المرابط ولد محمد لخديم
رئيس الجمعية الوطنية للتأليف والنشر.
E- mail;#####

ومن ناحية ثالثة لرد طعن بعض أقرباء السيد المسيح فيه بأنه مختل العقل، فلم يكن اليهود وحدهم، هم الذين رموا المسيح عليه السلام بما رموه به، بل اشترك معهم بعض أقربائه، فقد ورد في إنجيل مرقص، في الإصحاح الثالث، عدد 21، أن أقرباء المسيح (خرجوا ليمسكوه لأنهم قالوا إنه مختل العقل).
واختلال العقل كان معروفا في ذلك العصر وشائعا عند اليهود، وسكان إقليم فلسطين بأنه اثر من آثار الأرواح النجسة، وشاع هذا الطعن وراجت سوقه بين أعداء المسيح، وتلقاه خلفهم عن سلفهم جيل بعد جيل حتى عصر النبي صلى الله عليه وسلم ونزول الآية السابقة "وروح منه" والنص لقرءاني الذي عبر عن المسيح عليه السلام بأنه (روح منه) هو قوله تعالى: ﴿ يأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم، ولا تقولوا على الله إلا الحق، إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، فآمنوا بالله ورسوله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خير لكم، إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا﴾ (351).
ومن هذا يتضح أن ما ذكره القرآن الكريم عن المسيح عليه السلام بتعبير: "وروح منه" تعني أنه روح خيرية مطيعة لله، لا أن تكون جزء منه تعالى، وإلا للزم أن يكون مقتضى ذلك وحسب الكتاب المقدس أن جميع الأنبياء السابقين والمرسلين (الذين هم أرواح من الله) أن يكونوا أرواح من الله بحكم قول يوحنا في رسالته الأولى بالإصحاح الرابع عدد1 وللزم أيضا أن يكون جميع المؤمنين الذي عناهم يوحنا أجزاء من الله بحكم قول يوحنا السابق (352). في رسالته الأولى بالإصحاح الرابع عدد:6.
وكذلك لزم أن يكون إبراهيم جزءا من الله بحكم قول بني حث (353) السابق ذكره في سفر التكوين الإصحاح 23، عدد 6.
والقرءان لم يقتصر على إضافة المسيح عليه السلام إلى الله بل أضاف إضافات إليه تعالى وكلها إضافات تشريف مثل:
1ـ روح آدم عليه السلام: وذالك في قوله للملائكة عنه ﴿وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون. فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين﴾ (354).
2ـ الناقة معجزة صالح عليه السلام إلى قومه ثمود، وذلك في قوله تعالى:
﴿ كذبت ثمود بطغواها إذ انبعث أشقاها، فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها﴾ (355).
3ـ بيت الله الحرام: وذلك في قوله تعالى: ﴿وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفيين والعاكفين والركع السجود﴾ (356).
4ـ عبد الله وذلك في قوله تعالى: ﴿ وإنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا﴾ (357).
والخطأ يظهر من إضافة كلمة روح القدس وروح منه إلى الله واتحادها به فالإضافة هنا إضافة تشريف وليست تبعيض (أي جزءا منه) كما يقال عند العرب: ناقة الله وبيت الله…الخ.
فمن المعلوم أنه ليس المراد من ناقة الله: الناقة التي يركبها الله، وبيت الله ليس بالبيت بمعنى البيت الذي يسكنه الله، فروح الله إذا: هي روح من الأرواح التي خلقها الله كما أسلفنا، وأضيفت إليه تعالى لقصد التشريف. وبهذا تكون إضافة الروح إلى الله إضافة أعيان منفصلة عن الله، فهي إضافة مخلوق إلى خالقه، ومصنوع إلى صانعه..
هذا وتبقى الروح من الأمور التي اختص الله بمعرفتها ويصعب على البشر أن يفهموه لأنه اكبر من علمهم وعقولهم ومهما أوتي الإنسان من علم لن يفهم حقيقة الروح، هذا هو السر في المعنى المغتضب: ﴿ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي..﴾.الآية".
فقد ذهب المفسرون بعد ذلك إلى شتى التفاسير فمن قائل إن هذا الرد معناه:
نهي المسلمين عن الدراسة والعلم بهذه القضية بينما ذهب الأكثرية لأنه لم تنص على القول: "قل الروح من علم ربي" , بل نصت ﴿من أمر ربي﴾ والفرق بينهما كبير ومع هذا فقد الفت عشرات الكتب عبر العصور مثل الروح لابن سيناء وكتاب الروح لابن القيم…الخ. إلا أن عقيدة الإسلام تختلف عن وصف اليهود والنصارى لله سبحانه وتعالى بأنه روح (وهي التي تقوم بها الحياة).
الله في عقيدة الاسلام
( الله في عقيدة الإسلام حي بذاته لا يموت، فحياته صفة من صفات ذاته زائدة على بقائه، وحياة الله واجبة له تعالى، فهي صفة وجودية قديمة بذاته، وهي صفة كمال لأن الموت صفة نقص وسبحانه وتعالى منزه عن جميع النقائص وواجب له الكمال فلزم اتصافه سبحانه وتعالى بالحياة، ولو لم يتصف بالحياة لما صح اتصافه بالقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام.﴾ (358)
قال تعالى: ﴿الله لا إله إلا هو الحي القيوم﴾ (359)
وقال تعالى: ﴿هو الحي لا اله إلا هو﴾ (360)
وقال جلت كلماته:
﴿وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده﴾ (361)
وقال سبحانه: ﴿وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما﴾ (362).
من ما سبق يتضح لنا أن رؤية غير المسلمين للروح تتأرجح بين المادية البحتة وبين الأفكار المرتكزة على أصول من الكتب المنزلة، التي تبين أن هناك روحا غير مادية وغير محسوسة وموجودة ضمن تكوين الإنسان، ولذلك لا يلقى التفسير المادي البحت للإنسان قبولا, لافتقاره إلى ركائز علمية أو تجريبية لتأكيد نظريته, كما أن الكتب المنزلة الأخرى وغير المنزلة فشلت في تعريف الروح بدليل امتحان اليهود لمحمد صلى الله عليه وسلم عندما سألوه عن الروح ليجيب القرآن:﴿ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي…﴾..الآية".
من خلال ما سبق يتضح لك عزيزي القارئ أن هذا الكلام(القرآن الكريم) يختلف كليا عن البصمات البشرية وإنما هو كلام خالق البشر وهو مظهر لجلال الربوبية.
وهذا الجانب أيسر الجوانب تأثيرا على الإنسان، وأقربها هيمنة عليه، ثم إن هذا الجانب ليس حكرا للعرب بل إنه يخترق اللغات ويصالح نفسية الذي يقرأ القرآن أو الذي يستمع إليه. وبهذا يشرح لنا هذا الدين حقائق الأمور نهائيا وأصليا, في حين يقتصر العلم الحديث في بحثه على المظاهر الأولية والخارجية.فقط.
وهذا ما يتضح من خلال رؤية روبير نوزيك السابقة في المقارنة الأدائية المادية التي تشعر بضرورة توسيع رؤيتها إلى خارج السياج المادي، إلا أنها مقيدة بمنطلقها الخاطئ المحكوم بالرؤية الكمية, وهذا ما يتمظهر في رؤية التفكير المادي لما هو خارج سياجه خاصة إذا تعلق الأمر بالأسئلة الوجودية لكبرى؛
ففي العصر القديم رأوا أن العالم متغير بالمشاهدة والحس, وهذا ما لا سبيل إلى إنكاره وهذا يعني أن العالم حادث، لأن كل متغير حادث, وما دام حادث فهو مخلوق، أي وجد بعد أن لم يكن، ولكنهم رأوا أن تغيره، إنما في أجزائه التي يتكون منها، أما هو ككل فرأوه كما هو، فالكواكب لا تزال كما هي كواكب لم تتغير، والحياة لا تزال في الأحياء هي الحياة لم تتغير والإنسان ما يزال هو الإنسان لم يتغير، فتوصلوا من ذلك إلى أن العالم ليس حادثا وإنما هو قديم أزلي لا أول له، فهو إذا، ليس مخلوق لخالق.
أما في العصر الحديث فرأوا أن حوادث العالم متعددة كما يشاهد ذلك بالحس فهي تنتقل من حال الى حال، ونقلها هذا وجعلها في حركة دائبة ليس ناتجا منها، فإنها بذاتها ومفردها لا تستطيع ذلك ولا تملك دفعه عنها. فكان الأمر الطبيعي أن يتوصلوا بذلك إلى وجود خالق للعالم ولكنهم توصلوا إلى عكس ذلك تماما، غذ قالوا إن العالم بطبيعته مادي، وإن حوادث العالم المتعددة هي مظاهر مختلفة للمادة المتحركة, وإن العلاقات المتبادلة بين الحوادث وتكييف بعضها بعضا بصورة متبادلة، هي قوانين ضرورية لتطور المادة المتحركة وان العالم يتطور تبعا لقوانين حركة المادة وتوصلوا من ذلك إلى أن العالم ليس بحاجة إلى عقل كلي، فليس بحاجة إلى خالق يخلقه لأنه مستغن بنفسه.
ويرد عاطف الزين على هذه الرؤى القديمة والحديثة بقوله:
1ـ في القديم نجد أن تغير العالم أمر لا يمكن إنكاره والتغير ليس من أجزائه فحسب بل فيه أيضا ككل. غير أن التغيير لا يعني أن حقيقته قد تغيرت، وإنما وضعه في تغير دائم، فالإنسان والحيوان ونبتة الزرع والشجر والحجر تتغير من حال إلى حال بالمشاهدة، ولكن تغيرها هذا لا يعني أن الحجر يصبح برتقالة أو الحديد يصبح نبتة زرع. وهكذا.. وإنما التغير يكون بالصفات ويكون بالأحوال، وأما تغيره إلى شيء آخر فهو تبدل، والتبدل ليس هو البرهان وإنما البرهان هو وجود التغير.
وبناء على هذا ليس صحيحا أن العالم ككل لم يتغير، وليس صحيحا أن الكواكب لا تزال كما هي لم تتغير، وليس صحيح أن الحياة كما هي لم تتغير.
فالعالم في مجموعه بكل ما فيه من كون وإنسان وحياة يتغير فالكواكب متغيرة بالمشاهدة ومجرد حركتها هو تغيير، والإنسان متغير بالمشاهدة وانتقاله من طفل إلى شاب إلى هرم هو تغيير، والحياة, متغيرة بالمشاهدة وكونها تظهر في الإنسان والحيوان والنبتة والشجرة دليل على وجود تغيير فيها فهي متغيرة حتما، وبذلك ينقض ما ذهبوا إليه بأن العالم ليس حادثا لأنه ليس متغير ككل, وهذا كاف لإثبات وجود الخالق.
وأما بالنسبة لما قاله الماديون في العصر الحديث، فإننا نجد أن موضع الإنكار عندهم هو أنهم يقولون إن العلاقات المتبادلة بين الحوادث، وتكييف بعضها بعضا بصورة متقابلة، هي قوانين ضرورية لتطور المادة المتحركة.
وإن العالم يتطور تبعا لقوانين حركة المادة. هذا موضع إنكار وجود الخالق عندهم.
فالتعقيد جاء إليهم من تفسير ما في العالم من تغيير وانتقال من حال إلى حال، وما فيه من وجود بعض الأشياء بعد أن لم تكن وانعدام بعض الأشياء بعد أن كانت، أو على حد تعبيرهم من تشكل المادة بأشكال مختلفة, ويفسرون ذلك بأنه يحدث من قوانين المادة وليس من شيء غيرها، فقوانين حركة المادة هي التي تؤثر في العالم، وهو يتطور تبعا لقوانين حركة المادة. هذا هو موضع الإنكار، ولذلك كان المطلوب هو حل هذه العقدة عندهم، أي كان محل البحث هو قوانين المادة وليس تغير العالم.
فإذا ثبت أن هذه القوانين لم تأت من المادة، ولا هي خاصية من خواصها، وإنما هي مفروضة على المادة فرضا ومن غيرها ومن خارجها، فإنه يكون هناك غير المادة هو الذي يؤثر فيها، وبذلك تبطل نظريتهم وتحل العقدة عندهم، لأنه يكون العالم ليس سائرا تبعا لقوانين حركة المادة، بل سائرا بتسيير من أوجد له هذه القوانين وفرضها عليه فرضا، وأجبره على أن يسير بحسبها، فتنتقض النظرية وتحل العقدة.
أما كون هذه القوانين لم تأت من المادة فلأن القوانين هي عبارة عن جعل المادة في نسبة معينة أو وضع معين، فالماء حتى يتحول إلى بخار أو إلى جليد، إنما يتحول حسب قوانين معينة، أي حسب نسبة معينة من الحرارة.
فإن حرارة الماء ليس لها في بادئ الأمر تأثير في حالته من حيث هو سائل لكن إذا زيدت أو نقصت حرارة الماء جاءت لحظة تعدلت فيها حالة التماسك التي هو فيها وتحول الماء إلى بخار في إحدى الحالات والى جليد في الحالة الأخرى فهذه النسبة المعنية من الحرارة هي القانون الذي بحسبه يجري تحول الماء إلى بخار أو إلى جليد، وهذه النسبة: أي كون الحرارة بمقدار معين لمقدار معين من الماء لم تأت من الماء، لأنه لو كانت منه لكان بإمكانه أن يغيرها وان يخرج عنها وإنما هي مفروضة عليه فرضا فدل ذلك على أنها ليست منه قطعا، وكذلك لم تأت من الحرارة، بدليل أنها لا تستطيع أن تغير هذه النسبة أو تخرج عنها، وأنها مفروضة عليها فرضا، فهي ليست منها قطعا، فتكون هذه القوانين ليست من المادة.
أما كون هذه القوانين ليست خاصية من خواص المادة فلأن القوانين ليست أثرا من آثار المادة الناتجة عنها حتى يقال أنها من خواصها، وإنما هي شيء مفروض عليها من خارجها.
ففي تحول الماء ليست القوانين فيه من خواص الماء ولا من خواص الحرارة, لأن القانون ليس تحول الماء إلى بخار أو إلى جليد, بل القانون: هو تحوله بنسبة معينة من الحرارة لنسبة معينة من الماء.
فالموضوع ليس التحول، وإنما هو التحول بنسبة معينة من الحرارة لنسبة معينة من الماء، فهو ليس كالرؤية في العين التي هي من خواصها بل هو كون الرؤية لا تكون إلا بوضع مخصوص.هذا هو القانون, فكون العين ترى خاصية من خواصها، ولكنها كونها لا ترى إلا في وضع مخصوص ليس خاصية من خواصها، وإنما هو أمر خارج عنها، وكالنار من خواصها الإحراق، ولكن كونها لا تحرق الا بأحوال مخصوصة ليست خاصية من خواصها بل هو أمر خارج عنها فخاصية الشيء هي غير القوانين التي تسيره، إذ الخاصية هي ما يعطيه الشيء نفسه وينتج عنه كالرؤية في العين وكالحريق في النار وما شاكل ذلك, ولكن القوانين التي تسيره الأشياء هي كون الرؤية لا تحصل من العين إلا بأحوال مخصوصة وكون الإحراق لا يحصل من النار إلا بأحوال مخصوصة وكون الماء لا يتحول إلى بخار أو جليد إلا بأحوال مخصوصة وهكذا…
وبهذا ثبت أن قوانين المادة ليست خاصية من خواص المادة، وإنما هي أمر خارج عنها..
وبما أنه ثبت أن هذه القوانين ليست من المادة ولا خاصية من خواصها فتكون آتية من غيرها، ومفروضة عليها فرضا من غيرها ومن خارجها، وبذلك يثبت أن غير المادة هو الذي يؤثر فيها، وبذلك يثبت بطلان الماديين لأنه ثبت أن العالم ليس سائرا تبعا لقوانين حركة المادة بل هو سائر بتسيير من أوجد هذه القوانين وفرضها عليه فرضا، فيكون العالم بحاجة لمن وضع له هذه القوانين وفرضها عليه.
وما دام بحاجة إلى من فرض عليه هذه القوانين، فالعالم إذا ليس أزليا يعني انه وجد بعد أن لم يكن فهو مخلوق لخالق. وهذا الأزلي الخالق هو مدلول كلمة (الله)، أي هو الله سبحانه وتعالى.
والعقل بعد أن يصل إلى الحكم بحقيقة وجود الله عن طريق الآثار التي خلقها الله سبحانه وتعالى يرى نفسه عاجزا عن فهم الحقائق المحيطة والمتصلة به، ويرى من الواجب أن يكون هناك اتصال واضح بينه وبين خالقه ليرشده ويهديه إلى الأمور التي يقف عاجزا أمامها ولا قدرة له على حلها. ولما كان العقل محدود (427) والمحدود لا يستطيع أن يتصل بغير المحدود شاء الله العظيم الخالق المدبر أن يتصل هو بنا.
ثم أتت رسل تخبر أنها أرسلت من الله، ببراهين تفوق عقل الإنسان، فأتى موسى وعيسى ثم محمدا صلى الله عليه وسلم فعلى هذا يكون البرهان الذي يأتي به الرسل هو المعجزة البشرية التي تثبت حقيقته وتبين هويته، وتظهر رسالته وتؤكد بأنه رسول من عند الله.
والمعجزة الأخيرة هي القرآن الكريم الذي أتى يجدد من الناحية الشرعية علاقات الإنسان بنفسه وبخالقه الكريم، وبغيره من بني الإنسان.
والقرآن الكريم إما أن يكون من عند العرب وإما أن يكون من عند محمد صلى الله عليه وسلم وإما أن يكون من عند غير العرب.
فأما انه كان من عند العرب فباطل لأنهم قاوموه وحاربوه ووصفوه بالسحر واتهموه بالكذب، وأما انه كان من عند غير العرب فباطل أيضا لان الإنسان الذي يعيش لغة فيعبر عن آلامه وفرحه بأسلوبها ونسجها لا يمكن أن يجاريه ويباريه الذي يريد أن يتعلمها وخاصة إذا تساويا بالمعلومات وبالقدرة على الفهم، وإما انه كان من عند محمد فباطل لان محمد إنسان والإنسان لا يمكن أن يصل إلى واحدة من هذه الشروط الثلاثة التي تقدم البرهان عليها وكيف ترجمها الحديث الصحيح السابق الذي رواه أبى هريرة..
هذا ولو اطلعت أيها الإنسان المفكر لأدركت الفارق الكبير(428) بين الحديث والقرءان الكريم وأيقنت أن القرآن الكريم هو من عند غير صاحب الحديث أي من عند غير محمد صلى الله عليه ولو اطلعت على الشعر والنثر الجاهلي وما كان يحيط (429) بمحمد بن عبد الله لأيقنت أن هذا القرآن لم يسبق إلى دماغ محمد صلى الله عليه وسلم شيء من الواقع الذي عاشه. فإذن يكون القرآن الكريم لم يتحدث به احد من قبل محمد صلى الله عليه وسلم.
لكن وبعد هذه المحاولة المتواضعة والمباحث الدقيقة الواضحة المتميزة الدامغة للعقل التي أوردناها في هذا الكتاب, يتضح لك عزيزي القارئ أنه لا يكون التفكير تفكيرا ولا العمل عملا، إلا على أساس الإسلام لأنه الوحيد من بين جميع الديانات والعقائد الذي يعترف منذ فجر تاريخه بوجود الأديان الأخرى, مع تحفظه على التغيرات التي يرى أنها زورت أو تغيرت في طبيعة الدين, لكنه يؤمن بأصل الدين. وهو الذي جعل الإنسان يطمئن إلى غده، لكونه متفقا مع فطرة الإنسان التي فطر الله الناس عليها وهذه الفطرة موجودة في الإنسان وقد يحجبها الكفر الذي هو تحويل الإنسان عن فطرته وعن مظاهرها الحقيقية.
وأصعب ما يواجه الإنسان هو انصرافه عن خصائص طبيعته وفطرته. ويتضح هذا جليا عندما نجد الملحدين حين ينكشف لهم الحق ويشعرون بوجود الله، ثم يدركونه بالعقل إدراكا جازما ـ يسرعون إلى الإيمان، ويشعرون بالراحة والاطمئنان، ويزول عنهم الكابوس الذي كان يغض مضاجعهم..
وإيمان هؤلاء وأمثالهم يكون راسخا قويا لأنه نابع من الإحساس المؤدي إلى اليقين، لأن عقلهم ارتبط بوجدانهم، فأدركوا إدراكا يقينيا بوجود الله، وشعروا شعورا دقيقا بوجوده، والتقت فطرتهم بعقلهم فكانت قوة الإيمان. ولذلك لا يجوز أن يضطرب الإنسان بناء على دافع الوجدان وحده. بل لا بد من استعمال العقل معه.
ولا يجوز أن تكون العبادة إلا وفق ما يرشد إليه العقل حتى تكون لمن تهدي الفطرة لعبادته، وهو الخالق المدبر الذي يشعر الإنسان بالحاجة إليه.
والإسلام الذي أثبتنا بالبرهان انه دين الفطرة هو ذلك الدين الوارد [في لغة القرءان وهو ليس اسما لدين خاص إنما هو اسم للدين المشترك الذي هتف به كل الأنبياء، وأتنسب إليه كل أتباع الأنبياء] (430).
هكذا نرى نوحا يقول لقومه ﴿وأمرت أن أكون من المسلمين﴾ (431).
ويعقوب يوصي بنيه فيقول: ﴿فلا تموتن إلا وانتم مسلمون﴾ (432).
وأبناء يعقوب يجيبون أباهم: ﴿قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون﴾ (433).
وموسى يقول لقومه: ﴿ ياقوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمون﴾ (434).
والحواريون يقولون للمسيح عيسى ابن مريم: ﴿آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون﴾ (435).
بل إن فريقا من أهل الكتاب حين سمعوا القرءان ﴿قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين﴾ (436).
نرى القرآن يجمع هذه القضايا كلها في قضية واحدة يوجهها إلى محمد صلى الله عليه وسلم ويبين لهم فيها انه لم يشرع لهم دينا جديدا وإنما هو دين الأنبياء من قبلهم.
قال تعالى ﴿شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك، وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه﴾ (437).
ثم ينظم القرءان الأنبياء في سلك واحد ويجعل منهم جميعا أمة واحدة، لها إله واحد، كما لها شريعة واحدة قال تعالى﴿ إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون﴾ (438).
إن هذا الدين المشترك الذي اسمه الإسلام، هو دين كل الأنبياء والمرسلين, وإن الذي يقرأ القرآن يعرف كنه هذا الدين، إنه هو التوجه إلى الله رب العالمين في خضوع خالص لا يشوبه شرك، وإيمان واثق مطمئن بكل ما جاء من عنده على أي لسان وفي أي زمان أو مكان دون تمرد على حكمه، ودون تمييز شخصي أو طائفي، أو عنصري، بين كتاب وكتاب من كتبه، أو بين رسول ورسول من رسله، هكذا يقول القرآن: ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين﴾ (439).
ويقول: ﴿قولوا آمنا بالله وما انزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون﴾ (440).
فما هو القرآن ؟! وما الخصائص التي تبرهن على أنه من عند الله ؟!
ولماذا اتخذناه مثالا في دراستنا من بين جميع الكتب السماوية والعقائد الفكرية الأخرى؟! وإذا كان القرآن والسنة النبوية هما مصادر الإسلام فهل يكون هو دين الفطرة الذي تنشده الإنسانية ؟!!
القرآن هو: اللفظ العربي المعجز المُوحَى به إلى محمد صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلاوته والواصل إلينا عن طريق التواتر.
وهذا التعريف يشمل قيودا أربعة هي:
أولا.المعجز: ويقصد منه ما اتصف به القرآن من البلاغة والبيان الذين أعجزا بلغاء العرب كافة عن الإتيان بأقصر سورة من مثله، رغم التحدي المتكرر، ورغم التطلع الشديد لدى الكثير منهم إلى معارضته والتفوق على بيانه. وللقرآن وجوه غير هذا الوجه في إعجازه، ولكن الوجه المقصود منها عند التعريف هو هذا.
ثانيا.الموحى به: ومعناه المنزل عليه من الله عز وجل بواسطة جبريل، وهذا أهم قيد في تعريف القرآن وتحديد ماهيته.
ثالثا.التعبد بتلاوته: والمقصود به أن من خصائص هذا الكتاب الكريم أن مجرد قراءته تكسب القارئ أجرا ومثوبة عند الله، وأن ذالك يعتبر نوعا من العبادة المشروعة، وأن الصلاة لا تصح إلا بقراءة شيء منه ولا يغني عنه غيره من الأذكار أو الأدعية أو الأحاديث.
رابعا:وصوله عن طريق التواتر. ومعناه أن قرآنية آية من القرآن لا تثبت حتى تصل إلينا بطريق جموع غفيرة لا يمكن اتفاقها على الكذب، ترويها عن جموع مثلها إلى الناقل الأول لها بعد أن تنزلت عليه وحيا من الله عز وجل، وهو سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.
ويعقب الدكتور البوطى على هذه التعاريف في كتابه المتميز«من روائع القرآن». الذي اعتمدناه لشموله ومنهجيته, أن هذه القيود الأربعة في التعريف,تبين حقيقة القرآن خالية من كل الشوائب أي ليس بالحديث النبوي أو القراءات الشاذًًة أو الحديث القدسي أو الترجمة الحرفية أو غير الحرفية للقرآن.إذ الحديث القدسي ليس بمعجز والقراءات الشاذة غير متواترة, والحديث القدسي غير معجز, ذالك لأن اللفظ فيه من الرسول صلى الله عليه وسلم, والترجمة ليست هي اللفظ المنزل. وهذا ما جعل عامة الباحثين من علماء العربية والتشريع والفلسفة والفرق المختلفة يجمعون على أن القرآن معجز. وأن لهذا الإعجاز تعريفان:
أولهما: هو المعتمد لدى جمهور العلماء والباحثين.
والثاني: تفرد به أبو إسحاق إبراهيم النظام (ت:231) اللغوي ألمعتزلي المعروف، ثم تبعه في ذالك بعض الناس من فرقته وجماعته.
وحسب التعريف الأول: فإن القرآن قد سما في علوه إلى شأو بعيد بحيث تعجز القدرة البشرية عن الإتيان بمثله، سواء كان هذا العلو في بلاغته أو تشريعه أو مغيباته.
أما التعريف الثاني: فهو أن الله قد صرف قدرات عباده وسلب همتهم وحبس ألسنتهم عن الإتيان بمثله.
ويرى البوطي(267) أن الفرق بين التعريفين هو أن مصدر الإعجاز في التعريف الأول علو منزلة القرآن عن مستوى الطوق البشري، أما مصدره في التعريف الثاني فهو حبس القدرات وصرف الهمم عن معارضته وتقليده، أي فهو قد يكون، والحالة هذه غير بعيدة في منزلته البلاغية عن طاقة البشر ، ولكن الله ، تصديقا لنبيه ولطفا به، صرف الناس عن تقليده ومحاكاته.
مرجحا تعريف الجمهور لأنه أقرب للعقل والفهم ومستبعدا تعريف النظام ومن … لعدم اعتماده على العقل والمنطق.
ولم يكن البوطي هو الوحيد الذي انتقد هذا التعريف بل هناك الكثير من الباحثين ممن ردوا عليه حتى أن الجاحظ سخر منه.
يقول الإمام البقلانى في كتابه إعجاز القرآن:
" .. لو لم يكن القرآن معجزا على ما وضعناه من جهة نظمه الممتنع ، لكان مبهما حُطً من رتبة البلاغة فيه، ووضع من مقدار الفصاحة في نظمه كان أبلغ في الأعجوبة إذا صرفوا عن الإتيان بمثله، ومنعوا عن معارضته وعُدلت دواعيهم عنه، فكان يستغني عن إنزاله على النظم البديع وإخراجه في المعرض الفصيح العجيب.
على أنهم لو كانوا صرفوا على ما ادعاه ـ أي القائل بهذا التعريف ـ لم يكن من قبلهم من أهل الجاهلية عما كان يعدل به في الفصاحة والبلاغة وحسن النظم وعجيب الرصف، لأنه لم يتحدوا إليه، ولم تلزمهم حجته. فلما لم يوجد في كلام من قبله مثله، علم أن ما أدعاه القائل بالصرفة ظاهر البطلان").
ثم يقول بعد ذالك:
" ومما يبطل ما ذكروه من القول بالصرفة، أنه لو كانت المعارضة ممكنة وإنما منع الصرفةـ لم يكن الكلام معجز، وإنما يكون المنع هو المعجز، فلا يتضمن الكلام فضيلة على غيره في نفسه، وليس هذا بأعجب مما لو قيل: إن الكل قادرون على الإتيان بمثله، وإنما يتأخرون عنه لعدم العلم بوجه ترتيب لو تعلموه لوصلوا إليه بعد"(268)
يقول البوطي في هذا الصدد:
" إن أيسر ما يوضح فساد تفسير إعجاز القرآن بالصرفة، أن الواقع قد خالف ذالك، فلم يصرف الناس في الحقيقة عن الإقبال إلى تقليده ومجازاته. بل قام في التاريخ من حاول أن يعارض، وعارض وأتي بكلام زعم أنه قد حاكي به كلام الله عز وجل، ولكنه جاء مرذولا سمجا لا قيمة له"(269)
(من ذالك ما حدث من الشاعر العربي لبيد ابن ربيعة, الشهير ببلاغة منطقه وفصاحة لسانه، ووصالة شعره. فعندما سمع أن محمدا صلى الله عليه وسلم يتحدى الناس بكلامه قال بعض الأبيات ردا على ما سمع، وعلقها على باب الكعبة، وكان التعليق على باب الكعبة امتيازا لم تدركه إلا فئة قليلة من كبار شعراء العرب ، وحين رأى أحد المسلمين هذا أخذته العزة، فكتب بعض آيات القرآن، وعلقها إلى أبيات لبيد، ومر لبيد بباب الكعبة في اليوم التالي، ولم يكن قد أسلم بعد، فأذهلته الآيات القرآنية، حتى إنه صرخ من فوره قائلا:(والله ما هذا بقول بشر، وأنا من المسلمين).
وكان من نتيجة تأثر هذا الشاعر العربي العملاق ببلاغة القرآن أنه هجر الشعر، وقد قال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوما: يا أباعقيل: أنشدني شيئا من شعرك، فقرأ سورة البقرة, وقال: ماكنت لأقول شعرا بعد أن علمني الله سورة البقرة وآل عمران.(270).
ومن ذالك أيضا ما وقع لاين المقفع كما جاء في كتاب المستشرق (ولاستن) وعلق عليه بقوله: ".. إن اعتداد محمد بالإعجاز الأدبي للقرآن لم يكن على غير أساس، بل يؤيده حادث وقع بعد قرن من قيام دعوة الإسلام" (271)
والحادث كما جاء على لسان المستشرق، هو أن جماعة من الملاحدة والزنادقة أزعجهم تأثير القرآن الكبير في عامة الناس، فقرروا مواجهة تحدي القرآن، واتصلوا لإتمام خطتهم بعبد الله بن المقفع 727م، وكان أديبا كبيرا. وكاتبا ذكيا. يعتد بكفاءته فقبل الدعوة للقيام بهذه المهمة..وأخبرهم أن هذا العمل سوف يستغرق منه سنة كاملة، واشترط عليهم أن يتكلفوا بكل ما يحتاج إليه خلال هذه المدة.
ولما مضى على الاتفاق نصف عام، عادوا إليه، وبهم تطلع إلى معرفة ما حققه أديبهم لمواجهة تحدي رسول الإسلام، وحين دخلوا غرفة الأديب الفارسي الأصل، وجدوه جالسا والقلم في يده، وهو مستغرق في تفكير عميق، وأوراق الكتابة متناثرة أمامه على الأرض، بينما امتلأت غرفته بأوراق كثيرة، كتبها ثم مزقها.
لقد حاول هذا الكاتب العبقري أن يبذل كل مجهود، عساه أن يبلغ هدفه، وهو الرد على تحدي القرآن المجيد..ولكنه أصيب بإخفاق شديد في محاولته هذه، حتى اعترف أمام أصحابه، والخجل والضيق يملكان عليه نفسه، أنه على الرغم من مضي ستة أشهر، حاول خلالها أن يجيب على التحدي، فإنه لم يفلح في أن يأتي بآية واحدة من طراز القرآن!! وعندئذ تخلى ابن المقفع عن مهمته، مغلوبا مستخذلا"!! (272) وغيره كثر ممن حاولوا مواجهة هذا التحدي، غير أنهم أخفقوا إخفاقا ذريعا, من هؤلاء أبو الحسن أحمد بن يحي المعروف بابن الرواندي، والنضر بن الحارث، وطليحة بن خويلد ألأسدي, ومسيلمة بن حبيب الكذاب وقد كان مسيلمة من فصحاء العرب، وكان إذا تكلم على سجيته جاء بكلام جيد، لا يوزن بشيء من السخف الذي انحط إليه عندما حاول تقليد القرآن ومعارضته.
وهكذا لا يزال تحدي القرآن الكريم قائما ومستمرا على مر القرون والأجيال وهو معجز في القرن العشرين أكثر مما كان عليه لأنه استمر تحديه أربعة عشر قرنا.ومع نمو العقل البشري عجز الإنسان عن الإتيان بسورة واحدة من مثله، وهذا هو برهان التجربة والمشاهدة، وهو الذي عناه الخطابي في كتابه:" بيان إعجاز القرآن" عندما قال:
" …والأمر في ذالك أبين من أن نحتاج إلى أن ندل عليه بأكثر من الوجود القائم المستمر على وجه الدهر، من لدن عصر نزوله إلى الزمان الراهن الذي نحن فيه" (273)
" وبيان ذالك أن العرب بدأوا فسألوا محمدا صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بآية تدل على صدق دعوته ورسالته. فأخبرهم الله تعالى بأن القرآن أعظم آية تدل على ما يريدون، وذالك في قوله تعالى: ﴿ وقالوا لولا أنزل عليه ءايات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين أولم يكفيهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذالك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ﴾(274)
ولكن الكافرين أنكروا أن يكون في شيء من آي القرآن ما يدل على صدق محمد صلى الله عليه وسلم، وادعوا أنه كتابا كغيره ليس فيه ما يعجز عن الإتيان بمثله، وأعرضوا عنه قائلين ما نقله الله على لسانهم؛ ﴿ قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين﴾ (275)
وحينئذ تحداهم الله ـ أو قل تحداهم القرآن إن شئت ـ أن يأتوا بسورة من مثله.
وأفرغ هذا التحدي في قوالب مختلفة من اللفظ والأسلوب، وأنهضهم إلى الإتيان بمثله أو بمثل أقصر سورة منه، بالتقريع والتحميس ومختلف أشكال التحدي فقال لهم مرة:
﴿ وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين ﴾.(276)
وقال مرة أخرى:
﴿ قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ﴾(277) وقال لهم مهيجا ومقرعا:
﴿ أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين ﴾.(278)
و لقد كان من مقتضى قولهم: لو نشاء لقلنا مثل هذا، وما سمعوه من هذا التقريع والتحدي وما كان يعتلج في صدورهم من الحقد والكراهية لهذا الذي جاءهم، النبي صلى الله عليه وسلم، وما كانوا منصرفين إليه من البحث الدائب عن أي وسيلة يمكن الاعتماد عليها، لإفساد أمره عليه ومنع دعوته من السير في طريق النجاح.
كان من مقتضى ذالك كله أن ينهضوا لمعارضته ومجاراته بفصول من كلامهم البليغ، ليقطعوا بذالك خطره عنهم وليعلنوا بذالك لمن قد يتحدث بهذا الذي يأتيهم به من القرآن، أنهم قد جاءوا بمثله وخير منه.
ولكنهم ـ على الرغم من كل هذا ـ لم يفعلوا شيئا، ولم يستجيبوا لتحدي القرآن الكريم في محاولة ما، غير أنهم تحولوا عن قولهم السابق:
(لو نشاء لقلنا مثل هذا)، إلى زعم أن محمدا (279) إنما يأتيهم بسحر..أو كهانة..أو شعر فريد في بابه, كما قال الله تعالى عنهم:
﴿ ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون ﴾(280)
ثم إن آيات التحدي هذه ظلت مسجلة في كتاب الله تعالى حتى يوم الناس هذا, تقرع آذان العلماء والأدباء والشعراء والبلغاء على اختلاف نحلهم ومذاهبهم, في كل عصر وقرن. (281)
انه أغرب تحد في التاريخ، وأكثره إثارة للدهشة، فلم يجرأ أحد من الكتاب في التاريخ الإنساني ـ وهو بكامل عقله ووعيه ـ أن يقدم تحديا مماثلا، فإن مؤلفا ما لا يمكن أن يضع كتابا، يستحيل على الآخرين أن يكتبوا مثله، أو خيرا منه..فمن الممكن إصدار مثيل من أي عمل إنساني في أي مجال, ولكن حين يدعي أن هناك كلاما ليس في إمكان البشر الإتيان بمثله، ثم تخفق البشرية(282) على مدى التاريخ في مواجهة هذا التحدي، حينئذ يثبت تلقائيا أنه كلام غير إنساني، وأنها كلمات صدرت من المنبع الإلهي Divineorigin، وكل ما يخرج من المنبع الإلهي لا يمكن مواجهة تحدياته"(283)
على أننا ندعم هذا البرهان بميزان الاستقراء التام الدال على أن القرآن لا يمكن أن يكون كلام غير الله عز وجل كما يقول البوطي مستدلا على ذالك بأن عجز العرب كلهم عن الإتيان بمثله,دليل جلي علي أنه لا يمكن أن يكون من تأليف أحد منهم كورقة ابن نوفل، وبحيرا الراهب، أو غيرهما..
إذ أن الاحتمال مخالف لبرهان العجز الذي دلت عليه التجربة البشرية والمشاهدة على أن القرآن فيه تعليق على أحداث وقعت بعد موت ورقة وبحيرا (284)، فكيف يكون مع ذالك من إيحائهما أو تأليفهما؟؟
وبهذا يبطل ادعاء اليهود والنصارى وغيرهم كما تقدم آنفا في بداية هذه السلسلة…
والإسلام الذي نعنيه زيادة علي التعريف السابق..مخالف جملة وتفصيلا لما نشاهده اليوم من شعارات ترفع, أو مبادئ تعلن, أو مقالات يجتهد أصحابها في تدبيج مقدماتها وسياقها,أو طقوس تمارس في أوقات معينة.. انه القرآن والسنة المطهرة اللذان يحرصان على ربط قضايا التوحيد بمقتضياتها من الأعمال الحبانية والتعبدية, وأن كل من الإيمان والعمل شيئان متلازمان لا يصلح أحدهما إلا بالآخر, وبمفهوميهما الواسعين يشملان الجوانب الروحية والجسدية , والفكرية والعقلية, والقولبة والفعلية. لهذا كان التكامل من أبرز خصائص العقيدة الإسلامية وما لم تتحقق هذه الخاصية فان شخصية المسلم تبقى ناقصة بل منفصلة..
ولنقرب المعنى قليلا حتى نتأهل للإسلام الذي ورد في الكتاب والسنة؛
فأنت عزيزي القارئ تستوقفك إشارات المرور مرات عديدة فهي تنهيك بأضوائها الخضراء والحمراء ليس لتعوق السير أو تعطل الناس، بل هو لضمان السلامة، وضبط الحركة، وتنظيم الوجهة والله عز وجل لم يدع عباده ينطلقون في الحياة وفق أهوائهم فإن هذا لو وقع لن يملأ الدنيا إلا فسادا وعطلا وأذى﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ, وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا إنما يضرون أنفسهم ، وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32). يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ. (33)﴾ سورة محمد . انما أنزل وحيه ليعلمهم من جهل، وينقذهم من حيرة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" ثلاثة لا يكلهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر"، مسلم.
فالعدوان على الأعراض فاحشة فإذا أصابت هذه الفاحشة امرأة الجار كانت أعظم، فقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الزاني بحليلة جاره لا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يزكيه، ويقول له أدخل النار مع الداخلين" بن أبي الدنيا.
إن من أبغض الناس إلى الله، امرءا يظهر بين الخلق بالصلاح والخشوع فإذا أمكنته رذيلة وهو منفرد لم يتورع عن الإيغال فيها.
عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بأعمال أمثال تهامة، بيضاء فيجعلها الله هباء منثورا". قال ثوبان يا رسول الله، صفهم لنا جلهم لنا لا نكون منهم ونحن لا نعلم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما هم فإخوانكم ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها". ابن ماجه.
والعقوبات المعجلة أو المؤجلة سياط لابد منها لقمع الغرائز الشرسة في الحياة الإنسانية والإجرام الفردي والدولي لا تعني في رده الخطب والنصائح، بل لابد من حسم الشر بالشر ولابد من التخويف بالأذى القريب أو البعيد لفطام الناس عن شتى الأهواء الخبيثة إن الإسلام يريد أن تستقيم أجهزتك النفسية أولا، فإذا توفرت لها صلاحيتها المنشودة بصدق اليقين وسلامة الوجهة، فكل عمل تتعرض له في الحياة يتحول من تلقاء نفسه إلى طاعة. ولن تصل إلى هذا إلا إذا كنت دائما تحاسب نفسك بنفسك.
فما من عمل هام إلا وله حساب يضبط دخله وخرجه، وربحه وخسارته. إلا حياة الإنسان فهي وحدها التي تسير على نحو مبهم لا يُدرى فيه ارتفاع أو انخفاض.
هل يفكر أكثرنا أو أقلنا، في إمساك دفتر يسجل فيه ما يفعل وما يترك من حسن أو سوء؟ ويعرف منه بين الحين والحين رصيده من الخير والشر؟ وحظوظه من الربح والخسارة؟!
لو أننا نخبط في الدنيا خبط عشواء، ونتصرف على ما يحلو لنا، دون معقب أو حسيب، لجاز علا تفريط وحمق أن نبعثر حياتنا كما يبعثر السفيه ماله، وأن نذهل عن الماضي وما ضم من تجارب وأن نقتحم المستقبل متهيبين خطأ أو خطيئة!!
فكيف ولله حفظه يدونون مثقال الذرة، ويعدون لنا قوائم بحساب طويل..
﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أحدا سورة الكهف, الآية49
أما يجب أن نستكشف نحن هذا الإحصاء الذي يخصنا وحدنا؟!
أما ينبغي أن نكون على بصيرة بمقدار ما نفعل من خطأ وصواب؟
الحق أن هذا الانطلاق في أعماق الحياة دون اكتراث بما كان ويكون، أو الاكتفاء بنظرة خاطفة لبعض الأعمال البارزة أو الأعراض المخوفة، الحق أن ذلك نذير شؤم.
وقد عده القرآن الكريم من الأوصاف البهيمية التي يعرف بها لمنافقون الذين لا كياسة لديهم ولا يقين﴿أولاً يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولاهم يذكرون ﴾ .سورة التوبة آية 126
وعلماء التربية في الإسلام متفقون على ضرورة محاسبة المرء لنفسه تمشيا مع طبيعة الإسلام، وإنفاذا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم" الترمذي. وقوله: "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله" المنذري.
وقد كتب هؤلاء العلماء فصولا مطولة في المراقبة والمحاسبة يمكن الرجوع إليها. ويرى ابن المقفع أن يسجل الإنسان ما يصدر عنه جاعلا الصفحة اليمنى للحسنات واليسرى للسيئات. وإن كان "رديل كارنيحي" يذهب إلى تدوين السيئات فحسب على أساس أن المرء يعنيه تلافي أخطائه، والنجاة مستقبلا مما وقع فيه آنفا.
قال: في أحد أدراج مكتبي ملف خاص مكتوب عليه " حماقات ارتكبتها"!!
وأنا أعد هذا الملف سجلا وافيا للأخطاء التي وقعت فيها، وبعض هذه الأخطاء أمليته، والبعض الآخر خجلت من إملائه فكتبته بنفسي.
ولو أنني كتب أمينا مع نفسي لكان الأرجح أن يمتلئ مكتبي بأمثال هذه الملفات المليئة بالأخطاء والحماقات!!
وعندما استخرج سجل أخطائي، وأعيد قراءة الانتقادات التي وجهتها لنفسي، أحس أنني قادر على مواجهة أقسى وأعصى المشكلات مستعينا بعبر الماضي الذي دونته لقد اعتدت أن ألقي على الناس تبعة ما أواجه من مشكلات لكن بعد أن تقدمت في السن وازدادت حكمتي -فيما أخال- أدركت أنني وحدي المسئول عن ما أصابني من سوء، وفي ظني أن كثيرا من الناس يصلون إلى هذه النتيجة نفسها عند ما يدرسون أنفسهم.
ولقد قال نابليون في منفاه بجزيرة القديسة "هيلانة": لا أحد سواي مسئول عن هزيمتي. لقد كنت أنا أعظم عدو لنفسي!!)).
ولتفسير أكثر لمسألة: " المحاسبة" نجد أنه اليوم لم تعد هناك حجة لمن كانوا يوما يعملون في الخفاء, ولا يلتفتون للتحذيرات الشرعية. وذلك عندما أصبح المسجل والكاميرا جزء من حياتنا اليومية. أي أن أقوالنا وأفعالنا تسجل على شاشة الكون ولا يمكننا التهرب منها سواء كانت حسنات أو سيئات فهي كالقصة التي تصور في الإستديو ثم نشاهدها على شاشة السينما أو التلفزيون بعد حقبة من الزمن، وعلى بعد من مكان التسجيل ولكنك تشعر كأنك موجود في مكان الأحداث﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ سورة ق الآية: 18.
وكأننا أمام كاميرات تعمل ليلا ونهارا بدون كلل.. فعلى سبيل المثال نجد أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر, جعلت الدول الغربية الكبرى تنصب منهم الملايين ولعلها الآن أدرى بهذه الخاصية من غيرها. فحاسب نفسك عزيزي القارئ قبل فوات الأوان…
وعند محاسبة المرء نفسه سيتعرف إليها جيدا ومن عرف نفسه عرف ربه، وهذب أخلاقه وسلوكه، حيث يرتقي إحساسه بالآخرين، وتصبح تصرفاته أكثر نعومة وأناقة
وشفافية، وبذلك يطبع بطابع المدنية التي هي روح يسري في كيان الفرد، فيعطيه طابعا
خاصا يلمسه الناس في كل شؤونه: في طريقة كلامه، وعباراته المنتقاة، وفي طريقة استماعه وتناوله لفرصة التحدث، وفي كيفية قيادته لسيارته، وفي كيفية تنبيهه للمخطئ، وفي طريقة حصوله على حقه، وحله مشكلاته، بالطرق السليمة إذ أن من أهم سمات الإنسان المتمدن أن يبحث باستمرار عن طرق مشروعة وغير عنيفة لتجاوز التعارض بين مصالحه ومصالح الآخرين.
ولهذا فإن الإسلام يؤكد دائما على تمدين الإنسان قبل تشييد العمران لأن الإنسان غير المتمدن لا يعجز عن استثمار الإمكانات الحضارية وحسب وإنما يعجز عن المحافظة على الموجود منها.
والإسلام علم الناس ألا يرفعوا أصواتهم، وأن يغضوا من أبصارهم، وألا يلجوا البيوت دون استئذان، وأن يتفسحوا في المجالس، كما علمهم الرفق والصفح والإيثار، وفي الصلاة والتي هي موقف روحي خاص يتعلم المسلمون الدقة والنظام والالتزام بحركات الإمام… وليس كما يشاهد اليوم إذا أصبحت طقوس تؤدي في أزمنة معينة بدون أدنى تفكير مما أفقدها لروحها المدنية.
والمدنية تهذيب للأخلاق والسلوك، حيث يرتقي إحساس المرء بالآخرين، وتصبح تصرفاته أكثر نعومة وأناقة وشفافية، وهو بذلك قادر على ضبط سلوكه ونزواته، والوقوف عند الحدود التي تبدأ عندها حقوق الآخرين.
والمدنية قبل كل شيء اكتشاف للذات وللناس واكتشاف لإنسانية الإنسان ومشاعره وحقوقه، وتقدير لجهوده ومشاركاته، وتأسيس للثقة بقدرته على السمو وتأجيل الرغبات وتجاوز العقبات.
إن المدنية الحقة، تصنع الحضارة، لكن الحضارة لا تصنع المدنية، بل قد تدمرها وتفكك منظومتها. ونستخلص مما سبق أن المدنية الحقة أن يكون الإنسان على بصيرة من أمره قولا وعملا واعتقادا وسلوكا سيشعر بأنه مراقب من خالقه وهذا ما يؤدي به إلى الجد والإخلاص..والارتقاء بنفسه إلى تذوق حلاوة الإيمان.
(وإذ ترتفع روح الإنسان الخالدة صوب الله, كاسبة في طريقها سعة من الفهم, اذ ترقي نحو الملكوت الأسمى كاسبة في طريقها سعة من الفهم, إذ ترقي نحو الملكوت الأسمى فان جمال الله في الخلق العادي يتباعد عن النظر, كما تضمحل قصص الطفولة من الإنسان حين ينضج. وهكذا تهبط الكرة الأرضية حقا إلى درجة التفاهة,مع تأمل الكون.
وإذن في روعة الإدراك الروحاني قد تصبح المادة مثل الظل الذي يبهت أمام الشمس المشرقة, وتصبح كلا شيء.
وهكذا يستطيع الإنسان بكفايته الروحانية أن يتصور القدرة الإلهية, ومع تطور روحانيته سيكون أقرب إلى إدراك جلال الخالق وقدرته وعظمته).وبهده المكانة يتغلب على عجزه ويصلح من تعنته وخسرانه برجوعه إلى فطرته التي فطره الله عليها.. يقول تعالى:( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)) سورة الروم.
وفي هذه الحالة تكون الأديان قد فسرت ما عجز عنه الإنسان.

تنبيه:هذه السلسة عبارة عن مقتطفات مختارة من كتابنا , الموسوم ب : دين الفطرة: استنطاق الرياضيات والفيزياء بلغة إنسانية, تقديم الأستاذ الدكتور محمد المختار ولد أباه, رئيس جامعة شنقيط العصرية , الدكتور الداه ولد ممون,أستاذ الفيزياء بكلية العلوم والتقنيات جامعة أنواكشوط ,وقد وضعتها للنقاش لكونها تحوي أفكار جديدة…والكتاب سيظهر قريبا بحول الله ..