نعيمٌ دائم أو جحيمٌ إلى الأبد !




روى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي اللَّه عنه , أنَّ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : يُؤتَى بالموْتِ كَهَيْئَة كَبْشٍ أمْلَح , فَيُنادي مُنادٍ : يا أهل الجنَّة ! فَيَشْرَئِبُّون ويَنْظُرُون , فَيَقُول : هل تَعرِفُون هذا ؟ فَيَقُولُون : نعم , هذا الموْت , وكُلُّهُم قد رآه . ثمَّ يُنادي : يا أهل النَّار ! فَيَشْرَئِبُّون ويَنْظُرُون , فَيَقُول : هل تَعرِفُون هذا ؟ فَيَقُولُون : نعم , هذا الموْت , وكُلُّهُم قد رآه . فَيُذْبَح , ثمَّ يَقُول (أي المنادي) : يا أهلَ الجنَّة , خُلُودٌ فلا مَوْت , ويا أهلَ النَّار , خُلُودٌ فلا مَوْت ! ثمَّ قرأ : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ 39 } (19- مريم 39) .
قال النَّبيّ : وهؤلاء في غَفْلة أهْل الدُّنيا , وهم لا يُؤْمِنون . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 4 – ص 1760 – رقم الحديث 4453) .
ليس هناكَ موتٌ إذًا يوم القيامة , وإنَّما هو خُلُودٌ في الجنَّة أو خُلُودٌ في النَّار .

يقول اللَّه تعالى : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ 66 الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ 67 يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ 68 الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ 69 ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ 70 يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ 71 وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 72 لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ 73 إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ 74 لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ 75 وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ 76 وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ 77 لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ 78 } (43- الزّخرف 66-78) .
واللَّهِ الذي لا إلهَ غيرُه , لَو لَم يَكُنْ في القرآن سِوَى هذه الآيات في وَصْف حال أهل الجنَّة من النَّعيم , وحال أهل النَّار من العذاب الدَّائم المقيم , لكانَتْ كافيَة جدًّا للتَّعبير عن الحالَيْن بإيجاز وبلاغَة , يَعْجُزُ الإنسُ والجِنُّ عن الإتيان بمثِلهما !
وهذه الآياتُ تدلُّ من جديد على أنَّ أصحاب الجنَّة سيتنعَّمُون فيها نعيمًا حقيقيًّا دائمًا , بأرواحهم وأجسادهم وجميع حَوَاسِّهم , وأنَّ أصحاب النَّار سيُعذَّبُون في جهنَّم عذابًا حقيقيًّا دائمًا , كُلَّما احْتَرَقَتْ جُلُودُهم أُبْدِلُوا جُلُودًا غيرَها لِيَذُوقُوا العذاب !
------------------------------------------------
التالي بإذن الله تعالى:

مَشاهد من دار السَّلام




وهي الجنَّة , يقول تعالى : { وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ 25 } (10- يونس 25) .
وقد وصفَ اللَّهُ تعالى في العديد من الآيات القرآنيَّة حال أهل الجنَّة وحال أهل النَّار , ذكَرْنا بعضَها في الجزء الأوَّل من هذا الكتاب , وسنذكُر فيما يَلي آياتٍ أخرى في هذا المجال .

نبدأ بالأعمال التي تُؤدِّي إلى مرضاة اللَّه والفوز بِجَنَّته , يقول تعالى : { أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ 19 الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ 20 وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ 21 وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ 22 جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ 23 سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ 24 } (13- الرّعد 19-24) .
لا بُدَّ إذًا , لِدُخُول الجنَّة , مِن الإيمان بِمَا أُنزِل على محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , وذلك بالنِّسبة لِمَن جاءُوا بعد نُبُوَّته . أمَّا الذين جاءُوا قبل ذلك , فوجبَ عليهم الإيمان بِمَا أُنزِلَ على نَبِيِّ زمانهم . والإيمانُ بِما أُنزلَ على الأنبياء يَقتضي : الإيمان باللَّه تعالى , إله واحد لا شريكَ ولا زوجة ولا وَلد له , والإيمان بجميع أنبيائه واعتبارهم أفضل البَشَر , والإيمان بالكُتُب التي أُنْزِلَتْ عليهم , وبالملائكة والجِنّ , وبالبعث والحساب والجنَّة والنَّار .
ولا بُدَّ أيضًا , لِدُخُول الجنَّة , مِن العَمَل الصَّالِح في الدُّنيا , والخوف من اللَّه تعالى , وطاعة أوامره واجتناب نَواهيه .
فإذا اسْتَوْفَى العبدُ هذه الشُّروط , فَيُمكِنُه أن يَطمع في مرضاة اللَّه وحُسْن ثَوابه .
يقول تعالى في موضع آخر : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ 30 نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ 31 نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ 32 } (41- فصّلت 30-32) .

ولا يُشْتَرَطُ أبدًا لِدُخُول الجنَّة أن يكون العبدُ من جنسٍ مُعيَّن . فالجنَّةُ أعَدَّها اللَّهُ تعالى لكلِّ أصناف البَشَر : النِّساءُ والرِّجال والأطفال , والبيض والسُّود , والعرب والأفارقة والأوربيّون والآسيويّون وغيرهم , لا فرق بينهم إلاَّ بالتَّقوى .

وفي الجنَّة كلّ ما تشتهيه النَّفسُ البشريَّة وأكثر ! يقول تعالى : { وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ 31 هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ 32 مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ 33 ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ 34 لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ 35 } (50- ق 31-35) .
وروى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هُرَيْرة رضي اللَّه عنه , أنَّ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : قال اللَّه تبارك وتعالى : أعدَدْتُ لِعِبَادي الصَّالِحين ما لا عَيْنٌ رأتْ , ولا أذنٌ سَمِعَتْ , ولا خَطَرَ على قَلْبِ بَشَر !
قال أبو هُرَيْرة : اقْرَؤُوا إن شِئْتُم : { فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ 17 } (32- السّجدة 17) . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 4 – ص 1794 – رقم الحديث 4501) .
ويُفصِّلُ لنا اللَّهُ تعالى بعض نَعيم الجنَّة , فيقول : { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ 51 فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ 52 يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ 53 كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ 54 يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ 55 لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ 56 فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ 57 } (44- الدّخان 51-57) .
ويقول تعالى : { وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا 12 مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا 13 وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً 14 وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا 15 قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا 16 وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً 17 عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً 18 وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا 19 وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا 20 عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا 21 إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا 22 } (76- الإنسان 12-22) .
في الجنَّة إذًا : حدائق , وأنهار , وظلال , وأزواج , وخَدَم , وفَواكه لذيذة , وشراب طيِّب , وملابس فاخرة , ونعيم لا مثيل له , ومُلْكٌ عظيم !

ويُفصِّلُ اللَّهُ لنا بعضَ شراب أهل الجنَّة , فيقول تعالى : { مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ 15 } (47- محمّد 15) .

ويُفصِّلُ اللَّهُ لنا بعضَ لِباسهم , فيقول تعالى : { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ 33 } (35- فاطر 33) .

وعن بناء الجنَّة , روى الإمام أحمد في مُسْنَده عن أبي هُرَيْرة رضي اللَّه عنه , قال : قُلْنَا : يا رسولَ اللَّه , أخْبِرْنَا عن الجنَّة , ما بِنَاؤُها ؟ قالَ : لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَب , ولَبِنَةٌ مِنْ فِضَّة , مِلاطُها المسْك الأذفر , حَصْباؤُها الياقُوتُ واللُّؤلُؤ , وتُرْبَتُها الورس والزَّعْفَران , مَنْ يَدْخُلها يَخْلُدْ لا يَمُوت , ويَنْعَم لا يَبْأس , لا يَبْلَى (وفي رواية : لا يَفْنَى) شبابُهم ولا تَخرق ثِيَابُهم . (مسند الإمام أحمد بن حنبل – الجزء 2 – ص 445 – رقم الحديث 9742) .

إنَّه النَّعيمُ الأبدي إذًا , والذي لا يُكَدِّرُه موتٌ ولا مرضٌ ولا حُزْنٌ ولا شَيْب , ولا تَعب ! يقول تعالى : { وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ 34 الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ 35 } (35- فاطر 34-35) . ويقول تعالى : { كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ 24 } (69- الحاقّة 24) .
فبَعد التَّعَب والجُهد والعبادة في الدُّنيا , يَسقطُ التَّكليفُ عن أصحاب الجنَّة , فيعيشون هناك في راحة تامَّة

معًا في الدُّنيا ومعًا في الجنَّة !




هل تعلمين سيِّدتي الفاضلة أنَّ الرَّجُلَ إذا تزوَّج امرأةً في الدّنيا , ثمَّ ماتَ الاثنان على الإسلام ودخلا الجنَّة , فإنَّ زواجَهُما يَبقَى صالِحًا هناك , ويعيشان معًا في الجنَّة إلى أبَد الآبدين ؟!
بل أكثر من ذلك , يَجْعَلهُما اللَّهُ على أجمل صورة , وتُصبحُ الزَّوجةُ هناك سيِّدة الحُور العين , أي سيِّدة النِّساء اللَّواتي يخلقُهُنَّ اللَّهُ في الجنَّة ! استَمعي معي لِمَا يقولُه النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , وستَفهَمين كلَّ شيء :
روى الإمام أحمد في مُسنَده عن أبي هُرَيْرة رضي اللَّه عنه , أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : يَدخُلُ أهلُ الجنَّة الجنَّةَ جُرْدًا (أي ليس على أجسادهم شَعْر) , مُرْدًا (أي ليس لهم لِحْيَة) بِيضًا جِعَادًا ( أي في شعر رُؤُوسِهم تَثَنٍّ وتَمَوُّج خفيف) , مُكَحَّلين (أي مُكَحَّلي العُيُون) , أبناء ثلاثٍ وثلاثين (أي سِنُّهم ثلاث وثلاثُون سنة) , على خَلْقِ آدم (أي على هَيْئَتِه وصُورَته) , سِتُّون ذِراعًا (هو طولُهم) في عرْضِ سَبْعَة أذْرُع (وهو عرْضُهم) . (مسند الإمام أحمد بن حنبل – الجزء 2 – ص 295 – رقم الحديث 7920) .
فأصحابُ الجنَّة إذًا يدخُلُونها شبابًا , أبناء ثلاث وثلاثين سنة , جَميلي المنظر .
وليس هذا فقط , فهم أيضًا لا يَبُولون هناك ولا يَتغوَّطُون , ولا تَصدُر عن أبدانهم أيَّة رائحة كريهة , لأنَّه لا يَنبغي أن يُوجَدَ في الجنَّة أوساخ ولا أذى ! فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن جابر (بن عبد اللَّه) رضي اللَّه عنه , أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : إنَّ أهلَ الجنَّة يأكُلُونَ فيها ويَشْرَبُونَ , ولا يَتْفُلُونَ (أي لا يَبْصُقُون) , ولا يَبُولُونَ , ولا يَتَغَوَّطُون , ولا يَمْتَخِطُون ! قالُوا : فَما بالُ الطَّعام ؟! قال : جُشَاءٌ ورَشَحٌ كَرَشَح المسْكِ , يُلْهَمُون التَّسْبيحَ والتَّحْميدَ كَما تُلْهَمُونَ النَّفَس ! . (صحيح مسلم – الجزء 4 – ص 2180 – رقم الحديث 2835) .
هذا إذًا عن جمال أهل الجنَّة وطهارتهم من الأوساخ والنَّجاسات . وقد رأينا في العنصر السَّابق أنَّهم أيضًا لا يَمرضُون ولا يَشيبُون .

أمَّا عن حياتهم الزَّوجيَّة , فقد روى الطَّبراني في المعجم الكبير عن أمِّ سَلَمة رضي اللَّه عنها (زوجة النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم) , قالتْ : قلتُ : يا رسولَ اللَّه , أخْبِرْنِي عن قَوْل اللَّه تعالى : { وَحُورٌ عِينٌ 22 } (56- الواقعة 22) .
قال : حُورٌ : (أي) بِيضٌ , عِينٌ : (أي) ضِخام العُيُون (طَبْعًا , في حُسْن) , شَفْرُ الحَوْراء بِمَنْزِلَة جَناح النّسْر !
قلتُ : يا رسولَ اللَّه , أخْبِرْنِي عن قَوْله (أي قَوْل اللَّه عَزَّ وجَلَّ) : { كَأَمْثَالِ الْلُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ 23 } (56- الواقعة 23) .
قال : صَفاؤُهُنَّ صَفَاء الدُّرِّ في الأصْداف الذي لَم تَمَسَّهُ الأيْدِي !
قلتُ : يا رسولَ اللَّه , أخْبِرْنِي عن قَوْله : { فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ 70 } (55- الرّحمن 70) .
قال : خَيْرات الأخلاق , حِسَان الوُجُوه .
قلتُ : يا رسولَ اللَّه , أخْبِرْنِي عن قَوْله : { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ 49 } (37- الصّافّات 49) .
قال : رِقَّتُهُنَّ كَرِقَّة الجِلْد الذي رأيْتِ في داخِلِ البَيْضَة , مِمَّا يَلِي القشْر , وهو الغِرْقِئ (أي القشرة المُلْتَصِقَة بِبَيَاض البَيْض) .
قلتُ : يا رسولَ اللَّه , أخْبِرْنِي عن قَوْله : {عُرُبًا أَتْرَابًا 37 } (56- الواقعة 37) .
قال : هُنَّ اللَّواتي قُبِضْنَ في دار الدُّنْيَا عَجَائِزَ رُمْصًا (أي أنَّ عُيُونهنَّ مُصابَات بالرَّمص , وهو مادَّةٌ مِن وَسَخ العَيْن تُفْرِزُها في زَوَايَا الأجْفَان) , شُمْطًا (أي أصابَهُنَّ الشَّيْب) , خَلَقَهُنَّ اللَّهُ بعد الكِبَر فَجَعَلَهُنَّ (أي في الجنَّة) عَذَارَى , عُرُبًا : مُتَعَشِّقَاتٍ مُحَبَّبَات , أتْرابًا : على مِيلاَدٍ واحِد !
قلتُ : يا رسول اللَّه , أَنِسَاءُ الدُّنْيَا أَفْضَلُ أَمِ الحُورُ العِين ؟ قال : بل نِسَاءُ الدُّنْيَا أَفْضَلُ مِنَ الحُورِ العِين , كَفَضْل الظِّهَارة على البِطَانَة ! قُلْتُ : يا رسولَ اللَّه , وبِمَ ذَاك ؟ قال : بِصَلاتِهِنَّ وصِيَامِهِنَّ وعِبَادَتِهِنَّ اللَّهَ , أَلْبَسَ اللَّهُ وُجُوهَهُنَّ النُّورَ وأجْسَادَهُنَّ الحريرَ , بِيض الألْوَان , خُضْر الثِّيَاب , صُفْر الحُلِيِّ , مَجامِرُهُنَّ الدُّرّ , وأمْشَاطُهُنَّ الذَّهَب , يَقُلْنَ : ألاَ نَحْنُ الخالِدَاتُ فلا نَمُوتُ أبَدًا , ألاَ ونَحْنُ النَّاعِمَاتُ فلا نَبْأَسُ أبَدًا , ألاَ ونَحْنُ المُقِيمَاتُ فلا نَظْعَنُ (أي لا نَرْحَلُ) أبَدًا , ألاَ ونَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فلا نَسْخَطُ أبَدًا , طُوبَى لِمَنْ كُنَّا له وكانَ لَنَا !
قلْتُ : يا رسولَ اللَّه , المرأةُ مِنَّا تَتَزَوَّجُ الزَّوْجَيْن (أي حين يَموتُ زوجُها مثلاً , تتزوَّج بآخر) والثَّلاثَة والأربَعَة (في الدُّنْيَا) , ثمَّ تَمُوتُ فَتَدْخُلُ الجنَّةَ ويَدْخُلُونَ مَعَها , مَنْ يَكُونُ زَوجُها ؟ قال : يا أُمَّ سَلَمَة , إنَّها تُخَيَّرُ فَتَخْتَارُ أحْسَنهُم خُلُقًا , فتَقُولُ : أيْ رَبِّ , إنَّ هذا كان أحْسَنهُم مَعي خُلُقًا في دار الدُّنْيَا , فَزَوِّجْنِيه ! يا أُمَّ سَلَمَة , ذهَبَ حُسْنُ الخُلُق بِخَيْر الدُّنْيَا والآخِرَة ! (المعجم الكبير – الجزء 23 – ص 367 – رقم الحديث 870) .
فنِساءُ الدُّنْيَا إذًا يدخُلْنَ الجنَّة في صورة شابَّاتٍ , سِنُّهُنَّ واحدة , وكأجمل ما يكون .
والزَّوجان المسلِمان يَبْقَيَان زَوْجَيْن أيضًا في الجنَّة . فإن كانَا يُحِبَّان بعضهُما في الدُّنيا , فإنَّهما يزدادان حُبًّا وسعادة في الجنَّة , لِتَلاقِيهما من جديد بعد أن فَرَّقَهُما الموتُ والحساب . وإن كانت بينهما بعض المشاكل في الدُّنيا , فإنَّهُما سَيَتحابَّان في الجنَّة , لا شَكَّ في ذلك , لأنَّهما سَيُصبِحان هُناكَ على أجمل صورة وأجمل خُلُق !

قد تقولين سيِّدتي : ولكنَّ الرَّجُلَ من أهل الجنَّة سوف تكُونُ له زوجاتٌ أخريَات من الحُور العين , فرُبَّما يَنشغِلُ بهنَّ عن زوجته التي قدمَتْ معه من الدُّنْيا ؟!
اطْمَئِنِّي سيِّدتي , فليس هناكَ غِيرةٌ في الجنَّة ولا حَسَد ولا تَباغُض , ولا أيّ شيء من أمور الدُّنْيَا ! يقول اللَّه تعالى : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ 43 } (7- الأعراف 43) .

ثمَّ إنَّ الرَّجُلَ في الجنَّة يُؤتَى قُدرةً أكبر على معاشرة النِّساء ! فقد روى ابن حِبَّان في صحيحه عن زيد بن أرقم رضي اللَّه عنه , قال : أتَى النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم رجُلٌ من اليَهُود , فقال : يا أبا القاسم , ألَسْتَ تَزْعُمُ أنَّ أهْلَ الجنَّة يأكُلُون ويَشْرَبُون فيها ؟ فقال رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : وَالذي نَفسِي بِيَدِه , إنَّ أحَدَهُم لَيُعْطَى قُوَّةَ مائَة رَجُل في المطعَم والمشْرَب والشَّهْوَة والجِمَاع ! فقال له اليهودي : فإنَّ الذي يأكُلُ ويَشرَبُ تكُونُ له الحاجة (أي في التَّبَوُّل والتَّغَوُّط) ! فقال رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : حاجَتُهُم عَرَقٌ يَفيضُ من جُلُودِهم مثل المِسْك , فإذا البَطْنُ قد ضَمُر ! (صحيح ابن حبّان – الجزء 16 – ص 443 – رقم الحديث 7424) .

وفي المقابِل , تُؤتَى الزَّوجةُ عِفَّةً تامَّة , تَجعلُها لا تُفكِّرُ إلاَّ في زوجِها ! يقولُ تعالى : { وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ 48 } (37- الصّافّات48) . قال ابن كثير في تفسير هذه الآية : أي عَفِيفَات , لا يَنْظُرْنَ إلى غير أزواجِهِنّ , ولا يَرَيْن في الجنَّة أحْسَن من أزواجهِنّ , هكذا قال ابنُ عبَّاس وغيرُه .

ولِكَي تكتملَ الصُّورة , يَزرعُ اللَّهُ المحبَّة بين الأزواج وزوجاتهم في الجنَّة , بحيثُ لا يَمَلُّ طرَفٌ من الآخر أبدًا أبدًا ! فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أنَس بن مالك رضي اللَّه عنه , أنَّ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : إنَّ في الجنَّة لَسُوقًا يأتُونَها كُلّ جُمُعَة , فَتَهُبُّ ريحُ الشَّمال فَتَحْثُو في وُجُوهِهم وثِيَابهم , فَيَزدادُون حُسْنًا وجَمَالاً . فَيَرجِعُونَ إلى أهليهم وقد ازدادُوا حُسْنًا وجَمَالاً , فَيَقُولُ لهم أهْلُوهُم : وَاللَّهِ لقد ازْدَدْتُم بَعْدَنا حُسْنًا وجَمَالاً ! فَيَقُولُون : وأنْتُم وَاللَّهِ لقد ازْدَدْتُم بَعْدَنا حُسْنًا وجَمَالاً ! (صحيح مسلم – الجزء 4 – ص 2178 – رقم الحديث 2833) .

طيّب ! وماذا عن الشَّباب والشَّابَّات الذين ماتُوا على الإسلام , ولم يَتزَوَّجُوا في الدُّنيا ؟
ليستْ هناك مشكلة ! سَيُزَوِّجُهم اللَّهُ تعالى في الجنَّة ! نعم , فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هُرَيْرة رضي اللَّه عنه , أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : إنَّ أوَّلَ زُمْرَةٍ تَدخُلُ الجنَّةَ على صُورة القَمر لَيْلَة البَدْر , والتي تَلِيها على أَضْوَءِ كَوكَب دُرِّيّ في السَّماء , لكلِّ امرئ منهم زوجَتان اثْنَتان (وفي رواية للإمام أحمد : لكلِّ رجُلٍ منهم زَوجَتان من الحور العين) , يُرَى مُخُّ سُوقِهما (أي مُخُّ السَّاق) من وراء اللَّحْم , وما في الجنَّة أعزَب . (صحيح مسلم – الجزء 4 – ص 2178 – رقم الحديث 2834) .
لا يَبقَى إذًا في الجنَّة أعزب .

بقيَت الآن مسألة أولاد المسلمين وبناتهم الذين ماتُوا قبل سِنِّ البُلُوغ , هل سَيُحْرَمُ آباؤُهُم وأمَّهاتُهم من رُؤيَتهم في الجنَّة ؟
أبدًا ! فَمن رحمة اللَّه وعظيم فَضْلِه أنَّه يُلْحِقُ الذُّرِّيَّة بأهْلِها في الجنَّة , لِتَقَرَّ أعْيُنُ كلٍّ منهما بالآخر , يقول تعالى : { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ 21 وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ 22 } (52- الطّور 21-22) . فهل هناك أرحم وأكرم من اللَّه تعالى ؟!

بل وأكثر من ذلك ! فأهلُ الجنَّة لا يَعيشُون مَعزولين في قُصورهم مع أزواجهم وذُرِّيَّاتهم , وإنَّما يَتلاقَوْنَ أيضًا , متى أرادُوا , مع مَن كانُوا أصحابَهُم في الدُّنيَا ودخَلُوا معهم الجنَّة ! فيَجْلِسُون معهم يتذكَّرُون بعض الأحداث التي مَرُّوا بها في الدُّنيا ! يقول تعالى : { إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ 40 أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ 41 فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ 42 فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ 43 عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ 44 يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ 45 بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ 46 لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ 47 } (37- الصّافّات 40-47) .

وأكثر من ذلك أيضًا ! إذا أرادُوا أن يَطَّلِعُوا على حال بعض أصدقائهم الذين ماتُوا على غير الإسلام ودخَلُوا النَّار , فإنَّهُم يُمَكَّنُون من ذلك ! يقول تعالى : { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ 50 قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ 51 يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ 52 أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ 53 قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ 54 فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ 55 قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ 56 وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ 57 أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ 58 إِلاَّ مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ 59 إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ 60 لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ 61 } (37- الصّافّات 50-61) .
نعم , لِمِثْلِ هذا , فَلْيَعْمَلِ العامِلُون !

ورضوانٌ من اللَّه أكبر !




يقول اللَّه تعالى : { وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ 72 } (9- التّوبة 72) .
نعم , واللَّهِ ليس هناك فوزٌ أكبر ولا أعظم من الفَوْز برضاء اللَّه , والفَوْز بِجَنَّته . ولكنَّ الإنسان يَغتَرُّ بِسُرعةٍ بِمَباهج الحياة الدُّنْيَا , فيَنسى اللَّه ويَنسَى الحِسَاب ! يقول تعالى : { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ 20 } (57- الحديد 20) .
ويقول تعالى : { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ 14 قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ 15 } (3- آل عمران 14-15) .
وقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي اللَّه عنه , أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : إنَّ اللَّهَ يقولُ لِأَهْلِ الجنَّة : يا أهلَ الجنَّة , فَيَقُولُون : لَبَّيْكَ وسَعْدَيْك والخَيْر في يَدَيْك ! فيقُول : هَلْ رَضِيتُم ؟ فَيَقُولُون : ومَا لَنا لا نَرْضَى يا رَبّ وقَدْ أَعْطَيْتَنَا ما لَم تُعْطِ أحَدًا مِنْ خَلْقِك ؟! فيقُول : ألاَ أُعْطِيكُم أفْضَل من ذلك ؟ فَيَقُولُون : يا رَبّ , وأيُّ شيء أفْضَل من ذلك ؟! فيقُول : أُحِلُّ علَيْكُم رِضْوَاني , فلاَ أَسْخَطُ عليكُم بعدَهُ أبَدًا . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 6 – ص 2732 – رقم الحديث 7080) .

وبالإضافة إلى نعيم الجنَّة الأبدي , والفَوْز بِمَرضاة اللَّه , ادَّخَر اللَّهُ لِعباده المؤمنين الصَّالحين نعمةً أخرى عظيمة ! فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن صُهَيْب رضي اللَّه عنه , أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : إذا دخلَ أهلُ الجنَّةِ الجنَّةَ , يقولُ اللَّهُ تباركَ وتعالَى : تُريدُونَ شيئًا أَزيدُكُم ؟ فيقُولُون : ألَم تُبَيِّضْ وُجُوهَنا ؟! ألَم تُدْخِلْنَا الجنَّةَ وتُنْجِنَا من النَّار ؟!
فيكْشفُ الحِجاب , فَمَا أُعْطُوا شيئًا أحَبّ إليهم مِنَ النَّظَر إلى رَبِّهم عَزَّ وجَلَّ ! (صحيح مسلم – الجزء 1 – ص 163 – رقم الحديث 181) .

باللَّه عليكِ يا ابنَتي , ألا يستحقُّ الخلُودُ في الجنَّة , والفَوْز برضاء اللَّه , والتَّمتُّع برؤيته , أن يُضحِّي مِن أجلهم الإنسانُ بنَفسه وماله , وأن يتعبَ ولو مائة سنة في هذه الدُّنيا الفانية ويَصبر على مَفاتِنها , لكي ينال السَّعادة الأبديَّة ؟!
وهل عرفتِ الآن يا ابنَتي , لِماذا تتَمَسَّكُ الفتياتُ المسلِماتُ بِحجابهنّ , ولو طُرِدْنَ بِسَبب ذلك من المدرسة ؟ ولِماذا يَرتدينَهُ حتَّى في أيَّام الصَّيف الحارَّة جدًّا ؟ ولِماذا لا يَخُونُ المسلمُ زوجَتَه ؟ ولِماذا لا يُلقِي بِوالِدَيْه في مأوى العُجَّز بعد أن يَكْبُرا ؟ ولِماذا ؟ ولِماذَا ؟ ولِماذَا ؟

لأنَّ المسلمين والمسلمات يَسعَوْنَ ببساطة إلى الفوز بِمَرضاة اللَّه , والفوز بِالنَّعيم الأبدي .
------------------------------------------------
التالي بإذن الله تعالى:

مَشاهد من دار البوار




وهي النَّار , يقول تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ 28 جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ 29 } (14- إبراهيم 28-29) .
إنَّ أحَدَنا لَو احترقَ أصبُعُ يَده , لَمَا استطاع أن يَملكَ نفسَه من الصُّراخ من الألَم . فَما بالُكَ إذًا بِمَن سيكونُ مصيرُه إلى النَّار خالدًا فيها ؟!
لهذا , جاءت الآياتُ شديدة في وصف ما يَنتظرُ أهلَ النَّار من العذاب ! يقول تعالى : { فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ 19 يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ 20 وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ 21 كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ 22 } (22- الحجّ 19-22) .

ويَشتدُّ العذابُ بأهل النَّار , فيَتَوَسَّلُون إلى اللَّه تعالى أن يُعيدَهم إلى الدُّنيا لِيُؤمنُوا به وبِرُسُله ويَعمَلُوا صالِحًا . ولكن هَيْهات , فقد فات الأوان ! يقول تعالى : { قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ 106 رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ 107 قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ 108 } (23- المؤمنون 106-108) . ويقول تعالى في آية أخرى : { وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ 37 } (35- فاطر 37) .
فَيَتَوجَّهُون إلى مالِك , خازن النَّار , يَسألونه أن يَقضيَ عليهم ربُّه لِيَرتاحوا . فَيأتيهم الرَّدُّ كالصَّاعقة : إنَّكُم ماكِثُون ! يقول تعالى : { وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ 77 } (43- الزّخرف 77) . وهذا تأكيدٌ لِقَول اللَّه تعالى في آية أخرى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ 36 } (35- فاطر 36) .
فَيُحاولُون عندئذٍ مع خَزَنَة جهنَّم أن يَتَوَسَّطُوا لهم عند رَبِّهم لكي يَطرح عنهم ولو يومًا واحدًا من العذاب . فَيَأتيهم اللَّومُ والتَّوبيخ من كلِّ جانب على تكذيبهم للرُّسُل في الدُّنيا . يقول تعالى : { وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ 49 قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ 50 } (40- غافر 49-50) .
ثمَّ يَتذكَّرُون أنَّ لهم أصدقاء أو أقارب ماتُوا على دين اللَّه ودخَلُوا الجنَّة , فَيُكَلِّمُوهم علَّهُم يَجِدُون عندهم ما يُخفِّفُ عنهم العذاب . ولكنَّ الأبوابَ تُغلَقُ في وُجوههم من جديد ! يقول تعالى : { وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ 50 الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ 51 } (7- الأعراف 50-51) .
ثمَّ يُفَكِّرُ بعضُ أهل النَّار أنَّهم ما ضلُّوا عن دين اللَّه في الدُّنيا إلاَّ بسبب اتِّباعهم لأصحاب السُّلطة أو الجاه أو قيادات الدّيانات الأخرى . فيَتَوجَّهُون إليهم بالخطاب يطلبون منهم أن يتحمَّلُوا عنهم بعض العذاب , تعويضًا عن إضلالِهم لهم . ولكن , دون فائدة ! يقول تعالى : { وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ 47 قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ 48 } (40- غافر 47-48) .
فتنقطعُ عندئذٍ كلُّ الآمال بأهل النَّار , ولا يَبقَى لهم إلاَّ الصُّراخُ والعويلُ من شدَّة العذاب , والعضّ على أصابعهم من شدَّة الحسرة والنَّدم , وهم في تلكَ الحال يُحاولُون دَفْع النَّار عن وجوههم وظهورهم , ولكن دون جدوى . يقول تعالى : { لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ 39 بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ 40 } (21- الأنبياء 39-40) .
هذا إذًا بعض حال أهل النَّار .

أمَّا عن طعامهم وشرابهم ولباسهم , فهو مزيدٌ من أصناف أخرى من العذاب !
يقول تعالى : { إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ 43 طَعَامُ الْأَثِيمِ 44 كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ 45 كَغَلْيِ الْحَمِيمِ 46 } (44- الدّخان 43-46) . ويقول تعالى : { لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ 6 لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ 7 } (88- الغاشية 6-7) . ويقول تعالى : { فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ 35 وَلا طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ 36 لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخَاطِئُونَ 37 } (69- الحاقّة 35-37) .
فطعامُ أصحاب النَّار إذًا : زَقُّومٌ : وهو نباتٌ شديد المرارة , وضريعٌ لا يُغني من جوع , وغِسْلِينٌ : وهو ما يَسيل من أجساد أهل النَّار مِن دَم وقَيْح !
ولا تستغربي سيِّدتي من عدم احتراق الزَّقُّوم بالنَّار , وهو نبات . فاللَّه تعالى هو المتصرِّف في كلِّ شيء , وهو الذي خلقَ هذا النَّبات وأمَر النَّارَ ألاَّ تحرقَه . وقد ذكَر تعالى في موضع آخر أنَّ شجرة الزَّقُّوم تَخرجُ في أصل الجحيم . فهي خُلِقَت أصلاً من النَّار وغُذِّيَتْ بها . يقول تعالى : { أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ 62 إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ 63 إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ 64 طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ 65 فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ 66 ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ 67 ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ 68 إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ 69 فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ 70 } (37- الصّافّات 62-70) .
أمَّا شرابُ أهل النَّار , فهو حميمٌ : وهو الماء الشَّديد الغليان . يقول تعالى : { كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ 15 } (47- محمّد 15) . ويقول تعالى : { وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا 29 } (18- الكهف 29) .
وأمَّا لِباسُهم , فهو من قَطِران : وهو السَّائل الأسْوَد الذي يُستَعْمَل في تَعبيد الطُّرقات . يقول تعالى : { وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ 49 سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ 50 } (14- إبراهيم 49-50) .

واللَّهِ الذي لا إله غيرُه , إنَّ كلَّ ما ذكَرهُ اللَّهُ عن عذاب أهل النَّار حَقٌّ لا شَكَّ في ذلك . ونحنُ , وإن كُنَّا لا نستطيعُ أبدًا بعُقُولِنا الصَّغيرة أن نتخيَّل حجم هذا العذاب , إلاَّ أنَّه سَيحُلُّ فعلاً بكلِّ مَن مات على غير دِين اللَّه , سواء الذي لَم يُؤمن بنَبيِّ زمانه , أو كلّ مَن عاش بعد نُبُوَّة محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ولم يَدخُل في الإسلام . ومِن بين هؤلاء : الملُوك والرُّؤساء وأصحاب النُّفوذ وأصحابُ الشُّهرة ورجال الدِّيانات الأخرى , الذين ماتُوا على شيء آخر غير دين اللَّه .

هل عرفتَ الآن أيُّها القارئ الكريم لِماذا أحرصُ كلَّ هذا الحرص على دُخُولِك في الإسلام , مع أنَّني لا أعرفك ؟!
واللَّهِ إنِّي لَأخشَى عليك أن تَكُون قد وصَلْتَ إلى هذه المرحلة من القراءة , ولَم تَقتَنِعْ بعدُ أنَّ الإسلام هو الدِّين الحقّ ! فَرُبَّما لَن تَتَوَفَّر لَك فرصة أخرى للقراءة عن هذا الدِّين العظيم , فَتَمُوت , لا قدَّر اللَّه , على غيره من الأديان , فتَخْسر حينئذٍ كلَّ شيء , ويكون مصيرك لا محالَة مع مَن ذكَرَتْهُم الآياتُ السَّابقة .
فأرجُوك ثمَّ أرجوك , لا تُضِعْ هذه الفرصة ما دُمْتَ مازلتَ على قيد الحياة .

كلمة عن الزَّمن والأبعاد في الآخرة




يقول اللَّه تعالى : { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ 47 } (22- الحجّ 47) .
هذه الآية أشارت إلى حقيقة علميَّة لم يَتمَّ اكتشافها إلاَّ في بداية القرن العشرين , وهي أنَّ الزَّمن نِسْبِيٌّ , ويَختلفُ باختلاف المكان . فاليومُ على سطح الأرض يَختلف عن اليوم على سطح المرِّيخ , ويَختلف عن اليوم على بقيَّة الكواكب .
ذلك أنَّ اليوم على الأرض يُساوي 24 ساعة , وهو يُعادل دوران الأرض مرَّةً حول نفسها . والسَّنةُ على الأرض تُساوي 365 يومًا وربع اليوم , وهي تُعادل دوران الأرض مرَّةً حول الشَّمس . بينما اليوم على كوكب زُحَل مثلاً يُساوي 10 ساعات فقط من ساعات الأرض , وهو يُعادلُ دوران زُحَل مرَّةً حول نفسه . والسَّنةُ على هذا الكوكب تُساوي حوالي 30 سنة من سنوات الأرض , وهي تُعادل دوران زُحل مرَّةً حول الشَّمس .
ولو نظرنا إلى أبعد كواكب المجموعة الشَّمسيَّة , وبالتَّالي أكبرها مدارًا حول الشَّمس , وهو كوكب بْلُوتُو , لَوَجدنا أنَّ السَّنة على سطحه تُساوي حوالي 247 سنة من سنوات الأرض .
كلُّ هذا من شأنه أن يُقرِّب إلى أذهانِنَا طُول اليوم في الآخرة , حيثُ يقول تعالى أنَّ يومًا عنده كألف سنة مِمَّا نَعُدُّ , وكذلكَ طُول مدَّة الحساب التي ذكَرْنا أنَّها خمسُون ألْف سنة ! فالزَّمنُ هناك غير الزَّمن هنا .

وهذا الكلام أثْبَتَهُ العلْمُ من خلال نظريَّة النِّسبيَّة التي تُنسَب إلى العالم الأمريكي , من أصل ألماني , ألبرت أينشتاين Albert Einstein الذي أعلن سنة 1905 م أنَّ الزَّمن نِسْبِيٌّ , وكذلك الوزن والمسافة .
ومِن بين قوانين هذه النَّظريَّة أنَّ الجسمَ كُلَّما ازدادت سُرعتُه كلَّما أبطأ به الزَّمن , حتَّى إذا صار الجسمُ بسرعة الضَّوء يتوقَّفُ الزَّمنُ تقريبًا !
ويَضربُ العلماءُ مثالاً عجيبًا لِتَوضيح هذا القانُون , يقُولُون : لِنَفْرِضْ أنَّ أخَوَيْن تَوأمَيْن , سِنُّهما 12 سنة , الأوَّل ينطلقُ إلى السَّماء في مركبة فضائيَّة بسرعة الضَّوء (أي بِسُرعة 300 ألف كلم في الثَّانية) , والثَّاني يبقَى على الأرض . هذا الأخير يكبر ويتزوَّج ويَرزقه اللَّه أطفالاً , وبعد عشرين سنة , يذهبُ لاستقبال التَّوأم الأوَّل عند عودته إلى الأرض , فيجده ما زال طفلاً ذي 12 سنة , كما تركه عندما افترقَا ! وتزداد دهشته عندما يُخبره هذا الأخير أنَّ رحلته الفضائيَّة لم تستغرق سوى أربع ساعات , تناولَ خلالها وجبة واحدة فقط من الطَّعام !
فهذا المثال من شأنه أن يُساعِدَنا على فَهم فكرة الخلود في الجنَّة والخلود في النَّار , والتي لا نستطيع أن نتخيَّلها الآن بعقولنا المحدودة . فالزَّمَنُ هناك يُصبحُ له بُعدٌ آخر مختلف عن زمن الدُّنيا .
وقد أحدثتْ نظريَّة النِّسبيَّة ضجَّة كبيرة في الأوساط العلميَّة , ثمَّ أصبحت قاعدة أساسيَّة في علوم الفيزياء الحديثة .
وإذا كان المثال السَّابق صعب الفهم , فهناكَ مثالٌ آخر أكثر بساطة : فلو أخذْنَا رجلاً من القطب الشَّمالي وآخر من القطب الجنوبي , وطلبنا منهما أن يَرفع كلٌّ منهما يَدَهُ اليُمنَى في نفس اللَّحظة إلى السَّماء , ثمَّ نَظَرْنَا إليهما من خارج الكرة الأرضيَّة , لرأينا الأوَّل يَرفع يده إلى فوق والآخر يرفع يده إلى .. الأسفل ! ذلك أنَّ سماءَ الأوَّل موجودة في أعلى الكرة الأرضيَّة , وسماء الثَّاني موجودة في أسفلها ! فليس هناك إذًا أعلى مُطلَق وأسفل مُطلَق , وإنَّما كلُّ شيء نِسْبيٌّ .

وبالإضافة إلى اختلاف الزَّمن بين الدُّنيا والآخرة , فإنَّ هناك اختلافات أخرى بينهما , مثل تضاعُف قوَّة الأكل والشُّرب والشَّهوة إلى مائة ضعف بالنِّسبة لأهل الجنَّة كما رأينا , ومثل إمكانيَّة التَّخاطب بين أهل النَّار وأهل الجنَّة وإمكانيَّة النَّظر إلى بعضهما , كما رأينا أيضًا , في حين أنَّ المسافات التي تفصلُ بينهما كبيرة وكبيرة جدًّا ‍, ومثل تَمكُّن مئات المليارات من النَّاس الموجودين في أرض المحشَر من رؤية وسَماع ما يحدُثُ عند حساب كلِّ واحد منهم , وكأنَّهم بجانب شاشة تلفزيون عملاقة ! هذا بالإضافة إلى أنَّ فواكه الجنَّة وأنواع الشّراب واللُّحوم فيها , يَختلفُ طعمُها تَمامًا عمَّا نعرفه في الدُّنيا .

هل لك في أن تكون من الأوائل ؟!




استمعي معي يا ابنتي لهذه القصَّة الواقعيَّة : يقول الرَّاوي : لا حديث في الجامعة الأمريكيَّة في القاهرة هذه الأيَّام إلاَّ عن أستاذ عِلْم الأجناس , صاحب الوَسامة الفائقة , وأحد أبرز الأساتذة في مجاله . لكنَّ الضَّجَّة التي يُثيرها حاليًّا ليستْ عن وَسامته ولا عن كفاءته , ولكنْ لأنَّه أسلَم ! فبعد 35 سنة من العيش والتَّدريس في العالم الإسلامي , نطقَ الدُّكتور الأمريكي Donald Cool بالشَّهادتين أمام شيخ الأزهر , واختار لنفسه اسم عبد اللَّه .
يقول عبد اللَّه : تمكَّنتُ من الفرار من المشاركة في حرب الفيتنام , وبدلاً منها أمضيتُ الفترة ما بين 1968 و1970 م في الرِّياض القديمة , بالمملكة العربيَّة السّعوديَّة . والحمد للَّه الذي قدَّر لي العيش هناك , حيثُ كان الأذان للصَّلاة يَدفعني دفعًا إلى التَّفاعل معه . ولا أنسى اللَّيلة الأولى التي أمضيتُها مع البَدْو في الرّبع الخالي والمنطقة الشَّرقيَّة , إذ وجدتُ نفسي أستيقظ مع القوم لصلاة الجماعة ! لَم أكن وقتَها مسلمًا , ولكنَّني كنتُ أؤمنُ في قرارة نفسي أنَّ إلَهَهُم هو أيضًا إلهي .
بعد أن عدتُ إلى أمريكا , كان أوَّل ما قلتُه في أوَّل محاضرة لي : إنَّ الإسلام دينٌ جميل . ثمَّ شاء اللَّهُ أن أُعيَّن في الجامعة الأمريكيَّة بالقاهرة , في مصر . لكنَّها في السَّبعينات كانت مكانًا علْمانيًّا بَحْتًا . حتَّى اللُّغة العربيَّة نادرًا ما كنتَ تسمعُها في ممرَّات الجامعة ! وكان الإسلامُ فيها عبارة عن تاريخ وفنّ وعمارة , ورحلات ميدانيَّة إلى المتحف والمساجد القديمة !
وفي الثَّمانينات , تَواجد في الجامعة بعضُ الطُّلاَّب المتمسِّكين بالإسلام مِن أصحاب اللِّحى وبعض الطَّالبات المحجَّبات , فحدثَ ما لم يكن مُتوَقَّعًا : لقد طالبُوا بمكانٍ في الجامعة يُصلُّون فيه ! كنتُ مُراقِبًا للوضع آنذاك , لكنَّني كنتُ في قرارة نفسي سعيدًا بِمَطلبهم , رُبَّما للانطباع الحسن الذي أخذتُه عن الإسلام خلال إقامتي بالسّعوديَّة .
يوم إسلامي , استقبلَني شيخُ الأزهر بنفسه وأسلمتُ على يديه . وحينَ سألني عن رحلتي إلى الإسلام وسبب استغراقها وقتًا طويلاً , أجبتُ بإيجاز . فقال : أنتَ أستاذ جامعي , ونحبُّ أن نسمع منكَ باسْتِفاضة ! فحدَّثتُه باسْتِفاضة , وبكَى صديقي المصري الذي رافقني إلى الأزهر الشَّريف .
يقول الرَّاوي : لقد كان إسلامُ الأستاذ عبد اللَّه مفاجأة للكثير من طلاَّبه ومعارفه , لكنَّ أصدقاءَه المقرَّبين تَوقَّعوا ذلك , وإن كان تَوَقُّعهم تأخَّر بعض الشَّيء . صديقٌ قريبٌ منه علَّق على إسلامه عندما أخبره بذلك , قائلاً : حقيقي ؟! كنتُ أظنُّ أنَّك أسلمتَ منذ سنوات !
(نقلاً , مع تصرُّف بسيط في سرد القصَّة , عن موقع الشَّبكة الإسلاميَّة www.islamweb.net) .

نعم , لقد تأخَّر إسلامُ هذا الأستاذ أكثر من ثلاثين سنة , والحمدُ للَّه أنَّ الموتَ لَم يُفاجِئْهُ قبل ذلك ! ولكن هناك غيرُه مَن تأثَّر فعلاً بالإسلام ودافع عنه بالقلَم أو باللِّسان , وللأسف مات قبلَ أن يَتَّخِذَ أهَمَّ قرار في حَياته , فَخَسِرَ كلَّ شيء !
لهذا , أرجوكِ يا ابنتي الفاضلة أن تُسارِعي , حال فَراغِكِ من قراءة هذا الكتاب , باتِّخاذ خُطُواتٍ عَمَلِيَّة للتَّثَبُّت من أنَّ الإسلام هو الدِّين الحقُّ , والدُّخول فيه . لا تُؤجِّلِي أبدًا هذه الخُطْوة , فإنَّ مَلَكَ الموت لا يَسْتأذِنُ أحدًا في قَبْضِ رُوحه !
اتَّصِلِي برجال الكنيسة والمراكز الإسلاميَّة وأحبار اليَهُود , واطرَحِي على كُلٍّ منهم ما يَشْغَلُ بالَكِ من أسئلة . ثمَّ , إذا اقتَنَعْتِ بأنَّ الإسلام هو الدِّين الحقُّ , فلا تَتَرَدَّدِي في الدُّخول فيه .
احرِصِي أن تكونِي من الأوائل في اتِّخاذ القرار , ولا تنتظِرِي حتَّى يُسْلِمَ فُلان وفُلان لِكَي تُسْلِمِي أنتِ !

أم أنَّكِ ما زلتِ لا تستطيعينَ أن تَقبلِي نفسيًّا أن يكون والداك وأجدادك على خطأ ؟!
استمعِي إذًا لِمَا يَلي : يقول اللَّه تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ 104 } (5- المائدة 104) .
فلا تخسري إذًا كلَّ شيء لِمُجرَّد أنَّ والديك وأجدادك كانُوا على عقيدة أخرى .

ربَّما لم تَستطيعي أيضًا أن تقبلي أن يكون ملياراتُ النَّاس اليوم من النَّصارى واليهود والدِّيانات الأخرى على خطأ , والمسلمون فقط على صواب ؟!
أُعيدُ القولَ إذًا بِمُنْتَهَى الوُضُوح : نعم , كلُّ هذه المليارات مِن غير المسلمين بِمُختلف معتقداتهم , على خطأ , بِمَا فيهم رجال الكنيسة وأحبار اليهود . وإذا ماتُوا على هذه المعتقدات , فإنَّ مصيرهُم إلى النَّار خالدين فيها , لا شَكَّ في ذلك .
وقد ذكرنا سابقًا قول اللَّه تعالى : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ 85 } (3- آل عمران 85) . وذكَرْنا أيضًا أنَّ كلَّ الأنبياء كانُوا مُسلمين , وكُلّهم دَعَوْا قَومَهُم إلى عبادة إله واحد واتِّباع دِين واحد , وإنَّما اختَلَفت التَّشريعاتُ بينَهُم حتَّى اكتملَتْ ببِعْثَة محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , خاتَم الأنبياء والمرسَلين , فَلاَ نَبِيَّ بعدَهُ إلى قِيَام السَّاعة .
وقد روى الإمام أحمد في مُسْنَده عن أبي هُرَيْرة رضي اللَّه عنه , أنَّ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : مثلي ومثل الأنبياء مِنْ قَبْلِي كَمَثَل رجُلٍ ابْتَنَى بُنْيَانًا فأحْسَنَهُ وأكْمَلَهُ , إلاَّ مَوْضِعَ لَبِنَة مِن زاويَة مِن زَوَايَاه . فَجَعَلَ النَّاسُ يَطِيفُون به ويَعْجَبُون منه ويَقُولُون : ما رأيْنَا بُنْيَانًا أحْسَن مِن هذا , إلاَّ مَوْضِعَ هذه اللَّبِنَة ! فَكُنْتُ أنا هذه اللَّبِنَة . (مسند الإمام أحمد بن حنبل – الجزء 2 – ص 256 – رقم الحديث 7479) .

على كلِّ حال , فإنَّ عدد المسلمين اليَوم ليس بقليل , فهو يُقارب المليار وثلاثمائة مليون مسلم . وإن شاء اللَّه سيزداد عددُهم أكثر فأكثر , حتَّى يَدخُلَ الإسلامُ كلَّ بيت كمَا وعَد بذلك النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم .
------------------------------------------------
التالي بإذن الله تعالى:

لكنَّ حالة المسلمين لا تُطَمئن !




قد يكونُ مِن بين الأسباب التي تَجْعَلُكَ سيِّدي الكريم تَتردَّدُ في الدُّخُول في الإسلام , أنَّ الفكْرة السَّائدة اليَوم عن المسلمين أنَّهم مُتخلَّفُون وفُقراء , ولو كانُوا على الدِّين الحقِّ لكانُوا قادة العالَم في كلِّ شيء .
أقول : إذا كان المقصُود بِتَخَلُّف المسلمين أنَّهم لا يشربُون الخمر , ولا يَتَّخِذُون خَليلات من وراء زوجاتهنّ , ولا يَرفَعُون أبدًا أصواتَهم على آبائهم وأمَّهاتهم , ولا يحتالُون ولا يكذبون ولا يغشُّون , فَنِعْمَ التَّخَلُّفُ إذًا !
وإذا كان المقصُود به أنَّهم جُهَّال , فَلْتَعْلَم سَيِّدي أنَّ التَّقدُّم العلمي الذي يَشهَدُه الغَربُ اليومَ , بُنِيَ أساسًا على البُحوث والاكتشافات العظيمة التي قام بها عُلَماء مسلمون , أمثال ابن سينا والخوارزمي وابن الهيثم , في الطِّبِّ والرِّياضيَّات والفيزياء وغيرها من العلوم , وفي عَصْرٍ كان فيه الغربُ يعيشُ في ظلام حالِكٍ من الجهل والحروب .
وإذا كان المسلمون اليوم قد تركُوا الرِّيادة لِغَيرهم , فهذا يعُود إلى ابتعادهم شيئًا ما عن تطبيق تعاليم دينهم . ولكن , يومَ يعُودون إلى الاعتزاز بهذا الدِّين , فستعودُ لهم العزَّةُ والرِّيادة بإذن اللَّه , وسيقودون العالَم من جديد إلى العدل والرَّخاء , كما قادُوه في القرون الأولى من ظهور الإسلام .

قد تقول سيِّدي : ولكنَّ الدُّوَل الغربيَّة اليومَ أغنى وأقوى من الدُّوَل الإسلاميَّة , مِمَّا يَجْعلُ الكثير من النَّاس يعتقدُون أنَّ الإسلام هو السَّبب في فَقْر المسلمين وضُعفِهم ! فَلِماذَا لا يَنْصُرُهم ربُّهم ؟!
أقول : سَيَنصُرُهم رَبُّهم عندما يَعُودون إلى التَّمسُّك بدِينهم كما ذكَرنا !
أمَّا ما يَعيشُه الغربُ اليومَ من قُوَّة وغِنَى , فليس ذلك لأنَّ عقيدتَه صحيحة . أبدًا , ولكن مِن رحمة اللَّه وحِلْمه وعَدْلِه أنَّه يُعطي الدُّنيا للمسلم وغيره , ولكنَّ الجنَّة لا يُعطيها إلاَّ لعباده المؤمنين ! يقول اللَّه تعالى : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا 18 وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا 19 كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا 20 انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً 21 لاَ تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولاً 22 } (17- الإسراء 18-22) .
ليس المقياس إذًا مَنْ هو أكثر مالاً أو قوّة أو سُلطانًا في الدّنيا , وإنّما المقياسُ مَن سيكون أفضل جزاء في الآخرة .

وعلى كلّ حال , فإنّ الحالةَ التي يعيشُها المسلِمُون اليوم , مع الرّاحة النّفسيّة والتّرابط الأُسري , أفضل ألف مرّة من السّيادة والغِنَى الذي يعيشُه الغرب , مع الضّياع والقلق وكثرة الجرائم والانتحارات , وكثرة المشرَّدين الذين لا يجدون لهم مكانًا يَأوون إليه سوى .. الشّارع !
وإذا كان يَجبُ على أحد الطَّرَفين أن يخجل من حالته , فهو الغربُ طبعًا وليس المسلمون !

الإسلام غالب غالب !




نعم , واللّهِ الذي لا إلهَ غيرُه , ستعودُ العزّةُ للإسلام ولو بعد حين ! إنّه وعدٌ من اللّه , واللّهُ لا يُخلِفُ أبدًا وعدَه ! يقول اللّه تعالى : { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ 33 } (9- التّوبة 33) .
ويقول تعالى : { فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ 47 } (14- إبراهيم 47) .
ويقول تعالى : { وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ 139 إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ 140 وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ 141 أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ 142 } (3- آل عمران 139-142) .

وقد روى الإمام أحمد في مُسنَده عن تَميم الدَّاري رضي اللَّه عنه , أنَّ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : لَيَبْلُغَنَّ هذا الأمرُ (أي دعوة الإسلام) ما بَلغَ اللَّيلُ والنَّهار (أي كلّ بقاع الأرض) , ولا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلاَّ أدْخَلَهُ اللَّهُ هذا الدِّين , بِعِزِّ عزيزٍ أو بِذُلِّ ذليلٍ , عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ به الإسلام , وذُلاًّ يُذِلُّ اللَّهُ به الكُفْر . (مسند الإمام أحمد بن حنبل – الجزء 4 – ص 103 – رقم الحديث 16998) .
نعم , لَن يَبقَ بيتٌ على وجه الأرض إلاَّ وسَتَصِلُهُ دعوةُ الإسلام , فمَن شاء أسلَم ومَن شاء كَفَر . وما دام اللَّهُ تعالى هو الذي تعهَّدَ بِتَحقيق هذا الأمر , فلَن يستطيع أحدٌ مِن خَلْقِه أن يَقفَ ضدَّ إرادَته , ولو استعملَ لذلك كُلَّ أساليب القوَّة والاحتيال .

فهل لك سيِّدي أن تكون من الأوائل في الدُّخُول في الإسلام , قبل أن يَسْبِقَكَ إليه أهلُكَ وأصدقاءُك ؟!

اطلب من اللَّه أن يشرح صدرك للدِّين الحقّ




فَوَاللَّهِ الذي لا إله غيرُه , لو سلَّمتَ أمركَ إلى خالق هذا الكون , وطلبتَ منه بصدق أن يُخرجكَ من حيرتك ويهديك إلى دينه الحقّ , فسَيَهدِيكَ إلى الإسلام , لا شَكَّ في ذلك .
أخْلِصْ إذًا نِيَّتَك , وتَوَجَّه إلى اللَّه بالدُّعاء منذ هذه اللَّحظة . لا تُؤجِّلْ هذا الأمر , فَمَن يَدْري لَعَلَّكَ لا تعيشُ إلى الغد ! بعد الدُّعاء , إذا كان عندكَ جهاز كمبيوتر , فادْخُلْ على الإنترنت منذ الآن , وإلاَّ فاذْهَبْ إلى أقرب مقهى إنترنت , وادخُلْ على المواقع الإسلاميَّة التَّالية :
- موقع الشَّبكة الإسلاميَّة www.islamweb.net
- موقع الإسلام سؤال وجواب www.islamqa.com
- موقع طريق الإسلام www.islamway.com
- موقع الثّقافي www.athagafy.com
- موقع سلطان www.sultan.org
وهذان الموقعان الأخيران يشتملان على عناوين مئات المواقع الإسلاميَّة الأخرى .
ستجد في كلِّ هذه المواقع , وبعدَّة لُغات : تَرجَمات لِمَعاني القرآن الكريم , محاضرات , دراسات متنوِّعة عن الإسلام , وتستطيع أيضًا أن تبعث عن طريق هذه المواقع بكلِّ الأسئلة التي تَشغَلُ بالَك , ثمَّ تتلقَّى إجابات شخصيَّة عنها .
موقع آخر جيِّد اسمه : موقع مجمَّع الملك فهد لطباعة المصحف الشَّريف www.qurancomplex.org , يَحتوي على تَرجَمات لِمعاني القرآن الكريم بِعَشرات اللُّغات , وتلاوات للقرآن لِعدَّة قُرَّاء .

بقيتْ ملاحظة : عند دُخُولِكَ على الإنترنت , حذَار سيِّدي من المواقع التي تُشَوِّهُ صورة الإسلام ! نعم , هناك مواقع هدفُها الوحيد إبعاد النَّاس عن هذا الدِّين . والخطَر في بعض هذه المواقع أنَّها تتحدَّثُ باسم الإسلام , واللَّهُ يعلَم أنَّها ليستْ من الإسلام في شيء !

وعلى كلِّ حال , لديكَ الآن قائمة بالمواقع الإسلاميَّة الجيّدة , تستطيع في كلِّ وقت أن تطلب من العاملين فيها الرَّدَّ عن كلِّ ما تسمعه من شُبُهات حول الإسلام . المهمُّ أن لا تُصدِّق مباشرة كلَّما تسمعُه , وضَعْ دائمًا أمام عينَيْكَ أنَّ الشَّيطان , لعنه اللَّه , وأعوانهُ من الإنس , سَيُحاولُون بكلِّ الوسائل أن يُدخِلُوا الشَّكَّ في قَلْبِكَ , حتَّى لا تدخُلَ في الإسلام . فاحذَرْ إذًا أن تُعطِّل دخولك في هذه الدِّين , بِسَبب شُبهةٍ لم تتثبَّت من صحَّتها , وتَنسَى كلَّ ما قَرأتَه في هذا الكتاب !
------------------------------------------------
التالي بإذن الله تعالى:

اطمئنّ , لستَ وحدك الذي يدخل في الإسلام !




نعم , اتَّصلْ بالمركز الإسلامي القريب من بيتك , واسأل العاملين فيه عن عدد الرِّجال والنِّساء الذين يَدخُلُون في الإسلام كلّ يوم , من مُختَلَف الجنسيَّات ومن كلِّ بقاع الأرض .

لا تظنَّنَّ سيِّدي أنَّهم مِن ضعاف الحال أو مِن الذين ضاقت بهم الدُّنيا وأشرفُوا على الانتحار ! أبدًا , إنَّهم طلَبة , وعملَة , ورجال أعمال , ورجال سياسة , وفنَّانون , من الجنسَيْن ومن كلِّ أصناف المجتمع , وضعَ اللَّهُ في طريقهم أسبابًا للتَّعرُّف على الإسلام الحقيقي , بدون تشويهات , فوَجدُوا فيه الرَّاحة النَّفسيَّة التي لم يَجدُوها في ظلِّ المعتقدات والدِّيانات الأخرى , ووجدوا فيه إجابات معقولة عن كلِّ تساؤلاتهم عن الخلق والحياة والحساب , فأسلَمُوا .
لَن تكونَ إذًا وحدَكَ سيِّدي , ولن تكُوني وحدَكِ سيِّدتي إذا شرح اللَّهُ صدرَكُما للإسلام , فلا تَقْلَقَا من هذه النَّاحية ! وصَدِّقاني , لَن تَندَمَا أبدًا على اعتناقكُما لهذا الدِّين العظيم . فوَاللَّهِ الذي لا إلهَ غيرُه , إنَّ الإسلام هو الدِّين الحقّ , لا شكَّ في ذلك . ووَاللَّهِ الذي لا إلهَ غيرُه , لو لَم يَبقَ على وجه الأرض مسلِمٌ غيري , لَما شككتُ لحظةً واحدة أنَّني على الدِّين الحقّ .

وبعد , أيُّها القارئ الكريم !




أما آن لك أن تشهد أن لا إله إلاَّ اللَّه وأنَّ محمَّدًا رسول اللَّه , وتدخُل بذلكَ في الإسلام , دين إبراهيم وموسى وعيسى ومحمَّد وكلّ الأنبياء عليهم السَّلام ؟!

لقد بذلتُ كلَّ ما أستطيع من جُهد في هذه الأجزاء , لِأُبَيِّنَ لكَ بالعقل والمنطق أنَّ الإسلام هو الدِّين الحقُّ . فإن لَم تقتنع وأردتَ مزيدًا من الأدلَّة والشُّروح والبراهين , فلا أملكُ إلاَّ أن أُضيف : يقول اللَّه تعالى : { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ 99 لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ 100 فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ 101 فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 102 وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ 103 تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ 104 أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ 105 قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ 106 رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ 107 قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ 108 إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ 109 فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ 110 إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ 111 قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ 112 قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسْأَلِ الْعَادِّينَ 113 قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ 114 أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ 115 فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ 116 وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ 117 وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ 118 } (23- المؤمنون 99-118) .
إنَّ هذه الآيات تُخاطبك أنت , إذا متَّ على أيِّ شيء غير الإسلام . فلا تترك هذه الفرصة تُفلت من بين يديك , لا تترك هذه الفرصة تُفلت من بين يديك , لا تترك هذه الفرصة تُفلت من بين يديك !

ويقول تعالى : { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ 68 وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ 69 وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ 70 وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ 71 قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ 72 وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ 73 وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ 74 وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 75 } (39- الزّمر 68-75) .
هل يمكن أن تكون كلّ الآيات القرآنيَّة والأحاديث النَّبويَّة والتَّشريعات الإسلاميَّة التي فصَّلتُها لك في هذه الأجزاء , مِن ابتكار إنسانٍ واحد اسمه محمَّد , عاش في القرن السَّابع الميلادي ؟!
لا , غير ممكن !

ويقول تعالى : { قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ 104 } (6- الأنعام 104) .

على كلِّ حال , إذا أبيتَ إلاَّ أن تبقى على عقيدتك , فمن فضلك , إن لم تستطع أن تَذكُر الإسلام بخير بعد كلِّ ما عرَفْتَه عنه , على الأقلّ لا تُشوِّه صورتَه بين النَّاس , ولا تقفْ في صفِّ من يُريد الكيدَ له ولأتباعه , لعلَّ اللَّه يُجازيك على هذا الصَّنيع في الدُّنيا فَيرفع الغشاوة عن عينيك ويشرح صدرك لدينه , أو يُخفِّف عنك عذاب النَّار يوم القيامة .

أمَّا إذا شرح اللَّهُ صدرك للإسلام , أسأل اللَّه لك ذلك , فلا تنسَ أيُّها القارئ الكريم أن تحمد اللَّه على هذه النِّعمة الكبيرة , ثمَّ تدعُو لنفسك ولِمَنْ شئتَ بالخير , فإنَّك لحظة إسلامك تكون أقرب إلى اللَّه من أيِّ عبد آخر , وبالتَّالي يكون دعاؤك أقرب للإجابة .
كذلك , لو سمحت , تبعث لنا على موقعنا على الإنترنت " الطّريق إلى اللّه " www.allahway.com أو على عنوان دار النّشر : اسمك وجنسيَّتك وسنَّك , لِمساعدتنا في إحصاء عدد المسلمين الجُدد . وعندما تجدُ الوقت فيما بعد , تبعثُ لنا إن أمكن بقصَّة إسلامك في بضعة سُطور , وربَّما أيضًا ما لم يُعجبك في هذا الكتاب .

انتهى بعون اللَّه وفضله , فالحمد للَّه ربّ العالمين .

أما آن لك أن تعود إلى اللّه .. جهّز نفسك للبكاء !

لا أصدق ! أنتهى الموضوع ؟!

سأفتقده كثيرًا أختي الحبيبة

بارك الله فيكم حبيبتي

بإذن الله تعالى سيكون الموضوع القادم لنفس الكاتب قوياً أيضاً

جزاه الله عنا خير الجزاء