الإســـلام والإرهــاب

تقليص

عن الكاتب

تقليص

بن عفان مسلم اكتشف المزيد حول بن عفان
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الإســـلام والإرهــاب

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله

    ـــــــــــــــــــ

    الإســـــــــلام

    و
    الإرهاب


    كثيراً وفي جميع شعوب العالم ما إرتبط لفظ الإرهاب بالإسلام

    إلا وبرغم ذلك فإنه ليس هناك أدنى اتفاق حول التعريف الدقيق والمحدد والمقبول من جميع الدول والجماعات والشعوب لمصطلح "الإرهاب" .

    ولذلك لم يعرف مصطلح الإرهاب في معناه الشائع اليوم إلا انطلاقا من إطلاق الغرب لهذا المصطلح في العقود الأخيرة في سياق مبادرته إلى توظيف المصطلحات عن طريق الهيمنة على اللغة الإعلامية ، فهو الذي يصوغ المفاهيم ويسوقها إعلاميا ، ويبادر إلى نعت المسلمين بالإرهاب في سياق منظومة من المفاهيم الهجومية تبدأ بالتشدد إلى التطرف فالتعصب ثم إلى الأصولية فالإرهاب . ويتطرف الغرب أحيانا عندما يصف الإسلام ذاته بأنه يغذي كثيرا من أشكال العنف والإرهاب ، في حين أن نصوصه القرآنية والحديثية صريحة في نبذ كل صور العنف وأشكال الإرهاب بالمفهوم الغربي للإرهاب .

    وقد إعتمدت في وثيقة عرفت بالاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب التعريف الآتي : " كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أيا كانت بواعثه أو أغراضه يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم في أبنائهم أو تعريض حياتهم وأمنهم للخطر . . . ولا تعد جريمةً حالات الكفاح بمختلف الوسائل بما في ذلك الكفاح المسلح ضد الاحتلال الأجنبي والعدوان من أجل تقرير المصير لمبادئ القانون الدولي ".


    فالمقاومة مشروعة إذن ، وبهذا المفهوم استعملت لفظة الإرهاب في القرآن الكريم . فمصطلحات المقاومة والكفاح وردع العدوان كلها تدل على الدفاع عن النفس أو الوطن ، وهذا مشروع في جميع الشرائع والقوانين ، أما إذا خرج الأمر عن المقاومة وصار عدوانا فإن الكلمة عند ذلك تدل على معنى مذموم حسب نوع الإرهاب أو القتل أو الحرب .

    وقد جاء مصطلح الإرهاب في القرآن الكريم في دلالات مختلفة لا صلة لها البتة بالمفهوم الغربي ، يقول تعالى : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ } سورة الانفال آية 60

    وإذا تأملنا جيدا معنى الإرهاب في الآية نجده يرمي إلى معنى "الردع" فيكون معنى { تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ } أي تعدون من القوة ما يجعله يخاف من الحرب فيرتدع عن ممارسة العنف الذي قد يدفعكم إلى العنف المضاد .

    إنها نوع من المقاومة القبلية أو الدفاع عن النفس والدين عن طريق الوقاية من الاضطرار إلى الرد على العنف بالعنف المضاد على أساس أنه رد طبيعي وتلقائي ومشروع ضد العنف المراد إنشاؤه وتوجيهه ضد المسلمين .

    أما اليوم فهناك من (يؤصل) للإرهاب الجاري بقول الله تعالى { تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ } وهذا بدون شك ضلال عن المنهج القويم : منهج فهم الآية في سياقها الصحيح ، فهناك نزع للآية من سياقها المنهجي والاستشهاد بها لتسويغ الإرهاب الفاجر على أساس أن القرآن الكريم يدعو إلى العنف والإرهاب .

    إن مفهوم (الرهبة العسكرية) أمر معروف ونافذ على مستوى الدول والجيوش النظامية ، بمعنى أن الذي لا يرهب جانبه العسكري يصبح كيانا مستباح الحمى .

    وإذا كان معنى الإرهاب وفق المفهوم الغربي ينطوي على عدد من الوقائع والدلالات المغمسة بالتطرف والعنف ونشر الذعر والقتل والسفك في سبيل نشر فكر سياسي أو ديني ، فإن المعاجم العربية لا تعترف بهذا المعنى الذي اختير ليكون ترجمة مجحفة ومربكة .

    إن معنى الإرهاب في المفهوم الإسلامي والعربي وكما تعرفه قواميسنا هو تخويف الآخر .

    لقد اشتقت كلمة "إرهاب" من الفعل المزيد (أرهب) . ويقال أرهب فلان فلانا أي خوفه وأفزعه ، وهو المعنى نفسه الذي يدل عليه الفعل المضعف (رهب) . أما الفعل المجرد من المادة نفسها وهو (رهب) يرهب رهبة ورهبا ورهبا فيعني خاف ، فيقال : رهب الشيء رهبا ورهبة أي خافه ، أما الفعل المزيد بالتاء وهو (ترهب) فيعني انقطع للعبادة في صومعته ( رهبان النصارى) ، ويشتق منه الراهب والرهبانية . . . إلخ . وكذلك يستعمل الفعل ترهب بمعنى توعد إذا كان متعديا فيقال : ترهب فلانا : أي توعده ، وكذلك تستعمل اللغة العربية صيغة "استفعل" من المادة نفسها فتقول : (استرهب) فلانا أي رهبه .

    ويلحظ أن القرآن الكريم لم يستعمل مصطلح "الإرهاب" بهذه الصيغة وإنما اقتصر على استعمال صيغ مختلفة الاشتقاق من المادة اللغوية نفسها بعضها يدل على الإرهاب والخوف والفزع ، وبعضها الآخر يدل على الرهبنة والتعبد .

    وهكذا وردت مشتقات المادة (رهب) سبع مرات في مواضع مختلفة في الذكر الحكيم لتدل على معنى الخوف والفزع كما يأتي :

    يرهبون : { وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } . سورة الأعراف آية 154

    فارهبون : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } . سورة البقرة آية 40

    { إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } . سورة النحل آية 51

    ترهبون : { تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ } . سورة الأنفال آية 60

    استرهبوهم : { وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ } . سورة الأعراف آية 116

    رهبة : { لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ } . سورة الحشر آية 13

    رهبا : { وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } . سورة الأنبياء آية 90


    ووردت مشتقات المادة نفسها (رهب) خمس مرات في مواضع مختلفة لتدل على الرهبنة والتعبد (رهبان- رهبانهم - رهبانية) . بينما لم ترد مشتقات مادة ( رهب) كثيرا في الحديث النبوي . ولعل أشهر ما ورد هو لفظ (رهبة) في بعض الأحاديث النبوية منها حديث الدعاء ( وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك ) .

    ومما يلحظ أيضا أن القرآن الكريم والحديث النبوي قد اشتملا على بعض المفاهيم التي تتضمن معاني ودلالات الإرهاب والعنف بمعنى استخدام القوة أو التهديد لتحقيق أهداف معينة ، ومن أهمها : القتل والبغي والحرابة والعدوان .

    وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم بالتطبيق الذكي في الحرب لمفهوم "الإرهاب" وفق المدلول القرآني السابق أي معنى الردع ، فقد أمر عمه العباس في فتح مكة أن يحبس أبا سفيان في شعب" ، وأن يوجه كتائب جنود المسلمين لتمر أمامه كتيبة كتيبة ، وينسب كل كتيبة إلى قبيلتها ، فراح أبو سفيان يسأل عن كل كتيبة فيقال : هؤلاء بنو فلان ، فيقول : ما لي ولبني فلان ، فكان لذلك الاستعراض تأثيره الفاعل في نفسية أبي سفيان على النحو الذي يرهبه ويردعه عن بدء القتال ، وبعد اقتناع أبي سفيان بقوة المسلمين ركب فرسه ودخل على قومه يقول : "يا معشر قريش ، هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به" . فكان أن فتحت مكة سلميا ولم تزهق أي روح وبذلك تحقق أمر الإعداد المفضي إلى الإرهاب ، أي الردع . وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك ملمحا إلى معنى الردع الذي نتج عنه كف أيدي الكفار عن المسلمين وعدم نشوب الحرب ، قال تعالى : { وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ } . سورة الفتح آية 24

    وانتهى أمر فتح مكة بتطبيق النبي صلى الله عليه وسلم للمفهوم السلمي الحضاري عندما خاطب قريشا بقوله : ( اذهبوا فأنتم الطلقاء ) ، فلم يمارس حقه الطبيعي في ممارسة العنف المضاد والمشروع أي العقاب بالمثل : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ }.سورة النحل آية 126





    يُتبع إن شاء الله تعالي
    التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 26 أكت, 2020, 04:02 ص.

    سبحان الله وبحمده ... سبحان الله العظيم

  • #2
    موضوع هاااام جدا جدا
    متابع ,اكمل بارك الله فيك
    التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 26 أكت, 2020, 04:01 ص.
    اقتباس:
    نحري دون نحرك ,عرضي فدي عرضك, نفسي فدي نفسك
    بأبي أنت و أمي يا رسول الله
    ****
    بنات المسلمين هنا سبايا ..... وشمس المكرمات هنا تغيب
    تبيت كريمة اختي وتصحو .... وقد الغى كرامتها الغريب
    تخبّئ وجهها ياليت شعري..... بماذا ينطق الوجه الكئيب
    يموت الطفل في احضان ام ..... تهدهده وقد جف الحليب


    منتدى حراس العقيدة يشترط توثيق المواضيع، ويعتبره شرط أساسي لاعتمادها. فلا يقبل أي موضوع لأي عضو كان (عضو,مشرف,مدير أو عضو شرف) إن لم تكن المعلومات الواردة به موثقة.

    التوثيق ,التوثيق,التوثيق
    بارك الله فيكم

    تعليق


    • #3
      موضوع ممتاز أخونا الحبيب

      جزاك الله خيرا
      التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 26 أكت, 2020, 04:01 ص.
      الـ SHARKـاوي
      إستراتيجيتي في تجاهل السفهاء:
      ذبحهم بالتهميش، وإلغاء وجودهم المزعج على هذا الكوكب، بعدوى الأفكار،
      فالأفكار قبل الأشخاص، لأن الأفكار لها أجنحة، فأصيبهم بعدواها الجميلة. وهذا الواقع المظلم الذي نعيش سيتغير بالأفكار،
      فنحن في عصر التنوير والإعصار المعرفي، ولا بد للمريض أن يصح، ولا بد للجاهل أن يتعلم، ولا بد لمن لا يتغير، أن يجبره الواقع على التغير،
      ولا بد لمن تحكمه الأموات، الغائب عن الوعي، أن يستيقظ من نومة أهل الكهف أو يبقى نائما دون أثر، لا يحكم الأحياء!

      تعليق


      • #4
        العنف
        العنف
        العنف مفهوم سلبي يرمي إلى انتزاع المطالب بالقوة وإكراه الآخر على التنازل عنها أو الاعتراف بها بوسائط يتكبد خسائر من جراء استعمالها . وهو أسلوب مرفوض في الأديان والقيم الإنسانية والحضارية ، لأنه يحول القوة الفكرية والمادية والمعنوية والروحية من طاقة ضرورية للإنسان لبناء ذاته ومجتمعه وحضارته إلى طاقة تدميرية وقوة سلبية .

        ولا بد من التمييز بين نوعين من العنف :

        العنف المادي والعنف الرمزي ، فالأول يلحق الضرر بالموضوع ( الذي يمارس عليه العنف ) سواء كان في البدن أو في الحقوق ، أو في المصالح أو في الأمن وغير ذلك . أما العنف الرمزي فيلحق ذلك الضرر بالموضوع على المستوى النفسي بأن يكون في الشعور الذاتي بالأمن والطمأنينة والكرامة والاعتبار والتوازن . . . إلخ ولا يقل الثاني عن الأول في فداحة العواقب ، وهو وإن لم يكن يمس حق الحياة لدى الفرد والجماعة - كما هو شأن العنف المادي أحيانا - إلا أنه يصيب المعرض له في ما قد يكون مقدسا لديه ، بل قد يكون هذا الضرب من العنف مرحلة نحو ممارسة العنف المادي .

        وهذا التعريف للعنف يحتاج إلى مراقبة احترازية ضرورية ، ويرتبط الأمر بالحاجة إلى التمييز بين العنف المشروع والعنف غير المشروع .

        فالعنف المشروع يهدف إلى استعمال القوة لانتزاع الحقوق أو إقرارها على النحو الذي يرفع الظلم والجور ، ومن ذلك مقاومة الاستعمار واستعمال القوة لطرد المحتل واستعادة الأرض والسيادة ، أو استعمال العنف لردع الظلم الاجتماعي وكف أساليبه المسلطة على الشعب عندما يتعذر تحصيل الحقوق بشكل سلمي ، أما العنف غير المشروع فهو كل استعمال للقوة للمطالبة أو الاحتفاظ بحق مزعوم أو لانتزاع حق قابل لأن ينتزع بدون استعمال العنف . وأول حالة عنف حصلت في تاريخ البشرية كما يسجلها القرآن الكريم أدت إلى إزهاق الروح الإنسانية المقدسة هي قتل قابيل أحد أبناء آدم عليه السلام لأخيه هابيل ، وقد حكى القرآن الكريم هذه الواقعة في سياقات مختلفة ليبين أهمية الحدث في فهم ظاهرة العنف ، كما ركز على وصف حالة قابيل المتردية نفسيا وروحيا بعد أن لجأ إلى استعمال العنف ضد أخيه فقال تعالى : { فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا } .

        والقرآن الكريم في هذا السياق يتكلم عن العنف المستعمل بطريقة سلبية ويدينه إدانة شديدة ويتكلم عن مآلاته وعواقبه الوخيمة مثل إزهاق الأرواح والنفوس أو إلحاق الأذى بالناس أو الإفساد في الأرض . وإذا كان مصطلح "العنف" لا ورود له في القرآن فإننا في المقابل نجد أن بعض الأحاديث النبوية تتحدث عن هذا المصطلح في سياق الدعوة إلى نبذه والتحذير منه ، ففي الحديث : ( إن الله - عز وجل - لم يبعثني معنفا ) .
        وفي الحديث أيضا : ( إن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف ) .

        وروى البخاري في صحيحه من حديث عائشة قصة اليهود لما قالوا : السلام عليكم وردت عليهم باللعنة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مهلا يا عائشة ، عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش " .



        يُتبع إن شاء الله
        التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 26 أكت, 2020, 04:01 ص.

        سبحان الله وبحمده ... سبحان الله العظيم

        تعليق


        • #5
          نبذ العنف
          نبذ العنف والقوة السلبية في القرآن والسنة

          قضايا ومواقف

          جاء القرآن الكريم والسنة النبوية بتشريعات حكيمة تمنع مسببات الخصومات والصراعات ، وبضوابط هادفة تحول دون اللجوء إلى الثأر لكونه أسلوبا فوضويا في الانتصاف واسترجاع الحق ، وتؤصل هذه التشريعات والضوابط أيضا للقصاص والحدود وسيلة حضارية عن طريق دعم مؤسسة القضاء والفصل في الخصومات من أجل إشفاء غليل الإنسان المظلوم بكل واقعية دون لجوئه إلى استخدام العنف .


          لا مجال لاستعمال القوة إلا بالحق
          إن المتأمل في القرآن الكريم والسنة النبوية يتبين له أن هنالك إشارات قوية تدعو إلى نبذ العنف واستعمال القوة بالمفهوم السلبي إلا في حالة الوقوع تحت ظلم الآخر أو عدوانه ، كما أنه لا إكراه على الدخول في الإسلام بالقوة ولا قتل للنفس التي حرم الله إلا بالحق .



          الانتصاف من القوة بالقوة
          أمر الله - عز وجل - المسلمين بأن يحجموا عن استعمال القوة إلا في حالة وقوعهم تحت ظلم الآخر واحتاجوا إلى الانتصاف من قوة الآخر المسلطة عليهم بالقوة ، وهذا الخيار الذي لا يلجأ إليه المسلم إلا بعد أن يقهر عليه يضبطه القرآن في مستوى المعاملة المثلية ، أي ضرورة استعمال القوة من أجل إلغاء حالة القوة المفروضة حتى ترجع إلى حالة التوازن . ولذلك يقول تعالى : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ } . سورة النحل آية 126

          وعندما نستعرض سبب نزول الآية نجده يوضح لنا أكثر منهج القرآن في ضبط النفس وعدم استعمال القوة إلا في حالة الضرورة ، فقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب لمقتل عمه حمزة الذي اغتيل بطريقة غادرة فبكى وحزن لموته وقال في غضب : ( والله لأقتلن بك سبعين منهم ) ، لكنه صلى الله عليه وسلم لم ينفذ ما أوعد به ولم يتركه الوحي الإلهي يفعل ذلك ولكنه جاء ليؤصل ويقعد في القتال منهج وقاعدة ضبط القوة :
          { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ }

          فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بل نصبر يا رب ) فبين القرآن بذلك أن هناك طريقين فقط ، إما المعاملة بالمثل دون تجاوز الحد أو الصبر ، لكن اللجوء إلى الطريق الثاني الذي هو الصبر يبدو مفضلا ومختارا .

          أما عندما لا تكون هناك ضرورة لاستعمال القوة فإن الإسلام يمنع اللجوء إلى العنف وتوظيف القوة بأي وجه من الوجوه ، ولو كان الأمر متعلقا بمجال الدعوة إلى الدخول في الإسلام :
          { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } سورة البقرة آية 256
          فالقرآن يدعو إلى الإيمان الذي يقوم على النظر والتأمل والاختيار بدون إرغام أو اضطهاد أو تخويف ، فالحرية الدينية في منظور الإسلام تنطلق من كون الدين عقيدة وإيماناً ، وهو الإيمان الذي يقوم على الاقتناع وميل النفس واطمئنانها ، لأنه استسلام وانقياد لله عز وجل .

          إن العنصر العميق والحقيقي في الإنسان لا يدخل أبدا في مناط الإجبار أو الإكراه ، لذلك يلغي الإسلام من الناحية المنهجية كما من الناحية التصويرية أي وسيلة لإكراه الآخر لأن مجال المعالجة غير قابل للإكراه ، لهذا نراه يجعل النية هي مناط المحاسبة ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) ، أي أن النية هي المنطقة المحررة من الإكراه التي لا يمكن أن نستدعي إليها العنف المادي فهي محرمة عليه ، وبما أنها كذلك فإنها لا تمارس اعتناقا أو اعتقادا إلا بإرادتها ، ولهذا يراها الإسلام مجال المحاسبة الحقيقي ، حتى العقيدة التي هي أقدس ما عند المسلم ، إذا أكره على النطق بما يخالفها فلا مجال للمحاسبة ، كما قال تعالى في واقعة تعذيب عمار بن ياسر : { إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } . سورة النحل آية 106

          هكذا إذن يتأسس موقف الإسلام من إعمال القوة سلبا ( العنف ) بحيث يرفض ذلك انطلاقا من إدراكه للأسس الفطرية للإنسان .




          يُتبع إن شاء الله
          التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 26 أكت, 2020, 04:01 ص.

          سبحان الله وبحمده ... سبحان الله العظيم

          تعليق


          • #6
            النهي عن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق
            النهي عن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق
            من التشريعات القرآنية والنبوية القائمة على نبذ استعمال العنف تجاه الآخر وتعزيز ميزان الأخوة بين المسلمين والتعايش بينهم وبين غيرهم النهي عن الاعتداء على الأرواح سواء بالترويع أو بالقتل وسفك الدماء .

            فالإسلام يحمي النفس الإنسانية أيا كانت عقيدتها أو جنسيتها أو عرقها إلا في حالة العدوان ، ويعد قتل الفرد جريمة تعادل في بشاعتها قتل أبناء الإنسانية كلها ، قال تعالى : { مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا } سورة المائدة آية 32
            والإسلام بما تضمنه ورمى إليه من أحكام وتشريعات وما أمر به في مجال القصاص وتطبيق أحكام الحدود حمى الإنسان من العدوان عليه واستعمال العنف المؤدي إلى القتل ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } سورة البقرة آية 178
            والقصاص إنما يوقع بشروط شرعية مضبوطة تضمن حق المجتمع وحق الفرد وتحمي الآمنين من شرور القتل والفتك والغدر .

            وقد بلغ الإسلام في نهيه عن الاعتداء على النفوس إلى حد النهي عن مجرد ترويع وتخويف المسلم المؤمن وجعله غير آمن في سربه غير مطمئن على روحه ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل لمسلم أن يروع مسلما ) رواه ابو داود في سننه , ورواه احمد في مسنده 5/362
            وفي حديث آخر : ( من أشار على أخيه بحديدة لعنته الملائكة ) رواه مسلم في صحيحه (كتاب البر) , واحمد في مسنده 2/256.
            فكل هذا النهي يدل دلالة قاطعة على وجوب الحد من انتقال الأمور إلى العنف ولو كان بطريقة غير مباشرة ، فالإعانة على قتل المؤمن ولو بكلمة أو إشارة تعد إثما كبيرا ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم أيضا : ( من أعان على قتل مومن بشطر كلمة لقي ربه مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله ) رواه ابن ماجه في سننه.
            التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 26 أكت, 2020, 04:01 ص.

            سبحان الله وبحمده ... سبحان الله العظيم

            تعليق


            • #7
              موضوع هاااام جدا جدا
              متابع ,اكمل بارك الله فيك
              وفيك بارك الله
              التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 26 أكت, 2020, 04:00 ص.

              سبحان الله وبحمده ... سبحان الله العظيم

              تعليق


              • #8
                المشاركة الأصلية بواسطة الشرقاوى مشاهدة المشاركة
                موضوع ممتاز أخونا الحبيب

                جزاك الله خيرا
                جزاني وإياك، بوركت
                التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 26 أكت, 2020, 04:00 ص.

                سبحان الله وبحمده ... سبحان الله العظيم

                تعليق


                • #9
                  بارك الله فيك اخى

                  سلمت يمناك
                  التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 26 أكت, 2020, 04:00 ص.

                  :: للبحث عن كل شيئ وأى شيئ ::










                  إِذا كُنْتَ لاَ تَدْرِي ، وَلَمْ تَكُ بِالَّذِي ** يُسائِلُ مَنْ يَدْرِي ، فَكَيْفَ إِذاً تَدْرِي

                  تعليق


                  • #10
                    بارك الله فيك اخى الحبيب
                    [COLOR="Blue"]قصص ونماذج واقعيه توضح المقارنه بين الاسلام 000والارهاب

                    اسلام الحبر اليهودى زيد بن سعنة

                    بارك الله فيك اخونا الغالى بن عفان اسمح لى ان اضع نموذج عملى لاخلاق النبى صلى الله عليه وسلم 0000ولو كان شخص غير النبى عليه افضل الصلاة والسلام
                    او دين غير دين الاسلام 0000لكان الرد ارهاب 00وليس بهذه الاخلاق العاليه


                    قال عبد الله بن سلام إن الله تبارك وتعالى لما أراد هدى زيد بن سعنة قال زيد بن سعنة ثم إنه لم يبق من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه يسبق حلمة جهله ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما فكنت أتلطف له لأن أخالطه فأعرف حلمه وجهله قال فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجرات ومعه علي بن أبي طالب فأتاه رجل على راحلته كالبدوي فقال يا رسول الله قرية بني فلان قد أسلموا ودخلوا في الإسلام وكنت أخبرتهم أنهم إن أسلموا أتاهم الرزق رغدا وقد أصابهم شدة وقحط من الغيث وأنا أخشى يا رسول الله أن يخرجوا من الإسلام طمعا كما دخلوا فيه طمعا فإن رأيت أن ترسل إليهم من يغيثهم به فعلت قال فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل عمر فقال ما بقي منه شيء يا رسول الله قال زيد بن سعنة فدنوت إليه فقلت له يا محمد هل لك أن تبيعني تمرا معلوما بني فلان إلى أجل كذا وكذا فقال لا يا زفر ولكن أبيعك تمرا معلوما إلى أجل كذا وكذا ولا بني فلان قلت نعم فبايعني صلى الله عليه وسلم فأطلقت همياني فأعطيته ثمانين مثقالا من ذهب في تمر معلوم إلى أجل كذا وكذا قال فأعطاها الرجل وقال اعجل عليهم وأغثهم بها قال زيد بن سعنة فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار ومعه أبو بكر وعمر وعثمان ونفر من أصحابه فلما صلى على الجنازة دنا من جدار والحاصل إليه فأخذت بمجامع قميصه ونظرت إليه بوجه غليظ ثم قلت ألا تقضيني يا محمد حقي فوالله ما علمتكم بني عبد المطلب بمطل ولقد كان لي بمخالطتكم علم

                    قال ونظرت إلى عمر بن الخطاب وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير ثم رماني ببصره وقال أي عدو الله أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع وتفعل به ما أرى فوالذي بعثه بالحق لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفي هذا عنقك ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة

                    ثم قال إنا كنا أحوج هذا منك يا عمر أن تأمرني بحسن الأداء وتأمره بحسن التباعة اذهب به يا عمر فاقضه حقه وزده عشرين صاعا من غيره مكان ما رعته [/COLOR

                    ]قال زيد فذهب بي عمر فقضاني حقي وزادني عشرين صاعا من تمر فقلت ما هذه الزيادة قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أزيدك مكان ما رعتك فقلت أتعرفني يا عمر قال لا فمن أنت قلت أنا زيد بن سعنة قال الحبر قلت نعم الحبر قال فما دعاك أن تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قلت وتفعل به ما فعلت فقلت يا عمر كل علامات النبوة قد عرفتها في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أختبرهما منه يسبق حلمه جهله ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما فقد أختبرتهما فأشهدك يا عمر أني قد رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا

                    وأشهدك أن شطر مالي فإني أكثرها مالا صدقة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقال عمر أو على بعضهم فإنك لا تسعهم كلهم قلت أو على بعضهم

                    فرجع عمر وزيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال زيد أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم فآمن به وصدقه وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مشاهد كثيرة ثم توفي في غزوة تبوك مدبرا رحم الله زيدا
                    التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 26 أكت, 2020, 04:00 ص.
                    قال تعالى {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }آل عمران139
                    لا ولن يكتمل حلمى الا بك يا اقصى
                    MY Dream Will Not Be Completed
                    Without AL-AQSA

                    تعليق


                    • #11
                      جزاكم الله خيراً
                      التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 26 أكت, 2020, 04:00 ص.

                      سبحان الله وبحمده ... سبحان الله العظيم

                      تعليق

                      مواضيع ذات صلة

                      تقليص

                      المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                      ابتدأ بواسطة عاشق طيبة, 26 ينا, 2023, 02:58 م
                      ردود 0
                      40 مشاهدات
                      0 معجبون
                      آخر مشاركة عاشق طيبة
                      بواسطة عاشق طيبة
                       
                      ابتدأ بواسطة عطيه الدماطى, 23 ينا, 2023, 12:27 ص
                      ردود 0
                      62 مشاهدات
                      0 معجبون
                      آخر مشاركة عطيه الدماطى  
                      ابتدأ بواسطة د. نيو, 24 أبر, 2022, 07:35 ص
                      رد 1
                      64 مشاهدات
                      0 معجبون
                      آخر مشاركة د. نيو
                      بواسطة د. نيو
                       
                      ابتدأ بواسطة محمد بن يوسف, 1 نوف, 2021, 04:00 م
                      ردود 0
                      23 مشاهدات
                      0 معجبون
                      آخر مشاركة محمد بن يوسف
                      بواسطة محمد بن يوسف
                       
                      ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 18 يون, 2021, 02:47 ص
                      ردود 0
                      73 مشاهدات
                      0 معجبون
                      آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                      بواسطة *اسلامي عزي*
                       
                      يعمل...
                      X