د. يوسف زيدان يكتب عن الصراعات المسيحية المسيحية فى الماضى و ما آلت إليه

تقليص

عن الكاتب

تقليص

Ahmed_Negm اكتشف المزيد حول Ahmed_Negm
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • د. يوسف زيدان يكتب عن الصراعات المسيحية المسيحية فى الماضى و ما آلت إليه

    د. يوسف زيدان يكتب: أسرار الخلاف وأهوال الاختلاف (٣/٧)

    ٣٠/ ٩/ ٢٠٠٩

    أقباط مصر.. أقباط المهجر.. الكنيسة القبطية.. المرحلة القبطية.. الزمن القبطى السابق على الفتح العربى لمصر.. مؤتمر القبطيات.. منظمة أقباط الولايات المتحدة..

    موقع الأقباط المتحدون.. صوم القبط.. أعياد الأقباط.. قبط! هذه التعبيرات، وغيرها الكثير، هى تسميات مشهورة ومفاهيم عامة وعناوين اشتهرت مؤخراً على الألسنة وتداولتها الأقلام. حتى إنه لم يعد من الممكن الشك، مجرد الشك، فى مسألة (القبطية) ومشتقاتها الكثيرة، باعتبار أن لها معنىً محدداً ودلالة واضحة تشير إلى جماعة معينة، وصنفٍ مخصوص من المصريين يتميز بالدين (المسيحى) عن أصحاب الدين الإسلامى، فكأن أولئك وهؤلاء منفصلون..

    غير أننا سنرى فيما يلى، أن (القبطية) هى مفهوم معاصر يرتبط -بالضرورة- بالثقافة العربية الإسلامية، ولا يمكن له أن يوجد خارج هذه الثقافة. والأمر يقتضى منا الرجوع فى الزمن إلى الوراء قليلاً، ثم نتقدم منه إلى زمننا الحالى، خطوةً خطوة، فنفهم (السر) الكامن وراء هذا الخلاف الموهوم بين المصريين، عبر تصنيفهم (السخيف) إلى مسلم وقبطى، بناءً على اختلاف ديانة كل منهما، وكأن الديانات صارت أوطاناً لها هويات.

    انتشرت المسيحيةُ فى القرنين الثانى والثالث الميلاديين، انتشاراً رتيباً هادئاً، كان لابد من حدوثه!

    فالإمبراطورية الرومانية كانت قد سارت آنذاك فى سُبل الاضمحلال التدريجى، بعدما كانت قد بسطت جناحيها على الشرق والغرب، وأدخلت (مصر) إلى حدود الإمبراطورية التى عاشت زمناً مجيداً، ثم بدأ اندثارها مع انتشار مظاهر البذخ والخلاعة، وانغماس سكان روما والمدن الكبرى (التى تؤدى إليها كل الطرق، وتؤدى هى إلى روما باعتبارها عاصمة العالم آنذاك) فى اللهو والمجون والمتع الحسية، على نحوٍ فاق كل الحدود وتجاوز حدود المعقول إلى آفاق اللامعقول.

    وحسبما يقول ابن خلدون فى مقدمته الشهيرة (مقدمة كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر) فإن الترف يؤدى بالضرورة إلى انحلال السلطة السياسية! وهو ما حدث فعلاً مع الإمبراطورية الرومانية التى أخذت أوصالها تتفكك وقلبها يهترئ، حتى سقطت أسوارها سنة ٤١٠ ميلادية أمام جحافل القوط (الألمان) ولم تعد من يومها إلى سابق عهدها المجيد، قطُّ، مما أفسح مجال المنافسة على زعامة العالم، أمام مدن أخرى مثل أنطاكية والإسكندرية..

    ودخلت حلبة المنافسة مدينة المقر الإمبراطورى: بيزنطة (القسطنطينية، إسطنبول) التى بناها الإمبراطور قسطنطين الكبير الذى تبنى المسيحية وتسامح معها باعتبارها إحدى الديانات الكثيرة المعترف بها آنذاك، فضمن بذلك ولاء المسيحيين الذين كان عددهم قد ازداد تدريجياً فصاروا فى زمانه (بداية القرن الرابع الميلادى) يمثلون عشرة بالمائة من مجموع السكان.

    ومن منتصف القرن الرابع الميلادى، وحتى امتلاك المسلمين لأنحاء الإمبراطورية الرومانية فى طورها الثانى: البيزنطى (دولة الروم، لا الرومان) وهو ما حدث فى النصف الأول من القرن السابع الميلادى، مضت سنوات طوال تنافست فيها المدن الكبرى على زعامة العالم عوضاً عن روما.. ومع الانتشار الواسع للديانة المسيحية، كان لابد أن يكون التنافس دينياً، فاتخذت الإسكندرية مذهباً، وأنطاكية مذهباً آخر، وروما مذهباً ثالثاً وبيزنطة مذهباً رابعاً..

    وهكذا، وكانت هناك تقلبات فى هذه المذاهب التى تشكلت وتحددت مواقفها العقائدية فى المؤتمرات الكنسية الدولية التى سميت اصطلاحاً بالمجامع المسكونية.. خاصةً مجامع: نيقية ٣٢٥ ميلادية (حيث استعلنت الإسكندرية على الجميع) وإفسوس سنة ٤٣١ ميلادية (حيث انتصرت الإسكندرية بصعوبة على بيزنطة) وخلقيدونية سنة ٤٥١ (حيث أُهينت الإسكندرية وخرجت من الساحة العالمية إلى غير رجعة).

    وفى مجمع خلقيدونية هجم الأساقفةُ الممثلون لكبريات الكنائس العالمية (المسكونية) على أسقف (بابا) الإسكندرية المسكين «ديوسقوروس» ونتفوا شعر لحيته وضربوه، وياللعار، بالنعال!

    فكان من الطبيعى أن يغضب أتباعه فى مصر والشام، وهو ما حدث فعلاً.

    خاصةً بعدما تبنى القسيس (القَسّ) السورى «يعقوب البرادعى» وجهة نظر الإسكندرانيين فى العقيدة المسيحية، وهى العقيدة التى أدت إلى اختلاف الكنائس الكبرى الأرثوذكسية (أى الإيمان القويم) بسبب الجدل حول طبيعة السيد المسيح: هل (الابن) و(الآب) من طبيعة واحدة، أم عن طبيعة واحدة!

    وما بين «من» و«عن» حدث خلاف عظيم كان السر فيه هو السعى إلى زعامة العالم المسيحى، وهو ما أدى إلى اختلاف مروِّع تسبب فى جريان أنهار الدم بين أولئك وهؤلاء، لأن الإسكندرانيين لم يرضوا بالأساقفة الذين كانت بيزنطة (العاصمة الإمبراطورية) ترسلهم، فكانوا يختارون من بينهم هم أساقفة آخرين (بابوات) ويقتلون المرسَلين من بيزنطة وروما..

    وقد حدثت بين الفريقين، فى الإسكندرية، وقائع مروِّعة، وجرى فى شوارع المدينة دم كثير، لأن الإسكندرانيين الذين لم يوافقوا على مجمع خلقيدونية (اللاخلقيدونيين) كانوا يهجمون على الأساقفة الخلقيدونيين فيفتكون بهم فتكا شديداً، فيفتك بهم الآخرون..

    ولا أريد هنا أن أُفزع القراء بذكر هذه الوقائع المروِّعة، ويكفى أن نذكر أن الأسقف «البابا» الذى اختاره الإسكندرانيون، وهو الأمبا تيموثيوس الملقب بالقط (أو ابن عرس) قتل الأسقف «البابا» بروتيروس المرسَل من بيزنطة، فى قلب كنيسة الإسكندرية، بل وفى مكان المعمودية المقدس..

    بينما قتل الأسقفُ الشنيع كيرس الملقب بالمقوقس (لأن أصله من القوقاس) عشرين ألفاً فى ميدان محطة الرمل بالإسكندرية، فى يوم واحد، لأنهم لم يوافقوا على المقترَح العقائدى الذى طرحه عليهم لحل مشكلة طبيعة المسيح!

    ولم تكن كنيسة الإسكندرية آنذاك تسمى (القبطية) ولا كان أتباعها يعرفون بالأقباط.

    كان يقال لهم «اليعاقبة» نسبة إلى يعقوب البرادعى، وكان يقال لهم «مونوفيست» نسبة إلى الكلمة اليونانية التى تعنى الطبيعة الواحدة، وكان يقال لهم «الإسكندرانيون» نسبة إلى العاصمة المصرية التى تهيمن على أديرة وادى النطرون الذى كان اسمه آنذاك وادى هبيب.

    ولم يعترف هؤلاء بهذه التسميات، واختاروا لأنفسهم فيما بعد اسم (المرقسيون) نسبة إلى مرقس الرسول الذى بشَّر (كرَّز) فى الإسكندرية وقُتل فيها (استشهد) على أيدى الرومان سنة ١٩٦٨ ميلادية، وهى تسمية لم توافق عليها بقية الكنائس الكبرى فى العالم، لأن الكنائس لو حملت أسماء الرسل (الحواريين) لكان هناك الكنيسة اليوحناوية والكنيسة البطرسية والكنيسة المتاوية.. إلخ، وهذا غير معمول به.

    كانت هناك، إذن، مشكلة فى تسمية هؤلاء (اللاخلقيدونيين، اليعاقبة، المونوفيست، المرقسيين، الإسكندرانيين) ولم يكن من المعتاد أن يشار إليهم بالمصريين أو الكنيسة المصرية، لأن مصر آنذاك كان بها كنائس أخرى، مثلما هو الحال اليوم، وكانت أهمها وأكثرها أتباعاً كنيسة الخلقيدونيين (الملكانيين، أتباع الملك، الروم الأرثوذكس).

    وكان العرب يشيرون إلى سكان مصر باستعمال وصفين، الوصف الأول هو (المصريون) وهم أهل القبائل العربية التى كانت تعيش فى مصر من قبل الفتح بقرون طوال (كان ستون بالمائة من أهل عاصمة الصعيد «قوص» يتكلمون العربية منذ القرن الخامس الميلادى) أو هؤلاء الذين جاءوا لاحقاً مع عمرو بن العاص واستقروا بمصر.

    هؤلاء جميعاً يسميهم العرب «المصريين» ولذلك نجد فى كتب التاريخ الإسلامى، أن الخليفة عثمان بن عفان «قتَله المصريون» والمراد بهم هنا، العرب المسلمون الذين كانوا يعيشون بمصر..

    والصنف الآخر من أهل مصر، بحسب التسمية العربية التى كانت مستعملة آنذاك، هى (القبط) وهم أهل مصر من المسيحيين، بصرف النظر عن مذهبهم العقائدى.

    وقد استعمل العرب كلمة «قبط» استناداً إلى الكلمة اليونانية «إ جبتوس» بأن نزعوا كعادتهم اللاحقة الأخيرة (الواو والسين) فاستبقوا «إجبت» ونطقوها القبط، تمييزاً للمسيحى فى مصر عن مسيحيى الشام والعراق الذين كانوا يسمونهم: النصارى..

    وهى بالمناسبة تسمية غير دقيقة، ولكنها مأخوذة من التعبير القرآنى الذى يشير إلى أن الحواريين (تلاميذ المسيح) هم الأنصار، حسبما ورد فى الآية القرآنية )..

    كَمَا قَالَ عيسى ابن مريم للحواريينَ منْ أنصارى إلى الله قال الحواريون نحنُ أنصار اللهِ..).

    كان العرب إذن، من قبل الإسلام ومن بعده، يسمون المسيحيين فى مصر (القبط) بصرف النظر عن مذهبهم العقائدى، ولذلك نجد الرسالة المشهورة من النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، إلى مصر، مرسَلة إلى «المقوقس عظيم القبط» مع أن المقوقس كان الأسقف الملكانى (الخلقيدونى) بينما كان للآخرين الذين نعرفهم اليوم باسم الأقباط، أسقف آخر هو بنيامين.. وكان بنيامين هارباً من وجه المقوقس البشع، الذى يجب أن يسمى عصره، بحق: عصر الاستشهاد!

    لأن الذين قتلهم المقوقس ببشاعة مروِّعة، يزيدون بعشرات المرات عن جميع الذين قتلهم الرومان فى مصر خلال زمن الاضطهاد الذى امتد قرابة قرنين من الزمان، بسبب إيمانهم بالمسيحية وهروبهم من الزراعة إلى الصحراء، وهو ما سوف يعرف اصطلاحاً بحركة الرهبنة.

    وأظن، وقد أكون مخطئاً، أن الكنيسة (القبطية) المعاصرة، يجب عليها أن تتخلى عن التقويم الخاص الذى تعمل به حالياً، أعنى التقويم المسمى «تقويم عصر الشهداء» أو «التقويم القبطى» وهو الذى يبدأ من سنة ٢٨٤ ميلادية، باعتبارها السنة التى تولى فيها دقلديانوس الحكم..

    ومن الممكن أن يجعلوا، إن أرادوا، سنة مجىء المقوقس إلى مصر هى بداية هذا التقويم الخاص بهم– إن كان هناك ضرورة أصلاً لأن يكون هناك تقويم خاص، فى مقابل التقويم الهجرى الذى يحبه الإسلاميون ولا يعرفه اليوم معظم المسلمين، حتى إنك إذا سألت أحدهم عن السنة الهجرية الحالية، فلن يعرف!

    وأننى أقترح ذلك! لأنه، فى حقيقة الأمر ووفقاً للتاريخ الفعلى، فإن دقلديانوس لم يقتل من (الشهداء) إلا أقل القليل بالقياس إلى المقوقس الذى استشهد على يديه عشرات الآلاف مدفوعين بحب الاستشهاد.. وسوف أعود للكلام على الجهاد وحب الاستشهاد فى مقالة قادمة من هذه السلسلة.

    إذن، فالتسمية ذاتها (القبطية) هى تسمية عربية إسلامية، ولم تكن تفرق بين أتباع الكنائس المصرية. ولما استقرت مصر بيد عمرو بن العاص، وبعد فتحه (الثانى) لمدينة الإسكندرية التى غاظته كثيراً بسبب تمردها عليه، حتى إنه أقسم أمام أبوابها، بأن يهدم أسوارها..

    قال: والله لئن ملكتها لأجعلنها مثل بيت الزانية (أى بلا أبواب، وغير حصينة) وقد قام بذلك فعلاً، فخرَّب سورها ونزع عنها البوابات، وعرض على أهلها الرحيل بما يملكون، إن أرادوا.

    فكان الأغنياء (الملكانيون) يرحلون عنها بممتلكاتهم بحراً إلى بيزنطة وبقية أنحاء أوروبا، بينما يمكث فيها الفقراء (اللاخلقيدونيون، اليعاقبة، المونوفيست، المرقسيون) فرحين برحيل أعدائهم فى المذهب الدينى، مهما أخذوا معهم من أموال وممتلكات.

    ومن هنا، فيما أظن، جاء التعبير المصرى الشهير الذى لا يزال يتردد على الألسنة إلى اليوم، كلما رحل عنا شخص أو جماعة غير مأسوف على رحيلهم: المركب اللى تودى!

    وهكذا قام المسلمون، بغير قصد، بتفريغ مصر من معظم أتباع المذهب الخلقيدونى، فأسهموا بذلك فى استقرار أعدائهم الذين نسميهم اليوم (الأقباط) استناداً إلى التسمية العربية لهم..

    وبالطبع، لم يرحل جميع المسيحيين (الملكانيين) بل ظلت لهم كنائس وبيع وممتلكات يدفعون عنها الجزية فى مقابل الأمن، حسبما ذكرنا فى مقالنا السابق، وكانت هناك كنائس أخرى تعيش بمصر– مثلما هو الحال اليوم- ولكن هذا الوضع الجديد (العربى / الإسلامى) سمح لإخواننا الذين نسميهم اليوم، ويسمون أنفسهم (الأقباط) بالاستقرار والزيادة العددية. خاصةً أن عمرو بن العاص أطلق لرئيسهم الدينى (بنيامين) أماناً عاماً، حيثما كان، يدعوه فيه للخروج من مخبئه والمجىء بسلام لرعاية أتباعه..

    وقد استجاب بنيامين (الأسقف، الأمبا، البابا) وجاء إلى عمرو بن العاص الذى التزم بما وعده به، وترك له الحرية التى كان محروماً منها، وسمح له بتجديد الكنائس وتنظيم أمور رعاياه، رغبة من الفاتح (الغازى) العربى المسلم، العظيم: عمرو بن العاص، فى استقرار الأحوال بمصر.

    لأنه كان قد أحبَّ هذه البلاد، ونظر إليها باعتبارها (خزانة الإسلام) ولذلك غضب لاحقاً عندما أرهقها «عبد الله بن أبى سرح» بالمكوس وضغط على أهلها لتحصيل الجزية..

    ولما سنحت له الفرصة، عاد عمرو بن العاص لحكم مصر، وظل يحكمها حتى وفاته. فلما استقرت بيده، استقر أهلها من (المصريين) ومن (القبط) على اختلاف كنائسهم.

    من هنا، أدعو إخوانى «الأقباط» لتصحيح فكرتهم النمطية عن مسألة فتح مصر، وأدعو (المتأسلمين) إلى الكفِّ عن النظر إلى المسيحيين المصريين على أنهم: غرباء فى وطنهم!

    وأدعو (المتأقبطين) إلى الكفِّ عن تلك الخرافة التى تقول إن مصر وطن الأقباط (بالمعنى السياسى المعاصر) وإن العرب المسلمين سلبوا البلاد من أيديهم (فهى لم تكن يوماً بأيديهم) كما ذكرت فى مقالتى السابقة، فهى لم يحكمها طيلة تاريخها حاكم واحد (قبطى) بالمعنى المعاصر لهذه الكلمة، وهو المعنى الذى قام واستقام واستقر، باعتباره صناعة عربية إسلامية.. لا غير!

    وبالتالى، فإنه من قادحات الشرر المنذرات بالشرور، الادعاء بأن الإسلام قام باحتلال مصر.. بلادنا.. الطيبة.. الحزينة.. الدافئة.. الحنون.. المرهقة.. الشاحبة.. الحبيبة.. المحيرة!


    http://www.almasry-alyoum.com/articl...ticleID=227496

  • #2
    تعقيباً على المقالات الستة السابقة، تدفَّق سيلٌ من المقالات والتعليقات المنشورة بالجرائد المصرية والمواقع الإلكترونية. وقد جاء الأغلبُ قادحاً، صادحاً، فادحاً فى دلالته على أننا نحن المصريين، قد تغيَّرنا كثيراً فى العقود الماضية، فلم نعد هذه الجماعة التى ظلت لمئات السنين أنموذجاً للطاعة والوداعة، وللخضوع والخنوع، وللرخاوة والهوان! وإنما صرنا حسبما وصفَنا صلاح عبدالصبور فى (الناس فى بلادى) : جارحون كالصقور..

    فمن ذلك ما نراه فى مقالة الأستاذ حنا حنا المحامى فى حين يقول: «البادى أن د. زيدان استهوته جائزة «البوكر» التى ربحها برواية عزازيل، ففكر أن يربح بمقالات (المصرى اليوم) جائزة الكونكان».. حلوة! أو يقول (بالعامية) د. ياسر يوسف غبريال: «زيدان يدَّعى البطولة وهو عارف اللى جوه الفولة وأفكاره مش معقولة.. يُطلق بُمبة فكرية، هى أن القبطية صناعة عربية إسلامية».

    وقد كتب المسمَّى (أبو اسكندر) يردُّ علىَّ، فجعل كلامه بعنوان : الدور العدمان لشيخ الدراويش يوسف زيدان! وكتب المسمَّى (غالى): ما تزعلش، كلنا مجهزين شنطنا لشيراتون المرج، بس ياريت يوسعوه حتى يسع ملايين الأقباط.. وعندما حمل المسمَّى (محمد البديوى) على مقالاتى حملةً شنعاء، متشنِّجة، كتب أحدهم معلِّقاً عليه بقوله : يا واد محمد يابديوى، أقصد يا جورج، بطَّل حركات!

    حسناً.. وبعيداً عن الطرائف اللطيفة السابقة، وبعد هذه الحوارات المصرية (جداً) أقول (جَادّاً) إن أهم ما انتقده الإخوة فى مقالاتى، أننى لم أذكر المصادر التى أعتمد عليها، خاصةً فى نقاطٍ حرجةٍ حاسمةٍ، مثل قولى بأن البطرك (البابا) القبطى (المونوفيزى) تيموثيوس، قتل البطرك الملكانى (الخلقيدونى) بروتيريوس، قتلةً بشعة فى مكان المعمودية بكنيسة الإسكندرية القديمة.. وكثيرٌ من الذين علَّقوا على ذلك، اتهمونى صراحةً بالكذب. ولهم فى ذلك العذرُ، لأنهم لا يعلمون.

    وعلى كل حال، فسوف أورد فيما يلى ترجمةً لما ورد فى (معجم أكسفورد للكنيسة المسيحية) بصفحة رقم ١٣٦٠ فى الطبعة الصادرة عن جامعة أكسفورد البريطانية سنة ١٩٥٧، للباحث الشهير ف.كروس.. وما ورد فى صفحة ٢٥٢ من المجلد الرابع من (الموسوعة الكاثوليكية الجديدة) تحت عنوان «المسيحية القبطية» للباحث المصرى إسكندروس حبيب إسكندر «مطران أسيوط، المتوفى سنة ١٩٦٤» وفى كليهما نقرأ ما ترجمته:

    «بعد مجمع خلقيدونية (سنة ٤٥١ ميلادية) رفض الأساقفة الذين اجتمعوا حول البطرك ديسقورُس، الاعتراف بالبطرك الخلقيدونى الملكانى بروتيريوس، وقاموا من بعد وفاة ديسقورُس بانتخاب بطرك آخر من بينهم، هو (تيموثيوس) القط – أو ابن عرس – وهو لقب أطلقه عليه أعداؤه، لضآلة حجمه وقصر قامته. وفى اليوم الذى كان البطرك بروتيريوس يحتفل فيه بشعائر الأسبوع المقدس (أسبوع آلام المسيح) فى الكاتدرائية، بالإسكندرية، هجم تيموثيوس ومعه أتباعه من العوام المتمردين على الكاتدرائية.

    حتى إن بروتيريوس احتمى بمكان المعمودية المقدس، إلا أن ذلك لم يجده نفعاً! إذ قام تيموثيوس ومن معه، بذبحه (وفى رواية أخرى: بشنقه) على مرأى ومسمع من الناس. ثم جلس تيموثيوس على كرسى بروتيريوس، وأعلن نفسه بطريركاً لمصر، إلا أنه تمَّ حَرْمه (طرده من حظيرة الإيمان) كنسياً، ثم نفيه إلى الأناضول بمرسوم من الإمبراطور ليو الأول، واستُبدل بروتيريوس ببطرك ملكانى آخر، هو تيموثيوس الأبيض (سلوفاسياكوس) وكان ذلك سنة ٤٦٠ ميلادية».. انتهى النص، مترجماً عن الإنجليزية.

    وبالمناسبة، فلو كان المجال هنا يسمح، لذكرتُ الآن واقعة مقتل «الجعد بن درهم» على يد الأمير خالد بن عبدالله القسرى (وقد رويتها بالتفصيل فى كتابى: اللاهوت العربى) كى يعرف الذين ينتقدوننى أنهم لا يعرفون، وأن التأسلم والتأقبط واحدٌ، وأن العنف واحدٌ، وسوء المآل واحدٌ، والهمُّ واحدٌ.. فيا ربنا الواحد، ارحمنا من غلبة نفوسنا.

    وفى مقالة الأستاذ رمزى زقلمة، يقول إنه فكَّر فى أن يحرق مكتبته كلها، حين قرأ مقالى (القبطية صناعة عربية إسلامية) ثم رجع بحمد الله عن قراره، وراح بأدبٍ شديدٍ ينتقد كلامى فى مقالة بديعة.. ولسوف أورد انتقاداته، ثم أرد عليها موضحاً بعض الأمور، بما أضعه بين القوسين! يقول: كيف قتل المقوقس عشرين ألفاً فى ميدان محطة الرمل والميدان لم يكن موجوداً آنذاك (أقول: الميدان كان موجوداً، وقد استخدمتُ الاسم المعاصر ليعرفه الناس.

    والاسم القديم للميدان هو «بوكاليا» التى تعنى حرفياً: مرعى البقر! والواقعة مذكورة فى المصادر المشهورة، ومنها كتاب تاريخ الآباء البطاركة، لأُسقف الأشمونين ساويرس بن المقفع).. اللغة القبطية قديمة، وتستخدم حتى اليوم فى الكنائس (أقول: لا يوجد لغة اسمها القبطية، وإنما هى اللغة المصرية العامية، وقد تمت كتابتها بالحروف اليونانية، واستخدمها الإكليروس المونوفيزى فى مصر، نكايةً فى البطاركة الملكانيين).. ماذا تسمى مجىء عمرو بن العاص إلى مصر، فتحاً أم غزواً؟ (أقول: الفتح والغزو واحدٌ فى اللغة العربية وعند أهل الإسلام، ولذلك نقول «غزوات النبى»، فإذا استقر الدين بأرضٍ بعد غزوها، صار الغزو يسمى فتحاً)..

    كان يجب أن تذكر كليماندس، كأحد آباء الكنيسة القبطية المبكرين (أقول: لم يكن كليمان السكندرى «كليماندس» قبطياً، لا بالمعنى العقائدى ولا القومى، وإنما كان مفكراً سكندرياً مسيحياً استفاد من الفلسفة اليونانية، وكتب باللغة اليونانية، فى مدينة الإسكندرية التى كانت آنذاك يونانية الثقافة).. النبى أرسل كتابه إلى المقوقس (أقول: عندى شكوكٌ كثيرة على هذه القصة، وسوف أشير لها فى روايتى القادمة : النبطى)..

    وأخيراً، يتعجَّب الأستاذ رمزى زقلمة من إشارتى إلى أن «النصرانية» هى تسميةٌ غير دقيقة للمسيحيين. وقد تلقيت رسائل كثيرة من إخوة مسلمين، تعجَّبوا أيضاً من هذه الإشارة. ولتوضيح الأمر لهؤلاء جميعاً، أقول :

    النصرانية كلمةٌ قرآنيةٌ، وقد استخدمها المسلمون الأوائل فى معرض التفرقة بين (الكنائس) المسيحية فى زمانهم، فقالوا لمسيحيى مصر «الأقباط» ولمسيحيى الشام والعراق «النصارى» ولمسيحيى بيزنطة وأوروبا «الروم».. ولكن حقيقة الأمر فى هذه التسمية ودلالتها، هو ما نراه بوضوح فى الطبعة الثانية من (معجم الحضارات السامية) صفحة ٨٤٧، حيث نقرأ ما يلى:

    أُطلق هذا الاسم على المسيحيين الأول نسبة إلى يسوع الناصرى (أى الذى من الناصرة)، ثم أصبح له خلال القرون الميلادية الخمسة الأول استعمالان مختلفان، وكان اليهود يُطلقون اسم الناصرى على يسوع المسيح عينه، واسم النصارى على الذين يؤمنون به.

    أما المسيحيّون فكانوا يُطلقون هذا الاسم على جماعة من اليهود/ المسيحيين، هم أقل ابتعاداً عن الأرثوذكسية اليهودية من الإبيونيين، إلا أن آباء الكنيسة الأول اعتبروهم من الهراطقة. وكان النصارى يتقيَّدون بتعليمات العهدين القديم والجديد معاً، ويتمسّكون بالختان والمعمودية، ويُقدّسون يومىْ السبت والأحد، ويقيمون الفصح اليهودى والفصح المسيحى، ويكرّمون موسى والمسيح.

    وكان المعتدلون منهم يؤمنون بولادة المسيح من البتول مريم وبكلمة الله. أما فيما يتعلق بصلب يسوع فإنهم يقولون إن الروح القدس حَلَّ عليه فأصبح المسيح، وفارقه على الصليب فلم يعد مسيحاً، ومات بصفته الإنسانية. ويقول آخرون إن «سمعان» شُبّه بالمسيح وصُلب بدلاً عنه، بينما ارتفع هو حياً إلى الذى أرسله. وكان النصارى يُنكرون ألوهية المسيح وعقيدة الثالوث الأقدس، ويحرِّمون الخمر ولحم الخنـزير والتبّنى والصور.. إلخ.

    http://www.almasry-alyoum.com/articl...ticleID=231057

    تعليق


    • #3
      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      بسم الله الرحمن الرحيم
      شكرا اخى احمد على مجهودك

      تعليق


      • #4
        جزاكم الله خيرا
        إستوقفتنى آية ( ليشارك الجميع ) -- أستوقفنى حديث رسول الله ... متجدد

        من كلمات الإمام الشافعى رحمة الله عليه
        إن كنت تغدو في الذنوب جليـدا ... وتخاف في يوم المعاد وعيــدا
        فلقـد أتاك من المهيمن عـفـوه
        ... وأفاض من نعم عليك مزيــدا
        لا تيأسن من لطف ربك في الحشا
        ... في بطن أمك مضغة ووليــدا
        لو شـاء أن تصلى جهنم خالـدا
        ... ما كان أَلْهمَ قلبك التوحيـدا
        ●▬▬ஜ۩۞۩ஜ▬▬●
        أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ
        ●▬▬ஜ۩۞۩ஜ▬▬●

        تعليق


        • #5
          اظن ان مقالات دكتور زيدان صعبة جداعلى نفسية النصارى خاصة بعد ان ذكر بعد مقاطع من كتابهم المكدس فى اخر مقالات له فى جريدة المصرى اليوم
          خاصة الاعداد التى توضح ان دين النصارى ليس دين المحبة كما يزعمون
          لقد قرأت له احدى تلك المقالات فوجدته ياتى بأعداد من كتابهم تفضح تلك المحبة المزعومة فأحببت ان اقرأالتعليقات فما وجدت نصرانى الا وهو محروق من ذلك تلك الكلمات فى المقالة وهجوم قذر بعيد كل البعد عن الادب
          لا اله الا الله محمد رسول الله

          وليس في إسلامنا ما نخجل منه، وما نضطر للدفاع عنه، وليس فيه ما نتدسس به للناس تدسساً، أو ما نتلعثم في الجهر به على حقيقته ،ونحن لا ندعو الناس إلى الإسلام لننال منهم أجراً. ولا نريد علوّاً في الأرض ولا فساداً. ولا نريد شيئاً خاصاً لأنفسنا إطلاقاً، وحسابنا وأجرنا ليس على الناس. إنما نحن ندعو الناس إلى الإسلام لأننا نحبهم ونريد لهم الخير، مهما آذونا..

          تعليق


          • #6

            بسم الله الرحمن الرحيم
            السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
            مقالات رائعة من مفكر مبدع ، بارك الله فيك يا دكتور زيدان.

            تعليق

            مواضيع ذات صلة

            تقليص

            المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
            ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, منذ أسبوع واحد
            ردود 0
            26 مشاهدات
            0 معجبون
            آخر مشاركة *اسلامي عزي*
            بواسطة *اسلامي عزي*
             
            ابتدأ بواسطة زين الراكعين, منذ 4 أسابيع
            ردود 0
            25 مشاهدات
            0 معجبون
            آخر مشاركة زين الراكعين  
            ابتدأ بواسطة زين الراكعين, 9 مار, 2024, 05:43 م
            ردود 0
            58 مشاهدات
            0 معجبون
            آخر مشاركة زين الراكعين  
            ابتدأ بواسطة زين الراكعين, 5 مار, 2024, 10:20 ص
            ردود 3
            46 مشاهدات
            0 معجبون
            آخر مشاركة زين الراكعين  
            ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 23 ينا, 2024, 11:53 م
            ردود 0
            18 مشاهدات
            0 معجبون
            آخر مشاركة *اسلامي عزي*
            بواسطة *اسلامي عزي*
             
            يعمل...
            X