الربوبي والمعجزات (3)

تقليص

عن الكاتب

تقليص

Shebl Al Saqar مسلم اكتشف المزيد حول Shebl Al Saqar
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • Shebl Al Saqar
    1- عضو جديد
    • 6 ديس, 2021
    • 73

    الربوبي والمعجزات (3)

    سلسلة نقد المذهب الربوبي(3):

    تابع الربوبي والعقل :

    1 / العقل لا يرفض المعجزة :

    إنّ ثمّة مفارقة غير مفهومة وقع فيها الربوبيون، وهي أنّهم في الوقت الذي يصرّون فيه على اعتماد المنهج العقلي، فإنّهم وبالصرامة نفسها يصرّون على رفض المعجزة، وكأنّ الإيمان بالمعجزة ينافي العقل، وهنا نسأل الربوبيين: هل العقل فعلاً ينكر
    المعجزات؟ وهل كلّفتم أنفسكم عناء دراسة هذه المعجزات أو الكرامات، وتبيّن لكم بعد الدرس أنّها مجرد خرافة؟!

    إنّ رمي المعجزة بالخرافة قبل دراستها ليس أمراً منطقياً ولا عقلياً، ولكنّ الربوبي يوحي للناس بأنّ معنى أن تكون عقلانياً هو أن ترفض المعاجز ولا تصدق بها، وهذا كلام تهويلي خطابي، وفيه مصادرة غير مبررة، وهو مما لا وجه لها عقلاً؛ لأنّ العقل لا يستخف ولا يستهين بأي ظاهرة.

    والمؤمن بالأنبياء يقولها بكل يقين: إنّ الإيمان بالمعجزة لا يتنافى مع المنهج العقلي، بل العقل هو الذي قادنا إلى الإيمان بالمعجزة وما يترتب عليها.

    وبيان ذلك: أنّ المعجزة في حدّ نفسها كظاهرة حسية مغايرة للمألوف وخارقة للقوانين الطبيعية، لا تشكّل دليلًا على صدق مدّعي النبوة، وإنما تحتاج إلى ضمّ مقدمة أخرى يحكم بها العقل، وهي أنّ من القبيح على الله عز وجل أن يُظهر الإعجاز على يد شخص يدّعي كذباً أنّه رسول ربّ العالمين؛ لأنّ إظهار المعجزة على يدي الكاذب مقارنًا لادّعائه النبوة، يتضمن إقراراً إلهياً بصدقه، وهو خلاف الحكمة، لأنه يشكّل إغراءً للناس بالجهل والضلال. والله عز وجل بمقتضى حكمته أجلّ وأكرم من أن يضل عباده أو يوقعهم في الحيرة.

    فيكون الأساس في دلالة المعجزة على صدق النبوة هو حكم العقل هذا، وليس مجرد خرق قوانين الطبيعة!

    وعليه، لا يسوغ للربوبي الذي يدّعي أنّ مرجعيّة العقل هي الأساس عنده، أن يرفض المعجزة أو يستخفَّ بها ويتهمها بالخرافة، أو يحكم بكونها مستحيلة عقلاً، وكيف يستحيل على خالق هذا الكون بقوانينه أن يجمّد هذه القوانين بشكل ظرفي ومؤقت لمصلحة كبيرة وحكمة جليلة تتصل بهداية خلقه وإرشادهم إلى طريق الهدى والصواب!

    ومن هنا، فلسنا نحن المتدينون متناقضين مع أنفسنا عندما نتحدّث عن وجود طريقين للمعرفة، وهما طريق العقل وطريق الوحي، فهذان الطريقان ليسا متنافيين أو متناقضيْن، كما يحاول البعض أن يصوّر أو يوحي، في مغالطة مفضوحة تريد الإيحاء بأنّ اتباع الوحي هو عمل غير عقلي ولا عقلائي، أو تحاول إيجاد خصومة مفتعلة بين المنهج العقلي والمنهج الديني، فالعقل هو الذي قاد للإيمان بالله تعالى وقاد إلى الإيمان بالوحي، والوحي بدوره يسدد العقل ويرشده في الكثير من المحطات.

    2/ المعجزة: مقاربة عقلية وعقلائية :

    وتوضيحاً لكيفية دلالة المعجزة على صدق الرسل والأنبياء بطريقة منطقيّة وعقلائية، فإننا نستحضر المثال التالي من حياة العقلاء، وهو أنّه لو جاءنا شخص من مكان ناءٍ وبعيد وادعى أنّه طبيب ماهر، وارتبنا في دعواه وأردنا منه أن يثبت صحة مدعاه، فأمامه عدّة طرق

    عقلائية لإثبات ذلك:

    الطريق الأول: أن يظهر لنا شهادة موثوقة من جامعة معروفة، تثبت تخرجه من هذه الجامعة، وتصادق على شهادته. وهذا الطريق رغم اعتماده عند العقلاء فقد يتعرض للتزوير، وينتحل البعض صفة الطبيب كذباً وزوراً، لكنّ التزوير في عالمنا اليوم قد أصبح من السهل
    اكتشافه، وكما قال المثل: "حبل الكذب قصير".


    الطريق الثاني: أن يثبت لنا صدقه من خلال التجربة العمليّة الناجعة، بأن يقوم - مثلاً - وعلى مرأى ذوي الاختصاص بعمل جراحي دقيق وحساس ولو لمرة واحدة أو أكثر، وينجح في ذلك، بما يعرب عن مهارته ويدلل على أنّه طبيب حاذق في هذا المجال.


    الطريق الثالث: امتحانه من قبل أهل الخبرة من الأطباء المعروفين بنزاهتهم، بسؤاله عن بعض القضايا التي لا يعرفها إلا أهل الاختصاص، مما يكشف عن مصداقيته وصحة دعواه.

    وهذه الطرق الثلاثة هي طرق عقلائيّة عامة، ولا تختصّ بالمجال الطبي بل يمكن تطبيقها في غيره من التخصصات. ومن الموارد التي يمكن اعتماد هذه الطرق وتطبيقها فيها، هي مسألة اختبار دعوى النبوّة، فإذا تمّ اختبار طريق منها أو أكثر، فإنّ العقل سيحكم بصدقيّة
    النبي ، ويمكننا القول: إنّ هذه الطرق متحققة ويمكن اختبارها بأجمعها بالنسبة للأنبياء ، وإليك بيان ذلك:

    أما الطريق الأول، فإنّ الذي يثبت ارسالية الأنبياء وأنهم رسل الله حقاً هي عبارة عن الكتاب السماوي الذي يأتوننا به، والذي يمثّل بحق شهادة بينة على صدقهم وذلك من خلال ما يمثله من حكمة بليغة، وروحانية متميزة ، ودستور أخلاقي راق بالمستوى الذي يعجز البشر العاديون عن الإتيان بمثله، مهما بلغوا من الفطنة والذكاء. وهذا ما نعتقده وندعيه في شأن القرآن الكريم وندعو الآخرين إلى اختبار دعوانا هذه، فقد استطاع هذا الكتاب بحكمته أن يبني أمة ويفجر طاقاتها وينقلها من حالة التخلف
    والجهل إلى نور العلم ورحاب الحضارة، وما تزال رسالته ومضامينه غضة طرية ومواكبة لشتى الأزمنة والعصور.

    وأما الطريق الثاني، فيتمثّل بالعمل الإعجازي الخارق للمألوف والمعهود من نواميس الطبيعة والذي يقوم به النبي عندما يُطلب منه ذلك، بحيث تظهر على يديه –بشكل تلقائي ودون تعليم أو محاكاة لشيء موجود - آيةٌ معجزة لا لبس فيها، ولا تعتمد على خدعة بصريّة
    أو لعبة معينة.

    وربما يقال: إنّ المعجزات ليست أمراً خارج نطاق القوانين، فربما كانت تعتمد على قوانين معينة، ولكن حيث لم يتسن لنا اكتشافها، خلنا أنّها تمثّل خرقاً للقوانين. مع أنّها في الواقع تمثِّل خرقاً للمألوف من القوانين، وليست خرقاً للقوانين نفسها.

    ونقول : لسنا نمنع من ذلك أو ننفيه، فهذه وجهة نظر قد تكون سليمة ولكنها لا تفقد المعجزة قيمتها الإثباتية؛ وذلك لأنه عندما يأتينا شخص بهذه المعجزة المرافقة لدعوى النبوّة ودون سابق تصميم وإنذار، ومع كونه من خارج نطاق أهل التخصص أو المتدربين على أيدي ذوي الخبرة، فهذا يمثل شهادة صدق على دعواه.

    وكيف كان، فالمعجزة - في رأيي - لا تنحصر بالعمل الحسي الخارق للقوانين الطبيعية، فقد تكون عملاً أو جهداً رسالياً تربوياً يعمل على صناعة الإنسان وانتشاله على ضوء دستور بديع من دركات الحضيض إلى الأعالي حيث الحياة السامية والرقي والتكامل.

    وبكلمة أخرى: إذا كان إقدام مدعي صفة الطبابة على عمل جراحي في جسد إنسان معين هو شهادة على صدقه في دعواه، فإنّ قيام مدعي النبوّة بعملٍ إصلاحي كبير في المجتمع، معتمداً ومستنداً إلى منظومة فكرية وأخلاقية وروحية غير معهودة في زمانه، هو الآخر شاهد على صدق دعواه.

    وأمّا الطريق الثالث، فإنّ الأنبياء كانوا يُسألون ويختبرون من قبل بعض الناس لإثبات صدقهم، وذلك بسؤالهم عن أخبار غيبية لا يعلمها أحدٌ من الناس بحسب وسائلهم المتاحة لهم، وقد جاءت إخباراتهم صادقة ومطابقة للواقع، مع أنه لم يكن ثمّة مؤشرات اجتماعية أو
    سياسية تساعد على التنبؤ بما قالوه وتوقّع حدوثه، ولا مجال لدعوى أنّها مجرد تحليلات صادرة عن إنسان حكيم قرأ المعطيات بدقة نظر وتنبأ بها.

    ما رأيكم - أيها الربوبيون - لو أنّ نصاً صدر عن شخص متخصص قبل آلاف أو مئات السنين يتحدث فيه عن نظريّة علميّة في منتهى الدقة لم تكن معروفة آنذاك بل كشف عنها مستقبل العلم الحديث، ألا يكون ذلك دليلاً على نبوغه العلمي؟ وهكذا الحال في إخبار نبي من الأنبياء عن أمر جلل سوف يحدث في المستقبل مع أنّه لا وجود لمؤئشراتٍ تساعد على وقوعه، ويكون تنبؤه به مقروناً بدعوى النبوة وأنّ مصدره في ذلك هو وحي الله؛ فإنّ ذلك سيكون دليلاً قوياً وحاسماً على صدقه في ادعاء النبوّة أو - على الأقل - مؤشراً على ذلك، وإذا ما انضم إليه مؤشرات أخرى، فإنّ ذلك سيورث اليقين بصدق.

    وثمة طرق أخرى لاختبار صدقيّة الأنبياء ، ومن أبرزها دراسة حياتهم وأقوالهم وأفعالهم، والمقارنة بين ما جاءوا به وبين الموروث الثقافي في مجتمعهم، وملاحظة مدى استقامتهم ونزاهتهم وابتعادهم عن الأطماع والأهواء، والتزامهم العملي بما جاءوا به ودعوا الآخرين إليه، إلى غير ذلك من الشواهد المستمدة من حياتهم، فإنّ حياة الإنسان هي أهم مختبر لصدقية طروحاته ومقولاته.

    إنّ الأنبياء الذين صدّقهم الناس من إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم اعتمدوا هذه الطرق العقلائية لإثبات دعواهم، هذا ما ندعيه ويدعيه التاريخ الديني، وليس أمام الربوبي سوى التثبت من ذلك بدراسة تاريخ الأديان دراسة تحقيق ونظر، ولا يحقّ له التسرع برفض ذلك ورمي هذه الأمور بالخرافات واتهام المؤمنين بالرسالات السماوية بأنهم غير عقلانيين، فإنّ الاتهام المتسرع هو حرفة العاجز وسلاح الضعيف والفاشل، فالعاقل لا يتسرع إلى الإنكار قبل التحري والبحث، والقوي في حجته لا يتهرب من الحوار ولا يتخذ مواقف مسبقة دونما برهان أو دليل، بل سيرة العقلاء ودأب الحكماء قائم - في مثل هذه الحالات - على طلب الحجّة والبرهان، كما جاء في القرآن الكريم: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة – 111].

مواضيع ذات صلة

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
ابتدأ بواسطة الراجى رضا الله, منذ 3 يوم
ردود 0
6 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة الراجى رضا الله
ابتدأ بواسطة الراجى رضا الله, منذ 2 أسابيع
ردود 11
52 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة الراجى رضا الله
ابتدأ بواسطة Mohamed Karm, 7 فبر, 2023, 06:09 ص
ردود 0
130 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة Mohamed Karm
بواسطة Mohamed Karm
ابتدأ بواسطة ARISTA talis, 2 ديس, 2022, 01:54 م
ردود 0
69 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة ARISTA talis
بواسطة ARISTA talis
ابتدأ بواسطة عادل خراط, 21 نوف, 2022, 03:22 م
ردود 25
160 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة عادل خراط
بواسطة عادل خراط
يعمل...