المندائية بقايا الغنوصية .. وعبادة الملائكة!

تقليص

عن الكاتب

تقليص

د.أمير عبدالله مسلم اكتشف المزيد حول د.أمير عبدالله
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المندائية بقايا الغنوصية .. وعبادة الملائكة!

    المندائية بقايا الغنوصية .. وعبادة الملائكة!



    تعد الصابئة من الدیانات القدیمة، التي عُرِفت ما قبل الإسلام، ویدل أصل أشتقاق كلمة الصابئة الى جذورها الآرامیة بمعنى الاغتسال أو التعمید( ١)، والصابئة جاءت من الفعل صبب صب الماء ونحوه( ٢) . وهذا یدل على إستخدام الماء في ألإغتسال والإرتماس بالماء الجاري( ٣) الذي یعد من أهم الطقوس عند الصابئة عامة ويتضمن ما يتفرع عنهم كالحرانية والمندائیة.

    والصابئة الاولى قد بين الله ان أصلها صحيح، كأصل اليهودية والنصرانية، قال الله عنهم : "إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا".

    وعند العرب، في الجاهلية، وظفت كلمة "الصابئة" بمعنى الخروج من دین وا عتناق دین آخر، كما تصبأ النجوم من مطالعها( ٤) و وردت بمعنى المیل عن سنن الحق و الزیغ عن نهج الانبیاء( ٥ ).

    والمقصود بالصابئة في هذا البحث هو فرع قيل أنه نشأ من ثوب الصابئة الاولى، وتبقى منهم وهم الصابئة المندائیةـ وهم في الحقيقة لا يحملون من التوحيد الا اسمه. مثلهم في ذلك مثل كثير من الطوائف التي انبثقت عن النصرانية الاولى ولا تحمل من التوحيد الا اسمه. ويُعتقد انهم اوثق اتصالا باليهود والمجوس من كونهم ذو أصل صابئي، وربما ربطوا انفسهم بالصابئة في العصر العباسي، حتى يكونوا مندرجين تحت اهل الكتاب الصابئة الذين تحدث عنهم القرآن الكريمـ فيؤخذ منهم الجزية ولا يُجبرون على الإسلام.

    فمن هم المندائيون؟

    المندائیة: كلمة آرامیة نسبة الى مندى أو مندا وتعني علم أو العارف أي (غنوصي)، ومنها جاءت تسمیة مندا اد هيي أي: (العارف بالحیاة) وهو اسم الملائكة العارفین عند المندائیة.

    والمندائيون هم المتفلسفة الصابئة المبتدعة وهم وإن زعموا انهم على التوحيد، فإنهم لا يأمرون بالتوحيد وهو عبادة الله وحده ولا بالعمل للدار الآخرة، ولا ينهون فيها عن الشرك بل يأمرون فيها بما يخص صلاح الدنيا من العدل والصدق والوفاء بالعهد ونحو ذلك من الأمور التي لا تتم مصلحة الحياة الدنيا إلا بها بينما يُشرعون العبادات لغير الله. يقول ابن تيمية: " ولهذا فهم يقيمون النواميس بأنواع من الحيل والسحر والطلسمات كما وضعوا في كتبهم ذلك ويقولون في بعض الطلاسم هذا يصلح لوضع النواميس كما تواصت القرامطة والباطنية وكما كان يفعله سحرة فرعون وغيرهم وآثارهم موجودة بذلك إلي اليوم وكما يفعله المشركون من الترك والهند في بلادهم، والمتفلسفة الصابئة تجعل ذلك جنسا لما بعثت به الرسل من الآيات ويجعلون موسى والسحرة والذين عارضوه من جنس واحد ". وما قاله ابن تيمية ثبُت بما في كتبهم اليوم، كما سياتي.

    وديانة المندائيين اليوم هي ديانة ضائعة، مفقوده!! ، يتم احياؤها من الكتب، ولا يعرف المندائيون انفسهم لديانتهم اصولا بل لا يوجد شيء مستقل حقيقي يخصهم، إلا انهم يستشفعون بقدم اسم " الصابئة" وديانتها، فينسبون أنفسهم لهم، وبذلك فهم يرون أن ديانتهم هي الصابئة التي بدأت قبل التاريخ مع آدم الارضي !!. وعقائد ومذاهب المندائية الحالية لم تكن مكتوبة أو مدونة قبل الاسلام، بخلاف ما يتعلق بفلسفة اليونان، والغنوصية، ولم تُدون الا حديثا، ربما بعد الفتح الاسلامي كما سيأتي.

    ولذا فكل ما هو مكتوب كتب فيما بعد كتجميع لما توارثوه ممن حولهم من الامم، ليبدو الامر وكانهم " اهل كتاب" للفاتحين المسلمين، فلا يُقرض عليهم الدخول للاسلام ويكونوا تحت الجزية كاليهود والنصارى، وكما سيأتي تفصيله في نهاية هذا المقال. ومن يطلع على كتاباتهم لن يجد عناءا في اكتشاف انها تجميعات شتى لعقائد متناقضةومتضاربة أخذوها عن خرافات بابل، واليهود والنصارى، والصابئة الاولى، ثم نقحوها مع الفتح الاسلامي، لتكون المحصلة النهائية: هي عبادة الملائكة وتوحيد شكلي مثلهم في ذلك مثل الوثنيين في كل زمان ومكان.


    هل أخذ المندائيون المعاصرون عقائدهم من الوحي والكتب؟

    لا يوجد بين المندائيين اليوم من يُمكن ان يقال انه قادر على قراءة او فهم اي شيء عن طقوسهم، فهو مخصص بالكهنة (شيوخهم) فقط، لا يعرف العامة عنه اي شيء، لكن هل يعرف الكهنة قراءة ما في الكتب؟، الجواب: لا، بل حتى الكهنة لا يفهمون شيء فيه اليوم، ولذا اعلى مرتبتين في الكهنوت لا يصل اليه احد منهم، اصبحت معطلة معلقة، منتهية وحجتهم ان الكوليرا في القرن التاسع عشر حصدت ارواح الكهنة العلماء!!، بل جميع المندائيين لا يفهمون دينهم اصلا بخلاف ما يمليه الكهنة اليوم حسب ماتوارثوه ويعتقدونه.

    ويعتمد مندائيو اليوم على اكتشاف دينهم بما ترجمه الألماني Mark LIDZARSKI مارك ليدزبارسكي 1868- 1928 م، في القرن الميلادي العشرين، ولذا بدأت تخرج كتاباتهم للنور، وقد ترجم الالماني ليدزبارسكي النصوص التي كادت ان لا تُعرف، فعمله اليوم بمثابة اعادة احياء لتراث يحتضر، بل وليس من المبالغة القول انه يُعد الكاهن الاكبر الذي يعرف المندائية اكثر من اي مندائي، فكل عباداتهم او ما قد يعرفونه هي تقاليد او اساطير موروثة في تقديم العبادة للملائكة، مع طقوس التعميد والصلاة ثلاثة مرات في اليوم، وبعض القوانين العامة مثل الزواج والطلاق وحرمة الكبائر، وقصص ملفقة يمنة ويسرة، وعقائد تتطور عبر التاريخ!!

    ونرى اعترافات اكبر مربي هذه الديانة: نعيم بدوي وغضبان الرومي، وهم من اوائل من عرف العالم بالمندائية، في هذا القرن، واقرارهم بانهم انفسهم لا يعرفون عن عقائدها شيئا الا من خلال التراجم الانجليزية والاجنبية لصعوبة اللغة ولصعوبة معرفة شيء عن الدين من اهل الدين ولكونهم طائفة صغيره، ولان دينهم ليس تبشيريا. وننقل ما قالوه من مقدمتهم لترجمة كتاب الليدي دراور، ص. 5ـ مع عدم اقرارنا بالنصف الاول من المقدمة، فالآيات القرانية لم تقل ان المندائيين هم الصابئة الحقيقيون الذين تحدث عنهم القرآن الكريم، وسيتضح تفصيله في ثنايا هذا المبحث.
    اضغط على الصورة لعرض أكبر.   الإسم:	image.png  مشاهدات:	0  الحجم:	267.2 كيلوبايت  الهوية:	822045







    اضغط على الصورة لعرض أكبر.   الإسم:	image.png  مشاهدات:	0  الحجم:	97.3 كيلوبايت  الهوية:	822046



    هل المندائية ديانة توحيدية؟

    المندائيون صابئة مبتدعة، وحالهم مثل كل ذي بدعة، فلا بد أن يكون في قولهم شبهة من الحق، ولولا ذلك لما راجت واشتبهت، وهم لهذا يشبهون على الناس بدعوى التوحيد، وهم وإن زعموا انهم على التوحيد، فإنهم لا يأمرون بالتوحيد وهو عبادة الله وحده ولا بالعمل للدار الآخرة، ولا ينهون فيها عن الشرك بل يأمرون فيها بما يخص صلاح الدنيا من العدل والصدق والوفاء بالعهد ونحو ذلك من الأمور التي لا تتم مصلحة الحياة الدنيا إلا بها بينما يُشرعون العبادات لغير الله. وبقايا الوحدانية، عندهم هي مما يعتقده كل اهل الارض في التوحيد الفطري الغريزي "توحيد الربوبية"، وهو منقوض كذلك بنسبة الخلق لغير الخالق من وسطاء جعلوهم مع الله من الملائكة،.

    فالخالق هو ملاك خالق من خلال 360 صبغة اعطيت له !! وهذا الملاك كباقي الملائكة لم يُخلق وانما نادى عليهم الرب فوُجدوا، فاحدهم هو مسبب البرق، والاخر يسبب الرعد، والاخر خلق الشمس والقمر واخر مسؤول عن الليل والنهار ... الخ.. والرب غير محدود لذا اسمه الحي "هيي"، ويمكن اطلاق اي اسم او صفة عليه، فيسمونه الاله (الاها) او الغريب (نخرايا) او العظيم (ربا)، او المسبح ( مشبا) ولا مانع من تسميته الله بالعربية.


    المندائيون لا يعرفون اسم الرب الذي يعبدون!

    كنزا ربا يمين الكتاب الاول، بوثة التوحيد (التسبيح الاول)، 32
    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	image.png 
مشاهدات:	949 
الحجم:	118.5 كيلوبايت 
الهوية:	822120


    واسم الرب لا يعرفونه، وانما يطلقون عليه صفات مثل: "هيي/الحي" يشاركه فيه الملاك (ملكا) هيبل زيوا خالق الحياة على الارض، وابوه (الملاك الاب): " مندا اد هيي (الملاك جبريل)" ، وغيرهم، من الأثريين، وهيبل زيوا هذا الذي خلق ادم وكل الكائنات على الارض!!


    عبادة الملائكة:

    وتصرف العبادات للملاك هيبل زيوا، فالعيد الاصغر لا يقدم للاله الحي، وانما للملاك الحي هيبل، فهو يوم عروج هيبل زيوا الى السماء بعد ان خلق كل الكائنات على الارض!، ويطلقون عليه الابن الطيب!! ومما يقال فيه شعرا: "دعك الكون براحتيه ، بأنامله مسح الزيت"، وهو ابن الملاك منداد هيي، الذي امره بالنزول الى الارض : وانظر الى ما يقوله الى ابيه، وهل هذا هو التوحيد المزعوم: " بقوتكم ياابائي وبالسر العظيم الذي يحرسكم وبقوة ابي مند اد هيي سأذهب الى عالم الظلام الذي اليه تبعثوني وسأفعل ماتأمرونني اليه ".فهو لا يذهب بقوة الحي القديم (هيي قدمايي) الخالق بل بقوة ابيه الملاك مثله منداد هيي !!, وهم انفسهم لا يمنع ان يذكروا اسمه مع اسم الاله فيختمون به كلامهم: "بشهادة الحي وشهادة مَلك النور السامي"!!

    وقصة الخليقة ينقلونها من كل كتاب بشكل مختلف، فعندهم ثلاث قصص مختلفة جذريا عن بعضها البعض لقصة خليقة ادم والكون، منها ما نقلوه مع التعديل عن المركبة الغنوصية، ومنها ما نقلوه عن سفر التكوين ومنها ما نقلوه عن الاساطير البابلية، وهم غير مستقرين على قصة واحده!، والقسط الاكبر منها يعتمد في الحقيقة على اساطير بابل، بحكم ان هذا موطنهم، و مثلهم في ذلك مثل القصة التوراتية (بحكم سبي اليهود لبابل)، فقصة الخلق الاقرب لقصة سفر التكوين التوراتي (الخليقة) تبدأ بـ" اشمخ يا هيي (اسمك يا حي)، اذهب واخلق رجلا واحدا وامرأة واحدة واطلق عليهما الاسمين ادم للرجل وحواء للمرأة.. " حيث نزل الملاك هيبل زيوا وهيأ الارض وعمرها وخلق الكائنات وخلق ادم وحواء بامر من أبيه بأمر من الرب الحي ، وكانت الارض خربة ويكسوها المياهـ، نصوص توراتية صِرفة مع تبديل وتغيير !!، ثم تبدأ تصوير صراع الآلهة في ابهى حلة واكبر ميثولوجية يمكن ان تقرأها، متأثرين في ذلك بميثولوجيا المكان الذين عاشوا فيه " بابل" مثلهم مثل كتبة سفر التكوين!!. ومن حماقة الفلسفة الميثولوجية في صراع الآلهة هذه أن الملاك نزل ليخلق ادم ويعد له الارض بحرب قوى الظلام الذين وياللعجب كانوا ايضا آدميين !!، آدميين قبل آدم!، نفس الفكرة حين نقلت من بابل دون ابداع او محاولة توفيق!

    لكن وفي رحلة الملاك الخالق " هيبل زيوا" السعيدة، فانه يعجب بزهرائيل (كوكب الزهرة فيما بعد) ويتزوجها ويأخذها معه، وانظر الى نفس الميثولوجيا البابلية (العراقية القديمة) في سفر التكوين 1:6-4 ، عن زواج ابناء الله من بنات الناس في قصة الخلق !! يقول، "وحدث لما أبتدأ الناس يكثرون علي الأرض، وولد لهم بنات، أن أبناء الله رأوا بنات الناس أنهن حسنات. فاتخذوا لأنفسهم نساء من كل ما اختاروا. فقال الرب "لا يدين روحي في الأنسان الي الأبد لزيغانه، هو بشر. وتكون أيامه مئة وعشرين سنة" !!

    إذا نظرنا الى الاعياد، فسنجد أن عندهم (عيد الستة أيام )، ابتهاجا باكتمال الخلق الذي تكون، وهو مأخوذ عن ايام الخليقة البابليةـ والتي نُقلت في سفر التكوين والذي استراح فيه الرب في اليوم السابع، تعالى الله عما يقولون، فان المندائيين يعتبرون هذا العيد هو تتويج لاكتمال الخلق الذي أمر الرب به آدم السماوي (الملاك الاب لكل الملائكة) والذي بدأ بولادته هو حيث كون له عالما وذرية ، واستمر ذلك التكوين ستة أيام، وينقلون القصة التوراتية البابلية بل ويوم الراحة، ثم يجعلون ان من استراح من الخلقة هو آدم !!، " أما اليوم السابع وهو اليوم الذي استراح فيه أبونا آدم كسيا الذي آمر بذلك التكوين"، ويحتقلون فيه بالالكاليل وقراءة النصوص الدينية!

    وعندهم كذلك عيد راس السنة (الكرصة)، فانه وُضع للملائكة الاب السماوي الملاك الاكبر وابناؤه .. فنجد فيها نفس فكرة الولادات الوثنية الرمزية، مختلطة مع قصة ادم في الجنة حسب سفر التكوين التوراتي، وبعض الاضافات: وفيه تجسد أدم الملائكي وهو المثيل الروحي لادم بالجسد!!، وخرج إلى الوجود حيث ولد ولادة رمزية من رمزي الحياة السندركا (النخلة ) والأينه (عين الماء الجاري ) حيث تمثل السندركا الجانب الذكري والأينه تمثل الجانب الأنثوي ، وعندما سقطت حبة لقاح من السندركا في الماء الجاري أي( الرحم المقدس ) بقيت هناك 360 يوما ومن هنا بدأت عجلة الزمن تدور وعندما اكتملت 360 يوما خرج آدم إلى العالم النوراني (مشوني كشطا ) ، نهض وقام واختبأ بين تلك الأشجار والأعناب التي تكسو العالم النوراني .اما الستة والثلاثين ساعة التي يكرصون فيها فهي تمثل الثلاثمائة والستون يوما التي بقاها آدم ساكنا في ذلك الرحم المقدس ، فبدأت تلك الستة والثلاثون ساعة في القسم الثالث من يوم كنشي وزهلي ( في الساعة السادسة مساءا ) حيث بقى ساكنا طوال تلك الساعات وعندما انتهت ، قام وتحرك وبدأت الحياة تسير وبأمر من هيي قدمايي (الحي القديم) بدأ بتكوين ذرية له وهم الملائكة والأثيريين فصار أبا لهم وسيدا لذلك العالم النقي ، وبهذا فأن تلك الساعات أصبحت ذكرى للكون أجمع يحتفل بها من قبل الملائكة وكذلك البشر بعد أن يختبئوا ست وثلاثين ساعة ويكونوا في سكون تام تمثيلا لتلك السكنة التي بقاها أبونا أدم كسيا ، في تلك الساعات تعرج الملائكة الى السماء لمباركة ميلاد أبيهم والتسبيح والشكر للرب على ذلك الخلق العظيم ، وبرجوعهم سيعود النور الى الأرض ثانية وتعود الحياة الى الأرض والى الكون أجمع . وهذا الرب العظيم الخالق ليس الا الملاك هيبل زيوا!

    كل ما سبق لا يبينه بل قد لا يعرفه المندائيون فمن يقرأ عن عيدهم من كتاباتهم قد لا يفطن الى هذه الحقائق عنهم، وقد يظن أنه عيد كعيد المسلمين يُقدم لله، وعلى انهم موحدون، فلن يفطن الى حقيقته وكنهه، ولنقر مثلا ما قاله غضبان الرومي في كتابه مذكرات مندائية يصف فيها هذا العيد: " في عيد الكرصة تبقى كل عائلة ستاً وثلاثين ساعة في بيتها لا تخرج الى غيرها. لم نكن نفهم المقصود من هذا العيد سوى انه العيد الكبير. فكانت كل عائلة تهتم بأفرادها فتشتري لهم ثياباً (دشاديش) جديدة، وزبنات (جمع زبون او صاية) واحذية جديدة. ونذبح قبل العيد بيوم خروفاً لعمل اللوفاني (غذاء ديني خاص يعمل للموتى)، ونخزن الماء في قدور وطشوت ونودع الحيوانات لدى الجيران من المسلمين لان لمسها يعد حراماً، وقبل العصر يذهب معظمنا للغطس بمياه النهر اما للطهارة او للنظافة. وفي اول ليلة من ذلك اليوم ندق القهوة ونعد الشاي وتبدأ كل عائلة بتقديم ما حضرت لافرادها من المأكل والمشرب وتتواصل المسرات حتى الفجر. في نهار اليوم الثاني يصبح الاولاد باكرين فيقبلون أيادي ابائهم وامهاتهم، ويبارك افراد العائلة بعضهم بعضاً بالقبل والتهاني ثم توزع على الذكور منهم الطرايين (وهي اوانٍ دائرية طينية ذات اقسام) فيأخذ كل واحد منهم طريانة تحتوي على الفاكهة واللوز والجوز والرمان وغيرها من المواد. ان العيد الكبير هو عيد رأس السنة عند الصابئة، وانني اشبه الطرايين وهداياها بهدايا بابا نوئيل عند المسيحيين في عيد رأس السنة. يخرج الفرد الصابئي من كرصته في اليوم التالي ويعايد اباه وامه قبل غيرهم ويقبل أياديهما ثم يعانق اخوته واخواته مهنئاً مباركاً. اما النسوة المصابات بنكبة بوفاة احد اقاربهن فيذهبن مبكرات الى المقبرة باكيات نادبات موتاهن ليعدن بعد الصباح الى الدور"

    واما من نصوص عبادة الملائكة الصريحة فنقرأ: "باسم الحي العظيم اسجد و أمجد و اسبح إلى ذلك المانا العظيم الخفي الأول الذي عاش تسعمائة و تسعة و تسعين الف روبان سنة في مسكنه الخاص وكيداغ إذ ما كان قد أتى له رفيق ابن من ذلك المانا العظيم الخفي الأول الذي كان فيه و كبر فيه ثم اسجد و أمجد و اسبح لتلك النطفة العظيمة الخفية الأولى التي منها كانوا إذ كانت منذ أربعمائة و أربعة و أربعين ألف روبان سنة في مسكنها الخاص وحيدة ما كان قد أتى لها رفيق ثم اسجد و أمجد و اسبح إلى ذلك الشار كفنا العظيم الأول الذي كان قربهم ثم اسجد و أمجد و اسبح إلى ذلك القبرون كفنا الخفي الأول الذي تكون منه 8880 روبان من الاثريين معهم و مع أولئك الاثريين كان ذلك الاثرا الذي يسمى برصوفا ربا ايقارا (السيماء العظيم ذو الوقار) و هو صغير إخوانه و كبير آبائه أعلن وأوضح و قال مندادهيي الاثرا الفطن كل رجل ناصورائي حيثما يجلس يثب و يقول مخلدون انتم أيها الحي الاول و يقطع الخبز المبارك المشورة ستكون له من بيت الحي العظيم و انا اتقوم بنور الحي العظيم و الحي المزكى امين"

    ومنه كذلك عبادة منداد هيي او (الملاك جبريل) وهو عندهم الذي يشفي المرضى ويحيي الموتى: "باسم الحي العظيم معظم النور السني مخرج السبت مساءا مدخل الأحد الأفضل لمخرج السبت مساءا ذهبت مرياي إلى باب المندي لطلب الصلاة و التسبيح للاثريين كل الأشرار حالما شاهدوا مرياي اعتراهم جميعا الغضب فتقلدوا السلاح و واجهوا مرياي و قالوا لها حلفناك يا مرياي بالقول و الثبات و الحق ثم حلفناك يا مرياي بالرجل الذي فطنتك كانت معه، الرجل الذي شاهدته عيناك ماذا يشبه، و كيف عمل ذلك؟ اقول لهم لتنقشعوا و اغربوا من قدامي أيها الزوار الأشرار فلن تنظروا إلى الحي و لن تشاهدوا ما شاهدت عيناي و لن تسمعوا ما سمعت اذناي فالرجل الذي شاهدته عيني لا يوجد مثله في العالم فهو يرفع مقلة عينه من ضفة إلى الضفة التي في طريقها للعالم موطئ قدم، الأرض المعمورة مبهورة بها لقد سمعه الموتى فحييوا و سمعه المرضى فتعافوا و سمعه المجذومون فشفوا و وقفوا و تعافوا بالعافية التي حلها فوقهم مندادهيي و الحي المزكي "

    وجاء عندهم كذلك، والملاك الخالق هذا هو أصل كل الحياة، اصل كل شيء !! " إنّ ملكا زيوا هو أصل كلّ شيء، منه تنبع أشعّة النّور والحياة ويمدُّ بها الشّمس والكواكب من خلال أربعة ملائكة يسكنون نجمة الشّعرى العبور، وهم: أَرْحُوم هيي وزِيوْ هيي وعين هيي وشُوْم هيي، ومن هؤلاء الأربعة جاءت قوّة شمش وحياتُه".
    .
    فسبحان الله على دقة ووثاقة وصدق علماء هذا الدين المسلمين، فما تركوا شاردة ولا واردة الا بينوها، وصدقوا حين قالوا ان هؤلاء الوثنيين يعبدون الملائكة، فما كان هذا كذبا منهم، وقد حاول الصابئة اخفاء تعاليمهم بل وترجموا كثيرا منها بين المسلمين ولم يُطلعوهم على تلك النصوص التي تثبت عبادة الملائكة، حتى تشكك كثيرون في كونها فُرية افتُريت عليهم في التاريخ الاسلامي!







    هل بعد ما سبق يُقال ان القبلة عند المندائيين لله؟

    فكل ما سبق عبادات لا تُقدم لله بل للملائكة، فماذا بقي؟ـ يقيت القبلة، فالقبلة وان زعموا انها توجه لبيت الرب الحي "هيي ربي" فهو عندهم كما يزعمون " يسكن في الشمال القاصي"، لكن يسكن هناك كذلك كل الملائكة والاثيريون، واليها صعد الابن الطيب هيبل زيوا حالق الحياة على الارض !!، ولذا فحين يجعلون هذه قبلتهم، ويسمونها ملكوت الحي، وعلامة الشمال عندهم هي النجم القطبي، فانهم لايزالون يتوجهون للملائكة شركا مع الله !! ..

    التأثر بالمسيحية والإسلام وامم الارض:

    ثم هم يقرون بوجود الجنة والنار، " ان كل من يقلب الحق مصيره النار". ولا نجد تفاصيل هذه الجنة والنار، كما هو الحال عند اليهود وسفر التكوين، وهم كذلك يؤمنون بالثنائيات في الكون ذكر وانثى، خير وشر، نور وظلام، يمين ويسار، ويرون ان النجوم الواكواكب تؤثر على البشر، وقد غيروا وكتبوا عقائدهم بناءا على تأثرهم بالاسلام وليس قبل الاسلام.

    وبرغم انهم ينفون نبوة المسيح ويكذبونه، الا انهم ياخذون اعتقادات من حولهم واما يتبنونها او يكذبونها، دون تمحيص او دراسة ومن ثمّ تُضاف في كتبهم !!، فهم يتهمون المسيح عليه السلام بانه دعا الى الالوهية، وهذا غير موجود حتى في الاناجيل، بل ويختلقون على لسانه حوارا مع يحيى، في كتاب منفصل!. وفي حين يكذبون المسيحية فانهم اخذوا عنهم تقديس يوم الاحد (شرف الشمس الوثني)، وفيه يعقد مراسيم الزاوج، وكل امرأة مقدمة على الزواج تُفحص عذريتها !!! ويدعون ان الزواج في يوم الاحد نفيا للتعدد، لان الله واحد احد، يبررون ( من الفكر الاسلامي) ما لا يعلمون له اصل .. واخذوا عن المسيحية كذلك عدم الختان، والتعميد، وان غيروا في طريقته، بل ونقلوا ما للمسيح الى يحيى، فزعموا ان يحيى هو من صعد الى السماء، وانه من كان يشفي الابرض والاعمى ويحيي الموتى!

    أما عن اسم اعظم نبي يعتقدون فيه فقد اخذوا الاسمين، الاسم المسيحي "يوحنا" والاسم الاسلامي "يحيى" وينادونه : " يهيى يوهنا"!!، نداء أعجمي لا يتفق والارامية، ولكن هكذا اخذوه عن التراجم الالمانية والانجليزية.!

    بل الاكثر من ذلك انهم يثبتون الولادة العزراوية للرجل الذي وجدت معه مريم حبلى، انه (الملاك جبريل) !!، الذي يشفي المرضى ويحيي الموتى، ومنه خرج يسوع المسيح !!: "كل الأشرار حالما شاهدوا مرياي اعتراهم جميعا الغضب فتقلدوا السلاح و واجهوا مرياي و قالوا لها حلفناك يا مرياي بالقول و الثبات و الحق ثم حلفناك يا مرياي بالرجل الذي فطنتك كانت معه، الرجل الذي شاهدته عيناك ماذا يشبه، و كيف عمل ذلك؟ اقول لهم لتنقشعوا و اغربوا من قدامي أيها الزوار الأشرار فلن تنظروا إلى الحي و لن تشاهدوا ما شاهدت عيناي و لن تسمعوا ما سمعت اذناي فالرجل الذي شاهدته عيني لا يوجد مثله في العالم فهو يرفع مقلة عينه من ضفة إلى الضفة التي في طريقها للعالم موطئ قدم، الأرض المعمورة مبهورة بها لقد سمعه الموتى فحييوا و سمعه المرضى فتعافوا و سمعه المجذومون فشفوا و وقفوا و تعافوا بالعافية التي حلها فوقهم مندادهيي و الحي المزكي "

    بل حتى الصليب يصيغون له عقيدة خاصة ويسمونه درفش (دربشا) يحيى او الضوء والنور،
    (دربشا) راية الصابئة المندائيين ورمزهم الديني

    (دربشا) راية الصابئة المندائيين ورمزهم الديني



    ومما يدل تاريخيا على ان تطور المعتقد مستمر لا يتوقف، نضرب المثل بالصيام، فهو عندهم اليوم محرم، اي لا يجوز الامتناع عن الطعام والشراب!! ، بينما نجد ابن النديم في القرن العاشر يصف الصوم عند المندائيين تأثرا بالاسلام بانه ثلاثين يوما، واليوم في العصر الحديث وبعد ترجمة الكتاب يُقررون انه محرم، وينكرونه ولا يؤمنون به!، وصار روحيا ويسمونه " الصوم الكبير /صوما ربا"، والذي يُحرم فيه ان تصوم !!، فلا يجوز ان تمتنع عن الطعام والشراب !!ّ، ومع ذلك فعندهم الصيام الصغير بالامتناع عن اكل ذي روح من اللحوم ويضيفون معها الاسماك !!

    ولما يكتفوا بنقل اساطير بابل والتوراة في قصة الخلق بل ان طراسة المندي منقول كما هو عن تكريس المعبد عند الاكاديين وذلك بعد النحاسة او الزلزال او الاعتداء، تقول البروفيسور اثيل دراور في كتابها "الصابئة المندائيون" ما يلي: "لقد اندهشت حقا و انا اقرأ الطقوس الاكدية "ثوررو دانجن" ( Thureau Dangin) التشابه بين طراسة المندي و طقوس الاكديين في تكريس المعبد بعد النحاسة او الزلزال او الاعتداء. لقد ترجم المؤلف عدة الواح مكتوبة توضح هذه المراسيم و فيها تظهر عدة مظاهر للطقوس المندائية و بخاصة في ذبح حيوان على فراش من قصب ، و في التلاوة عليه قبل تضحيته يرش الماء النقي و في الخوانات الثلاثة للطعام و اشعال النار، و في المناحة - قريبة من المسخثة - و في جلب الحبوب و الزيت و الطجين و الفاكهه و الاطعمة الاخرى، و في الماء فوق الخوانات..."


    متى كُتب نص كنزا ربا؟

    ليس عند المندائيين كتاب مقدس واحد، وانما مجموعة كتب اهمها هو كنزا (جينزا) ربا ويزعمون ان مؤلفه هو النبي آدم، وجينزا هي مجموعة من الكتابات الأسطورية، والنشيدية مقسمة إلى جينزا الأيمن (العالم المادي) وجينزا الايسر (العالم الآخر). يحتوي الايمن: على نثر يهتم بشكل أساسي بعالم البشر ، ويحتوي جينزا الايسر على شعر يهتم بشكل أساسي بمصير الأرواح. ويليه في الاهمية كتاب منسوب الى النبي يحيى وهو دراشة اديهيا، وباقي الكتب: الفلستا ويخص عقد الزواج، وكتاب النياني عبارة عن اناشيد دينية، وكتاب ادنشماثا ويتعلق بقوانين الدفن والجنائز، وكتاب تنجيم يختص بالنجوم والافلاك والتنبؤ بالمستقبل، وحجاب سحري يجعلونه كتابا يقولون من يحمله لا يؤثر فيه سيف او نار!!

    وفي الكتاب ما يدل على انها اضافات وُضعت في عصور متفاوتة قبل الاسلام وبعده، ويُعتقد ان معظم الكتاب قد كُتِب بعد الاسلام لا قبله كما يزعمون -بأن كاتبه هو ادم - ولا يمكن تأريخ أقدم ما فيه من معتقدات لما قبل القرن الثاني الميلادي، مما يُسقط نسبته إلى آدم عليه السلام، بل وعلامات الوضع الداخلية في النص نفسه كافية في نفي هذه النسبة. وما يُقال عن كنزا ربا، يُقال كذلك عن الكتاب المنسوب الى يحيى النبي وباقي الكتب.

    بالنسبة للمندائيين، لا يبدو أن الأدب المندائي (نصوص الكتب) يمثل لهم نظامًا واحدًا موحدًا من المعتقدات والطقوس، فبرغم قلة حجمه، فإن نص الأدب المندائي مرتبك ومتناقض مع نفسه ، ويتكون من أجزاء كثيرة تنتمي إلى فترات تاريخية مختلفة وتحتوي على عناصر تاريخية قديمة وعناصر تاريخية أخرى حديثة. حتى في الكتاب الواحد فإنه يمكننا العثور على العديد من الاعتقادات والأفكار الدينية التي لن تجد عناءا في ادراك، تناقضها مع بعضها البعض. ويمكننا أيضًا إيجاد مناهج مختلفة بين النصوص، والشخصيات في نفس هذه الكتب. في جزء واحد من الأدب يمكن ذكر شخصية أو مفهوم بشكل إيجابي ، ولكن في جزء آخر يعتبر نفس هذه الشخصية ممثلا للشر وقوة الظلام. لذلك ، غالبًا ما يكون من الصعب جدًا الحصول على صورة واضحة من هذه الأدبيات للأفكار والشخصيات الدينية.

    ونعطي بعض الأمثلة على هذه المشكلة:

    1 - في الأدب المندائي ، نجد أن اليهود والأفكار والشخصيات المرتبطة باليهودية مكروهة بشكل عام وتُعامل بعداء. فاليهود "أمة شريرة" وهم "قوى الظلام" ((جينزا ربا يمين، ص. 251). كما يُعتقد أنهم مصدر كل مشقة وخطيئة وتشويش وتجديف وخلاف (جينزا ربا يمين، ص.25). ويبدو أن السبب الرئيسي لكراهية المندائيين لليهودية هو الاعتقاد بأن اليهود اضطهدوا أسلافهم في القدس وقتلوا بعضهم وأجبروا البقية على الفرار من فلسطين. كما يعتبر الإله (أدوناي) وموسى شريرين، فمثلا يُنظر إلى أدوناي على أنه إله زائف أو شرير أو رجل دين ويتم ربطه بالشمس ، وبالتالي يوصف اليهود بأنهم عبدة الشمس ((جينزا ربا يمين، ص. 25، 43)). ويوصف موسى بأنه نبي كاذب وحاكم شرير اضطهد أسلاف المندائيين في القدس (جينزا ربا يمين، ص. 43، 46). لكن على النقيض تماما، نرى أحيانًا أخرى تصريحات إيجابية حول الشخصيات والمفاهيم اليهودية. عن أدوناي !! فنقرأ من ديوان حران كويثا : "واحبو - اي المندائيين- الرب ادوناي الى ان حدث ان في بيت اسرائيل خُلق شيء ما ولم يوضع في رحم مرياي بنت اسرائيل"، فانظر الى هذا التناقض مرة هو اله الشر ومرة هو اله محبوب يحبه المندائيون!

    2- ثم ان اخر انبيائهم هو يحي، وقد مات قبل ان يدعو المسيح اليهود ويؤسس معتقده بل وقبل صلبه، لكننا نقرأ من ديوان حران كويثا : " و حينها ادعوا أن أحدا لا يستطيع أن يضع حملا في رحم مرياي (مريم) بنت موسى - وفي مخطوطة اخرى ينت اسرائيل . لم يتحقق لهم ذلك بل استطاعت مريم أن تخفي عيسى (اشو) عن أنظار العالم في رحمها تسعة أشهر، و بعد انقضاء التسعة جاءها المخاض فولدت المسيح الذي بعد حين خرج و نادى لنفسه أمة و تكلم عن الموت و أخذ أسرار الوجبات الطقسية و استطاع أن يصوم عن الطعام و جمع أمة لنفسه و سمي (اشو مشيها) عيسى المسبح. و استطاع أن يغير كل شئ و يجعله مشابها لذاته لقد غير الكلمات و غير كل ماهو علوي و استطاع أن يغير و يعمل لنفسه أمة و سمي بالمتعمد (كرسطيانا) و من الناصرة مدينة اليهود التي سميت بمدينة المسبح ... " ديوان حران گويثا، ولادة المسيح، ص 2!، وهل كان يحيى هو ادم السماوي الذي صعد الى السماء؟، ثم هل يكون يسوع ابن المسيح بذلك هو اخو الحي هيبل زيوا؟!، وكيف يتسق هذا مع نقمتهم من دعوته الالوهية اذن وهم يعبدون ويسجدون لاخيه هيبل زيوا !

    3- ثم أن كتاب دراشة اد يهيا هو اهم من كتاب كنزا ربا، وهو لاعظم نبي عندهم واخر انبياءهم، وهو يحي يوحنا، لكن نجد ان هذا يكتبه يحيى عن نفسه: " الطيور و الأسماك تسجد إلى يهيا يهانا " فهل صار الها هو اخر وهل يعلمهم بالسجود للبشر؟!، بل لنكمل قراءة النص كاملا ونرى: هل يمكن ان يكون هذا القول منسوبا ليحيى؟ : " في هدوء الليالي يعظ يحيى و يقول: من قوة أحاديثي و تراتيلي توقف الماء في الجداول و القنوات. من فيض أحاديثي و تراتيلي سجدت طيور السماء و الأسماك و قالت : طوبى لك يا يحيى، و طوبى للخالق الذي سجدت له. ابتعدت نقيا ممتلئا بمعرفة الدنيا. يا يحيى، لم تستطع النساء أن يسقطنك في كيدهن، و لم يغضبنك بكلامهن، و ما استطاعت عطورهن و رياحينهن أن تنسيك ربك. يا يحي انك لم تعاقر الخمرة، و لم ترتكب فاحشة، و لم تجترح الضلالة في أورشليم. سموت، و جعلت عرشك طاهرا في بيت الكمال. و الحي المزكي "، فكيف كتب يحيى هذا عن نفسه؟ وكيف عرف بموته؟ ثم اي خالق هذا الذي سجد له؟ الم يخلقه الملاك (ملكا) هيبل زيوا؟

    4- ومن الاخطاء التاريخية المبنية عن النقل غير المدقق ممن حولهم، فقد اعتقدوا ان من بنى الهيكل هو موسى وليس سليمان !!، بل جعلوا موسى يصل الى اسوار اورشاليم ويبني البيت اول مرة، واورشاليم لم يكن لها وجود اصلا في زمان موسى !!، بل ولا بنى بيتا، بل كان الامر لداود وسليمان، فيقول الكاتب " خططت الروها(روح الظلام) و ادوناي لإعلاء شان البيت المتداعي فاسهبوا بالحديث عن النبي موسى و عن الروها و عن نبي إسرائيل و إعلاء شأنهم و قرروا بنيان البيت المتداعي الذي كان قد بناه موسى قبل ردح من الزمن الغابر، و بعد ذلك بدأوا يلسنون بالاقاويل الباطلة عن مجموعة انش أثرا رئيس الدارة و اباحوا قتل اتباعه و سفك دمائهم و لم يتبقى احد من تلاميذ انش أثرا و الناصورائيين، مما تسبب في غليان اليردنا و فروعه، فصعد انش أثرا إلى السماء مع ضوء درفش اباثر، مما أثار خوف الروها و اليهود الذين كانوا يعيشون في بيت السبعة، و بعث إليهم ادوناي مجموعة من العصي، بعد أن قال و قال عنها الكثير و أراهم نهر القصب، و شق لهم المياه الموجودة في نهر القصب، و جعلها كالهوة بين الجبلين جاعلا منها ممرا فعبرت بهم الروها نهر القصب (نهر النهاية) وقادت أبناءها و صنعت لهم قطع الأجر المقدس وأقامت لهم البناء، و أقاموا هيكلا، و جعلوه يعلو كل الهياكل، و اسكنت الروها اليهود لتجعلهم يخطئون و يرتكبون الحماقات، و هي تباركهم على كل ذلك. أحاطت الروها المدينة بثلاثة أسوار لا يشبه الآخر و باعدت بينها و وضعت علامات فوقها، و حصنت أورشليم ليسكنها اليهود. و لم يكن بمقدورهم الابتعاد عن الاسوار.... " ديوان حران گويثا ، ص 6.

    5- وهذا آدم كاتب الكنزا ربا، نبيهم الاول، لا يعرف من رماه الى الارض ويعترض على الهه فيقول: " أنا آدم مانا، النقيُّ الصالحُ الوَقور أنا ابنُ عالمِ النّور مَن الّذي رَماني، في هذا العالم الفاني؟ مَن وضَعَني في هذا الدِّثار، وأسكنَني مع الأشرار, بين الماءِ العَكرِ والنّار؟"، والعجيب ان آدم هذا الذي يُنسب الكتاب اليه فيما يبدوا نسي من انزله، او كونه كان سماويا متجسدا، في كلام سجعي سخيف يتعارض وحكمة الرب الاله!

    6- مثال آخر هو شخصية روحا (الروح القدس) ، "الشخصية الأكثر تعقيدًا في المندائية"، فهو (او هي كأنثى) مذكور ككائن شرير ، قوة الظلام في الأدب المندائي. هي أم الكواكب السبعة الشريرة وام الابراج الشمسية الاثنتي عشرة الشريرة. فهي رمز للظلام وتجلب الكوارث و الدمار والشر للعالم. وهي التي قادت الأنبياء الأشرار: إبراهيم والذي جعل للأصل اليهودي أمة، لتدمير أتباع النور والحياة في القدس، و هي أيضا التي ولدت أور. العملاق الشرير للعالم السفلي ، وجميع الكائنات الشريرة الأخرى مثل الشياطين، و الوحوش وما إلى ذلك، لذلك فهي تمثل عالم الظلام في مواجهة عالم النور والموت، والتشوه ضد الحياة ، والشر ضد الخير (جينزا ربا يمين، ص. 80، 81، 89). ثم فجأة في تحول فصامي عجيب يظهر الروح القدس يشد من ازر الروح التي كانت تخاطب الاله باكية، لانفصالها عن ابيها وتركها على الارض فيقول لها : "ثم جاء إيواث الروح القدس لي في أوكينتي وقال لي لماذا أنت موجود هناك ، دينانوخت؟ لماذا تحبين النوم؟ أنا الحياة التي كانت من البداية ، أنا الكوستا التي كانت حتى في اول البدايات. أنا الاحمرار ، أنا الإشراق ، أنا الاحمرار ، أنا الضوء. أنا الموت ، أنا الحياة ، أنا الظلام ، أنا النور"

    7- بل لا يكتفون بالتنقيص من ابراهيم وموسى وعيسى، بل ومحمد كذلك صلى الله عليهم وسلم، فيقول كتابهم: "حين يأتي أحمد بن الشيطان بزباط ويصرخ وهو ليس صراخ حقيقي، فإنه يجلب الشر في الدنيا ويأخذ كل النفوس إلى الضلال"

    8- ومن العجيب في فلسفتهم للصيام الاكبر انها منقولة كلها عن صون الشهوات والبعد عن المحرمات عند المسلمين، ويبدو ان الناقل لم يفطن الى تنقيح ما ينقل، فاعتقد انه يتحدث للمسلمين فيقول: "لأن الذي في قلبه بغض لا يعد مُسلما"، وهذا النص كاملا: " أمرناكم وعلمناكم كلكم أيها المؤمنون المختارون: صوموا الصوم الكبير، لا عن مأكل ومشرب هذه الدنيا. صوموا بأعينكم عن الغمز والرمز ولا تنظروا بسوء أو تعملوه. صوموا بآذانكم عن التنصت لأبواب غيركم. صوموا بأفواهكم عن قول الكذب والزيف والتأويل ولا تحبوا الأباطيل. صوموا بضمائركم عن ظنون السوء والبغض والفرقة، ولا تدعوها تحل أفئدتكم، لأن الذي في قلبه بغض لا يعد مُسلما ً. صوموا بأيديكم عن ارتكاب القتل وعن السرقة. صوموا باجسادكم عن معاشرة أزواج الآخرين. صوموا بركبكم عن السجود للشيطان وأصنام الزيف. صوموا بأرجلكم عن السعي في السوء."

    9- لكنه بعد قليل يقول: " أمرناكم ألا تؤمنوا به (نبي الزيف) وسبحوا لملك النور السامي رب العوالم كلها ذلك أنه - نبي الزيف- فرض على أتباعه أن يصموا أفواههم ويتركوا الأكل والشرب ولا يكتسوا بالأردية البيضاء"، ولا يُعرفنا آدم كاتب هذا الكتاب .. من هذا النبي الذي جاء قبله؟، وحض اهله على عبادة الله والصوم، أنسي أنه اول نبي على الارض؟!

    سبحان الله، أفلا يتدبرون القرآن؟
    وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا




    أما ماهي اقدم مخطوطات كتبهم؟!

    أين هو الادب المندائي؟، من المفترض ان المندائيين تحدثوا نوعا من الارامية الشرقية (السريانية)، والمخطوطات السريانية تملا الدنيا شرقا وغربا فيما يخص اليهود والنصارى بل والطوائف التي انقرضت، فاين المندائية من كل هذا ان كان لهم كتاب وان كانوا الاقدم على الاطلاق كما كزعموا؟، هل تواطأت الارض والسماء عليهم؟

    في حين أن أقدم المخطوطات السريانية الكلاسيكية تعود إلى القرن الخامس الميلادي ، بل وتحكي وتحفظ الكثير من مراحل الادب البابلي واليهودي والآرامي، وغيرها ممن لا وجود لهم اليوم، فإننا لا نجد اي شيء يتعلق بالمندائيين ما قبل القرن السادس عشر. الميلادي!!

    لكن يُقرر مترجوا الكتاب المندائي للعربي هذه الجملة: " جاء كتابنا محفوظا سليما عن طريق النسخ الدقيق، والمقارنة بين المخطوطات منذ عهد نبينا يحيى بن زكريا عليه وعلى جميع الأنبياء السلام"

    هل نحتاج فعلا ان نبحث عن دقة هذه العبارة؟ وهل يوجد مخطوطات لهذا الكتاب وحتى عهد يحيى عليه السلام؟
    اضغط على الصورة لعرض أكبر.   الإسم:	image.png  مشاهدات:	0  الحجم:	383.1 كيلوبايت  الهوية:	822119




    دون عناء البحثـ وكحقيقة مُسلّمة، فإن مصدر هذه الترجمة هو الترجمة الالمانية التي قام بها مارك ليدزبارسكي. بل والحقيقة انه لاجل إعداد قاموس جديد للمندائيين ، فقد قام علماء اللغات السامية (السريانية) بإجراء مسح تفصيلي لجميع مصادر المخطوطات المندائية المعروفة ، من الالف الى الياء وتم الحصول على صور للعديد من المخطوطات غير المعروفة سابقًا ودراستها، كمحاولة لجمع أكبر قدر من الادب المندائي. لكن العجيب أن أقدم مخطوطة على الاطلاق لهذه الديانة في المتحف الفرنسي ليست الكتاب المقدس المزعوم بل هي مخطوطة صلوات تعود للقرن السادس عشر الميلادي ومحفوظة في مكتبة بودليان، تحت اسم Marsh. 691، وهي عبارة عن تجميعات لصلوات كتبها كاتب اسمه ادم زهرون ومدون تاريخ كتابته لها سنة: 1529 م.

    أما الكتاب المنسوب للنبي الاول ادم " جينزا رابا" فإن اقدم مخطوطة لهذا الكتاب تعود للقرن السادس عشر كذلك ومحفوظة في المكتبة الوطنية بباريس تحت اسم " CS 1" ومدون عليها تاريخ كتابتها " 968 هجرية" ( 1560 م) ، ثم مخطوطة CS 2 وتعود للقرن السابع عشر الميلادي، ومدونة في عام 1042 هـ . ثم لا نجد الا مخطوطات تعود للقرن التاسع عشر وهي محفوظة في بريطانيا، وكلها تدعي انها منسوخة عن ادم زهرون السالف الذكر (القرن السادس عشر الميلادي) !!

    وأما عن نص المخطوطات التي تعود كلها بين القرن السابع عشر والقرن التاسع عشر، فقد ظهر للعلماء اختلافات ضخمة بين النصوص، من تنقيح وتغيير واضافات وحذف، وكل هذا في مخطوطات ذات مصدر واحد يعود للقرن السادس عشر.!

    ويمكن مراجعة تفاصيل المخطوطات من اطروحة جامعة تل ابيب التالية:
    New Manuscript Sources for the Study of Mandaic, Matthew Morgenstern Tel Aviv University


    وبالتالي فيتبين ان هذه الجملة عارية من الصحة، اقدم مخطوطات هذا الكتاب تاريخها منذ ثلاثة قرون فقط، أي بينها وبين يحيى عليها السلام 1700 عام على اقل نقدير !

    واما محاولة ترجمتها للعربية واسلمة النص بالكلمات او الجمل العربية الاسلامية والقرانية، فقد تمت لاول مرة منذ عشرين عاما فقط !!، في عام 2000 م، بصياغة عبدالرزاق عبدالواحد الادبية وهو شاعر عربي مندائي:
    اضغط على الصورة لعرض أكبر.   الإسم:	image.png  مشاهدات:	0  الحجم:	222.2 كيلوبايت  الهوية:	822118





    القصة الحقيقية لتأليف هذا الكتاب؟

    المتداول بين المؤرخين والباحثين، أنه كُتِب أثناء الفتح الاسلامي، في القرن السابع الهجري، حيث اراد المندائيون ان لا يُجبروا على التحول للاسلام، فألفوا هذا الكتاب حتى يُطلق عليهم " اهل كتاب"، فأعلن المندائيون أن جينزا هو كتابهم المقدس وأن يوحنا المعمدان هو نبيهم! ومع مرور الايام والقرون، ظل يُضاف الى هذا الكتاب ما يأتي في طريقهم من خرافات الشرق والغرب ونتف من هذا الدين وذاك، مع طعن في كل الانبياء، واصرار على تقديس وعبادة الملائكة، ويظل التوحيد شعارا يلوحون بها في وقت الشدائد حين يحتكون بالمسلمين.

    In the seventh century of the common era, during the Islamic conquest, the Mandaeans assembled the Ginza in order to gain ماركstatus as a "people of the book," allowed to resist conversion to Islam.
    ومن يبتغي غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين
    وللحديث بقية،



    1) اللیدى د راور، الصابئة المندائیون،الكتاب الآول، ترجمة :نعیم بدوى و غضبان الرومى، مطبعة الدیوانى،الطبعة الثانیة، (بغداد: ١٩٨٧ ) ص ٩.، خزعل الماجدى :المعتقدات الأرامیة،دار الشروق،(عمان : ٢٠٠٠ )ص ١٤٨
    ٢) رؤوف سبهاني،الصابئة المندائیة في ايران،دار المحجة البیضاء (دون مكان النشر والتاریخ) ) . ص ١٢
    ٣) عبدالرزاق محمد اسود، المدخل الى دراسة الأدیان والمذاهب ،الدار العربیة ) للموسوعات،الطبعة الثانیة،(بیروت: ١٩٨١ ) ج ١،ص ١١٥ .،محمد عبدالحمید الحمد، صابئة . حران وأخوان الصفا، الاهالي للطباعة والنشر والتوزیع (دمشق: ١٩٩٨ ) ص ٢٥
    ٤) أبن منظور،لسان العرب،تحقیق:عبدالله على الكبیر واخرین،دار المعارف ) . (القاهرة،د.ت)ج ٤ ص ٢٣٨٥
    ٥) الشهرستاني،الملل والنحل، قدم له وعلق حواشیه: د. صلاح الدین الهوارى،دار ومكتبة الهلال . (بیروت : ١٩٩٨ )، ج ٢،ص ١٣
    التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 11 ديس, 2020, 06:40 ص.
    "يا أيُّها الَّذٍينَ آمَنُوا كُونُوا قوَّاميِنَ للهِ شُهَدَاء بِالقِسْطِ ولا يَجْرِمنَّكُم شَنئانُ قوْمٍ على ألّا تَعْدِلوا اعدِلُوا هُوَ أقربُ لِلتّقْوى
    رحم الله من قرأ قولي وبحث في أدلتي ثم أهداني عيوبي وأخطائي
    *******************
    موقع نداء الرجاء لدعوة النصارى لدين الله .... .... مناظرة "حول موضوع نسخ التلاوة في القرآن" .... أبلغ عن مخالفة أو أسلوب غير دعوي .... حوار حوْل "مصحف ابن مسْعود , وقرآنية المعوذتين " ..... حديث شديد اللهجة .... حِوار حوْل " هل قالتِ اليهود عُزيْرٌ بنُ الله" .... عِلْم الرّجال عِند امة محمد ... تحدّي مفتوح للمسيحية ..... حوار حوْل " القبلة : وادي البكاء وبكة " .... ضيْفتنا المسيحية ...الحجاب والنقاب ..حكم إلهي أخفاه عنكم القساوسة .... يعقوب (الرسول) أخو الرب يُكذب و يُفحِم بولس الأنطاكي ... الأرثوذكسية المسيحية ماهي إلا هرْطقة أبيونية ... مكة مذكورة بالإسْم في سفر التكوين- ترجمة سعيد الفيومي ... حوار حول تاريخية مكة (بكة)
    ********************
    "وأما المشبهة : فقد كفرهم مخالفوهم من أصحابنا ومن المعتزلة
    وكان الأستاذ أبو إسحاق يقول : أكفر من يكفرني وكل مخالف يكفرنا فنحن نكفره وإلا فلا.
    والذي نختاره أن لا نكفر أحدا من أهل القبلة "
    (ابن تيْمِيَة : درء تعارض العقل والنقل 1/ 95 )

  • #2
    قال شيخ الاسلام ابن تيمية في هؤلاء:

    " وإذا كان معلوما بالإضطرار من دين الرسل كلهم أن الفلاسفة الصابئة الذين يعبدون الملائكة مع قولهم أنهم مخلوقون هم أسوأ حالا من أهل الكتاب اليهود والنصارى مع ما وصف الله به هؤلاء من المقالات الغالية من التجسيم والتعطيل وقد ذكر الله تعالى في كتابه العزيز عن اليهود أنهم قالوا يد الله مغلولة وأنهم قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء وذكر أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسه من لغوب لما قال من قال من اليهود أنه استراح يوم السبت فنزه نفسه عن أن يمسه لغوب وذكر قول النصارى أن المسيح هو الله وأنه ابن الله وأن الله ثالث ثلاثة. ومع هذا فالمشركون الذين يعبدون الملائكة أو غيرها أسوأ حالا من هؤلاء باتفاق المسلمين مع إقرارهم برب العالمين.."

    ويبين رحمه الله قول الصابئة المأخوذ عن اليونان في تسميتهم الملائكة اربابا وتقديم العبادة لهم فيقول: " لاريب أن تسمية هذه أربابا هو كلام اليونانيين وأمثالهم من المشركين فأنهم يصرحون في كتبهم بتسمية هذه المجردات التي يقولون أنها الملائكة أربابا وآلهة ويقولون هي الأرباب الصغرى والآلهة الصغرى وهؤلاء المتفلسفة الصابئة يعبدون الملائكة والكواكب، وأما الرسل وأتباعهم الموحدون فقد قال الله تعالى ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون"

    وما أروع عمقه واطلاعه رحمه الله في عقائدهم، حيث قال ايضا: " فالقرامطة الذين يضاهئون الصابئة الفلاسفة والمجوس الثنوية عطلوا وحرفوا الإيمان بالله وكذلك الإيمان باليوم الآخر وكذلك العمل الصالح حتى جعلوا ما جاءت به الشريعة من أسماء الأعمال إنما هي رموز وإشارات إلى حقائقهم كقولهم إن الصلاة معرفة أسرارنا والصيام كتمان أسرارنا والحج زيارة شيوخنا المقدسين وأمثال ذلك كان في كلام هؤلاء من التعطيل والتحريف للإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح ... ولهذا تجد المحقق منهم يستحل المحرمات من الخمر والفواحش"

    وفي نسبتهم الخليقة لغير الله، وجحودهم بان الله هو الخالق بما نسبوه لغيره من الملائكة، يقول ابن تيمية: " فإن جحود الصانع لم يكن دينًا غالبًا على أمة من الأمم قط، وإنما كان دين الكفار الخارجين عن الرسالة هو الإشراك، وإنما كان يجحد الصانع بعض الناس، وأولئك كان علماؤهم من الفلاسفة الصابئة المشركين، الذين يعظمون الهياكل والكواكب والأصنام، والأخبار المروية من نقل أخبارهم وسيرهم كلها تدل على ذلك".

    ويقول: "ثم هنا نفاقان : نفاق لأهل العلم والكلام، ونفاق لأهل العمل والعبادة؛ فأما النفاق المحض الذي لا ريب في كفر صاحبه، فألا يرى وجوب تصديق الرسول فيما أخبر به، ولا وجوب طاعته فيما أمر به، وإن اعتقد مع ذلك أن الرسول عظيم القدر ـ علما وعملاً ـ وأنه يجوز تصديقه وطاعته، لكنه يقول : إنه لا يضر اختلاف الملل إذا كان المعبود واحدًا، ويرى أنه تحصل النجاة والسعادة بمتابعة الرسول وبغير متابعته، إما بطريق الفلسفة والصبو، أو بطريق التهود والتنصر، كما هو قول الصابئة الفلاسفة، في هذه المسألة وفي غيرها، فإنهم وإن صدقوه وأطاعوه فإنهم لا يعتقدون وجوب ذلك على جميع أهل الأرض، بحيث يكون التارك لتصديقه وطاعته معذبًا، بل يرون ذلك مثل التمسك بمذهب إمام أو طريقة شيخ أوطاعة ملك، وهذا دين التتار ومن دخل معهم "

    ويقول: " وقد بينا في غير هذا الموضع أن هؤلاء الذين يقولون بقدم العالم وصدوره عن موجب بذاته هو علة تامة حقيقة قولهم أن الحوادث تحدث بلا محدث أصلا وأن حركة الفلك الحادثة شيئا بعد شيء ليس لها محدث أصلا وهم يقولون إنه متحرك حركة شوقية بقولهم في حركته من جنس قول القدرية في حركة الحيوان والقدرية أخرجوا فعل الحيوان أن يكون مخلوقا لله عز و جل وأثبتوا حادثا لا محدث له وهؤلاء الصابئة والفلاسفة أخرجوا حركة الفلك وجميع الحادثات من أفعال الحيوان وغيرها عن أن "

    وقال: " و الله تعالى لم يذكر في كتابه المشاهد بل ذكر المساجد فإنها خالصة له ..... و لم يذكر بيوت الشرك كبيوت الأصنام و المشاهد ولا ذكر بيوت النار لأن الصوامع و البيع لأهل الكتاب فالممدوح من ذلك ما كان مبنيا قبل النسخ و التبديل كما أثنى على اليهود و النصارى و الصابئين الذين كانوا قبل النسخ و التبديل يؤمنون بالله و اليوم الآخر و يعملون صالحا بخلاف بيوت الأصنام وبيوت النار و بيوت الصابئة المشركين كالذي يسمونه هيكل العلة الأولى هيكل العقل هيكل النفس و هيكل زحل هيكل المشتري هيكل المريخ هيكل الشمس هيكل عطارد هيكل الزهرة هيكل القمر فإن هذه البيوت ليس في أهلها مؤمن ولم يكن في أهلها عبادة أمر الله بها فبيوت الأوثان وبيوت النيران وبيت الكواكب و بيت المقابر لم يمدح الله شيئا منها ولم يذكر ذلك إلا في قصة من لعنهم النبي صلى الله عليه و سلم قال الله تعالى قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا فهؤلاء الذين اتخذوا مسجدا على أهل الكهف كانوا من النصارى الذين لعنهم النبي صلى الله عليه و سلم حيث قال لعن الله اليهود و النصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".

    وهم يعبدون الكواكب والملائكة ويسمونهم العقول والنفوس، ويجعلونها اربابا خالقة وواسطة بينهم وبين الله، فيقول عنهم وعن اخوان الصفا: " و من ذلك أن هؤلاء المشركين من الصابئة و نحوهم لما كانوا يعبدون الكواكب و الملائكة وربما سموها العقول و النفوس و جعلوها وسائط بين الله و بين خلقه و أهل التوحيد لا يعبدون إلا الله تعالى و يطيعون رسله الذين أمروا بعبادته وحده لا شريك له، فقالت الصابئة المشركون للحنفاء نحن نتخذ الروحانيين وسائط و أنتم تتخذون البشر وسائط فديننا أفضل من دينكم فأخذ يعارضهم طائفة من النظار كالشهرستاني في كتابه المعروف بالملل و النحل وغيره و يذكرون أن توسط البشر أولى من توسط الروحانيات العلوية و ناظروهم مناظرة يُعرف تقصيرهم فيها لأنهم بنوها على أصل فاسد وهو مقايسة وسائط المشركين بوسائط الموحدين الحنفاء وهذا جهل بدين الحنفاء فإن الحنفاء ليس بينهم وبين الله تعالى واسطة في العبادة و الدعاء و الاستعانة بل يناجون ربهم و يدعونه و يعبدونه بلا واسطة و إنما الرسل بلغتهمم عن الله تعالى ما أمر به و أحبه من العبادات و غيرها و ما نهى عنه فهم وسائط في التبليغ و الدلالة وهم مع المؤمنين كدليل الحاج مع الحجاج و كإمام الصلاة مع المصلين فالرسل صلوات الله عليهم و سلامه يعرفون الناس طريق الله تبارك و تعالى كما يعرف الدليل الحاج طريق مكة شرفها الله تعالى ثم الناس يعبدون الله تعالى كما أن الحجاج يقيمون مناسك الحج و الرسل أيضا يقتدى بهم في الأفعال التي يتأسى بهم فيها كما يقتدي المأمور بالإمام في الصلاة و كل مصل يعبد ربه منه إليه بلا واسطة و أولئك الصابئة من الفلاسفة غاية سعادة النفوس عندهم أن تصل إلى العقل الفعال و أصحاب رسائل إخوان الصفا صنفوا رسائلهم على أصول هؤلاء ممزوجة بما أخذوه من دين الحنفاء و أرادوا بزعمهم أن يجمعوا بين الحنفية و الصابئة فضلوا و أضلوا و أما الحنفاء فعندهم أنه ما من عبد إلا سيكلمه ربه ليس بينه و بينه حاجب ولا ترجمان و عندهم أن الملائكة عباد الله يفعلون ما أمرهم الله به و من أثبت أن دون الله تعالى روحا يكون مبدعا للعالم فهو أكفر عند الحنفاء من مشركي العرب فإن مشركي العرب كانوا يقرون بأن الله خالق كل شيء لا يثبتون دونه شيئا أبدع العالم ولما قال من قال منهم إن الملائكة بنات الله تعالى لم يجعلوا الملائكة مبدعة للعالم و أما هؤلاء الفلاسفة فيقولون إن الصادر الأول عن العقل الأول و إن كل ما سواه صادر عنه فالعقل الأول هو رب كل ما سوى الله تعالى عندهم و كذلك كل عقل هو مبدع ما سواه عندهم حتى ينتهي الأمر إلى العقل العاشر فهو عندهم مبدع ما تحت الفلك و معلوم أن المسلمين و اليهود و النصارى و مشركي العرب و غيرهم لا يجعلون أحدا دون الله أبدع كل ما تحت السماء وهؤلاء يجعلون الملائكة التي أخبرت بها الرسل هي العقول و النفوس التي زعموها و منهم من يجعل العقل الأول هو القلم و يجعل النفس هي اللوح و منهم من يحتج بالحديث الموضوع أول ما خلق الله العقل مع أنهم حرفوا لفظه فرووه أول بالضم و إنما لفظه أول ما خلق العقل قال له أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر وفي لفظ لما خلق الله العقل قال له ذلك فالحديث حجة على نقيض مذهبهم فكيف هو موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث وقد بسطت الكلام على هذه الأمور في موضع آخر وهذا قد يوجد في كلام أبي حامد وكثير من متأخري المتصوفة و المتكلمين أدخلوه في دين الحنفاء من دين المشركين حتى صنف بعضهم تصنيفا في ذلك مثل مصنف الرازي السر المكتوم في السحر و مخاطبة النجوم و آخرون صنفوا في الحروف و طبائعها و الدعاء بأسماء ذكروها "

    ويذكر تأريخ هؤلاء فيقول: " و أما الخروج عن الملة بالكلية إلى دعوى الكواكب و اتخاذ العلويات وسائط في العبادة كمقالات الفلاسفة فهذا ليس من دين اليهود و النصارى ولا فارس و الروم المتنصرة بل هو من فعل الروم الصابئة و المشركين كالفلاسفة الذين كانوا بمقدونية و غيرها وهؤلاء كانوا مشركين إلى أن دخل إليهم دين النصارى و آخر ملوكهم هو بطليموس صاحب المجسطي كان بعد المسيح عليه السلام بمدة قليلة و أما أرسطو فإنه كان قبل المسيح بأكثر من ثلاث مئة سنة فإنه كان في زمن الإسكندر بن فيلبس الذي تؤرخ به النصارى اليوم وكان بين المسيح و بين نبينا صلى الله عليه و سلم ست مئة سنة شمسية وست مئة و عشرين قمرية وكان هذا الإسكندر قبل المسيح بنحو من أربع مئة سنة و كانت الصابئة من النبط الذي بالعراق و الجزيرة كالبطائح و حران و غيرهما من الصابئة المشركين من أئمة الفلاسفة، إبراهيم الخليل بُعث إليهم. وفي مولده قولان قيل بالعراق وقيل بحران وهذا قول أهل الكتاب وكذلك هو في التوراة التي عندهم يقال إن قبر أبيه بسور حران وبها آثار الصابئة كالهياكل التي للعلة الأولى و العقل و النفس و الكواكب وما زال بها أكابرهم كثابت بن قرة وأمثاله ، وقد ذكر عبد اللطيف بن يوسف أن الفارابي كان قد تعلق بالفلسفة في بلاده فلما دخل حران وجد بها من الصابئة من أحكمها عليه و ابن سينا إنما حذق فيها بما وجده من كتب الفارابي ، فهؤلاء و أتباعهم حقيقة قولهم هو قول الصابئة المشركين الذين هم شر من مشركي العرب وهؤلاء عند من لا يقبل الجزية إلا من أهل الكتاب لا تؤخذ منهم الجزية إلا أن يدخلوا في دين أهل الكتاب و الناس لهم في تفسير الصابئة و أحكامهم اضطراب كثير ليس هذا موضعه و سبب ذلك أنهم أنواع مختلفة فكل طائفة تصف النوع الذي عرفته و الفلاسفة لا يجمعهم مذهب ولا يجتمعون على شيء بل هم أجناس يختلفون كثيرا "

    وقال عن الصابئة الحرانية: "وكان بحران أئمة هؤلاء الصابئة الفلاسفة بقايا أهل هذا الدين أهل الشرك ونفي الصفات والأفعال ولهم مصنفات في دعوة الكواكب كما صنفه ثابت بن قرة وأمثاله من الصابئة الفلاسفة أهل حران وكما صنفه أبو معشر البلخي وأمثاله وكان لهم بها هيكل العلة الأولى وهيكل العقل الفعال وهيكل النفس الكلية وهيكل زحل وهيكل المشتري وهيكل المريخ وهيكل الشمس وهيكل الزهرة وهيكل عطارد وهيكل القمر"

    وقال: "ولهذا كان الخليل إمام الحنفاء مخاطبا لهؤلاء الذين عبدوا الكواكب والشمس والقمر والذين عبدوا الأصنام مع إشراكهم واعترافهم بأصل الجميع وقد ذكر الله قصتهم في القرآن في غير موضع وأولئك هم الصابئون المشركون الذين ملكهم نمروذ وعلماؤهم الفلاسفة من اليونانيين وغيرهم الذين كانوا بأرض الشام والجزيرة والعراق وغيرها وجزائر البحر قبل النصارى وكانوا بهذه البلاد في أيام بني إسرائيل وهم الذين كانوا يقاتلون بني إسرائيل فيغلبون تارة ويُغلبون تارة وسنحاريب وبخت نصر ونحوهما هم ملوك الصابئة بعد الخليل والنمروذ الذي كان في زمانه فتبين بذلك ما في القرآن من الرد لمقالات المتقدمين قبل هذه الأمة والكفار والمنافقين فيها من إثبات الولادة لله وإن كان كثير من الناس لا يفهم دلالة القرآن على هذه المقالات لأن ذلك يحتاج إلى شيئين إلى تصور مقالتهم بالمعنى لا بمجرد اللفظ وإلى تصور معنى القرآن والجمع بينهما فتجد المعنى الذي عنوه قد دل القرآن على ذكره وإبطاله وأما اتحاد الولد فيفسر بعين الولادة وهو من باب الأفعال لا من باب الصفات كما يقوله طائفة من النصارى في المسيح".

    وقال: "وإنما الغرض التنبيه على ما يخاف على الأمة من موافقة الأمم قبلها إذ الأمر في هذا الحديث كما قاله رسول الله صلى الله عليه و سلم أصل هلاك بني آدم إنما كان التنازع في القدر وعنه نشأ مذهب المجوس القائلين بالأصلين النور والظلمة ومذهب الصابئة وغيرهم القائلين بقدم العالم ومذاهب كثير من مجوس هذه الأمة وغيرهم ومذاهب كثير ممن عطل الشرائع فإن القوم تنازعوا في علة فعل الله سبحانه وتعالى لما فعله فأرادوا أن يثبتوا شيئا يستقيم لهم به تعليل فعله بمقتضى قياسه سبحانه على المخلوقات فوقعوا في غاية الضلال إما بأن زعموا أن فعله ما زال لازما له وإما بأن زعموا أن الفاعل اثنان وإما بأن زعموا بأنه يفعل البعض والخلق يفعلون البعض وإما بأن ما فعله لم يأمر بخلافه وما أمر به لم يقدر خلافه وذلك حين عارضوا بين فعله وأمره حتى أقر فريق بالقدر وكذبوا بالأمر وأقر فريق بالأمر وكذبوا بالقدر حين اعتقدوا جميعا أن اجتماعهما محال وكل منهما مبطل بالتكذيب بما صدق به الآخر"

    وقال: "نهى عن الصلاة في هذا الوقت حسما لمادة المشابهة بكل طريق ويظهر بعض فائدة ذلك بأن من الصابئة المشركين اليوم ممن يظهر الإسلام يعظم الكواكب ويزعم أنه يخاطبها بحوائجه ويسجد لها وينحر ويذبح وقد صنف بعض المنتسبين إلى الإسلام في مذهب المشركين من الصابئة والبراهمة كتبا في عبادة الكواكب توسلا بذلك زعموا إلى مقاصد دنيوية من الرئاسة وغيرها وهي من السحر الذي كان عليه الكنعانيون الذين كان ملوكهم النماردة الذين بعث الله الخليل صلوات الله وسلامه عليه بالحنيفية وإخلاص الدين كله لله إلى هؤلاء المشركين فإذا كان في هذه الأزمنة من يفعل مثل هذا تحققت حكمة الشارع صلوات الله وسلامه عليه في النهي عن الصلاة في هذه الأوقات سدا للذريعة وكان في تنبيه على أن كل ما يفعله المشركون من العبادات ونحوها مما يكون كفرا أو معصية بالنية ينهى المؤمنون عن ظاهره وإن لم يقصدوا به قصد المشركين سدا للذريعة وحسما للمادة ومن هذا الباب أنه صلى الله عليه و سلم كان إذا صلى إلى عود أو عمود جعله إلى حاجبه الإيمن أو الأيسر ولم يصمد له صمدا ولهذا نهى عن الصلاة إلى ما عبد من دون الله في الجملة وإن لم يكن العابد يقصد ذلك ولهذا ينهى عن السجود لله بين يدي الرجل وإن لم يقصد الساجد ذلك لما فيه من مشابهة السجود لغير الله فانظر كيف قطعت الشريعة المشابهة في الجهات وفي الأوقات وكما لا يصلى إلى القبلة التي يصلون إليها كذلك لا يصلى إلى ما يصلون له بل هذا أشد فسادا فإن القبلة شريعة من الشرائع قد تختلف باختلاف شرائع الأنبياء أما السجود لغير الله وعبادته فهو محرم في الدين الذي اتفقت عليه رسل الله كما قال سبحانه وتعالى واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة تعبدون ".

    وقال: " و بالجملة فينبغي للعاقل أن يعلم أن قيام دين الله في الأرض إنما هو بواسطة المرسلين صلوات المرسلين صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين فلولا الرسل لما عبد الله وحده لا شريك له و لما علم الناس أكثر ما يستحقه سبحانه من الأسماء الحسنى و الصفات العلى و لا كانت له شريعة في الأرض و لا تحسبن أن العقول لو تركت و علومها التي تستفيدها بمجرد النظر عرفت الله معرفة مفصلة بصفاته و أسمائه على وجه اليقين فإن عامة من تكلم في هذا الباب بالعقل فإنما تكلم بعد أن بلغه ما جاءت به الرسل و استصغى بذلك و استأنس به سواء أظهر الانقياد للرسل أو لم يظهر و قد اعترف عامة الرؤوس منهم أنه لا ينال بالعقل علم جازم في تفاصيل الأمور الإلهية و إنما ينال به الظن و الحسبان. و القدر الذي يمكن العقل إدراكه بنظره فإن المرسلين صلوات الله و سلامه عليهم نبهوا الناس عليهم و ذكروهم به و دعوهم إلى النظر فيه حتى فتحوا أعينا عميا و آذانا صما و قلوبا غلفا و القدر الذي يعجز العقل عن إدراكه علموهم إياه و أنبأوهم به فالطعن فيهم طعن في توحيد الله و أسمائه و صفاته و كلامه و دينه و شرائعه و أنبيائه و ثوابه و عقابه و عامة الأسباب التي بينه و بين خلقه بل يقال : إنه ليس في الأرض مملكة قائمة إلا بنبوة أو أثر نبوة و إن كل خير في الأرض فمن آثار النبوات و لا يستريبن العاقل في هذا الباب الذين درست النبوة فيهم مثل البراهمة و الصابئة و المجوس و نحوهم فلاسفتهم و عامتهم قد أعرضوا عن الله و توحيده و أقبلوا على عبادة الكواكب و النيران و الأصنام و غير ذلك من الأوثان و الطواغيت فلم يبق بأيديهم لا توحيد و لا غيره، و ليست أمة مستمسكة بالتوحيد إلا أتباع الرسل قال الله سبحانه : { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا و الذي أوحينا إليك و ما وصينا به إبراهيم و موسى و عيسى أن أقيموا الدين و لا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه } [ الشورى : 13 ] . فأخبر أن دينه الذي يدعو إليه المرسلون كبر على المشركين فما الناس إلا تابع لهم أو مشرك و هذا حق لا ريب فيه فعلم أن سب الرسل و الطعن فيهم ينبوع جميع أنواع الكفر و جماع جميع الضلالات و كل كفر ففرع منه كما أن تصديق الرسل أصل جميع شعب الإيمان و جماع مجموع أسباب الهدى "

    وقال: "اصل الشرك من تعظيم القبور وعبادة الكواكب والشرك في بني آدم أكثره عن أصلين أولهما تعظيم قبور الصالحين وتصوير تماثيلهم للتبرك بها وهذا اول الاسباب التي بها ابتدع الادميون الشرك وهو شرك قوم نوح قال ابن عباس كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الاسلام وقد ثبت في الصحيح عن النبي ص - ان نوحا اول رسول بعث الى اهل الارض ولهذا لم يذكر الله في القرآن قبله رسولا فان الشرك إنما ظهر في زمانه وقد ذكر البخاري في صحيحه عن ابن عباس وذكره اهل التفسير والسير من غير واحد من السلف في قوله تعالى وقالوا لا تذرن الهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا نوح أن هؤلاء كانوا قوما صالحين في قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم وأن هذه الاصنام صارت الى العرب وذكر ابن عباس قبائل العرب التي كانت فيهم مثل هذه الاصنام والسبب الثاني عبادة الكواكب فكانوا يصنعون للاصنام طلاسم للكواكب ويتحرون الوقت المناسب لصنعة ذلك الطلسم ويصنعونه من مادة تناسب ما يرونه من طبيعة ذلك الكوكب ويتكلمون عليها بالشرك والكفر فتأتى الشياطين فتكلمهم وتقضى بعض حوائجهم ويسمونها روحانية الكواكب وهي الشيطان او الشيطانة التي تضلهم والكتاب الذي صنفه بعض الناس وسماه السر المكتوم في السحر ومخاطبة النجوم فان هذا كان شرك الكلدانيين والكشدانيين وهم الذين بعث إليهم الخليل صلوات الله عليه وهذا أعظم انواع السحر ولهذا قال النبي ص - في الحديث الذي رواه ابو داود وغيره من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد ولهذا صنف تنكلوشاه البابلي كتابه في درجات الفلك وكذلك شرك الهند وسحرهم من هذا مثل كتاب طمطم الهندي وكذلك ابو معشر البلغي له كتاب سماه مصحف القمر وكذلك ثابت بن قرة الحراني صاحب الزيج "

    وعن ان حران ارض الصابئة ويصلون للقطب الشمالي، يقول : "حران دار الصابئة فان حران كانت دار هؤلاء الصابئة وفيها ولد إبراهيم أو انتقل اليها من العراق على اختلاف القولين وكان بها هيكل العلة الاولى هيكل العقل الاول هيكل النفس الكلية هيكل زحل هيكل المشتري هيكل المريخ هيكل الشمس وكذلك الزهرة وعطارد والقمر وكان هذا دينهم قبل ظهور النصرانيه فيهم ثم ظهرت النصرانيه فيهم مع بقاء أولئك الصابئة المشركين حتى جاء الاسلام ولم يزل بها الصابئة والفلاسفة في دولة الاسلام الى آخر وقت ومنهم الصابئة الذين كانوا ببغداد وغيرها أطباء وكتابا وبعضهم لم يسلم ولما قدم الفارابي حران في اثناء المائة الرابعة دخل عليهم وتعلم منهم وأخذ عنهم ما أخذ من المتفلسفة وكان ثابت بن قرة قد شرح كلام ارسطو في الالهيات وقد رايته وبينت بعض ما فيه من الفساد فان فيه ضلالا كثيرا وكذلك كان دين اهل دمشق وغيرها قبل ظهور دين النصرانية وكانوا يصلون الىالقطب الشمالي ولهذا توجد في دمشق مساجد قديمة فيها قبله الى القطب الشمالي وتحت جامع دمشق معبد كبيرله قبلة الى القطب الشمالي كان لهؤلاء فان الصابئة نوعان صابئة حنفاء موحدون وصابئة مشركون فالاولون هم الذين اثنى الله عليهم بقوله تعالى ان الذين أمنوا والذين هادوا والنصرى والصبئين من امن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون البقرة فأثنى على من آمن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا من هذه الملل الاربع المؤمنين واليهود والنصارى والصابئين فهؤلاء كانوا يدينون بالتوراة قبل النسخ و التبديل و كذلك الذين دانوا بالانجيل قبل النسخ و التبديل و الصابئون الذين كانوا قبل هؤلاء كالمتبعين لملة ابراهيم امام الحنفاء صلى الله عليه وصلى الله على محمد وعلى ال محمد كما صلى على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انه حميد مجيد قبل نزول التوراة والانجيل وهذا بخلاف المجوس والمشركين فأنه ليس فيهم مؤمن فلهذا قال الله تعالى ان الذين امنوا والذين هادوا الصابئين والنصرى والمجوس والذين اشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة ان الله على كل شيء شهيد فذكر الملل الست هؤلاء واخبرانه يفصل بينهم يوم القيمة لم يذكر في الست من كان مؤمنا انما ذكر ذلك في الاربعة فقط ثم ان الصابئين ابتدعوا الشرك فصاروا مشركين والفلاسفة المشركون من هؤلاء المشركين اما قدماء الفلاسفة الذين كانوا يعبدون الله وحده لا يشركون به شيئا ويؤمنون بأن الله محدث لهذا العالم ويقرون بمعاد الابدان فأولئك من الصابئة الحنفاء الذين اثنى الله عليهم ثم المشركون من الصابئة كانوا يقرون بحدوث هذا العالم كما كان المشركون من العرب تقر بحدوثه وكذلك المشركون من الهند وقد ذكر اهل المقالات ان اول من ظهر عنه القول بقدمه من هؤلاء الفلاسفة المشركين هم ارسطو ",


    الصابئة وصواب التحقيق عنهم: " وهؤلاء الفلاسفة ارسطو وقومه كانوا مشركين يعبدون الاوثان ويبنون الهياكل للكواكب فليست حكمتهم من الحكمة التي اثنى الله عليها وعلى اهلها ومن كان من الفلاسفة الصابئة المشركين فهو من جنسهم واما الصابئون الحنفاء فهم في الصابئين بمنزلة من كان متبعا لشريعة التوراة والانجيل قبل النسخ والتبديل من اليهود والنصارى وهؤلاء ممن حمدهم الله واثنى عليهم وبعض الناس يقول ان بقراط كان من هؤلاء ووهب بن منبه من اعلم الناس بأخبار الامم المتقدمة وقد روى ابن ابي حاتم بالاسناد الثابت انه قيل لوهب بن منبه ما الصابئون قال الذي يعرف الله وحده وليست له شريعة يعمل بها ولم يحدث كفرا وكذلك روى عن الثورى عن ليث عن مجاهد قال هم قوم من المجوس واليهود والنصارى ليس لهم دين قال وروى عن علماء نحو ذلك أي ليس لهم شريعة مأخوذة عن نبي ولم يرد بذلك انهم كفار فان الله قد اثنى على بعضهم فهم متمسكون بالاسلام المشترك وهو عبادة الله وحده وايجاب الصدق والعدل وتحريم الفواحش والظلم ونحو ذلك مما اتفقت الرسل على ايجابه وتحريمه فان هذا دخل في الاسلام العام الذي لا يقبل الله دينا غيره وكذلك قال عبد الرحمن بن زيد هم قد يقولون لا اله الا الله فقط وليس لهم كتاب ولا نبي وهذا كما كانت العرب عليه قبل ان يبتدع عمرو بن لحي الشرك وعبادة الاوثان فانهم كانوا حنفاء يعبدون الله وحده ويعظمون ابراهيم واسماعيل ولم يكن لهم كتاب يقرؤنه ويتبعون شريعته وكان موسى قد بعث الى بني اسرائيل بشريعة التوراة وحج البيت العتيق ولم يبعث الى العرب لا عدنان ولد اسماعيل ولا قحطان والناس متفقون على ان عدنان ولد اسماعيل وربيعة ومضر واما قحطان فقال بعضهم هم ايضا من ولد اسماعيل والصحيح انهم كانوا موجودين قبل ابراهيم بأرض اليمن ومنهم جرهم الذين سكنوا مكة ومنهم تعلم اسماعيل العربية واما من قال من السلف الصابئون فرقة من اهل الكتاب يقرؤن الزبور كما نقل ذلك عن ابي العالية والضحاك والسدي وجابر بن يزيد والربيع ابن انس فهؤلاء ارادوا من دخل في دين اهل الكتاب منهم وكذلك من قال هم صنف من النصارى كما يروى عن ابن عباس انه قال هم صنف من النصارى وهم السائحون المحلقة اوساط رؤسهم فهؤلاء عرفوا منهم من دخل في اهل الكتاب ومن قال انهم يعبدون الملائكة كما يروي عن الحسن قال هم قوم يعبدون الملائكة وعن ابي جعفر الرازي قال بلغني ان الصابئين قوم يعبدون الملائكة ويقرؤن الزبور ويصلون فهذا ايضا صحيح وهم صنف منهم وهؤلاء كثير من الصابئين يعبدون الروحانيات العلوية لكن هؤلاء من المشركين منهم ليسوا من الحنفاء وكذلك اختلاف الفقهاء في الصابئين هل هم من اهل الكتاب ام لا ويذكر فيه عن احمد روايتان وكذلك قولان للشافعي والذي عليه محققوا الفقهاء انهم صنفان فمن دان بدين اهل الكتاب كان منهم والا فلا وقال ابو الزناد الصابئون قوم مما يلى العراق وهم يؤمنون بالنبيين كلهم ويصومون من كل سنة ثلاثين يوما ويصلون الى الشمس كل يوم خمس صلوات فهؤلاء الصابئة الذين ادركهم الاسلام وكانوا بأرض حران والذين خبروهم عرفوا انهم ليسوا من اهل الكتاب بل مشركون يعبدون الكواكب ولا يحل اكل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم وان اظهروا الايمان بالنبيين فهو من جنس ايمان الفلاسفة بالنبيين والفلاسفة الصابئون من هؤلاء واما قبول الجزية منهم فهو على خلاف المشهور فمن قبلها من غير اهل الكتاب كما يقبل من المجوس قبلها من هؤلاء وهذا مذهب مالك وابي حنيفة واحمد في احدى الروايتين ومن لم يقبلها الا من اهل الكتاب لم يقبلها من هؤلاء كما اذا لم يدخلوا في دين اهل الكتاب كما هو قول الشافعي واحمد في الرواية الاخرى عنه وكان ابو سعيد الاصطخري افتى بأن لا تقبل منهم الجزية ونازعه في ذلك جماعة من الفقهاء

    و كون ايمان الفلاسفة الصابئة كايمان المنافقين " وهذا كما ان كثيرا من الفلاسفة وغيرهم من الزنادقة يدخلون في دين المسلمين واليهود والنصارى من الشرائع الظاهرة وان لم يكونوا في الباطن مقرين بحقيقة ما جاءت به الانبياء كالمنافقين في المسلمين يجري عليهم احكام الاسلام في الظاهر وهم في الاخرة في الدرك الاسفل من النار فان قيل هؤلاء الفلاسفة يؤمنون بالله واليوم الاخر فانهم يقرون بواجب الوجود وبمعاد الارواح قيل النصارى خير منهم ومن اسلافهم وهم مع هذا لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق فلا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يعملون صالحا فكيف هؤلاء قال تعالى قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يد ينون دين الحق من الذين اوتوا الكتب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صغرون التوبة مع ان النصارى يقرون بمعاد الابدان لكن لما انكروا ما اخبر به الرسول من الاكل والشرب ونحو ذلك صاروا ممن لا يؤمن بالله واليوم الآخر وهؤلاء الفلاسفة لا يقرون بمعاد الابدان ولهم في معاد النفوس ثلاثة اقوال والثلاثة تذكر عن الفارابي نفسه انه كان يقول تارة هذا وتارة هذا وتارة هذا منهم من يقر بمعاد الانفس مطلقا ومنهم من يقول انما تعاد النفوس العالمة دون الجاهلة فان العالمة تبقى بالعلم فان النفس تبقى ببقاء معلومها والجاهلة التي ليس لها معلوم باق تفسد وهذا قول طائفة من اعيانهم ولهم فيه مصنفات ومنهم من ينكر معاد الانفس كما ينكر معاد الابدان وهو قول طوائف منهم وكثير منهم يقول بالتناسخ"

    فهل يصح انهم بهذا يؤمنون باليوم الاخر؟، يقول: " وليس شيء من ذلك ايمانا باليوم الاخر فان اليوم الاخر هو الذي ذكره الله في قوله تعالى ربنا انك جامع الناس ليوم لا ريب فيه ال عمران وقوله تعالى قل إن الأولينوالآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم الواقعة وقوله تعالى زعم الذين كفروا ان لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير فامنوا بالله ورسوله والنور الذي انزلنا والله بما تعملون خبير يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن التغابن وقوله تعالى واذا الرسل اقتت لاي يوم اجلت ليوم الفصل وما ادراك ما يوم الفصل ويل يومئذ للمكذبين الى قوله انطلقوا الى ما كنتم به تكذبون انطلقوا الى ظل ذي ثلث شعب لا ظليل ولا يغنى من اللهب انها ترمي بشرر كالقصر كأنه جملت صفر ويل يومئذ للمكذبين هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون ويل يومئذ للمكذبين هذا يوم الفصل جمعنكم والاولين فان كان لكم كيد فكيدون ويل يومئذ للمكذبين المرسلت وقوله تعالى ان في ذلك لاية لمن خاف عذاب الاخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وما نؤخره الا لاجل معدود يوم يأت لا تكلم نفس الا باذنه فمنهم شقي وسعيد هود وقوله ويل للمطففين الذين اذا اكتالوا على الناس يستوفون واذا كالوهم او وزنوهم يخسرون الا يظن اولئك انهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العلمين المطففين وفي الصحيح عن النبي ص - انه قال يوم يقوم الناس لرب العالمين يقوم احدهم في العرق الى انصاف اذنيه وقوله القارعة ما القارعة ومآ ادراك ما القارعة يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش القارعة وقوله فاذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الارض والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على ارجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمنية يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية الحاقة وقوله اذا متنا وكنا ترابا وعظاما انا لمبعثون او آبآؤنا الاولون قل نعم وانتم داخرون فانما هي زجرة واحدة فاذا هم ينظرون وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون احشروا الذين ظلموا وازواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم الى صراط الجحيم وقفوهم انهم مسئولون ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون الصافات وقوله تعالى سأل سآئل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج تعرج الملائكة والروح اليه في يوم كان مقداره الى قوله يوم تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن ولا يسئل حميم حميما يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه المعارج وقوله تعالى فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلقوا يومهم الذين يوعودن يوم يخرجون من الاجداث سراعا كأنهم الى نصب يوفضون خاشعة ابصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون وقوله فتول عنهم يوم يدع الداع الى شيء نكر خشعا ابصارهم يخرجون من الاجداث كأنهم جراد منتشر مهطعين الى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر وقوله تعالى فكيف تتقون يوما يجعل الولدان شيبا السماء منفطر به كان وعده مفعولا وقوله تعالى ان زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما ارضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكرى وما هم بسكرى ولكن عذاب الله شديد ومثل هذا في القران كثير فهولاء لا يؤمنون باليوم الاخر فلم يدخلوا في من مدح من الصابئين"

    بيان بعض ضلالات من معتقدات الفلاسفة الصابئة وان الله عندهم لا يعلم السر والنجوى، ولا يعلم شيئا عن العالم، وقد تركه لملائكته : " وايضا لأنبياء واتباعهم بل وجماهير الأمم متفقون على ان الله خلق السموات والأرض فهي محدثة بعد ان لم تكن وكذلك اساطين الفلاسفة والقول بقدمها هو عن ارسطو وشيعته ومن وافقهم فكيف يجوز ان يقال إن الحكمة التي امر الله نبيه ان يدعو الخلق بها هو هذا وايضا فحكمتهم غايتها تعديل اخلاق النفس لتستعد للعلم الذي هو كمالها وهذا من اقل ما جاء به الرسل ومن توابعه والمقصود بالعبادات التي امرت بها الرسل تكميل النفس بمحبة الله تعالى وتألهه فإن النفس لها قوتان علمية وعملية وهؤلاء جعلوا كمالها في العلم فقط ثم ظنوا ذلك هو العلم بالوجود المطلق حتى يصير الانسان عالما معقولا موازيا للعالم الموجود ومنهم من يقول النفس إنما تبقى ببقاء معلومها وهم يعتقدون بقاء الأفلاك والعقول والنفوس فجعلوا كمالها في العلم بالموجودات التي اعتقدوا بقاءها ومن تقرب الى الاسلام منهم يقول بل كمالها في العلم بواجب الوجود وهذا يشبه قول الجهم بن صفوان ومن وافقه في ان الايمان مجرد العلم بالله وقد بسطنا الكلام على هذا في غير هذا الموضع في جواب المسئلة الصفدية وغير ذلك وبينا انهم غلطوا من وجوه منها ظنهم ان كمال النفس في مجرد العلم ومنها ظنهم ان هذا الكمال يحصل بمعرفة امور كلية لا موجودات معينة ومنها ظنهم ان ما عندهم في الالهيات علم واكثر جهل ولهذا كان الغاية عندهم التشبه بالفلك ولهذا يصنف من يصنف منهم في الصلوة فليس المقصود منها عبادة الله ولا دعاؤه فانه لا يعلم الجزئيات عندهم ولا يميز بين المصلي وغير المصلي بل مقصود الصلوة هو العلم بالوجود المطلق الذي يزعمون انه كمال النفس والصلوة الظاهرة يطلب منها سياسة البدن ورياضته وانما قالوا ان يسأل القمر ويستعيذه فانه يدبر هذا العالم بواسطة العقل الفعال فهو عندهم الرب الذي يسأل ويستعاذ به ومنه فاضت العلوم على الانبياء وغيرهم وربما قالو المقصود بالصلوة تذكر الشرع الذي شرعه الشارع ليحفظ به القانون الذي شرعه لهم لمصلحة الدنيا كما يذكر ذلك ابن سينا وغيره وذلك انهم لا يثبتون ان الله يسمع كلام العباد ولا يرى افعالهم ولا يجيب دعاءهم بل الدعاء عندهم هو تصرف النفس في هيولي العالم فيحصل لها بما تهتم به من تجردها عن البدن نوع تجريد حتى تتصرف في هيولي العالم واما الرب تعالى فليس هو عندهم لا بكل شيء عليم ولا على كل شيء قدير ولا يعلم لا السر ولا النجوى ولا غير ذلك من احوال العباد ولا له ملئكة كثير ينزلون ويصعدون اليه عندهم ولا يصعد اليه لا الكلم الطيب ولا العمل الصالح وغاية الانفس عندهم ان تكون متصلة بالعقل الفعال الذي هو ربها عندهم لا تصعد الى الله واذا قالوا سعادة النفس ان تشهد الله وتراه فحقيقة ذلك عندهم هو العلم بما تصورته من الوجود المطلق او من وجود واجب الوجود وصاحب الكتب المضنون بها على غير اهلها اذا تكلم في رؤية الحق ورؤية وجهه في كتابه الاحياء او غيره قال هذا يعود مراده وهو معرفة النفس الناطقة بربها هذه هي الرؤية عندهم كما قد بين ذلك في غير موضع لان الاصول التي اعتقدوها من اقوال النفاة المعلطلة الجأتهم الى هذه العقائد الفاسدة كما قد بسط في موضعه فكيف تكون الحكمة العلمية التي امر الله بها ورسوله موافقة لحكمة هؤلاء "

    وعن ضلالهم في نفي علم الله وغيره من الصفات ورده : "ونحن قد بسطنا الكلام على فساد قولهم في العلم وغيره من الصفات وبينا اصولهم التي اوجبت ان قالوا مثل هذه الاقوال التي هي من اعظم الفرية على الله وبينا فسادها ولهذا لما تفطن ابو البركات لفساد قول ارسطو افرد مقالة في العلم وتكلم على بعض ما قاله في المعتبر وانتصف منه بعض الانتصاف مع ان الامر اعظم مما ذكره ابو البركات واعظم عمدهم في نفيه انه يستلزم التكثر والتغير ف التكثر يريدون به اثبات الصفات ثم ابن سينا وغيره اثبتوا علمه بنفسه وبلوازم نفسه معينا كالافلاك كليا كغيرها فيلزمهم ما فروا منه من تعدد الصفات وهم يقولون انه عاقل ومعقول وعقل وعاشق ومعشوق وعشق ولذيذ وملتذ ولذة وربما قالوا مبتهج وهي معان متعددة ثم يكابرون فيقولون العلم هو الحب وهو القدرة وهو اللذة فيجعلون كل صفة هي الصفة الاخرى ويزيدون مكابرة اخرى فيقولون العلم هو العالم والحب هو المحب والذة هو الملتذ فيجعلون الصفات عين الموصوف ولما راى الطوسي شارح الاشارات ما لزم صاحبها سلك طريقة اخرى جعل فيها العلم بالمعقولات هو نفس المعقولات مع انهم ليس لهم قط حجة على نفي الصفات الا ما تخيلوه من ان هذا تركيب وقد بينا فساده من وجوه كثيرة اما التغير فقالوا العلم بالمتغيرات يستلزم ان يكون علمه بأن الشيء سيكون غير علمه بأن قد كان فيلزم ان يكون محلا للحوادث وهم ليس عندهم على نفي هذه اللوازم حجة اصلا لا بينة ولا شبهة وانما نفوه لنفيهم الصفات لا لامر يختص بذلك بخلاف من نفي ذلك من الكلابية ونحوهم فانهم لما اعتقدوا ان القديم لا تقوم به الحوادث قالوا لانها لو قامت به لم يخل منها وما لم يخل من الحوادث فهو حادث وقد بين اتباعهم كالرازي والامدي وغيرهم فساد المقدمة الاولى التي يخالفهم فيها جمهور العقلاء ويقولون بل القابل للشيء قد يخلو عنه وعن ضده اما المقدمة الثانية فهي حجة المتكلمين الجهمية والقدرية ومن وافقهم من اهل الكلام على اثبات حدوث الاجسام باستلزامها للحوادث وقالوا ما لا يخلو عن الحوادث او ما لا يسبقها فهو حادث لبطلان حوادث لا اول لها وهو التسلسل في الاثار والفلاسفة لا يقولون بشيء من ذلك بل عندهم القديم تحله الحوادث ويجوزون الحوادث لا اول لها ولهذا كان كثير من اساطينهم ومتأخريهم كأبي البركات يخالفونهم في اثبات الصفات وقيام الحوادث بالواجب وقالوا لا خوانهم الفلاسفة ليس معكم حجة على نفي ذلك بل هذه الحجة اثبتموها من جهة التنزيه والتعظيم بلا حجة والرب لا يكون مدبرا للعالم الا بهذه القضية فكان من تنزيه الرب واجلاله تنزيهه عن هذا التنزيه واجلاله عن هذا الاجلال وللنظار في جوابهم عن هذا طريقان منهم من يمنع المقدمة الاولى ومنهم من يمنع الثانية فالاول جواب كثير من المعتزلة والاشعري واصحابه وغيرهم ممن ينفي حلول الحوادث فادعى هؤلاء ان العلم بأن الشيء سيكون هو عين العلم بأنه قد كان وان المتجدد انما هو نسبته بين المعلوم والعلم لا امر ثبوتي والثاني جواب هشام وابن كرام وابي الحسين البصري وابي عبد الله بن الخطيب وطوائف غير هؤلاء قالوا لا محذور في هذا وانما المحذور في ان لا يعلم الشيء حتى يكون فان هذا يستلزم انه لم يكن عالما وانه احدث بلا علم وهذا قول باطل"


    "يا أيُّها الَّذٍينَ آمَنُوا كُونُوا قوَّاميِنَ للهِ شُهَدَاء بِالقِسْطِ ولا يَجْرِمنَّكُم شَنئانُ قوْمٍ على ألّا تَعْدِلوا اعدِلُوا هُوَ أقربُ لِلتّقْوى
    رحم الله من قرأ قولي وبحث في أدلتي ثم أهداني عيوبي وأخطائي
    *******************
    موقع نداء الرجاء لدعوة النصارى لدين الله .... .... مناظرة "حول موضوع نسخ التلاوة في القرآن" .... أبلغ عن مخالفة أو أسلوب غير دعوي .... حوار حوْل "مصحف ابن مسْعود , وقرآنية المعوذتين " ..... حديث شديد اللهجة .... حِوار حوْل " هل قالتِ اليهود عُزيْرٌ بنُ الله" .... عِلْم الرّجال عِند امة محمد ... تحدّي مفتوح للمسيحية ..... حوار حوْل " القبلة : وادي البكاء وبكة " .... ضيْفتنا المسيحية ...الحجاب والنقاب ..حكم إلهي أخفاه عنكم القساوسة .... يعقوب (الرسول) أخو الرب يُكذب و يُفحِم بولس الأنطاكي ... الأرثوذكسية المسيحية ماهي إلا هرْطقة أبيونية ... مكة مذكورة بالإسْم في سفر التكوين- ترجمة سعيد الفيومي ... حوار حول تاريخية مكة (بكة)
    ********************
    "وأما المشبهة : فقد كفرهم مخالفوهم من أصحابنا ومن المعتزلة
    وكان الأستاذ أبو إسحاق يقول : أكفر من يكفرني وكل مخالف يكفرنا فنحن نكفره وإلا فلا.
    والذي نختاره أن لا نكفر أحدا من أهل القبلة "
    (ابن تيْمِيَة : درء تعارض العقل والنقل 1/ 95 )

    تعليق

    مواضيع ذات صلة

    تقليص

    المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
    ابتدأ بواسطة الحائر 2, 29 أغس, 2022, 12:21 ص
    ردود 0
    41 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة الحائر 2
    بواسطة الحائر 2
     
    ابتدأ بواسطة الراجية مغفرة ربها, 21 يول, 2022, 03:03 ص
    ردود 3
    44 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة د. نيو
    بواسطة د. نيو
     
    ابتدأ بواسطة عاشق طيبة, 2 ديس, 2021, 02:04 م
    ردود 2
    29 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة عاشق طيبة
    بواسطة عاشق طيبة
     
    ابتدأ بواسطة أكرمنى ربى بالاسلام, 9 فبر, 2021, 12:58 م
    ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 6 ديس, 2020, 09:44 م
    رد 1
    568 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
    يعمل...
    X