بحث بعنوان : نظرية السقوط بين الاسلام والمعتقدات المخالفة

تقليص

عن الكاتب

تقليص

@مريم@ اكتشف المزيد حول @مريم@
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بحث بعنوان : نظرية السقوط بين الاسلام والمعتقدات المخالفة

    بسم الله الرحمن الرحيم


    نظرية السقوط


    بين الإسلام والمعتقدات المخالفة

    مقدمة:

    في ظل تعدد المعتقدات المتغايرة التي يؤمن بها البشر قد يفتقر الأمر الواحد إلى حالة الاتفاق العام التي تؤهله ليدخل دائرة المسلمات.، ويظل كل حزب يناضل ويؤازر معتقده في مواجهة المعتقدات المخالفة محاولا منه الانتصار لهذا المعتقد والصعود به إلى مرتبة أعلى تمكنه من انتزاع اكبر عدد ممكن من المؤيدين له أو على الأقل الاحتفاظ بالعدد الحالي كما يفعل البعض ، فكل حزب يرى انه على الحق - مع اعتبار حسن النية - ويريد أن ينتشل كل المخالفين من مصيرهم المشئوم الحاصل لهم من جرّاء إتباعهم للباطل ، وقد يتعدى الأمر من مجرد الدفاع عن العقيدة المتبناة إلى مرحلة الهجوم على المعتقدات المخالفة، وقد رأينا هذا في حملات الهجوم الشرسة على الإسلام دين رب العالمين من أصحاب المعتقدات المخالفة وخاصة مؤمني الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد - النصارى - فلم يقتصر التبشير بالمسيحية تبيان ما تدعو إليه ولكنه تعدى إلى الهجوم على الإسلام بوجهيه، فإما أن يتم تشويه المعتقدات والتشريعات الإسلامية للتنفير منها، أو محاولة لي عنق النصوص - من القرآن والحديث الشريف - لتتناسب مع معتقدات مسيحية وهو الوجه الذي انتشر في الآونة الأخيرة بسبب فشل المحاولات التي تنتمي للوجه الأول، فأصبحنا نجد أن رجال الدين المسيحي ينادون بأن المعتقدات المسيحية موجودة ومصدق بها في الإسلام ولكن المسلمين لا يفقهون نصوصهم المقدسة،


    فنجدهم يقولون بأن الإسلام يقر بألوهية المسيح عليه السلام !! ويقر بمبدأ الخطية الأصلية وتوارثها وحاجة البشرية الملحة للفداء.. إلى غير ذلك مما لا يمت للإسلام بصلة في الحقيقة ..


    وللأسف أصبحنا نجد البسطاء من أتباع المسيحية يرددون هذه الأقوال بلا علم ولا هدى ،


    لذا رأينا انه من الواجب علينا أن نبرأ ساحة ديننا الحنيف من هذه المعتقدات ،


    نصرة للحق وتبيان تدليس الخواص وجهل العوام ، راجين الله تبارك وتعالى أن يوفقنا لهذا وأن يهدي إلى سبيل الرشاد قلوب الذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا اللهم أمين.



    نظرية السقوط

    هذه النظرية تتلخص في الآتي :

    خلق الله تبارك وتعالى آدم وحواء واسكنهما الجنة ، و أوصاهما ألا يأكلا من احد أشجار هذه الجنة ، ولكن ادم لم يلتزم بهذه الوصية ، وبهذا التعدي الذي حدث من أول البشر كان السقوط الذي لم يكن سقوطا خاصا بمرتكبي التعدي فقط بل كان سقوطا عاما لكل البشرية حيث انتقلت الخطية من ادم إلى ذريته وانفصلت البشرية جمعاء اثر هذه الخطية عن الله تبارك وتعالى بالشكل الذي يستحيل معه على أي شخص أن يعيد هذه العلاقة ثانية، مما أدى إلى تعطش البشر إلى الفادي الذي يعود فيصل ما قطع لترجع البشرية إلى حالتها الأولى و تحيا مع الله مرة أخرى.


    - هذه كانت نظرية السقوط باختصار شديد والتي يدافع عنها كثيرين حتى بلغ بهم أن قالوا أن القران الكريم نفسه يقر بهذه النظرية وان رفضها المسلمون ، بمعنى أن القرآن الكريم يقر بان هناك ما يسمى بالخطية الأصلية وسقوط البشرية جميعا وانفصالها عن الله تبارك وتعالى بل وحاجة البشرية للفادي كطريق وحيد لإعادة هذه العلاقة ، وبهذا يكون رفض المسلمون لهذه الأقوال نابع من جهلهم بكتابهم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
    وفي الكلمات القادمة سوف نبرأ ساحتنا ونظهر الحق بعون الله وقدرته ليعلم كل امرئ أن لا وجود لهذه المعتقدات في الإسلام بأي حال من الأحوال.




    قواعد لابد منها



    قبل أي شئ لابد وان نرسي مجموعة من القواعد التي سوف تساعد كل باحث عن الحق ليحكم حكما صائبا لا يشوبه أي شك حول هذه القضية محل البحث ،



    1- خلق السماوات والأرض وما فيهن بشكل عام ((لأجل مسمى)):


    عندما تتصفح القرآن الكريم لتأتي بالآيات المبينات التي تحدث فيها رب العزة سبحانه وتعالى عن خلق السماوات والأرض تجد خطا يسير بك إلى الحقيقة التالية وهي أن الله تبارك وتعالى لم يخلق السماوات والأرض بما فيهن على سبيل الأبدية بل خلقهن لأجل مسمى ،


    وتأمل معي أنه قرر هذا الأمر قبل أن يخطئ آدم عليه السلام

    قال تعالى:

    (أَوَلَمْ يَتَفَكّرُواْ فِيَ أَنفُسِهِمْ مّا خَلَقَ اللّهُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاّ بِالْحَقّ وَأَجَلٍ مّسَمّى وَإِنّ كَثِيراً مّنَ النّاسِ بِلِقَآءِ رَبّهِمْ لَكَافِرُونَ)


    [سورة: الروم - الآية: 8]

    قال تعالى:

    (مَا خَلَقْنَا السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاّ بِالْحَقّ وَأَجَلٍ مّسَمًى


    وَالّذِينَ كَفَرُواْ عَمّآ أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ)


    [سورة: الأحقاف - الآية: 3]


    قال تعالى:

    (خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقّ يُكَوّرُ اللّيْـلَ عَلَى النّهَـارِ وَيُكَوّرُ النّـهَارَ عَلَى اللّيْلِ وَسَخّـرَ الشّمْسَ وَالْقَمَرَ كُـلّ يَجْرِي لأجَـلٍ مّسَـمّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفّارُ)


    [سورة: الزمر - الآية: 5]



    إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن خلق السماوات والأرض ما بينهما


    لم يكن على سبيل التأبيد ابتداء


    وبالرجوع لتفسيرات القرآن الكريم للآية الأولى على سبيل المثال نجد ما يؤكد المعنى المفهوم:

    الطبري في "جامع البيان في تفسير القرآن":
    { وأجل مسمى } يقول: وبأجل مؤقت مسمى، إذا بلغت ذلك الوقت أفنى ذلك كله،

    الزمخشري في "الكشاف":
    { إِلاَّ بالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًى } أي ما خلقها باطلاً وعبثاً بغير غرض صحيح وحكمة بالغة،
    ولا لتبقى خالدة: إنما خلقها مقرونة بالحق مصحوبة بالحكمة، وبتقدير أجل مسمى لا بد لها من أن تنتهي إليه، وهو قيام الساعة ووقت الحساب والثواب والعقاب.

    ابن كثير في "تفسير القرآن الكريم":
    يقول تعالى منبهاً على التفكر في مخلوقاته الدالة على وجوده، وانفراده بخلقها، وأنه لا إله غيره، ولا رب سواه، فقال: { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ فِىۤ أَنفُسِهِمْ } يعني به: النظر والتدبر والتأمل لخلق الله الأشياء من العالم العلوي والسفلي، وما بينهما من المخلوقات المتنوعة، والأجناس المختلفة، فيعلموا أنها ما خلقت سدى ولا باطلاً، بل بالحق، وأنها مؤجلة إلى أجل مسمى، وهو يوم القيامة، ولهذا قال تعالى: { وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ لَكَـٰفِرُونَ }


    البيضاوي في "أنوار التنزيل وأسرار التأويل":
    { وَأَجَلٍ مُّسَمًّى } تنتهي عنده ولا تبقى بعده.

    ابن الجوزي في "زاد المسير في علم التفسير":
    { وأجلٍ مسمّىً } وهو وقت الجزاء.


    إلى غير ذلك من أقوال المفسرين التي توضح أن المقصود بالأجل المسمى هو الأجل التي تنتهي فيه السماوات والأرض وما فيهن ، وهذا يؤكد أن الخلق لم يقدر لهم الأبدية في الابتداء.


    2- خلق الإنسان على وجه الخصوص:
    في النقطة الأولى تكلمنا عن خلق السماوات والأرض بما فيهن ، وأن الخلق لم يكن للتأبيد بل قدر له اجل مسمى عن الله تبارك وتعالى للفناء،وفي النقطة الثانية سوف نشير إلى خلق الإنسان بوجه خاص وان كان قد تم توضيح انه أيضا من ضمن المخلوقات الفانية ، ولكن سوف نفرد لهذا الأمر نقطة منفصلة لتتضح الأمور لكل ذي لب بصير ،


    وهذه النقطة سوف تنقسم إلى ثلاثة نقاط فرعية :
    1- أن الإنسان خلق خليفة في الأرض.
    2- أن الإنسان خلق ليعبد الله تبارك وتعالى.
    3- أن الإنسان محتم عليه الموت .
    وسوف يتم مناقشة هذه النقاط الثلاثة تباعا بشيء من التفصيل بإذن الله تعالى،

    أولا: أن الإنسان خلق خليفة في الأرض:

    تعلن لنا الآيات القرآنية بوضوح شديد أن الإنسان لم يخلق في بداية الأمر ليحيى في الجنة ، بل كان مقدرا له قبل أن يخلق أن يعيش في الأرض ،
    قال تعالى:

    (وَإِذْ قَالَ رَبّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ قَالَ إِنّيَ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)


    [سورة: البقرة - الآية: 30]


    هذه الأرض التي كان قد خلقها الله تبارك وتعالى وسخر كل ما فيها لخدمة الإنسان ليست مجرد المكان الصغير الذي سمي بجنة عدن في الكتاب المقدس ليوضع فيه آدم بعد خلقه ،
    لأنه قال " في الأرض" ولم يقل " في الجنة " وبهذا يقصد الأرض وكل ما فيها بوجه عام والذي تم تسخيره لخدمة الإنسان،
    قال تعالى:

    (وَسَخّرَ لَكُمْ مّا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً مّنْهُ إِنّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ)


    [سورة: الجاثية - الآية: 13]



    - وبهذا يكون الإنسان مخلوق ليحيى في الأرض التي لم يقدر لها الأبدية مما يشير أن حياته على الأرض ليست حياة أبدية.


    ثانيا: أن الإنسان خلق ليعبد الله تبارك وتعالى:

    قال تعالى:

    (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ وَالإِنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ)


    [سورة: الذاريات - الآية: 56]

    قال الزمخشري في الكشاف:
    أي: وما خلقت الجن والإنس إلا لأجل العبادة، ولم أرد من جميعهم إلا إياها. فإن قلت: لو كان مريداً للعبادة منهم لكانوا كلهم عباداً؟ قلت: إنما أراد منهم أن يعبدوه مختارين للعبادة لا مضطرين إليها، لأنه خلقهم ممكنين، فاختار بعضهم ترك العبادة مع كونه مريداً لها، ولو أرادها على القسر والإلجاء لوجدت من جميعهم.

    انتهى النقل

    فالعبادة هي الخضوع والتذلل لله تبارك وتعالى بفعل ما يرضيه وترك ما يغضبه ، والإنسان لا يفعل هذا قهرا أو جبرا ، وإنما باختياره ، قال تعالى:

    (فَذَكّرْ إِن نّفَعَتِ الذّكْرَىَ* سَيَذّكّرُ مَن يَخْشَىَ* وَيَتَجَنّبُهَا الأشْقَى)


    [سورة: الأعلى – الآية9: 11]


    فالله تبارك وتعالى قد أظهر طريق الحق وطريق الباطل للإنسان ثم أعطى له كامل الحرية في اختيار أي الطريقين يسلك ،فهو سبحانه أراد له العبادة ولكنه لم يجبره عليها بل أعطاه كامل الحرية أن يختار بين الطاعة والمعصية ، بين البركة و اللعنة ، بين الخير والشر .


    فالإنسان خلق وله الإرادة الحرة لفعل الخير أو الشر .


    ثالثا: أن الإنسان محتوم عليه الموت:
    قال تعالى:

    (كُلّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ ثُمّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)


    [سورة: العنكبوت - الآية: 57]


    خلق الله تبارك وتعالى الإنسان محتم عليه أن يموت، ولن تهرب من هذا المصير أي نفس على وجه الأرض بل إن كل إنسان مهما طال به العمر فإنه كادح إلى ربه كدحا فملاقيه،
    وقد قدر الله تبارك وتعالى هذا الأمر على الإنسان من الابتداء ، فلم يكن الإنسان خالدا ثم أصبح فانيا بخطية آدم ، بل إن الإنسان قد خلق مقدرا عليه الموت قبل أن تحدث خطية آدم أصلا،
    قال تعالى:

    (نَحْنُ قَدّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ)


    [سورة: الواقعة - الآية: 60]


    قال الطبري في " جامع البيان":
    وقوله: { نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ المَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } يقول تعالى ذكره: نحن قدرنا بينكم أيها الناس الموت، فعجَّلناه لبعض، وأخَّرناه عن بعض إلى أجل مسمى

    الزمخشري في " الكشاف " :
    { قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ ٱلْمَوْتَ } تقديراً وقسمناه عليكم قسمة الرزق على اختلاف وتفاوت كما تقتضيه مشيئتنا، فاختلفت أعماركم من قصير وطويل ومتوسط.


    البغوي في " معالم التنزيل " :
    { بَيْنَكُمُ ٱلمَوْتَ } ، قال مقاتل فمنكم من يبلغ الهرم ومنكم من يموت صبياً وشاباً. وقال الضحاك: تقديره: إنه جعل أهل السماء وأهل الأرض فيه سواء, فعلى هذا يكون معنى " قدَّرنا ": قضينا.


    ابن الجوزي في " زاد المسير" :
    وفي معنى الكلام قولان.أحدهما: قضينا عليكم بالموت،والثاني: سوّينا بينكم في الموت.

    والقارئ المتأمل للقرآن الكريم يعلم يقينا أن الله تبارك وتعالى قد خلق الإنسان ضمن دورة حياة محتومة تسير في مراحل ولابد للإنسان أن يمر بهذه المراحل كلها ،
    قال تعالى:

    (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمّ يُمِيتُكُمْ ثُمّ يُحْيِيكُمْ ثُمّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)


    [سورة: البقرة - الآية: 28]

    قال تعالى:

    (وَهُوَ الّذِيَ أَحْيَاكُمْ ثُمّ يُمِيتُكُمْ ثُمّ يُحْيِيكُمْ إِنّ الإِنْسَانَ لَكَفُورٌ)


    [سورة: الحج - الآية: 66]


    والآيات الكريمات قد ذكرت أربع مراحل يمر بها الإنسان:
    أولها : مرحلة العدم ((وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً)):
    وقد أشار لها ربنا تبارك وتعالى في أكثر من موضع في كتابه العزيز:
    قال تعالى مخاطبا زكريا عليه السلام:

    (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً)


    [سورة: مريم - الآية: 9]

    قال تعالى:

    (هَلْ أَتَىَ عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مّنَ الدّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مّذْكُوراً)


    [سورة: الإنسان - الآية: 1]


    المرحلة الثانية: مرحلة الحياة الأولى ((فَأَحْيَاكُمْ )):
    وهي الحياة الأولى أو الحياة الدنيا التي يعيش فيها الإنسان في نطاق التكليف بين افعل ولا تفعل ،وقد تعدد ذكرها في القرآن الكريم كثيرا ووصفها بأنها حياة زائلة غير باقية،
    قال تعالى:

    (وَمَا الْحَيَاةُ الدّنْيَآ إِلاّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدّارُ الاَخِرَةُ خَيْرٌ لّلّذِينَ يَتّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ)


    [سورة: الأنعام - الآية: 32]

    قال تعالى:

    (اعْلَمُوَاْ أَنّمَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأمْوَالِ وَالأوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفّارَ نَبَاتُهُ ثُمّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الاَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مّنَ اللّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدّنْيَآ إِلاّ مَتَاعُ الْغُرُورِ)


    [سورة: الحديد - الآية: 20]

    قال تعالى:

    (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدّنْيَا*والآخرة خَيْرٌ وَأَبْقَىَ)


    [سورة: الأعلى – الأية16: 17]


    المرحلة الثالثة:مرحلة الموت ((ثُمّ يُمِيتُكُمْ)):
    وهي مرحلة انتقالية بين انتهاء فترة التكليف وبين الحساب يوم القيامة،
    قال تعالى:

    (قُلْ إِنّ الْمَوْتَ الّذِي تَفِرّونَ مِنْهُ فَإِنّهُ مُلاَقِيكُمْ ثُمّ تُرَدّونَ إِلَىَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ


    فَيُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)


    [سورة: الجمعة - الآية: 8]


    ثم تأتي المرحلة الأخيرة وهي مرحلة الجزاء ((ثُمّ يُحْيِيكُمْ)):
    حين يرجع الإنسان إلى الله تبارك وتعالى فيحاسبه على ما بدر منه فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ، قال تعالى:

    (وَأَمّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ* فَسَلاَمٌ لّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ* وَأَمّآ إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذّبِينَ الضّآلّينَ* فَنُزُلٌ مّنْ حَمِيمٍ* وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ* إِنّ هَـَذَا لَهُوَ حَقّ الْيَقِينِ* فَسَبّحْ بِاسْمِ رَبّكَ الْعَظِيمِ)


    [سورة: الواقعة – الآية 90: 96]


    وبهذا يكون الإنسان مقدرا عليه أن يخلق من العدم ثم يحيا بين التكليف ثم يموت ثم يحييه الله تبارك وتعالى ليحاسبه على ما بدر منه حين كان مكلفا ، وبهذا نرى أن الموت لم يكتب على البشر كعقاب لخطية ادم عليه السلام بل كان أمرا مقدرا له ضمن دورة حياته التي أقرتها الآية:
    قال تعالى:

    (وَهُوَ الّذِيَ أَحْيَاكُمْ ثُمّ يُمِيتُكُمْ ثُمّ يُحْيِيكُمْ إِنّ الإِنْسَانَ لَكَفُورٌ)


    [سورة: الحج - الآية: 66]

    ولنتأمل أقوال المفسرين حولها:
    الطبري في " جامع البيان ":
    يقول تعالى ذكره: والله الذي أنعم عليكم هذه النعم، هو الذي جعل لكم أجساماً أحياء بحياة أحدثها فـيكم، ولـم تكونوا شيئاً، ثم هو يـميتكم من بعد حياتكم فـيفنـيكم عند مـجيء آجالكم ثم يحيـيكم بعد مـماتكم عند بعثكم لقـيام الساعة.

    الزمخشري في " الكشاف ":
    { أَحْيَاكُمْ } بعد أن كنتم جماداً تراباً، ونطفة، وعلقة، ومضغة

    القرطبي في "الجامع":
    قوله تعالى: { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاكُمْ } أي بعد أن كنتم نُطَفاً. { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } عند انقضاء آجالكم.
    { ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } أي للحساب والثواب والعقاب. { إِنَّ ٱلإِنْسَانَ لَكَفُورٌ } أي لجحود لما ظهر من الآيات الدالة على قدرته ووحدانيته.

    الشوكاني في "فتح القدير":
    ثم ذكر سبحانه نعمة أخرى فقال: { وَهُوَ ٱلَّذِي أَحْيَاكُمْ } بعد أن كنتم جماداً { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } عند انقضاء أعماركم { ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } عند البعث للحساب والعقاب

    النسفي في " مدارك التنزيل":
    { وَهُوَ ٱلَّذِى أَحْيَاكُمْ } في أرحام أمهاتكم { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } عند انقضاء آجالكم { ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } لإيصال جزائكم

    وعلى هذا باقي التفسيرات،

    فمما سبق نعلم أن الموت مكتوب، مقدر، محتم، مقضي به على الإنسان في الأصل ، فلم يكن كعقاب للبشر بسبب خطية آدم عليه السلام


    بل كان أمرا مقدرا على الإنسان وعلى كل المخلوقات أيضا فما كتب الخلود لشيء في الأصل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في موت احد أحفاده كما روى البخاري في صحيحه « إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ ، وَلَهُ مَا أَعْطَى ، وَكُلٌّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ».، وما كان باق إلا الله تبارك وتعالى
    قال تعالى:

    (كُلّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)


    [سورة: القصص - الآية: 88]


    3- الجنة ما بين التكليف والغواية:


    إن جنة الخلد في المنظور الإسلامي والتي سوف ينعم الإنسان فيها خالدا، لها مواصفات خاصة تختلف اختلافا كلي وجزئي عن كل ما وقع عليه بصر الإنسان في الأرض والسماء، قال تعالى:


    (فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مّآ أُخْفِيَ لَهُم مّن قُرّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)


    [سورة: السجدة - الآية: 17]


    ومما أورد البخاري في صحيحه عن هذه الآية الكريمة:

    4780- حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الأَعْمَشِ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم : « يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : أَعْدَدْتُ لِعِبَادِى الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ، ذُخْراً ، بَلْهَ مَا أُطْلِعْتُمْ عَلَيْهِ » .


    ثُمَّ قَرَأَ ( فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِىَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) .


    فجنة الخلد التي سوف يخلد فيها الإنسان هي جنة نعيم يحيا فيها الإنسان متمتعا بكل ما خلقه له الله عز وجل مما لم تسبق لعين أن رأت ، ولا لأذن أن سمعت ولا حتى سبق وخطر على قلب إنسان قط كما رأينا في الحديث الشريف، هذا إلى جوار كل ما تشتهيه الأنفس وتحبه ،
    قال تعالى:

    (نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِيَ أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدّعُونَ) [سورة: فصلت - الآية: 31]

    قال تعالى:

    (ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ ذَلِكَ يَوْمُ الُخُلُودِ*لَهُم مّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ)


    [سورة: ق - الآية: 35]


    فجنة الخلد التي يحيا فيها الإنسان على سبيل التأبيد لا يوجد بها تكليف يجعل من لم يلتزم به خارجا منها قال تعالى:

    (لاَ يَمَسّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مّنْهَا بِمُخْرَجِينَ)


    [سورة: الحجر - الآية: 48]




    ولمزيد من الإيضاح نتناول مفهموي التكليف والغواية بشيء من التفصيل:

    أولا: التكليف ( الأوامر ، النواهي ):
    عندما تناولنا الحديث عن خلق الإنسان تكلمنا عن نقطة هامة وهي أن الله تبارك وتعالى قد خلق الإنسان لعبادته ، وهذه العبادة تعني فعل كل ما يحبه الله تبارك وتعالى من الأوامر والطاعات ترك كل ما يبغضه الله تبارك وتعالى من المعاصي والمنكرات، وهذا الأمر قد يطلق عليه مجازا التكليف ، فالإنسان مكلفا في الدنيا بعدة أوامر فيها مصلحته ، كما انه نهي عن عدة أمور فيها شقائه،قال تعالى:

    (يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلّ لَهُمُ الطّيّبَاتِ وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ


    وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلاَلَ الّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ)


    [سورة: الأعراف - الآية: 157]



    فما أُمر الإنسان إلا بالمعروف وما نُهي إلا عن المنكر ،


    وما اُحل له إلا ما كان طيبا فيه سعادته وما حُرم عليه إلا ما كان خبيثا فيه شقائه،


    وبين الأمر بالمعروف وإحلال الطيبات ، وبين النهي عن المنكر وتحريم الخبائث يحيا الإنسان ،


    وهذا الأمر وان كان مرتبطا بحياة الإنسان في الدنيا فانه لا وجود له في الجنة التي قدر له الخلود فيها فحياة التكليف تنتهي بانتهاء حياة الإنسان الأولى في الدنيا


    وبمجرد دخوله الجنة فهو في حالة تنعيم..



    (فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مّآ أُخْفِيَ لَهُم مّن قُرّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)


    [سورة: السجدة - الآية: 17]




    (ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ ذَلِكَ يَوْمُ الُخُلُودِ*لَهُم مّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ)


    [سورة: ق - الآية: 35]



    وهذا الأصل لابد وان يكون راسخا في الأذهان ، فجنة الخلد تخلو من التكليف تماما ،


    ( اللهم إنا نسألك الجنة اللهم آمين ).

    ثانيا: الغواية :

    كما رأينا حياة التكليف التي يتوقف عليها حساب الإنسان وخلوده إما في الجنة أو في النار تنتهي بمجرد موت الإنسان حيث ينقطع عمله إلا من ثلاث كما مشهور بالحديث الشريف ،فإن وجود الغواية بالجنة عبثا،


    لأنه إن كان لساكن الجنة ما يشاء فما الحاجة للغواية!!




    وبهذا يتضح لنا الإطار الأساسي لجنة الخلد التي أعدت ليحيا فيها الإنسان خالدا ، فهي جنة بها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ،


    لمن سكنها ما يشاء ولدى ربنا العزيز الكريم المزيد يجازي به من شاء من عباده ويجعله خالدا فيها.



    فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجنة فيما رواه مسلم في صحيحه:


    7335 - حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِى رَافِعٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِ صلى الله عليه وسلم قَالَ


    « مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَنْعَمُ لاَ يَبْأَسُ لاَ تَبْلَى ثِيَابُهُ وَلاَ يَفْنَى شَبَابُهُ » .



    ملخص القواعد الثلاثة:
    لقد تناولنا فيما سبق ثلاث قواعد والتي سوف يتم تناول قصة سقوط آدم عليه السلام في ضوئها ،
    أولا: أن الله تبارك وتعالى لم يخلق السماوات والأرض وما بينهما للأبدية بل قدر لهم أجل مسمى للفناء.

    ثانيا : أن الله تبارك وتعالى قد خلق الإنسان ليحيا في الأرض وسخر له كل ما فيها ، وهو مخلوق لعبادة الله تبارك وتعالى ولا يتأتى هذا إلا بأن يكون له إرادة حرة لأن يختار بين الخير والشر ، كما أن الله تبارك وتعالى قد قدر عليه الموت ليس كعقاب وإنما كمرحلة انتقالية بين حياة التكليف وحياة الجزاء بعد الحساب .

    ثالثا: أن جنة الخلد التي جعلها الله تبارك وتعالى لعباده ليخلدوا فيها ، لم تسبق أن رأتها عين ولا سبق أن خطرت على قلب إنسان ، و لساكنها ما شاء ولدى ربنا المزيد.


    وفي ضوء هذه القواعد الثلاثة سوف نتناول قصة آدم عليه السلام في القرآن الكريم لنرى هل هناك ما يسمى بالسقوط المؤدي إلى توارث الخطية والحاجة للفادي في الإسلام أم لا، فما وصلنا إليه حتى الآن بمجرد عرض هذه القواعد دون الدخول في تفاصيل قصة آدم عليه السلام أنه لا يستطيع احد أن يقول بأن حياة ادم وذريته على الأرض كانت أبدية لأن الأرض نفسها لم يكن مقدرا لها الأبدية ، كما لا يستطيع أحد أن يقول بأن الإنسان في الأصل كان خالدا ثم سقط عنه هذا الخلود بالخطية بل إن الآيات الكريمات أوضحت أن الإنسان قد خلق أولا ليحيا في الأرض عابدا لله تبارك وتعالى حتى يلقاه الموت الذي قدر عليه في الأصل لا بسبب الخطية وإنما قدر عليه كجزء طبيعي من حياته، كما لا يستطيع احد أن يقول بأن كان مقدرا لهما المكوث الأبدي في هذه الجنة حين دخلوها، وذلك لاختلاف الحال الحاصل لأدم وحواء في هذه الجنة عن الحياة التي قدر الله للإنسان المؤمن أن ينعم بها خالدا ،


    ونلاحظ في هذه القواعد الثلاث أن كل هذه الأمور مقدرة سلفا قبل أن يخطئ آدم بل وقبل أن يخلق أصلا ،حتى لا يظن أحد أن الحال قد تغير بعد الخطية،


    مما لا يدع مجالا للشك في حقيقة هذه الأمور التي ذكرناها .



    كان هذا الجزء الأول من البحث وقريبا إن شاء الله الجزء الثاني الذي


    سوف نتناول فيه قصة خلق آدم وخطيئته كما وردت في القرآن الكريم عن رب العزة سبحانه وتعالى الذي قد أحاط بكل شيء علما


    أهدي هذا البحث إلى من وثق بي ودعمني في محنتي إلى أخواتي الحبيبات :
    J_7ashajyat
    VLSIans
    Join_islam
    Maryam_islam7

    وإهداء خاص إلى صديقتي ماريان التي كانت السبب الرئيسي لهذا البحث


    أسأل الله تبارك وتعالى أن يتقبل منا صالح الأعمال ويتجاوز عن سيئاتنا وأن يرزقنا الجنة إنه ولي هذا والقادر عليه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    اللّهُم اِنيِ اَشكُو اِليكَ ضَعف قُُوتِيِ وقِلة حِيلتي وهَوَانيِ علي الناَس

  • #2
    جهد طيب وعرض موفق.
    بارك الله فيك.

    متابع بإذن الله

    تعليق


    • #3
      جزاكم الله خيرا

      جزاكم الله خيرا
      لا تنسونا من صالح دعائكم
      اللّهُم اِنيِ اَشكُو اِليكَ ضَعف قُُوتِيِ وقِلة حِيلتي وهَوَانيِ علي الناَس

      تعليق


      • #4
        الجزء الثاني من بحث: نظرية السقوط بين الاسلام والمعتقدات المخالفة

        [center]بسم الله الرحمن الرحيم[/center]

        الجزء الثاني من بحث :

        نظرية السقوط


        بين الإسلام والمعتقدات المخالفة




        قصة آدم عليه السلام


        كما وردت بالقرآن الكريم


        كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد




        خلق الله تبارك وتعالى السماوات والأرض وقدر أن يجعل في الأرض خليفة وهو الإنسان،

        قال تعالى:

        (وَإِذْ قَالَ رَبّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً)


        [سورة: البقرة - الآية: 30]



        فخلق الإنسان وجعل حياته على الأرض لأجل مسمى فلم يكن الإنسان مقدرا له الخلود في الحياة الدنيا كما أوضحنا فيما سلف ،

        قال تعالى:

        (هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن طِينٍ ثُمّ قَضَىَ أَجَلاً وَأَجَلٌ مّسمّى عِندَهُ ثُمّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ)


        [سورة: الأنعام - الآية: 2]


        فلما خلقه فأحسن خلقه وسواه ونفخ فيه من روحه أمر بالسجود له - ولم يكن هذا سجود عبادة بلا شك - ،قال تعالى:

        (فَإِذَا سَوّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ)


        [سورة: الحجر - الآية: 29]



        وقد سجدت الملائكة جميعا وأطاعت أمر الله تبارك وتعالى ولكن إبليس استكبر ولم يطع الأمر :

        قال تعالى:

        (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لاَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاّ إِبْلِيسَ أَبَىَ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)


        [سورة: البقرة - الآية: 34]



        وقد سجل القرآن الكريم في أكثر من موضع مفاد الحوار الذي دار بين الله تبارك وتعالى وبين إبليس بعد رفض الأخير تنفيذ الأمر الإلهي بالسجود لآدم:

        قال تعالى:

        (قَالَ يَإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنّكَ رَجِيمٌ وَإِنّ عَلَيْكَ لَعْنَتِيَ إِلَىَ يَوْمِ الدّينِ * قَالَ رَبّ فَأَنظِرْنِيَ إِلَىَ يَوْمِ يُبْعَثُونَ *قَالَ فَإِنّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَىَ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ *قَالَ فَبِعِزّتِكَ لأُغْوِيَنّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ فَالْحَقّ وَالْحَقّ أَقُولُ *


        لأمْلأنّ جَهَنّمَ مِنكَ وَمِمّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ)


        [سورة: ص - الآية 75 : 85]



        فكما رأينا أن الله تبارك وتعالى قد أنزل لعنته على إبليس جزاء عصيانه وتكبره ، فقد رفض إبليس أن يسجد لآدم ظنا منه انه أفضل من هذا الآدمي المخلوق من الطين،


        وقد طلب إبليس من الله تبارك وتعالى كما تروي الآيات أن يمهله إلى يوم القيامة وقد أذن الله تبارك وتعالى بهذا ، وهنا توعد إبليس اللعين بني ادم بالغواية حتى يغضب عليهم الله تبارك وتعالى ويجعلهم يشاركونه نفس المصير ، وقد رد عليه رب العالمين بأنه سوف يملأ جهنم منه وممن تبعه.


        ملاحظات على القصة:


        1- الله تبارك وتعالى قد لعن إبليس لأنه عصى واستكبر على أمر الله تبارك وتعالى ورفض أن يستغفر عن فعلته بل تمادى في تكبره حتى وصف الله تبارك وتعالى ضمنا بعدم العدل والحكمة حين قال " أنا خير منه " أي أن الله تبارك وتعالى قد جعله يسجد لأدم والأخير غير مستحق لهذا مما يطعن


        في عدل وحكمة الله تبارك وتعالى.



        2- إبليس طلب أن يمهل إلى يوم القيامة ، اليوم الذي سوف يبعث فيه البشر جميعا ليحاسبوا على أعمالهم فمن عمل منهم خيرا يره ومن عمل منهم شرا يره ، مما يوضح أن إبليس يعلم جيدا أن هذا اليوم آت ، وان الله تبارك وتعالى قد قدره على عباده سلفا ، وهذا قبل أن يخطئ آدم عليه السلام.



        3- الله تبارك وتعالى قد توعد إبليس وكل من تبعه بالنار ، إذا كان هناك نار معدة مسبقا يعذب فيها العباد الغاويين وبالمثل كان هناك أيضا جنة ينعم فيها المخلصين ، كل هذه الأمور معدة سلفا


        مسبقا قبل أن تحدث خطية ادم .



        وعليه علمنا يقينا أن هناك يوم للقيامة تنتهي فيه الحياة الدنيا حيث يحاسب الله العباد فيدخل من يشاء في رحمته ويدخل من يشاء جهنم ، مع ملاحظة أن كل هذه الأمور قد أعدت قبل أن تحدث خطية ادم أصلا.


        آدم والجنة:


        وضع الله تبارك وتعالى آدم وزوجه في الجنة وأمرهم ألا يأكلا من احد أشجارها وفيما عدا هذا كانا ينعما في هذه الجنة ويستمتعا بما فيها،

        قال تعالى:

        (وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـَذِهِ الشّجَرَةَ



        فَتَكُونَا مِنَ الْظّالِمِينَ)


        [سورة: البقرة - الآية: 35]



        وقد بين الله تبارك وتعالى لآدم أن إبليس عدوا فلا يجب عليه أن يستمع لما يقول:

        قال تعالى:

        (فَقُلْنَا يَآدَمُ إِنّ هَـَذَا عَدُوّ لّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنّكُمَا مِنَ الْجَنّةِ فَتَشْقَىَ *


        إِنّ لَكَ أَلاّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىَ * وَأَنّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَىَ)


        [سورة: طه - الآية 117: 119]



        وقد بدأ إبليس في تنفيذ مخططه العدائي ضد آدم وزوجه ليخرجهما من الجنة وليس هذا فحسب ولكنه كان يريد لهم نفس مصيره المحتوم ، كان يريد لهم لعنة من الله تبارك وتعالى..

        قال تعالى:

        (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبّكُمَا عَنْ هَـَذِهِ الشّجَرَةِ إِلاّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَآ إِنّي لَكُمَا لَمِنَ النّاصِحِينَ)


        [سورة: الأعراف - الآية 20: 21]



        وهكذا كما تروي لنا الآيات قد وسوس الشيطان لآدم وزوجه ليأكلا من الشجرة التي نهى الله تبارك وتعالى عن مجرد الاقتراب منها، وقد زين لهم هذا العمل القبيح بأن قال لهم إن من يأكل من هذه الشجرة سوف يكون ملكا ، أو خالدا لا يموت أبدا، وأكد هذا اللعين على هذا القول بالقسم ، مما جعل آدم وحواء يأكلان من الشجرة معتقدين أن لا احد يقسم بالله ويكون كاذبا،


        قال تعالى:

        (فَدَلاّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمّا ذَاقَا الشّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنّةِ وَنَادَاهُمَا رَبّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشّجَرَةِ وَأَقُل لّكُمَآ إِنّ الشّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌ مّبِينٌ *


        قَالاَ رَبّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرّ وَمَتَاعٌ إِلَىَ حِين * قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ)


        [سورة: الأعراف - الآية 22: 25]



        وهكذا عاد آدم إلى الأرض التي كان مقررا له أن يحيا فيها من البداية ، ليحيا ومن خلفه بين التكليف والغواية إلى اجل مسمى ، حتى يبعث الله الخلق ويحاسبهم على ما بدر منهم، الأمر الذي كان مقرر لهم من قبل أن يخطئ أدم ، وان افترضنا أن نزول ادم إلى الأرض عقاب لآدم فلم يكن لذريته ، فقد كان مقررا لبني آدم أن يحيوا في الأرض بين التكليف والغواية لأجل مسمى حتى يلقوا ربهم فيحاسبهم على ما بدر منهم.


        ملاحظات هامة:


        1- قد اختلف العلماء في ما إذا كانت الجنة التي وضع فيها آدم هي جنة الخلد التي سوف يتنعم فيها عباد الله الصالحين أم أنها جنة أخرى، ولن نفصل في أدلة الطرفين لان الخلاف في هذه المسألة لن يؤثر على المحصلة النهائية ، فإذا كانت هذه هي جنة الخلد أو غيرها فان الله تبارك وتعالى لم يخلق ادم وزوجه و يدخلهما هذه الجنة ليخلدا فيها ، لم يدخلهما هذه الجنة ليتنعما نعيما أبديا لا يخرجون منه أبدا


        كما قال عز وجل :



        (لاَ يَمَسّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مّنْهَا بِمُخْرَجِينَ)


        [سورة: الحجر - الآية: 48]


        ولقد أوضحنا صفات الجنة التي سوف ينعم فيها عباد الله المتقون على سبيل التأبيد ، فهي جنة لا فيها تكليف ولا غواية ولا يخرج منها احد فمن يدخلها خالد فيها ،


        ولم يكن هذا هو الحال مع آدم وحواء


        فقد كلفه بعدم الاقتراب حتى من هذه الشجرة، وقد أخرجه منها ليرجع للأرض التي خلق لها أصلا كما بينا سابقا ، كما أن إبليس وعده بالخلد فلم يكن ادم خالدا بعد ، فعلمنا أن هذا الأمر لم يكن سوى اختبارا لآدم وحواء تحضيرا لهم للعيش في الدنيا ، تذكيرا لهم لما تجلبه المعاصي ، فهم يذكرون أنفسهم وأبناءهم ، وتذكر البشرية بعضها بعضا بهذا الأمر حتى تقوم الساعة ..


        فمن وصف حال ادم وحواء في الجنة وقول الله تبارك وتعالى قبل خلق ادم (إِنّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً) يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن ادم وحواء لم يكن مقررا لهما حياة أبدية في هذه الجنة .



        2- نلاحظ جيدا أن إبليس قد زين لآدم وزوجه سوء ما أمرهم به من الأكل من الشجرة التي قد حرمها الله عليهما بقوله " مَا نَهَاكُمَا رَبّكُمَا عَنْ هَـَذِهِ الشّجَرَةِ إِلاّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ " وقد ذكر أيضا في سورة طه قوله :


        (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشّيْطَانُ قَالَ يَآدَمُ هَلْ أَدُلّكَ عَلَىَ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاّ يَبْلَىَ)


        [سورة: طه - الآية: 120]



        وهنا وقفة هامة جدا، كيف وان كان مقررا لآدم الأبدية ابتداءا أن يغريه الشيطان بالخلود!!


        فمن المؤكد أن آدم وزوجه كانا يعلمان أنهما ليسا خالدين وبهذا يكون للإغراء ساعتها محله،


        مما يثبت أيضا أن الإنسان لم يكن خالدا ابتداءا ثم سقط عنه الخلود بعد خطية ادم ، بل انه كان فانيا منذ أن خلق وقدر الله عليه أن يحيا لأجل مسمى ثم يموت ويحاسب كما أوضحنا سابقا.



        3- حين رجع آدم وزوجه إلى الأرض كان الله تبارك وتعالى قد غفر لهما ما فعلاه نظرا للاستغفار والندم الذي بدر منهما بسبب العصيان



        " قَالاَ رَبّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنّ مِنَ الْخَاسِرِينَ"



        وقد ذكر الله تبارك وتعالى انه قبل توبتهما في أكثر من موضع:

        قال تعالى:

        (فَتَلَقّىَ آدَمُ مِن رّبّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنّهُ هُوَ التّوّابُ الرّحِيمُ)



        [سورة: البقرة - الآية: 37]


        قال تعالى:

        (وَعَصَىَ ءَادَمُ رَبّهُ فَغَوَىَ * ثُمّ اجْتَبَاهُ رَبّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىَ)


        [سورة: طه - الآية 121 : 122]


        تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري


        وقوله: { وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى } يقول: وخالف أمر ربه، فتعدّى إلـى ما لـم يكن له أن يتعدّى إلـيه، من الأكل من الشجرة التـي نهاه عن الأكل منها. وقوله: { ثُمَّ اجْتَبـاهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَـيْهِ وَهَدَى } يقول: اصطفـاه ربه من بعد معصيته إياه فرزقه الرجوع إلـى ما يرضى عنه، والعمل بطاعته، وذلك هو كانت توبته التـي تابها علـيه. وقوله: { وَهَدَى } يقول: وهداه للتوبة، فوفَّقه لها.


        انتهى النقل





        وهكذا علمنا يقينا أن الله تبارك وتعالى قد غفر لآدم وزوجه عصيانهما ، فلا يمكن أن يكون قد حمل ذريتهما بهذه الخطيئة ولا يمكن أن يولد الإنسان بعد هذا وهو منفصل عن الله تبارك وتعالى ، بل أن كل إنسان يولد نقيا طاهرا خاليا من الذنوب ، ثم يعيش إلى اجل مسمى وعندما يموت ويحاسب يكون حسابه على ما فعله فقط لا على ما فعله غيره:


        قال تعالى:

        (وَالّذِينَ آمَنُواْ وَاتّبَعَتْهُمْ ذُرّيّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مّنْ عَمَلِهِم مّن شَيْءٍ


        كُلّ امْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ)


        [سورة: الطور - الآية: 21]


        قال تعالى:

        (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىَ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىَ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىَ إِنّمَا تُنذِرُ الّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُواْ الصّلاَةَ وَمَن تَزَكّىَ فَإِنّمَا يَتَزَكّىَ لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ)


        [سورة: فاطر - الآية: 18]


        قال تعالى:

        (وَأَن لّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاّ مَا سَعَىَ * وَأَنّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىَ * ثُمّ يُجْزَاهُ الْجَزَآءَ الأوْفَىَ)


        [سورة: النجم - الآية 39: 41]



        وعليه علمنا أن الله تبارك وتعالى قد غفر لآدم وزوجه عليهما السلام ، وان كان قد غفر سبحانه لآدم وزوجه فلا يمكن أن يحمل ذريته بهذه الخطية ، فكل إنسان محاسب على ما بدر منه من أخطاء ولا يحمل احد من ذنب احد .



        انتظرونا في الجزء الثالث إن شاء الله تعالى وهو الخاص بمعتقد أهل الكتاب من اليهود والنصارى في النظرية
        اللّهُم اِنيِ اَشكُو اِليكَ ضَعف قُُوتِيِ وقِلة حِيلتي وهَوَانيِ علي الناَس

        تعليق


        • #5
          الجزء الثالث من بحث: نظرية السقوط بين الاسلام والمعتقدات المخالفة

          بسم الله الرحمن الرحيم
          الجزء الثالث من بحث:

          نظرية السقوط


          بين الإسلام والمعتقدات المخالفة



          اهل الكتاب، اتفقوا في المصدر واختلفوا في الايمان



          كما أوضحنا من قبل أن نظرية السقوط هذه قد لاقت رواجا كبيرا لدى المسيحين ، فهم ينادون بان البشرية قد سقطت بخطية ادم ولا سبيل لعلاج الأمر سوى بان يأتي الفادي الذي سوف يحمل جميع خطايا البشر ويموت بدلا عنهم حتى تتصالح البشرية مع الله مرة أخرى،


          وقد يعتقد الكثيرين منهم أن اليهود كما شاركوهم في الإيمان بالعهد القديم ككلمة الله فإنهم يشاركونهم في الإيمان بهذه النظرية أيضا، وخصوصا أن المسيحين قد بنوا اعتقادهم بهذه النظرية على ما ورد بسفر التكوين بالعهد القديم من ذكر خطية ادم التي ارتكبها وسقطت البشرية كلها تبعا لها - كما يعتقدون - ولكن الحق أن اليهود لا يؤمنون بهذه النظرية بأي حال من الأحوال بل يقفون ضدها مدافعين عن كتابهم المقدس - العهد القديم - ضد المسيحي الذي يعتبر عندهم يسقط معاني إيمانية مغايرة على النصوص المقدسة ، وقد أوضح هذا على سبيل المثال احد المواقع اليهودية المعروف باسم


          What Jews Believe أو ما يؤمن به اليهود، حيث تعرض للكثير من النقاط التي يؤمن بها المسيحيون ويتعارض معهم فيها اليهود، كالخطية الأصلية التي هي محور نظرية السقوط وفكرة الفداء التي تمخضت عنها .



          !! اليهود لا يؤمنون بالنظرية !!



          لا يؤمن اليهود بنظرية توارث الخطية ولا فكرة الخطيئة الأصلية ، كما لا يعتقد اليهود بان الإنسان كان خالدا ثم أصبح فانيا بعد خطية ادم ، ولا ينتظر أي يهودي على وجه الكرة الأرضية مخلصا يموت بدلا عنه ليفديهم مما لحق بهم من خطية ادم بالإضافة إلى خطاياهم ، وهم في هذا متشابهين


          إلى حد يشبه التطابق مع وجهة النظر الإسلامية.




          في موقع what Jews Believe ما يؤمن به اليهود







          تحت عنوان " يؤمن اليهود بان الإنسان ولد في العالم نقاء اصلي ، وليس بالخطية الأصلية


          اليهود لا يؤمنون بالخطية الأصلية


          باختصار:


          اليهود لا يؤمنون بوجود الخطية الأصلية،مفهوم الخطية الأصلية ببساطة يعني انه بسبب أن ادم وحواء قد اخطوا في جنة عدن، قد جلبوا الموت للعالم.كل إنسان يموت بسبب أن ادم وحواء ارتكبوا خطية،ولأجل هذه الخطية كل البشر قد عوقبوا بالموت،من ناحية أخرى فان الكتاب المقدس يصف أمرا مختلفا تماما، ادم وحواء قد طردوا من الجنة لأنهم إذا مكثوا فيها من الممكن أن يتناولوا من فاكهة شجرة الحياة،والتي سوف تجعلهم خالدين،وان كان ادم وحواء محتم عليهم أن يأكلوا من شجرة الحياة ليصبحوا خالدين ، إذا فقد خلقوا فانيين في البداية،فهم لم يجلبوا الموت للعالم، ونحن لا نموت لأنهم ارتكبوا خطية، كمسألة حقيقة كتابية الإجابة على السؤال تظهر لنا انه لا يمكن أن يموت شخص كعقاب على خطية شخص آخر،نحن نموت لان الموت جزء طبيعي من الوجود، وقد كان مقررا منذ اللحظة التي خلق فيها أول مخلوق، ولهذا السبب قد قال الله للحيوانات قبل أن يأكل ادم وحواء من فاكهة شجرة معرفة الخير والشر أن يتكاثروا ، ليحل بعضهم محل بعض ، وقد قال الله هذا أيضا لآدم وحواء.






          التفسير الكامل:


          إن المفهوم المسيحي للخطية الأصلية يعني انه منذ خطية ادم وحواء في جنة عدن،أن البشرية لم تولد فقط بالميل للخطية ولكنهم أيضا بذنب ادم وحواء، ومن اجل هذا الذنب،كل البشر أصحبت تموت، ( انظر كورنثوس الأولى 15:22،21)) وبكلمات أخرى فان ادم وحواء قد جلبوا الموت للعالم كنتيجة لخطيئتهم، وبسبب هذه الخطية كل البشر تموت.


          هذا الأمر ببساطة ليس كتابي، النص الكتابي يخبرنا أن ادم وحواء لم يخرجوا من جنة عدن لأنهم اخطأوا ( لاحظ من فضلك أن المرة الأولي التي يستخدم فيها الكتاب المقدس لفظ خطية لم يكن مشار إلي ادم وحواء بل إشارة إلى غيرة قايين من هابيل / سفر التكوين 4:7)))


          بالاحرى فان ادم وحواء قد اخرجوا من جنة عدن لأنه كان هناك شجرة أخرى في الجنة لم يرد لهم الله أن يأكلوا منها وهي شجرة الحياة.





          ولكن فكر في هذا الأمر بمنطقية، إن كان لابد لآدم وحواء أن يأكلوا من شجرة الحياة ليصبحوا خالدين ، إذا فان الله قد خلقهم فانيين في البداية، فقد خلق ادم وحواء والموت جزءا طبيعيا من وجودهم، من لحظة خلقهم،


          النص الكتابي لسفر التكوين الإصحاح الثالث من العدد 22 وحتى 24 يخبرنا أن ادم وحواء كانوا اقرب إلى الله والملائكة، كانوا اقرب إلي الله والملائكة لأنهم كانوا يعرفون الفرق بين الخير والشر، كلا الله والملائكة يعرف الفرق بين الخير والشر، وكلا الله والملائكة خالدين،ولان ادم وحواء قد أكلوا من شجرة معرفة الخير والشر قد أصبحوا مثل الله والملائكة يعرفون الفرق بين الخير والشر، ولكن ادم وحواء لم يصبحا خالدين بعد لأنهم لم يأكلا من شجرة الحياة، ولهذا أبعدهم الله عن شجرة الحياة بطردهم من جنة عدن، وهذا يعني أن ادم وحواء لم يجلبوا الموت للعالم، ونحن البشر لا نموت بسبب خطيئتهم، نحن نموت لان الله جعل الموت جزءا من حياتنا منذ بدء الخلق، ولا يوجد شئ اسمه الخطية الأصلية


          22 وقال الرب الاله هوذا الانسان قد صار كواحد منا عارفا الخير والشر.والآن لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة ايضا


          ويأكل ويحيا الى الابد.


          23 فاخرجه الرب الاله من جنة عدن ليعمل الارض التي أخذ منها.


          24 فطرد الانسان واقام شرقي جنة عدن الكروبيم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة



          التكوين الإصحاح الثالث 22-24



          وتذكر أيضا انه لا احد يستطيع أن يموت بسبب خطاياك، وقد نوقش هذا في اجابة السؤال الاول (1)


          وهذا يعني انه إن اعتقد احد أن ادم وحواء قد أخطأوا في جنة عدن(وهم لم يخطأوا) فان ذريتهم لا تموت من اجل خطيئتهم.



          وبهذا نرى ان اليهود وفقا لما ورد بالعهد القديم كما ذكرنا لا يؤمنون بنظرية السقوط ، فهم لا يؤمنون بان الانسان قد ولد بخطية ادم منفصلا عن الله تبارك وتعالى، وعلى هذا فهم لا يؤمنون ايضا بحاجة البشرية للفادي الذي ياتي ويحمل الخطايا ويصل العلاقة المقطوعة بين الله والناس،


          وليس هذا فحسب بل انهم يرفضون مبدأ الفداء اصلا ، قائلين بان الكتاب المقدس - العهد القديم - رفض هذه الفكرة حيث جائت العديد من النصوص مناهضة لمبدأ الفداء القائم على ان شخص يموت نيابة عن اخرين.





          تحت عنوان :

          يؤمن اليهود بان شخصا لا يمكن أن يموت من اجل خطايا شخصا أخر


          وهذا يعني بان المسيح لا يمكن أن يموت من اجل خطاياك


          باختصار:


          الكتاب المقدس واضح وصريح، شخصا واحدا لا يمكن أن يموت من اجل خطايا آخر، وهذا يعني أن الذنب المتفرع من الخطية المرتكبة بواسطة شخص لا يمكن أن يغفر بتوقيع العقوبة على شخص آخر، أولا في سفر الخروج الإصحاح 32 من العدد 30 وحتى 35 سأل موسى الله أن ينزل عليه العقاب بسبب العجل الذهبي، الذي ارتكبها الشعب، والرب اخبر موسى بان الشخص الذي ارتكب الخطية هو الشخص الذي لابد وان يتحمل العقاب، وأيضا في سفر التثنية، الإصحاح 24 العدد 16، قد وضع الرب هذا لمبدأ أساسي، " كل إنسان بخطيته يقتل"



          وهذا المبدأ قد كرر في الأنبياء:في حزقيال 18


          "النفس التي تخطئ هي تموت.......بر البار يكون عليه وشر الشرير يكون عليه"




          تفسير أكثر إيضاحا:


          الفهم المسيحي قائم على أن المسيا ، يسوع ، قد مات من اجل خطايا البشر ،فالمسيا مفترض أن يكون ضحية بشرية لان الضحية الدموية ضرورية من اجل غفران الخطية،


          ولكننا تعلمنا من الكتاب المقدس انه لا يمكن أن يموت احد من اجل خطايا آخر،


          في سفر التثنية 24:16، مكتوب بالحرف:


          لا يقتل الآباء عن الاولاد ولا يقتل الاولاد عن الآباء.كل انسان بخطيته يقتل



          في سفر الخروج الإصحاح 32 العدد 30 وحتى 35


          حاول موسى ان يعرض نفسه ككفارة من اجل خطايا الشعب، أن يقتطع من كتاب الله ، أي يقتطع من سفر الحياة، أي أن موسى طلب أن يموت فداءا لخطايا الشعب، وكان رد الرب :


          "لا ، لا يسير الأمر بهذه الطريقة، كل إنسان يموت بخطيته"



          وكان في الغد ان موسى قال للشعب انتم قد اخطأتم خطية عظيمة.فاصعد الآن الى الرب لعلي اكفّر خطيتكم.


          31 فرجع موسى الى الرب.وقال آه قد اخطأ هذا الشعب خطية عظيمة وصنعوا لانفسهم آلهة من ذهب.


          32 والآن ان غفرت خطيتهم.والا فامحني من كتابك الذي كتبت.


          33 فقال الرب لموسى من اخطأ اليّ امحوه من كتابي.


          34 والآن اذهب اهد الشعب الى حيث كلمتك.هوذا ملاكي يسير امامك.ولكن في يوم افتقادي افتقد فيهم خطيتهم.


          35 فضرب الرب الشعب.لانهم صنعوا العجل الذي صنعه هرون







          إن كل الإصحاح الثامن عشر من سفر حزقيال يدور حول هذه الفكرة، أن لا يمكن أن يموت احد من اجل خطايا آخر، بالإضافة إلى أن هذا الإصحاح أيضا يعلمنا انه كل ما يجب أن نفعله من اجل غفران الرب هو أن نتوقف عن فعل الأمر السيئ ونبدأ بفعل الأمر الصالح، والرب سوف يغفر لنا، ولا مكان في هذا الإصحاح يخبرنا انه لابد وان نقدم تضحية دموية من اجل أن نحصل على غفران الخطايا.


          سفر حزقيال الاصحاح الثامن عشر 4:1


          وكان اليّ كلام الرب قائلا.


          2 ما لكم انتم تضربون هذا المثل على ارض اسرائيل قائلين الآباء اكلوا الحصرم واسنان الابناء ضرست.


          3 حيّ انا يقول السيد الرب لا يكون لكم من بعد ان تضربوا هذا المثل في اسرائيل.


          4 ها كل النفوس هي لي.نفس الاب كنفس الابن.كلاهما لي.النفس التي تخطئ هي تموت.




          سفر حزقيال 18(20-24)


          20 النفس التي تخطئ هي تموت.الابن لا يحمل من اثم الاب والاب لا يحمل من اثم الابن.بر البار عليه يكون وشر الشرير عليه يكون.


          21 فاذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها وحفظ كل فرائضي وفعل حقا وعدلا فحياة يحيا.لا يموت.


          22 كل معاصيه التي فعلها لا تذكر عليه.في بره الذي عمل يحيا.


          23 هل مسرة أسر بموت الشرير يقول السيد الرب.ألا برجوعه عن طرقه فيحيا.


          24 واذا رجع البار عن بره وعمل اثما وفعل مثل كل الرجاسات التي يفعلها الشرير أفيحيا.كل بره الذي عمله لا يذكر.في خيانته التي خانها وفي خطيته التي اخطأ بها يموت



          سفر حزقيال 18(26-27)


          26 اذا رجع البار عن بره وعمل اثما ومات فيه فباثمه الذي عمله يموت.


          27 واذا رجع الشرير عن شره الذي فعل وعمل حقا وعدلا فهو يحيي نفسه.



          وعليه الكتاب المقدس واضح لا يمكن أن يموت شخص من اجل خطايا آخر، وهذا يعني أن يسوع لا يمكن أن يموت من اجل خطاياك.




          وبهذا نرى أن اليهود يرفضون مبدأ توارث الخطية والفداء رفضا تاما وليس من عند أنفسهم بل رفضا يستند إلى النصوص الكتابية التي وردت في العهد القديم ، الأمر الذي يفتقر إليه المسيحي حين يريد أن يتكلم عن هذه المعتقدات.


          وقد أوضحنا أن اليهود حتى إن سلموا بخطية ادم ، ومع الاعتراف بحال البشرية الخاطئة ، لا يرون أي حاجة إلى الفادي الذي يأتي ويحمل الخطايا بدلا عن البشرية ، لان الإنسان يستطيع أن يخلص نفسه من خطاياه ويعود لله تبارك وتعالى دون فادي يقوم بعملية الوسيط ، علاوة على أن فكرة الفداء أصلا غير كتابية ومرفوضة من الرب في الكتاب المقدس كما ذكرنا.


          فالخلاص في اليهودية قريب جدا لشكل الخلاص في الإسلام ، حيث يكمن في معنى التوبة التي يقوم بها الإنسان المخطئ لله تبارك وتعالى فينظر الله قلبه ويقبله ولا يبالي بكثرة ذنوبه إن صدقت توبته حتى وان بلغت ذنوبه عناء السماء، كما ورد بسفر حزقيال الاصحاح الثامن عشر


          21 فاذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها وحفظ كل فرائضي وفعل حقا وعدلا فحياة يحيا.لا يموت.


          22 كل معاصيه التي فعلها لا تذكر عليه.في بره الذي عمل يحيا.



          وبما أن الهدف الرئيسي لهذا البحث تبيان أن نظرية السقوط غير موجودة في الإسلام أصلا فوجب علينا أن نذكر أيضا مجموعة من الآيات التي وردت في القران الكريم والتي تبين شكل الخلاص من الذنوب في الإسلام ، حيث لا يعتمد على الفادي الذي يأتي فيحمل الخطايا بل على التوبة التي تكون بين الإنسان وبين الله تبارك وتعالى..


          قال تعالى:

          (قُلْ يَعِبَادِيَ الّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىَ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رّحْمَةِ اللّهِ


          إِنّ اللّهَ يَغْفِرُ الذّنُوبَ جَمِيعاً إِنّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرّحِيمُ *


          وَأَنِـيبُوَاْ إِلَىَ رَبّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمّ لاَ تُنصَرُونَ *


          وَاتّبِعُـوَاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مّن رّبّكُـمْ مّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُـمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ)


          [سورة: الزمر - الآية 53: 55]


          قال تعالى:

          (وَالّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوَاْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذّنُوبَ إِلاّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرّواْ عَلَىَ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)


          [سورة: آل عمران - الآية: 135]



          وهذا هو طريق الخلاص في الإسلام ، التوبة ، فأنت تخطئ وأنت تتوب ،


          تفعل معصية فتندم وتستغفر الله ذو الرحمة التي سبقت رحمته غضبه فيتوب عليك ويغفر لك ويمحوا ما فعلت من السوء ، فلا احد يحمل من ذنب احد في الاسلام:

          قال تعالى:

          (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىَ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىَ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىَ)


          [سورة: فاطر - الآية: 18]



          فنحن كمسلمين لله تبارك وتعالى غير إننا نعلم جيدا بان مبدأ الفداء هذا ليس من العدل في شئ ، فنحن لا نحتاج هذا الأمر أصلا ، فربنا الغفور ذو الرحمة جعل لعملنا وتوبتنا قيمة ، وقبلنا رغم أخطائنا..


          قال تعالى:

          (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلّذِينَ يَتّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزّكَـاةَ وَالّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ)


          [سورة: الأعراف - الآية: 156]


          قال تعالى:

          (كَتَبَ عَلَىَ نَفْسِهِ الرّحْمَةَ)


          [سورة: الأنعام - الآية: 12]


          قال تعالى:

          (وَرَبّكَ الْغَفُورُ ذُو الرّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لّهُم مّوْعِدٌ


          لّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاٍ)


          [سورة: الكهف - الآية: 58]


          قال تعالى:

          (وَهُوَ الّذِي يَقْبَلُ التّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ السّيّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)


          [سورة: الشورى - الآية: 25]


          قال تعالى:

          (وَالّذِينَ عَمِلُواْ السّيّئَاتِ ثُمّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَآمَنُوَاْ إِنّ رَبّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رّحِيمٌ)


          [سورة: الأعراف - الآية: 153]



          قال تعالى: (إِنّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّـيّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَىَ لِلذّاكِرِينَ)


          [سورة: هود - الآية: 114]



          وبهذا علمنا أن حياة الإنسان على الأرض لم تكن عقابا بل كانت مقدرة له سلفا من قول الله تعالى


          " إني جاعل في الأرض خليفة" فقد كان مقدرا له أن يحيا في الأرض لأجل مسمى ثم يموت


          " كل نفس ذائقة الموت" ثم يحاسب على ما بدر منه ، لا يحاسب إلا على ما فعل ، ولم تولد ذرية ادم ملوثة بالخطية الأولى


          فقد كان ادم ممن اصطفاهم الله تبارك وتعالى:

          قال تعالى:

          (إِنّ اللّهَ اصْطَفَىَ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرّيّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ


          وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)


          [سورة: آل عمران – الآية 33: 34]



          ولقد كرم وفضل ذريته على كثير من خلقه، فلم يكن غاضبا عليهم لخطيئة أباهم:

          قال تعالى:

          (وَلَقَدْ كَرّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ الطّيّبَاتِ وَفَضّلْنَاهُمْ عَلَىَ كَثِيرٍ


          مّمّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)


          [سورة: الإسراء - الآية: 70]



          وقد بين لهم أيضا أن الشيطان عدوا لهم فلا يجب أن يستمعا له عسى أن ينزلهم منزل سوء كما اخرج أبويهم من الجنة:

          قال تعالى:

          (يَابَنِيَ آدَمَ لاَ يَفْتِنَنّكُمُ الشّيْطَانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مّنَ الْجَنّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ إِنّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنّا جَعَلْنَا الشّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ)


          [سورة: الأعراف - الآية: 27]



          فلم تكن حياة بني ادم على الأرض عقابا لهم بل هي حياتهم التي قدرت عليهم ، وقد وعد الله تبارك وتعالى بإرسال الرسل لإرشاد البشرية إلى طريق الله تبارك وتعالى وتحذيرهم من الشيطان ، فمن تبع رسل الله تبارك وتعالى فقد فاز ومن ترك هذا الطريق فقد ضل ضلالا بعيدا:

          قال تعالى:

          (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمّا يَأْتِيَنّكُم مّنّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)


          [سورة: البقرة - الآية: 38]


          قال تعالى:

          (رّسُلاً مّبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ حُجّةٌ بَعْدَ الرّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً)


          [سورة: النساء - الآية: 165]



          وقد أرسل الله تبارك وتعالى رسلا كثيرا ختمهم بخير خلقه محمد صلى الله عليه وسلم لإرشاد البشرية للطريق وكشف سحب الضلال التي خيمت على حياة البشرية فأمرهم بكل معروف ونهاهم عن كل منكر واحل لهم الطيبات وحرم عليهم الخبائث وأنقذهم من الأغلال التي كانت عليهم:


          قال تعالى:

          (الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِيّ الاُمّيّ الّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلّ لَهُمُ الطّيّبَاتِ وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلاَلَ الّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتّبَعُواْ


          النّورَ الّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)


          [سورة: الأعراف - الآية: 157]



          فلم يعد الله تبارك وتعالى بإرسال الفادي الذي سوف يحمل خطايا البشر ويعيد ليصل العلاقة المقطوعة بسبب الخطية الأولى ، بل كرم الله ادم وذريته ووعد بإرسال الرسل التي سوف ترشد البشرية لطريق الله بفعل ما يرضيه واجتناب ما يغضبه وفتح باب التوبة لجميع العصاه


          وهذا هو طريق الخلاص في الإسلام.


          الخلاصة:

          في هذا الجزء من البحث قد أوضحنا بان أهل الكتاب من اليهود والنصارى وان اتفقوا على الإيمان بالعهد القديم ككلمة الله ، فإنهم قد اختلفوا في الإيمان بالنظرية محل البحث، فاليهود ينكرون هذه النظرية كلا وجزءا فهم لا يؤمنون بالخطية الأصلية وانفصال البشرية و بالطبع لا يؤمنون بحاجة البشرية للفادي الذي يعود فيصل هذه العلاقة المقطوعة ، على عكس المسيحي الذي يؤمن بهذه النظرية ويجعلها أساس قيام إيمانه بأكمله، مع ملاحظة أن اليهود قد دعموا إيمانهم بنصوص كتابية وردت في الكتاب المقدس، ونسبوا هذه المعتقدات كأفكار جديدة غير كتابية ظهرت في العهد الجديد مخالفة للأمور المسلم بها من الرب في العهد القديم.


          وقد كان اليهود في هذا الاعتقاد أكثر قربا من المعتقد الإسلامي الذي ينكر هذه النظرية أيضا ويقر بان لا تزر وازرة وزر أخرى وبان طريق الخلاص الوحيد من الذنوب هو التوبة وليس الفادي الذي يأتي ليحمل خطايا البشر.


          وهكذا تكون المسيحية قد انفردت وحدها بالإيمان بهذه النظرية التي لم تلق قبولا


          لا في الإسلام ولا في اليهودية أيضا .



          انتظرونا في الجزء الرابع والأخير


          مناقشة النظرية في ضوء القصة الكتابية
          اللّهُم اِنيِ اَشكُو اِليكَ ضَعف قُُوتِيِ وقِلة حِيلتي وهَوَانيِ علي الناَس

          تعليق

          مواضيع ذات صلة

          تقليص

          المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
          ابتدأ بواسطة عاشق طيبة, 26 ينا, 2023, 02:58 م
          ردود 0
          40 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة عاشق طيبة
          بواسطة عاشق طيبة
           
          ابتدأ بواسطة عطيه الدماطى, 23 ينا, 2023, 12:27 ص
          ردود 0
          62 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة عطيه الدماطى  
          ابتدأ بواسطة د. نيو, 24 أبر, 2022, 07:35 ص
          رد 1
          64 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة د. نيو
          بواسطة د. نيو
           
          ابتدأ بواسطة محمد بن يوسف, 1 نوف, 2021, 04:00 م
          ردود 0
          23 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة محمد بن يوسف
          بواسطة محمد بن يوسف
           
          ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 18 يون, 2021, 02:47 ص
          ردود 0
          73 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة *اسلامي عزي*
          بواسطة *اسلامي عزي*
           
          يعمل...
          X