المسيح عليه السلام برىء من قولهم

تقليص

عن الكاتب

تقليص

حنظلة اكتشف المزيد حول حنظلة
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المسيح عليه السلام برىء من قولهم

    بسم الله الرحمن الرحيم



    المسيح عليه السلام برىء من قولهم


    مقدمة




    لقد سبق ونشرت تعليقاً على المثل الذي جاء ذكره على لسان المسيح عليه السلام في إنجيل متى والذي يعرف في كتاب النصارى بمثل الكرامين ، هذا المثل خاطب فيه ابن مريم عليهما السلام اليهود وأعلن لهم صراحة ما كان منهم وما سيؤول إليه أمرهم ، وبشر فيه بمبعث الأمة التي ستحمل أعباء الدعوة إلى الله عز و جل بعد أن تخاذل اليهود وركنوا إلى شهوات الدنيا وحظوظ النفس .

    ولقد جمعني لقاء طيب مبارك ببعض إخواني وأحبائي ممن أسمع لقولهم وأسترشد برأيهم وعرضوا علىّ بعض الأفكار التي تثري التعليق على المثل ، فكان علىّ بعدها أن أعيد صياغته بصورته الجديدة ، بعد أن وجدت أن نفعه صار أكبر وأفكاره صارت أكثر .

    وقد وفقني الله عز وجل إلى تقسيم التعليق إلى تمهيد وعدة فصول ، بحيث يسهل على قارئه أن يلم بكل فكرة على حدة ، كما أنني أرجأت التعليق على العدد الذي قال فيه المسيح عليه السلام وهو يصف أمة الإسلام بالحجر : " وَمَنْ سَقَطَ عَلَى هذَا الْحَجَرِ يَتَرَضَّضُ ، وَمَنْ سَقَطَ هُوَ عَلَيْهِ يَسْحَقُهُ " إلى مقال آخر خشية التطويل على القارىء الكريم ، وذلك لأن العدد المومى إليه يتعلق الكلام فيه بسفر من أسفار الأنبياء في العهد القديم ألا وهو سفر دانيال الذي جاء فيه بشارة بأمة وصفت بقديسي العلي ، وقد اضطررنا إلى مناقشة أراء علماء النصارى الذين خاضوا في شرح رؤى سفر دانيال بما ستراه قريباً إن شاء الله تعالى .

    وقد تضمن المقال الذي بين يديك الآتي :

    التهيئة و الإعداد لتسليم الشريعة .
    إساءة اليهود .
    لقاء الفرصة الأخيرة .
    القتل لم يكن إلا سبب الهلاك .
    ثمرة العصيان .
    بنو إسماعيل .








    وكتبه
    حنظلـــة








    تمهيد


    قبل الدخول في التعليق على كلام المسيح عليه السلام الذي وجهه إلى اليهود من خلال السياق الذي رواه متى في نهاية الإصحاح الحادي والعشرين من البشارة المنسوبة إليه

    علينا أن نرجع إلى صدرالإصحاح العشرين حيث بدأ المسيح عليه السلام يلمح إلى العقوبة التي تنتظر إسرائيل ـ وكل أمة تنتهج سيرتهم ـ إذا خالفت وصايا الله عزوجل ، وهي عقوبة الاستبدال .

    قال المسيح عليه السلام : "إِنَّ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ يُشْبِهُ رَجُلاً رَبَّ بَيْتٍ خَرَجَ مَعَ الصُّبْحِ لِيَسْتَأْجِرَ فَعَلَةً لِكَرْمِهِ، فَاتَّفَقَ مَعَ الْفَعَلَةِ عَلَى دِينَارٍ فِي الْيَوْمِ، وَأَرْسَلَهُمْ إِلَى كَرْمِهِ " . متى 20 : 1 – 2 .

    قال متى هنري : " لم يكن هنالك في عصر الإنجيل أكثر غموضا من رفض اليهود ودعوة الأمم ، والسماح للأمم بأن يكونوا شركاء في الميراث ، ولم يكن هناك شيء يغيظ اليهود أكثر من الإشارة إلى هذا ... وفي هذا المثل نجد أمرين : الاتفاق مع الفعلة ، ثم محاسبتهم .
    حيث تبرز الأسئلة الآتية :
    1 ـ من هو الذي استأجرهم ؟ .
    ج : " رجل رب بيت " الله هو رب البيت الأعظم الذي نحن له والذي نعبده .
    2 ـ من أي مكان استأجرهم ؟ .
    ج : " في السوق " حيث كانوا قياما بطالين قبل أن يستأجروا لخدمة الله .
    3 ـ لماذا استأجروا ؟ .
    ج : ليعملوا في كرمه . " (1)

    ماذا كان يقصد المسيح عليه السلام بملكوت السماوات ؟ .

    إن الكرم الذي يقصده المسيح عليه السلام هو الشريعة ، أنه يضرب مثلاً لشريعة الله عز و جل فالشريعة كالكرم الذي يحتاج إلى عمال فعلة يقومون بالمحافظة عليه ، ورعايته ، وإعطاء أثماره في موعدها لصاحبه .

    إنّ صاحب الكرم خرج يستأجر لكرمه عمالاً ، وبالفعل وجد ضالته في بعضهم واتفق معهم على العمل طوال اليوم في مقابل دينار فوافقوه .

    إنه يقصد أنّ الله عز و جل اختار أمة من الناس لكي يتحملوا أداء الأمانة ، ويقيموا شريعته في أرضه ، ووعدهم بأن لهم الفضل في الدنيا ، والنعيم المقيم في الآخرة .

    ثم قال المسيح عليه السلام : " ثُمَّ خَرَجَ نَحْوَ السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ وَرَأَى آخَرِينَ قِيَامًا فِي السُّوقِ بَطَّالِينَ فَقَالَ لَهُمُ : اذْهَبُوا أَنْتُمْ أَيْضًا إِلَى الْكَرْمِ فَأُعْطِيَكُمْ مَا يَحِقُّ لَكُمْ . فَمَضَوْا . وَخَرَجَ أَيْضًا نَحْوَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ وَالتَّاسِعَةِ وَفَعَلَ كَذلِكَ . " متى 20 : 3 – 5 .

    الساعة الثالثة هنا يقصد بها الساعة التاسعة صباحاً كما جاء في ترجمة أخرى : " ثم خرج نحو الساعة التاسعة ، فرأى عمالا آخرين واقفين في الساحة بطالين " المشتركة .


    وكذلك يقصد بالساعة السادسة وقت انتصاف النهار ـ الثانية عشر ظهراً بتوقيتنا المعاصر ـ وكذلك يقصد بالساعة التاسعة وقت العصر ـ الثالثة بعد الزوال بتوقيتنا المعاصر ـ كما جاء في ترجمة أخرى قوله : " وخرج أيضا نحو الظهر، ثم نحو الساعة الثالثة ، وعمل الشيء نفسه " المشتركة .


    والسؤال : ما الذي دعا صاحب الكرم ليخرجَ عدة مرات من أجل أن يستأجر عمالاً لكرمه رغم أنه قد اسـتأجر بالفعل عمالاً في الصباح الباكر ؟ .

    حتما ً هناك ما حمله على فعل ذلك .

    إنْ جاز لنا أنْ نخمنَ فيمكننا القول : إنّ الفعلة الأولين قد تكاسلوا في عملهم ، أو لعلهم عجزوا عن القيام بأعباء العمل كما ينبغي .

    لقد أراد صاحب الكرم أن يَتم العمل كما كان يريد ، فخرج في الساعة التاسعة صباحا ً فوجد عمالاً بطالين بدون عمل ، فاستأجرهم ، ولكنهم كانوا أردياء مثل الأولين ، فخرج في ساعة الظهيرة ليبحث عن غيرهم ، ولم يكد الوقت يمر حتى تخاذلوا كالسابقين ، فخرج في الساعة الثالثة في وقت العصر ، فوجد عمالاً بطالين بدون عمل ، فساومهم على العمل مقابل أجراً فوافقوه .

    ثم قال المسيح عليه السلام : " ثُمَّ نَحْوَ السَّاعَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ خَرَجَ وَوَجَدَ آخَرِينَ قِيَامًا بَطَّالِينَ فَقَالَ لَهُمْ : لِمَاذَا وَقَفْتُمْ ههُنَا كُلَّ النَّهَارِ بَطَّالِينَ؟ . قَالُوا لَهُ : لأَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْجِرْنَا أَحَد ٌ. قَالَ لَهُمُ:اذْهَبُوا أَنْتُمْ أَيْضًا إِلَى الْكَرْمِ فَتَأْخُذُوا مَا يَحِقُّ لَكُمْ " متى 20 : 6 – 7 .

    والساعة الحادية عشرة توافق الساعة الخامسة بعد العصر كما جاء في ترجمة أخرى : " وخرج نحو الخامسة مساء ، فلقي عمالا آخرين واقفين هناك ، فقال لهم : ما لكم واقفين هنا كل النهار بطالين؟ " المشتركة .

    لقد سألهم صاحب الكرم : لماذا تقفون هنا بطالين طوال اليوم ؟ .
    فقالوا له : لم يستأجرنا أحد .

    وهذا يذكرنا بقول المسيح عليه السلام لليهود في مثل الكرامين : "أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ فِي الْكُتُبِ : الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ ؟ " متى 21 : 42 .


    إن العمال الذين وجدهم صاحب الكرم هم الحجر الذي رفضه البناؤون ، هم الذين لم يستأجرهم أحد طوال النهار ، إنهم الأمة التى تُعطى ملكوت الله حتى تؤدي أثماره . وسيأتي بيانه .

    ثم جاء وقت الحساب .

    قال المسيح عليه السلام : " فَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ قَالَ صَاحِبُ الْكَرْمِ لِوَكِيلِهِ : ادْعُ الْفَعَلَةَ وَأَعْطِهِمُ الأُجْرَةَ مُبْتَدِئًا مِنَ الآخِرِينَ إِلَى الأَوَّلِينَ . فَجَاءَ أَصْحَابُ السَّاعَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ وَأَخَذُوا دِينَارًا دِينَارًا . فَلَمَّا جَاءَ الأَوَّلُونَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ أَكْثَرَ . فَأَخَذُوا هُمْ أَيْضًا دِينَارًا دِينَارًا . "
    متى 20 : 8 – 10 .

    لقد أعطى صاحب الكرم العمال الآخرين نفس أجر العمال الأولين . رغم أنهم لم يعملوا نفس المقدار من الزمن ، ولكنه كافأهم لأن العمل تمّ بهم ، وقد أدّوا ما طلب منهم ، بعد أن أعطوا الأثمار لصاحب الكرم بينما عجز عن تأديتها الأولون .

    ثم قال المسيح عليه السلام : " وَفِيمَا هُمْ يَأْخُذُونَ تَذَمَّرُوا عَلَى رَبِّ الْبَيْتِ قَائِلِينَ : هؤُلاَءِ الآخِرُونَ عَمِلُوا سَاعَةً وَاحِدَةً ، وَقَدْ سَاوَيْتَهُمْ بِنَا نَحْنُ الَّذِينَ احْتَمَلْنَا ثِقَلَ النَّهَارِ وَالْحَرَّ! فَأجَابَ وَقَالَ لِوَاحِدٍ مِنْهُم : يَا صَاحِبُ ، مَا ظَلَمْتُكَ ! أَمَا اتَّفَقْتَ مَعِي عَلَى دِينَارٍ؟ فَخُذِ الَّذِي لَكَ وَاذْهَبْ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَ هذَا الأَخِيرَ مِثْلَكَ . أَوَ مَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَفْعَلَ مَا أُرِيدُ بِمَا لِي ؟ أَمْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةٌ لأَنِّي أَنَا صَالِحٌ؟ " متى 20 : 11 – 15 .

    " هنا نرى طبيعة الحسد ، هو عين شريرة . كثيرا ما كانت العين هى المدخل لهذه الخطية ـ يقصد الحسد ـ إنها عين شريرة تلك التي تستاء من خير الآخرين وتتمنى ضررهم .... الحسد هو عدم التمثل بالله ، بل هو مقاومة لله والاعتراض عليه ، هو كراهية لتصرفاته ، واستياء مما يعمل ومما يسر به ، هو كسر مباشر للوصيتين العظيمتين في وقت واحد : محبة الله الذي ينبغي أن نخضع لإرادته ، ومحبة القريب الذي ينبغي أن نفرح لخيره (2) " (3) .

    لقد اعترض العمال الأولون على صاحب الكرم ، بل تذمروا عليه قائلين : كيف تساوي بيننا وبين الآخرين في الأجر ولم يعملوا مثل ما عملنا ؟ .
    فقال لهم صاحب الكرم : أنا أعطيتكم حقكم الذي وافقتموني عليه وقبلتوه . فما الذي يمنعني بعد أنْ أعطيتكم حقكم الذي لكم أنْ أفعل في مالي ما أريد ؟!.

    ولما انتهى المسيح عليه السلام من سرد المثل قال مقرراً : " هكَذَا يَكُونُ الآخِرُونَ أَوَّلِينَ وَالأَوَّلُونَ آخِرِينَ ، لأَنَّ كَثِيرِينَ يُدْعَوْنَ وَقَلِيلِينَ يُنْتَخَبُونَ " . متى 20 : 16

    لقد صار عمال الساعة الخامسة مساءً في مقدمة الناس ، لأن العمل الذي كُـلِّفوا به قد تمّ على أيديهم ، أما العمال الذين جاؤا قبلهم فقد صاروا بعدهم في المنزلة ، لأنهم عجزوا عن تأدية الأثمار في أوقاتها .

    إنّك إنْ تأملتَ في هذا المثل (4) بعمق ٍ ، وتفكرت َ فيه بتدبرٍ ، سيتحقق لديك أنّ المسيح عليه السلام يلمح إلى أنّ ملكوت الله ـ الشريعة ـ سيؤول إلى أمة آخرى غير اليهود .

    هذا التلميح هو خير مدخل نستهل به كلامنا قبل أن نبدأ في محاولة تبيين المثل الذي نحن بصدده .



    تم الجزء الأول الذي اشتمل على مقدمة وتمهيد
    ويليه الجزء الثاني بعنوان التهيئة والإعداد لتسليم الشريعة
    أتم الله إخراج الكل على خير






    الهوامش
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) متى هنري ، تفسير انجيل متى صـ 171 و 172 بتصرف ، طبعة م . المحبة .
    (2) يشير إلى النص الآتي : " فَجَاءَ وَاحِدٌ مِنَ الْكَتَبَةِ وَسَأَلَهُ: « أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ أَوَّلُ الْكُلِّ؟ » فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: إِنَّ أَوَّلَ كُلِّ الْوَصَايَا هِيَ : اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ. الرَّبُّ إِلَهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. وَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ . هَذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى . وَثَانِيَةٌ مِثْلُهَا هِيَ : تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ . لَيْسَ وَصِيَّةٌ أُخْرَى أَعْظَمَ مِنْ هَاتَيْنِ . فَقَالَ لَهُ الْكَاتِبُ : « جَيِّداً يَا مُعَلِّمُ . بِالْحَقِّ قُلْتَ لأَنَّهُ اللَّهُ وَاحِدٌ وَلَيْسَ آخَرُ سِوَاهُ. وَمَحَبَّتُهُ مِنْ كُلِّ الْقَلْبِ وَمِنْ كُلِّ الْفَهْمِ وَمِنْ كُلِّ النَّفْسِ وَمِنْ كُلِّ الْقُدْرَةِ وَمَحَبَّةُ الْقَرِيبِ كَالنَّفْسِ هِيَ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ اْلمُحْرَقَاتِ وَالذَّبَائِحِ ». فَلَمَّا رَآهُ يَسُوعُ أَنَّهُ أَجَابَ بِعَقْلٍ قَالَ لَهُ: « لَسْتَ بَعِيداً عَنْ مَلَكُوتِ اللَّه ِ» " .
    مرقس 12 : 28 ـ 34 .
    (3) متى هنري ، تفسير انجيل متى صـ 180 بتصرف . طبعة م . المحبة .
    (4) وقد قال الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم : " إنما بقائكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس أعطى أهل التوراة التوراة فعملوا بها حتى انتصف النهار ثم عجزوا فاعطوا قيراطا قيراطا وأعطى أهل الإنجيل الإنجيل فعملوا به حتى صلاة العصر ثم عجزوا فاعطوا قيراطا قيراطا ثم أعطيتم القرآن فعملتم به حتى غروب الشمس فأعطيتم قيراطين قيراطين فقال أهل التوراة والأنجيل ربنا هؤلاء أقل عملا وأكثر أجرا فقال هل ظلمتكم من أجركم من شيء قالوا لا فقال فضلي أوتيه من أشاء " البخاري .

    وفي رواية أخرى أنه قال : " مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استأجر قوما يعملون عملا يوما إلى الليل على أجر معلوم فعملوا إلى نصف النهار ثم قالوا لا حاجة لنا في أجرتك التي شرطت لنا ما عملنا باطل فقال لهم لا تفعلوا اعملوا بقية يومكم ثم خذوا أجركم كاملا فأبوا وتركوا ذلك عليه واستأجر قوما آخرين من بعدهم فقال اعملوا بقية يومكم هذا ولكم الذي شرطت لهؤلاء من الأجر فعملوا حتى إذا كان حين صلاة العصر قالوا ما عملنا باطل ولك الأجر الذي جعلت لنا لا حاجة لنا فيه فقال لهم كملوا بقية عملكم فإنما بقي من النهار شيء يسير خذوا أجركم فأبوا عليه فاستأجر قوما آخرين فعملوا له بقية يومه حتى إذا غابت الشمس واستكملوا أجر الفريقين والأجر كله فذلك مثل اليهود والنصارى الذين تركوا ما أمرهم الله ومثل المسلمين الذين قبلوا هدى الله وما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم " البخاري .

    إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقررُ أنّ ما تنبأ به المسيح عليه السلام منذ قرون قبله قد تمّ ، وصارت الأمة البطالة هي الأمة العاملة . وصار الأولون آخرون ، والآخرون أولون . وهي سُنّة من سُنن الله في كونه ، قال الله تعالى : " وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ " سورة " محمد " " 38 " . اهـ

  • #2
    جزاك الله خيرا
    مجهود رائع و موضوع اروع

    متابع...


    ملحدون في الجنة

    لتحميل كتاب لماذا اله النصارى خروف؟ مباشرة من هنـــــــــــــــــــــــــــــــــا

    تعليق


    • #3
      ...

      تعليق


      • #4
        المسيح عليه السلام برىء من قولهم * الجزء الثاني *

        هذا هو الجزء الثاني من مقال المسيح عليه السلام برىء من قولهم
        إن كان القارىء العزيز لم يقرأ المقدمة والتمهيد فأرجوا أن يرجع إلى الجزء الأول المنشور
        في ذات القسم تحت نفس العنوان لتتميم الفائدة



        الجزء محل المناقشة بأكمله



        قال المسيح عليه السلام لليهود :

        ﭐِسْمَعُوا مَثَلاً آخَرَ: كَانَ إِنْسَانٌ رَبُّ بَيْتٍ غَرَسَ كَرْماً وَأَحَاطَهُ بِسِيَاجٍ وَحَفَرَ فِيهِ مَعْصَرَةً وَبَنَى بُرْجاً وَسَلَّمَهُ إِلَى كَرَّامِينَ وَسَافَرَ .

        وَلَمَّا قَرُبَ وَقْتُ الأَثْمَارِ أَرْسَلَ عَبِيدَهُ إِلَى الْكَرَّامِينَ لِيَأْخُذَ أَثْمَارَهُ فَأَخَذَ الْكَرَّامُونَ عَبِيدَهُ وَجَلَدُوا بَعْضاً وَقَتَلُوا بَعْضاً وَرَجَمُوا بَعْضاً.

        ثُمَّ أَرْسَلَ أَيْضاً عَبِيداً آخَرِينَ أَكْثَرَ مِنَ الأَوَّلِينَ فَفَعَلُوا بِهِمْ كَذَلِكَ .

        فَأَخِيراً أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ ابْنَهُ قَائِلاً يَهَابُونَ ابْنِي !

        وَأَمَّا الْكَرَّامُونَ فَلَمَّا رَأَوْا الاِبْنَ قَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ : هَذَا هُوَ الْوَارِثُ . هَلُمُّوا نَقْتُلْهُ وَنَأْخُذْ مِيرَاثَهُ ! فَأَخَذُوهُ وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْكَرْمِ وَقَتَلُوهُ .

        فَمَتَى جَاءَ صَاحِبُ الْكَرْمِ مَاذَا يَفْعَلُ بِأُولَئِكَ الْكَرَّامِينَ ؟

        قَالُوا لَهُ : أُولَئِكَ الأَرْدِيَاءُ يُهْلِكُهُمْ هَلاَكاً رَدِيّاً وَيُسَلِّمُ الْكَرْمَ إِلَى كَرَّامِينَ آخَرِينَ يُعْطُونَهُ الأَثْمَارَ فِي أَوْقَاتِهَا
        .
        قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ : أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ فِي الْكُتُبِ : الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ . مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هَذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا ؟

        لِذَلِكَ أَقُولُ لَكُم ْ: إِنَّ مَلَكُوتَ اللَّهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لِأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ . وَمَنْ سَقَطَ عَلَى هَذَا الْحَجَرِ يَتَرَضَّضُ وَمَنْ سَقَطَ هُوَ عَلَيْهِ يَسْحَقُهُ .

        وَلَمَّا سَمِعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ أَمْثَالَهُ عَرَفُوا أَنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَيْهِمْ . وَإِذ كَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يُمْسِكُوهُ خَافُوا مِنَ الْجُمُوعِ لأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ مِثْلَ نَبِيٍّ .

        الفصل الأول



        التهيئة والإعداد لتسليم الشريعة



        قال المسيح عليه السلام لليهود : "ﭐِسْمَعُوا مَثَلاً آخَرَ: كَانَ إِنْسَانٌ رَبُّ بَيْتٍ غَرَسَ كَرْماً وَأَحَاطَهُ بِسِيَاجٍ وَحَفَرَ فِيهِ مَعْصَرَةً وَبَنَى بُرْجاً وَسَلَّمَهُ إِلَى كَرَّامِينَ وَسَافَرَ. وَلَمَّا قَرُبَ وَقْتُ الأَثْمَارِ أَرْسَلَ عَبِيدَهُ إِلَى الْكَرَّامِينَ ليأخذ أثماره " متى 21 : 30 – 31 .

        " يوضح هذا المثل جليا خطية الأمة اليهودية وهلاكها ، فالكرامون هنا يمثلونهم هم وقادتهم .
        ملكوت الله على الأرض شبه هنا بكرم مجهز بكل ما يلزم للانتفاع به وإدارته إدارة منتجة .
        إنه ـ الله ـ غرس هذا الكرم وسافر . لقد تركهم إلى الكلمة المكتوبة ـ شريعة موسى ـ لكنهم توهموا أنه سافر وابتعد عنهم ، كما توهم إسرائيل ـ يقصد اليهود ـ أن موسى عليه السلام قد تنحى عنهم لما عملوا العجل " (1) .

        العبيد هنا قـُصد بهم الأنبياء الذين أرسلهم الله عزوجل إلى بيت إسرائيل ، أرسلهم لكي يأخذوا حقه من عباده ، وهو أن يعبدوه وحده ، ولايطيعوا أحدا غيره ، ويؤمنوا بشريعته ولا يتبعوا وصايا الناس وتقاليد الشيوخ .

        " كان هؤلاء العبيد هم أنبياء العهد القديم الذين أرسلوا إلى شعب اليهود لتوبيخهم وتعليمهم ...
        وهؤلاء ـ العبيد أو الأنبياء ـ لم يكونوا قساة ، فقد كان القصد من إرساله إياهم أن يأخذ أثماره . إنه لم يطلب أكثر مما كان ممكنا ً أن يحصِّلوه ، بل إنما طلب جزءاً من ثمار الكرم الذي غرسه هو .
        لم يطلب أكثر من مراعاة النواميس والفرائض التي أعطاها " . (2)

        مثال من كلام يوحنا عليه السلام وهو يطالب اليهود بإعطاء أثمار الكرم :

        "يَا أَوْلاَدَ الأَفَاعِي مَنْ أَرَاكُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ الْغَضَبِ الآتِي؟ فَاصْنَعُوا أَثْمَاراً تَلِيقُ بِالتَّوْبَةِ . ولاَ تَبْتَدِئُوا تَقُولُونَ فِي أَنْفُسِكُم ْ: لَنَا إِبْرَاهِيمُ أَباً . لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُقِيمَ مِنْ هَذِهِ الْحِجَارَةِ أَوْلاَداً لِإِبْرَاهِيمَ . وَﭐلآنَ قَدْ وُضِعَتِ الْفَأسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ فَكُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَراً جَيِّداً تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ" . لوقا 3 : 7 – 9 .








        الهوامش
        ــــــــــــــــ
        (1) متى هنري ، تفسير إنجيل متى ج 2 . صـ 229 . طبعة مكتبة المحبة .
        (2) المصدر السابق . صـ 230.

        تعليق


        • #5
          موضوع رائع اخي في الله اسجل متابعتي للاجزاء

          تعليق


          • #6
            السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

            اخي حنظله لدي نقطه اريد استفسارها منك حول معني ( وَحَفَرَ فِيهِ مَعْصَرَةً وَبَنَى بُرْجاً ) اذا كان لديك تفسير لها و شكرا

            تعليق


            • #7
              السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

              الذي اراه أن المقصود هو التجهيز ، أعني تعبيد الطريق وتسهيله من اجل ان يتسلم اليهود الشريعة دون اى عناء
              وهذا واضح من تذوق النص وكأن انسانا جهز مكانا للعمل وزوده بالضروريات اللازمة لتشغيله والرفاهيات التى تساعد العاملين على العمل في سهولة ويسر
              والله أعلى وأعلم

              تعليق


              • #8
                المسيح عليه السلام برىء من قولهم * الجزء الثالث *

                بين يديك أخي القارىء الجزء الثالث من المسيح عليه السلام برىء من قولهم
                تحت عنوان إساءة الكرامين وقد سبقه الجزء الأول الذي تضمن المقدمة والتمهيد
                والجزء الثاني وتضمن التهيئة والإعداد لتسليم الشريعة







                الفصل الثاني




                إساءة الكرامين


                " فَأَخَذَ الْكَرَّامُونَ عَبِيدَهُ وَجَلَدُوا بَعْضاً وَقَتَلُوا بَعْضاً وَرَجَمُوا بَعْضاً .
                ثُمَّ أَرْسَلَ أَيْضاً عَبِيداً آخَرِينَ أَكْثَرَ مِنَ الأَوَّلِينَ فَفَعَلُوا بِهِمْ كَذَلِكَ . " . متى 21 : 35 – 36 .

                إن الهدف من إرسال العبيد ( الرسل ) إلى الكرامين ( اليهود ) هو أخذ الثمر المستحق لصاحب الكرم ( الله ) ولكن الكرامين جلدوا العبيد ورجموهم وقتلوهم .

                إنها سيرة اليهود العفنة مع شتى الرسل والمصلحين ، وهي التي حذرالمسيح عليه السلام تلاميذه منها قائلا : "طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ ـ مِنْ أَجْلِي ـ كَاذِبِينَ. اِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا ، لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي السَّمَاوَاتِ ، فَإِنَّهُمْ هكَذَا طَرَدُوا الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ " .
                متى 5 : 11 – 12 .

                قال متى هنري تحت عنوان : سفالة الكرامين في إساءتهم لمن أُرسلوا إليهم : " عندما أرسل ـ الله ـ عبيده أساؤا إليهم ، رغم أنهم يمثلون السيد (*) نفسه ، وتكلموا باسمه.

                جاء في سفر الأيام الثاني : " فَأَرْسَلَ الرَّبُّ إِلَهُ آبَائِهِمْ إِلَيْهِمْ عَنْ يَدِ رُسُلِهِ مُبَكِّراً وَمُرْسِلاً لأَنَّهُ شَفِقَ عَلَى شَعْبِهِ وَعَلَى مَسْكَنِهِ ، فَكَانُوا يَهْزَأُونَ بِرُسُلِ اللَّهِ وَرَذَلُوا كَلاَمَهُ وَتَهَاوَنُوا بِأَنْبِيَائِهِ حَتَّى ثَارَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى شَعْبِهِ " . 36 : 15 ـ 16 .

                كان الكرامون هم الذين عاملوهم هذه المعاملة ، رؤساء الكهنة والشيوخ الذين جلسوا على كرسي موسى الذين ادّعوا علاقتهم بالله ، كان هؤلاء هم ألد الأعداء لأنبياء الرب ، هم الذين طردوهم وقتلوهم " (1) .

                ولقد نهاهم الله عن أفعالهم الردية مع أنبيائه الذين يمثلوه فقال : " لاَ تَمَسُّوا مُسَحَائِي وَلاَ تُسِيئُوا إِلَى أَنْبِيَائِي " مزامير 105 : 15 .

                لكنهم تمردوا على ربهم وعصوا أنبيائهم ، كما قال دانيال النبي وهو يصلي طالباً مراحم الله العلي أن تنزل على إسرائيل : " أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلَهُ الْعَظِيمُ الْمَهُوبُ حَافِظَ الْعَهْدِ وَالرَّحْمَةِ لِمُحِبِّيهِ وَحَافِظِي وَصَايَاهُ . أَخْطَأْنَا وَأَثِمْنَا وَعَمِلْنَا الشَّرَّ وَتَمَرَّدْنَا وَحِدْنَا عَنْ وَصَايَاكَ وَعَنْ أَحْكَامِكَ . وَمَا سَمِعْنَا مِنْ عَبِيدِكَ الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ بِـاسْمِكَ كَلَّمُوا مُلُوكَنَا وَرُؤَسَاءَنَا وَآبَاءَنَا وَكُلَّ شَعْبِ الأَرْضِ . لَكَ يَا سَيِّدُ الْبِرُّ أَمَّا لَنَا فَخِزْيُ الْوُجُوهِ كَمَا هُوَ الْيَوْمَ لِرِجَالِ يَهُوذَا وَلِسُكَّانِ أُورُشَلِيمَ وَلِكُلِّ إِسْرَائِيلَ الْقَرِيبِينَ وَالْبَعِيدِينَ فِي كُلِّ الأَرَاضِي الَّتِي طَرَدْتَهُمْ إِلَيْهَا مِنْ أَجْلِ خِيَانَتِهِمِ الَّتِي خَانُوكَ إِيَّاهَا. يَا سَيِّدُ لَنَا خِزْيُ الْوُجُوهِ لِمُلُوكِنَا لِرُؤَسَائِنَا وَلِآبَائِنَا لأَنَّنَا أَخْطَأْنَا إِلَيْكَ . لِلرَّبِّ إِلَهِنَا الْمَرَاحِمُ وَالْمَغْفِرَةُ لأَنَّنَا تَمَرَّدْنَا عَلَيْهِ وَمَا سَمِعْنَا صَوْتَ الرَّبِّ إِلَهِنَا لِنَسْلُكَ فِي شَرَائِعِهِ الَّتِي جَعَلَهَا أَمَامَنَا عَنْ يَدِ عَبِيدِهِ الأَنْبِيَاءِ " . دانيال 9 : 4 ـ 10 .

                لقد سار اليهود مع أنبيائهم سيرة ردية ، ولهذا استحقوا الويلات كما استحق اتباع المسيح عليه السلام التطويبات .

                اسمع للمسيح عليه السلام وهو يتوعد اليهود لأنهم أساؤا إلى أنبياء الله ( رسل الكرام ) فقال : " وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ ! لأَنَّكُمْ تَبْنُونَ قُبُورَ الأَنْبِيَاءِ وَتُزَيِّنُونَ مَدَافِنَ الصِّدِّيقِينَ وَتَقُولُونَ لَوْ كُنَّا فِي أَيَّامِ آبَائِنَا لَمَا شَارَكْنَاهُمْ فِي دَمِ الأَنْبِيَاءِ فَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ أَبْنَاءُ قَتَلَةِ الأَنْبِيَاءِ " متى 23 : 29 – 31 .

                وبعد أن خاطبهم كأني به الْتفت إلى أم قرى الأرض المقدسة وقال : " يَا أُورُشَلِيمُ يَا أُورُشَلِيمُ يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا وَلَمْ تُرِيدُوا " . لوقا 13 : 34 .



                الهوامش
                ـــــــــــــ
                (*) هو الله . وقد ورد في العهد القديم بهذا اللفظ كالآتي : " هَكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: لَيْسَ لأجْلِكُمْ أَنَا صَانِعٌ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ, بَلْ لأَجْلِ اسْمِي الْقُدُّوسِ الَّذِي نَجَّسْتُمُوهُ فِي الأُمَمِ حَيْثُ جِئْتُمْ " . حزقيال 36 : 22 .
                (1) المرجع السابق صـ 230 .

                تعليق


                • #9
                  المسيح عليه السلام برىء من قولهم * الجزء الرابع *

                  ها هو الجزء الرابع من المسيح عليه السلام برىء من قولهم
                  وهو تحت عنوان لقاء الفرصة الأخيرة وقد سبقه الجزء الثالث
                  الذي تضمن إساءة الكرامين ويليه جزء هام نؤكد فيه أن
                  القتل لم يكن إلا سبب الهلاك






                  الفصل الثالث




                  لقاء الفرصة الأخيرة



                  " فَأَخِيراً أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ ابْنَهُ قَائِلاً : يَهَابُونَ ابْنِي ! " متى 21 : 37 .

                  إن الكرامين لما قتلوا ورجموا وجلدوا عبيد صاحب الكرم أعطوا فرصة أخيرة لعلهم يتوبوا ويرجعوا إلى الله من قريب ، قبل أن يحل بهم الغضب ، وتتنزل عليهم اللعنات ، ويعاقبوا بالطرد والحرمان الأبدي .

                  وكان المسيح عليه السلام هو الفرصة الأخيرة ، إنه من جملة رسل الله إليهم ، غير أنه يمتازعن غيره من الرسل الأولين بعلو المكانة ، فهو حبيبٌ مقربٌ من الله عز وجل ، وإنْ كان الهدف من إرساله هوَ هوَ الهدف من إرسال باقي الرسل وهو أخذ الأثمار التى تستحق لله عز وجل .

                  قال المسيح عليه السلام لهم : " بِهَذَا يَتَمَجَّدُ أَبِي أَنْ تَأْتُوا بِثَمَرٍ كَثِيرٍ فَتَكُونُونَ تلاَمِيذِي " . يوحنا 15 : 8 .

                  وكذلك خاطبهم المسيح عليه السلام فقال : " ﭐِحْتَرِزُوا مِنَ الأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَةِ الَّذِينَ يَأْتُونَكُمْ بِثِيَابِ الْحُمْلاَنِ وَلَكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِلٍ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ ! مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ . هَلْ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ عِنَباً أَوْ مِنَ الْحَسَكِ تِيناً ؟ هَكَذَا كُلُّ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تَصْنَعُ أَثْمَاراً جَيِّدَةً وَأَمَّا الشَّجَرَةُ الرَّدِيَّةُ فَتَصْنَعُ أَثْمَاراً رَدِيَّةً ، لاَ تَقْدِرُ شَجَرَةٌ جَيِّدَةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَاراً رَدِيَّةً وَلاَ شَجَرَةٌ رَدِيَّةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَاراً جَيِّدَةً . كُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَراً جَيِّداً تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ . فَإِذاً مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ ." . متى 7 : 15 – 20 .


                  فالمسيح ويوحنا وغيرهما من الأنبياء ما جاؤا إلا ليتمجد الآب من خلالهم ، فقد جاؤا يطلبون حصاد الأثمار التي تليق بالتوبة .

                  إنّ قدامى الأنبياء جاؤا لتبليغ الآباء والأجداد ، وجاء المسيح عليه السلام لتبليغ الأبناء والأحفاد .
                  وهذا ظاهر كلام كاتب رسالة العبرانيين في صدرها عندما قال : " اَللهُ ُ بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيماً ، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ ، كَلَّمَنَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ – الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثاً لِكُلِّ شَيْءٍ ـ الَّذِي بِهِ أَيْضاً عَمِلَ الْعَالَمِينَ " . عبرانيين 1 : 1 ـ 2 .

                  الجميع يطالب بتوبة من ترك وصية الله التي أنزلها إليهم ، وبتوبة من اتباع تقاليد الآباء التي ما أنزل الله بها من سلطان .

                  قال المسيح عليه السلام : " وَأَنْتُمْ أَيْضاً لِمَاذَا تَتَعَدَّوْنَ وَصِيَّةَ اللَّهِ بِسَبَبِ تَقْلِيدِكُمْ؟ " .
                  وقال : " فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ وَصِيَّةَ اللَّهِ بِسَبَبِ تَقْلِيدِكُمْ ! " .
                  وقال مخبرا ً عن ربه : " وَبَاطِلاً يَعْبُدُونَنِي وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا النَّاسِ " .
                  متى 15 : 3 – 6 – 9 .

                  ومن المهم أن نشير إلى أن المسيح عليه السلام قد جاء ليبلغ رسالة محددة كغيره من الأنبياء في نطاق شريعة موسى عليه السلام ولم يخرج عن هذا النطاق قط ، سواء بالقول أو بالفعل .

                  قال المسيح عليه السلام : " لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لِأُكَمِّلَ. فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُم ْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ ". متى 5 : 17 ـ 18 .

                  وعندما جاء بشىء في ظاهره مخالفة لشريعة موسى عليه السلام وأنكر عليه ، جاء بالدليل من أفعال السابقين من الأنبياء بما يؤيد فعله .

                  ومن ذلك أنه في أحد أيام السبت ـ حيث لا يجوز العمل فيه عند اليهود ـ قد " اجْتَازَ بَيْنَ الزُّرُوعِ. وَكَانَ تَلاَمِيذُهُ يَقْطِفُونَ السَّنَابِلَ وَيَأْكُلُونَ وَهُمْ يَفْرُكُونَهَا بِأَيْدِيهِمْ . فَقَالَ لَهُمْ قَوْمٌ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ : لِمَاذَا تَفْعَلُونَ مَا لاَ يَحِلُّ فِعْلُهُ فِي السُّبُوتِ ؟ فَأَجَابَ يَسُوعُ : أَمَا قَرَأْتُمْ وَلاَ هَذَا الَّذِي فَعَلَهُ دَاوُدُ حِينَ جَاعَ هُوَ وَالَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ كَيْفَ دَخَلَ بَيْتَ اللهِ وَأَخَذَ خُبْزَ التَّقْدِمَةِ وَأَكَلَ وَأَعْطَى الَّذِينَ مَعَهُ أَيْضاً الَّذِي لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ إِلاَّ لِلْكَهَنَةِ فَقَطْ " . لوقا 6 : 1 ـ 4 .

                  أما المقصود من قوله " يهابون ابني " هو : لعلهم عندما يرون النبي صاحب المكانة العالية والمنزلة الغالية يخافون ، ويعطون الأثمار المفروضة عليهم ، ويعلمون أن المساس بهذا النبي يختلف عن المساس بغيره ، فالانتقام لأجله أشد والغضب له أحدّ .

                  " يهابون ابني لأنه جاء بسلطان أعظم من العبيد فقد أعطى سلطان الدينونة لكي يكرمه الجميع " (1)

                  ومن الجدير بالذكر في هذا الموضع أن الله عندما أعطى اليهود الفرصة الأخيرة ، أعطاها لهم من خلال إرسال الابن ولم يأت بنفسه ، وهذا دليل واضح في نقض أكذوبة التجسد ، كما أنه من المهم أن نشير إلى أن الابن جاء من أجل أخذ الأثمار ولم يأت من أجل تكفيرالخطية الأصلية .




                  الهوامش
                  ـــــــــــــــــ

                  ( 1 ) المرجع السابق صـ 231 .

                  ------------------------------------------------------------
                  تدخل إشرافي:
                  تم دمج المواضيع لترابط المضمون
                  القبطان المسلم

                  تعليق


                  • #10
                    هذا هو الجزء الخامس من المسيح عليه السلام برىء من قولهم بعنوان
                    القتل لم يكن إلا سبب الهلاك ويليه الجزء السادس وسيكون تحت عنوان
                    ثمرة العصيان



                    الفصل الرابع




                    القتل لم يكن إلا سبب الهلاك



                    " وَأَمَّا الْكَرَّامُونَ فَلَمَّا رَأَوْا الاِبْنَ قَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ : هَذَا هُوَ الْوَارِثُ . هَلُمُّوا نَقْتُلْهُ وَنَأْخُذْ مِيرَاثَهُ ! فَأَخَذُوهُ وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْكَرْمِ وَقَتَلُوهُ . فَمَتَى جَاءَ صَاحِبُ الْكَرْمِ مَاذَا يَفْعَلُ بِأُولَئِكَ الْكَرَّامِينَ ؟" . متى 21 : 38 – 40 .

                    لقد جاء الابن الحبيب يريد أخذ أثمار صاحب الكرم من الكرامين ، فقام الكرامون بالكيد له ، والمكر به ليقتلوه من أجل أن يصير الكرم ملكية أبدية لهم في زعمهم ، وهذا فيه دليل على أنّ الابن جاء ليأخذ حق الله من اليهود ولم يأت ليخلص أو يفدي .

                    " لمّا أتى الابن الذي كان يجب أن يحصل على الثمار أو يحجز على الكرم . هذا مسهم في الصميم ولذلك اعتزوا (*) على أن يهجموا هجمة واحدة جريئة ، فيحتفظوا بثروتهم وعظمتهم برفعه من الطريق ، لأنه كان هو العائق الوحيد في سبيل ثراهم " . (1)

                    لقد قام الكرامون بإخراج الابن خارج الكرم وقتلوه ، ورغم أن اليهود ـ إلى هذا الوقت ـ لم يكونوا قد تعرضوا للمسيح عليه السلام بالقتل ، إلا أنهم ـ في هذه اللحظة ـ كانوا قد عقدوا النية وعزموا على الفتك به إنْ أتيحت لهم الفرصة ، ولهذا صارحهم المسيح عليه السلام بهذا وعاملهم على حسب نيتهم وقصدهم ، ولم ينتظر أن يشرعوا في قتله ، حتى يكون تصريحه لهم من قبيل التحذير من عاقبة فعلهم الوخيمة ، التي ستعود عليهم بالهلاك المحتم كما سيتبين .

                    إنّ قتل الابن لو كان هو طريق الخلاص لما سأل المسيحُ عليه السلام اليهودَ عن مصيرهم إنْ هم قتلوه قائلا : فمتى جاء صاحب الكرم ماذا يفعل بأولئك الكرامين ؟ .

                    إن قتل الابن بناء على هذا السؤال كان خطية عظيمة وذنبا ً لا يغتفر . ولهذا كان مصير هؤلاء هو الهلاك . ولا يمكن بحال أن يكون مصير القتل هو الخلاص كما يزعم الزاعمون .

                    جاء في العهد الجديد عن يوحنا المعمدان : "هذَا هُوَ الَّذِي قِيلَ عَنْهُ بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ الْقَائِلِ : صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ : أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَة ". متى 3 : 3 .

                    نفهم من هذا أن الله يريد من العباد أن يلتزموا الاستقامة على السبيل حتى لا يضلوا فيهلكوا ، وألا يستسلموا لإبليس الذي يريد أن يهلكأولاد الله الذين يسيرون على طريق الله ، كما قال المسيح عليه السلام لتلاميذه : " الزَّرْعُ هُوَ كَلاَمُ اللهِ ، وَالَّذِينَ عَلَى الطَّرِيقِ هُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ، ثُمَّ يَأْتِي إِبْلِيسُ وَيَنْزِعُ الْكَلِمَةَ مِنْ قُلُوبِهِمْ لِئَلاَّ يُؤْمِنُوا فَيَخْلُصُوا" . لوقا 8 : 11 ـ 12 .

                    ولهذا حذر الأولون من إبليس وعمله . قال يعقوب في رسالته : " فَاخْضَعُوا لِلَّهِ . قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ " . يعقوب 4 : 7 .

                    وقال بولس في رسائله : " الْبَسُوا سِلاَحَ اَللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ" . أفسس 6 : 11 .

                    وقال بطرس في رسائله : "اُصْحُوا وَاسْهَرُوا لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِساً مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُو َ. فَقَاوِمُوهُ رَاسِخِينَ فِي الإِيمَانِ" . 1 بطرس 5 : 8 ـ 9 .

                    ولكن لماذا حذر الألولون من إبليس بشدة هكذا ؟ .

                    إن يوحنا يجيبنا في رسالته عن هذا التساؤل فيقول : "مَنْ يَفْعَلُ الْخَطِيَّةَ فَهُوَ مِنْ إِبْلِيسَ ، لأَنَّ إِبْلِيسَ مِنَ الْبَدْءِ يُخْطِئُ . لأَجْلِ هَذَا أُظْهِرَ ابْنُ اللهِ لِكَيْ يَنْقُضَ أَعْمَالَ إِبْلِيسَ . كُلُّ مَنْ هُوَ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ لاَ يَفْعَلُ خَطِيَّةً ، لأَنَّ زَرْعَهُ يَثْبُتُ فِيهِ ، وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخْطِئَ لأَنَّهُ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ . بِهَذَا أَوْلاَدُ اللهِ ظَاهِرُونَ وَأَوْلاَدُ إِبْلِيسَ . كُلُّ مَنْ لاَ يَفْعَلُ الْبِرَّ فَلَيْسَ مِنَ الله ِ" . 1يوحنا 3 : 8 – 10 .

                    هكذا اتضح لنا أن إبليس منذ بدايته يخطىء وأن أولاده هم من يخطئون ، ولا يفعلون البر ، فتبرأ الله منهم ، بل إن بولس قال لأحد المفسدين من أولاد إبليس : "أَيُّهَا الْمُمْتَلِئُ كُلَّ غِشٍّ وَكُلَّ خُبْثٍ ! يَا ابْنَ إِبْلِيسَ ! يَا عَدُوَّ كُلِّ بِرٍّ ! أَلاَ تَزَالُ تُفْسِدُ سُبُلَ اللهِ الْمُسْتَقِيمَةَ ؟" . أعمال 13 : 10 .

                    وهكذا ، قال يوحنا : إن من لا يفعل البر فليس من الله .
                    وقال بولس : إن من يعادي البر فهو ابن من أولاد إبليس .
                    وقال : إن أولاد إبليس لا يزالون يجاهدون أولاد الله من أجل أن يفسدوا سبله المستقيمة التي أمروا أن يقوموها إن اعوجوا ، أو أن يصنعوها إن تركوها يوما ً من الأيام .

                    ولا نجد من يماري في أن المسيح عليه السلام قد جاء من أجل الخلاص ، وإن اخْتُلف في وسيلة التطبيق ، ففريق يرى أن المسيح عليه السلام أتى ليخلص العالم بأسره من خطية قد وقع فيها أبوهم الأول آدم عليه السلام وذلك عن طريق الفداء من خلال الموت على الصليب ، حاملا لعنة الناموس رغم أنه كان بارا بلا خطية .

                    وفريق يرى أنه قد جاء يخلص بني إسرائيل من زيغهم واعوجاجهم عن سبل الله ، ويبشرهم بالحياة الأبدية مصداقاً لقوله : " لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ " . مرقس 2 : 17
                    ولكن اليهود أرادوا أن يبطشوا به " وَتَشَاوَرُوا لِكَيْ يُمْسِكُوا يَسُوعَ بِمَكْرٍ وَيَقْتُلُوهُ " . متى 26 : 4

                    فهل رضي المسيح عليه السلام عن محاولة اغتياله أم أنكرها ؟؟ .

                    يوحنا ـ صاحب البشارة ـ ينقل لنا مواجهة بين المسيح عليه السلام وبين اليهود تحسم لنا الخلاف الدائر بين الذين اختلفوا في كيفية الخلاص .

                    قال اليهود له : " ...أَبُونَا هُوَ إِبْرَاهِيمُ.

                    قال لهم يسوع : لَوْ كُنْتُمْ أَوْلاَدَ إِبْرَاهِيم ، لَكُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَعْمَالَ إِبْرَاهِيمَ ! وَلكِنَّكُمُ الآنَ تَطْلُبُونَ أَنْ تَقْتُلُونِي وَأَنَا إِنْسَانٌ قَدْ كَلَّمَكُمْ بِالْحَقِّ الَّذِي سَمِعَهُ مِنَ اللهِ . هذَا ـ القتل ـ لَمْ يَعْمَلْهُ إِبْرَاهِيمُ . أَنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَعْمَالَ أَبِيكُمْ ...... أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا . ذَاكَ كَانَ قَتَّالاً لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَق . " . يوحنا 8 : 39 – 44 .

                    هكذا رفض المسيح عليه السلام فكرة قتله ، وقال لليهود أنتم أبناء أب هو إبليس .

                    ومن هو إبليس ؟ .

                    - إبليس الذي كان قتالاً للناس من البدء .
                    ـ إبليس الذي حذر الرسل الأولون منه .
                    ـ إبليس الذي يريد أن ينزع كلام الله من الناس حتى لا يؤمنوا فيخلصوا .
                    ـ إبليس الذي من البدء يخطيء .
                    ـ إبليس الذي أظهر ابن الله من أجل أن ينقض أعماله .
                    ـ إبليس الذي يعادي كل بر يرضاه الله .
                    ـ إبليس الذي لا يزال يفسد سبل الله المستقيمة .
                    ـ إبليس الذي مكر مع اليهود من أجل أن يشبع شهوته في قتل الناس .

                    بل إنّ إبليس شارك بنفسه في قتل المسيح عليه السلام .

                    قال يوحنا في بشارته : " أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي قَلْبِ يَهُوذَا سِمْعَانَ الإِسْخَرْيُوطِيِّ أَنْ يُسَلِّمَهُ " .
                    يوحنا 13 : 2 .

                    كما قصّ لوقا ذلك فقال : "وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ يَطْلُبُونَ كَيْفَ يَقْتُلُونَهُ ، لأَنَّهُمْ خَافُوا الشَّعْبَ فدَخَلَ الشَّيْطَانُ فِي يَهُوذَا الَّذِي يُدْعَى الإِسْخَرْيُوطِيَّ ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الاثْنَيْ عَشَرَ . فَمَضَى وَتَكَلَّمَ مَعَ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَقُوَّادِ الْجُنْدِ كَيْفَ يُسَلِّمُهُ إِلَيْهِمْ . فَفَرِحُوا وَعَاهَدُوهُ أَنْ يُعْطُوهُ فِضَّة ً. فَوَاعَدَهُمْ . وَكَانَ يَطْلُبُ فُرْصَةً لِيُسَلِّمَهُ إِلَيْهِمْ خِلْوًا مِنْ جَمْعٍ " . لوقا 22 : 2 – 6 .

                    وتوعد المسيح عليه السلام بالويل لمن يسلمه قائلاً : " ﭐلَّذِي يَغْمِسُ يَدَهُ مَعِي فِي الصَّحْفَةِ هُوَ يُسَلِّمُنِي. إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ . وَلَكِنْ وَيْلٌ لِذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي بِهِ يُسَلَّمُ ابْنُ الإِنْسَانِ . كَانَ خَيْراً لِذَلِكَ الرَّجُلِ لَوْ لَمْ يُولَدْ " . متى 26 : 23 ـ 24 .

                    وقال للحاكم الروماني بيلاطس : " لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَانٌ الْبَتَّةَ لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيتَ مِنْ فَوْقُ. لِذَلِكَ الَّذِي أَسْلَمَنِي إِلَيْكَ لَهُ خَطِيَّةٌ أَعْظَمُ " . يوحنا 19 : 11 .

                    لقد قرر المسيح عليه السلام أن الذي سيسلمه لليهود له الويل .
                    وأن خطيته أعظم الخطايا على الإطلاق .
                    وأنه كان من الخير له لو لم يولد حتى لا يلق هلاكه لأنه شارك في تسليم المسيح عليه السلام .

                    فإذا كان هذا هو مصير يهوذا الإسخريوطي الذي أسلمه ، فكيف هو مصير الشيطان الذي أوعز على تسليمه .

                    والسؤال الآن : هل يمكننا القول بأن إبليس عندما شارك في قتل المسيح عليه السلام – بزعم النصارى – قام بصنع سبل الله المستقيمة ؟؟ .

                    لو جاز لنا أن نقول ذلك ، فإننا نقرر أن الخلاص هو من عمل الشيطان !! .
                    فهل الله عز وجل احتاج إلى مشاركة إبليس في خطة الخلاص حتى تتم على الوجه المطلوب ؟ .



                    الهوامش
                    ـــــــــــــــــ
                    (*) لعل الصواب هو : اعتزموا ، من العزم وهو القصد أو النية . والله أعلم .
                    (1) المرجع السابق صـ 232 .

                    تعليق


                    • #11
                      بين يديك الآن الجزء السادس من المسيح عليه السلام برىء من قولهم
                      وهو بعنوان ثمرة العصيان ويليه الجزء السابع والأخير الذي يحمل عنوان
                      بنو إسماعيل الذي يشمل عرض جديد - لم يسبق إليه إن شاء الله - في تناول
                      عهد الشريعة بين الله العلي وعبده إبراهيم النبي ، انتظروه





                      الفصل الخامس




                      ثمرة العصيان


                      لمّا كان قتل الابن الحبيب لصاحب الكرم لا يمكن أن يكون طريقا ً للخلاص ، ولمّا كان رفضه وعدم قبوله هو طريق الهلاك ، قال المسيح عليه السلام لليهود متسائلا ً : " فَمَتَى جَاءَ صَاحِبُ الْكَرْمِ مَاذَا يَفْعَلُ بِأُولَئِكَ الْكَرَّامِينَ ؟ " .

                      وكانت إجابتهم له كالتالي :

                      "قَالُوا لَهُ : أُولَئِكَ الأَرْدِيَاءُ يُهْلِكُهُمْ هَلاَكاً رَدِيّاً وَيُسَلِّمُ الْكَرْمَ إِلَى كَرَّامِينَ آخَرِينَ يُعْطُونَهُ الأَثْمَارَ فِي أَوْقَاتِهَا " متي 21 : 41 .


                      لقد حكموا على أنفسهم وأصابوا في حكمهم ، إنه الهلاك الذي يترصدهم ، بعدما خانوا الله ورسله فكان لزاما ً أن يُحرَموا من النعمة بعدما كفروها ولم يشكروها .

                      لقد كان الحكم العادل هو الحرمان من الكرم ، وأنْ يُعطى لآخرين هم أجدر بصيانته ورعايته وإعطاءِ ثمره لصاحبه ليكون ذلك حسرة على الكرامين الذين فرّطوا .

                      ومن الجدير بالتأمل أنّ قتل الابن الحبيب لصاحب الكرم دون سواه من العبيد كان سبب الوبال عليهم ونزع الكرم منهم ، وهذا فيه دليل على أنّ قتل الابن كان نقمة أدت إلى هلاك الكرامين ووصمهم بالأردياء ونزع الكرم منهم إلى الأبد ، فكيف لكليل الذهن أنْ يقول : إن القتل كان هو طريق الخلاص والفداء ؟! .
                      ولقد كان حرمان اليهود من الكرم أمراً معلوماً لهم ، فلقد ألمح الله لهم بهذا ، ولكنهم تمادوا في غيّهم ولم يصغوا لكلام الله عز وجل .

                      جاء في سفر إشعياء النبي الآتي :

                      " لأُنْشِدَنَّ عَنْ حَبِيبِي نَشِيدَ مُحِبِّي لِكَرْمِهِ .
                      كَانَ لِحَبِيبِي كَرْمٌ عَلَى أَكَمَةٍ خَصِبَةٍ ،
                      فَنَقَبَهُ وَنَقَّى حِجَارَتَهُ وَغَرَسَهُ كَرْمَ سَوْرَقَ وَبَنَى بُرْجاً فِي وَسَطِهِ وَنَقَرَ فِيهِ أَيْضاً مِعْصَرَةً
                      فَانْتَظَرَ أَنْ يَصْنَعَ عِنَباً فَصَنَعَ عِنَباً رَدِيئاً .
                      وَالآنَ يَا سُكَّانَ أُورُشَلِيمَ وَرِجَالَ يَهُوذَا ! احْكُمُوا بَيْنِي وَبَيْنَ كَرْمِي .
                      مَاذَا يُصْنَعُ أَيْضاً لِكَرْمِي وَأَنَا لَمْ أَصْنَعْهُ لَهُ ؟ .
                      لِمَاذَا إِذِ انْتَظَرْتُ أَنْ يَصْنَعَ عِنَباً صَنَعَ عِنَباً رَدِيئاً ؟ .
                      فَالآنَ أُعَرِّفُكُمْ مَاذَا أَصْنَعُ بِكَرْمِي ؟ .
                      أَنْزِعُ سِيَاجَهُ فَيَصِيرُ لِلرَّعْيِ. أَهْدِمُ جُدْرَانَهُ فَيَصِيرُ لِلدَّوْسِ .
                      وَأَجْعَلُهُ خَرَاباً لاَ يُقْضَبُ وَلاَ يُنْقَبُ فَيَطْلَعُ شَوْكٌ وَحَسَكٌ .
                      وَأُوصِي الْغَيْمَ أَنْ لاَ يُمْطِرَ عَلَيْهِ مَطَراً . " إشعياء 5 : 1 ـ 6 .

                      ومن المهم أن نشير إلى أن إعطاء الكرم للكرامين – اليهود – كان من قبل الله صاحب الكرم . وكذلك العقاب الذي أُنزل بهم كان من قبل صاحب الكرم كذلك . والعبيد – وهم الرسل – والابن – وهو المسيح – ليسوا إلا مجرد وسيلة بين الله عز و جل واليهود .

                      وهنا يثور تساؤل وهو : لماذا لا يباشر رب الكرم أمور كرمه بنفسه ؟ .

                      الجواب هو : إن الله لا يمكن أن يراه إنسان قط .

                      وهذا ليس كلامنا نحن ، بل النصوص هى التي تخبرنا بذلك .

                      قال موسى عليه السلام لربه : " أَرِنِي مَجْدَكَ " .
                      فقال الله عز وجل له : " لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَرَى وَجْهِي لأَنَّ الْإِنْسَانَ لاَ يَرَانِي وَيَعِيشُ " .
                      ثم قال : " وَأَمَّا وَجْهِي فَلاَ يُرَى " . خروج 33 : 18 ـ 23 .

                      وفي العهد الجديد : " اَللَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ . اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ " .
                      يوحنا 1 : 18 .

                      وقال المسيح عليه السلام : " وَﭐلآبُ نَفْسُهُ الَّذِي أَرْسَلَنِي يَشْهَدُ لِي . لَمْ تَسْمَعُوا صَوْتَهُ قَطُّ . وَلاَ أَبْصَرْتُمْ هَيْئَتَهُ " . يوحنا 5 : 37 .

                      وقال بولس وهو يوصي تيموثاوس : " أُوصِيكَ أَمَامَ اللهِ الَّذِي يُحْيِي الْكُلَّ ، وَالْمَسِيحِ يَسُوعَ الَّذِي شَهِدَ لَدَى بِيلاَطُسَ الْبُنْطِيِّ بِالاِعْتِرَافِ الْحَسَنِ : أَنْ تَحْفَظَ الْوَصِيَّةَ بِلاَ دَنَسٍ وَلاَ لَوْمٍ إِلَى ظُهُورِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ ، الَّذِي سَيُبَيِّنُهُ فِي أَوْقَاتِهِ الْمُبَارَكُ الْعَزِيزُ الْوَحِيدُ ، مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ ، الَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ الْمَوْتِ ، سَاكِناً فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْه ُ، الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ الَّذِي لَهُ الْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ الأَبَدِيَّةُ " . 1 تيموثاوس 6 : 13 ـ 16 .

                      إنّ الله عز وجل لا يمكن أنْ يراه أحدٌ منَ الناس ، ولهذا أرسلَ الأنبياءَ إليهم من أجل أن يعملوا بالوصايا التي أوصاهم بها .

                      وكما أرسلَ الأنبياءَ فإنّه أرسلَ الابنَ من أجل ذات الغاية ، فكيف يكون المُرسِلُ ـ الله ـ هو المُرْسَلُ ـ الابن ـ مع أنّ الله لا يُرى ، ولم يره أحد قط ، ومن يراه من الناس لا يعيش ، لأنه لا يقدر أحد أنْ يراه ويعيش ؟! .

                      تعليق


                      • #12
                        لم تصل الرحلة إلى نهايتها بعد ، فإذا كنت تقرأ الجزء السابع من المسيح عليه السلام برىء من قولهم
                        فاعلم أن الجزء السابع الذي يحمل عنوان بنو إسماعيل ما هو إلا نهاية القسم الأول من كلامنا
                        وهناك قسم آخر ألمحنا في المقدمة عن إرجائه إلى وقت آخر
                        ولكن بنهاية الجزء السابع سيتيقن القارىء الكريم أن المسيح عليه السلام قد تبرأ ممن قام بتأليهه
                        وتبرأ ممن زعم أن موت الابن كان سبيل الخلاص ، وتبرأ ممن كفر بمحمد عليه الصلاة والسلام وجحد فضل أمته




                        الفصل السادس




                        بنو إسماعيل



                        " قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ : أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ فِي الْكُتُبِ : الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هَذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا ؟ .

                        لِذَلِكَ أَقُولُ لَكُم ْ: إِنَّ مَلَكُوتَ اللَّهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لِأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ. " . متي 21 : 42 – 43 .

                        ماذا كان يقصد المسيح عليه السلام بقوله : " إنّ ملكوت الله ينزع منكم " ؟؟ .

                        لقد كان يقصد العهد الذي أقامه الله عزوجل مع نسل إسحاق بن إبراهيم من زوجه سارة عليهم السلام ، ثم تبلور في نزول الشريعة من قبل الله العلي على عبده موسى النبي عليه السلام .

                        وهذا سيعيدنا إلى الوراء سنين طوالا ً لنتعرف على العهد مع من بدأ . وبمن ينتهي ؟ .

                        لقد قال الله لنبيه إبراهيم عليه السلام : "وَأُقِيمُ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ فِي أَجْيَالِهِمْ عَهْداً أَبَدِيّاً لأَكُونَ إِلَهاً لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ . وَأُعْطِي لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ أَرْضَ غُرْبَتِكَ كُلَّ أَرْضِ كَنْعَانَ مِلْكاً أَبَدِيّا ً. وَأَكُونُ إِلَهَهُمْ .

                        وَقَالَ اللهُ لإِبْرَاهِيمَ : وَأَمَّا أَنْتَ فَتَحْفَظُ عَهْدِي أَنْتَ وَنَسْلُكَ مِنْ بَعْدِكَ فِي أَجْيَالِهِم ْ.

                        هَذَا هُوَ عَهْدِي الَّذِي تَحْفَظُونَهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ : يُخْتَنُ مِنْكُمْ كُلُّ ذَكَرٍ فَتُخْتَنُونَ فِي لَحْمِ غُرْلَتِكُمْ فَيَكُونُ عَلاَمَةَ عَهْدٍ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ . اِبْنَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ يُخْتَنُ مِنْكُمْ كُلُّ ذَكَرٍ فِي أَجْيَالِكُمْ : وَلِيدُ الْبَيْتِ وَالْمُبْتَاعُ بِفِضَّةٍ مِنْ كُلِّ ابْنِ غَرِيبٍ لَيْسَ مِنْ نَسْلِكَ . يُخْتَنُ خِتَاناً وَلِيدُ بَيْتِكَ وَالْمُبْتَاعُ بِفِضَّتِكَ فَيَكُونُ عَهْدِي فِي لَحْمِكُمْ عَهْداً أَبَدِيّاً .



                        وَأَمَّا الذَّكَرُ الأَغْلَفُ الَّذِي لاَ يُخْتَنُ فِي لَحْمِ غُرْلَتِهِ فَتُقْطَعُ تِلْكَ النَّفْسُ مِنْ شَعْبِهَا . إِنَّهُ قَدْ نَكَثَ عَهْدِي" التكوين 17 : 7 – 14 .


                        لقد أقام الله عهدا ً عاما ً مع نبيه إبراهيم ونسله من بعده ، وجعل علامة هذا العهد هي ختان الذكور من ولده ونسلهم ، وجعل الذكرَ الأغلف ناكثاً للعهد العام الذي أقامه الله مع نبيه إبراهيم عليه السلام دون غيره من سائر الناس .

                        وهذا العهد قد أُُعطِيَ لإبراهيم َ عليه السلام عندما امتثلَ لأمر ربه ولمْ يَمسكْ ولده الوحيد بعد أن أمره الله بذبحه ، كما جاء في النص أنّ اللهَ لمَّا أراد أنْ يمتحنَ إبراهيمَ عبده قال له : " خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ الَّذِي تُحِبُّهُ إِسْحَاقَ وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أَقُولُ لَكَ . " تكوين 22 : 2 .

                        وكلمة " إسحاق " في النص السابق يجب أنْ تكونَ قد أضيفت إلى النص بلا مراء ، لأنّ إسماعيل هو بكر إبراهيم عليهما السلام ، فلا يصح أن يكون إسحاق هو الابن الوحيد .

                        ولا يمكن جعل إسحاق عليه السلام هو الابن الوحيد باعتبار أنه ابن سارة وهي حرة ، وعدم الاعتداد بإسماعيل ابن هاجر لأنها جارية . وذلك لأن هاجر زوجة لإبراهيم مثلها مثل سارة عليهم جميعاً السلام .
                        جاء في سفر التكوين : " فَأَخَذَتْ سَارَايُ امْرَأَةُ أَبْرَامَ هَاجَرَ الْمِصْرِيَّةَ جَارِيَتَهَا مِنْ بَعْدِ عَشَرِ سِنِينَ لإِقَامَةِ أَبْرَامَ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ وَأَعْطَتْهَا لأَبْرَامَ رَجُلِهَا زَوْجَةً لَهُ " 16 : 3 .

                        وعليه فإنّ إسماعيلَ هو الذي أ ُمِـرَ إبراهيمُ أنْ يأخذه و يذبحَه ، لأنّ الله عز وجل أقام عهده مع عبدِه إبراهيمَ عليه السلام بعد أنْ أمره بذبح ولده الوحيد .

                        لقد قال ملاكُ الربِّ لإبراهيمَ : " بِذَاتِي أَقْسَمْتُ – يَقُولُ الرَّبُّ – أَنِّي مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ فَعَلْتَ هَذَا الأَمْرَ وَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيراً كَنُجُومِ السَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ وَيَرِثُ نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ لأَرْضِ مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي . "تكوين 22 : 16 ـ 18.

                        إنّ الله لمّا قال لعبده إبراهيم عليه السلام : خذِ ابْنك وحيدك الذي تحبه و اذهب إلى أرض المريا وأصعده هناك محرقة على أحد الجبال الذي أقول لك ، و سمع إبراهيم لربه واستجاب لأمره ، كافأه الله بأنْ أقام عهده معه .

                        و لكنّا نجدُ أنّ صيغة َ إقامةِ العهد كانت في زمنٍ لم يكن إسحاق قد وُلد فيه بعد .

                        إنّ صيغة العهد بين الله عز وجل وإبراهيم جاءت كالتالي :" أَنَا اللهُ الْقَدِيرُ . سِرْ أَمَامِي وَكُنْ كَامِلاً فَأَجْعَلَ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَأُكَثِّرَكَ كَثِيراً جِدّاً " تكوين 17 : 1 – 2 .

                        وقد سبق في تكوين 22 : 16 ـ 18 أنّ العهد أقيم لأنّ إبراهيم عليه السلام لم يمسك ولده الوحيد عنْ أمر ربه ، بينما تكوين 17 : 1 إلى 14 يخبرنا بأنّ صيغة العهد الذي أقامه اللهُ مع عبده إبراهيم عليه السلام تمت في وقت لم يكن إسحاق وُلد فيه بعد . فقد جاء بعده النصُ الآتي : " وَقَالَ اللهُ لإِبْرَاهِيمَ : سَارَايُ امْرَأَتُكَ لاَ تَدْعُو اسْمَهَا سَارَايَ بَلِ اسْمُهَا سَارَةُ . وَأُبَارِكُهَا وَأُعْطِيكَ أَيْضاً مِنْهَا ابْناً. أُبَارِكُهَا فَتَكُونُ أُمَماً وَمُلُوكُ شُعُوبٍ مِنْهَا يَكُونُونَ " تكوين 17 : 15 .

                        فإذا كان العهدُ الذي أقيم مع إبراهيم عليه السلام قد تمّ بسبب تضحية إبراهيم بولده الوحيد ، وكان إسحاق في هذا الوقت لم يولد بعد ، فبمنْ ضحى إبراهيم عليه السلام ؟ .

                        إنّ العهد أقيم بسبب تضحية إبراهيمُ بولده الوحيد إسماعيل عليهما السلام .

                        وهذا ما دفع إبراهيمَ عليه السلام أن يختن ولدَه إسماعيلَ عليه السلام ، أما إسحاق عليه السلام فقد وهبه الله عز وجل لسارة من إبراهيم تكريماً لها كما جاء في النص أنّ الله قال لإبراهيمَ عبده بعد أنْ أقام معه العهد : " أَيْنَ سَارَةُ امْرَأَتُكَ ؟
                        فَقَالَ : هَا هِيَ فِي الْخَيْمَةِ .
                        فَقَالَ : إِنِّي أَرْجِعُ إِلَيْكَ نَحْوَ زَمَانِ الْحَيَاةِ وَيَكُونُ لِسَارَةَ امْرَأَتِكَ ابْنٌ . " تكوين 18 : 9 – 10 .

                        وعندما قضى اللهُ عزَّ و جلَّ على سدوم بالهلاك ، و مرَّت ملائكة ُ العذاب بإبراهيمَ عليه السلام في طريقهم إلى قوم لوطٍ ، وبعد أنْ بشـَّروا سارة بولادة إسحاق عليه السلام فإنّ الله سبحانه قال : " هَلْ أُخْفِي عَنْ إِبْرَاهِيمَ مَا أَنَا فَاعِلُهُ ، وَإِبْرَاهِيمُ يَكُونُ أُمَّةً كَبِيرَةً وَقَوِيَّةً وَيَتَبَارَكُ بِهِ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ ؟ لأَنِّي عَرَفْتُهُ لِكَيْ يُوصِيَ (1) بَنِيهِ وَبَيْتَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ يَحْفَظُوا طَرِيقَ الرَّبِّ لِيَعْمَلُوا بِرّاً وَعَدْلاً لِكَيْ يَأْتِيَ الرَّبُّ لإِبْرَاهِيمَ بِمَا تَكَلَّمَ بِهِ . " تكوين 18 : 17 ـ 19 .

                        وهذا فيه دليل على أنّ المضحَّى به كان إسماعيل عليه السلام ، لأنّ النص يخبر أنّ الله عز وجل قد أخبر عبده إبراهيم عليه السلام بما سيحل بسدوم لأنه قد أصبح قائماً بالعهد الذي أعطي له لعدم إمساكه لولده الوحيد ، بينما كان إسحاق في هذا الوقت مجرد بشارة أعطيت لسارة صاحبة إبراهيم عليهم جميعاً السلام .


                        - من هو الابن الذي يحبه ؟ّ! .

                        جاء في النص أنَّ الله عز و جل قال لعبده إبراهيم عليه السلام : " خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ الَّذِي تُحِبُّهُ " .

                        إنَّ إبراهيم عليه السلام كان يحب ولده إسماعيل حباً جماً . وهذا ليس كلاماً مرسلاً بلا دليل ، ولكنه النص الذي يخبر عن هذه العاطفة الأبوية الجياشة التي تمكنت من قلب إبراهيم عليه السلام نحو ولده إسماعيل عليه السلام .

                        عندما رأت سارة " ابْنَ هَاجَرَ الْمِصْرِيَّةِ الَّذِي وَلَدَتْهُ لإِبْرَاهِيمَ يَمْزَحُ " وقالت لإبراهيم عليه السلام : " اطْرُدْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا لأَنَّ ابْنَ هَذِهِ الْجَارِيَةِ لاَ يَرِثُ مَعَ ابْنِي إِسْحَاقَ " .

                        فماذا كان رد فعل الأب المحب ؟ .

                        جاء في النص : " فَقَبُحَ الْكَلاَمُ جِدّاً فِي عَيْنَيْ إِبْرَاهِيمَ لِسَبَبِ ابْنِهِ . " تكوين 21 : 9 – 11 .

                        ثمَّ إنَّ إبراهيم عليه السلام تمنّى على ربه أن يرعى ولده إسماعيل عليه السلام ويحوطه بعنايته فدعا قائلاً : "لَيْتَ إِسْمَاعِيلَ يَعِيشُ أَمَامَكَ !" فقال له ربه : "وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيراً جِدّاً . اِثْنَيْ عَشَرَ رَئِيساً يَلِدُ وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَة ً."
                        تكوين 17 : 18 ـ 20 .

                        وجاء في موضع آخر : " وَكَانَ اللهُ مَعَ الْغُلاَمِ فَكَبِرَ وَسَكَنَ فِي الْبَرِّيَّةِ . " تكوين 21 : 20 .

                        وهكذا نجد أنّ النصوص تشير إلى أنّ ابن إبراهيم الذي كان يحبه هو إسماعيل ، فقد غضب له عندما طلبت سارة أن يطرده ، كما أنه طلب من ربه أن يتعاهد ولده إسماعيل بالرعاية ، وبالفعل استجاب الله لعبده إبراهيم وأقرّ عينه وبارك إسماعيل وثمره وكان الله معه حتى كبر .



                        - هل كانت بركة إسحاق عليه السلام لجميع قبائل الأرض ، أم كانت لنسله فقط ؟ .


                        لقد بشـَّر اللهُ عبدَه إبراهيم عليه السلام بأنه سيقيم عهداً مع ولده إسحاق فقال : " سَارَةُ امْرَأَتُكَ تَلِدُ لَكَ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ إِسْحَاقَ . وَأُقِيمُ عَهْدِي مَعَهُ عَهْداً أَبَدِيّاً لِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ . " تكوين 17 : 19 .

                        لعلك تلاحظ أنّ العهد مع إسحاق عليه السلام هو عهدٌ أبدي لنسله . ولمْ يُذكرْ أنه لنسل إبراهيم عليه السلام . فلو كان لجميع نسل إبراهيم عليه السلام لقال الله عز وجل لعبده إبراهيم : " سارة امرأتك تلد لك ابنا وتدعو اسمه إسحاق . وأقيم عهدي معه عهدا أبديا لنسلك من بعدك " .

                        إنَّ عهد الله مع إسحاق عليه السلام حسب نص التكوين هو عهد لذرية إسحاق فقط دون غيره من أولاد إبراهيم عليه السلام .

                        كما أنَّ امرأة إسحاق عليه السلام عندما حبلت بوليدَيْها عيسو ويعقوب ، وتزاحما في بطنها بُشِّرتْ من قبل الرب بالآتي : " فِي بَطْنِكِ أُمَّتَانِ وَمِنْ أَحْشَائِكِ يَفْتَرِقُ شَعْبَانِ : شَعْبٌ يَقْوَى عَلَى شَعْبٍ وَكَبِيرٌ يُسْتَعْبَدُ لِصَغِيرٍ " . تكوين 25 : 23 .

                        وهذا النص يخبر أنّ كِلا الوليدين سيصير شعباً ، ولكن نسل الصغير – وهو يعقوب – سيسود على نسل الكبير – وهو عيسو ـ وقد تقرر هذا بصورة واضحة عندما بارك إسحاقُ ولده يعقوب عليهما السلام فقال : "اللهُ الْقَدِيرُ يُبَارِكُكَ وَيَجْعَلُكَ مُثْمِراً وَيُكَثِّرُكَ فَتَكُونُ جُمْهُوراً مِنَ الشُّعُوبِ . وَيُعْطِيكَ بَرَكَةَ إِبْرَاهِيمَ لَكَ وَلِنَسْلِكَ مَعَكَ لِتَرِثَ أَرْضَ غُرْبَتِكَ الَّتِي أَعْطَاهَا اللهُ لإِبْرَاهِيمَ " .


                        تكوين 28 : 3 ـ 4 .


                        إنّ بركة إسحاق لولده يعقوب عليهما السلام كانت كذلك في نسله فقط كما في هو ظاهر من قول الأول للثاني : " لَكَ وَلِنَسْلِكَ مَعَكَ " .

                        وقد قرر إسحاق عليه السلام أنّ الشعوب التي ستخضع ليعقوب ونسله بناءً على تلك البركة هم بنو أمه دون غيرهم . وهذا تجده في قوله لولده يعقوب عليه السلام : " فَلْيُعْطِكَ اللهُ مِنْ نَدَى السَّمَاءِ وَمِنْ دَسَمِ الأَرْضِ وَكَثْرَةَ حِنْطَةٍ وَخَمْرٍ . لِيُسْتَعْبَدْ لَكَ شُعُوبٌ وَتَسْجُدْ لَكَ قَبَائِلُ . كُنْ سَيِّداً لإِخْوَتِكَ وَلْيَسْجُدْ لَكَ بَنُو أُمِّكَ . لِيَكُنْ لاَعِنُوكَ مَلْعُونِينَ وَمُبَارِكُوكَ مُبَارَكِينَ " . تكوين 27 : 28 ـ 29 .

                        إنّ بركة إسحاق عليه السلام ورثها يعقوب ونسله ، وخرج منهم شعب إسرائيل الذين نُزِع منهم ملكوت الله عز و جل كما بلّغ عنه عبدُه ورسولُه المسيح ابن مريم عليه السلام .


                        - كيف تتبارك جميع شعوب وقبائل الأرض في نسل إبراهيم عليه السلام ؟ .

                        لقد وعدَ الله ُ عزّ و جلّ عبدَه إبراهيم عليه السلام بأنْ تتبارك فيه جميع قبائل الأرض . فكيف تعم البركة جميع قبائل الأرض ، والعهد الذي أُقيم مع إسحاق عليه السلام خاص بنسله فقط ؟ .

                        قال اللهُ العليُّ لعبده إبراهيم : " اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ . فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ وَتَكُونَ بَرَكَةً . وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ ، وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ . " تكوين 12 : 1 ـ 3 .

                        وعندما امتثل إبراهيمُ عليه السلام لأمر ربِّه عندما عزم على ذبح ولده الوحيد ناداه ملاكُ الرب قائلاً : " بِذَاتِي أَقْسَمْتُ – يَقُولُ الرَّبُّ – أَنِّي مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ فَعَلْتَ هَذَا الأَمْرَ وَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ ، أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيراً كَنُجُومِ السَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ وَيَرِثُ نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي " . تكوين 22 : 16 ـ 18 .

                        إذا أردْنا أنْ نعرفَ كيف تتباركُ جميعُ قبائل الأرض في إبراهيم عليه السلام – رغم أنَّ العهد الذي أقامَه اللهُ عزّ و جلّ مع إسحاق عليه السلام خاصٌ بنسل إسحاق عليه السلام فقط كما سبق وبيّنّا – فعلينا أنْ نسألَ أنفسَنا هذا السؤال : لماذا ختنَ إبراهيم عليه السلام بكْرَه ُإسماعيلَ وهو في الثالثة عشر منَ عمره رغم أنّ العهد- في زعم أهل الكتاب – سيقام مع إسحاق عليه السلام ؟ .

                        جاء في العهد القديم الخبر الآتي : " وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ ابْنَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً حِينَ خُتِنَ فِي لَحْمِ غُرْلَتِهِ وَكَانَ إِسْمَاعِيلُ ابْنُهُ ابْنَ ثَلاَثَ عَشَرَةَ سَنَةً حِينَ خُتِنَ فِي لَحْمِ غُرْلَتِهِ . فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَيْنِهِ خُتِنَ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ ابْنُهُ " . تكوين 17 : 24 ـ 26 .

                        لقد ختنَ إبراهيمُ ولدَه البكرَ إسماعيلَ ـ رغم بلوغ الثاني سن الثالثة عشر ـ لأنّه يعلمُ أنّ في نسل إسماعيل ستكون بركة جميع قبائل الأرض .

                        إنّ إبراهيم عليه السلام دعا ربه قائلاً : " لَيْتَ إِسْمَاعِيلَ يَعِيشُ أَمَامَكَ ! " .

                        فقال له ربه : " بَلْ سَارَةُ امْرَأَتُكَ تَلِدُ لَكَ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ إِسْحَاقَ . وَأُقِيمُ عَهْدِي مَعَهُ عَهْداً أَبَدِيّاً لِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ .

                        وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ . هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيراً جِدّاً . اِثْنَيْ عَشَرَ رَئِيساً يَلِدُ وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً .

                        وَلَكِنْ عَهْدِي أُقِيمُهُ مَعَ إِسْحَاقَ الَّذِي تَلِدُهُ لَكَ سَارَةُ فِي هَذَا الْوَقْتِ فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ ."


                        تكوين 17 : 18 ـ 21 .


                        إنّ إبراهيمَ عليه السلام لمّا سألَ ربَه أنْ يجعلَ عهدَه مع بكره إسماعيل قالَ له ربُّه : أجعلُ عهداً مع إسحاقَ ولدك الذي ستلده لك امرأتك سارة في العام المقبل أولاً وسيكون عهدي معه لنسله من بعده . وأمّا إسماعيل فقد استجبت لك فيه وسأكثره وأباركه وأ ُخرجُ منه أمة ٌ عظيمة الشأن .

                        والذي يدل على أنَّ الله عز وجل استجاب لدعوة عبده إبراهيم عليه السلام هو ختنُ إبراهيمُ لولدِه إسماعيلَ عليهما السلام . وإلا فلو كان اللهُ عزّ و جلّ لمْ يستجبْ له ، فلِمَ يختنُ إبراهيمُ ولدَه البكر طالما أنّ العهدَ لنْ يكون معه ؟! .

                        لقد بدأ عهدُ اللهِ عزّ و جل مع إسحاق عليه السلام لنسله من بعده ، ثم باركَ إسحاقُ عليه السلام ولدَه يعقوب فكان العهدُ في بيته وفي أولاده الاثنى عشر، الذين خرج منهم شعب إسرائيل .

                        ثم مرت السنون وجاءهم موسى وهارون عليهما السلام بالبينات من ربهم ، ولكنهم عصوا وخالفوا وتمردوا وعبدوا العجل من دون الله .

                        ثم أرسل الله من بعد موسى وهارون عليهما السلام رسلا ً إليهم ، جلدوا بعضا ً ورجموا بعضا ً وقتلوا بعضا ً حتى انتهى المطاف بهم إلى أنْ جاءهم خاتمُ أنبياء بني إسرائيل وهو المسيح عليه السلام ، الذي كان بمثابة الفرصة الأخيرة التي إنْ فاتتهم فلا فلاحَ لهم بعدها ، وقدْ كان .

                        لقد تآمروا عليه فيما بينهم ليقتلوه ، فماذا كان ؟ .

                        كان الهلاك الردي و الطرد . لقد قضى الله ُ عليهم بنزع العهد منهم ، وإعطائه لأمَّة أخرى تعطِي أثمار ربها كما ذكر المسيح عليه السلام .


                        والسؤال الذي يطرح نفسه .. من هي هذه الأمة ؟ .


                        إنَّ هذه الأمّة يجب أنْ تكون من نسل إبراهيم عليه السلام ، لأنَّ العهد العام الأبدي أقامَه الله ُ مع إبراهيم عليه السلام دون غيره منَ الناس .

                        و هذه الأمة يجب أن تكون مختونة ، وذلك لأنَّ الختانَ هو علامة العهد الذي أقامه الله مع عبده إبراهيم عليه السلام .

                        وعلى هذا فإنَّ الأمة التي تستحق أنْ تـُعطى ملكوت الله الذي نُزع من بيت إسرائيل هى أمَّة إسماعيل عليه السلام .

                        لقد قال الله لعبده إبراهيم : " أَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ . هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيراً جِدّاً اِثْنَيْ عَشَرَ رَئِيساً يَلِدُ وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً ." تكوين 17 : 20 .

                        وقالَ : " وَابْنُ الْجَارِيَةِ أَيْضاً سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً لأَنَّهُ نَسْلُكَ " التكوين 21 : 13 .

                        وقال لهاجرَ : " قُومِي احْمِلِي الْغُلاَمَ وَشُدِّي يَدَكِ بِهِ لأَنِّي سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً عَظِيمَةً ." تكوين 21 : 18 .


                        والسؤال الذي يشغلنا هو : هذه الأمة التي ستعطى ملكوت الله ، كيف يتنزل وحي الله إليها ؟ .


                        لقد أعطي بني إسرائيل الشريعة من خلال نبي الله موسى عليه السلام . والأمة التي ستحل محل إسرائيل المتمردة يجب أن تتلقى وحي الله عن طريق نبي مرسل مثل موسى عليه السلام .


                        - هل هناك نص يبشر بمجيء نبي بعد المسيح عليه السلام ؟ .

                        الجواب : نعم .

                        فأين جاء ذكر هذا النبي ؟ .

                        الجواب : جاء في مواضعٍ لا حصر لها . ومنها – بلْ منْ أبرزها- الآتي :

                        جاء في بشارة يوحنا : "وَهذِهِ هِيَ شَهَادَةُ يُوحَنَّا ، حِينَ أَرْسَلَ الْيَهُودُ مِنْ أُورُشَلِيمَ كَهَنَةً وَلاَوِيِّينَ لِيَسْأَلُوهُ: مَنْ أَنْتَ؟ .
                        فَاعْتَرَفَ وَلَمْ يُنْكِرْ وَأَقَرَّ: إِنِّي لَسْتُ أَنَا الْمَسِيحَ .
                        فَسَأَلُوهُ: إِذًا مَاذَا؟ إِيلِيَّا أَنْتَ؟ .
                        فَقَالَ: لَسْتُ أَنَا .
                        فقالوا له : أَلنَّبِيُّ أَنْتَ؟ .
                        فَأَجَابَ : لا .
                        فَقَالُوا لَهُ : مَنْ أَنْتَ ! لِنُعْطِيَ جَوَابًا لِلَّذِينَ أَرْسَلُونَا ؟ مَاذَا تَقُولُ عَنْ نَفْسِكَ ؟ .
                        قَالَ : أَنَا صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ : قَوِّمُوا طَرِيقَ الرَّبِّ ، كَمَا قَالَ إِشَعْيَاءُ النَّبِيُّ . ...
                        فَسَأَلُوهُ وَقَالُوا لَهُ : فَمَا بَالُكَ تُعَمِّدُ إِنْ كُنْتَ لَسْتَ الْمَسِيحَ وَلاَ إِيلِيَّا وَلاَ النَّبِيَّ " يوحنا 1 : 19 – 24 .

                        هناك أربعة أشخاص جاء ذكرهم في هذا الموضع وهم :

                        1 – شخصية يوحنا عليه السلام .
                        2- شخصية المسيح عليه السلام .
                        3- شخصية إيليا عليه السلام .
                        4- شخصية النبي عليه السلام .

                        الشخصية الأولى هي شخصية يوحنا وهو المسئول من قبل اليهود .

                        أما الثانية فهي شخصية المسيح ابن مريم عليهما السلام كما هو معلوم .

                        وأما إيليا فكان اليهود يترقبون ظهوره على حسب النبؤة التي تخبر: " هأنذا أرسل إليكم إيليا النبي قبل مجيء يوم الرب ، اليوم العظيم والمخوف " ملاخي 4 : 5 .

                        وإيليا هذا قد أخبر المسيح عليه السلام أنه جاء ، ولكن اليهود لم يعرفوه فقال مجيبا ًعن سؤال تلاميذه : " إِنَّ إِيلِيَّا يَأْتِي أَوَّلاً وَيَرُدُّ كُلَّ شَيْءٍ . وَلكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ إِيلِيَّا قَدْ جَاءَ وَلَمْ يَعْرِفُوهُ ، بَلْ عَمِلُوا بِهِ كُلَّ مَا أَرَادُوا " متى 17 : 11 – 12 .

                        فماذا عن النبي الذي نفى يوحنا عليه السلام أنْ يكونَ هوَ هوَ ؟؟ .

                        لم يأتِ أحدٌ بعد المسيح يدَّعي أنَّه نبيٌ مرسلٌ بوحي مِنْ عند الله عز و جل ، و مِنْ أمةٍ مختونةٍ مباركةٍ مِنْ نسل إبراهيم عليه السلام ، إلا نبي الإسلام محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم .

                        ومنَ المواضع التي جاء فيها ذكر النبي الذي ستتبارك به جميع قبائل الأرض : ما جاء عنْ موسى عليه السلام أنَّه قال لبيت إسرائيل : " قَال لِيَ الرَّبُّ : قَدْ أَحْسَنُوا فِي مَا تَكَلمُوا . أُقِيمُ لهُمْ نَبِيّاً مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلكَ وَأَجْعَلُ كَلامِي فِي فَمِهِ فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ . وَيَكُونُ أَنَّ الإِنْسَانَ الذِي لا يَسْمَعُ لِكَلامِي الذِي يَتَكَلمُ بِهِ بِاسْمِي أَنَا أُطَالِبُهُ " التثنية 18 : 17 – 19 .

                        ما هي صفات هذا النبي الذي سيقيمه الله عزَّ و جلَّ ؟ .

                        هناك ثلاث صفات وردتْ في سياق النص ، وهي :

                        1 – من وسط إخوة بيت إسرائيل .
                        2 – مثل موسى عليه السلام .
                        3 – كلام الله في فمه .

                        - أمَّا عن الصفة الأولى فتدل على أنَّ النبي المبشر به ليس منْ بني إسرائيل ولكن من وسط إخوتهم فيكون من بيتٍ غير بيت إسحاق عليه السلام الذي نُزعَ منه الملكوت كما أخبر المسيح عليه السلام .

                        وأجدرُ مَنْ يستحق هذا الملكوت هم بنو إسماعيل عليه السلام ، لأنَّهم إخوة بيت إسرائيل ، كما جاء في العهد القديم أنَّ ملاكَ الرب قال لهاجرَ أم إسماعيل عليهما السلام : " هَا أَنْتِ حُبْلَى فَتَلِدِينَ ابْناً وَتَدْعِينَ اسْمَهُ إِسْمَاعِيلَ لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ سَمِعَ لِمَذَلَّتِكِ . وَإِنَّهُ يَكُونُ إِنْسَاناً وَحْشِيّاً يَدُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَيَدُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ وَأَمَامَ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ يَسْكُنُ . " التكوين 16 : 11 – 12 .

                        وقال اللهُ عز و جل عن إسماعيل عليه السلام : " أَمَامَ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ نَزَلَ" التكوين 25 : 18 .

                        - أمّا عن الصفة الثانية فتدل على أنَّ النبي المبشر به ليس من بيت إسرئيل كذلك ، لأن هذا النبي يجب أنْ يكونَ مثل موسى عليه السلام ، وقد جاء في التوراة : " وَلمْ يَقُمْ بَعْدُ نَبِيٌّ فِي إِسْرَائِيل مِثْلُ مُوسَى الذِي عَرَفَهُ الرَّبُّ وَجْهاً لِوَجْهٍ. " التثنية 34 : 10 .

                        فإذا كان جميع أنبياء إسرائيل ليسوا مثل موسى عليه السلام ، فإنَّ هذه البشارة لاتنطبق على أحد منهم .

                        ومما يؤكد هذا أنه حتى عهد يوحنا النبي كان اليهود في انتظار هذا النبي ، حتى إنهم سألوا يوحنا أأنت النبي ؟ فأجابهم يوحنا : لا . كما سبق بيانه .

                        ومما يؤكد هذا أنَّ بطرس الرسول استشهد بنص التثنية السابق على قدوم المسيح عليه السلام في المستقبل ، مما يدل على أنَّ هذه البشرى لا تنطبق على أىٍّ من أنبياء بني إسرائيل ولا حتى على المسيح عليه السلام نفسه خلال فترة بقائه بين اليهود على الأرض . قال بطرس : " فَتُوبُوا وَارْجِعُوا لِتُمْحَى خَطَايَاكُمْ لِكَيْ تَأْتِيَ أَوْقَاتُ الْفَرَجِ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ . وَيُرْسِلَ يَسُوعَ الْمَسِيحَ الْمُبَشَّرَ بِهِ لَكُمْ قَبْلُ . الَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ السَّمَاءَ تَقْبَلُهُ إِلَى أَزْمِنَةِ رَدِّ كُلِّ شَيْءٍ الَّتِي تَكَلَّمَ عَنْهَا اللهُ بِفَمِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ الْقِدِّيسِينَ مُنْذُ الدَّهْر ِ. فَإِنَّ مُوسَى قَالَ لِلآبَاءِ : إِنَّ نَبِيّاً مِثْلِي سَيُقِيمُ لَكُمُ الرَّبُّ إِلَهُكُمْ مِنْ إِخْوَتِكُمْ . لَهُ تَسْمَعُونَ فِي كُلِّ مَا يُكَلِّمُكُمْ بِهِ . وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ لاَ تَسْمَعُ لِذَلِكَ النَّبِيِّ تُبَادُ مِنَ الشَّعْبِ " .


                        أعمال 3 : 19 – 23 .


                        وكلام بطرس هذا فيه ما فيه من إثبات أنَّ النبي المبشر به لم يظهر حتى زمان رفع المسيح عليه السلام . رغم أن ناقل الخبر قد غيَّر من نص التثنية فأبدلَ جملة : وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ لاَ تَسْمَعُ لِذَلِكَ النَّبِيِّ تُبَادُ مِنَ الشَّعْبِمكان جملة التثنية : وَيَكُونُ أَنَّ الإِنْسَانَ الذِي لا يَسْمَعُ لِكَلامِي الذِي يَتَكَلمُ بِهِ بِاسْمِي أَنَا أُطَالِبُهُ فالكلام المنسوب لبطرس يتوعد فيه الله من يأبى أنْ يستجيبَ َللنبي المنتظر نفسه ، أما نص التثنية فإنَّ الله عز و جل يتوعد فيه كل إنسان يأبى أنْ يستجيبَ للكلام الذي يتكلم به النبي المنتظر . وفي هذا دليل على أنَّ الكلامَ الذي يتكلم به النبيُّ المنتظر آية ٌ باقية على مر الزمان ، لأنه يبلغ كلام الله عز و جل ، وهذا متحقق في القرآن الكريم الذي حفظه الله سبحانه وتعالى كي يكون حجة على العالمين حتى يرث الله الأرض ويُفنِي منْ عليها .

                        - أما الصفة الثالثة التي تُميز النبيَ المبشرَ به فهي أنّ كلام الله سيُجعل في فمه .

                        وهذا تجده واضحا ً جليا ً في بشارة إشعياء في نبؤته فقال : " هُوَذَا عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي . وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلأُمَمِ . لاَ يَصِيحُ وَلاَ يَرْفَعُ وَلاَ يُسْمِعُ فِي الشَّارِعِ صَوْتَهُ . قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ وَفَتِيلَةً خَامِدَةً لاَ يُطْفِئُ . إِلَى الأَمَانِ يُخْرِجُ الْحَقَّ . لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَنْكَسِرُ حَتَّى يَضَعَ الْحَقَّ فِي الأَرْضِ وَتَنْتَظِرُ الْجَزَائِرُ شَرِيعَتَهُ . هَكَذَا يَقُولُ اللَّهُ الرَّبُّ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَنَاشِرُهَا بَاسِطُ الأَرْضِ وَنَتَائِجِهَا مُعْطِي الشَّعْبِ عَلَيْهَا نَسَمَةً وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا رُوحاً . أَنَا الرَّبَّ قَدْ دَعَوْتُكَ بِالْبِرِّ فَأُمْسِكُ بِيَدِكَ وَأَحْفَظُكَ وَأَجْعَلُكَ عَهْداً لِلشَّعْبِ وَنُوراً لِلأُمَمِ لِتَفْتَحَ عُيُونَ الْعُمْيِ لِتُخْرِجَ مِنَ الْحَبْسِ الْمَأْسُورِينَ مِنْ بَيْتِ السِّجْنِ الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ . " إشعياء 42 : 1 – 4 .

                        إنّ أهمَّ صفات المبشر به في سفر إشعياء تتجلى في الآتي :

                        - أنّ روح الله عليه .
                        - وأنه يخرج الحق للأمم ، ويضع الحق في الأرض .

                        وهذا إنْ دلّّ فإنما يدل على أنَّ شريعته عامة لكل الأمم ، وأنها للناس كافة في جميع الأرض . وهذا يتوافق مع بشارة موسى عليه السلام به حين قال مبلغا ً عن ربه : أنَّ الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه .
                        وكلمة الإنسان في نص التثنية يقصد بها كل إنسان لا يستجيب لكلام الله الذي يبلغه رسول الله إلى العالمين .
                        فإن اتضح هذا ، ساعتها يمكن أن نستوعب مقصد المسيح عليه السلام عندما قال : " إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي فَاحْفَظُوا وَصَايَايَ ، وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّيًا آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ ، رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ ، لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ ." يوحنا 14 : 15 – 17 .

                        وقال المسيح عليه السلام : " وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذاكَ ، رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَىجَمِيعِ الْحَقِّ ، لأَنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ ، وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ. ذَاكَ يُمَجِّدُنِي " .


                        يوحنا 16 : 13 – 14 .


                        إنَّ المتأمل في كلام المسيح عليه السلام يجد الآتي :

                        - قوله عن المعزي : ليمكث معكم إلى الأبد يدل على أنّ له شريعة باقية محفوظة .

                        - قوله : روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق مع إشعياء في قوله : وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم ، وقول إشعياء : إلى الأمان يخرج الحق .. حتى يضع الحق في الارض تجد فيه تقارب في اللفظ وتطابق في المعنى لا نظير له .

                        - قول المسيح عليه السلام : لا يتكلم من نفسه ، بل كل ما يسمع يتكلم به ، مع بشارة موسى عليه السلام : وأجعل كلامي في فمه ، فيكلمهم بكل ما أوصيه به ، يدل على أنَّ بشارة المسيح عليه السلام ليست بشارة بالروح القدس كما يزعم النصارى ، وإنما هي نبؤة بالنبي الذي بشـَّر به موسى عليه السلام في سفر التثنية .

                        من هو ؟!.

                        - من هو النبي الذي نزل عليه وحي من الله عز وجل بعد المسيح عليه السلام ؟.
                        - من هو النبي الذي كانت رسالته لكل الأمم ، وأمته أمة مباركة من نسل إبراهيم عليه السلام ؟. - من هو النبي الذي أمته أمة مختونة حافظة للعهد الذي أقامه الله مع نبيه إبراهيم عليه السلام ؟ .
                        - من هو النبي الذي سأل عنه اليهودُ يوحنا النبي ولم يظهر حتى زمان بطرس الرسول ؟ .
                        - من هو النبي الذي جاء بعد المسيح عليه السلام معترفا ً بجميع الرسل من قبله ؟ .


                        إن الإجابة عن جميع الأسئلة السابقة معلومة للجميع ، ولكنها ستتأكد عندما ننتهي من التعليق على العدد الأخير من المثل ، والذي يتعلق بالرؤى التي وردت في سفر دانيال عليه السلام .

                        الهوامش
                        ــــــــــــــ
                        (1) وفي القرآن الكريم : ( وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) ) سورة البقرة .







                        انتظروا الجزء الثاني من هذا المقال



                        وفيه




                        دانيال يبشر بأمة الإسلام



                        الرد على القس عبد المسيح بسيط أبو الخير



                        وبيان مغالطاته لحقائق التاريخ




                        حنظلة

                        تعليق


                        • #13
                          عمل تحديث للموضوع

                          تعليق

                          مواضيع ذات صلة

                          تقليص

                          المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                          ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 19 مار, 2024, 03:34 ص
                          ردود 0
                          21 مشاهدات
                          0 معجبون
                          آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                          بواسطة *اسلامي عزي*
                           
                          ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 11 مار, 2024, 01:39 ص
                          رد 1
                          31 مشاهدات
                          0 معجبون
                          آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                          بواسطة *اسلامي عزي*
                           
                          ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 4 ينا, 2024, 02:46 ص
                          ردود 2
                          27 مشاهدات
                          0 معجبون
                          آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                          بواسطة *اسلامي عزي*
                           
                          ابتدأ بواسطة رمضان الخضرى, 18 ديس, 2023, 02:45 م
                          ردود 0
                          104 مشاهدات
                          0 معجبون
                          آخر مشاركة رمضان الخضرى  
                          ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 21 سبت, 2023, 02:21 ص
                          ردود 0
                          99 مشاهدات
                          0 معجبون
                          آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                          بواسطة *اسلامي عزي*
                           
                          يعمل...
                          X