أحكام رمي الجمار في الحج والرخص الشرعية

تقليص

عن الكاتب

تقليص

الشرقاوى مسلم اكتشف المزيد حول الشرقاوى
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أحكام رمي الجمار في الحج والرخص الشرعية

    أحكام رمي الجمار في الحج
    والرخص الشرعية


    إعداد
    الدكتور/ أحمد بن عبد الكريم غنوم
    الأستاذ المساعد بكلية التربية بأبها / جامعة الملك خالد


    ملخص البحث :

    يعتبر رمي الجمرات واجب اتفاقاً ؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعنى الرمي هو القذف بالحصى في زمان مخصوص وعدد مخصوص ، والحكمة منه أنه عمل رمزي يمثل مقاومة الشيطان الذي يريد إيقاع الناس في المعاصي ، وأيضاً إقتداء بفعل النبي إبراهيم عليه السلام وزوجته هاجر وابنه إسماعيل .

    ووقت الرمي هو وقت واحد متسع يمتد من يوم النحر إلى اليوم الثالث من أيام التشريق _ أي أن أيام الرمي هي أربعة_ فوقته متسع ولا داعي للحجاج أن يرموا في وقت واحد أو ساعة محدودة ؛ مما يؤدي إلى حدوث ما لا تحمد عقباه نتيجة الازدحام ، وسوف نبين–إن شاء الله - الرخص الشرعية للرمي عند العلماء في سياق البحث .


    المقدمة :
    الحمد لله رب العالمين ، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وأفضل المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
    أما بعد :

    لقد اتفق العلماء على فرضية الحج بدليل الكتاب والسنة ،
    أما الكتاب فقوله تعالى :
    ﴿ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ﴾ سورة آل عمران / 97 .
    وقوله تعالى : ﴿ وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات ﴾ سورة الحج / 27 -28

    وأما السنة ، فقول النبي صلى الله عليه وسلم : (بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً ) متفق عليه .

    لذلك يعتبر الحج الركن الخامس من أركان الإسلام فرضه الله على المستطيع ، وهو من العبادات التي تشتمل على المال والبدن، وللحج فوائد شخصية كثيرة ومتعددة منها ؛ إنه يكفر الذنوب ، ويطهر النفوس من شوائب المعاصي, لقوله صلى الله عليه وسلم: ( من حج فلم يرفث ، ولم يفسق ، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) متفق عليه

    والحج يعوِّد الإنسان على الصبر وتحمل المتاعب ، وبالحج يؤدي العبد لربه شكر النعمة ؛ نعمة المال ، ونعمة العافية ، ويغرس في النفس روح العبودية الكاملة ، والخضوع الصادق لشرع الله ودينه .

    كما أن للحج فوائد جماعية ؛ فهو يؤدي إلى تعارف أبناء الأمة على اختلاف ألوانهم ولغاتهم وأوطانهم ، والمذاكرة في شئون المسلمين العامة ، ويقوي رابطة الأخوة مع المؤمنين في جميع أنحاء الأرض ؛ تحقيقاً لقوله تعالى : ﴿ إنما المؤمنون أخوة ﴾ سورة الحجرات ، الآية : 10
    كما أن الحج يساعد على نشر الدعوة الإسلامية .

    وإن رمي الجمرات يعتبر واجب من واجبات الحج ، يقوم به الحاج في أيام الرمي الأربعة وهي : يوم النحر وأيام التشريق الثلاثة ،
    وهناك رخص شرعية للرمي يمكن الأخذ بها لدفع الضرر والتخفيف من الزحام ؛ فتجوز الإنابة في الرمي لمن عجز عن الرمي بنفسه لمرض أو حبس أو كبر سنن أو حمل المرأة ...
    كما أن وقت الرمي – عند بعض الفقهاء – وقت متسع يمتد حتى نهاية اليوم الأخير من أيام الرمي ، ويجوز لمن فاته الرمي بعضه, أو كله ؛ أن يرمي في آخر يوم من أيام الرمي .

    وسوف نبين إن شاء الله بالشرح والتفصيل في سياق البحث جميع الأحكام الشرعية للرمي التي يرخص للحاج أن يأخذ بها .

    · أهمية البحث :
    لموضوع أحكام الرمي أهمية وفائدة كبيرة تكمن في تحقيق ما يلي :
    - الحكمة من الرمي ، وما الغاية منه ؟
    - معرفة شروط الرمي وكيفيته .
    - حكم ترك الرمي أو جزء منه .
    - حكم مخالفة ترتيب الجمرات أثناء الرمي، وما هو حكم من رمى دون عدد الحصى؟

    ومن خلال ما سبق يتضح أن هذا الموضوع جدير بالبحث والدراسة ، أملاً في أن أضيف إلى المكتبة ما أرجو أن ينتفع كل من يقرؤه من طلبة العلم وغيرهم .

    · مشكلة البحث :
    تتلخص مشكلة البحث بتحقيق أداء شعيرة رمي الجمرات في يسر وسهولة
    ما أمكن ؛ مما يؤدي إلى أمن وسلامة الحجاج .
    وفي ضوء ما تقدم يمكن أن نحدد مشكلة البحث في السؤال التالي :
    هل هناك رخص شرعية للرمي تؤدي لتخفيف الزحام وتحقيق سلامة الحجاج ؟
    وتتطلب الإجابة عن هذا السؤال الأسئلة التالية :

    1- هل وقت الرمي ضيق فينتهي رمي كل يوم بيومه ، أم هو متسع يمتد إلى آخر أيام التشريق ؟
    2- ما هو حكم تأخير رمي يوم عن وقته ، وهل يجوز ؟
    3- ما هو حكم العاجز, أو المريض , أو المرأة ، إذا استنابوا غيرهم في الرمي ؟
    4- ما هو حكم تأخير الرمي كله إلى آخر يوم من أيام التشريق ؟
    وسوف نحاول من خلال هذا البحث الإجابة على هذه التساؤلات وغيرها .


    · منهج البحث :

    اتبعت في بحثي المنهج التالي:
    1- منهج الأسلوب الوصفي القائم على عرض موضوع البحث من خلال أقوال العلماء وأدلتهم ، بالاعتماد على المراجع والمصادر الأصيلة لكل مذهب فقهي من المذاهب الأربعة .
    2- منهج دراسة الحالة بأسلوب تحليل المضمون لمعرفة حجم المشكلة وأبعادها وآثارها وأخطارها المتوقعة على أمن وسلامة الحجاج .
    3- مناقشة الأدلة وبيان القول الراجح حسب ما ظهر لي من أدلة الفقهاء .
    4- عزوت المسألة الواحدة إلى أكثر من مرجع في المذهب الفقهي الواحد ؛ للوفاء بتمام المسألة الفقهية المبحوثة .
    5- راعيت الترتيب الزمني في المذاهب الفقهية على الشكل التالي : المذهب الحنفي ، ثم المذهب المالكي ، ثم المذهب الشافعي ، ثم المذهب الحنبلي .
    6- تم تخريج الآيات القرآنية الكريمة ، والأحاديث النبوية الشريفة الواردة في سياق البحث .


    · خطة البحث :
    انتظمت خطة البحث في : مقدمة ، وثلاثة مباحث ، ونتائج وتوصيات ، على الشكل التالي :

    - المقدمة ، وتشمل : أهمية البحث ، ومشكلة البحث ، ومنهج البحث .

    - المبحث الأول : معنى الرمي , ووجوبه ، وشروطه , وفيه ثلاثة مطالب :
    المطلب الأول : معنى الرمي ، والحكمة منه .
    المطلب الثاني : وجوب الرمي .
    المطلب الثالث : شروط صحة الرمي .

    - المبحث الثاني : كيفية الرمي ، ووقته ، وسننه ، وفيه ثلاثة مطالب :
    المطلب الأول : كيفية الرمي .
    المطلب الثاني : وقت الرمي .
    المطلب الثالث : سنن الرمي ، ومكروهاته .

    - المبحث الثالث : الرخص الشرعية في الرمي ، وفيه ثلاثة مطالب :
    المطلب الأول : الإنابة في الرمي .
    المطلب الثاني : حكم تأخر الرمي عن وقته .
    المطلب الثالث : ترك الرمي .
    - نتائج البحث وتوصياته .
    [frame="1 98"]
    Stoning Regulations and Religious Licenses
    By Dr .Ahmad Abdul – Karim Ghannoum
    Summary:
    There has been consensus among scholars that stoning is obligatory because it was performed by Prophet Mohammed
    (P B U H). Stoning refers to the act of throwing a specific number of stones at a specific time. The act is symbolic of man's resistance to devil and its temptations. It also represents following the example of Prophet Abraham ( P B U H ) , his wife, Hajer, and his son, Is mail. The time of stoning is extended from the Sacrifice Day to the third day of TashreeK. Thus, its duration is long enough for all pilgrims to perform this act without limiting themselves to a short time during which unfortunate incidents might take place because of crowding. The religious licenses in the act of stoning are introduced in the course of this research.
    Significance of the Research:
    The present research deals with the following points :
    - The wisdom and purpose of stoning .
    - The conditions of stoning and the way of perform it .
    - The rule for not performing stoning or part of it .
    - The rule for stoning in the wrong order or throwing less than the required number of stones .
    Research Problem:
    The research deals with performing the stoning act as easily as possible and as safely as possible. The specific research questions are :
    - What is the rule concerning the act of delaying stoning?
    - What is the rule concerning asking someone also to do the act of stoning for you?
    - What is the rule for delaying the throwing of stones of one day on another day ?
    Research Methods :
    Two research methods have been used :
    1. Descriptive research which presents the topic through
    a review of the literature, and the saying of prominent scholars and researchers in the field .
    2. Case study research which analyzes the case in order to reach a full understanding of the problem and its dimensions, consequences, and risks on the lives of pilgrims.
    Research Plan :
    The present research falls in three parts:
    1. Part -1- deals with the meaning of stoning, its conditions, and its obligatory nature .2. Part -2- deals with the way of performing the act of stoning, its rules and licenses
    3. Part -3- deals with the rule for delaying stoning and its licenses.
    Results and Recommendations :
    1. Stoning is obligatory. If it is delayed or not performed, the pilgrim has to sacrifice a sheep as prescribed by the Islamic rules .
    2. The pilgrim can perform the act of stoning before sunset of the fourth day of Tashreek as a make – up for stoning on the first, second, and third days. This make – up process is permitted in case there is delay or wrong ordering, but a sacrifice is required in this case.
    3. If the pilgrim delays stoning to the fourth day, which is the last day of Tashreek Days, he should throw for the first day first, then for the second day, then for the third day. Besides, he is not required to do anything else because all Tashreek Days are throwing days.
    4. Those in charge should cooperate in order to provide the best possible service for the pilgrims. They should also raise the pilgrims' consciousness in order to avoid risks and stay away from danger, especially on stone- throwing days.
    [/frame]

    متن البحث (مباحثه ومطالبه)

    المبحث الأول : معنى الرمي ، ووجوبه ، وشروطه ، وفيه ثلاثة مطالب ، وهي :

    المطلب الأول : معنى الرمي ، والحكمة منه .
    1- معنى الرمي : لغة ، واصطلاحاً .

    - معنى رمي الجمار لغة :
    الرمي : يطلق بمعنى القذف ، وبمعنى الإلقاء ، يقال : رميت الشيء وبالشيء ؛ إذا قذفته .
    ورميت الشيء من يدي ؛ أي ألقيته فارتمى , ورمى بالشيء أيضاً ألقاه ...
    ورمى السهم عن القوس وعليها ، لا بها ، رمياً ورماية ، ورمى فلان فلاناً ؛ أي قذفه بالفاحشة (1) كما في قوله تعالى : ﴿ والذين يرمون المحصنات ...﴾ (2)
    والجمار : جمع جمرة ، وهي الحصاة ، والجمار : الحجارة الصغيرة ، وجمَّر : رمى الجمار (3) .

    - معنى الرمي اصطلاحاً :
    الرمي: هو منسك واجب من مناسك الحج ، وهو القذف بالحصى المعينة العدد ، في مكان مخصوص وزمن مخصوص ، والرمي الواجب للجمرات الثلاث هو سبعة حصيات لكل جمرة .

    2- الحكمة من الرمي :
    يعتبر رمي الجمرات اقتداء بفعل النبي إبراهيم عليه السلام ، فقد عرض له الشيطان وهو يحج فرماه بالحجارة , فأصبح الحكمة من الرمي عمل رمزي يمثل مقاومة الشيطان العدو الأول للإنسان .


    المطلب الثاني : وجوب الرمي ، وآثاره .
    1- وجوب الرمي :
    اتفق الفقهاء على أن رمي الجمار واجب من واجبات الحج ، واستدلوا على ذلك بالسنة , والإجماع .

    أما السنة : فالأحاديث كثيرة منها ؛ حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لما أتى إبراهيم عليه السلام المناسك عرض له الشيطان عند جمرة العقبة فرماه بسبعة حصيات حتى ساخ في الأرض ، ثم عرض له عند
    الجمرة الثانية فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض ، ثم عرض له عند الجمرة الثالثة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض ) (4)

    قال ابن عباس رضي الله عنهما : الشيطان ترجمون ، وملة أبيكم تتبعون .

    وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه ،
    فجاءه رجل فقال : لم أشعر ، فحلقت قبل أن أذبح ؟ قال : ( إذبح ولا حرج )
    فجاء آخر فقال : لم أشعر ، فنحرت قبل أن أرمي؟ قال ( إرم ولا حرج ) (5) الحديث .
    فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالرمي ، والأمر للوجوب .

    وقال صلى الله عليه وسلم : ( خذوا عني مناسككم ) (6)

    وأما الإجماع : فإن الأمة الإسلامية أجمعت على وجوب رمي الجمرات ؛ وهي رمي جمرة العقبة الكبرى يوم النحر ، والجمرات الثلاث ( الصغرى ، والوسطى ، والكبرى ) أيام التشريق ، اقتداء بفعل النبي صلى الله عليه وسلم ، فعن جابر رضي الله عنه ، أنه قال : ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر ، ويقول : ( لتأخذوا عني مناسككم ، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه) (7)

    2- آثار الرمي :
    يترتب على رمي الجمارآثار هامة في الحج ، وهي :
    - أثر رمي جمرة العقبة الكبرى :
    يترتب على رمي جمرة العقبة الكبرى التحلل الأول من إحرام الحج .

    - أثر رمي الجمار أول وثاني أيام التشريق :
    بعد أن يرمي الحاج الجمار أول وثاني أيام التشريق يجوز له أن ينفر من منى إن أحب التعجيل ، وهذا يسمى النفر الأول ، وبه يسقط رمي اليوم الأخير من أيام التشريق وهو قول عامة العلماء ؛ لقوله تعالى : ﴿ فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى ﴾ (8)

    وعن عبد الرحمن بن يعمر الديلي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    ( أيام منى ثلاثة : فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ، ومن تأخر فلا إثم عليه ) (9)

    - أثر رمي الجمار ثالث أيام التشريق :
    إذا رمى الحاج الجمار في اليوم الثالث من أيام التشريق ينفر من منى إلى مكة ، ولا يقيم بمنى بعد رميه في هذا اليوم ، ويسمى هذا النفر في آخر أيام التشريق النفر الثاني ؛ وبه ينتهي وقت رمي الجمار ، وتنتهي مناسك منى .

    المطلب الثالث : شروط صحة رمي الجمار .
    يشترط لصحة رمي الجمار الشروط التالية :

    1-أن يكون الرمي باليد ، وأن تقع الحصى في المرمى بفعل الرامي ، فلا يجوز الرمي بقوس ولا بمقلاع ولا برجل ، فلو ضرب شخص يد الرامي فطارت الحصاة إلى المرمى وأصابته لم يصح ، ولو رمى الحصاة فانصدمت بالأرض خارج الجمرة أو بمحمل في الطريق أو ثوب إنسان مثلاً ثم ارتدت فوقعت في المرمى أعتدَّ بها لوقوعها في المرمى بفعله من غير معاونة .
    أما لو حرك صاحب المحمل أو الثوب فنفض الحصاة فوقعت في المرمى لم يعتدُّ بها .
    وبناءاً على ما تقدم فإنه يجوز الرمي من الطابق العلوي لأنه أولى بالجواز من هذه الصور التي ذكرناها .

    2-أن يكون المرمي به حجراً عند الجمهور ( المالكية ، والشافعية ، والحنابلة ) ، فلا يصح الرمي بالطين والمعادن والتراب ، وقد استدل الجمهور بما ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما رمى جمرة العقبة ؛ فعن جابر يصف رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم لجمرة العقبة ، فيقول : (فرماها بسبع حصيات – يكبر مع كل حصاة منها – مثل حصى الخذف) (10)

    وقال الحنفية (11) : يجوز الرمي بكل ماكان من جنس الأرض ؛ كالحجر والتراب والطين والجص وكل ما يجوز التيمم به .

    وقال الحنفية أيضاً : إن المقصود هو فعل الرمي ؛ وذلك يحصل بالطين ، كما يحصل بالحجر ، بخلاف ما إذا رمى بالذهب أو الفضة ؛ لأنه يسمى نثراً لا رمياً . واستدل الحنفية بالأحاديث الواردة في الأمر بالرمي مطلقة عن صفة مقيدة ؛ كقوله صلى الله عليه وسلم : ( إرم ولا حرج ) (12)
    والأحوط والأرجح هو مذهب الجمهور ، وهو أن يكون المرمي به حجراً ، يقول الكمال بن الهمام : إن أكثر المحققين على أنها أمور تعبدية لا يشتغل بالمعنى فيها
    – أي بالعلة – والحاصل أنه إما أن يلاحظ مجرد الرمي ، أو مع الاستهانة ، أو خصوص ما وقع منه صلى الله عليه وسلم ، والأول يستلزم الجواز بالجواهر ، والثاني بالبعرة والخشبة التي لا قيمة لها ، والثالث بالحجر خصوصاً ؛ فليكن هذا أولى ، لكونه أسلم ، ولكونه الأصل في أعمال هذه المواطن ، إلا ما قام دليل على عدم تعيينه (13)

    3-أن يكون الحصى كحصى الخذف :
    وحصى الخذف هي التي يخذف بها ؛ أي ترمى بها الطيور والعصافير ، وذلك بوضع الحصاة بين اصبعي السبابة والإبهام وقذفها .
    وحصى الخذف أكبر من الحمصة ودون البندقة ، ويكره الرمي بالحجر الكبير ، أما عند الشافعية (14) فيجوز الرمي بالحجر الصغير الذي هو كالحمصة ؛ لأنه رمي بالحجر فيجزئه
    أما المالكية (15) فلم يجز عندهم ، وقالوا : لا بد أن يكون أكبر من الحمصة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة أن يرموا بمثل حصى الخذف .
    وقد روي عن الإمام أحمد بن حنبل (16) رحمه الله : بأن الرمي لا يجزىء إلا بحصى كحصى الخزف ، لا أصغر ولا أكبر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بهذا القدر ونهى عن تجاوزه ، والأمر يقتضي الوجوب ، والنهي يقتضي الفساد .

    4- أن يرمي الحاج كل جمرة بسبع حصيات متفرقات ؛ أي واحدة فواحدة ، فلو رمى حصاتين أو أكثر معاً فتعد حصاة واحدة ، ويلزمه أن يرمي بست حصاة غيرها ، ودليل ذلك أن المنصوص عليه تفريق الأفعال أثناء رمي الجمرات فيجب التقييد بالتفريق الوارد بالسنة النبوية (17)
    وإن شك في عدد الحصيات السبع ، هل رمى أقل أم أكثر ؟ فعليه أن يبني على الأقل ويحقق المطلوب يقيناً وهو السبع ، وعند الحنابلة ليس عدد السبع شرطاً ، فإن نقص عدد الحصيات حصاة أو حصاتين فلا بأس .

    5 – وقوع الحصى في المرمى :
    والمرمى هو الجمرة التي يجتمع فيها الحصى ، فإن وقعت الحصى دونه لم يجزئه .
    وقال الحنفية (18) : لو رماها فوقعت قريباً من الجمرة يكفيه ؛ لأن هذا القدر مما لا يمكن الاحتراز عنه ، أما لو وقعت بعيداً من الجمرة لا يجزيه ، وأما مقدار المسافة القريبة ، فقيل : ثلاثة أذرع فما دون ، وقيل : ذراع فأقل .
    أما في وقتنا الحاضر ؛ ولله الحمد قد تم تحديد المرمى بدائرة يجتمع فيها الحصى ويتوسطها عمود ، وكل حصاة وقعت ضمن هذه الدائرة فقد أجزأت .

    6- ترتيب الجمرات :
    وهو أن يبدأ الحاج برمي جمرة العقبة الكبرى يوم النحر ، ثم يرمي الجمرات أيام التشريق بالترتيب بأن يبدأ برمي الجمرة الصغرى ، ثم الوسطى ، ثم الكبرى ، فعند الجمهور ( المالكية ، والشافعية ، والحنابلة ) (19) :
    يعتبر هذا الترتيب شرط لصحة الرمي ، ودليلهم على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم رتبها كذلك كما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما :
    ( أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبعة حصيات يكبر على إثر كل حصاة ، ثم يتقدم حتى يُسْهِل (20) ، فيقوم مستقبل القبلة ، فيقوم طويلاً فيدعو ويرفع يديه ، ثم يرمي الوسطى ، ثم يأخذ ذات الشمال فيستهل ويقوم مستقبل القبلة ، فيقوم طويلاً ، ويدعو ، ويرفع يديه ويقوم طويلاً ، ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي ، ولا يقف عندها ، ثم ينصرف فيقول : هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله) (21)

    فاستدل الجمهور بحديث ابن عمر على وجوب ترتيب الجمرات كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم .

    أما عند الحنفية فالترتيب سنة ، فإذا أخل به الرامي يسن له الإعادة وهو قول الحسن وعطاء (22)
    وفسره الحنفية على سبيل السنية لا الوجوب ، واستدلوا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما , أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من قدم من نسكه شيئاً أو أخره فلا شيء عليه) (23)
    7- أن يكون الرامي هو الحاج بنفسه إذا كان قادراً على الرمي ، أما إذا كان عاجزاً عن الرمي بنفسه فيستنيب لعجزه من يرمي عنه .



    المبحث الثاني :
    كيفية الرمي ، ووقته ، وسننه ومكروهاته ، وفيه ثلاثة مطالب ،هي:

    المطلب الأول : كيفية الرمي .

    أثناء الرمي على الحاج أن يكون على بعد خمسة أذرع فأكثر عن الجمرة التي يجتمع فيها الحصى (24) ثم يمسك الحاج بالحصاة بطرفي إبهام وشاهدة يده اليمنى ، ويرفع يده حتى يرى بياض إبطيه ، ويقذفها ويكبر .
    وقيل : يستحب أن يضع الحصاة بين سبابتي يديه اليمنى واليسرى ويرمي بها ،
    ثم يقطع التلبية مع أول حصاة يرمي بها جمرة العقبة الكبرى يوم النحر ، ويشتغل بالتكبير ، فعن الفضل بن عباس قال : (كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم من جَمْع(25)إلى منى فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة) (26)
    أما المعتمر فيقطع التلبية عند بدء الطواف .

    ويكبر الحاج مع كل حصاة ، فعن جابر رضي الله عنه ، يصف رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم لجمرة العقبة فيقول : ( فرماها بسبع حصيات – يكبر مع كل حصاة منها - مثل حصى الخذف) (27)

    وصيغة التكبير جاءت في الحديث مطلقة (يكبر مع كل حصاة) ، فيجوز التكبير بأي صيغة من صيغه ، وقد اختار العلماء بعض صيغ التكبير منها :
    بسم الله والله أكبر ، رغماً للشيطان ، ورضا للرحمن ، اللهم اجعله حجاً مبروراً ، وسعياً مشكوراً ، وذنباً مغفوراً .
    ومنها أيضاً :
    الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر كبيراً ، والحمد لله كثيراً ، وسبحان الله بكرة وأصيلاً .
    لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون .
    لا إله إلا الله وحده صدق وعده ، ونصر عبده ، ونصر الأحزاب وحده ، لا إله إلا الله والله أكبر .

    وإن قال : ( اللهم اجعله حجاً مبروراً ، وذنباً مغفوراً ، وعملاً مشكوراً ) ، فحسن ؛ لأن ابن مسعود وابن عمر كانا يقولان نحو ذلك .

    ولو رمى الحاج وترك الذكر فلم يكبر ، ولم يأت بأي ذكر؛ جاز رميه ، ولكنه يكون قد أساء لتركه السنة .

    والمستند في ذلك ما ورد من الآثار الكثيرة عن الصحابة رضي الله عنهم (28)
    وقال الحنفية(29): لو سبح مكان التكبير ، أو ذكر الله ، أو حمده ، أو وحَّده ، أجزأه ؛ لأن المقصود من تكبيره صلى الله عليه وسلم الذكر (30)

    وبعد رمي الجمرة الأولى (الصغرى) يقف الحاج مستقبل القبلة ، فيدعو ويذكر الله تعالى، ويهلل ويسبح بقدر قراءة سورة البقرة ، وكذا بعد رمي الجمرة الثانية (الوسطى)
    أما بعد رمي الجمرة الثالثة (جمرة العقبة الكبرى) ، فلا يدعو ، ولكن ينصرف من الرمي وهو يقول : اللهم اجعله حجاً مبروراً ، وسعياً مشكوراً ، وذنباً مغفوراً .


    المطلب الثاني : وقت الرمي وآثاره .

    أيام رمي الجمار أربعة ؛ يشترط مراعاتها ، وهي يوم النحر ، وثلاثة أيام بعده تسمى أيام التشريق ، فيجب في يوم النحر رمي جمرة العقبة وحدها فقط بسبع حصيات ، ويجب في اليومين الأول والثاني من أيام التشريق رمي الجمار الثلاث على الترتيب ؛ يرمي أولاً الجمرة الصغرى ، ثم الوسطى ، ثم الكبرى (جمرة العقبة) ، ويرمي كل جمرة بسبع حصيات .

    فإذا رمى الحاج الجمار في أول وثاني أيام التشريق يجوز له أن ينفر – أي يرحل – إلى مكة إن أحب التعجل في الانصراف من منى ، ويسمى اليوم الثاني من أيام التشريق يوم النفر الأول ، وبه يسقط رمي اليوم الثالث من أيام التشريق اتفاقاً ؛لقوله تعالى :﴿ فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ، ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى ، واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون ﴾(31)
    أما الرمي ثالث أيام التشريق فيجب على من تأخر ولم ينفر من منى - النفر الأول – أن يرمي الجمار الثلاث في هذا اليوم ، وبعد الرمي ينصرف من منى إلى مكة ،
    وبه ولا يسن له أن يقيم بمنى بعد الرمي ، ويسمى هذا اليوم يوم النفر الثاني ، وبه تنتهي مناسك الحج (32)

    وأما وقت رمي الجمار عند الشافعية والحنابلة (33) يبدأ من نصف ليلة النحر لمن وقف بعرفة قبله ، والأفضل أن يكون بعد طلوع شمس يوم النحر .
    وقد استدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها ، أنها قالت : (أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل بأم سلمة ليلة النحر ، فرمت جمرة العقبة قبل الفجر ، ثم مضت فأفاضت) (34)

    وأما الوقت عند الشافعية والحنابلة يقسم إلى ثلاثة أقسام :
    - وقت فضيلة : أي إلى الزوال (35)
    - وقت اختيار : أي إلى الغروب .
    - وقت جواز : أي إلى آخر أيام التشريق .

    أما وقت الرمي ليوم النحر عند الحنفية والمالكية (36) وفي رواية عن أحمد : فيبدأ منطلوع فجر يوم النحر ، وهذا الوقت عندهم أقسام :

    - وقت مسنون : يبدأ بعد طلوع الشمس إلى الزوال في يوم النحر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (لا ترموا حتى تطلع الشمس) (37)
    - وقت جواز بلا إساءة : يبدأ بعد الزوال إلى غروب شمس يوم النحر .
    - وقت جواز مع الإساءة : يبدأ بعد طلوع الفجر من يوم النحر إلى طلوع الشمس .
    أما الليل فهو وقت جواز مع الإساءة عند الحنفية فقط ؛ ولا جزاء فيه ، واستدل الحنفية بحديث ابن عباس أنه قال : أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في الثقل (38) وقال : (لا ترموا الجمرة حتى تصبحوا)(39)
    فأثبتوا جواز الرمي ابتداءاً من الفجر بهذا الحديث .

    وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم ضعفاء أهله بغلس ، ويأمرهم ؛ يعني لا يرمون الجمرة حتى تطلع الشمس ) (40)
    فأثبتوا بهذا الحديث الوقت المسنون .

    وعند المالكية (41) : أن آخر وقت رمي جمرة العقبة الكبرى إلى المغرب وما بعده قضاء ، ويجب الدم إن أخره إلى المغرب على المشهور عندهم .

    وأما وقت رمي الجمرات الثلاث أيام التشريق فهو كما يلي :
    يبدأ الرمي في أيام التشريق بعد الزوال بالاتفاق ، ودليلهم حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ( رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين زالت الشمس ) (42)
    وأما نهاية وقت الرمي في اليوم الأول والثاني من أيام التشريق عند الفقهاء فيكون :
    عند الشافعية والحنابلة : أن آخر وقت الرمي ينتهي بغروب شمس اليوم الرابع من أيام النحر ؛ وهو آخر أيام التشريق ، ودليلهم : أن أيام التشريق كلها وقت للرمي ، فإذا أخره من أول وقته إلى آخره لم يلزمه شيء .

    وأما الحنفية والمالكية (43) : فقيدوا رمي كل يوم بيومه ثم فصلوا : فذهب الحنفية إلى أنه ينتهي رمي اليوم الثاني من أيام النحر بطلوع فجر اليوم الثالث ، ورمي اليوم الثالث ينتهي بطلوع الفجر من اليوم الرابع ، فمن أخر الرمي إلى ما بعد وقته فعليه قضاءه ، وعليه دم عندهم .
    والدليل على جواز الرمي بعد مغرب نهار الرمي هو حديث الإذن للرعاء بالرمي ليلاً ؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما, قال : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاة أن يرموا ليلاً ) (44)
    وذهب المالكية(45) : إلى أنه ينتهي أداء الرمي إلى غروب كل يوم ، وما بعده قضاء له ، ويفوت الرمي بغروب شمس اليوم الرابع ، ويلزمه دم في ترك رمي حصاة أو في ترك رمي الجميع ، وكذلك يلزمه دم إذا أخر شيئاً من رمي الحصيات إلى الليل .


    المطلب الثالث : سنن الرمي، ومكروهاته .

    أولاً :سنن الرمي .
    1-أن يكون بين الرامي وبين الجمرة مسافة خمسة أذرع فأكثر ، وهذا عند الحنفية ، وقالوا : إن ما دون ذلك يكون طرحاً ، فلو طرح الحاج الحصيات طرحاً أجزأه لكنه مخالف للسنة .
    2-الموالاة بين رمي الحصيات السبع .
    3-عدم كسر الحصيات ؛ وعلى الحاج أن يرمي كل حصية بدون أن يكسرها .
    4-طهارة الحصيات ؛ فيكره الرمي بحصى نجس ؛ فإذا رمى الحاج الحصى وهو نجس فيندب إعادة الرمي بحصى طاهر .
    5-ألا يكون الحصى مما رمي به .
    6-التكبير مع كل رمي حصاة ، ويقطع التلبية مع رمي أول حصاة يرمي بها جمرة العقبة الكبرى .
    7-الوقوف للدعاء بعد رمي الحاج لجمرة العقبة الصغرى ، وبعد رميه لجمرة العقبة الوسطى ، أما بعد رميه لجمرة العقبة الكبرى فلا يقف للدعاء ؛ لأن العبادة قد انتهت وكذلك لا يقف بعد رميه لجمرة العقبة الكبرى يوم النحر ولا بعد رميها أيام التشريق أيضاً ، ودليل هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما , قال : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر على إثر كل حصاة ، ثم يتقدم حتى يُسْهِل ، فيقوم مستقبل القبلة ، فيقوم طويلاً ويدعو ويرفع يديه ، ثم يرمي الوسطى ، ثم يأخذ ذات الشمال فيستهل ويقوم مستقبل القبلة ، فيقوم طويلاً ، ويدعو ، ويرفع يديه ، ويقوم طويلاً ، ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي ، ولا يقف عندها ، ثم ينصرف فيقول : هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله) (46)


    ثانياً : مكروهات الرمي , وهي :
    1-الرمي بعد المغرب في يوم النحر عند الحنفية ، وبعد زواله عند المالكية .
    2-الرمي بالحجر الكبير .
    3-الرمي بالحصى النجس .
    4-الزيادة على عدد السبع في رمي كل جمرة من الجمرات (47)


    ·المبحث الثالث :
    الرخص الشرعية في الرمي ، وفيه ثلاثة مطالب :

    المطلب الأول : الإنابة في الرمي (الرمي عن الغير)
    الإنابة في الرمي من الرخص الشرعية ، وهي خاصة بالمعذور الذي لا يستطيع الرمي بنفسه لمرض ، أو كبر سن ، أو حبس ، أو حمل المرأة ...

    فالمريض بعلة من العلل التي تجعل منه عاجزاًَ عن الرمي بنفسه ، بحيث تكون هذه العلة لا يرجى زوالها قبل انتهاء وقت الرمي ، وفي هذه الحالة يصح للمريض بعلة أن يستنيب من يرمي عنه ، وينبغي أن يكون النائب قد رمى عن نفسه فإن لم يكن رمى عن نفسه فليرمِ عن نفسه أولاً ، ثم يرمي عن من استنابه ، ويجزىء هذا الرمي عن الأصيل عند الحنفية (48) ، والشافعية (49)، والحنابلة (50)
    وقال الحنفية ، والمالكية (51): لو رمى الوكيل حصاة عن نفسه وأخرى عن وكيله جاز ، ولكنه مكروه .
    وقال الشافعية : إن الإنابة خاصة بمن به علة لا يرجى زوالها قبل انتهاء أيام التشريق كمريض أو محبوس .
    وعند الشافعية قول : إن الوكيل يرمي حصيات كل جمرة عن نفسه أولاً ، ثم يرميها
    عن المريض الذي أنابه إلى أن ينتهي من الرمي، وهذا شيء حسن يخفف من الزحام.

    أما من عجز عن الاستنابة كالصبي الصغير ، أو المغمى عليه ؛ فيرمي عن الصبي وليه باتفاق الفقهاء ، ويرمي عن المغمى عليه رفاقه عند الحنفية ، ولا فدية عليه .
    وقال المالكية : فائدة الاستنابة أن يسقط الإثم عنه إن استناب وقت الأداء ، وإلا فالدم عليه ؛ سواء استناب أم لا ، إلا الصغير ومن ألحق به .
    وإنما وجب عليه الدم دون الصغير ومن ألحق به كالمغمى عليه ؛ لأنه المخاطب بسائر الأركان .
    وأما المحبوس ، وكبير السن ، والمرأة الحامل ؛ فيصح أن يوكل كل واحد منهم من يرمي عنه الجمرات كلها .
    كما أنه يجوز التوكيل عن عدة أشخاص ، على أن يرمي الوكيل عن نفسه أولاً كل جمرة من الجمرات الثلاث ، ثم يرمي عن موكليه .
    ويستحب أن يناول النائب الحصى إن قدر ويكبر ، فيقول : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد ، كما نقل عن الشافعي رحمه الله تعالى .


    المطلب الثاني : حكم تأخر الرمي عن وقته .

    إذا أخر الحاج رمي حصاة فأكثر من الجمار لليل أو ليوم بعده ،ففي هذه الحالة عند المالكية (52): وجب عليه دم ؛ لخروج وقت الأداء وهو النهار ، ودخول وقت القضاء ، ويقضي رمي جمرة العقبة ،أو رمي اليوم الثاني ، أو رمي اليوم الثالث، قبل غروب شمس اليوم الرابع ؛ سواء أخره لعذر أم لا ، أو خالف ترتيب الجمرات ، وعليه دم .
    ويفوت الرمي بغروب اليوم الرابع وعليه دم ، ويلزم الدم أيضاً العاجز إذا استناب غيره في الرمي ، ويأثم أيضاً إذا لم يستنب لتقصيره ، وعلى النائب دم ثانٍ إن أخر الرمي لليل لغير عذر .
    وقال الشافعية والحنابلة : إذا أخر الحاج رمي يوم إلى ما بعده ، أو أخر الرمي كله إلى آخر أيام التشريق فلا شيء عليه ، ولكنه يكون قد ترك السنة فقط .

    المطلب الثالث : ترك الرمي .
    رمي الجمار واجب كما تقدم بيانه ، ولكن إن ترك الحاج الرمي ففيه تفصيل في المذاهب الفقهية على الشكل التالي :

    قال الحنفية (53) : إذا ترك من جمار العقبة الكبرى حصاة أو حصاتين أو ثلاثاً إلى الغد ؛ فإنه يرمي ما ترك في الغد أو يتصدق لكل حصاة نصف صاع (54) من بُرٍّ ، أو صاع من تمر أو شعير .
    والأصل أن ما يجب في جميعه دم يجب في أقله صدقة ، فلو ترك الرمي كله إلى الغد كان عليه دم عند أبي حنيفة ، فإذا ترك أقله تجب عليه الصدقة إلا أن يبلغ دماً، وإن ترك الأكثر منها فعليه دم في قول أبي حنيفة ؛ لأن في جميعه دماً عنده ، فكذا في أكثره .

    أما إذا ترك الحاج الرمي كله في سائر الأيام إلى آخر أيام الرمي ؛ وهو اليوم الرابع ، فإنه يرميها فيه على الترتيب وعليه دم عند أبي حنيفة ؛ لأن الرمي مؤقت عنده .

    ولو ترك رمي الجمار الثلاث كلها لزمه دم عند أبي حنيفة ؛ لأن جنس الجناية واحد ، وحظرها إحرام واحد ، فيكفيها دم واحد ، كما لو حلق ربع رأسه ؛ فإنه يجب عليه دم واحد ، وكذلك لو حلق جميع رأسه يلزمه دماً واحداً أيضاً ، وكذا لو طيَّب عضواً واحداً أو طيب أعضاءه كلها، أو لبس ثوباً واحداً أو لبس ثياباً كثيرة؛ فإنه لا يلزمه في ذلك كله إلا دم واحد .أما إذا ترك رمي جميع الجمار حتى غربت شمس آخر أيام الرمي وهو آخر أيام التشريق ، فيسقط عنه الرمي وعليه دم واحد باتفاق الحنفية ؛ وذلك لفوات وقت الرمي وتعذر القضاء وتركه الواجب عن وقته .

    وقال المالكية (55): لو ترك حصاة واحدة أثناء الرمي ، أو ترك رمي الجميع ؛ فيلزمه دم في ذلك .

    وقال الشافعية(56): إذا ترك الحاج رمي جمرة العقبة الكبرى ، أو ترك رمي يوم من أيام التشريق ، فيمكن أن يتداركه في باقي الأيام من أيام التشريق في الأظهر ، واستدلوا بذلك بنص الحديث المبيح لتأخير الرمي للرعاة وأهل السقاية ؛ إذ لا فرق بين المعذور وغيره كما في الوقوف بعرفة والمبيت بالمزدلفة ، ولا دم عليه إن تداركه ؛ لحصول الانجبار بالمأتي به ، وإن لم يتداركه فعليه دم في رمي يوم أو يومين أو ثلاثة أو يوم النحر مع أيام التشريق ؛ لاتحاد جنس الرمي ، فأشبه حلق الرأس ، والمذهب وجوب دم كامل في ترك ثلاث حصيات ؛ لأن الثلاث أقل الجمع ،كما لو أزال ثلاث شعرات متواليات ، فقد روى البيهقي عن ابن عباس بإسناد صحيح أنه قال :(من ترك نسكاً فعليه دم) ، وفي ترك الحصاة الواحدة مدٌّ ، وفي اثنتين مدَّان .

    وقال الحنابلة (57) : إذا أخر رمي يوم إلى ما بعده ، أو أخر الرمي كله إلى آخر أيام التشريق فيكون قد ترك السنة ولا شيء عليه ، إلا أنه يقدم بالنية رمي اليوم الأول ، ثم اليوم الثاني ، ثم اليوم الثالث ؛ لأن أيام التشريق كلها وقت للرمي ، فإن أخره من أول وقته إلى آخره لم يلزمه شيئاً ، كما لو أخر الوقوف بعرفة إلى آخر وقته ، لأنه وقت يجوز الرمي فيه ، فجاز في آخره كاليوم الأول .

    فإذا أخر الحاج رمي يوم إلى ما بعده فلا يكون رميه في اليوم الثاني قضاءاً وإنما هو أداءاً ؛ لأنه وقت واحد ، مع ترك الأفضل .
    وإن نقص الرمي حصاة أو حصاتين فلا بأس ، ولا ينقص أكثر من ذلك ، قال ابن عمر رضي الله عنهما : ( ما أبالي رميت بست أو سبع )
    أما إن ترك الحاج الرمي ، أو خالف ترتيب الجمرات وجب عليه دم .


    ·النتائج والتوصيات :

    -رمي الجمار واجب ، فإن تأخر عن وقته أو فات وجب دم على النحو المقرر فقهاً.
    -يجوز للحاج قضاء رمي جمرة العقبة ، أو رمي جمرات اليوم الثاني أو الثالث قبل غروب شمس اليوم الرابع ؛ سواء أخره لعذر أم لا ، أو خالف ترتيب الجمرات ، وفي هذه الحالة عليه دم عند بعض الفقهاء .

    -إذا أخر الحاج الرمي كله إلى اليوم الرابع وهو آخر أيام الرمي ؛ فإنه يقدم بالنية رمي اليوم الأول ثم الثاني ثم الثالث ؛ لأن أيام التشريق كلها وقت للرمي ، فإن أخره من أول وقته إلى آخره لم يلزمه شيء – عند الحنابلة – كما لو أخر الوقوف بعرفة إلى آخر وقته ، ولأنه يجوز الرمي فيه فجاز في آخره كاليوم الأول .

    -يجب تعاون جميع الجهات المعنية بخدمة الحجاج ؛ بتسخير كل الإمكانات ، وتفعيل كل البرامج التوعوية في سبيل تثقيف حجاج بيت الله الحرام بالابتعاد عن كل الأخطار حفاظاً على الأرواح ، ولاسيما أيام رمي الجمرات .

    توعية حجاج بيت الله الحرام بطرق الأمن والسلامة أثناء رمي الجمرات لتجنب الأخطار التي تلحق بهم .

    -على الحجاج أن يتجنبوا الأماكن المزدحمة أثناء رمي الجمرات بتأجيل الرمي فيما بعد ؛ لتجنب حدوث ما لا تحمد عقباه .

    -تجنب الحجاج افتراش الأرصفة والشوارع والممرات التي تودي لرمي الجمرات؛ وذلك لتجنب الأذى لهم ولغيرهم .

    -عدم النوم والجلوس في الطرق والممرات المؤدية للجمرات .

    -عدم الوقوف والاستراحة بعد الانتهاء من رمي الجمرات ، فهناك أماكن مخصصة لراحة الحجاج خارج منطقة الجمرات .

    -يجب على الحجاج إتباع إرشادات رجال الأمن وعدم مخالفتها ؛ لأن مهمة رجل الأمن المحافظة على سلامة الحجاج , وعدم تعرضهم للمخاطر .

    -استعجال الحاج في أداء رمي الجمرات قد يسبب الأذى والخطر له ولغيره من الحجاج .

    -شريعة الإسلام تتصف بالرحمة والمحبة والشفقة والتعاون ، فعلى الحاج أن يكون رحيماً ومحباً وشفيقا ومتعاوناً مع جميع الحجاج ولاسيما كبار السن والضعفاء منهم؛ فهم في أمس الحاجة إلى المساعدة أثناء أداء جميع مناسك الحج بشكل عام، وبشكل خاص أثناء رمي الجمرات .




    ·الهوامش :
    (1) انظر: لسان العرب ، والصحاح ، والقاموس المحيط ، وتهذيب اللغة .
    (2) سورة النور، الآية : 4
    (3) مختار الصحاح .
    (4) سنن البيهقي .
    (5) متفق عليه .
    (6) أخرجه مسلم .
    (7) رواه أحمد ، ومسلم ، والنسائي .
    (8) سورة البقرة ، الآية : 203
    (9) أخرجه أحمد في مسنده 4 / 309
    (10) أخرجه مسلم 2 / 892 .
    (11) الهداية 2 / 177
    (12) متفق عليه .
    (13) فتح القدير ، والهداية 2 / 177 .
    (14) مغني المحتاج 1 / 507 ، ونهاية المحتاج 2 / 434 ، والمجموع 8 / 147
    (15) الشرح الكبير 2 / 50 ، ومواهب الجليل 3 /134
    (16) المغني 3 / 425
    (17) انظر : شروح الهداية 2 /176 ، ولباب المناسك وشرحه ص 164 ، ورد المحتار على الدر المختار 2/ 246 ، وحاشية الدسوقي 2 /50 ، وشرح الرسالة 1 / 478 ، والمغني 3 /430 ،
    والفروع 3 / 512
    (18) فتح القدير 2 / 176 ، وشرح اللباب ص 163 .
    (19) الشرح الكبير وحاشيته 2 / 51 ، ومواهب الجليل 3 / 134 ، ونهاية المحتاج 2 / 435 ، والمغني
    3 / 453 ، والفروع 3 / 518 .
    (20) يُسْهِل وكذا يستهل : أي يسير في السهل .
    (21) صحيح البخاري ، حديث ابن عمر في صفة رمي الجمرة
    (22) بدائع الصنائع 2 /139 ، وفتح القدير 2 / 183 ، وشرح اللباب ص 167 ، والمبسوط 4 /65
    (23) أخرجه البيهقي في السنن 5 /144
    (24) هذا ما اختاره الحنفية .
    (25) جَمْع : هي مزدلفة لاجتماع الناس فيها .
    (26) رواه الجماعة
    (27) أخرجه مسلم .
    (28) أنظر طائفة من صيغ التكبير في المغني 3 / 427 وما بعدها .
    (29) الهداية وفتح القدير 2 / 185
    (30) الهداية 2 / 5
    (31) سورة البقرة ، الآية : 23
    (32) انظر : الهداية وفتح القدير 2 / 185 ، وشرح الرسالة وحاشية العدوي 1 / 480 ، والشرح الكبير وحاشيته 2 / 47 ، وشرح المنهاج 2 / 123 ، ونهاية المحتاج 2 / 435 ، والمغني 3 / 450
    (33) انظر : الإيضاح ص 354 ، والنهاية 2 / 429 ، والمغني ، والفروع ، ونهاية المحتاج عن الرافعي
    2/ 430
    (34) رواه أبو داود 2 / 428
    (35) وقوله ( إلى الزوال ) أي من بعد طلوع الشمس
    (36) الهداية 2 / 185 ، والبدائع 2 / 137 ، وشرح اللباب ص 158 ، والشرح الكبير 2 / 48 ، وشرح الرسالة بحاشية العدوي 1 / 475 ، والمغني 3 / 429 ، والفروع 3 / 513
    (37) رواه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن الأربعة)
    (38) الثَّقَل : بفتحتين ؛ أي متاع المسافر .. انظر : ( مختار الصحاح) مادة ثقل .
    (39) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 2 / 217
    (40) أخرجه أبو داود 2 / 4781 ، والترمذي 3 / 231 ، وقال : حديث حسن صحيح .
    (41) الشرح الكبير 2 / 50 ، وشرح الرسالة 1 / 477
    (42) رواه أحمد ، وابن ماجه ، والترمذي .
    (43) المبسوط 4 / 68 ، وشرح اللباب ص 161
    (44) رواه الطبراني في الكبير .
    (45) الشرح الكبير 2 / 51 ، وشرح الرسالة 1 / 480
    (46) أخرجه البخاري .
    (47) أنظر مكروهات الرمي في شرح اللباب ص 167 ، والأم 2 / 213
    (48) المبسوط 4 / 69 ، وبدائع الصنائع 2 / 132 ، وحاشية شلبي على شرح الكنز 4 / 34 ، والفتاوى الهندية 1 / 221
    (49) الأم 2 / 214 ، والمجموع 8 / 185 ، وشرح المنهاج مع حاشية القليوبي 2 / 123 ، ونهاية المحتاج 2 / 435 ، ومغني المحتاج 1 / 508
    (50) المغني 3 / 491
    (51) شرح الزرقاني على مختصر خليل ، وحاشية البناني 3 / 282 ، والشرح الكبير بحاشيته 2/ 51
    (52) الشرح الصغير 2 / 65 ، والشرح الكبير للدسوقي 2 / 48
    (53) بدائع الصنائع 2 / 138 ، اللباب 1 / 205
    (54) الصاع الشرعي أو البغدادي مقداره (2751) غراماً
    (55) الشرح الصغير 2 / 63 ، والشرح الكبير مع الدسوقي 2 / 47 ، وشرح الزرقاني2 / 282 .
    (56) مغني المحتاج 1 / 510 ، شرح المنهاج وحاشية القليوبي 2 / 123 ، والمجموع 8 / 185 ، ونهاية المحتاج 2 / 435
    (57) المغني 3 / 455 وما بعد ، وغاية المنتهى 1 / 415
    ·قائمة المصادر والمراجع :
    1-القرآن الكريم .
    2-الأم ، الإمام محمد بن إدريس الشافعي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1413هـ /1993م .
    3-أساس البلاغة ، محمود بن عمر الزمخشري ، مطبعة الشعب ، القاهرة .
    4-البحر الرائق شرح كنز الدقائق ، زين الدين بن إبراهيم بن نجيم ، مطبعة الكتب العربية للحلبي ، مصر .
    5-بدائع الصنائع ، علاء الدين بن مسعود الكاساني ، مطبعة الجمالية ، القاهرة .
    6-بلغة السالك لأقرب المسالك ، أحمد الصاوي ، المكتبة التجارية ، القاهرة .
    7-البناية في شرح الهداية ، محمد بن أحمد العيني ، دار الفكر ، بيروت ، 1411 هـ/1990م .
    8-البهجة في شرح التحفة ، علي بن عبد السلام التسولي ، مطبعة مصطفى الحلبي، القاهرة .
    9-تاج العروس شرح القاموس ، محمد مرتضى الزبيدي ، المطبعة الخيرية، القاهرة.
    10-التاج والإكليل لمختصر خليل ، محمد بن يوسف الشهير بالمواق ، مطبوع على هامش مواهب الجليل ، مطبعة السعادة .
    11-تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ، عثمان بن علي الزيلعي ، مطبعة بولاق ، مصر .
    12-التحرير المختار على الدر المختار ، عبد القادر الرافعي ، المطبعة الأميرية ، القاهرة .
    13-تحفة الفقهاء ، علاء الدين السمرقندي ، دار الفكر ، دمشق .
    14-تحفة المحتاج بشرح المنهاج ، أحمد بن حجر الهيثمي ، مطبعة دار صادر ، بيروت .
    15-الجامع الصغير ، محمد بن حسن الشيباني ، طبعة الهند .
    16-جواهر الإكليل شرح مختصر خليل ، صالح عبد السميع الآبي ، دار إحياء الكتب العربية ، بيروت .
    17-حاشية الشلبي على تبيين الحقائق ، أحمد شلبي ، مطبوع على هامش تبيين الحقائق .
    18-حاشية الدرر على الغرر ، محمد بن مصطفى بن عثمان الخادمي ، مطبعة دار السعادة .
    19-حاشية على الدر المختار ، الطحاوي ، المطبعة الأميرية ، القاهرة .
    20-حاشية الخرشي على مختصر خليل ، طبعة مصر .
    21-حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ، محمد عرفة الدسوقي ، مطبعة عيسى الحلبي ، مصر .
    22-حاشية العدوي على شرح أبي الحسن على رسالة القيرواني ، علي الصعيدي العدوي ، وبالهامش شرح أبي الحسن على رسالة أبي زيد القيرواني ، مطبعة العيسى الحلبي ، مصر .
    23-حاشية الباجوري على شرح بن القاسم الغزي ، الشيخ إبراهيم الباجوري ، المطبعة الميمنية ، مصر .
    24-حاشية البجيرمي على الخطيب ، المسماة تحفة الحبيب ، سليمان البجيرمي ، مطبعة التقدم العلمية ، مصر .
    25-حاشية الجمل على شرح المنهج للأنصاري ، الشيخ سليمان الجمل ، المكتبة التجارية ، القاهرة .
    26-حاشية الشرقاوي على شرح التحرير للأنصاري ، عبد الله بن حجازي المشهور بالشرقاوي .
    27-حاشية قليوبي وعميرة على شرح جلال الدين المحلي ، أحمد بن أحمد القليوبي ، وأحمد البرلسي الملقب بعميرة ، مطبعة مصطفى الحلبي ، مصر .
    28-حواشي الشرواني وابن قاسم العبادي على تحفة المحتاج ، المطبعة الميمنية ، مصر .
    29-رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ، والمعروفة بحاشية ابن عابدين ، محمد أمين الشهير بابن عابدين ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، 1419 هـ / 1998 م .
    30-الروض المربع شرح زاد المستنفع ، منصور بن إدريس البهوتي ، مطبعة دار الكتاب العربي ، بيروت ، 1406 هـ / 1986 م .
    31-روضة الطالبين وعمدة المفتين ، للإمام النووي ، مطبعة المكتب الإسلامي ، بيروت ، 1405 هـ / 1985 م .
    32-سنن ابن ماجه ، محمد بن يزيد القزويني ، مطبعة عيسى الحلبي ، القاهرة .
    33-سنن أبي داود ، سليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت .
    34-سنن الترمذي ، محمد بن عيسى بن سورة الترمذي ، مطابع دار الفجر الحديثة، حمص .
    35-سنن النسائي ، أبو عبد الرحمن بن شعيب النسائي ، مطبعة مصطفى الحلبي ، القاهرة .
    36-شرح فتح القدير ، السكندري المعروف بابن الهمام ، وبهامشه بقية شرح العناية على الهداية ، للبارتي .
    37-شرح الخرشي على مختصر خليل ، أبو عبد الله محمد الخرشي ، وبهامشه حاشية علي العدوي ، المطبعة الأميرية بولاق مصر .
    38-الشرح الصغير على أقرب المسالك ، للشيخ أحمد الصاوي ، مطبعة مصطفى الحلبي ، مصر .
    39-الشرح الكبير على مختصر خليل ، الشيخ أحمد الدردير ، مطبعة بولاق ، مصر.
    40-الشرح الكبير ، ابن قدامة شمس الدين ، وهو شرح على المقنع لموفق الدين ابن قدامة ، مطبوع على هامشه المغني ، مطبعة المنار القاهرة .
    41-شرح منتهى الإرادات ، البهوتي ، دار الفكر، بيروت .
    42-الصحاح ، تاج اللغة وصحاح العربية ، إسماعيل بن حماد الجوهري ، دار الكتاب العربي ، مصر .
    43-صحيح البخاري ، محمد بن إسماعيل البخاري ، المكتبة الإسلامية ، تركيا .
    44-صحيح مسلم ، مسلم بن الحجاج القشيري ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
    45-فتاوى ابن تيمية ، مطبعة الكردي ، القاهرة .
    46-الفتاوى الهندية ، مطبعة بولاق ، مصر .
    47-فتح القدير في شرح الهداية ، للمرغيناني ، الكمال بن الهمام ، المكتبة التجارية، مصر .
    48-الفروع ، محمد بن مفلح المقدسي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1418هـ/1997م .
    49-لسان العرب المحيط ، ابن منظور ، دار الجيل ، ودار لسان العرب ، بيروت ، 1408هـ / 1988م .
    50-المبسوط ، شمس الدين محمد أبي سهل السرخسي ، دار الكتب العلمية، بيروت، 1414هـ / 1993م .
    51-المجموع ، شرح المهذب للشيرازي ، أبو زكريا يحيى بن شرف النووي ، دار عالم الكتب ، الرياض ، 1423هـ / 2003م .
    52-مختار الصحاح ، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي ، مكتبة النوري ، دمشق .
    53-المدونة الكبرى ، الإمام مالك بن أنس الأصبحي ، برواية سحنون بن سعيد التنوخي، عن عبد الرحمن بن قاسم ، دار الفكر ، بيروت ، 1398هـ/1978م .
    54-مسند الإمام أحمد بن حنبل ، دار التعارف ، مصر .
    55-مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج ، شرح الشيخ محمد الخطيب الشربيني ، دار الفكر ، بيروت .
    56-المغني عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ، ويليه الشرح الكبير على متن المقنع المقنع لابن قدامة المقدسي ، دار الكتب العلمية ، بيروت .
    57-منتهى الإرادات ، منصور بن يونس البهوتي ، دار الفكر ، بيروت .
    58-منح الجليل على مختصر خليل ، الشيخ محمد عليش ، المطبعة العامرة ، القاهرة
    59-مواهب الجليل شرح مختصر خليل ، محمد بن محمد المعروف بالحطاب ، مطبعة السعادة ، مصر .
    60-الموطأ ، الإمام مالك بن أنس الأصبحي ، مطبعة الشعب ، مصر .
    61-نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج ، محمد بن أحمد شهاب الدين الرملي ، مطبعة مصطفى الحلبي ، القاهرة .
    62-نيل الأوطار ، محمد بن علي الشوكاني ، دار القلم ، بيروت .
    63-الهداية شرح بداية المبتدي ، علي بن أبي بكر المرغيناني ، المكتبة الإسلامية ، تركيا.


    معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج
    الملتقى العلمي الخامس لأبحاث الحج
    ( دراسة منطقة الجمرات )
    الـ SHARKـاوي
    إستراتيجيتي في تجاهل السفهاء:
    ذبحهم بالتهميش، وإلغاء وجودهم المزعج على هذا الكوكب، بعدوى الأفكار،
    فالأفكار قبل الأشخاص، لأن الأفكار لها أجنحة، فأصيبهم بعدواها الجميلة. وهذا الواقع المظلم الذي نعيش سيتغير بالأفكار،
    فنحن في عصر التنوير والإعصار المعرفي، ولا بد للمريض أن يصح، ولا بد للجاهل أن يتعلم، ولا بد لمن لا يتغير، أن يجبره الواقع على التغير،
    ولا بد لمن تحكمه الأموات، الغائب عن الوعي، أن يستيقظ من نومة أهل الكهف أو يبقى نائما دون أثر، لا يحكم الأحياء!

  • #2
    بسم الله الرحمن الرحيم

    الرمي قبل الزوال.. من يحتمل الوزر ؟
    د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه

    منذ مدة، والمفتون بوجوب الرمي بعد الزوال، يُحمّلون وزر الوفيات يوم الثاني عشر؛ أن فتواهم ضيق واسعا، فحمل الناس على التزاحم، والتقاتل، ثم الموت !!.

    فهاهنا مسألتان للبحث، هما:
    الأولى: تحرير وقت الرمي أيام التشريق.
    الثانية: من يحتمل الوزر ؟.
    * * *
    المسألة الأولى: وقت الرمي أيام التشريق.
    مسائل الحج تدور بين ثلاث مراتب، هي: الركنية، والوجوب، والاستحباب.
    فلها حظ في هذه المراتب كلها، وكل مرتبة منها لها حدود، تبينها، وتميزها عن غيرها.

    فالركن: ما لا يتم ولا يصح الحج إلا به. وطريق معرفته من النصوص:
    1- أن يرد الأمر به في نص خاص.
    2- أن يفعله النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه.
    3- ألا يرخص فيه بحال، حتى لأصحاب الأعذار.[1]

    كالوقوف بعرفة:
    - جاء الأمر به على الخصوص نصا، في قوله تعالى: {فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا}، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة) [أبو داود]، وفي حديث عروة بن مضرس: (من شهد صلاتنا هذه، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ساعة من ليل أو نهار، فقد تم حجة وقضى تفثه) [رواه الخمسة]
    - وفعله النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه، فوقف بعرفة مع الناس.
    - ولم يرد أنه رخص لأحد في تركه، بل شدد في ذلك، ولم يعذر أحدا، كما في حديث عروة.
    فثبت بهذا أنه ركن، كالإحرام، وطواف الإفاضة، وسعي الحج.

    والواجب: ما يختل الحج بتركه، دون أن يفسده، ويجبر بدم. وطريق معرفته بالنصوص:
    1- أن يرد الأمر به في نص عام، وقد يرد فيه نص خاص.
    2- أن يفعله النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه.
    3- أن يرد عليه الترخيص لفئة. فإن لم يرخص فهو أقوى في الوجوب؛ لكنه يأتي مع الأمر العام.
    كالوقوف بعرفة حتى الغروب:
    - جاء الأمر به في نص عام، هو قوله صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني مناسككم).
    - فعله النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه، فوقف حتى الغروب.
    - لم يرد فيه ترخيص.
    ولم يكن ركنا لأمرين، هما:
    1- كون الأمر به عاما، وليس بخاص. فالأمر الخاص أقوى في الدلالة من العام.
    2- لأن عدم الترخيص لأصحاب الأعذار بالنص، كما في حديث عروة بن مضرس، أقوى في الدلالة على الوجوب المؤكد، من مجرد أنه: لم يرد فيه ترخيص.
    وكذا طواف الوادع:
    - ورد به أمر خاص، قوله عليه السلام: (لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت). [مسلم]
    - وفعله النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه.
    - لكنه ورد فيه ترخيص للحائض، في حادثة أم المؤمنين صفية رضي الله عنها: (أحابستنا هي)؟، فلما أخبر أنها طافت، قال: (فلتنفر إذاً). [متفق عليه]
    فدل هذا على وجوبه، لا ركنيته؛ إذ حصل الأمر به على الخصوص والتعيين، فشابه بذلك الركن، لكنه تراجع عنه بالترخيص فيه. والركن لا يرخص فيه بحال.

    والمستحب: ما لا يكمل الحج إلا به. وطريق معرفته:
    1- أن يرد الأمر به في نص عام، وقد يرد فيه نص خاص.
    2- أن يفعله النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه.
    3- أن يرد عليه صارف.
    كصلاة الطواف:
    - ورد الأمر به في نص خاص، قال تعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}.
    - والنبي صلى الله عليه وسلم فعله بنفسه.
    - لكن ورد عليه صارف، يصرفه عن الوجوب إلى السنية، حديث الأعرابي: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عما افترضه الله عليه، فقال: (خمس صلوات في اليوم والليلة. قال: هل علي غيرها ؟. قال: لا، إلا أن تطوع). فعلم أنه لا فرض على العبد غير الخمس. وكل ما عداها فسنة.
    ** *
    بعد التعريف بهذه المراتب: نأتي إلى مسألة الرمي قبل الزوال. من أي هذه المراتب ؟.
    هذا يحتاج إلى توصيف وقت الرمي، ومعرفة ما ورد فيه عن الشارع.
    فأولا: لنرى ما ورد في توقيت الرمي من أمر، إن كان عاما أم خاصا ؟.
    بالبحث لا نجد أمرا خاصا على التعيين، لكن نجد الأمر العام: (خذوا عني مناسككم). وهو نص يشمل كل الأنساك في الحج، وكيفية فعلها.
    وثانيا: مما لا خلاف عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم تعمد وقصد الرمي بعد الزوال، ولم يفعله قبله ألبتة، لا في الحادي، ولا الثاني، ولا الثالث عشر. وكان يمكنه أن يفعل قبل وبعد، لكنه ثبت على بعد الزوال، كما في حديث: جابر، وابن عمر، وابن عباس، وعائشة.
    - عن جابر: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة ضحى يوم النحر وحده، ورمى بعد ذلك، بعد زوال الشمس)، [متفق عليه]
    - عن ابن عمر: ( كنا نتحين، فإذا زالت الشمس رمينا ).
    - عن ابن عباس: (رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمار حين زالت الشمس). [الترمذي]
    - عن عائشة: (فمكث بها ليالي التشريق، يرمي الجمرة إذا زالت الشمس). [أبو داود]
    فهذان أمران متفق عليهما، وبذلك يخرج توقيت الرمي عن مرتبة الركنية؛ لأن من شرط الركن أن يكون بنص خاص، والتوقيت هنا بنص عام.
    إذن توقيت الرمي - حتى الآن - دائر بين الوجوب والاستحباب، فإذا ثبت عدم الترخيص فيه لأحد، أو الترخيص لطائفة، أو عدم الصارف، فإن مرتبته هو الوجوب، ومع وجود الصارف فهو مستحب ؟.
    فلنختبر الأمر إذن ؟.
    الذين قالوا بعدم الوجوب يقولون بالاستحباب. فالأدلة التي يوردونها فلا بد أن تكون صارفة.
    فلا تفيد إذا كان فيها ترخيص لفئة؛ لأنه حينئذ يكون من جنس الترخيص في الدفع من مزدلفة ليلا، وترك المبيت بمنى ليالي التشريق، وجمع رمي يومين في يوم، لأصحاب الأعذار.
    كما لا تفيد إذا لم يرد فيها ترخيص لأحد؛ لأنه حينئذ يكون من جنس عدم الترخيص لأحد بالنفرة قبل الغروب من عرفة.
    فنحن ننظر في هذه الأدلة التي أوردوها، والتي يفترض أن تكون صارفة عن الوجوب إلى الاستحباب.
    * * *
    أدلة المجوزين الرمي قبل الزوال: [2]
    الدليل الأول:
    حديث عبد الله بن عمرو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سئل عن شيء قدم ولا أخر، إلا قال: (افعل ولا حرج) متفق عليه
    هذا الأثر لا علاقة له بالمسألة:
    فأولا: هو في أعمال يوم النحر، وإنما النزاع في الرمي أيام التشريق.
    وثانيا: هو في ترتيب الأعمال، وليس في توقيت العمل المعين.
    وثالثا: لو أن الصحابة رضوان الله عليهم فهموا من قوله هذا - صلى الله عليه وسلم - عموم الدلالة حتى في وقت الرمي أيام التشريق، لنقل ترخص بعضهم بذلك في حجهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، أو جاءه من يقول: "رميت قبل أن تزول"، فلما لم ينقل إلا رميهم بعد الزوال: دل على أن قوله صلى الله عليه وسلم: (افعل ولا حرج) لا يشمل توقيت الرمي في أيام التشريق.
    فثبت بهذا: أن هذا الأثر لا يصلح صارفا للأمر العام والفعل النبوي عن الوجوب إلى الاستحباب.

    الدليل الثاني:
    قالوا: " ومن الأدلة: قوله تعالى: {واذكروا الله في أيام معدودات}.
    والرمي من الذكر، كما صح عن عائشة رضي الله عنها: (إنما جعل الطواف بالبيت، وبين الصفا والمروة، ورمي الجمار، لإقامة ذكر الله". فجعل اليوم كله محلا للذكر، ومنه الرمي.
    وهذا يشبه أن يكون كالنص في المسألة عند التأمل".
    وهذا استدلال ضعيف متكلف..!!.
    ذلك لأنه لا صيغة للتعبير عن المعنى، سوى الأيام، أو الليالي. والليالي غير وافية لليوم؛ لأنها نصفه، فما بقي إلا التعبير بالأيام، ففيها يجتمع الليل والنهار، فيدل عليهما جميعا، وعلى ما فيها من الذكر، من: طواف، وسعي، ورمي فيه الذكر. كل منها في وقتها المحدد بالفعل النبوي.
    فهو دليل على أن هذه الأيام أوقات للذكر؛ كل ذكر فيها، محله هو الذي وُقِّتَ له شرعا. لا يلزم منه أن كل ذكر فيها فهو مطلق في كل الأوقات. وإذا كان الطواف والسعي في كل هذه الأوقات مطلقا، فهذا لثبوته عن الشارع نفسه هذا الإطلاق. والرمي جاء عن الشارع توقيته بما بعد الزوال، فوجب الأخذ بهذا التقييد، كما وجب الأخذ بذلك الإطلاق.
    فإذا رمى بعد الزوال صح أنه من ذكر الله تعالى في هذه الأيام، وإذا رمى قبل صح كذلك أنه ذكر، لكن فعل النبي صلى الله عليه وسلم مبين، فقد بيّن وقته بعد الزوال، فوجب حمل الآية عليه.
    فثبت بهذا: أن هذا الدليل لا يصلح صارفا عن الوجوب إلى الاستحباب.

    الدليل الثالث:
    قالوا: "لا دليل صريح في النهي عن الرمي قبل الزوال، لا من الكتاب، ولا من السنة، ولا من الإجماع، ولا من القياس".
    هذه مسألة: هل الوجوب لشيء لا يستفاد إلا من النهي عن ضده ؟.
    فإن معنى هذا الكلام: أن وجوب الرمي بعد الزوال لا يثبت إلا إذا ثبت النهي عن الرمي قبل الزوال. فإن لم يوجد النهي، فالرمي بعد الزوال ليس بواجب.
    وفعله صلى الله عليه وسلم، وأمر به أمرا عاما: (خذوا عني مناسككم)، فلا يفيد أكثر من استحبابه.. حتى لو لم يرخص لأحد في الرمي قبل الزوال.. حتى لو لم يرد صارف.
    وبمثل هذا يمكن إبطال واجبات كثيرة؛ لأجل أنه لم يرد فيها نهي عن ضدها !!.
    والمعلوم أن الوجوب يثبت بمجرد الأمر، لقوله صلى الله عليه وسلم:
    - (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه). [مسلم/الحج/فرض الحج مرة في العمر].
    - ولأمر الله تعالى بذلك: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}.
    فهذا نص على أن مجرد الأمر يثبت به الوجوب، وأما النهي فطريق آخر للوجوب، فإذا اجتمعا كان الوجوب أقوى.
    فإذا كان الأمر العام ضعيفا في الإيجاب، فإن في اتباعه بالفعل النبوي تقوية، وفي الترخيص فيه لأحد لعذر: ثبوت لوجوبه. وفي حال لم يرخص لأحد: فتأكيد لوجوبه.
    وفي كل حال: هذا الاستدلال لا يصلح أن يكون صارفا؛ لبطلانه من الأساس.

    الدليل الرابع:
    قالوا: "لو كان الرمي قبل الزوال منهيا عنه لبينه النبي صلى الله عليه وسلم بيانا شافيا، حينما أجاب السائل الذي سأله عن رميه بعدما أمسى، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز".
    ألا يكفي في البيان الشافي: أمره العام، وفعله، وعدم الترخيص لأحد، أو الترخيص لفئة ؟.
    هكذا ثبتت واجبات، كالوقوف بعرفة حتى الغروب، والمبيت بمزدلفة، ورمي جمرة العقبة، والجمار، والمبيت بمنى. وهذه وإن خالف في وجوب بعضها أحد، إلا أنه لا أحد يقول بعدم وجوب شيء منها. فتلك التي وجبت منها: كيف استدل على وجوبها إذن ؟!.
    فهذا كذلك استدلال ليس بصارف.

    الدليل الخامس:
    قالوا: "رمي الرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الزوال، بمثابة وقوفه بعرفة بعد الزوال إلى الغروب. ومن المعلوم: أن الوقوف بعرفة لا ينتهي بذلك الحد، بل الليل كله وقت وقوفه أيضا".
    وقت الوقوف بعرفة لا ينتهي عند الغروب لورود نص فيه، هو حديث عروة بن مضرس.
    فأين مثل هذا النص في الرمي قبل الزوال ؟.
    إلا إن كان مقصود هذا الدليل: الاستدلال به على جواز الرمي ليلا. فهذا ليس محل النزاع.

    الدليل السادس:
    "واستدلوا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده:
    (أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرخص للرعاة أن يرموا جمارهم بالليل، أو أية ساعة من النهار). أخرجه الدارقطني، وفي إسناده ضعف، وله شواهد عن ابن عباس، وابن عمر لا تخلو من ضعف".
    لن نلتفت إلى ما قيل في الأثر من ضعف، بل نعامله معاملة الصحيح، وله جواب، هو: أن فيه ترخيصا. وذلك دليل وجوبه، فلولا أنه واجب لما احتاجوا إلى ترخيص الشارع.
    ومعنى ذلك: أن المضطر وصاحب الحاجة ليس كغيره. فلا يكون حكما عاما إذن.
    فإنه من الفرق الكبير أن يقال: لصاحب العذر أن يترخص بالرمي قبل الزوال دون غيره.
    وأن يقال: له أن يرمي قبل الزوال بدون عذر.
    فالأول يدل على وجوب الرمي بعد الزوال، لكن يرخص لأصحاب الأعذار؛ مضطرين أو ذي حاجة.
    والثاني يدل على استحباب الرمي بعد الزوال، وجوازه قبل لكل أحد؛ مضطرا أو غير مضطر.
    والأثر - إن صح - يدل على الوجوب.
    هذا لو سلمنا بصحة دلالة الأثر على دعواهم؛ فإنه من الممكن حمل هذه الساعة من النهار، على ما بعد الزوال، ليتفق مع فعله صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه، وحرصهم على تحيّن الزوال.
    والقاعدة: أنه لا يلجأ إلى الترجيح، مع إمكانية الجمع. والجمع هنا غير محال.
    فهذا الدليل عليهم لا لهم.
    وفي خصوص رمي الرعاة ورد الأثر التالي في مصنف ابن أبي شيبة [ 3/260. رقم 14110] في الحج، في الرعاة كيف يرمون ؟.
    عن نافع عن ابن عمر: ( أنه كان يجعل رمي الجمار نوائب بين رعاة الإبل، يأمر الذي عنده، فيرمون إذا زالت الشمس، ثم يذهبون إلى الإبل، ويأتي الذين في الإبل فيرمون، ثم يمكثون، حتى يرمونها من الغد إذا زالت الشمس ).
    فهذا ترتيب الصحابي لرمي الرعاة، إنما كان بعد الزوال. فأين هم عن الرخصة لو ثبتت، هل نسوها، وهم أحرص الناس على الترخص؟!.
    وأين ابن عمر عنها، هل خفيت عليه ؟!.
    هذا مع أن الرخصة لا تنافي الوجوب، لكن عدم الترخيص أقوى، وكلاهما واجب، لكن الوجوب على مراتب، وهذا معلوم.
    وهنا دليل آخر في المعنى نفسه:
    فعن أبي البداح بن عاصم بن عدي، عن أبيه قال: (رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لرعاة الإبل في البيتوتة: أن يرموا يوم النحر، ثم يجمعوا رمي يومين بعد يوم النحر. يرمونه في أحدهما). قال مالك: "ظننت أنه قال في أول يوم منهما، ثم يرمون يوم النفر". [رواه مالك، والترمذي، وابن ماجة].
    هذا نص في جواز تقديم رمي اليوم الثاني إلى الأول، لترمى جميعا، رخصة لصاحب العذر؛ إذ قال: (يرمونه في أحدهما). أي أحد اليومين، فيحتمل التقديم، ويحتمل التأخير.

    لكن ههنا ملحظ، هو:
    أنه من قول الراوي، فاحتمال خطئه في قوله: (أحدهما) وارد. فربما نسي، أو لم يحفظ، فلم يشأ أن يحدد من تلقاء نفسه يوما بعينه.
    ويؤكد هذا الاحتمال: ما جاء في رواية أحمد والبيهقي بلفظ: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص للرعاة: أن يتعاقبوا، فيرموا يوم النحر، ثم يدعوا يوما وليلة، ثم يرموا الغد).
    فهذا الرواية تفيد أن الرمي يكون في الثاني عشر لليومين، فإذا ضم إلى هذا سنة النبي صلى الله عليه وسلم في تحين وقت الزوال للرمي بعده، فإنه يتأكد حمل رواية: (في أحدهما) على اليوم الثاني.
    ومع ذلك: فإن جاز أخذ هذه الرواية على ظاهرها، من غير إيراد عليها، فإنها تفيد: أن للمضطر أن يترخص بالرمي في اليوم الأول عنه وعن الثاني؛ أي بالتقديم، ويكون بذلك قد رمي قبل زوال شمس اليوم الثاني. ويبنى هذا على: أن الأصل في أيام الرمي: أنها كيوم واحد. فيجوز التقديم إذن للعذر.
    والمهم في المسألة:
    أن هذا الأثر كسابقه، فيه إثبات وجوب الرمي بعد الزوال؛ لأن فيه الترخيص، والترخيص لا يكون إلا مع الوجوب، كما تقرر.
    والأثر صححه الألباني في الإرواء [1080].
    * * *
    إذن كل هذه النصوص وأوجه الاستدلال لا تنهض أن تكون صارفة، إما لضعفها، أو لبطلانها، غاية ما فيها الترخص، وهو دليل الوجوب، ليس الاستحباب.
    وبهذا يثبت الشرط الثالث من شروط الوجوب في مناسك الحج، وهو:
    - أن يرد عليه الترخيص لفئة. فإن لم يرخص فهو أقوى في الوجوب؛ لكنه يأتي مع الأمر العام.
    فالرمي بعد الزوال، إذا أخذنا بالأثر الآنف في رمي الرعاة في أية ساعة من النهار، فيكون ورد عليه ترخيص لفئة، فهو دليل الوجوب، حيث لم يرخص للعموم.
    وإن أخذنا بالدلالات السابقة الأقوى، فيقال: لم يرد فيه ترخيص.
    حيث لم ينقل عن الصحابة رميهم قبل الزوال، وكان الذين معه مائة ألف، أفلا يوجد فيهم من يترخص، كما ترخصوا في المبيت وجمع الرمي ؟.
    ثم قوله: (في أية ساعة من النهار) عام يقيد بفعله، أي أية ساعة من النهار من بعد الزوال، وهكذا تتفق النصوص، فلا تتعارض.
    وبهذا فلا ترخيص لأحد فيه، فيكون أقوى في الوجوب.

    فيثبت بذلك: أن الرمي بعد الزوال واجب، حيث تحققت فيه شروط الوجوب:
    1- أن يرد الأمر به في نص عام، وقد يرد فيه نص خاص. [والأمر جاء به في نص عام].
    2- أن يفعله النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه. [وقد فعله بنفسه ]
    3- أن يرد عليه الترخيص لفئة، فإن لم يرخص فهو أقوى في الوجوب، لكنه يأتي مع الأمر العام. [لم يرد عليه تخصيص في الأصح، وإن قيل بوروده فلا يخرجه عن الوجوب].
    المحصل: أنه لا صارف يصرف هذا الحكم عن الوجوب إلى الاستحباب.
    ***
    بعض الآثار في المسألة:
    وقد استدلوا بآثار، منها ما جاء في المصنف لابن أبي شيبة [3/304 . رقم 14575] في الحج، في الجمار كيف ترمى ؟.
    عن ابن أبي مليكة قال: "رمقت ابن عباس رماها عند الظهيرة، قبل أن تزول".
    ليس بمثل هذا الأثر يبطل الوجوب؛ إذ هو فعل صحابي، وذلك فعل النبي وأمره.
    نعم الصحابي هو أدرى الناس بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لا يمتنع عليه الخطأ، والنسيان، وهذا أمر وارد في هذه المسألة. وقد يكون هذا مذهبه، ليس مذهب باقي الصحابة. كما أنه لا يمتنع خطأ الراوي في تقدير الوقت.
    فهذه احتمالات تبطل الاستدلال بهذا الفعل، وهو معارض بآثار عن غيره من الصحابة رضي الله عنهم:
    - قال عمر بن الخطاب: ( لا ترمي الجمرة حتى يميل النهار ). [البيهقي]
    - ويقول ابن عمر: (كنا نتحين إذا زالت الشمس رمينا)؛ والتحيّن ترقب وتربص، كما يتربصون وقت صلاة العيد.
    - وفي أخبار مكة للفاكهي [4/298-299]: عن عمرو بن دينار، قال: (ذهبت أرمي الجمار، فسألت: هل رمى عبد الله بن عمر ؟. فقالوا: لا، ولكن رمى أمير المؤمنين. يعنون ابن الزبير. قال عمرو: فانتظرت ابن عمر فلما زالت الشمس خرج، فأتى الجمرة الأولى، فرماه).
    - وفيه عن أبي بالزبير: ( أنه رأى عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير يرميان الجمار حتى تزيغ الشمس )، أي إذا زالت.
    - وعن نافع أن ابن عمر كان يقول: (لاترمي الجمار في الأيام الثلاثة حتى تزول الشمس). [الموطأ]
    فهذا قول ابن عمر وفعله، فالاستدلال بعد هذا بقوله في البخاري: (إذا رمى إمامك، فارم ). لمن سأله عن وقت الرمي، بالقول: "لو كان المتعين عنده الرمي بعد الزوال لبينه للسائل".
    لا وجه له؛ إذ يحتمل أن يكون الإمام يرمي بعد الزوال، كابن الزبير. أو أنه أراد له موافقة إمامه في أية حال، درءا للفتنة، فيجوز حينئذ الترخص.
    فأين هذا من أفعال، وأقوال صريحة عنه في النهي عن الرمي قبل الزوال ؟.
    * * *
    والقول بالوجوب هو قول: ابن عمر، ومالك، والثوري، والشافعي، وأحمد وروي عن الحسن وعطاء. [المغني 5/328]، كذلك أبو حنيفة. وفي المصنف لابن أبي شيبة [3/305. رقم 14579]: قال ابن جريج: "وسمعت عطاء يقول: لا ترمي حتى تزول الشمس. فعاودته في ذلك، فقال ذلك".
    والقول بجواز الرمي هو قول: إسحاق، ورواية عن أحمد، وعكرمة، وطاوس. [المغني 5/328]
    * * *
    والخلاصة: أن الرمي بعد الزوال واجب. والأمر النبوي يقول: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم).
    فمن اضطر إلى الرمي قبل هذا الوقت فلا جناح عليه، تشبيها له بالضعفة يدفعون ليلا، وبالسقاة والرعاة لا يبيتون في منى لياليها، ويجمعون رمي يومين في يوم، وبالحائض تنفر من دون طواف الوداع.
    أما تجويز الرمي قبل الزوال مطلقا للجميع، من دون عذر كتلك الأعذار، فليس له ما يسنده أو يعضده.
    * * *
    المسألة الثانية: من الذي يحتمل وزر اليوم الثاني عشر ؟.
    التزاحم عند الجمرات سبب الوفيات.
    هذا صحيح، لا يختلف فيه. إنما الكلام في المتسبب في هذا التزاحم، المؤدي إلى الوفيات ؟.
    - هل هو الفتوى بوجوب الرمي بعد الزوال ؟.
    - أم التنظيم والإدارة ؟.
    - أم عجلة الناس، أو حملهم على الاستعجال ؟.
    لو درسنا الاحتمال الأول، لوجدنا من خلال التتبع: أن الوفيات ليست حصرا على اليوم الثاني عشر، ففي يوم النحر، في عدة أعوام سابقة، آخرها قبل عامين، مات جمع كبير من الحجاج، لا يقلون عددا عن الذين ماتوا في الثاني عشر.. فما كان السبب ؟.
    فالوقت واسع جدا، يبدأ منذ ليلة النحر، حتى فجر الحادي عشر..!!.
    هم ماتوا لأجل الزحام، وبالقطع: لم تكن الفتوى سبب هذا الزحام.
    إذن هنالك سبب آخر للزحام غير الفتوى. ما هو ؟.
    حتى نقترب من المقصود، لو فرضنا أن كل الذين يفتون بالوجوب - على قلتهم، وقلة المتبعين لفتاواهم- غيّروا فتواهم إلى الجواز، فهل ستحل المشكلة، فيسلم الناس من الموت ؟.
    في كل حال، لا بد من تحديد وقت آخر لبداية الرمي، فإذا لم يكن بعد الزوال، فسيكون قبل الزوال، وهذا القبل: إما أن يبدأ من بعد الفجر، أو قبل الفجر، أو منتصف الليل، أو الضحى في ساعة كذا .!!.
    ففي كل هذه لا بد من وقت محدد؛ لأن الناس حينئذ سيسألون عن وقت البداية، ولا بد من الجواب.
    ثم يحرص الناس على هذا الوقت الجديد، لأجل التعجل، إما لرغبة في نفوسهم، أو يضطرهم غيرهم إلى ذلك ؟!!.. ثم يتزاحمون، وتعود المشكلة من جديد، فيموت من يموت، ويسلم من يسلم ؟!.
    وحينئذ يعلم الناس: أن الفتوى كانت بريئة من هذه الوفيات .!!.
    فليبحثوا وليعلقوا المشكلة بالأسباب الحقيقية، وهي ظاهرة غير خافية، فكل شيء في الحج ظاهر، وعلاجه كذلك لا يخفى، وليس بالعسير.
    والعتب بعد هذا على من رضي بتحميل الفتوى هذه المشكلة..؟!!.
    أفكلما كلما حُمّلت الفتوى مشكلة احتملتها ؟!!.
    * * *
    الرمي بعد غروب شمس الثاني.
    من المشهور لدى الجميع: أن من أدركه الغروب يوم الثاني فلم يخرج، أو لم يرم، فعليه المبيت للثالث.
    وقد ذكر ابن قدامة أنه قول: عمر، ومالك، والشافعي وغيرهم. واستدلوا بقوله تعالى: {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه}؛ أن اليوم اسم للنهار، فمن أدركه الليل فما تعجل في يومين، ونقل ابن المنذر عن ابن عمر أنه قال: ( من أدركه المساء في اليوم الثاني، فليقم إلى الغد حتى ينفر مع الناس). [المغني 5/332]
    ويلاحظ هنا:
    أن الإلزام بالمبيت ليس فيه نص، سوى فعل النبي صلى الله عليه. إنما آثار عن الصحابة، وفهم لمعنى اليوم في الآية؛ أنها النهار فحسب.
    أما الآثار فعلى فرض ثبوتها، يبقى السؤال عن دلالتها: هل للوجوب، أم الاستحباب ؟.
    كلاهما محتمل. وكلام ابن عمر في هذا واضح الاحتمال، فصيغة الأمر تحتمل الأمرين.
    وبما أنه ليس بكلام الشارع نفسه، الذي يحمل أمره على الوجوب، ما لم يوجد صارف: فلا نستطيع أن نحمله على الوجوب بإطلاق، إلا بشروط، هي:
    - الأول: أن يكون دالا على الأمر.
    - الثاني: أن يكون له أصل في كلام الشارع يدل عليه بالوجوب، أما بالنص المباشر، أو بالمقاصد.
    - الثالث: لا يكفي هذا في الإيجاب، ولو كان قولا للصحابة، حتى يضاف إليه شرط، هو:
    o إما أن يكون إجماعا.
    o أو قولا لجمهورهم، أو الخلفاء الأربعة.
    o أو قولا لبعضهم، أو أحدهم، فيشتهر دون أن يؤثر مخالفا له منهم.
    حينئذ فالقول حجة في الوجوب، ويجب العمل به. أما بدون هذا فلا يدل - إن دل - على أكثر من الاستحباب. وهذا مثل إيجاب الدم على ترك الواجب، فإن فيه أثر ابن عباس: (من ترك نسكا، فليهريق دما)، ورد موقوفا ومرفوعا، وهو وإن كان يحتمل الاستحباب، كما يحتمل الوجوب، إلا أن له أصلا يدل عليه، هو: إيجاب الفدية على من ارتكب المحظور. والعلة الظاهرة: ليجبر الخلل الذي أصاب النسك. فإيجاب الفدية في ترك الواجب أولى؛ لأن فعل الواجب مقدم، وهو مقصود لذاته، فهو من ذات النسك. أما ترك المحظور فمقصود لغيره؛ لمنع الترفه.
    وإذا طبقنا الميزان على أثر ابن عمر: فإننا نخرج بنتيجة هي: أن دلالته على الوجوب ضعيفة.
    فهو وإن كان أمرا، ولم يخالف فيه أحد من الصحابة، على حد ما علمنا: فليس له أصل يدل عليه، سوى ما استدلوا به من الآية، وهو ضعيف وسيأتي. وليس في قول النبي صلى الله عليه وسلم، أو فعله، أو تقريره ما يدل على وجوب المبيت لمن أدركه الغروب.
    وحتى لو فرضنا جدلا: ثبوت الوجوب. فإن وجوبه بالقطع أضعف من وجوب الرمي بعد الزوال، الذي ثبت، كما تقدم: بالقول، والفعل النبوي، وبالترخيص، أو بعدم الترخيص، على اختلاف في هذا، بالنظر إلى ثبوت الآثار في الترخيص من عدمه.
    فإذا كان ولا بد من الترخص، فيكون الترخص في جهة نهاية الرمي أولى من جهة البداية، فبدلا أن يقال للناس: ارموا قبل الزوال. فالأولى أن يقال لهم: ارموا إلى بعد الغروب حتى الليل، إلى الفجر. فإن أدرككم الفجر، فيلزمكم الرمي من اليوم الثالث.
    هذا هو الاختيار الملائم لمكان ومرتبة الوقتين من الرمي.
    وإذا ما استدلوا بالآية، فإنه لا يسلم لهم: أن اليوم اسم للنهار دون الليل. بل لهما جميعا. وهذا معروف، وإلا فقل لي: هذا النهار مع ليله جميعا. هل يطلق عليهما اسم سوى اليوم ؟!.
    وفي الحج خصوصا: فإن الليل يتبع للنهار. عرفنا ذلك من شأن يوم عرفة، فليله يتبع نهاره. ومن المعقول أن يكون هذا حكم ليالي منى؛ لأنها جميعا أيام حج. ويقال: ليلة التروية، ويقصد بها ما يتبع نهار الثامن.
    فإذا كان كذلك، فلا دلالة في الآية على الدعوى.
    بل يمكن الاستدلال بها على: أن وقت الرمي يمتد إلى فجر اليوم الثالث. لأن ذلك نهاية الليل، الذي هو نهاية اليوم، فما لم ينفر قبله، أو يرم. فيلزمه الرمي يوم الثالث عشر. وهو قول أبي حنيفة، قال:
    "له أن ينفر ما لم يطلع فجر اليوم الثالث؛ لأنه لم يدخل وقت رمي اليوم الآخر، فجاز له النفر، كما قبل الغروب". [المغني 5/332]
    والمحصل: أن إيجاب البقاء على من لم ينفر قبل الغروب، أو لم يرم: ليس له ما يسنده.
    غاية ما في الآثار الاستحباب. فإن حملت على الوجوب، فحين مقارنتها بإيجاب الرمي بعد الزوال، فهذا الثاني أقوى وجوبا، وعليه فتقديم هذا الواجب أولى.
    وهذا التيسير من جهة نهاية الوقت، أولى من التيسير من بدايته، لما عرفت من مرتبة كلا الجهتين.
    ولو أن الخائضين في وقت الرمي بعد الزوال وقبله، التفتوا قليلا إلى التحقيق في مسألة الرمي بعد الغروب، لكان فيه تيسير موافقا لأصول الشريعة، غير مخالف. هو أحسن من تيسير ربما أفضى إلى تضييع السنة.
    وإن من أسباب الزحام يوم الثاني عشر: انحصار وقت الرمي للمتعجل ما بين الزوال والغروب.
    فالناس يجتهدون في الرمي أول الوقت، ليدركوا الخروج قبل الغروب.
    ولو وسع عليهم من جهة الغروب، حتى يكون إلى الفجر، بحسب التحقيق الآنف، لكان ذلك داعيا لهم إلى التريث، وترك العجلة.
    فيرمي بعضهم بعد الزوال، وآخرون بعد العصر، وغيرهم بعد المغرب والعشاء، فيخف الزحام عنهم.
    * * *
    إذن لدينا لمشكلة الزحام يوم الثاني عشر حلاّن، من الجهة الفقهية، مع استصحاب أن المشكلة ليست فقهية بالمقام الأول:
    - الأول: توسيع وقت الرمي من جهة النهاية، إلى فجر اليوم الثالث عشر.
    - الثاني: الترخيص لأصحاب الأعذار بالرمي قبل الزوال، أو يوم الأول لليومين معا الأول والثاني.
    إن هذا أحسن من الإذن مطلقا بالرمي قبل الزوال، فلا شك أن في هذا تضييع للسنة، وكفى بهذا خطأ.
    والله أعلم.
    * * *

    -------------------------------------
    [1]- الترخيص ثلاثة أنواع، ثنتان منهما يدلان على الوجوب، هما: الترخيص، وعدم ورود شيء في الترخيص. وواحد يدل على الركنية، هو: عدم الترخيص. قال ابن قدامة: "وتخصيص العباس بالرخصة لعذره: دليل على أنه لا رخصة لغيره"؛ في ترك المبيت بمنى. وقال: "بل تخصيص الحائض بإسقاطه عنها: دليل وجوبه على غيرها؛ إذ لو كان ساقطا عن الكل، لم يكن لتخصيصها بذلك معنى. إذاً ثبت وجوبه، فليس بركن، بغير خلاف"؛ أي الوداع. [المغني 5/325،337]
    [2] - من كتاب: افعل ولا حرج. للشيخ الدكتور سلمان العودة سلمه الله تعالى,

    الـ SHARKـاوي
    إستراتيجيتي في تجاهل السفهاء:
    ذبحهم بالتهميش، وإلغاء وجودهم المزعج على هذا الكوكب، بعدوى الأفكار،
    فالأفكار قبل الأشخاص، لأن الأفكار لها أجنحة، فأصيبهم بعدواها الجميلة. وهذا الواقع المظلم الذي نعيش سيتغير بالأفكار،
    فنحن في عصر التنوير والإعصار المعرفي، ولا بد للمريض أن يصح، ولا بد للجاهل أن يتعلم، ولا بد لمن لا يتغير، أن يجبره الواقع على التغير،
    ولا بد لمن تحكمه الأموات، الغائب عن الوعي، أن يستيقظ من نومة أهل الكهف أو يبقى نائما دون أثر، لا يحكم الأحياء!

    تعليق

    مواضيع ذات صلة

    تقليص

    المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
    ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 9 أغس, 2023, 11:28 م
    ردود 0
    24 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
    ابتدأ بواسطة عادل خراط, 17 أكت, 2022, 01:16 م
    ردود 112
    158 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة عادل خراط
    بواسطة عادل خراط
     
    ابتدأ بواسطة اسلام الكبابى, 30 يون, 2022, 04:29 م
    ردود 3
    32 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة عاشق طيبة
    بواسطة عاشق طيبة
     
    ابتدأ بواسطة عادل خراط, 28 أكت, 2021, 02:21 م
    ردود 0
    114 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة عادل خراط
    بواسطة عادل خراط
     
    ابتدأ بواسطة عادل خراط, 6 أكت, 2021, 01:31 م
    ردود 3
    58 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة عادل خراط
    بواسطة عادل خراط
     
    يعمل...
    X