السامية. أضف إلى ذلك أن عثمان ضم إليه ثلاثة ثم كان هو وجمهور الصحابة مشرفين عليهم مراقبين لهم وناهيك في عثمان أنه كان من حفاظ ومعلمي القرآن![3]


    و في تاريخ دمشق لابن عساكر : « وإنما شق ذلك على ابن مسعود ؛ لأنه عدل عنه مع فضله وسنه وفوض ذلك إلى من هو بمنزلة ابنه وإنما ولى عثمان زيد بن ثابت لحضوه وغيبة عبد الله ولأنه كان يكتب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكتب المصحف في عهد أبي بكر الصديق وقد روي عن ابن مسعود أنه رضي بذلك وتابع ووافق رأي عثمان في ذلك »[4] .


    ومِمَّا يدل على أن ابن مسعودٍ - رضى الله عنه - قد رجع ووافق رأي عثمان- رضى الله عنه - أن قراءته قد رواها عاصم وحمزة والكسائي، وغيرهم وقراءة هؤلاء الأئمة موافقة للمصاحف العثمانية .


    و قال ابن حزم – رحمه الله - : « وَأما قَوْلهم أَن مصحف عبد الله ابْن مَسْعُود خلاف مصحفنا فَبَاطِل وَكذب وإفك مصحف عبد الله بن مَسْعُود إِنَّمَا فِيهِ قِرَاءَته بِلَا شكّ وقراءته هِيَ قِرَاءَة عَاصِم الْمَشْهُورَة عِنْد جَمِيع أهل الْإِسْلَام فِي شَرق الدُّنْيَا وغربها نَقْرَأ بهَا كَمَا ذكرنَا وبغيرها قد صَحَّ أَنه كُله منزل من عِنْد الله تَعَالَى فَبَطل تعلقهم بِهَذَا وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين »[5] .


    ولو سلمنا جدلا أن ابن مسعود – رضي الله عنه - أراد الطعن في صحة جمع القرآن لا نسلم أنه دام على هذا الطعن والإنكار بدليل ما صح عنه أنه رجع إلى ما في مصحف عثمان وحرق مصحفه في آخرة الأمر حين تبين له أن هذا هو الحق وبدليل ما صح عنه من قراءة عاصم عن زرعة[6] .


    و ليس المعتبر في العلم بصحة النقل والقطع على ثبوته أن لا يخالف فيه مخالف ، وإنما المعتبر في ذلك مجيئه عن قوم بهم يثبت التواتر وتقوم الحجة، سواء اتفق على نقلهم أو اختلف فيه [7].


    ولو سلمنا جدلا أن ابن مسعود – رضي الله عنه – طعن في صحة الجمع وأنه دام عليه ولم يرجع عنه لا نسلم أنه يدل على إبطال تواتر القرآن فإن التواتر كما أسلفنا يكفي في القطع بصحة مرويه أن ينقل عن جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب بشروطه وليس من شروطه ألا يخالف فيه مخالف حتى يقدح في تواتر القرآن أن يخالف فيه ابن مسعود أو غير ابن مسعود ما دام جم غفير من الصحابة قد أقروا جمع القرآن على هذا النحو في عهد أبي بكر مرة وفي عهد عثمان مرة أخرى [8] .


    [1] - المدخل لدراسة القرآن الكريم لمحمد أبي شهبة ص 284 - 285
    [2] - فتح الباري لابن حجر 9/19
    [3] - مناهل العرفان للزرقاني 1/283
    [4] - تاريخ دمشق لابن عساكر 33/140
    [5] - الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم 2/65
    [6] - مناهل العرفان للزرقاني 1/283
    [7] - الانتصار للقرآن للباقلاني 1/97
    [8] - مناهل العرفان للزرقاني 1/284
    د. ربيع أحمد طبيب بشري قليل التواجد في المنتدى
    بعض كتاباتي على الألوكة
    بعض كتاباتي على المختار الإسلامي

    تعليق


    • #17
      الرد على سؤالهم كيف تقولون أن القرآن متواتر عن الصحابة رغم أن ابن مسعود أنكر المعوذتين و لم يكتبهما في مصحفه ؟



      يتسائل المغرضون كيف تقولون أن القرآن متواتر عن الصحابة رغم أن ابن مسعود أنكر المعوذتين و لم يكتبهما في مصحفه ؟


      و الجواب الحجة عندنا في المصحف العثماني الذي أقره جميع الصحابة ، و لم يعترض عليه أحد منهم ،و لو اعترض عليه أحد منهم لنقل ذلك ؛ لأنه مما تتوافر الدواعي على نقله .


      و العبرة في التواتر أن يروى عن جمع يحيل العقل تواطئهم على الكذب، لا أن يخالف فيه مخالف فظن ابن مسعود أن المعوذتين ليستا من القرآن لا يطعن في قرآنيتهما ولا ينقض تواتر القرآن .



      و إنكار ابن مسعود – رضي الله عنه – للمعوذتين كان قبل أن يستيقن قرآنيتهما ، فلما علم ذلك وتيقنه رجع إلى رأي الجماعة، وليس أدل على ذلك من أن الذين تعزى قراءاتهم إلى ابن مسعود متفقون على أن المعوذتين من القرآنفقراءة ابن مسعود قد رواها عاصم وحمزة والكسائي، وغيرهم وقراءة هؤلاء الأئمة موافقة للمصاحف العثمانية .


      ولم يحك عن ابن مسعود – رضي الله عنه – بعد جمع القرآن أي إصرار أو استنكار لكتابة المعوذتين في المصحف ، ولو أنه بقي على موقفه من إنكار المعوذتين لبلغنا ذلك كما بلغنا إصرار بعض الصحابة كابن عباس الذي بقي حتى خلافة عمر وهو يظن أنه لم يرد عن النبي – صلى الله عليه وسلم -كلام حول تحريم زواج المتعة.
      د. ربيع أحمد طبيب بشري قليل التواجد في المنتدى
      بعض كتاباتي على الألوكة
      بعض كتاباتي على المختار الإسلامي

      تعليق


      • #18
        الرد على زعمهم بنقص سورتي الحفد و الخلع من المصحف العثماني


        زعم المغرضون أن المصحف العثماني ينقص سورتين - الحفد و الخلع - كان بعض الصحابة يقرأ بـهما في صلاته و يكتبهما بين سور مصاحفهم، وقد جاءت سورتا الخَلْعِ والحَفْدِ في مصحفِ أُبَيِّ بنِ كعب ، وفي مصحفِ ابنِ عباس، وقد صَلّى بهما عمر بن الخطاب .

        و نصهما : ( اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق )



        و الجواب وجود سورتي الحفد و الخلع في مصاحف بعض الصحابة ليس على أساس أنهما من القرآن الذي استقر أمره بالعرضة الأخيرة ، و مصاحف الصحابة - رضي الله عنهم – لم تكن قاصرة على القرآن المتواتر بل كان فيها التأويل والدعاء و ما نُسخت تلاوته اعتمادًا على أنه لا يُشكل عليهم عدم قرآنية ذلك ولكن ندرة أدوات الكتابة و كونهم يكتبون القرآن لأنفسهم وحدهم دون غيرهم هون عليهمذالك ؛ لأنهم امنوا على أنفسهم اللبس و اشتباه القرآن بغيره .


        وهاتان السورتان كانتا مما نزل من القرآن ثم نسخت تلاوتهما ، وبقي بعض الصحابة يقرؤهما في قنوته،و القنوت بهما في الصلاة لا يدل على القرآنية إذ القنوت دعاء يقرأ في الصلاة وليس قرآن يقرأ في الصلاة.


        و على فرض أن بعض الصحابة أثبت هاتين السورتين في المصحف على أنهما قرآن فهي رواية آحادية ظنية لا تعارض القطعي الثابت بالتواتر كما أنها لا تكفي في إثبات كونها من القرآن ؛ لأن المعول عليه في ثبوت القرآن التواتر [1].


        و الحجة عندنا في المصحف العثماني الذي أقره جميع الصحابة أما المصاحف الخاصة فهي عمل فردي من بعض الصحابة ولم يكن هدفهم كتابة مصحف تلتزم به الأمة ، و إثبات بعض الصحابة لسورة ليست في المصحف العثماني مما أجمع المسلمون على خلافه فلا يعتد به .


        ولم يحك عن أحد الصحابة بعد جمع القرآن أي استنكار لعدم كتابة هاتين السورتين في المصحف العثماني .


        و قراءة أبي بن كعب قد رواها نافع وابن كثير وأبو عمرو، وغيرهم وقراءة هؤلاء الأئمة ليس فيها سورتا الحفد والخلع .


        و لو سلَّمنا جدلا أن أُبَيًّا ظنَّ دعاء القنوت قرآنًا ، فأثبته في مصحفه، فإن ذلك لا يطعن في تواتر القرآن، لأنه انفرد به ، وقد حصل الإجماع على ما بين الدفتين وتواتره، فلا يضر بعد ذلك مخالفة من خالف.


        [1]- المدخل لدراسة القرآن الكريم لمحمد أبي شهبة ص 288
        د. ربيع أحمد طبيب بشري قليل التواجد في المنتدى
        بعض كتاباتي على الألوكة
        بعض كتاباتي على المختار الإسلامي

        تعليق


        • #19
          الرد على سؤالهم كيف تقولون أن القرآن متواتر عن الصحابة رغم أن مصاحف بعض الصحابة تخالف المصحف العثماني ؟


          يتسائل المغرضون كيف تقولون أيها المسلمون أن القرآن متواتر عن الصحابة رغم أن مصاحف بعض الصحابة تخالف المصحف العثماني ؟

          و الجواب الحجة عندنا في المصحف العثماني الذي أقره جميع الصحابة أما المصاحف الخاصة فهي عمل فردي من بعض الصحابة ولم يكن هدفهم كتابة مصحف تلتزم به الأمة، لهذا كانت هذه المصاحف الخاصة غير حجة على الأمة ، فما عدا مصحف عثمان لا يقطع عليه ، وإنما يجري مجرى الآحاد .


          وإذا نقل منه ما يخالف المصحف الإمام فهذا طبيعي، لأن الواحد منهم كان يكتب لنفسه ، و لذلك قد يكتبون تفسيراً لبعض الآيات في نفس المصحف وهم آمنون من اللبس، لأنهم إنما يكتبون لأنفسهم [1] .

          [1] - أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية لناصر بن عبد الله بن علي القفاري 3/1024
          د. ربيع أحمد طبيب بشري قليل التواجد في المنتدى
          بعض كتاباتي على الألوكة
          بعض كتاباتي على المختار الإسلامي

          تعليق


          • #20
            الرد على سؤالهم كيف تقولون بتواتر القرآن رغم أن أسانيد قراءات القرآن تنتهى عند القراء العشر ؟


            ادعى المغرضون أن القرآن غير متواتر مستدلين بأن أسانيد قراءات القرآن تنتهي عند القراء العشر و كأنهم فهموا من انحصار أسانيد قراءات القرآن إلى عدد معين أن القرآن لم يجيء عن غيرهم ، و هذا ينم عن جهلهم بعلوم القرآن خاصة علم القراءات .
            و القرآن الكريم رواه جمع عن جمع يستحيل العادة تواطؤهم على الكذب فقد رواه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مئات الصحابة و رواه عن مئات الصحابة آلاف التابعين و هكذا إلى أن وصل إلينا ، و أسانيد القراءات القرآنية ما هي إلا غيض من فيض من الأسانيد .

            وقد اشتهر بإقراء الناس القرآن، وتعريفهم أوجه قراءته طائفة من الصحابة قد احتجزوا عن الخروج إلى ميادين الفتح؛ ليعلموا الناس ويفقهوهم في دينهم، ويقرئوهم القرآن الكريم .

            ومن هؤلاء عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب فارس الإسلام، احتجز عن الجهاد بالسيف؛ ليكون له جهاد العلم والقرآن, وأُبَيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود، وأبو الدرداء .


            وعن هؤلاء أخذ كثيرون من الصحابة والتابعين، وأقرءاهم القرآن بوجوه القراءات، وكلها يتفق مع المكتوب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.


            ولما أخذ المقرئون للقرآن من الصحابة ينقرضون حمل التابعون ذلك العبء الكريم، فقاموا بحقه، ويظهر أنَّ المقرئ كان يقرئ طالب القرآن القراءات كلها، ويختار منها ما يطوع له لسانه من غير إعوجاج، فكان الصحابة وكبار التابعين يقرءون بالأوجه كلها، ولكن يختار المستحفظ ما يقوى عليه لسانه .


            وفي آخر عصر التابعين خلَّف من بعد قراء الصحابة والتابعين خلف طيب، وجد التخصص في قراءة من القراءات أولى من حفظ جميعها، فإنه إذا كان ذلك في طاقة الصحابة ومن داناهم من كبار التابعين، فمن وراءهم دون ذلك؛ إذ أخذت الطبيعة العربية تضعف عن حمل العبء كاملًا، فعني من أفاضل القراء من صغار التابعين، وتابعي التابعين برواية كلِّ واحد منهم قراءة واحدة؛ ليسهل عليه نطقها، ورووها متواترة، فكانت الرِّحَال تشَدُّ إليهم يتلقَّون عنهم، ويأخذون بما يقرئه كل واحد .
            واشتُهِر من هؤلاء الذين خلفوا عهد الحفاظ من الصحابة الذين كانوا يقرئون الناس من صحابة وتابعين - اشتهر سبعة كانوا من بعد أئمة القراء .

            وهم : عبد الله بن عامر المتوفَّى سنة 118هـ، وعبد الله بن كثير المتوفَّى سنة 120هـ، وعاصم بن مهدلة الأسدي المتوفَّى سنة 128هـ، وأبو عمرو بن العلاء شيخ الرواة المتوفَّى سنة 154هـ، وحمزة بن حبيب الزياد العجلي المتوفَّى سنة 156هـ، ونافع بن نعيم المتوفَّى سنة 169هـ، وعلي بن حمزة الكسائي إمام الكوفيين المتوفَّى سنة 159هـ، وقراءات هؤلاء السبعة هي المتفق عليها التي نالت الإجماع، ولكل واحدة منها سندها المتصل المتواتر، وطريقه، وهو محفوظ في علم القراءات، وأجمع المسلمون على التواتر فيها .

            وقد ألحق علماء القراءات وأهل الخبرة فيها ثلاثة غيرهم صحت قراءتهم، وثبت تواترها، وهم: أبو جعفر يزيد بن القعقاع المتوفَّى سنة 132هـ، ويعقوب بن إسحاق الحضري المتوفَّى سنة 185هـ، وخلف بن هشام .

            وقراءات هؤلاء بإضافتها إلى القراءات السبع تكون عشرة كاملة[1] .

            و تواتر قراءات العشرة ليس عن طريق ما دوّن في الأسانيد، لأنها ترجع إلى عدد محصور، ولكن إذا نظرت إلى أن هذا العدد المحصور لم يختص بها، بل كانت روايته هذه يقرأ بها غيره ممن لا حصر لهم- غاية الأمر أن المدوّنين اقتصروا على هؤلاء ليضبطوا ما دوّنوه ويحرروه- فإنك تعلم قطعا أنها كانت متواترة ولا تزال متواترة .


            فليست القراءات كالحديث مخرجها كمخرجه إذا كان مدارها على واحد كانت آحادية- ليس الأمر كذلك- ولكنها إنما نسبت إلى ذلك الإمام اصطلاحا، وإلا فأهل كل بلدة كانوا يقرءونها أخذوها أمما عن أمم، ولو انفرد واحد بقراءة دون أهل العلم بالقراءات لم يوافقه على ذلك أحد، بل كانوا يجتنبونها ويأمرون باجتنابها [2].

            و لنضرب مثلا رواية حفص عن عاصم عن أبي عبد الرحمن السُلمي عن عبد الله ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ليس معنى هذا السند تفرد حفص بالرواية عن عاصم فقد روى عن عاصم خلق كثير ،و ليس معنى هذا السند تفرد عاصم بالرواية عن أبي عبد الرحمن السُلمي فقد أقرأ أبو عبد الرحمن السُلمي خلق كثير ،و ليس معنى هذا السند تفرد أبي عبد الرحمن السُلمي بالرواية عن ابن مسعود فقد أقرأ ابن مسعود خلق كثير .


            و قال ابن الجزري – رحمه الله - : « إِضَافَةُ الْحُرُوفِ وَالْقِرَاءَاتِ إِلَى أَئِمَّةِ الْقِرَاءَةِ وَرُوَاتِهِمُ الْمُرَادُ بِهَا أَنَّ ذَلِكَ الْقَارِئَ وَذَلِكَ الْإِمَامَ اخْتَارَ الْقِرَاءَةَ بِذَلِكَ الْوَجْهِ مِنَ اللُّغَةِ حَسْبَمَا قَرَأَ بِهِ، فَآثَرَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَدَاوَمَ عَلَيْهِ وَلَزِمَهُ حَتَّى اشْتَهَرَ وَعُرِفَ بِهِ، وَقُصِدَ فِيهِ، وَأُخِذَ عَنْهُ ; فَلِذَلِكَ أُضِيفَ إِلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْقُرَّاءِ، وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ إِضَافَةُ اخْتِيَارٍ وَدَوَامٍ وَلُزُومٍ لَا إِضَافَةَ اخْتِرَاعٍ وَرَأْيٍ وَاجْتِهَادٍ »[3] .


            و قال شهاب الدين الدمياطي – رحمه الله - : « فإن قيل : الأسانيد إلى الأئمة وأسانيدهم إليه - صلى الله عليه وسلم- على ما في كتب القراءات أحاد لا تبلغ عدد التواتر؟ أجيب بأن انحصار الأسانيد المذكورة في طائفة لا يمنع مجيء القراءات عن غيرهم, وإنما نسبت القراءات إليهم لتصديهم لضبط الحروف وحفظ شيوخهم فيها, ومع كل واحد منهم في طبقته ما يبلغها عدد التواتر »[4] .
            و قد حكى ابن الجزري – رحمه الله – عن شمس الدين محمد بن أحمد الخطيب بيبرود الشافعي– أنه قال : « معذور أبو شامة حيث إن القراءات كالحديث مخرجها كمخرجه إذا كان مدارها على واحد كانت آحادية وخفي عليه أنها نسبت إلى ذلك الإمام اصطلاحا وإلا فكل أهل بلدة كانوا يقرؤنها أخذوها أمما عن أمم ولو انفرد واحد بقراءة دون أهل بلده لم يوافقه على ذلك أحد بل كانوا يجتنبونها ويأمرون باجتنابها » .


            ثم قال ابن الجزري – رحمه الله – : « صدق ومما يدل على هذا ما قال ابن مجاهد قال لي قنبل قال لي القواس في سنة سبع وثلاثين ومائتين: الق هذا الرجل -يعني البزي- فقل له: هذا الحرف ليس من قراءتنا يعني "وما هو بميت" [إبراهيم: 17] مخففا وإنما يخفف من الميت من قد مات ومن لم يمت فهو مشدد, فلقيت البزي فأخبرته فقال لي: قد رجعت عنه.

            وقال محمد بن صالح؛ سمعت رجلا يقول لأبي عمرو: كيف تقرأ ﴿ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ، وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ﴾ [الفجر: 26] فقال: لا يعذب بالكسر. فقال له الرجل: كيف وقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم- "لا يعذب" بالفتح؟ فقال له أبو عمرو: لو سمعت الرجل الذي قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم- ما أخذته عنه، وتدري ما ذاك؟ لأني أتهم الواحد الشاذ إذا كان على خلاف ما جاءت به العامة.

            قال الشيخ أبو الحسن السخاوي : وقراءة الفتح أيضا ثابتة بالتواتر. قلت: صدق لأنها قراءة الكسائي.

            قال السخاوي: وقد تواتر الخبر عند قوم دون قوم وإنما أنكرها أبو عمرو لأنها لم تبلغه على وجه التواتر .

            قلت : وهذا كان من شأنهم على أن تعيين هؤلاء القراء ليس بلازم ولو عين غير هؤلاء لجاز، وتعيينهم إما لكونهم تصدوا للإقراء أكثر من غيرهم أو لأنهم شيوخ المعين كما تقدم ومن ثم كره من كره من السلف أن تنسب القراءة إلى أحد، روى ابن أبي داود عن إبراهيم النخغي قال: كانوا يكرهون سند فلان وقراءة فلان »[5] .


            [1]- المعجزة الكبرى القرآن ص 26
            [2] - الموسوعة القرآنية المتخصصة ص 318
            [3] - النشر في القراءات العشر لابن الجزري 1/52
            [4] - إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر لشهاب الدين الدمياطي ص 9
            [5] - منجد المقرئين ومرشد الطالبين لابن الجزري ص 79
            د. ربيع أحمد طبيب بشري قليل التواجد في المنتدى
            بعض كتاباتي على الألوكة
            بعض كتاباتي على المختار الإسلامي

            تعليق


            • #21
              الرد على زعمهم أن آية : ﴿ وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى ﴾ زيد فيها ﴿و ما خلق ﴾




              ادعى المغرضون أن آية : ﴿ وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى ﴾ زيد فيها : ﴿ و ما خلق ﴾ و استدلوا بقول عَلْقَمَةَ دَخَلْتُ الشَّأْمَ فَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ ، فَقُلْتُ : اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا ، فَرَأَيْتُ شَيْخًا مُقْبِلًا فَلَمَّا دَنَا قُلْتُ : أَرْجُو أَنْ يَكُونَ اسْتَجَابَ ، قَالَ : مِنْ أَيْنَ أَنْتَ ؟ قُلْتُ : مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ ، قَالَ : أَفَلَمْ يَكُنْ فِيكُمْ صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ وَالوِسَادِ وَالمِطْهَرَةِ ؟ أَوَلَمْ يَكُنْ فِيكُمُ الَّذِي أُجِيرَ مِنَ الشَّيْطَانِ؟ أَوَلَمْ يَكُنْ فِيكُمْ صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي لاَ يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ ؟ كَيْفَ قَرَأَ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ وَاللَّيْلِ ، فَقَرَأْتُ : ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ﴾ . وَ النَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى . وَ الذَّكَرِ وَ الأُنْثَى قَالَ : « أَقْرَأَنِيهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَاهُ إِلَى فِيَّ ، فَمَا زَالَ هَؤُلاَءِ حَتَّى كَادُوا يَرُدُّونِي »[1] .


              و الجواب أن الثَّابِتُ فِي مَصَاحِفِ الْأَمْصَارِ وَالْمُتَوَاتِرُ ﴿ وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى ﴾ ، وَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قِرَاءَةٍ : وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى: نَقْلُ آحَادٍ مُخَالِفٌ لِلسَّوَادِ، فَلَا يُعَدُّ قُرْآنًا[2] .

              و قَالَ الْقَاضِي ابن العربي - رحمه الله - : « هَذَا مِمَّا لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ بَشَرٌ، إنَّمَا الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا فِي الصُّحُفِ؛ فَلَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ لِأَحَدٍ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَقَعُ النَّظَرُ فِيمَا يُوَافِقُ خَطَّهُ مِمَّا لَمْ يَثْبُتْ ضَبْطُهُ، حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ؛ فَإِنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ بِنَقْلِ الْوَاحِدِ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا؛ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِالتَّوَاتُرِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الْعِلْمُ، وَيَنْقَطِعُ مَعَهُ الْعُذْرُ وَتَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَى الْخَلْقِ » [3].


              و قَالَ الْمَازِرِيُّ - رحمه الله - : « يَجِبُ أَنْ يُعْتَقَدَ فِي هَذَا الْخَبَرِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قُرْآنًا ثُمَّ نُسِخَ وَلَمْ يُعْلَمْ مَنْ خَالَفَ النَّسْخَ فَبَقِيَ عَلَى النَّسْخِ قَالَ وَلَعَلَّ هَذَا وَقَعَ مِنْ بَعْضِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُمْ مُصْحَفُ عُثْمَانَ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ الْمَحْذُوفُ مِنْهُ كُلُّ مَنْسُوخٍ وَأَمَّا بَعْدَ ظُهُورِ مُصْحَفِ عُثْمَانَ فَلَا يُظَنُّ بأحد منهم أنه خالف فيه .


              وأما ابن مَسْعُودٍ فَرُوِيَتْ عَنْهُ رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ وَمَا ثَبَتَ مِنْهَا مُخَالِفًا لِمَا قُلْنَاهُ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ فِي مُصْحَفِهِ بَعْضَ الْأَحْكَامِ وَالتَّفَاسِيرِ مِمَّا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْآنٍ وَكَانَ لَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَ ذَلِكَ وَكَانَ يَرَاهُ كَصَحِيفَةٍ يُثْبِتُ فِيهَا مَا يَشَاءُ وَكَانَ رَأْيُ عُثْمَانَ وَالْجَمَاعَةِ مَنْعَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَتَطَاوَلَ الزَّمَانُ وَيَظُنَّ ذَلِكَ قُرْآنًا »[4] .


              و قال ابن عاشور – رحمه الله - : « وَ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ : « دَخَلْتُ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ ( َعْنِي ابْنَ مَسْعُود ٍ) الشَّامَ فَسَمِعَ بِنَا أَبُو الدَّرْدَاءِ فَأَتَانَا فَقَالَ : أَيُّكُمْ يَقْرَأُ عَلَى قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ ؟ فَقُلْتُ : أَنَا . قَالَ : كَيْفَ سَمِعْتَهُ يَقْرَأُ ؟ وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى قَالَ سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ :
              " و َاللَّيْلِ إِذَا يغشى وَالنَّهَار إِذا تَجَلَّى والذَّكَرَ وَالْأُنْثَى " قَالَ : أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ هَكَذَا "


              وَسَمَّاهَا فِي الْكَشَّافِ : قِرَاءَةَ النَّبِي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، أَيْ ثَبَتَ أَنَّهُ قَرَأَ بِهَا ، وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ : أَنَّهُ أَقْرَأَهَا أَبَا الدَّرْدَاءِ أَيَّامَ كَانَ الْقُرْآن مرخّصا فِيهِ أَنْ يُقْرَأَ عَلَى بَعْضِ اخْتِلَافٍ ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ التَّرْخِيصُ بِمَا قَرَأَ بِهِ النَّبِي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آخِرِ حَيَاتِهِ وَهُوَ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْقُرْآنِ ، و َكُتِبَ فِي الْمُصْحَفِ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - »[5] .


              و قال الألوسي – رحمه الله - : « وقرأ ابن مسعود « والذكر والأنثى » وتبعه ابن عباس كما أخرج ذلك ابن النجار في تاريخ بغداد من طريق الضحاك عنه ونسبت لعليّ كرم الله تعالى وجهه .


              وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم من علقمة أنه قدم الشام فجلس إلى أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه فقال له أبو الدرداء ممّن أنت؟ فقال: من أهل الكوفة قال: كيف سمعت رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -يقرأ وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى ؟ قال علقمة : « والذكر والأنثى » فقال أبو الدرداء : " أشهد أني سمعت رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - يقرأ هكذا وهؤلاء يريدوني على أن أقرأ وما خلق الذكر و الأنثى والله لا أتابعهم " . وأنت تعلم أن هذه قراءة شاذة منقولة آحادا لا تجوز القراءة بها لكنها بالنسبة إلى من سمعها من النبيّ - عليه الصلاة والسلام -في حكم المتواترة نجوز قراءته بها »[6] .


              [1]- رواه البخاري في صحيحه 5/28 حديث رقم 3761
              [2] - البحر المحيط في التفسير لأبي حيان الأندلسي 10/492
              [3] - أحكام القرآن لابن العربي 4/405
              [4] -المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج 6/109
              [5] - التحرير و التنوير لابن عاشور 30/480
              [6] - روح المعاني للألوسي 15/366
              د. ربيع أحمد طبيب بشري قليل التواجد في المنتدى
              بعض كتاباتي على الألوكة
              بعض كتاباتي على المختار الإسلامي

              تعليق


              • #22
                الرد على زعمهم أن قوله تعالى : ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ﴾ نقص منه و صلاة العصر




                زعم المغرضون أن قوله تعالى : ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ﴾ نقص منه و صلاة العصر و استدلوا بما رواه أَبو يُونُسَ ، مَوْلَى عَائِشَةَ قَالَ : أَمَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنْ أَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفًا، قَالَتْ : إِذَا بَلَغْتَ إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ﴾ ، فَآذِنِّي ، فَلَمَّا بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا ، فَأَمْلَتْ عَلَيَّ : " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ " قَالَتْ : سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[1] قالوا : وفي القرآن لا توجد كلمتي "وصلاة العصر" و من ثم فالقرآن محرف .

                و الجواب أن الثَّابِتُ فِي مَصَاحِفِ الْأَمْصَارِ وَالْمُتَوَاتِرُ ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ﴾ ، وَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قِرَاءَةٍ : ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ﴾ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ : نَقْلُ آحَادٍ مُخَالِفٌ لِلسَّوَادِ، فَلَا يُعَدُّ قُرْآنًا .


                و عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ ﴾ [ البقرة : 238] وَصَلَاةِ الْعَصْرِ ، فَقَرَأْنَاهَا مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ نَسَخَهَا اللهُ، فَنَزَلَتْ : ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ﴾ [البقرة: 238] ، " فَقَالَ رَجُلٌ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ شَقِيقِ لَهُ: هِيَ إِذَنْ صَلَاةُ الْعَصْرِ، فَقَالَ الْبَرَاءِ : قَدْ أَخْبَرْتُكَ كَيْفَ نَزَلَتْ، وَكَيْفَ نَسَخَهَا اللهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ[2] ، و هذا الحديث يدل أن زيادة : و صلاة العصر من منسوخ التلاوة ، و عائشة - رضي الله عنها - لم تعلم بالنّسخ ، لكن غيرها قد علم بالنسخ في الآية .


                و قال ابن الجوزي – رحمه الله - : « اعْلَم أَن هَذِه الْآيَة كَذَلِك نزلت، ثمَّ نسخ مِنْهَا ذكر صَلَاة الْعَصْر، وَلم تعلم عَائِشَة أَن ذَلِك نسخ، فقرأتها على الْقِرَاءَة الأولى. وَقد سبق هَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ فِي مُسْند الْبَراء بن عَازِب »[3] .

                [1]- رواه أحمد في مسنده 5/505 حديث رقم 24448
                [2] - رواه مسلم في صحيحه 1/483 حديث رقم 630
                [3] - كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي 4/414
                د. ربيع أحمد طبيب بشري قليل التواجد في المنتدى
                بعض كتاباتي على الألوكة
                بعض كتاباتي على المختار الإسلامي

                تعليق


                • #23
                  الرد على زعمهم بحذف آية " خمس رضعات يحرمن "من القرآن



                  زعم المغرضون أن هناك آية في القرآن كانت تتكلم عن عدد الرضعات التي يحرمن و قد حذفت بعد وفاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - و استدلوا على ذلك بقول عَائِشَةَ : " كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ : عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ، بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ "[1]


                  والجواب قول عائشة – رضي الله عنها - : "وهن مما يُقرأ من القرآن" ظاهره بقاء التلاوة، وليس كذلك، فإنه غير موجود في المصحف العثماني. وأجيب بأن المراد : قارَبَ الوفاة ، والأظهر أن التلاوة نُسِخَت ولم يبلغ ذلك كل الناس إلا بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فتوفي وبعض الناس يقرؤها [2] .



                  و قال على القاري : « (وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ) بِسُكُونِ الشِّينِ وَفَتَحَ الضَّادَ (مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ) أَيْ: مُشْبِعَاتٌ فِي خَمْسَةِ أَوْقَاتٍ مُتَفَاصِلَةٍ عُرْفًا (فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ) أَيْ: آيَةُ خَمْسِ رَضَعَاتٍ (فِيمَا يُقْرَأُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ .


                  (مِنَ الْقُرْآنِ) تَعْنِي أَنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ كَانَ يَقْرَؤُهُ عَلَى الرَّسْمِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي زَمَانِ الْوَحْيِ فَكَيْفَ بَعْدُ وَفَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَتْ بِذَلِكَ قُرْبَ زَمَانِ الْوَحْيِ.


                  قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ أَنَّ تِلَاوَتَهَا قَدْ كَانَتْ بَاقِيَةً فَتَرَكُوهَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَفَعَ قَدْرَ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ عَنِ الِاخْتِلَالِ وَالنُّقْصَانِ وَتَوَلَّى حِفْظَهُ وَضِمْنَ صِيَانَتِهِ فَقَالَ عَزَّ مَنْ قَالَ ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ ( سورة الحجر الآية 9 ) فَلَا يَجُوزُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَنْ يَضِيعَ مِنْهُ آيَةٌ وَلَا أَنْ يَنْخَرِمَ حَرْفٌ كَانَ يُتْلَى فِي زَمَانِ الرِّسَالَةِ إِلَّا مَا نُسِخَ مِنْهُ.

                  قَالَ الْأَشْرَفُ: الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِ عَائِشَةِ وَهُوَ (فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ) عَائِدٌ إِلَى عَشْرِ رَضَعَاتٍ وَحِينَئِذٍ احْتَاجَ الشَّيْخُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِلَى مَا ذَكَرَهُ وَيَقُومُ هَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلًا لِمَنْ قَالَ أَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَحْصُلُ بِأَقَلِّ مِنْ عَشْرِ رَضَعَاتٍ وَلَوْ جَعَلَ الضَّمِيرَ الْمَذْكُورَ عَائِدًا إِلَى خَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ مَعَ قُرْبَةٍ لَقَامَ دَلِيلًا لِلشَّافِعِيِّ وَلَاسْتُغْنِيَ عَنْ جَمِيعِ مَا ذَكَرَهُ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ أَنَّ الْعَشْرَ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ وَاسْتَقَرَّ النَّسَخُ وَتَقَرَّرَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهَا فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ أَيْ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ نَسْخِ الْعَشْرَةِ بِالْخَمْسِ فِي حَالَةِ اسْتِقْرَارِ الْخَمْسِ وَكَوْنِهِ مَقْرُوءًا فِي الْقُرْآنِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ)


                  قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَيْ: أَنَّ النَّسْخَ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ تَأَخَّرَ إِنْزَالُهُ جِدًّا حَتَّى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُوُفِّيَ وَبَعْضُ النَّاسِ يَقْرَأُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ وَيَجْعَلُهَا قُرْآنًا مَتْلُوًّا لِكَوْنِهِ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ لِقُرْبِ عَهْدِهِ فَلَمَّا بَلَغَهُمُ النَّسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ رَجَعُوا عَنْ ذَلِكَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يُتْلَى »[3] .


                  و قال محمد أبو شهبة : « هذه الرواية مهما صحت فهي آحادية لا يثبت بها قرآن؛ لأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، ثم هي أيضا لا تعارض القطعي الثابت بالتواتر، وهو القرآن الذي بين أيدينا اليوم، وغاية ما تدل عليه هذه الرواية أنها خبر لا قرآن » [4].


                  [1]- رواه مسلم في صحيحه 2/1075 حديث رقم 1452
                  [2] - مباحث في علوم القرآن لمناع القطان ص 244
                  [3] - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لعلي القاري 5/2079
                  [4] - المدخل لدراسة القرآن ص 295
                  د. ربيع أحمد طبيب بشري قليل التواجد في المنتدى
                  بعض كتاباتي على الألوكة
                  بعض كتاباتي على المختار الإسلامي

                  تعليق


                  • #24
                    الرد على زعمهم أن تعدد القراءات يدل على اضطراب النص القرآني وتحريفه ، وسببه عدم تنقيط المصحف العثماني



                    ادعى المغرضون أن تعدد قراءات القرآن يدل على اضطراب النص القرآني ، و لحوق التحريف به ، و أنه ليس من عند الله مستشهدين بقوله تعالى : ﴿ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ﴾ ، و ادعوا أن تعدد القراءات قد يكون مرجعه عدم تنقيط المصحف العثماني .



                    و كلامهم ينم عن جهلهم بعلوم القرآن خاصة علم القراءات ، و القراءات القرآنية هي الوجوه المختلفة التي سمح النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بقراءة النص القرآني بها قصدًا للتيسير، والتي جاءت وفقًا للهجة من اللهجات العربية القديمة .


                    وقد تكفل الزركشي بالتفرقة بين القرآن والقراءات بقوله: "القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان. فالقرآن هو الوحي المنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - للبيان والإعجاز، والقراءات هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في كِتبة الحروف، أو كيفيتها، من تخفيف وتثقيل وغيرهما"[1]


                    و قال المارغني المالكي : « القراءات هي اختلاف الوحي في الحروف وكيفيتها، غير أنها تعتمد كلية على التلقي والمشافهة ؛ لأن هذا العلم الإسلامي الخالص لا يحكم إلا بالسماع والمشافهة ، ولذا فقد اشترط العلماء في صحتها ضوابط منها :
                    1- أن توافق القراءة رسم المصحف العثماني.
                    2- أن تنقل بالتواتر؛ لأن القراءات الصحيحة لا تثبت إلا السند الصحيح المتواتر حتى، ولو وافقت رسم المصحف الإمام.
                    3- أن توافق وجها من وجوه اللغة العربية.
                    فإذا تحققت هذه الضوابط تحققت صحة القراءة، وإذا اختل ضابط منها اختلت القراءة، وضعف العمل بها.


                    والقراءات القرآنية وحي من عند الله تلقاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الله بواسطة ملك الوحي جبريل عليه السلام، ولقنه النبي - عليه الصلاة والسلام - لصحابته، وعنه نقلت القراءات القرآنية بالتواتر »[2] .


                    و إن قيل ما السبب الذي أوجب أن يختلف القراء في قراءة القرآن على قراءاتمتعددة فالجواب ما قاله ابن تيمية : « وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ : مَا السَّبَبُ الَّذِي أَوْجَبَ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ الْقُرَّاءِ فِيمَا احْتَمَلَهُ خَطُّ الْمُصْحَفِ؟ فَهَذَا مَرْجِعُهُ إلَى النَّقْلِ وَاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ لِتَسْوِيغِ الشَّارِعِ لَهُمْ الْقِرَاءَةَ بِذَلِكَ كُلِّهِ إذْ لَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَقْرَأَ قِرَاءَةً بِمُجَرَّدِ رَأْيِهِ ؛ بَلْ الْقِرَاءَةُ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ .


                    وَهُمْ إذَا اتَّفَقُوا عَلَى اتِّبَاعِ الْقُرْآنِ الْمَكْتُوبِ فِي الْمُصْحَفِ الْإِمَامِيِّ وَقَدْ قَرَأَ بَعْضُهُمْ بِالْيَاءِ وَبَعْضُهُمْ بِالتَّاءِ لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا خَارِجًا عَنْ الْمُصْحَفِ. وَمِمَّايُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَتَّفِقُونَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ عَلَى يَاءٍ أَوْ تَاءٍ وَيَتَنَوَّعُونَ فِي بَعْضٍ كَمَا اتَّفَقُوا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ فِي مَوْضِعٍ وَتَنَوَّعُوا فِي مَوْضِعَيْنِ .


                    وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْقِرَاءَتَيْنِ كَالْآيَتَيْنِ فَزِيَادَةُ الْقِرَاءَاتِ كَزِيَادَةِ الْآيَاتِ؛ لَكِنْ إذَا كَانَ الْخَطُّ وَاحِدًا وَاللَّفْظُ مُحْتَمَلًا كَانَ ذَلِكَ أَخْصَرَ فِي الرَّسْمِ .


                    وَالِاعْتِمَادُ فِي نَقْلِ الْقُرْآنِ عَلَى حِفْظِ الْقُلُوبِ لَا عَلَى الْمَصَاحِفِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " إنَّ رَبِّي قَالَ لِي أَنْ قُمْ فِي قُرَيْشٍ فَأَنْذِرْهُمْ. فَقُلْت: أَيْ رَبِّ إذًا يَثْلَغُوا رَأْسِي - أَيْ يَشْدَخُوا - فَقَالَ: إنِّي مُبْتَلِيك وَمُبْتَلٍ بِك وَمُنْزِلٌ عَلَيْك كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ تَقْرَؤُهُ نَائِمًا ويقظانا فَابْعَثْ جُنْدًا أَبْعَثْ مِثْلَيْهِمْ وَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَك مَنْ عَصَاك وَأَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْك " فَأَخْبَرَ أَنَّ كِتَابَهُ لَا يَحْتَاجُ فِي حِفْظِهِ إلَى صَحِيفَةٍ تُغْسَلُ بِالْمَاءِ؛ بَلْ يَقْرَؤُهُ فِي كُلِّ حَالٍ .


                    كَمَا جَاءَ فِي نَعْتِ أُمَّتِهِ: " أَنَاجِيلُهُمْ فِي صُدُورِهِمْ " بِخِلَافِ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ لَا يَحْفَظُونَهُ إلَّا فِي الْكُتُبِ وَلَا يَقْرَءُونَهُ كُلَّهُ إلَّا نَظَرًا لَا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ.


                    وَ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ جَمَعَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ كَالْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ وَكَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَتَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْقِرَاءَاتِ الْمَنْسُوبَةَ إلَى نَافِعٍ وَعَاصِمٍ لَيْسَتْ هِيَ الْأَحْرُفَ السَّبْعَةَ الَّتِي أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَيْهَا وَذَلِكَ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ .


                    وَكَذَلِكَ لَيْسَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَاتُ السَّبْعَةُ هِيَ مَجْمُوعَ حَرْفٍ وَاحِدٍ مِنْ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الَّتِي أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَيْهَا بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ؛ بَلْ الْقِرَاءَاتُ الثَّابِتَةُ عَنْ أَئِمَّةِ الْقُرَّاءِ - كَالْأَعْمَشِ وَيَعْقُوبَ وَخَلَفٍ وَأَبِي جَعْفَرٍ يَزِيدَ بْنِ الْقَعْقَاعِ وَشَيْبَةَ بْنِ نِصَاحٍ وَنَحْوِهِمْ - هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْقِرَاءَاتِ الثَّابِتَةِ عَنْ هَؤُلَاءِ السَّبْعَةِ عِنْدَ مَنْ ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ.


                    وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا لَمْ يَتَنَازَعْ فِيهِ الْأَئِمَّةُ الْمَتْبُوعُونَ مِنْ أَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ وَالْقُرَّاءِ وَغَيْرِهِمْ وَإِنَّمَا تَنَازَعَ النَّاسُ مِنْ الْخَلَفِ فِي الْمُصْحَفِ الْعُثْمَانِيِّ الْإِمَامِ الَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَالْأُمَّةُ بَعْدَهُمْ هَلْ هُوَ بِمَا فِيهِ مِنْ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَةِ وَتَمَامِ الْعَشَرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ هَلْ هُوَ حَرْفٌ مِنْ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الَّتِي أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَيْهَا؟ أَوْ هُوَ مَجْمُوعُ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ. وَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَئِمَّةِ السَّلَفِ وَالْعُلَمَاءِ وَالثَّانِي قَوْلُ طَوَائِفَ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْقُرَّاءِ وَغَيْرِهِمْ وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْأَحْرُفَ السَّبْعَةَ لَا يُخَالِفُ بَعْضُهَا بَعْضًا خِلَافًا يتضاد فِيهِ الْمَعْنَى وَيَتَنَاقَضُ؛ بَلْ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا كَمَا تُصَدِّقُ الْآيَاتُ بَعْضُهَا بَعْضًا.


                    وَسَبَبُ تَنَوُّعِ الْقِرَاءَاتِ فِيمَا احْتَمَلَهُ خَطُّ الْمُصْحَفِ هُوَ تَجْوِيزُ الشَّارِعِ وَتَسْوِيغُهُ ذَلِكَ لَهُمْ ؛ إذْ مَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى السُّنَّةِ والإتباع لَا إلَى الرَّأْيِ وَالِابْتِدَاعِ .


                    أَمَّا إذَا قِيلَ: إنَّ ذَلِكَ هِيَ الْأَحْرُفُ السَّبْعَةُ فَظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى إذَا قِيلَ: إنَّ ذَلِكَ حَرْفٌ مِنْ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ قَدْ سُوِّغَ لَهُمْ أَنْ يَقْرَءُوهُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ كُلُّهَا شَافٍ كَافٍ مَعَ تَنَوُّعِ الْأَحْرُفِ فِي الرَّسْمِ؛ فَلَأَنْ يُسَوَّغَ ذَلِكَ مَعَ اتِّفَاقِ ذَلِكَ فِي الرَّسْمِ وَتَنَوُّعِهِ فِي اللَّفْظِ أَوْلَى وَأَحْرَى وَهَذَا مِنْ أَسْبَابِ تَرْكِهِمْ الْمَصَاحِفَ أَوَّلَ مَا كُتِبَتْ غَيْرَ مَشْكُولَةٍ وَلَا مَنْقُوطَةٍ؛ لِتَكُونَ صُورَةُ الرَّسْمِ مُحْتَمِلَةً لِلْأَمْرَيْنِ كَالتَّاءِ وَالْيَاءِ وَالْفَتْحِ وَالضَّمِّ وَهُمْ يَضْبِطُونَ بِاللَّفْظِ كِلَا الْأَمْرَيْنِ وَيَكُونُ دَلَالَةُ الْخَطِّ الْوَاحِدِ عَلَى كِلَا اللَّفْظَيْنِ الْمَنْقُولَيْنِ الْمَسْمُوعَيْنِ الْمَتْلُوَّيْنِ شَبِيهًا بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ عَلَى كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ الْمَنْقُولَيْنِ الْمَعْقُولَيْنِ الْمَفْهُومَيْنِ؛ فَإِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَلَقَّوْا عَنْهُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِتَبْلِيغِهِ إلَيْهِمْ مِنْ الْقُرْآنِ لَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ جَمِيعًا »[3]


                    و على ما تقدم فالقراءات القرآنية وحى من عند الله و ليس اجتهاد من اجتهادات العلماء ، و ليس لقارئ القرآن الحرية في قراءة القرآن بحسب ما يرى ولو شذ بل لابد من التزام الكيفيات أو الوجوه المنقولة إلينا تواتراً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقرأ بوجه منها أو أكثر لكن لا يحل له أن يقرأ بما لم يتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يصح ثبوته ويشتهر وتتوفر فيه صحة السند والموافقة للرسم العثماني وموافقة القواعد النحوية كما قرر ابن الجزري [4].


                    و القراءات القرآنية ليست في كل كلمات القرآن أي لا تشمل كل كلمات القرآن بل تشمل كلمات محصورة وردت فيها مضبوطة معلومة، لا زيادة فيها ولا نقصفقد تكون كلمة واحدة في الآية كلها .


                    مثل قوله تعالى : ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ كلمة مالك فيها قراءتان : مالك و مَلِك ، و معنى مالك القاضي المتصرف في شئون يوم القيامة أما ملك أي من بيده الأمر والنهى و مقاليد كل شيء يوم القيامة و كلا المعنيين صحيح لا تعارض فيه بل في القراءتين تنوع يثري المعنى .




                    قال ابن عثيمين : « و "الملك" أخص من "المالك" وفي الجمع بين القراءتين فائدة عظيمة؛ وهي أن ملكه جلّ وعلا ملك حقيقي؛ لأن مِن الخلق مَن يكون ملكاً، ولكن ليس بمالك : يسمى ملكاً اسماً وليس له من التدبير شيء؛ ومِن الناس مَن يكون مالكاً، ولا يكون ملكاً: كعامة الناس ؛ ولكن الرب عزّ وجلّ مالكٌ ملِك »[5] .



                    و مثل قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍفَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًابِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ ( سورة الحجرات الآية 6 ) كلمة فتبينوا فيها قراءتان : فتبينوا و فتثبتوا و معنى فتبيّنوا من التبيين ، ومعنى فتثبّتوا منالتثبّتوالتبيين تطلّب بيان الحقيقة من الكذب و الصواب من الخطأ ،ومعنى التثبّت التحري وتطلّب الثبات ، وهوالصدقو كلا المعنيين صحيح لا تعارض فيه بل في القراءتينتلازم فالتبين من الأمر هو الطريق الموصل للتثبت في الأمر و التثبت في الأمر هو ثمرة التبين، ومن تبين فقد تثبت، ومن تثبت فقد تبين .

                    و مثل قوله تعالى : ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ منْ أَنفسِكمْ﴾ ( سورة التوبة من الآية 128 ) كلمة أنفسكم فيها قراءتان : أَنفُسِكمْ و أَنفَسِكمْ إحداهما بضم الفاء والثانية بفتحها والمعنى على الأول منكم لَا من غيركم، والمعنى على الثانية (من أنفَسكم) أي من أعلاكم نسبًا. وبمجموع الآيتين، وكل آية منهما قرآن بذاتها، أنه بعث فيكم رسولا منكم، لَا من غيركم، وهذه منَّة، ومن أعلاكم نسبا وشرفا وهذا شرف للرسالة، والنبيون يبعثون من أعلى الأوساط[6] .


                    و عن المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ القَارِيِّ، أَنَّهُمَا سَمِعَا عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، يَقْرَأُ سُورَةَ الفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ، فَإِذَا هُوَ يَقْرَؤُهَا عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ، لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلاَةِ، فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى سَلَّمَ، فَلَبَبْتُهُ .


                    فَقُلْتُ : مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ ؟ قَالَ : أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَقُلْتُ لَهُ : كَذَبْتَ فَوَاللَّهِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُوَ أَقْرَأَنِي هَذِهِ السُّورَةَ ، الَّتِي سَمِعْتُكَ فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَقُودُهُ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا ، وَإِنَّكَ أَقْرَأْتَنِي سُورَةَ الفُرْقَانِ .



                    فَقَالَ : « يَا هِشَامُ اقْرَأْهَا » فَقَرَأَهَا القِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « هَكَذَا أُنْزِلَتْ » ثُمَّ قَالَ : « اقْرَأْ يَا عُمَرُ » فَقَرَأْتُهَا الَّتِي أَقْرَأَنِيهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « هَكَذَا أُنْزِلَتْ » ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « إِنَّ القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ »[7].


                    و هذا الحديث يبين أن اختلاف القراء في قراءة بعض كلمات القرآن إنما حدث في عهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما تلاه عليهم وسمعوه منه مشافهة، ولم يأت هذا الخلاف نتيجة النظر في المصحف المكتوب المقروء الخالي من النقط والشكل كما توهم المغرضون لجهلهم بعلوم القرآن فالقرآن يؤخذ بالتلقي و السماع ،و المسلمون من جيل الصحابة ومن تبعهم بإحسان لم يتعلموا القرآن عن طريق الخط العربي من القراءة في المصاحف , وإنما تعلموه سماعًا واعيًا ملفوظًا كما خرج من فم محمد - صلى الله عليه وسلم - ، و القرآن يجب أن يُسمع بوعى قبل أن يقرأ من المصحف.


                    و المراد بالأحرف السبعة في الحديث سبع لغات من لغات العرب في المعنى الواحد " نحو ( أقبل , وتعال , وهلم , وعجل , وأسرع ) فهي ألفاظ مختلفة لمعنى واحد ، أو لمعانٍ مختلفة و لكن اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد وذلك توسيعًا عليهم، ورحمة بهم، وكان الصحابة يقرؤون مما تعلموا، دون أن يُنكر أحد على أحد ،و عندما حدث إنكار لهذا ، كما كان من أمر عمر - رضي الله عنه - مع هشام بن حكيم بيَّن له - صلى الله عليه وسلم - أن ليس في ذلك ما يُستنكر ، وأقر كل واحدٍ منهما على قراءته ، ولو كان في الأمر شيء لبيَّن لهم ذلك ، أَمَا وإنه لم يفعل فقد دلَّ ذلك على أن الاختلاف في القراءة أمر جائز ومشروع .


                    و قال ابن حزم – رحمه الله - : « أما قَوْلهم إننا مُخْتَلفُونَ فِي قِرَاءَة كتَابنَا فبعضنا يزِيد حروفاً وبعضنا يُسْقِطهَا فَلَيْسَ هَذَا اخْتِلَافا بل هُوَ اتِّفَاق منا صَحِيح لِأَن تِلْكَ الْحُرُوف وَتلك الْقرَاءَات كلهَا مبلغ بِنَقْل الكواف إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَّهَا نزلت كلهَا عَلَيْهِ فَأَي تِلْكَ الْقرَاءَات قَرَأنَا فَهِيَ صَحِيحَة وَهِي محصورة كلهَا مضبوطة مَعْلُومَة لَا زِيَادَة فِيهَا وَلَا نقص فَبَطل التَّعَلُّق بِهَذَا الْفَصْل وَللَّه تَعَالَى الْحَمد »[8] .

                    [1] - المعجم الموسوعي لألفاظ القرآن الكريم وقراءاته د. أحمد مختار ص 16
                    [2] - دليل الحيران على مورد الظمآن للمارغني المالكي ص 3
                    [3] - مجموع الفتاوى لابن تيمية 13/401 - 402
                    [4] - تقويم طرق تعليم القرآن وعلومه لسعيد أحمد حافظ ص 56
                    [5] - تفسير الفاتحة و البقرة لابن عثيمين ص 12
                    [6] - زهرة التفاسير لأبي زهرة 7/3494
                    [7]- رواه البخاري في صحيحه 6/194حديث رقم 5041
                    [8] - الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم 2/64
                    __________________
                    د. ربيع أحمد طبيب بشري قليل التواجد في المنتدى
                    بعض كتاباتي على الألوكة
                    بعض كتاباتي على المختار الإسلامي

                    تعليق


                    • #25
                      الرد على زعمهم أن قوله تعالى : ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ نقص منه قد



                      زعم المغرضون أن قوله تعالى : ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ نقص منه قد و استدلوابحديث ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ﴾ وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ ، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا فَهَتَفَ: « يَا صَبَاحَاهْ » فَقَالُوا : مَنْ هَذَا ؟ ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ ، فَقَالَ : « أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ مِنْ سَفْحِ هَذَا الجَبَلِ ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيّ َ؟ » قَالُوا : مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا ، قَالَ : « فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ » قَالَ أَبُو لَهَبٍ : تَبًّا لَكَ ، مَا جَمَعْتَنَا إِلَّا لِهَذَا ؟ ثُمَّ قَامَ ، فَنَزَلَتْ : ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ وَقَدْ تَبَّ، هَكَذَا قَرَأَهَا الأَعْمَشُ يَوْمَئِذٍ[1] .


                      و الجواب وَقَدْ تَبَّ هذه إحدى القراءات القرآنية غير المتواترة قال ابن العربي : « مَرَّتْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ قِرَاءَتَانِ: إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ: " وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَك الْأَقْرَبِينَ. وَرَهْطَك مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ ". وَالثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ وَقَدْ تَبَّ وَهُمَا شَاذَّتَانِ، وَإِنْ كَانَ الْعَدْلُ رَوَاهُمَا عَنْ الْعَدْلِ، وَلَكِنَّهُ كَمَا بَيَّنَّا لَا يُقْرَأُ إلَّا بِمَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْإِسْلَامِ »[2] .


                      و قال النووي – رحمه الله -: « مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَعْمَشَ زَادَ لَفْظَةَ قَدْ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ »[3] .


                      قال ابن حجر – رحمه الله - : « وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ فِيمَا نَقَلَ الْفَرَّاءُ عَنِ الْأَعْمَشِ فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ قَرَأَهَا حَاكِيًا لَا قَارِئًا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي هَذَا السِّيَاقِ يَوْمَئِذٍ فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ كَانَ لَا يَسْتَمِرُّ على قرَاءَتهَا كَذَلِك وَالْمَحْفُوظ أَنَّهَا قِرَاءَة بن مَسْعُودٍ وَحْدَهُ »[4]


                      وَ قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود وَأُبَيٍّ بن كعب " وَقَدْ تَبَّ"[5] بدلا من ﴿ وَتَبَّ ﴾ لا تعارض المعنى بل تؤكده أي و قد خسر أو وقد حصل الهلاك عليه و عليه يكون قَوْله تَعَالَى : ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ كلمة ﴿ تَبَّتْ ﴾ أي هلكت و ﴿ يَدا أَبِي لَهَبٍ ﴾ أي عبد العزى بن عبد المطلب، ﴿ وَتَبَّ ﴾ أي هلك هو ، فالأولى: مشت تمشية الدعاء عليه. والثانية: أخرجت مخرج الخبر، أي وقد حصل الهلاك عليه، فهذه الجملة على هذا على تقدير قد، ويؤيده قراءة ابن مسعود و أبي وقد تب بالتصريح بقد .


                      هذا و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات و كتب ربيع أحمد حامدا لله و مصليا على نبيه - صلى الله عليه وسلم - الأربعاء 15 /جماد أول/1434هـ ، 27/مارس/2013م




                      [1]- رواه البخاري في صحيحه 6/179حديث رقم 4971
                      [2] - أحكام القرآن لابن العربي 4/467
                      [3] - المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج 3/83
                      [4] - فتح الباري لابن حجر 8/503
                      [5] - انظر تفسير القرطبي 20/236
                      د. ربيع أحمد طبيب بشري قليل التواجد في المنتدى
                      بعض كتاباتي على الألوكة
                      بعض كتاباتي على المختار الإسلامي

                      تعليق


                      • #26
                        ما شاء الله , مجهود ظاهر , نسأل الله أن يتقبل عملكم وجهدكم وأن يغفر لنا ولكم

                        وجزاكم الله خير
                        "يا أيُّها الَّذٍينَ آمَنُوا كُونُوا قوَّاميِنَ للهِ شُهَدَاء بِالقِسْطِ ولا يَجْرِمنَّكُم شَنئانُ قوْمٍ على ألّا تَعْدِلوا اعدِلُوا هُوَ أقربُ لِلتّقْوى
                        رحم الله من قرأ قولي وبحث في أدلتي ثم أهداني عيوبي وأخطائي
                        *******************
                        موقع نداء الرجاء لدعوة النصارى لدين الله .... .... مناظرة "حول موضوع نسخ التلاوة في القرآن" .... أبلغ عن مخالفة أو أسلوب غير دعوي .... حوار حوْل "مصحف ابن مسْعود , وقرآنية المعوذتين " ..... حديث شديد اللهجة .... حِوار حوْل " هل قالتِ اليهود عُزيْرٌ بنُ الله" .... عِلْم الرّجال عِند امة محمد ... تحدّي مفتوح للمسيحية ..... حوار حوْل " القبلة : وادي البكاء وبكة " .... ضيْفتنا المسيحية ...الحجاب والنقاب ..حكم إلهي أخفاه عنكم القساوسة .... يعقوب (الرسول) أخو الرب يُكذب و يُفحِم بولس الأنطاكي ... الأرثوذكسية المسيحية ماهي إلا هرْطقة أبيونية ... مكة مذكورة بالإسْم في سفر التكوين- ترجمة سعيد الفيومي ... حوار حول تاريخية مكة (بكة)
                        ********************
                        "وأما المشبهة : فقد كفرهم مخالفوهم من أصحابنا ومن المعتزلة
                        وكان الأستاذ أبو إسحاق يقول : أكفر من يكفرني وكل مخالف يكفرنا فنحن نكفره وإلا فلا.
                        والذي نختاره أن لا نكفر أحدا من أهل القبلة "
                        (ابن تيْمِيَة : درء تعارض العقل والنقل 1/ 95 )

                        تعليق


                        • #27
                          المشاركة الأصلية بواسطة د.أمير عبدالله مشاهدة المشاركة
                          ما شاء الله , مجهود ظاهر , نسأل الله أن يتقبل عملكم وجهدكم وأن يغفر لنا ولكم

                          وجزاكم الله خير
                          و جزاكم الله خيرا أخي الكريم بارك الله في جهودك ووقتك
                          د. ربيع أحمد طبيب بشري قليل التواجد في المنتدى
                          بعض كتاباتي على الألوكة
                          بعض كتاباتي على المختار الإسلامي

                          تعليق

                          مواضيع ذات صلة

                          تقليص

                          المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                          ابتدأ بواسطة ابن الوليد, 24 مار, 2024, 09:27 ص
                          رد 1
                          122 مشاهدات
                          0 معجبون
                          آخر مشاركة ابن الوليد
                          بواسطة ابن الوليد
                           
                          ابتدأ بواسطة Guardian26, 22 ينا, 2024, 02:18 ص
                          ردود 3
                          126 مشاهدات
                          0 معجبون
                          آخر مشاركة محب المصطفى
                          بواسطة محب المصطفى
                           
                          ابتدأ بواسطة Muslim1989, 13 ديس, 2023, 02:27 ص
                          ردود 8
                          113 مشاهدات
                          0 معجبون
                          آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                          بواسطة *اسلامي عزي*
                           
                          ابتدأ بواسطة Muslim1989, 11 ديس, 2023, 12:39 م
                          ردود 9
                          166 مشاهدات
                          0 معجبون
                          آخر مشاركة أحمد عربي أحمد سيد  
                          ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 21 أكت, 2023, 11:53 م
                          ردود 0
                          219 مشاهدات
                          0 معجبون
                          آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                          بواسطة *اسلامي عزي*
                           
                          يعمل...
                          X