اِختلاف الفلاسفة

تقليص

عن الكاتب

تقليص

عادل خراط مسلم اكتشف المزيد حول عادل خراط
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اِختلاف الفلاسفة



    كان أساطين الفلاسفة و متقدموهم العارفون فيهم معظمين للرسل و الشرائع؛ موجبين لاتباعهم، خاضعين لأقوالهم ، معترفين بأن ما جاءوا به طور آخر وراء طور العقل، و أن عقول الرسل و حكمتهم فوق عقول العالمين و حكمتهم، و كانوا لا يتكلمون في الإلهيات و يسلمون باب الكلام فيها إلى الرسل، و يقولون : علومنا إنما هي الرياضيات و الطبيعيات و توابعها ،و كانوا يقرون بحدوث العالم، و قد حكى أرباب المقالات أن أول من عُرف عنه القول بقِدم هذا العالم أرسطو ،و كان مشركا يعبد الأصنام ،و له في الإلهيات كلام كله خطأ من أوله إلى آخره، و قد تعقبه بالرد عليه طوائف المسلمين حتى الجهمية و المعتزلة و القدرية و الرافضة و فلاسفة الإسلام أنكروه عليه ،و جاء فيه بما يسخر منه العقلاء.
    و أنكر أن يكون الله سبحانه يعلم شيئا من الموجودات، و قرر ذلك بأنه لو علم شيئا لكمل بمعلوماته و لم يكن كاملا في نفسه، و بأنه كان يلحقه التعب و الكلال من تصور المعلومات.
    فهذا غاية هذا المعلم و الأستاذ!!
    و قد حكى ذلك أبو البركات و بالغ في إبطال هذه الحجج و ردها.
    فحقيقة ما كان عليه هذا المعلم لأتباعه : الكفر بالله تعالى و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر، و درج على أثره أتباعه من الملاحدة ممن يتستر باتباع الرسل و هو منحل من كل ما جاءوا به؛ و أتباعه يعظمونه فوق ما يعظم به الأنبياء، و يرون عرض ما جاءت به الأنبياء على كلامه فما وافقه منها قبلوه و ما خالفه لم يعبئوا به شيئا.
    و يسمونه المعلم الأول لأنه أول من وضع لهم التعاليم المنطقية، كما أن الخليل بن أحمد أول من وضع عروض الشعر.
    و زعم أرسطو و أتباعه أن المنطق ميزان المعاني ؛كما أن العروض ميزان الشعر، و قد بين نُظّار الإسلام فساد هذا الميزان و عوجه و تعويجه للعقول و تخبيطه للأذهان، و صنفوا في رده و تهافته كثيرا ؛و آخِر من صنف في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ألّف في رده و إبطاله كتابين كبيرا و صغيرا، بين فيه تناقضه و تهافت فساد كثير من أوضاعه، و هناك مصنف لأبي سعيد السيرافي كذلك.

    و المقصود : أن الملاحدة درجت على أثر هذا المعلم الأول حتى انتهت نوبتهم إلى معلمهم الثاني : أبي نصر الفارابي ،فوضع لهم التعاليم الصوتية، كما أن المعلم الأول وضع لهم التعاليم الحرفية، ثم وسع الفارابي الكلام في صناعة المنطق و بسطها و شرح فلسفة أرسطو و هذبها و بالغ في ذلك، و كان على طريقة سلفه من الكفر بالله تعالى و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر، فكل فيلسوف لا يكون عند هؤلاء كذلك فليس بفيلسوف في الحقيقة، و إذا رأوه مؤمنا بالله و ملائكته و كتبه و رسله و لقائه متقيدا بشريعة الإسلام نسبوه إلى الجهل و الغباوة ،فإن كان ممن لا يشكون في فضيلته و معرفته نسبوه إلى التلبيس و التنميس بناموس الدين استمالة لقلوب العوام.
    فالزندقة و الإلحاد عند هؤلاء جزء من مسمى الفضيلة أو شرط.

    و لعل الجاهل يقول : إنا تحاملنا عليهم في نسبة الكفر بالله و ملائكته و كتبه و رسله إليهم، و ليس هذا من جهله بمقالات القوم و جهله بحقائق الإسلام ببعيد.
    فاعلم أن الله سبحانه و تعالى عما يقولون عندهم كما قرره أفضل متأخريهم و لسانهم و قدوتهم الذي يقدمونه على الرسل - أبو علي بن سينا - : هو الوجود المطلق بشرط الإطلاق، و ليس له عندهم صفة ثبوتية تقوم به و لا يفعل شيئا باختياره ألبتة ،و لا يعلم شيئا من الموجودات أصلا، و لا يعلم عدد الأفلاك و لا شيئا من المغيبات، و لا له كلام يقوم به و لا صفة.
    و معلوم أن هذا إنما هو خيال مقدر في الذهن لا حقيقة له، و إنما غايته أن يفرضه الذهن و يقدره كما يفرض الأشياء المقدرة، و ليس هذا هو الرب الذي دعت إليه الرسل و عرفته الأمم، بل بين هذا الرب الذي دعت إليه الملاحدة و جردته عن الماهية ؛و عن كل صفة ثبوتية و كل فعل اختياري، و أنه لا داخل العالم و لا خارجه، و لا متصل به و لا مباين له ،و لا فوقه و لا تحته، و لا أمامه و لا خلفه ، و لا عن يمينه و لا عن شماله، و بين رب العالمين و إله المرسلين من الفرق ما بين الوجود و العدم و النفي و الإثبات، فأي موجود فرض كان أكمل من هذا الإله الذي دعت إليه الملاحدة و نحتته أفكارهم، بل منحوت الأيدي من الأصنام له وجود؛ و هذا الرب ليس له وجود و يستحيل وجوده إلا في الذهن، هذا و قول هؤلاء الملاحدة أصلح من قول معلمهم الأول أرسطو، فإن هؤلاء أثبتوا وجودا واجبا و وجودا ممكنا هو معلول له و صادر عنه صدور المعلول عن العلة، و أما أرسطو فلم يثبته إلا من جهة كونه مبدأ عقليا للكثرة و علة غائية لحركة الفلك فقط ؛و صرح بأنه لا يعقل شيئا و لا يفعل باختياره، و أما هذا الذي يوجد في كتب المتأخرين من حكاية مذهبه فإنما هو من وضع ابن سينا ،فإنه قرب مذهب سفَلة الملاحدة من دين الإسلام بجهده، و غاية ما أمكنه أن قربه من أقوال الجهمية الغالين في التجهم فهم في غلوهم في تعطيلهم و نفيهم أسَدُّ مذهبا و أصح قولا من هؤلاء.
    فهذا ما عند هؤلاء من خبر الإيمان بالله عز و جل.

    و أما الإيمان بالملائكة فهم لا يعرفون الملائكة و لا يؤمنون بهم ،و إنما الملائكة عندهم ما يتصوره النبي بزعمهم في نفسه من أشكال نورانية هي العقول عندهم، و هي مجردات ليست داخل العالم و لا خارجه، و لا فوق السماوات و لا تحتها، و لا هي أشخاص تتحرك و لا تصعد و لا تنزل و لا تدبر شيئا و لا تتكلم، و لا تكتب أعمال العبد و لا لها إحساس و لا حركة ألبتة ، فلا تقبض نفس العبد و لا تكتب رزقه و أجله و عمله ،و لا عن اليمين و لا عن الشمال قعيد، كل هذا لا حقيقة له عندهم ألبتة، و ربما تقرب بعضهم إلى الإسلام فقال : الملائكة هي القوى الخيرة الفاضلة التي في العبد، و الشياطين هي القوى الشريرة الرديئة، هذا إذا تقربوا إلى الإسلام و إلى الرسل.

    و أما الكتب فليس لله عندهم كلام أنزله إلى الأرض بواسطة المَلك ،فإنه ما قال شيئا و لا يقول؛ و لا يجوز عليه الكلام، و من تقرب منهم إلى المسلمين يقول : الكتب المنزلة فيض فاض من العقل الفعال على النفس المستعدة الفاضلة الزكية، فتصورت تلك المعاني و تشكلت في نفسه بحيث توهمها أصواتا تخاطبه، و ربما قوي الوهم حتى يراها أشكالا نورانية تخاطبه ،و ربما قوي ذلك حتى يخيلها لبعض الحاضرين فيرونها و يسمعون خطابها؛ و لا حقيقة لشيء من ذلك في الخارج.

    و أما الرسل و الأنبياء؛ فللنبوة عندهم ثلاث خصائص من استكملها فهو نبي :
    * أحدها : قوة الحدس بحيث يدرك الحد الأوسط بسرعة.
    * الثانية : قوة التخيل و التخييل بحيث يتخيل في نفسه أشكالا نورانية تخاطبه و يسمع الخطاب منها و يخيلها إلى غيره.
    * الثالثة : قوة التأثير بالتصرف في هيولي العالم، و هذا يكون عندهم بتجرد النفس عن العلائق و اتصالها بالمفارقات من العقول و النفوس المجردة.
    و هذه الخصائص تحصل بالإكتساب، و لهذا طلب النبوة من تصوف على مذهب هؤلاء كابن سبعين و ابن هود و أضرابهما ،و النبوة عند هؤلاء صنعة من الصنائع بل من أشرف الصنائع كالسياسة؛ بل هي سياسة العامة ،و كثير منهم لا يرضى بها؛ و يقول : الفلسفة نبوة الخاصة ،و النبوة فلسفة العامة.

    و أما الإيمان باليوم الآخر فهم لا يقرون بانفطار السماوات و انتثار الكواكب و قيامة الأبدان، و لا يقرون بأن الله خلق السماوات و الأرض في سنة أيام و أوجد هذا العالم بعد عدمه.

    فلا مبدأ عندهم و لا معاد و لا صانع و لا نبوة و لا كتب نزلت من السماء تكلم الله بها، و لا ملائكة تنزلت بالوحي من الله تعالى، فدين اليهود و النصارى بعد النسخ و التبديل خير و أهون من دين هؤلاء.
    و حسبك جهلا بالله تعالى و أسمائه و صفاته و أفعاله من يقول : إنه سبحانه لو علم الموجودات لحقه الكلال و التعب و استكمل بغيره، و حسبك خذلانا و ضلالا و عمى السير خلف هؤلاء و إحسان الظن بهم ،و أنهم أوّلوا العقول، و حسبك عجبا من جهلهم و ضلالهم ما قالوه في سلسلة الموجودات و صدور العالم عن العقول و النفوس إلى أن أنهوا صدور ذلك إلى واحد من كل جهة لا علم له بما صدر عنه و لا قدرة له عليه، و لا إرادة ؛و أنه لم يصدر عنه إلا واحد فذلك الصادر إن كان فيه كثرة بوجه ما فقد بطُل ما أصّلوه، و إن لم يكن فيه كثرة ألبتة لزم أن لا يصدر عنه إلا واحد مثله، و تكثر الموجودات و تعددها يكذب هذا الرأي الذي هو ضحكة للعقلاء و سخرية لأولي الألباب، مع أن هذا كله من تخليط ابن سينا و إرادته تقريب هذا المذهب من الشرائع.
    و هيهات!! و إلا فالمعلم الأول لم يثبت صانعا للعالم ألبتة. فالرجل معطل مشرك جاحد للنبوات و المعاد ،لا مبدأ عنده و لا معاد، و لا رسول و لا كتاب.
    و الرازي و فروخه لا يعرفون من مذاهب الفلاسفة غير طريقه.

    و مذاهبهم و آراؤهم كثيرة جدا قد حكاها أصحاب المقالات؛ كالأشعري في مقالاته الكبيرة، و أبي عيسى الوراق و الحسن بن موسى النوبختيين، و أبو الوليد بن رشد يحكي مذهب أرسطو غير ما حكاه ابن سينا و يغلطه في كثير من المواضع، و كذلك أبو البركات البغدادي يحكي نفس كلامه على غير ما يحكيه ابن سينا.

    طبع و ختم : عادل خراط.​​​


  • #2
    السوفسطائية هم أتباع (بروتاجوراس) الفيلسوف اليوناني الذي قال بالشك على عهد سقراط، و السفسطة ضد الثبات في المعاني؛ و مع النسبية،و هم قوم يُنسبون حقيقة إلى رجل يقال له (سوفسطا).
    انقسمت هذه الفرقة إلى ثلاثة فِرق :
    * العنادية : و هم الذين أنكروا حقائق الأشياء؛ و قالوا بأنها وهم لا حقيقة.
    * اللا أدرية : و هم الذين يقولون بالشك المطلق؛ و أن الشيء ثابت و غير ثابت، و دواء هذا اللا أدري أن تضربه على رأسه فيتأوه فعندئذ يعلم بأنه لا وهم.
    * العندية : و هم القائلون بالنسبية في المعاني، فالكذب حق عندي و باطل عندك، و هكذا حسبما تبرره الغاية.

    هؤلاء زعموا أن الأشياء لا حقيقة لها، و أن ما يستبعده يجوز أن يكون على ما نشاهده، و يجوز أن يكون على غير ما نشاهده.

    سؤال لهؤلاء :
    لمقالتكم هذه حقيقة أم لا ؟!
    ١- فإن قلتم : لا حقيقة لها و جوزتم عليها البطلان؛ فكيف يجوز أن تدعو إلى ما لا حقيقة له؟!
    فكأنما تقرون بهذا القول أنه لا يحل قبول قولكم.
    ٢- و إن قلتم : لها حقيقة، فقد تركتم مذهبكم.

    رأيت كثيرا من المتكلمين قد غلطوا في أمر هؤلاء غلطا بينا؛ لأنهم ناظروهم و جادلوهم و راموا بالحِجاج و المناظرة الرد عليهم ،و هم لم يثبتوا حقيقة و لا أقروا بمشاهدة.
    كيف تكلم من يقول : لا أدري أيُكلمني أم لا ؟!
    و كيف تناظر من يزعم أنه لا يدري أموجود هو أم معدوم؟!
    و كيف تخاطب من يدعي أن المخاطبة بمنزلة السكوت في الإبانة و أن الصحيح بمنزلة الفاسد ؟!
    إنما يناظر من يقر بضرورة أو يعترف بأمر فيجعل ما يقر سببا إلى تصحيح ما يجحده، فأما من لا يقر بذلك فمجادلته مطروحة.

    رد على كلامهم أبو الوفاء بن عقيل فقال :" إن أقواما قالوا : كيف نكلم هؤلاء و غاية ما يمكن المجادل أن يقرب المعقول إلى المحسوس؛ و يستشهد بالشاهد فيستدل به على الغائب ،و هؤلاء لا يقولون بالمحسوسات فبم يكلمون؟ قال : و هذا كلام ضيق العطن، و لا ينبغي أن يوئِس من معالجة هؤلاء؛ فإن ما اعتراهم ليس أكثر من الوسواس، و لا ينبغي أن يضيق عطننا عن معالجتهم، فإنهم قوم أخرجتهم عوارض انحراف مزاج؛ و ما مَثلنا و مثلهم إلا كرجل رُزق ولدا أحول فلا يزال يرى القمر بصورة قمرين، حتى إنه لم يشك أن في السماء قمرين، فقال له أبوه : القمر واحد، و إنما السوء في عينيك، غض عينك الحولاء و انظر، فلما فعل قال : أرى قمرا واحدا لأني عصبت إحدى عيني فغاب أحدهما؛ فجاء من هذا القول شبهة ثانية، فقال أبوه : إن كان ذلك كما ذكرت فغض الصحيحة ففعل فرأى قمرين؛ فعلم صحة ما قال أبوه ".

    مات ابن لصالح بن عبد القدوس، فمضى إليه أبو الهُذيل و معه النّظام و هو غلام حدث كالمتوجع له، فرآه منحرفا فقال له أبو الهذيل : لا أعرف لجزعك وجها إذا كان الناس عندك كالزرع.
    فقال له صالح : يا أبا الهذيل!! إنما أجزع عليه لأنه لم يقرأ كتاب الشكوك.
    فقال له أبو الهذيل : و ما كتاب الشكوك؟!
    قال : هو كتاب وضعتُه؛ من قرأه يشك فيما قد كان حتى يتوهم أنه لم يكن، و فيما لم يكن حتى يظن أنه قد كان.
    فقال له النّظام : فشُكّ أنت في موت ابنك و اعمل على أنه لم يمت، و إن كان قد مات فشُك أيضا في أنه قد قرأ الكتاب و إن كان لم يقرأه.

    حكى أبو القاسم البلخي أن رجلا من السوفسطائية كان يختلف إلى بعض المتكلمين فأتاه مرة فناظره، فأمر المتكلم بأخذ دابته، فلما خرج لم يرها ،فرجع فقال : سُرقت دابتي ،فقال : ويحك!! لعلك لم تأت راكبا، فقال : بلى ! قال : فكر ،قال : هذا أمر أتيقنه، فجعل يقول له تذكر، فقال : ويحك! ويحك! ما هذا موضع تذكر؛ أنا لا أشك أنني جئتُ راكبا، قال : فكيف تدعي أنه لا حقيقة لشيء؛ إن حال اليقظان كحال النائم؟!
    فوجم السوفسطائي و رجع عن مذهبه.

    و زعمت فرقة من المتجاهلين أنه ليس للأشياء حقيقة واحدة في نفسها، بل حقيقتها عند كل قوم على حسب ما يعتقد فيها، فإن العسل يجده صاحب المرة الصفراء مرا، و يجده غيره حلوا.
    قالوا : و كذلك العالَم قديم عند من اعتقد قِدمه، محدَث عند من اعتقد حدوثه، و اللون جسم عند من اعتقده جسما، و عرض عند من اعتقده عرضا.
    قالوا : فلو توهمنا عدم المعتقدين وقف الأمر على وجود من يعتقد.
    و هؤلاء هم الفلاسفة من جنس السوفسطائية.

    نقول لهم : أقولكم صحيح؟!
    سيقولون : هو صحيح عندنا باطل عند خصمنا.
    نقول لهم : دعواكم صحة قولكم مردودة؛ و إقراركم بأن مذهبكم عند خصمكم باطل شاهد عليكم، و من شهد على قولهم بالبطلان من وجه فقد كفى خصمه بتبيين فساد مذهبه.

    نقول لهم : أتُثبتون للمشاهدة حقيقة؟!
    ١- فإن قالوا : لا! لحقوا بالأولين.
    ٢- و إن قالوا : حقيقتها على حسب الإعتقاد؛ فقد نفوا عنها الحقيقة في نفسها و صار الكلام معهم كالكلام مع الأولين.

    منهم من قال : إن العالَم في ذوب و سيلان.
    و منهم من قال : لا يمكن الإنسان أن يتفكر في الشيء الواحد مرتين لتغير الأشياء دائما.
    قلتُ : كيف علم هذا و قد أنكرتم ثبوت ما يوجب العلم؟! و ربما كان أحدكم الذي يجيبه الآن غير الذي كلمه.

    ⛔ بعض المراجع للإستزادة :

    ١- الآراء و الديانات لأبي محمد الحسن بن موسى النوبختي.
    ٢- مدخل إلى دراسة علم الكلام للدكتور حسن الشافعي.
    ٣- التعريفات للجرجاني.
    ٤- تلبيس إبليس للإمام جمال الدين ابن الجوزي.

    تعليق


    • #3
      لقد أوهم اللعين خلقا كثيرا أنه لا إله و لا صانع ،و أن هذه الأشياء كانت بلا مكون، و هؤلاء لما لم يدركوا الصانع بالحس و لم يستعملوا في معرفته العقل جحدوه.
      و هل يشك ذو عقل في وجود صانع؟!

      فإن الإنسان لو مر بقاع ليس فيه بنيان؛ ثم عاد فرأى حائطا مبنيا علم أنه لابد له من بانٍ بناه.
      فهذا المهاد الموضوع، و هذا السقف المرفوع، و هذه الأبنية العجيبة، و القوانين الجارية على وجه الحكمة؛ أما تدل على صانع؟!

      و ما أحسن ما قال بعض العرب : إن البعرة تدل على البعير.
      فهيكل علوي بهذه اللطافة، و مركز سفلي بهذه الكثافة أما يدلان على اللطيف الخبير؟!

      ثم لو تأمل الإنسان نفسه لكفت دليلا ؛و لشفت غليلا، فإن في هذا الجسد من الحكم ما لا يسع ذكره في أسطر فايسبوكية.

      من تأمل تحديد الأسنان لتقطع، و تقريض الأضراس لتطحن ،و اللسان يقلب الممضوغ و تسليط الكبد على الطعام ينضجه، ثم ينفذ إلى كل جارحة قدر ما تحتاج إليه من الغذاء.

      هذه الأصابع التي هُيئت فيها العُقل لتُطوى و تنفتح، فيمكن العمل بها، و لم تُجوَّف لكثرة عملها ،إذ لو جُوِفت لصدمها الشيء القوي فكسرها ،و جعل بعضها أطول من بعض لتستوي إذا ضُمت.

      و أخفى في البدن ما فيه قوامه، و هي النفس ؛التي إذا ذهبت فسُد العقل الذي يرشد إلى المصالح.

      و كل شيء من هذه الأشياء ينادي : أفي الله شك؟!
      و إنما يخبط الجاحد لأنه طلبه من حيث الحس.

      و من الناس من جحده لأنه لما أثبت وجوده من حيث الجملة لم يدركه من حيث التفصيل؛ فجحد أصل الوجود ،و لو أعمل هذا فكره لعلم أن لنا أشياء لا تُدرك إلا جملة كالنفس و العقل ،و لم يمتنع أحد من إثبات وجودهما.
      و هل الغاية إلا إثبات الخلق جملة ؟!
      و كيف يُقال : كيف هو أو ما هو؟
      و لا كيفية له و لا ماهية.

      و من الأدلة القطعية على وجود أن العالَم حادث بدليل أنه لا يخلو من الحوادث، و كل ما لا ينفك عن الحوادث حادث، و لا بد لحدوث هذا الحادث من مسبب؛ و هو الخالق سبحانه.

      و للملحدين اعتراض يتطاولون به على قولنا : لابد للصنعة من صانع؛ فيقولون : إنما تعلقتم في هذا بالشاهد و إليه تقاضيكم.
      فنقول : كما أنه لابد للصنعة من صانع، فلا بد للصورة الواقعة من الصانع من مادة تقع الصورة فيها، كالخشب لصورة الباب، و الحديد لصورة الفأس.
      قالوا : فدليلكم الذي تثبتون به الصانع يوجب قِدم العالم.
      فالجواب : أنه لا حاجة بنا إلى مادة، بل نقول : إن الصانع اخترع الأشياء اختراعا، فإنا نعلم أن الصور و الأشكال المتجددة في الجسم مصورة الدولاب ليس لها مادة، و قد اخترعها و لابد لها من مصور. فقد أريناكم صورة و هي شيء جاءت لا من شيء و لا يمكنكم أن ترونا صنعة جاءت لا من صانع.

      تعليق


      • #4
        لما رأى الشيطان قلة موافقته على جحد الصانع لكون العقول شاهدة بأنه لابد للمصنوع من صانع؛ حسّن لأقوام أن هذه المخلوقات فِعل الطبيعة.
        و قالوا : ما من شيء يُخلق إلا من اجتماع الطبائع الأربع فيه.
        هؤلاء هم الطبائعيون؛ نسبة إلى الطبائع الأربعة : التراب و الماء و النار و الهواء، و يعتقدون أنها أصول كل شيء، و دل على أنها الفاعلة.

        قلتُ: اجتماع الطبائع دليل على وجودها لا على فعلها، ثم قد ثبت أن الطبائع لا تفعل إلا باجتماعها و امتزاجها ،و ذلك يخالف طبيعتها؛ فدل على أنها مقهورة.

        سلّموا أنها ليست بحية و لا عالمة و لا قادرة، و معلوم أن الفعل المتسق المنتظم لا يكون إلا من عالم حكيم ،فكيف يفعل من ليس عالما و ليس قادرا ؟!
        فإن قالوا : و لو كان الفاعل حكيما لم يقع في بنائه خلل، و لا وُجدت هذه الحيوانات المضرة فعُلم أنه بالطبع.
        قلنا : ينقلب هذا عليكم بما صدر منه من الأمور المنتظمة المحكمة التي لا يجوز أن يصدر مثلها عن طبع، فأما الخلل المشار إليه فيمكن أن يكون للإبتلاء و الردع و العقوبة، أو في طيه منافع لا نعلمها.
        ثم أين فعل الطبيعة من شمس تطلع في نيسان على أنواع من الحبوب فترطب الحصرم و الخلالة و تنشف البرة و تُيبسها، و لو فعلت طبعا لأيبست الكل أو رطّبته؟!
        فلم يبق إلا أن الفاعل المختار استعملها بالمشيئة في يُبس هذه للإدخار و النضج في هذه للتناول.
        و العجب أن الذي أوصل إليه اليُبس في أكنه لا يلقي جرمها، و الذي رطبها يلقي جرمها.
        ثم هذه الشمس نفسها تُبيض ورد الخشخاش و تُحمر الشقائق و تُحمض الرمان و تُحلي العنب، و الماء واحد.
        و قد أشار المولى عز و جل إلى هذا بقوله :" تُسقى بماء واحد و نفضل بعضها على بعض في الأُكل".

        تعليق


        • #5
          صانع العالم اثنان : ففاعل الخير نور، و فاعل الشر ظلمة، و هما قديمان لم يزالا و لن يزالا قويين حساسين، سميعين بصيرين، و هما مختلفان في النفس و الصورة، متضادان في الفعل و التدبير.
          جوهر النور فاضل حسن نيّر صاف نقي طيب الريح حسن المنظر، و نفسه نفس خيّرة كريمة حكيمة نفاعة؛ منها الخير و اللذة و السرور و الصلاح، و ليس فيها شيء من الضرر و لا من الشر.
          و جوهر الظلمة على ضد ذلك من الكدر و النقص و نتن الريح و قبح المنظر ؛و نفسه نفس شريرة بخيلة سفيهة منتنة ضرارة، منها الشر و الفساد.
          هذا هو معتقد الثنوية!!

          قال بعضهم : كل واحد إلى جانب الآخر.
          و قال أكثرهم : النور لم يزل مرتفعا في ناحية الشمال، و الظلمة منحطة في ناحية الجنوب، و لم يزل كل واحد منهما مباينا لصاحبه.

          زعموا أن كل واحد منهما له أجناس خمسة، أربعة منها أبدان و خامس هو الروح.
          و أبدان النور أربعة : النار و الريح و التراب و الماء، و روحه الشبح، و لم تزل تتحرك في هذه الأبدان.
          و أبدان الظلمة أربعة : الحريق و الظلمة و السموم و الضباب، و روحها الدخان.
          سموا أبدان النور ملائكة، و سموا أبدان الظلمة شياطين و عفاريت.

          بعضهم يقول : الظلمة تتوالد شياطين، و النور يتوالد ملائكة، و أن النور لا يقدر على الشر و لا يجوز منه ،و الظلمة لا تقدر على الخير و لا تجوز منه.
          و لهم مذاهب مختلفة فيما يتعلق بالنور و الظلمة؛ و مذاهب سخيفة!!

          منها أنه فرض عليهم ألا يدخرون إلا قوت يوم.
          و قال بعضهم : على الإنسان صوم سبع العمر، و ترك الكذب و البخل و السحر و عبادة الأوثان و الزنى و السرقة، و أن لا يؤذي ذا روح، في مذاهب طريفة اخترعوها بوقائعهم الباردة.

          ذكر يحي بن بشر النهاوندي أن قوما منهم يقال لهم (الديصانية) زعموا أن طبيعة العالم كانت طينة خشنة، و كانت تحاكي جسم الباري الذي هو النور زمانا، فتأذى بها ،فلما طال عليه ذلك قصد تنحيتها عنه فتوحل فيها و اختلط بها فتركب منها هذا العالم النوري و الظلمي، فما كان من جهة الصلاح فمن النور، و ما كان من جهة الفساد فمن الظلمة.
          و هؤلاء يغتالون الناس و يخنقونهم؛ و يزعمون أنهم يخلصون بذلك النور من الظلمة؛ مذاهب سخيفة!!

          و الذي حملهم على هذا أنهم رأوا في العالم شرا و اختلافا، فقالوا : لا يكون من أصل واحد شيئان مختلفان، كما لا يكون من النار التبريد و التسخين.

          قلتُ : لو كان صانع العالم اثنان لم يخلُ أن يكونا قادرين؛ أو عاجزين، أو أحدهما قادر و الثاني عاجز.
          لا يجوز أن يكونا عاجزين لأن العجز يمنع ثبوت الألوهية، و لا يجوز أن يكون أحدهما عاجزا ؛فبقي أن يقال : هما قادران.
          فتصور أن أحدهما يريد تحريك هذا الجسم في حالة يريد الآخر فيها تسكينه، و من المحال وجود ما يريدانه، ثم إن حصل مراد أحدهما ثبت عجز الآخر.

          أما القول بأن النور يفعل الخير و الظلمة تفعل الشر فأقول : لو هرب مظلوم فاستتر بالظلمة فهذا خير صدر من شر.

          أعتقد أنه لا ينبغي مد النفس في الكلام مع هؤلاء فإن مذهبهم خرافات.

          تعليق


          • #6
            ذكر النوبختي في كتاب (الآراء و الديانات) أن سقراط كان يزعم أن أصول الأشياء ثلاثة : علة فاعلة، و العنصر و الصورة.
            قال : و الله تعالى هو الفعال، و العنصر هو الموضوع الأول للكون و الفساد ، و الصورة جوهر للجسم.

            و قال آخر من أتباع سقراط : الله هو العلة الفاعلة، و العنصر المنفعل.
            و قال أحد ممثلي مذهبه : العقل رتب الأشياء هذا الترتيب.
            و قال آخر منهم : بل الطبيعة فعلته.

            ذكر يحي بن بشير النهاوندي أن قوما من الفلاسفة قالوا : لما شاهدنا العالم مجتمعا و متفرقا و متحركا و ساكنا علمنا أنه محدث، و لا بد له من محدث، ثم رأينا الإنسان يقع في الماء و لا يحسن السباحة فيستغيث بذلك الصانع المدبر فلا يغيثه، أو في النار فعلمنا أن ذلك الصانع معدوم.

            اختلف هؤلاء في عدم الصانع المدبر على ثلاث فرق :

            فرقة زعمت أنه لما أكمل العالم استحسنه فخشي أن يزيد فيه أو ينقص عنه فيفسد ،فأهلك نفسه و خلا منه العالم، و بقيت الأحكام تجري بين حيواناته و مصنوعاته على ما اتفق.

            و قالت الفرقة الثانية : بل ظهر في ذات الباري تولوُل، فلم يزل تنجذب قوته و نوره حتى صارت القوة و النور في ذلك التولول و هو العالم ،و ساء نور الباري و كان الباقي منه قِطّ، و زعموا أنه سيجذب النور من العالم إليه حتى يعود كما كان، و لضعفه عن مخلوقاته أهمل أمرهم فشاع الجور.

            و قالت الفرقة الثالثة : بل الباري لما أتقن العالم تفرقت أجزاؤه فيه، فكل قوته في العالم فهي من جوهر اللاهوتية.

            هذا الذي ذكره النهاوندي...
            و لولا أنه قد قيل و نقل في ذكره بيان ما قد فعل الشيطان بهؤلاء لكان الأولى الإضراب عن ذكره تعظيما لله عز و جل أن يذكر بمثل هذا، و لكن بيّنا من وجه الفائدة في ذكره.

            تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.

            تعليق


            • #7
              كتب الإمام الغزالي في الهجوم على الفلاسفة كتابا أسماه (تهافت الفلاسفة) عاب عليهم أمورا؛ و على رأسها قولهم بقِدم العالم، و قولهم بأن الله يعلم الكليات دون الجزئيات؛ و هو قول ابن سينا ،و قولهم بأن العذاب للأرواح دون الأجساد.

              الفلاسفة انفردوا بعقولهم و آرائهم؛ و تكلموا بمقتضى ظنونهم من غير التفات إلى الأنبياء.
              منهم من قال بقول الدهرية أن لا صانع للعالم. حكاه النوبختي و غيره عنهم.
              و حكى النهاوندي أن أرسطا طاليس و أصحابه زعموا أن الأرض كوكب في جوف هذا الفَلك، و أن في كل كوكب عوالم كما في هذه الأرض و أنهارا و أشجارا ،و أنكروا الصانع.
              و أكثرهم أثبت علة قديمة للعالم؛ ثم قال بقِدم العالم، و أنه لم يزل موجودا مع الله تعالى و معلولا له و مساويا غير متأخر عنه بالزمان، مساواة المعلول للعلة و النور للشمس بالذات و الرتبة لا بالزمان.

              قلتُ :
              لِم أنكرتم أن يكون العالم حادثا بإرادة قديمة اقتضت وجوده في الوقت الذي وُجد فيه؟!

              فإن قالوا : فهذا يوجب أن يكون بين وجود الباري و بين المخلوقات زمان.
              قلنا : الزمان مخلوق و ليس قبل الزمان زمان.

              نقول لهم : كان الحق سبحانه قادرا على أن يجعل سُمك الفَلك الأعلى أكثر مما هو بذراع أو أقل مما هو بذراع.
              فإن قالوا : لا يمكن ؛فهو تعجيز، و لأن ما لا يمكن أن يكون أكبر منه و لا أصغر فوجوده على ما هو عليه واجب لا ممكن، و الواجب يستغني عن علة.

              و قد ستروا مذهبهم بأن قالوا : الله تعالى صانع العالم، و هذا تجوُّز عندهم لا حقيقة، لأن الفاعل مريد لما يفعله.
              و عندهم أن العالم قد ظهر ضروريا لا أن الله فعله.

              و من مذاهبهم أن العالم باقٍ أبدا كما لا بداية لوجوده فلا نهاية.
              قالوا : لأنه معلول علة قديمة، وكان المعلول مع العلة، و متى كان العالم ممكن الوجود لم يكن قديما و لا معلولا.

              و قال جالينوس : لو كانت الشمس مثلا تقبل الإنعدام لظهر فيها ذبول في هذه المدة الطويلة.

              قُلتُ: قد يفسد الشيء بنفسه بغتة لا بالذبول، ثم من أين له أنها لا تذبل؟!
              الشمس عند الفلاسفة بمقدار الأرض 170 مرة أو نحو ذلك.
              فلو نقص منها مقدار جبل لم يبن ذلك للحس.
              ثم نحن نعلم أن الذهب و الياقوت يقبلان الفساد، و قد يبقيان سنين و لا يحس نقصانهما، و إنما الإيجاد و الإعدام بإرادة القادر، و القادر لا يتغير في نفسه، و لا تحدث له صفة، و إنما يتغير الفعل بإرادة قديمة.

              تعليق


              • #8
                ذهب أكثر الفلاسفة إلى أن الله تعالى لا يعلم شيئا، و إنما يعلم نفسه، و قد ثبت أن المخلوق يعلم نفسه و يعلم خالقه؛ فقد زادت مرتبة المخلوق على رتبة الخالق عندهم!!

                اقرأ يا من يُبجلُ الفلاسفة!!
                يا من يستدل بأقوال كانت و ديكارت و نيتشه و غيرهم، يا من يقلد سقراط و أرسطو و طاليس و فيثاغورس و غيرهم!!
                إن مذهب القوم أظهر فضيحة من أن نتكلم عليه، فهؤلاءِ ادعوا كمال العقل؛ و انظروا ماذا صدر منهم بعد ادّعائهم كمال العقل؟!

                الوحيد الذي خالف هؤلاء القوم هو أبو علي ابن سينا!!
                و لكن زاد الطين بلة!!
                فقال : بل يعلم نفسه و يعلم الأشياء الكلية و لا يعلم الجزئيات.
                تلقف هذا المذهب منهم : المعتزلة، و كأنهم استكثروا المعلومات.

                الحمد لله الذي جعلنا ممن ينفي عن الله الجهل و النقص ، و نؤمن بقوله :" ألا يعلم من خلق"، و قوله :" و يعلم ما في البر و البحر و ما تسقط من ورقة إلا يعلمها".

                ذهبوا إلى أن علم الله و قدرته هو ذاته فرارا من أن يثبتوا قديمين.

                إنما هو قديم - حسب وصفهم - موجود واحد موصوف بصفات الكمال.

                تعليق


                • #9
                  أنكرت الفلاسفة بعث الأجساد و رد الأرواح إلى الأبدان؛ و وجود جنة و نار جسمانيين، و زعموا أن تلك أمثلة ضُربت لعوام الناس ليفهموا الثواب و العقاب الروحانيين، و زعموا أن النفس تبقى بعد الموت بقاء سرمديا أبدا، إما في لذة لا توصف و هي الأنفس الكاملة، أو ألم لا يوصف و هي النفوس المتلوثة، و قد تتفاوت درجات الألم على مقادير الناس، و قد ينمحي عن بعضها الألم و يزول.

                  قلتُ : نحن لا ننكر وجود النفس بعد الموت؛ و لذلك سمي عودها إعادة، و لا أن لها نعيما و شقاء، و لكن ما المانع من حشر الأجسام؟!
                  و لم ننكر اللذات و الآلام الجسمانية في الجنة و النار، و قد جاء الشرع بذلك، فنحن نؤمن بالجمع بين السعادتين و بين الشقاوتين الروحانية و الجسمانية، و أما الحقائق في مقام الأمثال فتحكّم بلا دليل.

                  فإن قالوا : الأبدان تتحلل و تُؤكل و تستحيل.
                  قلنا : القدرة لا يقف بين يديها شيء على أن الإنسان إنسان بنفسه، فلو صُنع له البدن من تراب غير التراب الذي خُلق منه لم يخرج عن كونه هو هو، كما أنه تتبدل أجزاؤه من الصغر إلى الكِبر و بالهزال و السمن.

                  فإن قالوا : لم يكن البدن بدنا حتى يرقى من حالة إلى حالة إلى أن صار لحما و عروقا.
                  قلنا : قدرة الله تعالى لا تقف على المفهوم المشاهد، ثم قد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن الأجسام تنبت في القبور قبل البعث.

                  روى البخاري و مسلم رحمة الله عليهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بين النفختين أربعون، قالوا : يا أبا هريرة : أربعون يوما؟ قال : أبيت، قالوا : أربعون شهرا؟ قال : أبيت، قالوا : أربعون سنة؟ قال : أبيت، قال : ثم يُنزل ماء من السماء فينبتون كما ينبت البقل، قال : و ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظما واحدا و هو عَجْبُ الذنب، منه خُلق، و منه يُركّب الخلق يوم القيامة.

                  و عجب الذنب عظم لطيف في أسفل الصلب؛ و هو رأس العصعص.

                  تعليق


                  • #10
                    وثق البعض في قوة ذكائهم و فطنتهم فاعتقدوا أن الصواب اتباع الفلاسفة لكونهم حكماء قد صدرت منهم أفعال و أقوال دلت على نهاية الذكاء و كمال الفطنة كما يُنقل من حكمة سقراط و أبقراط و أفلاطون و أرسطا طاليس و جالينوس ،و هؤلاء كانت لهم علوم هندسية و منطقية و طبيعية و استخرجوا بفطنهم أمورا خفية إلا أنهم لما تكلموا في الإلهيات خلطوا، و لذلك اختلفوا فيها و لم يختلفوا في الحسيات و الهندسيات، و قد ذكرت في منشوراتي السابقة جنس تخليطهم في معتقداتهم، و سبب تخليطهم أن قوى البشر لا تدرك العلوم إلا جملة؛ و الرجوع فيها إلى الشرائع.

                    هؤلاء هم : الكندي و الفارابي و ابن سينا و الطوسي و الرازي الطبيب ،و كل من تأثر بفكر أرسطو و سقراط، فراحوا يؤلفون في كتبهم و يترجمونها، فسُمي الفارابي بالمعلم الثاني حيث ترجم كتب أرسطو، و الذي حاول التوفيق بين الدين و الفلسفة.
                    و منهم ابن رشد الذي جنح إلى هذه الأكاذيب، و قد كانوا جميعا موضع انتقاد من الأمة، و كثير منهم مات تائبا من بدعته و على صدره المصحف أو صحيح البخاري نادما على ما كان منه.
                    و سُموا ب(حكماء الإسلام) نظرا لأن الحكمة قديما كان يعنى بها الفلسفة، و تفسير كلمة فلسفة باليونانية هي : فيلوسوفيا، و السوفيا الحكمة ، و فيلو : المحب، فالفيلسوف هو المحب للحكمة.

                    قال أحدهم في صفة الدنيا :

                    أتُراها صنعة من غير صانع *** أم أتُراها رمية من غير رام

                    قصد برمية الرام العبثية في الخلق، و هو محال على الله تعالى عن أقوالهم علوا كبيرا.

                    تعليق


                    • #11
                      يُقال عنهم أنهم فلاسفة الإسلام !!

                      هذه اللفظة خاطئة، فلا فلسفة في الإسلام، و لا للإسلام فلسفة ، و لا للإسلام فلاسفة !!
                      فالذين يُقال عنهم بأنهم فلاسفة الإسلام كانوا ينكرون الصانع و يدفعون الشرائع و يعتقدونها نواميس و حِيلا ،فصُدقوا فيما حُكي لهم، و رفض المتشدقون باسم (فلاسفة الإسلام) شعار الدين و أهملوا الصلوات و لابسوا المحذورات و استهانوا بحدود الشرع و خلعوا ربقة الإسلام.

                      فاليهود و النصارى أعذر منهم لكونهم متمسكين بشرائع دلت عليها معجزات، و المبتدعة في الدين أعذر منهم لأنهم يدعون النظر في الأدلة، و هؤلاء لا مستند لكفرهم إلا علمهم بأن الفلاسفة كانوا حكماء.

                      أتُراهم ما علموا أن الأنبياء كانوا حكماء و زيادة؟!

                      حقيقة أن ما قد حُكي لهؤلاء الفلاسفة من جحد الصانع محال في نظري ، فإن أكثر القوم يثبتون الصانع لا ينكرون النبوات، و إنما أهملوا النظر فيها، و شذ منهم قليل فتبعوا الدهرية الذين فسُدت أفهامهم بالمرة.

                      و قد رأينا عن المتفلسفة من أمتنا جماعة لم يكسبهم التفلسف إلا التحير ،فلا هم يعملون بمقتضاه و لا بمقتضى الإسلام ؛بل فيهم من يصوم رمضان و يُصلي ثم يأخذ في الإعتراض على الخالق و على النبوات، و يتكلم في إنكار بعث الأجساد، و لا يكاد يُرى منهم أحد إلا ضربه الفقر فأضرّ به، فهو عامة زمانه في تسخط الأقدار، و الإعتراض على المقدر؛ حتى قال بعضهم : أنا لا أخاصم إلا من فوق الفَلك.

                      و قال آخر :

                      و احيرتا من وجود ما تقدمه... منا و لا علم فيقتبس
                      كأنه في عماء ما يخلصنا... منه ذكاء و لا عقل و لا شرس
                      و نحن في ظلمة ما إن لها قمر... فيها يضيء و لا شمس و لا قبس
                      مدلهين حيارى قد تكنفنا... جهل يجهمنا في وجهه عبس
                      فالفعل فيه بلا ريب و لا عمل... و القول فيه كلام كله هوس

                      تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.

                      تعليق


                      • #12
                        لما كانت الفلاسفة قريبا من زمان شريعتنا؛ و الرهبنة كذلك مدّ بعض أهل ملتنا يده إلى التمسك بهذه ،فترى كثيرا من الحمقى إذا نظروا في باب الإعتقاد تفلسفوا، و إذا نظروا في باب الزهد ترهبنوا.

                        تعليق

                        مواضيع ذات صلة

                        تقليص

                        المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                        ابتدأ بواسطة الكاتب عزالدين بن راشو, 29 يول, 2022, 09:44 ص
                        ردود 0
                        61 مشاهدات
                        0 معجبون
                        آخر مشاركة الكاتب عزالدين بن راشو  
                        ابتدأ بواسطة أحمد محمدالألفى, 31 ماي, 2022, 07:13 م
                        ردود 0
                        53 مشاهدات
                        0 معجبون
                        آخر مشاركة أحمد محمدالألفى  
                        ابتدأ بواسطة عادل خراط, 26 فبر, 2022, 01:32 م
                        ردود 0
                        44 مشاهدات
                        0 معجبون
                        آخر مشاركة عادل خراط
                        بواسطة عادل خراط
                         
                        ابتدأ بواسطة عادل خراط, 24 سبت, 2021, 08:29 م
                        ردود 11
                        115 مشاهدات
                        0 معجبون
                        آخر مشاركة عادل خراط
                        بواسطة عادل خراط
                         
                        ابتدأ بواسطة Mohamed Karm, 3 أغس, 2021, 12:28 م
                        ردود 0
                        90 مشاهدات
                        0 معجبون
                        آخر مشاركة Mohamed Karm
                        بواسطة Mohamed Karm
                         
                        يعمل...
                        X