بسم الله الرحمن الرحيم
--------------------------
السلام عليكم
مقال من الموقع الرسمى للشيخ /سالم بن سعد الطويل
(وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)

1428/09/26
2007/10/08


الحمد لله الواحد الأحد الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل: إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:


فإن المسلم في العشر الأواخر من رمضان يكثر من قراءة القرآن وسماعه فيجد بوضوح أن أكثر ما في القرآن تكراراً الدعوة إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، والنهي عن الشرك ومع وضوح هذه الحقيقة إلا أن اهتمام المسلمين عموماً والدعاة إلى الله عز وجل خصوصاً في تقصيرٍ كبيرٍ وإهمالٍ واضحٍ لتوحيد الله تبارك وتعالى.


أخي القارئ الكريم لو تأملت أحوال الدعاة والخطباء والمعلمين ومقدمي البرامج في وسائل الإعلام لوجدت ضعف اهتمامهم بالتوحيد الذي من أجله أرسل الله رسله وانزل كتبه وفرض الجهاد وشرع الشرائع وحد الحدود وأحل الحلال وحرم الحرام وشرع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخلق السماوات والأرض، ومن أجل التوحيد تقوم القيامة وتحق الحاقة وتقع الواقعة، ومن أجل التوحيد خلق الله الجنة والنار.

أخي القارئ وفقني الله تعالى وإياك إلى توحيده وعبادته، يقول الله تعالى في كتابه (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) (النحل: 36)، وقال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)) (الأنبياء:25)، وقال تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)) (الذاريات: 56)، والآيات في بيان دعوة الرسل إلى التوحيد والنهي عن الشرك كثيرة جداً لا تحصى إلا بعسر.
النهي عن عبادة الأولياء

ظن البعض أن الشرك هو عبادة الأصنام فحسب وجهل أو تجاهل أن الشرك هو عبادة غير الله تعالى مع الله تعالى، فكل من دعا مع الله تعالى غيره فهو مشرك ولو كان المدعو مع الله ملكاً أو رسولاً أو ولياً صالحاً أو غير ذلك ، وتدبر قول الله تعالى (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) (الزمر: 3)، أليس يا عبد الله هذه آية من القرآن الكريم؟!

 لم يقل الله تعالى والذين اتخذوا من دونه أصناما وإنما قال (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ) ومع هذا الوضوح الذي ليس بعده بيان نجد كثيراً من الناس يدعو أو يذبح أو ينذر أو يحلف أو يخاف أو يرجو الأولياء الصالحين من دون الله تعالى وهو يحسب أنه يحسن صنعاً ولا يشك بأن هذه الأعمال الشركية تحبط عمله وتستوجب له الخلود في نار جهنم.


لا فرق بين عبادة الشيطان أو الأصنام و بين عبادة الأولياء



أخي المسلم إذا عرفت أن التوحيد عبادة الله وحده لا شريك له وأن الشرك عبادة غير الله مع الله تعالى تبين لك أنه لا فرق بين من يعبد مع الله ملائكة أو شياطين ولا فرق بين من يعبد رسولاً أو وثناً، وبين من يعبد شمساً وقمراً وكوكباً وبين من يعبد ولياً صالحاً، ومن لم يفهم هذا لكنه أقبل على الله تعالى واستهداه فإن الله يهديه للحق بإذنه إلى صراط مستقيم أما من كابر وأعرض وردّ الآيات البينات فلا نملك سبيلاً لهدايته.


أخي المسلم اعلم أرشدك الله إلى الهدى أن المشركين الأوائل من العرب وغيرهم منهم من كان يعبد الملائكة، ومنهم من كان يعبد بعض الرسل، ومنهم من كان يعبد بعض الأولياء الصالحين ومنهم من كان يعبد الشمس أو القمر ومنهم من كان يعبد الناس، ومنهم من كان يعبد الأصنام والأوثان ولكل هؤلاء قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في سورة الكافرون(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافًرُونَ(1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ(2) وَلَا أَنتُمْ عَابًدُونَ مَا أَعْبُدُ(3) وَلَا أَنَا عَابًد مَّا عَبَدتُّمْ(4) وَلَا أَنتُمْ عَابًدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دًينُكُمْ وَلًيَ دًينً(6((.


مَنْ هؤلاء ود، سواع، يغوث، يعوق، نسر، اللات، العزى، ومناة الثالثة الأخرى؟



اعلم أخي المسلم أن المشركين الأوائل عبدوا أولياء صالحين وأول ما حدث الشرك في قوم نوح عليه السلام لما اتخذوا تصاوير وأصنام لأناس صالحين، ثم ما زالوا يعكفون عندهم حتى عبدوهم من دون الله تعالى فما ودٌّ وسواع ويغوث ويعوق ونسر إلا أسماء لعبادٍ صالحين لما دعوهم من دون الله تعالى صاروا بذلك مشركين مع أنهم ما دعوا إلا أولياء وكذلك الحال حدث في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما حدث في زمن نوح عليه السلام فما اللات إلا اسم لرجل صالح كان يلت السويق ( والسويق نوع من الطعام ) للحجاج. 

فكان أهل الطائف يعبدونه من دون الله تعالى كما كان أهل مكة يعبدون العزى وكان أهل المدينة يعبدون مناة الثالثة وهم مشركون، لماذا؟ لأنهم عبدوا الصالحين مع الله عز وجل.


كل من عبد غير الله فهو عابد للشيطان


لقد أمر الله تعالى بعبادته وحده لا شريك له وأخذ العهد على بني آدم أن يعبدوه ولا يعبدوا الشيطان، ومع هذا (فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسً إًلاَّ كُفُوراً)(الإسراء: 89)، قال تعالى (أَلَمْ أَعْهَدْ إًلَيْكُمْ يَا بَنًي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إًنَّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُّبًين وَأَنْ اعْبُدُونًي هَذَا صًرَاط مُّسْتَقًيم وَلَقَدْ أَضَلَّ مًنكُمْ جًبًلّاً كَثًيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقًلُونَ) (يس: 62ـ60)، وإنما قال الله تعالى (وَلَقَدْ أَضَلَّ مًنكُمْ جًبًلّاً كَثًيراً) (يس: 62)، أي خلقاً كثيراً لأن كل من عبد غير الله بأمر من الشيطان فهو في الحقيقة عابد للشيطان لذلك قال إبراهيم عليه السلام لأبيه وكان من عبّاد الأصنام: ((يَا أَبَتً لَا تَعْبُدً الشَّيْطَانَ) الآية (مريم: 44)، وكذلك قوم سبأ كانوا يسجدون للشمس من دون الله تعالى فقال الله تعالى عنهم (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنً السَّبًيلً فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ) (النمل: 24).

والشيطان يدعو إلى عبادة غير الله تعالى ولا يبالي بأي معبود يعبد من دون الله نبيا كان أو ولياً أو صنماً أو وثناً فغايته كما بين الله تعالى ذلك بقوله (إًنَّمَا يَدْعُو حًزْبَهُ لًيَكُونُوا مًنْ أَصْحَابً السَّعًيرً) (فاطر: 6).


لو عُبد قبر النبي صلى الله عليه وسلم لكان وثناً



ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا ربه فقال « اللهم لا تجعل قبري وثنا لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » اخرجه احمد ]13/88[، فماذا بقي أكثر وضوحا من هذا الحديث لو برز قبر النبي صلى الله عليه وسلم وعُبد من دون الله تعالى لصار وثناً (فَمَا لًهَـؤُلاء الْقَوْمً لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدًيثاً) (النساء - 78).


الإنسان يكون مشركا إذا صرف عبادة واحدة لغير الله ولو مرة واحدة



لقد ظن كثير من الناس أن الإنسان لن يكون مشركاً إلا إذا صرف كل العبادات لغير الله تعالى وهذا في غاية الجهل والضلال فالعبادة اسم جامع لكل الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة التي يحبها الله ويرضاها كالسجود والركوع والذبح والنذر والدعاء والخوف والرجاء والتوكل والاستعانة والاستعاذة والاستغاثة وغير ذلك، والمشرك هو من أشرك مع الله تعالى ولو صرف نوعاً واحداً من العبادة لغير الله تعالى ولو مرة واحدة. 

قال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم المعصوم (وَلَقَدْ أُوحًيَ إًلَيْكَ وَإًلَى الَّذًينَ مًنْ قَبْلًكَ لَئًنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مًنَ الْخَاسًرًينَ بَلً اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مًّنْ الشَّاكًرًينَ) (الزمر: 66ـ65). 

وفي الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» اخرجه الترمذي ]1535 [ وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل قال له: ما شاء الله وشئت يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام: ((أجعلتني لله نداً قل ما شاء الله وحده)) اخرجه احمد ]3/253[ ذكره الالباني في تحذير الساجد ]145[

وثبت أيضا في الحديث الصحيح أن بعض مسلمة الفتح لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم شجرة يتبركون بها فقالوا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم -أي للمشركين- ذات أنواط، فقال عليه الصلاة والسلام:«الله أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة إنكم قوم تجهلون».


أكثر الدعاة يهملون التوحيد ولا يحذرون من الشرك



لقد قَصَّر كثير من الدعاة اليوم على مختلف طبقاتهم وتوجهاتهم ومناهجهم في الدعوة إلى التوحيد والتحذير من الشرك فتجدهم يتكلمون في شؤون الأسرة والآداب والأخلاق والفضائل والقصص والأشعار والأناشيد والسيرة والتجويد دون التوحيد!! 

وقد يكون هذا عن جهل تارة، ويكون عن قصد تارات وذلك لأنهم يرون أن الكلام في التوحيد يفرقهم وأكثر هذه الدعوات قائمة على التجميع والتكثير.

تفسير باطل لكلمة التوحيد (لا إله إلا الله) 

الإله في كلام العرب معناه: المعبود والتفسير الأوحد لكلمة التوحيد ((لا إله إلا الله) أي لا معبود حق إلا الله، فلا يستحق العبادة أحد مع الله تعالى وكل معبود سوى الله فهو إله باطل قال تعالى (ذَلًكَ بًأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مًن دُونًهً الْبَاطًلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلًيُّ الْكَبًيرُ) (لقمان: 30).


إذا عرفت هذا يا مسلم يا عبد الله تبين لك بطلان تفسير أهل البدع والأهواء عندما فسروها ب(لاخالق الا الله ) او ( لا رازق الا الله ) او ( لا حاكم الا الله ) أو غير ذلك !! والذي يؤكد بطلان هذا التفسير أن مشركي العرب كانوا يقرون بأن الله هو الخالق كما قال الله عنهم (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) ]لقمان: 25[ بينما ابوا ان يقولوا ( لا اله الا الله ) كما قال الله عنهم (إًنَّهُمْ كَانُوا إًذَا قًيلَ لَهُمْ لَا إًلَهَ إًلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبًرُونَ) (الصافات: 35)وبهذا يتبين لك أن المشركين الأوائل اعلم بلا إله إلا الله من مشركي هذا الزمان الذين يقولون لا إله إلا الله ويعبدون الأولياء بينما المشركون السابقون كانوا يعبدون الأولياء فاستكبروا عن قول لا إله إلا الله وقالوا (أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5)) (ص - 5)


لا يتم الإيمان حتى تكفر بكل ما يعبد من دون الله تعالى



لا يكفي أن تعبد الله وحده لا شريك له بل ولا يصح إيمانك ولا يستقيم دينك حتى تكفر بكل ما يعبد من دون الله فتعتقد أن كل الالهة باطلة لا تستحق العبادة وان عبادها مشركون يستحقون العداوة والبغضاء .

قال تعالى (فَمَنْ يَكْفُرْ بًالطَّاغُوتً وَيُؤْمًن بًاللّهً فَقَدً اسْتَمْسَكَ بًالْعُرْوَةً الْوُثْقَىَ) (البقرة: 256)، وفي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم ]143[ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ)).


اسأل الله تعالى أن يوفقني وكل مسلم إلى عبادته وحده لا شريك له.

والحمد لله أولا وآخر وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.