كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام

تقليص

عن الكاتب

تقليص

نور الهداية مسلمة ولله الحمد اكتشف المزيد حول نور الهداية
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • * نقابة الأطباء تكشف: طائرات الأمم المتحدة تزود الصوماليين بالأسلحة (1):
    كشف وفد نقابة الأطباء الثاني، الذى عاد من الصومال مؤخرًا، عن قيام طائرات الأمم المتحدة بتزويد القوى المتحاربة في الصومال بالأسلحة والمعدات الثقيلة.
    شاهد وفد النقابة أثناء وجوده في الصومال في مهمة إنسانية، طائرات الأمم المتحدة وهي تلقي بالأسلحة والبنادق الآلية والذخائر والقنابل إلى الفصائل المتحاربة في الصومال.
    أضاف وفد النقابة أن أمريكا هي التي زودت طائرات الأمم المتحدة
    __________
    (1) "جريدة النور المصرية" 16/ 12/1992.
    (2/394)
    بالسلاح حتى تدخل الصومال تحت شعار الرحمة الإنسانية، لتطوق العالم الإسلامي.
    من ناحية أخرى كشف الوفد الطبي عن عمليات النهب والسرقة من جانب قوات الأمم المتحدة، حيث تقوم هذه القوات بالاستيلاء على الأغذية والأدوية وكافة إمدادات الإغاثة.
    بسرعة يتحسر عليها أبناء البوسنة في مواجهة مجازر الصليب فيهم، صدر القرار 794 الذي أجاز بموجبه مجلس الأمن التدخل العسكري الأمريكي السافر في الصومال، تحت غطاء إنساني يحمل اسم عملية "إعادة الأمل".
    وبموجب هذه الإجازة التآمرية، انتشرت قوات المارينز (أكثر من 30 ألف جندي) "جاءوا تحت مظلة بيت صهيون "الأمم المتحدة" وبموافقة القديس بيتر رسول السلام الصليبي الجالس على كرسي الطاغوتية الدولية الأزرق بعد مبادرة واتصالات أجراها بطرس بنفسه مع 12 رئيسًا ومسئولاً دوليًّا، تجاوزت هذه العاصفة الأمريكية أهدافها الإنسانية المعلنة".
    - وكما تقول الكاتبة الصومالية راكيا عمار المديرة التنفيذية لمنظمة أفريكا روتش والكاتب إليكس ديوعال المدير المساعد لمنظمة أفريكاروتش "أي مسئول (1) يتحمّل مسئولية السماح بحدوث المجاعة معرّض لاحتمال الترقية وليس الإدانة إن هذه فضيحة" (2).
    - ربما يكون ربع أطفال الصومال قد ماتوا هذا العام، وعدد مماثل يواجهون الموت الوشيك جوعًا، وكان هذا الأمر متوقعًا منذ العام الماضي
    __________
    (1) من مسئولي الإغاثة في الأمم المتحدة العاملين بالصومال والذين نهبوا مواد الإغاثة.
    (2) صحيفة الاتحاد القطرية 28/ 8/1992، نققلاً عن صحيفة لوس أنجلوس تايمز.
    (2/395)
    (1991 م) من قبل وكالات إغاثة مجربة وعلى دراية بمجريات الأمور، وبالذات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وصندوق إنقاذ الأطفال، واليونيسيف، وبرنامج الغذاء العالمي، وآخرين (1) للعمل بسرعة على تجنب وقوع الكارثة، لكن تلك الوكالات لم تفعل شيئًا، ووقعت الكارثة كما كان متوقعًا.
    وليس ثمة مبررات ولا أعذار لوكالات وهيئات المنظمة الدولية تحول بينها وبين البدء في العمل الإنساني في الصومال. لقد كان المال متوفرًا، لكنهم اختاروا عدم إنفاقه.
    وأسوأ ما في الأمر، أن هذه ليست المرة الأولى، فكل عامل إغاثة مجرب يمكنه أن يسرد حكايات مروعة عن العجز والتردي وحتى الفساد الذي تعاني منه وكالات الأمم المتحدة، وليس هذا سوى مأساة في طابور طويل من المآسي المماثلة.
    إن الناس لن يطالبوا فقط باتخاذ الإجراءات الفورية لإنقاذ حياة الأطفال الباقين على قيد الحياة، وإنما كذلك بإجراء تحقيق عام في الخطأ الذي وقع، وطرد أو محاكمة الأطراف المخطئة" (2).

    * الخلاف بين عصمت عبد المجيد وبين غالي بسبب الصومال:
    تفجرت الأوضاع بين دكتور بطرس غالي والدكتور عصمت عبد المجيد الأمين العام للجامعة العربية، بسبب موقف كل منهما من هذه المشكلة، فالدكتور غالي يصرّ على ضرورة حل الأزمة عن طريق الأمم المتحدة فقط، فيما يرى الدكتور عبد المجيد أن يأتي الحل من خلال الجامعة مع إمكانية اشتراك الأمم المتحدة كطرف مساعد وليس رئيسيًّا.
    __________
    (1) كالمنظمات التنصيرية أو الكنائس الدعوية.
    (2) صحيفة الاتحاد القطرية 28/ 8/1992 نقلاً عن صحيفة لوس أنجلوس تايمز.
    (2/396)
    وقد علمت "المجلة" أن عدد كبيرًا من الفصائل الصومالية وافق على حضور مؤتمر المصالحة التمهيدي في الوقت الذي تحدده الجامعة العربية، كما أعلنت جماعة عيديد رفضها حضور أي مؤتمر مصالحة أو حوار تدعو إليه الأمم المتحدة، والتنسيق الدائم مع أمانة الجامعة العربية في أي خطوات تقرر اتخاذها. وأكدت مصادر الجامعة العربية أن التعليمات قد صدرت إلى ممثل الجامعة في الأمم المتحدة برفض جميع أشكال التنسيق والتشاور مع الأمم المتحدة وأمينها العام فيما يختص بحل الأزمة الصومالية (1).

    * إِعلانهم الوقح عما يريدون:
    لقد كتب (مايكل كلان) من مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن في صحيفة لوس أنجلوس تايمز (عدد 8/ 12/1992) يقول صراحة:
    "إن الخطوة الأمريكية الراهنة تفتح الباب لاحتمال عودة الاستعمار من جديد إلى أفريقيا، ولكن بوجه إنساني هذه المرة، وهو احتمال يراه قويًا".
    "لا سيما أن هناك في الغرب شبكات واسعة من المنظمات الكنسية والخيرية التي يمكن أن تصبح مماثلة لجمعيات التنصير ومحاربة الرقيق التي شهدها القرن التاسع عشر، ومن المحتمل أن ينشأ تحالف شاذ غريب بين تلك المنظمات والمؤسسة العسكرية الأمريكية، التي تبحث عن مهمات دولية جديدة لتبرير تدخلها".
    - إن التنصير وجاذبية المعادن الثمينة مثل الذهب واليورانيوم في أرض الصومال هي التي دفعت الأمريكيين والأوربيين إلى التدخل في الصومال، وقد جرت تغطية هذا الجانب المشع باعتبارات إنسانية وهي إغاثة أطفال الصومال فماذا كانت النتيجة؟ النتيجة موت ربع أطفال الصومال جوعًا، ومد
    __________
    (1) مجلة "المجلة" - القاهرة - 17/ 11/1992 م.
    (2/397)
    الفصائل المتصارعة بالسلاح عن طريق الأمم المتحدة وأمينها الصليبي الغالي في صليبيته لقد قامت أمريكا بدورها الصليبي في مأساة الصومال.
    - واخترقت القارة الأفريقية التي لم يكن للولايات المتحدة وجود عسكري على أرضها لاستلاب المعادن من أرض الصومال، وحصار المد الإسلامي الذي ظهر في المنطقة خصوصًا بعدما برز دور "جماعة الوحدة الإسلامية" في شمال الصومال، التي سيطرت على بلدة (بوساسو) وإدارة مينائها المطل على خليجي عدن، والضغط على النظام القائم في السودان عن طريق تهديده باحتمالات تدخل مماثل في جنوبه، فضلاً عن إبطال مفعول النفوذ السوداني المتزايد في شرق أفريقيا.

    * رئيس جمهورية قبرص الشمالية المسلمة يفضح بطرس غالي الصليبي
    ويقول: "بطرس طلب مني التنازل عن مدينة كاملة للنصارى":
    أعلن رءوف دنكتاش رئيس جمهورية قبرص الشمالية المسلمة أنه لا مجال لمساومة المسلمين في قبرص على شبر واحد من أرضهم. وأن شعب قبرص المسلمة مستعد لكافة الاحتمالات جاء ذلك ردًّا على دعوة الأمين العام للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي الذي دعا دنكتاش للاجتماع في نيويورك مع الرئيس الجديد لقبرص الجنوبية النصرانية.
    ويقول دنكتاش: إن الدكتور بطرس قدم مشروعًا يقضي بتنازل القبارصة المسلمين عن مدينة (جوزيل يورت) بكاملها للقبارصة النصارى بدعوى أن هذه المدينة نصرانية. كما اقترح بطرس على الرئيس دنكتاش أن تدفع له قبرص الجنوبية تعويضات مادية إذا ما تنازل عن هذه المدينة.
    ويرى المراقبون أن بطرس غالي من خلال مشروعه هذا يقوم بدور السمسار ولا يبحث عن حل يرضي طرفي النزاع كما أنه بذلك يهدف إلى
    (2/398)
    تغليب الطرف الأرثوذكسي على الطرف الإسلامي في قبرص.
    ويذكر أن مدينة (جوزيل يورت) تعتبر موقعًا استراتيجيًّا مهمًا وتوصف بأنها أجمل المدن القبرصية.
    وفي تطور آخر طالبت أحزاب المعارضة التركية لحضور ما أسموه بمسرحية الدكتور غالي (1).

    * أحزان كشمير على يد بطرس اللئيم:
    بقلم د. عبد القادر طاش - رئيس تحرير صحيفة "المسلمون"
    من الحقوق التي أقرها القانون الدولي حق تقرير المصير للأمم والشعوب، وقد استفادت أمم كثيرة من هذا الحق فنالت استقلالها وأقامت دولاً وكيانات يعترف بها المجتمع الدولي، ولكن يبدو أن المسلمين هم الوحيدون في هذا العالم الذين لا ينطبق عليهم دائمًا هذا الحق!
    والشواهد التي تؤكد ذلك كثيرة، ولكن أبرزها وأشدها مفارقة هو ما يعانيه الشعب الكشميري المسلم في ظل العنف الطائفي الهندي المستمر الذي ينتهِك صباح مساء، أدنى حقوق الإنسان في ذلك البلد المنكوب.
    أما وجه المفارقة فهو أن منظمة الأمم المتحدة -وهي المنوط بها حماية الحقوق التي أقرها القانون الدولي- لا تزال تتباطأ في حل القضية الكشميرية، وتحاول التخلي عن مسئوليتها التي تحملتها عام 1947 م عندما أصدرت قرارها الخاص بتقسيم شبه قارة جنوب آسيا الذي ينص على أن:
    "المناطق ذات الأغلبية الإسلامية تنضم إلى جمهورية باكستان الإسلامية على أن تنضم المناطق ذات الأغلبية غير الإسلامية إلى دولة الهند العلمانية".
    __________
    (1) جريدة "المسلمون" (5/ 3/1993).
    (2/399)
    وقد كان طبيعيًّا أن تنضم ولاية جامو وكشمير المسلمة إلى باكستان، وهو ما طالب به حزب مؤتمر مسلمي كشمير الذي كان يعد بمثابة البرلمان الشعبي الكشميري آنذاك، وذلك في 19 يوليو 1947 م.
    كما أن الأمم المتحدة أصدرت قرارًا آخر حول كشمير في 5 يناير 1949 م يقضي بإجراء استفتاء عام بين الكشميريين لتقرير مصير الولاية بين انضمامها إلى الهند أو إلى الباكستان.
    وقد وافقت الهند على إجراء الاستفتاء ولكنها تراجعت عن موافقتها وبدأت تماطل في تنفيذ الاستفتاء، ثم ادعت -دون مسوغ قانوني- أن قضية كشمير قد أصبحت قضية داخلية متجاهلة بذلك قرارات الأمم المتحدة.
    وتبلغ المفارقات ذروتها المأساوية بالموقف العجيب للأمين العام للأمم المتحدة (بطرس غالي) -وما أكثر عجائبه منذ تولى هذا المنصب الدولي! -
    - حيث قال في تصريح له:
    "إن قرارت هيئة الأمم المتحدة غير ملزمة إلا إذا صدرت عن مجلس الأمن استنادًا إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة".
    مع أن البند رقم 34 من ذلك الميثاق ينص على أنه "يحق لمجلس الأمن التحقيق في أي نزاع أو أي وضع ينذر بنشوب نزاع أو خلاف دولي".
    وقضية كشمير هي قضية دولية، وليست قضية داخلية، وقد اتخذت فيها المنظمة الدولية عدة قرارات سابقة، فلماذا يتنصل (بطرس غاني) من مسئولية الأمم المتحدة في قضية واضحة المعالم؟!
    إن كشمير قد أصبحت ولاية إسلامية منذ أسلم ملكها البوذي (رينجن شافي) عام 1220 م، ولكن طائفة (السيخ) الهندية استولت على الولاية عام 1918 م، ثم سيطر عليها الاستعمار البريطاني الذي قام ببيع كشمير -وكأنها
    (2/400)
    سلعة يتاجر فيها- إلى طائانه (الدوجرة) الهندوسية بمبلغ سبعة ملايين ونصف المليون روبية ..
    "أي أن سعر المواطن الكشميري لم يتجاوز سبع روبيات".
    وهو ما يعادل ثلث الدولار الأمريكي!!
    وقد سميت هذه الصفقة المخزية باتفاقية (امرتسار)، وهي صفقة غير قانونية، لأن البائع فيها هو المحتل الذي لا يملك الأرض التي باعها؛ ولأن الشعب الكشميري وهو صاحب الحق لم يستشر في هذه الصفقة، بل إن هذا الشعب المجاهد عبر عن رفضه للخضوع للملك الهندوسي عندما انطلقت حركة تحرير كشمير عام 1931 م.



    ولما اشتدت مقاومة المسلمين للحكم الهندوسي الظالم اضطر الملك الهندوسي (هري سنغ) إلى الفرار، حيث قدم للحاكم العام للهند طالبًا للموافقة على انضمام الولاية إلى الهند، وهو أمر مرفوض وغير قانوني، إذ لا يملك الحاكم الهندوسي الحق في بيع كشمير مرة أخرى إلى الهند، فهو لم يكن حاكمًا شرعيًا للولاية.
    كما أن الشعب الكشميري كان غائبًا عن الصفقة، بل عبر عن رفضه مرة أخرى لهذه الصفقة وواصل جهاده ضد الاستعمار الهندي منذ أول يوم وحتى الآن.



    لقد تحولت كشمير التي كانت تسمى "جنة الله في الأرض" إلى سجن كبير لشعب أعزل يبلغ تعداده 12 مليونًا (85% منهم مسلمون).
    ويمارس الهنود على مرأى ومسمع من العالم أجمع أبشع ألوان الظلم والقتل والإبادة. وتنقل بعض المصادر الصحفية إلى العالم تقارير مفجعة وصورًا مأساوية لما يجري لأبناء الشعب الكشميري المسلم في السجن الكبير.
    (2/401)
    فقد نقلت صحيفة "تورنتو صن" الكندية عن مراسلها في سرينجار -عاصمة كشمير- أن إحدى فرق القوات الهندية قامت مؤخرًا باقتحام قرية "كونن بوشبورا" فاعتقل أفرادها كافة الرجال في القرية، ووضعوهم في أحد معسكرات التحقيق وأخضعوهم للضرب والتعذيب لعدة ساعات، ثم عاد جنود تلك الفرقة إلى القرية واقتحموا البيوت وقاموا باغتصاب النساء بما فيهن كبار السن والفتيات اللاتي لا تزيد أعمارهن على عشر سنوات!!.
    ويتعاون الجيش الهندي النظامي مع المنظمات الهندوسية المتطرفة لقمع انتفاضة الشعب الكشميري المسلم ضد التسلط الهندي.
    إن هذه الصورة الدامية: ما هي إلا واحدة من سلسلة طويلة من الصور التي تتكرر يوميًّا.
    وما تقدمه بعض وسائل الإعلام من صور وأخبار عن هذه المأساة، ليس إلا غيضًا من فيض، وهو -على محدوديته- يدفي القلب ويثير الغضب ..
    ومع كل ذلك فلا تزال المأساة تتوالى فصولها دون أن يحرك ذلك ساكنًا، فهل كتبَ على المسلمين أن يعانوا في صمت. وأن يكتموا أحزانهم إلى ما لا نهاية (1).
    مسلسل من الحقد الصليبي أفرزه بطرس (بيتر) غالي لكل قضية أساء فيها إلى الموحدين كل الإساءة .. {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}.

    * وأخيرًا:
    أقول للذين يحاولون أن يثيروا الشبهات حول الإسلام، إنهم كمثل
    __________
    (1) "بطرس بيتر غالي" (ص 213 - 216).
    (2/402)
    الذين يحاولون أن يثيروا التراب على السماء، فلسوف يثيرونه على أنفسهم، وتبقى السماء هي السماء ضاحكة السن بسّامة المحيا. والله تعالى يقول لهم ولأمثالهم إلى يوم القيامة {قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ}

    تباركت وتعاليت فإنهم في غيهم يعمهون وفي غيّهم يترددون {وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [هود: 121 - 123].



    ما يضرُّ البحر أمسى زاخرًا ... أن رمى فيه غلام بحجرْ
    أو:
    وما ضرّ الورود وما عليها ... إِذا المزكوم لم يطعم شذاها (1)
    ***
    __________
    (1) انظر "كلمتنا في الرد على أولاد حارتنا" (ص 349) للشيخ عبد الحميد كشك.



    ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

    تعليق


    • (2/403)
      صليبيون حتى النخاع قد بدت البغضاء من أفواههم
      (2/405)
      صليبيون حتى النخاع قد بدت البغضاء من أفواههم
      من أصدق من الله قيلا؟! ومن أصدق من الله حديثًا؟!
      * قال الله عز وجل وكلام الملوك ملوك الكلام: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ .. } [البقرة: 120].
      * وقال تعالى: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران: 118].
      قلوب سوداء لا تحمل للإسلام إلا التحقير وإثارة الشبهات وخلق أجواء الريبة والاتهامات وهم طوائف مختلفة يجمعهم الحقد الشديد على الإسلام وأهله، هم رُوّاد حركة التغريب وكبار مخططيها وأبرز دعاتها الذين حملوا لواء العمل في ميادين التبشير والاستشراق والكتابات السوداء عن الإسلام منهم الحكام: ككرومر وليوتي، ومنهم دعاة التبشير أمثال لافيجري وزويمر وولكوكس، ومنهم كتّاب متعصبون للجنس الأبيض أمثال دوق داركور وهانوتو، ولويس برتران وفولتير، ومنهم مشرفون على التعليم في البلاد المستعمرة أمثال دنلوب، ومستشرقون أمثال فنسك ولويس شيخو، وهنري لامنس ومرجليوث ورينان.
      وهذه المجموعة تضم الفرنسيين والإنجليز وغيرهم رابطة العقد بينهم القضاء على مقومات هذه الأمة عن طريق إثارة الشبهات في ثقافتها وفكرها وعقيدتها، ولقد تصدى لهم وسمهم الزعاف رجالات الإسلام مَنْ دينهم أغلى عندهم من الحياة وما فيها حملوه في سويداء قلوبهم يعطرها وينقلهم
      (2/407)
      إلى الحياة الآخرة ونعيمها وهم ما بعد في دار الدنيا، فكشفوا زيف هؤلاء الدجاجلة وفندوا أخطاءهم وادعاءاتهم وكشفوا شبهاتهم .. التي ما زال العبيد والأقزام وأذناب الغرب يضعونها أمام عوام المسلمين لزعزعتهم عن دينهم ..

      ومكر صبيان الغرب الذين يصدق فيهم قول القائل:

      يرمرم من فتات الكفر قوتًا ... ويشرب من كئوسهم الثمالهْ
      يقبل راحة الإِفرنج دوما ... ويلثم دونما خجل نعال

      ومكر أولئك هو يبور .. ويبقى الإسلام بنوره وبهائه وأصالته وجذوره القوية وكلماته الطيبة وعقيدته الصافية النقية .. تزول الدنيا بأسرها ولا يزال الإسلام بتعاليمه من صدور أبنائه ومحبيه ما بقيت الدنيا.

      لا تهيىء كفني يا عاذلي ... فأنا لي مع الفجر مواثيقٌ وعهد
      وها هم حملة السموم والحقد الواضح لا الدفين الذى تطفح به مواقفهم وكتاباتهم (1).

      * فولتير وتعصبه الفجَّ وتطاوله على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في "تمثيلية محمد":
      أصدر الكاتب الفرنسي المشهور بحرية الرأي (فولتير) عام 1745 م تمثيلية أسماها "محمد والتعصب"، وأهداها إلى البابا في محاولة جريئة تكشف عن حقيقة دعوى حرية الفكر عنده، وقد واجه (توفيق الحكيم) هذه القصة فقال:

      قرأت قصة فولتير التمثيلية (محمد) فخجلت أن يكون كاتبها معدودًا في أصحاب الفكر الحر، فقد سب فيها النبي سبًا قبيحًا عجبت له وما أدركت له علة، لكن عجبي لم يطل فقد رأيته يهديها إلى البابا بنوا
      __________
      (1) هذا الفصل هو تلخيص لكتابات الأستاذ أنور الجندي في معظم أماكنه وبالأخص كتابه "مقدمات العلوم والمناهج" (1/ 246 - 307) وكتابه "الفكر الإسلامي والثقافة الغربية المعاصرة" (ص 95 - 157).
      (2/408)
      الرابع عشر. وعلمت أن روسو كان يتناول بالنقد أعمال فولتير التمثيلية فاطلعت على ما قال في قصة (محمد) علّني أجد ما يرد الحق إلى نصابه فلم أر هذا المفكر الحر أيضًا يدفع عن النبي ما ألصق به كذبًا، كأن الأمر لا يعنيه، وكأن ما قيل في النبي لا غبار عليه ولا حرج منه، ولم يتعرض للقصة إلا من حيث هي أدب وفن، وقد قرأت بعد ذلك رد البابا بنوا على فولتير فألفيته ردًّا رقيقًا كيسًا لا يشير بكلمة واحدة إلى الدين، وكله حديث في الأدب، فعظم عجبي لأمر فولتير وسألت نفسي طويلاً: أيستطيع عقل مثقف كعقل هذا الكاتب العظيم أن يعتقد ما يقول، دين يتبعه آلاف الملايين من البشر، على مدى الأجيال، هو في نظره حقًّا دين كاذب، ومبادئ إنسانية كالتي جاء بها الإسلام هي عنده حقًّا مبادئ بربرية، أم أنه التملق والزلفى والنفاق، وأن الزمن والتاريخ يضعان أحيانًا أقنعة زائفة على نفوس تزعم أنها خلقت للدفاع عن حرية الفكر.
      منذ ذلك اليوم وأنا أحس كأني فجعت في شيء عزيز لدي: الإيمان بنزاهة الفكر الحر، ولقد كنت أحيانًا ألتمس الأعذار لفولتير وأزعم أنه قال ما قال لا عن مجاملة أو ملق، بل عن عقيدة، وحسن طوية استنادًا على علم خاطئ بأخبار النبي، ولكن كتابه إلى البابا كان يتهمه اتهامًا صارخًا، ولا يدع مجالاً للشك في دخيلة أمره، إني قرأت لفولتير كتبًا أخرى كانت تكشف عن آراء حرة حقًّا في مسائل الأديان وتنم عن روح واسعة الآفاق تكره التعصب الذميم فما باله عندما عرض لذكر "محمد والإسلام" كتب شيئًا هو التعصب بعينه، تعصب لدينه ذهب فيه إلى حد السجود وتقبيل الأقدام، لا لرب العزة والخلق، بل لبشر هو رئيس الكنيسة التي ما أرى أن فولتير كان ذات يوم من خدامها المخلصين.
      وإنما هي الأطماع التي كانت تدفع فولتير -فيما أرى- إلى التمسح بأعتاب
      (2/409)
      الملوك والبابوات، ولقد يقدم ثمنًا لذلك أفكاره الحرة أحيانًا، منذ ذلك الحين وفولتير عندي متهم، ولن أبرئه أبدًا، ولن أعده أبدًا من بين أولئك العظام الذين عاشوا بالفكر وحده، وللفكر، وأحسب أن التاريخ العادل سوف يحكم عليه هذا الحكم، فينتقم للحق بما افتراه على نبي كريم ظلمًا وزورًا.
      على أن الذي يدعو إلى الدهش أكثر من كل هذا أن الشرق والإسلام وقفا من هذا الأمر موقف النائم الذي لا يعي ولا يشعر بما يحدث حوله، فلم نر كاتبًا من كتاب الإسلام قام في ذلك الوقت يدفع عن دينه هذا الهراء الذي قاله فولتير، ويقذف في وجه هذا الكتاب بالحقائق الباهرة القاطعة، أو أن مؤلفًا وضع كتابًا يبرز فيه شخصية النبي الخيرة العظيمة واضحة جلية، لقد كان الشرق في ليل هادئ بهيم لم تثر فيه حركة فولتير يومئذ ساكنًا.
      ولكن الأمر قد تغير اليوم ولاحت في أفق الشرق خيوط الفجر، وقام في هذا القرن كتاب يمجدون عقيدتهم وهم يعلمون أن ذلك تمجيد للحق وللشرق، فإن المسألة ليست مسألة دين فقط، وإنما هي مسألة جنس وقومية (1)، وإذ تقول أوروبا "الإسلام" قائمًا تعني في غالب الأحيان "الشرق" إن الحرب الصليبية لم تكن في حقيقتها إلا حرب الغرب على الشرق (2)، وهذا المد والجزر بين الغرب والشرق يفهمه مفكرو الأوربيين تمام الفهم، ويحسبون له الحساب فالدفاع عن شخصيتنا وعقيدتنا دفاع عن حياتنا.

      * كرومر وكتابه (مصر الحديثة) وتغريب الفكر الإِسلامي:
      يعد افيلنج بارنج (كرومر) من كبار دعاة التغريب والاستعماريين في العالم الإسلامي وواحدًا من الذين وضعوا مخطط السياسة التي جرى عليها
      __________
      (1) لا للجنس ولا للقومية وإنما الدين والدين فقط.
      (2) هي حرب الكفر على الإسلام.
      (2/410)
      الاستعمار ولا يزال، في محاولة القضاء على مقومات العالم الإسلامي والأمة العربية جزء منه، والإيمان بأن هذا العمل الفكري هو أهم الأعمال القادرة على دعم نفوذ الاستعمار وتركيز قوى الغرب في قلب المنطقة، وتمثل كتاباته في تقاريره وفي كتابه "مصر الحديثة" خطة عمل كاملة، وأيدلوجيا شاملة للقضاء على مقومات الفكر العربي الإسلامي وتمزيق وحدة العالم الإسلامي، ومقاومة القيم والمفاهيم العربية والإسلامية.
      ولقد أمضى لورد كرومر في مصر ما لا يقل عن ربع قرن قابضًا على زمام السلطات (1882 - 1906) وأتيح له من قبل أن يمضي وقتًا في الهند، درس في خلالها مناهج الاستعمار البريطاني هنالك، وقد عمل أول أمره في مصر مندوبًا في صندوق الدين المصري 1877، ثم ما لبث أن عين بعد الاحتلال البريطاني مباشرة مندوبًا ساميًّا، ومعتمدًا لبريطانيا، ويهمنا في هذه الدراسة أن نتناول آثاره في مجال الفكر العربي الإسلامي ومخططه الذي سار عليه من بعده كل دعاة التغريب والذي اتخذته منظمات التبشير ومعاهد الإرساليات وكل من اشترك في مخطط العمل (دستورًا) من أجل تأكيد النفوذ الأجنبي عن طريق الفكر.


      - وقد تبلورت حملات كرومر في نقاط هامة قليلة:
      1 - إثارة الشبهات حول الإسلام، وذلك بالادعاء بأنه دين مناف للمدنية ولم يكن صالحًا إلا للبيئة والزمان اللذين وجد فيهما.
      2 - أن المسلمين لا يمكنهم أن يرقوا في سلم الحضارة والتمدن إلا بعد أن يتركوا دينهم وينبذوا القرآن وأوامره ظهريًا؛ لأنه يأمرهم بالخمول والتعصب، ويبث فيهم روح البغض لمن يخالفهم والشقاق وحب الانتقام وأن المانع الأعظم والعقبة الكئود في سبيل رقي الأمة هو: القرآن والإسلام.
      3 - إن الإسلام يناقض مدنية هذا العصر من حيث المرأة والرقيق وأن
      (2/411)
      الإسلام يجعل المرأة في مركز منحط.
      4 - الطعن في شريعة الإسلام وسياسته ومعاملاته.
      5 - أن الشاب المصري المسلم أثناء ممارسته التعليم الأوربي يفقد إسلامه، أو أفضل قسم منه ويقطع حبل المرساة الذي يربطه بمرفإ إيمانه. وأن الشبان الذين يتلقون علومهم في أوربا يفقدون صلتهم الثقافية والروحية بوطنهم، ولا يستطيعون الالتجاء في نفس الوقت إلى البلد الذي منحهم ثقافته، فيتأرجحون في الوسط ويتحولون إلى مخلوقات شاذة ممزقة نفسيًّا.
      6 - هاجم القرآن، وقال: إنه ينافي العمران وهاجم الإسلام؛ لأنه أباح الطلاق، وأنه حرم الربا والخمر.
      7 - قال: إن الإسلام خال من التسامح ويغلب عليه التعصب، وأنه يغرس في العقول الانتقام والكره اللذان يجب أن يكونا أساسًا للعلاقات بين الرجل والمرأة بدلاً من المحبة والإحسان.
      8 - دعا إلى إطلاق الحرية للمرسلين والمبشرين في مصر والسودان، وأن ينشئوا مدارسهم، وضمن تقاريره إحصائيات عن أعمال التبشير في جنوب السودان وفي تقريره عام 1904 أعلن أنه كتب إلى جمعية تبشيرية إنكليزية يحضها على بعث مرسليها إلى جنوب السودان، وقال: إن جنوب السودان سكانه وثنيون، وإن اتصالهم بالمسلمين إنما يذكرهم بفضائح الدراويش والنخاسين من العرب، وطالب بأن يتاح للمرسلين في أن ينشئوا مدارس في الخرطوم ويدخلوا ما شاءوا من التعاليم الدينية، وقال: إن أعمال المبشرين في الجنوب (جنوبي كودوك - فاشوده) سائرة سيرًا مستمرًا، وقال: إنه لم يطلب منه حتى الآن أي ترخيص لإنشاء مدارس في جنوب السودان تعلم فيها فرائض الإسلام.
      9 - دعا إلى خلق طبقة من المتفرنجين المستغربين من الوجهة الأوربية،
      (2/412)
      والمدنية الحديثة، وقال: إن هؤلاء جديرون بكل تنشيط ومعاونة يمكن أن تعطى لهم، وقال: إن هؤلاء هم حلفاء الأوربي المصلح ومساعدوه، وسوف يجد محبو الوطنية المصرية أحسن أمل في ترقي أتباع الشيخ محمد عبده، للحصول على مصر مستقلة بالتدريج.
      وهذه النصوص المنقولة من كلمات كرومر تمثل جماع ما دعا إليه المبشرون والمستشرقون دعاة التغريب والشعوبيون وما يزالون يدعون إليه حتى الآن، وهي مجموعة من الأكاذيب المنبعثة من التعصب واستخدام سلاح الشبهات للقضاء على مقومات الأمة وقيم فكرها، بعد أن تأكد الاستعمار والنفوذ الأجنبي من أن هذه المقومات هي مصدر القوة في العالم الإسلامي لمقاومة كل ضغط أجنبي.
      وقد استهدفت هذه الحملة أساسًا قتل روح المقاومة والحملة على الاستعمار وخلق روح تدعو إلى تقبله والرضا به والاستسلام له، على أساس أنه أمر لا يمكن مقاومته، ومن المصلحة الانتفاع بالمستعمرين وقبول فكرهم وحضارتهم، وتقبل الحرية والاستقلال على مراحل، وهذا التيار الذي دُعي فيما بعد بتيار التعقيل أو الالتقاء مع الإنجليز في منتصف الطريق، وقد ارتفع هذا الصوت في السنوات الأخيرة لكرومر، وحاول خلق فلسفة قوامها تقبل الاستعمار وصداقته وعدم معارضته، وذلك بتصوير الاحتلال على أنه حقيقة واقعة، وكانت حجة دعاة هذه المعركة التي تعد خطوات التغريب والشعوبية القائمة الآن في العالم الإسلامي امتدادًا لها، كانت حجة هذه الحركة في (الاعتدال)، أو التعقيل على أساس فهم سلبي قوامه أن التخلص من الاحتلال يحتاج إلى قوة ليست موجودة لدى المصريين، وأن الدعوة إلى مقاومة الاستعمار هو إنفاق للوقت فيما لا طائل تحته، وما دام الإنجليز هم الذين يمسكون زمام الأمور وحدهم فلا سبيل إلى الإصلاح إلا بمصادقتهم
      (2/413)
      والتفاهم معهم وقبول ما يتنازلون عنه.


      وقد أشاد كرومر بهذه الدعوة التي حمل لواءها لطفي السيد في الجريدة. ومن هنا تعمقت الحملة على الوطنيين وعلى دعاة الجلاء والحرية وعلى أصوات الدعوة المتحمسة وهوجمت أبشع هجوم، وقد حملت هذه الدعوة: الإيمان بالفكر العربي إيمانًا كاملاً ونقله، والتشيع له، وتحقير كل مقومات الفكر العربي الإسلامي ورميه بالضعف والجمود والتخلف،
      كما حملت لواء التقدير لأمثال كرومر ووصفه بالبطولة والإعجاب ببريطانيا وأوربا واعتبارها رأس الأمم العظيمة، وبذلك انحرف ميزان المفاهيم بين القيم الأساسية والمفاهيم المستوردة، وقد أيد كرومر هذا الاتجاه وأطلق عليه اسم (المدرسة) وتمثل هذا الاتجاه في كتابات الجريدة، التي أنشأها الباشوات والإقطاعيون والموالون للإنجليز، وأصبح شعار هذه الدعوة: (الاعتدال، المحاسنة، التعقيل).

      - ثم كان أن اتجه المخطط إلى نهايته في ظل هذه الحركة وكانت الدعوة إلى:
      1 - الإقليمية الضيقة، مصر للمصريين، نحن لسنا عربًا، وليس لنا بالمسلمين أي روابط، ولا دخل لنا في أمورهم ومن هنا لا يجوز لنا أن نشارك في معارك طرابلس التي وقعت مع إيطاليا في سبيل مقاومة الاستعمار.
      2 - التعليم، لا يكون إلا لطبقة معينة من الأمة هي الطبقة الثرية التي تتأهل لولاية الحكم وإن أبناء الطبقات الفقيرة لا يجوز أن يتعلموا إلا (فك الخط).
      3 - اللغة العربية الفصحى هي مصدر التخلف، ولذلك لا بد من تحسين اللغة العامية حتى تصبح لغة الكلام والكتابة معًا.
      (2/414)
      4 - الإنجليز يعملون لتمديننا وحمايتنا، فلا خصومة بيننا وبينهم ولكن مودة وصداقة.
      5 - الوطنية لا تكون اندفاعًا عاطفيًا، ولا ينبغي أن يتعلق بأوهام الإسلامية أو الرابطة العربية وإنما تقوم على سياسة المصالح فمصر أولاً وقبل كل شيء. وبذلك حقق كرومر هدفه في خلق تيار واضح في تعميق دعوته ونشر سمومه وقبول آرائه في ازدراء الفكر العربي الإسلامي واحتقار الإسلام والعروبة واللغة العربية والشك في صلاحية هذه المقومات لبناء أمة أو نهضة.
      فاستطاع أن ينشر هذه الآراء عن طريق صحيفتين: صحيفة لها طابعها العلني في تأييد الاستعمار "المقطم" وصحيفة لها طابعها المصري الغامض "الجريدة"
      وقد مضى كرومر خلال فترة إقامته في مصر إلى آخر المدى في تنفيذ مخططه الاستعماري التغريبي الذي يتركز على عدة أعمال أساسية:
      1 - الحملة على مركز الرابطة التي تجمع العالم الإسلامي وهي السلطنة العثمانية والخلافة والسلطان عبد الحميد وتأييد خصومها وفتح أبواب مصر لهم وإتاحة الفرصة لهم للحملة على الجامعة الإسلامية والخلافة والدولة العثمانية.
      2 - الحملة على الإسلام باعتباره تركيا وباعتبار أن الكيان القائم في تركيا بكل أخطائه ومساوئه هو "الإسلام" والتركيز على الخلافة الإسلامية باعتبارها نقطة الالتقاء للعالم الإسلامي رغبة في القضاء عليها.
      3 - الاتفاق مع فرنسا وتوقيع الاتفاق الودي وذلك حتى لا يجد المصريون مجالاً للحملة على بريطانيا ومقاومة نفوذها، وقد كشف ذلك عن أن الاستعمار ملتق على هدف واحد هو السيطرة على العالم الإسلامي.
      4 - استقدام عديد من الأجانب ومن السوريين واللبنانيين خصوم الدولة العثمانية ليصبحوا (ركائز) في دعم الحكم وإتاحة الوسائل الكفيلة لهم
      (2/415)
      بالكتابة والتجارة والسيطرة على مجالات الاقتصاد والفكر والصحافة.
      5 - نشر اللغة الإنجليزية والثقافة الإنجليزية على حساب اللغة العربية والثقافة الفرنسية في محاولة القضاء على الفكر الإسلامي العربي، وبذلك أمكن تجميد اللغة العربية في المدرسة المصرية والجامعة وتجميدها عن النمو في العالم العربي والإسلامي كله.
      وقد حاول كرومر تنفيذ تجربة الاستعمار البريطاني في الهند للقضاء على اللغة العربية بها، وذلك بنشر اللغة الإنجليزية حتى تكون لغة تخاطب، ففرض التدريس بها، ولقد كان الإسلام هو العامل الأساسي الذي استطاع أن يحمي اللغة العربية بوصفها لغة القرآن ولولاه لانتهت اللغة العربية في مصر.
      6 - خلق روح الإقليمية وتمصير القيم بعد أن كانت عربية أو إسلامية، وذلك لعزل كل قطر عن القطر الآخر وأقام حدود فكرية بين أجزاء الوطن العربي والعالم الإسلامي.
      وقد استطاع هذا التيار أن يبتعد عن جذور الفكر العربي الإسلامي، وأن يشجبه شجبًا كاملاً، ويجعل الحديث عنه جمودًا ورجعية، كما انتشرت الحملة العنيفة المستمرة على رجال الأزهر ووصفهم بأنهم رجال الدين وإلقاء اتهامات الأكليروس على علماء المسلمين، كما نقلت الاتهامات التي وجهها الفكر الغربي إلى المسيحية الغربية على الإسلام. ولم تمر حملات كرومر دون أن تواجه بمعارضة ونقد وتشريح وكشف لما بها من أخطاء ومغالطات وتعقيب، وأبرز ثلاثة تناولوا كتابات كرومر بالرد هم: فريد وجدي، ومصطفى الغلاييني، ورشيد رضا.
      وعندما صدر كتاب مصر الحديثة (مارس 1908) نشرت اللواء والمؤيد ردودًا تفصيلية، مما جاء فيها قول المؤيد: "لم يكن كرومر من رجال العلم والفلسفة، ولا من رجال التأليف إنما كان جنديًّا يؤمن بمجد الإمبراطورية،
      (2/416)
      تعود بحكم وظيفته أن يكتب، ونظرته استعمارية تنبع من وجهة نظر سيطرة بريطانيا، وهي قائمة على كراهية الشرق والعرب والمسلمين واحتقارهم والإيمان بأن الرجل الأبيض له حق تمدينهم".
      1 - وقال فريد وجدي في رده على كرومر: إنه مما لا خلاف فيه أن الإسلام كان وحده سبب يقظة الأمة العربية والروح التي بعثتها لتكوين وحدتها الاجتماعية والسياسية وأنها باسمه وبتأثير تعاليمه اتصلت من بين شعابها وهضابها الرملية لمنازعة دولتي الرومان والأعاجم حق السيادة الأرضية، وباسمه أسست تلك المملكة الباهرة في الأندلس التي كانت سببًا في إيصال نور المدنية إلى أوربا في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين، فهل يصح أن توصف المبادئ التي كونت هذه الدول بأنها مبادئ تميت الشعوب التي تسود فيها.
      2 - أما مصطفى الغلاييني فقد أصدر كتابًا في 224 صفحة باسم "الإسلام روح المدنية" صدر 1908 في بيروت وأعيد طبعه في مصر بعد ذلك. وقد رد فيه مفصلاً على آراء كرومر عن:
      (1) التعصب في الإسلام.
      (2) الرق في الإسلام.
      (3) المرأة في الإسلام.
      (4) المدنية الإسلامية.
      وأجاب على ثلاثة أسئلة هي:
      (أ) هل الشريعة الإسلامية لا توافق هذا الزمان؟
      (ب) هل الإسلام مدن الإنسانية أم أخرها؟
      (ج) هل القرآن منافٍ للعمران؟
      3 - أما الشيخ رشيد رضا فقد رد في المنار مجلد 10 (1907) على ما
      (2/417)
      ذكره كرومر وأعاد إلى الذاكرة ما وجهه إلى المستشار الإنجليزي عام 1905 عندما هاجم الشريعة الإسلامية، وقد جاء في ذلك قوله إلى كرومر: "هل عنيت بما قلت في تقريرك الأخير عن الحكم بالشريعة الإسلامية التي وضعت منذ أكثر من ألف سنة الدين الإسلامي نفسه الذي هو عبارة عن القرآن الكريم والسنة النبوية أم عنيت بذلك الفقه الإسلامي الذي وضعه الفقهاء؟!.
      وقد رد كرومر في مكر ولؤم، فقال: إنه إنما قصد الفقه ولم يقصد الدين الإسلامي نفسه".
      - وكان كرومر في تقريره 1906 قد هاجم الإسلام والفكر العربي الإسلامي في ثلاثة مواضع:
      1 - إباحة الاسترقاق.
      2 - المرأة.
      3 - اجتماع الأصول المدنية والقانونية في الإسلام.
      وقد رد عليه كثيرون في مقدمتهم فريد وجدي، ومصطفى الغلاييني والدكتور شبلي شميل.
      وقد نشر فريد وجدي رده باللغة الإنجليزية في جريدة اجبيشيان ستندر حتى يهيئ للورد كرومر فرصة قرائته بنفسه وبلغته، غير أن كرومر لم يلبث بعد عامين بعد خروجه من مصر أن أصدر كتابه "مصر الحديثة" وعاد فاتهم الإسلام والثقافة العربية الإسلامية مرة أخرى باتهامات جديدة فعاد فريد وجدي إلى الرد عليه مفندًا رأيه بأدلة جديدة في بضعة وعشرين مقالاً نشرها في جريدة الدستور عام 1908 ثم جمعها في كتابه "اللورد كرومر والإسلام".
      ومما جاء فيها قول فريد وجدي: صغر في عيني جدًا من حيث معارفه التاريخية والاجتماعية والدينية وكنت أظن أنه بعد أن قرأ ردي عليه في أجبيشان ستندارد الإنجليزية يؤوب إلى الحق، فيتنازل عما اختزنه ذهنه عن
      (2/418)
      الإسلام عن طريق الوراثة والتقليد فإذا به ازداد تعسفًا وجنى على الحقيقة.
      ويظهر أن السياسة قطعته عن العلم فلم يدرس في فلسفة الأديان كتابًا واحدًا. ويسوءنا أن نجاريه في تعديه على الإسلام فنكيل له الصاع بالصاع ونريه من أقوال قادة الفلسفة الأوربية مبلغ ما أتت به المسيحية للعلم والمدنية، ولكن يردنا عن ذلك أدب إسلامي أفاضه علينا القرآن فنمتنع عن تناول النصرانية بالقول تفاديًا من استياء الآخرين بذلك الدين.
      ولكن ذلك لا يمنعنا من أن نذكره بقول العلامة "درابر" أن المسيحية لبثت في أوربا ألف سنة فلم تنجب عالمًا واحدًا، ولم يلبث الإسلام غير سنين معدودة حتى نبغ فيه ألوف من أراكين العلم وأساطين الفلسفة. إن المصري يعتبر من أكثر العالمين أدبًا وظرفًا وكرمًا، وماذا رأى كرومر من سوء أدبنا حتى يحط من قدرنا إلى هذا الحد، إن ذنب الإسلام في نظر أهل السياسة من أوربا أنه دين يحمل الآخذ به على الإباء والشمم، ويحميه من أن يكون مضغة للمستعمرين من الأمم، مم يكفر المسلم المعتصم، أيكفر من وجدانه دينًا لا يجافي العقل ولا يحجر عليه، دينًا يفتح باب الحرية المعقولة في وجه كل ميل من أميال جسده وبصره، دينًا يدعو للقوة الدنيوية كما يدعو للمنزلة الأخروية.
      لا بد أن يكون من الذين يحومون حول كرومر رجل أو رجال دسوا له الدسائس، فما كان كرومر يستطيع أن يقول هذا الكلام ما لم يقم قوم من المسلمين يدعون أنهم آخذون في إصلاح الإسلام وكلمة إصلاح التي هي في لغتهم،
      Reform تذكرهم بانقلاب أساسي للدين من نوع الانقلاب الذي أحدثه لوثر وكالفان من مؤسسي البروتستانية، فلما رأى كرومر أن في مصر رجالاً يدعون هذه الدعوى، ولم يثمر أعمالهم سنين ثمرة تذكر، زعم أن الإسلام غير قابل للإصلاح.
      أما الإسلام في ذاته فلا يعوزه إصلاح ما، وكل ما يشاهد في أهله من
      (2/419)
      آثار الحياة عنه، أسبابه الجهل والبعد عن أصوله وفروعه، فانشر العلم بين طبقات المسلمين تنتهي كل هذه الخرافات. فثم يطلب الإسلام الإصلاح.
      هل يحجر على المتعلم العلم، قال: يصد الباحث، هل يأمر بإحراق المتكلمين في الطبيعيات، هل يزجر أهله عن السعادة المادية، هل يكبح الآخذين به عن الملذات البدنية المعتدلة، هل يقيم لهم الوسطاء والشافعين من الكهنة، هل يأمر الناس بالذلة والمسكنة، هل يحسن للإنسان قتل الناس بمجرد مخالفتهم له في العقيدة، هل يبيع حملته الجنة والرحمة الإلهية، كل ما في الأمر أن جهال المسلمين غلوا في تعظيم الصالحين وفي استعمال البيارق والطبول في الأذكار، وافرط أغنياؤهم في كثرة التزاوج والطلاق، وهي أمور سببها الجهل، وأوجبها سكوت العلماء وغدًا تنتبه العقول فلا يوجد لها عين ولا أثر.
      يقول اللورد: إن الإسلام فشل في تكوين نظام اجتماعي وهذه كلمة تضحك الصخر وتبكيه في آن واحد، فيا ليت شعري إذا خاب الإسلام في تكوين نظام اجتماعي فكيف جمع العرب المشتتين وكون منهم أمة دحرت الرومان والفارسيين وما زالت تمتد حتى بلغت أقصى ما بلغته دولة الرومان في قرون وصار ملكها أكبر من ملك إنجلترا اليوم، ألم يقرأ نظام الأندلسيين في غرب أوربا في القرن السابع والثامن والتاسع والعشر والحادي عشر من الميلاد حيث كانت أوربا تتعلم منهم العلوم وتقتبس منهم المدنية.
      أتريد دليلاً على فساد مزاعم اللورد كرومر أقوى من قوله: إن الإسلام خاب في تكوين نظام اجتماعي في الوقت الذي أجمعت فيه التواريخ أن الأمة الإسلامية اجتمعت بالإسلام وارتقت به وكونت لنفسها في ممالك متعددة مدنيات باهرة تفضل مدنية اليوم من أكثر الوجوه؟!. ولكن الأغرب في كل ما مر من تعليلات كرومر لإخفاق النظام الاجتماعي الذي وضعه الإسلام قوله: إنه حط من قدر المرأة، كيف حط الإسلام من قدر المرأة، وهو
      (2/420)
      الذي أثبت لها روحًا وقد نفتها عنها أوربا في مجمع ديني مقدس، وأثبت أن لها أن تضحك وأن تأكل اللحم وأن تلبس ما تشتهي وقد حرمت عليها الكنيسة الأوربية ذلك في العصور الوسطى، وأباح لها حق التملك والتصرف بمالها والتكلم في شئون المسلمين العامة، وتولي القضاء والإفتاء وفرض لها في بيت زوجها كل كرامة حتى لم يكلفها بإرضاع ولا بخدمة منزلية.
      هذه المرأة الأوربية المعطاة قشور الحرية دون لبابها، ولم تزل، لا تمتلك حرية للتصرف بمالها.
      ويصور الدكتور سامي النشار دور اللورد كرومر في تغريب الفكر العربي الإسلامي على نحو أشد وضوحًا وقوة وذلك بعد مرور أكثر من ثلاثين عامًا على كتابات فريد وجدي يقول: إن كرومر قد أتى وكان إليه جماع الحروب الصليبية، وفيه حقيقتها، أضغان الصليبيين القدامى وأحقادهم وسخائمهم العتيقة،

      إنه حين أتى أعلن أنه سيهدم في مصر ثلاثًا:

      القرآن، والكعبة، والأسرة الإسلامية،

      وظن هذا الصليبي الصغير أنه قادر على هدم حقيقة الكون الكبرى، وأنه إله صغير في يده الأمر والنهي، ولكنه حاول وحاول، واستخدم ببراعة نادرة حلقة معينة وقد استطاعت هذه الحلقة أن توجه الفكر الإسلامي إلى الاتجاه الذي أراده كرومر.



      ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

      تعليق


      • * المارشال ليوتي أول حاكم فرنسي للمغرب عمل على هدم اللغة العربية وإحلال الفرنسية محلها، وخلق الخصومة بين العرب والبربر:
        لا تستطيع أن تقرأ تاريخ المغرب الحديث دون أن ترى اسم المارشال (ليوتي) بارزًا واضح الأثر بوصفه الرجل الذي مهد للاحتلال الفرنسي للمغرب وقعد قواعده،

        مثلة مثل كرومر في مصر، فهو أول حاكم للمغرب (ديسمبر 1912) ويعده مواطنوه الفرنسيون أنه منشئ المغرب الحديث، وأبرز أعماله هو خلق الخصومة وتأريثها بين عنصر الأمة المغربية العرب والبربر،
        (2/421)
        كما خلق كرومر الخلاف بين المسلمين والمسيحيين في مصر،
        وقد حارب اللغة العربية وحارب جامعة الزيتونة وظل يعمل في همة حتى عام 1935 حينما بلغ السبعين من عمره

        وقد استطاع أن يكسب بعض شيوخ الطرق الصوفية إلى صف الحماية واستعان بهم على تركيز النفوذ الفرنسي عن طريق الفكر والدين، وكان ليوتي بارعًا في استغلال الحزازات القبلية واستطاع أن يكسب إلى صف الاستعمار أرباب الطريقة الدرقاوية التي حملت لواء تثبيط مقاومة الشعب للاحتلال فقد أوصى دعاتها الأهالي بالطاعة والتسليم للسلطات الفرنسية، وقد بلغ مولاي عبد الرحمن غاية ما أملت فرنسا في هذا وقد ربط مستقبله بمستقبل فرنسا على حد تعبير روم لاندو في كتابه "تاريخ المغرب في القرن العشرين" في أنه لم تكد جنود الحلفاء تنزل المغرب حتى اتصل شيخ الدرقاوية بهم وطلب أن يصبح مواطنًا، وقد قام الطرقيون بدورهم في ترجيح استسلام الأمير عبد الكريم في حرب الريف عام 1916، وقد أشار لاندو إلى أن الطريقة التيجانية هي أيضًا قد نفعت فرنسا بنفوذها القوي في جنوبي المغرب وموريتانيا والريف، وكذلك الطريقة الكتانية وكان الفضل في ذلك إلى المارشال ليوتي الذي كان عمله الفكري من أكبر الأعمال التي مهدت للنفوذ الغربي الفرنسي في العقل العربي الإسلامي المغربي، وقد أولى ليوتي اهتمامه الأكبر إلى مقاومة جامعة الزيتونة حتى قال لأحد أعوانه أنه: إذا تم لفرنسا القضاء على القرويين فقد ضمنت فرنسا لنفسها الخلود في المغرب؛ ذلك لأن خريجي القرويين كانوا أهم عنصر في المقاومة التي واجهت الاستعمار الفرنسي، ولقد تعرضت جامعة القرويين منذ أواخر القرن الثامن عشر إلى حملة ضخمة قادها كتاب الأفرنج وطعنوا في معارف أهلها وكفاءاتهم، وكان هذا تمهيدًا للتدخل في مناهجها ومحاولة إماتتها والقضاء عليها. وأبرز أعمال ليوتي هي حركة الفصل بين العرب والبربر، وقد صور هذا الدور فيكتور بليه في كتاب "الشعب المغربي أو العنصر البربري" فقال:
        (2/422)
        لما حفظنا للقبائليين (البربر) في الجزائر حالهم، اتخذوا اللغة الفرنسية بدلاً من العربية، ولا بد لبربر المغرب أن يتبعوا تلك الخطة، ومن الواجب علينا إعانتهم على ذلك، وقانونهم الخاص لا علاقة له بالقرآن، فيجب أن نثبته ونتممه ونرقيه بكيفية بربرية، إن لم تكن فرنسية، ولا نترك القرآن يثبت في أوطانهم، ولقد جعلنا برنامجًا للتعليم البربري في فكرة فرنسية، وجعلنا المدرسين من القبائليين وذلك من أحسن الوسائل لمصادرة اللغة العربية".
        - وهكذا كشف مخطط ليوتي وحلفائه هدفهم في القضاء على اللغة العربية والإسلام والقرآن أساسًا باعتبارها وسائل المقاومة للغاصب، وقد أشار الجنرال مارتي في كتابه (مغرب الغد) إلى هذا المعنى حين قال: "لا حاجة لنا في تعليم العربية إلى المستغنين عنها، والعربية رائد الإسلام، ويجب علينا أن نمدن البربر خارج طور الإسلام ويجب علينا أن نمر من (البربرية) إلى (الفرنسية) بدون واسطة، ولا بد لنا من فتح مدارس فرنسية بربرية تتعلم فيها الشبية البربرية اللغة الفرنسية، ويجب علينا أن نأخذ الاحتياط في المذاكرة معهم في شأن الدين؛ لأن الإسلام ما وضع على البرابر إلا صبغة سطحية".
        وصور مارتي هذه المدرسة الفرنسية البربرية.



        - فقال: "إنها فرنسية باعتبار ما يقرأ فيها وبربرية باعتبار تلاميذها فلا حاجة إلى واسطة أجنبي حيث إن التعليم العربي، وتدخل الفقهاء، وكل المظاهر الإسلامية ستبعد عنها ابتعادًا، وبذلك نبعدهم قسرًا عن كل ما يطلق عليه لفظ إسلام".
        - وقد أشار فيكتور فيكي إلى إنه يهتدي في ذلك بتعليمات المارشال ليوتي التي تهدف إلى مصادرة اللغة العربية وكتابة البربرية بحروف فرنسية.
        وأشار جان جيرو في مجلة المغرب الكاثوليكي إلى أن الجنرال ليوتي فهم أن إثارة التناقض بين العنصرين البربري والعربي هو الكفيل بجلب المصالح لدولة فرنسا وأنه قد اندفع إلى ذلك بما له من ذكاء حاد يكشف به جانب
        (2/423)
        المنفعة.
        وكما أولت فرنسا الجنرال لافيجري اهتمامًا خالدًا بإقامة تمثاله الضخم في مدخل تونس، كذلك أقيم للمارشال ليوتي مدفنًا على ربوة تشرف على مدينة رباط الفتح بالمغرب.
        وقد أشارت جريدة المقطم إلى الرابطة بين أهداف كرومر وليوتي، فقال خليل ثابت رئيس تحريرها: إن كرومر وليوتي كانا يمثلان سياسة من أكبر السياسات في القرن التاسع عشر فإنهما مع عنايتهما بالإصلاح الإداري والمالي والاقتصادي، لم ينسب أنهما وكيلا دولتين لهما أغراض ومقاصد لا بد من مراعاتها والسهر عليها وأنهم كانوا من أعظم رجال الاستعمار.
        - وبعد فقد كان ليوتي عاملاً على هدم ثلاث قواعد هامة:
        1 - اللغة العربية وإحلال اللغة الفرنسية مكانها وتشجيع اللهجة البربرية.
        2 - تحويل التعليم إلى اتجاه الفكر التونسي والثقافة التونسية والقضاء على القرآن والدراسات الإسلامية.
        3 - إقامة المحاكم البربرية، وذلك للقضاء على النظم القضائية المستمدة من التشريع الإسلامي.




        * الكردينال لافيجري طبّق ما وصّى به لويس التاسع وهو مؤسس جمعية الآباء البيض المبشرين في الجزائر وتونس وهو أكبر دعاة التغريب في المغرب العربي:
        يعد الكردينال لافيجري من أكبر دعاة التغريب والعاملين على تثبيت قواعد النفوذ الأجنبي في المغرب العربي كله، وعندما توفي 1892 كان عملاً ضخمًا قد تم في الشمال الأفريقي لتركيز دعائم النفوذ الفرنسي حتى نسب
        (2/424)
        إليه وارتبط به المؤتمر الأفخارستي الذي عقد في مدينة تونس 1935 بعد أن أقيم تمثال له في مدخل المدينة عام 1925 يمثله وهو أخذ الصليب بيده اليمنى والإنجيل بيده اليسرى.
        وما زال قائمًا في مكانه إلى اليوم، وهو مع الجنرال ليوتي من طلائع الاستعمار في المغرب أشبه بكرومر وزويمر في المشرق وقد حاول من جاء من بعده أن يربطوا بينه وبين لويس وحملته الثامنة على تونس فقال أسقف قرطاجنة: "إن الفكرة العظمى التي كانت تدور بين جني سان لوي (لويس التاسع). والتي ورثها الكردينال لافيجري هي التي تدفعنا إلى عقد المؤتمر الأفخارستي، إن مؤتمر قرطاجنة سيكون حملة صليبية جديدة أو الحملة الصليبية التاسعة والكردينال لافيجري هو مؤسس جمعية الآباء البيض المبشرين في الجزائر وتونس، وكان مصدر العمل كله تقرير حقيقة تقول: إن الوسيلة الوحيدة لبقاء الاحتلال والنفوذ الفرنسي دوامه هو تحويل أهالي المغرب إلى فرنسيين وتغيير دينهم إلى دين الغرب.
        ومن أبرز ضربات الكردينال لافيجري محاضرته المشهورة عن الرقيق في الإسلام والتي رد عليها المؤرخ العربي المصري أحمد شفيق صاحب الحوليات بكتاب ضخم باللغة الفرنسية ترجمه أحمد زكي باشا إلى اللغة العربية.
        ومنذ مطالع شباب الكردينال لافيجري المولود عام 1835 كان اتجاهه إلى دراسة العلوم اللاهوتية حتى وصل إلى مناصب الأكليروس إلى رتبة (الكردينالية) وقد جال جولات واسعة في بلاد المغرب وبلاد أفريقيا من أجل تدعيم إرساليات التبشير، والمعروف أن تونس احتلت سنة 1881 وأن عمله كان تمهيدًا لهذا الاحتلال الذي كانت فرنسا تتطلع إليه منذ احتلال الجزائر سنة 1830 ثم تأكيدًا ودعمًا لهذا الاحتلال.
        - ومن أهم الأعمال التي وضع لافيجري أسسها:
        (2/425)
        1 - إقامة مدارس تبشيرية ومنها مدارس للراهبات استطاعت من بعد أن تضم كثيرًا من حفيدات الباي والمفتي الأكبر وكبار الشخصيات المتصدرة للقيادات السياسية.
        2 - محاربة اللغة العربية والإسلام والقرآن.
        3 - الدعوة إلى إعادة الغرب إلى أصله الروماني.
        4 - توسيع نطاق التبشير في أفريقيا كلها وأقام جمعية الآباء البيض ذات التاريخ المعروف في مواجهة انتشار الإسلام.
        وقد خلفه يونس وفوكو وجول سيكار ولهم مؤلفات خطيرة في الدعوة إلى تقويض أركان الإسلام والفكر الإسلامي واللغة العربية. وجملة رأي الكردينال لافيجري واتباعه أن هذه البلاد (المغرب) بلاد رومانية أصلاً، ولا بد من إرجاعها إلى طابعها الروماني القديم. وفي نفس الوقت الذي كان المؤتمر الأفخارستي يعقد في تونس على أثر حملة التجنيس ودعوة التونسيين إلى الجنسية الفرنسية، كان الظهير البربري الصادر في المغرب (مراكش) يدعو إلى فصل العرب عن البربر، وفي نفس العام 1930 كان احتفال فرنسا في الجزائر بمرور مائة عام على احتلالها، واعتباره احتفالاً بمرور قرن على إقرار الكنيسة المسيحية في الجزائر.
        وفي هذه الحركات جميعًا كان اسم لافيجري لا يفارق الكتاب والمتحدثين متخذًا منه نقطه البدء إلى توسيع نشاط التبشير في شمال أفريقيا، ولقد آثار المؤتمر الأفخارستي ضجة لا حد لها، فقد اعتمد له مليونًا من الفرنكات من ميزانية الحكومة التونسية، وتقرر عنده في قرطاجنة، فلما اقترب موعده قدمت إلى العاصمة جماعات كثيفة من الرهبان وأخذت تتجول في الشوارع، صفوفًا متراصة تتقدمها كشافة ترتدي ملابس الحروب الصليبية، وهي قمصان بيضاء رسم عليها الصليب من أمام ومن خلف ينشدون الأناشيد
        (2/426)
        الكنائسية، وكان حديث الرهبان إلى المسلمين لا يخرج عن أنهم من أرومة مسيحية ورومانية وأنهم لا بد أن يعودوا إليها، وأن هذه البلاد "ستدخل في حياة جديدة بعد ليل الإسلام الطويل".
        1 - الرقيق في الإسلام: هاجم الكردينال لافيجري الإسلام في محاضرة له عن الرقيق، أثارت كاتبًا عربيًّا مصريًّا هو المؤرخ أحمد شفيق صاحب الحوليات الذي كان في باريس في هذه الفترة:
        - قال أحمد شفيق باشا في مذكراته:

        في أول يوليو 1888 ذهبت إلى كنيسة سان سوليبس لأستمع فيها إلى محاضرة عن الرقيق. وهو موضوع يهمني بصفتي مسلمًا، وكان بصحبة الكردينال سوداني صغير قال: إنه أنقذه من الرق وقد تكلم عن سير الرق في أفريقيا ولفت الأنظار إلى انتشاره ومما قال: لقد زاد الرقيق في أفريقيا منذ عشر سنين وأصبح يقدر بمليون نسمة في السنة فإذا استمرت هذه الحال خمسين عامًا أخرى فلن يبقى في تلك الأنحاء إنسان حر، وما يزال ذائعًا عند حدود مصر وفي زنجبار وبلاد العرب، وعلى ساحل البحر الأحمر، وبالرغم من رقابة السفن الإنجليزية فإن النخاسة يعبرون هذا البحر في جوف الليل فلا يراهم أحد. ثم تكلم عما يلاقيه الرقيق من المر والذل وتعرض إلى الإسلام في هذه النقطة فقال: إن سوء معاملة الرقيق أمر يبيحه الإسلام. وقد عقدت العزم منذ عودتي من باريس على أن أرد بالفرنسية على المزاعم التي وردت في محاضرة الكردينال لافيجري.
        وقد رددت على الكردينال سنة 1890 في مؤلف بالفرنسية ترجم إلى اللغتين التركية والعربية عنوانه "الرق في الإسلام".
        - وقال شفيق باشا: الذي حملني على الشروع في هذا البحث على الاسترقاق إنما هو الخطأ الشائع في أوربا بخصوص الديانة الإسلامية إذ يزعم
        (2/427)
        القوم أن نصوصها تحض على ارتكاب الفظائع الحاصلة في أفريقيا الوسطى، فلما أقدمت على هذا العمل رأيت الواجب على أن أحيط علم الجمهور بخلاصة تاريخ عن الاسترقاق وموقف الإسلام منه.
        - وقال أحمد شفيق: إن الدين الإسلامي الحنيف لا يبيح في أي حال من الأحوال معاملة الرق إذا كان أبواه مسلمين حرين، ولا يكون الاسترقاق إلا في الحرب ومع ذلك فهو مقيد بشروط وروابط معلومة منها أن يتم على وجه المقرر له، ومنها أن يكون مع أقوام يؤمنون بالله ورسوله على أنهم إذا رضوا بالإسلام دينًا أو دفعوا الجزية تخلصوا من ربقة العبودية. إن الشريعة الإسلامية تأمر تابعيها بالتزام الرفق والرأفة مع المملوكين واستشهد على ذلك بالمأثور عن النبي فقد قال: "اتقوا الله في الضعيفين المرأة والمملوك".
        وأمر - صلى الله عليه وسلم - بأن يلبس المملوك من لباس سيده ويتغذى من غذائه، ولا يُحمل فوق طاقته وإن كان سيده مقترًا في معيشته فلا يسري عليه ذلك.
        إن الكتاب والحكم والأحاديث النبوية تبيح للسيد أن يتزوج مملوكته إذا أعتقها وأمهرها.
        وقال: إن الكردينال لافيجري وأتباعه قد اتهموا الديانة الإسلامية بأنها تدعو إلى النخاسة وتوصي أهلها بارتكاب الفظائع والقبائح التي يرويها عن أواسط أفريقيا. وبلغ من حكمة أحمد شفيق أنه لم يشر إلى الكردينال لافيجري في كتابه الذي لقي بالغ التقدير من الكتاب الغربيين أمثال: مسمو، رنيو، أندري لوبون، ماسيجلي. وقالت جريدة الربيو بليكان أوليانز الفرنسية: أن لافيجري زعم من المسلمين يعتقدون أن الزنجي ليس من العامة البشرية والهيئة الاجتماعية الإنسانية بل هو واسطة بين الحيوانات العجم وأنهم يعلمون هذه المعتقدات لأطفالهم ويبثونها في أذهانهم وقد حققنا بالبراهين الدامغة أن الكردينال لافيجري قد استعمل في دعواه طريق الغش والتدليس
        (2/428)
        لكي يجتذب تعضيد الفرق الدينية ماديًا وأدبيًّا قد يرقش رأيه ودعوته بصفة الدين فنهج منهجًا مناقضًا لطريقة تمثيل الحقائق بالصفة التي من حقها أن تكون عليها.


        ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

        تعليق


        • * القس المبشر دنلوب وتغريب التعليم في مصر:
          يعد "دنلوب" واضع المخطط الأساسي لتغريب التعليم والتربية وإقصاء الإسلام عن برامج التعليم في المدرسة المصرية، باعتبار أن التعليم والتربية لها أكبر الأثر في مخطط التغريب والشعوبية والتبشير والاستشراق إن لم تكن هي جوهر هدف الاستعمار الأساسي.
          فإن خلق طبقة من المتفرنجة الذين ينكرون الدين والخلق معًا (الإلحاد والإباحية) هو عمل أساسي فعلى هؤلاء يعتمد الاستعمار مستقبلاً في تنفيذ مخططه، وتكوين ركائزه التي يعتمد عليها بعد جلاء القوات المحتلة، وقد قام دنلوب بدور كبير في تعميق مخطط التغريب وهدم مقومات الفكر الإسلامي، وكان أبرز ما عمل له: نزع اعتقاد الشباب المسلم في القرآن وكان مذهبه "متى توارى القرآن ومدينة مكة من بلاد العرب يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في سبيل الحضارة".



          وكان دوجلاس دنلوب قد عين سكرتيرًا عموميًا للمعارف في 8 مارس سنة 1897 ثم مستشارًا في 24 مارس سنة 1906، وقد كان في أول أمره قسًا مبشرًا عمل في وظيفة مدرس للغة الإنجليزية والخط الإفرنجي في مدرسة رأس التين الثانوية ثم لفت نظر كرومر فدفعه إلى العمل في نظارة المعارف فما زال يترقى به حتى أصبح مسيطرًا سيطرة تامة على شئون التربية والتعليم.
          ولد دنلوب في اسكوتلانده 1860 وتخرج من القسم اللاهوتي في إحدى كلياتها، وجاء إلى مصر مبشرًا 1889 وعين مدرسًا في مدرسة سنت أندرو التابعة للمجتمع التبشيري لاسكوتلانده بمرتب فرنكات معدودات،
          (2/429)
          وسعى لدى كرومر بمساعدة السير فونكريف وكيل الأشغال حتى عين مدرسًا للغة الإنجليزية في مدرسة المهندسخانة فالمعلمين الخديوية.
          - وكانت أبرز أعمال دنلوب:
          1 - العمل على محاربة اللغة العربية والإسلام والأزهر لذلك عمل على اضطهاد معلمي اللغة العربية من الأزهريين.
          2 - نشر لواء اللغة الإنجليزية وتأهيلها للسيطرة الكاملة على كل شئون التعليم، وبذلك أمكنه القضاء على نفوذ اللغة العربية ولقد مضى في ذلك إلى حد أنه جعل تعليم سائر العلوم كالرياضيات والتاريخ، والكيمياء والجغرافيا والرسم باللغة الإنجليزية، وضيق على اللغة العربية تضييقًا كبيرًا.
          ومما يذكر أنه كان يسافر كل صيف إلى بريطانيا ثم يعود في أول العام الدراسي، وقد استقدم معه عددًا كبيرًا من الإنجليز حملة الشهادات الأهلية الذين كانوا يعينون بمرتب لا يقل على ثلاثين جنيهًا، وقد اختارهم بنفسه، وقد كان أبرز كتابات هؤلاء المدرسين الكراهية للغة العربية والعداء للحرية، ومحاولة تحطيم آمال الأمة العربية وتغريب التلاميذ واتهام تاريخ العرب والمسلمين وإثارة الشكوك حوله، واتهام الحضارة الإسلامية العربية بالاتهامات المختلفة وذلك لخلق شعور عام بكراهية هذه الأمجاد والنفور منها والسخرية بها، وكانوا يطعنون روح الوطنية في الشباب والقضاء على حماستهم وتهديدهم، وكانوا يصفون الأمة بأنها نصف متحضرة، وقد داسوا على كل عاطفة وطنية واضطهدوا كل شاب أظهر ميلاً أو عاطفة نحو دين أو وطن وأنشئوا نظامًا من التجسس في المدارس يطاردون به الشباب الوطني، وكان محرمًا على كل أستاذ مصري أن يتحدث عن تاريخ مصر أو تاريخ الإسلام بما يبرز عظمة أمتنا، وكان أهم ما يقال إذ ذاك أن مصر بلد زراعي، وأنها ظلت محتلة طوال تاريخها بالفرس والرومان والأتراك والعرب. وأنها لن
          (2/430)
          تحكم نفسها أبدًا، وأن جيشها قد هزم في التل الكبير وأن الجنود المصريين ذبحوا ليلة 14 سبتمبر 1882 التي كانت قمرية كما يذبح الخراف وكان محرمًا أن تقرأ جريدة وطنية أو تاريخ الإسلام أو العربية.
          وقد قاوم (دنلوب) بنشر التعليم العالي في مصر وقد سجل ذلك كرومر في تقريره سنة 1907 "أن إنجلترا لا تريد نشر التعليم العالي في مصر، وأنها لا تريد إلا إعداد جمهور من طبقة الأفندية ليشغلوا الوظائف الثانوية في الحكومة وأن المصريين لا يصلحون للعلوم العالية، وأن زيادة التعليم تصرف عن فلاحة الأرض وتعود على مصر بالإفلاس".



          وقد حرص دنلوب بتوجيه كرومر وبريطانيا على تنفيذ خطة واضحة المعالم للعمل على وقف انتشار التعليم أو ترقيته وسبيلهم إلى ذلك تقليل اعتمادات المعارف، وصرف أغلب المبالغ المعتمدة في بناء القصور المشيدة واقتناء الأثاث الفاخر للمدارس.
          وكان دنلوب منفذ هذه السياسة يقول: "إن سياستي في التعلم هي الجودة لا الكثرة"، وهذه مغالطة واضحة.
          وكان دنلوب يعمل على قلب المدارس الابتدائية إلى أولية راقية اكتفاء بالمدارس الأميرية في كل مديرية، كما شجع انتشار المدارس الأجنبية وفق غايات سياسية تسير في نفس الاتجاه الاستعماري، وهم بتحطيم كيان الأمة وإفساد معنويتها.
          وحرص دنلوب على معاملة الطلبة الوطنيين بمنتهى القسوة فعدل في 1910 المادتين 88 و100 من قانون نظام المدارس بفرض عقوبات على التلاميذ، وفصل كل تلميذ لا يحصل على 20 درجة في السلوك واتخذ من ذلك القانون سلاحًا لخنق الشعور بالحرية وقد سجل مسيو (إدوار لامبير) ناظر مدرسة الحقوق في تقريره الذي نشره في جريدة الطان 1907 بعد أن
          (2/431)
          أبعده كرومر ودنلوب صورة الصراع بين الفرنسيين والإنجليز على المناصب الكبرى في التربية والتعليم وكشف عن الخطة التي رسمها كرومر ونفذها دنلوب في إقصاء الفرنسيين عن المناصب الكبرى في المدارس العالية وتعيين إنجليز بدلاً منهم، دون أن يكونوا في مستواهم من الناحية الفنية، وأنه قد أخرج الأساتذة الفرنسيين من القضاة من مدرسة الحقوق واستبدل بهم شبانًا من الإنجليز عينوا بمجرد تخرجهم من الكليات البريطانية دون أن يكون لهم أي قدر من الكفاية التي تمكنهم من دراسة القانون.
          كما أشار إلى الأنظمة الاستبدادية التي اتخذها بالنسبة للطلبة، وكيف عاملهم بقسوة متناهية، واضطهدهم وجرح كرامتهم، مما أحال مدرسية الحقوق معقلاً للوطنية المصرية بحيث أصبح كل طلابها الأربعمائة تابعين للحزب الوطني.
          وأن كرومر حين اضطر تحت ضغط الرأي العام إلى تعيين سعد زغلول ناظرًا للمعارف، وعمل على سلب سلطته الفعلية وأشار إلى الخطط التي كان دنلوب يدبرها مع نظار المدارس وكبار الموظفين للاتصال به شخصيًا وتلقى أوامره وتعليماته قبل أن يكتبوا تقاريرهم الرسمية.
          وقال لامبير في تقريره: إن الموظف القابض على الإدارة الحقيقية لوزارة المعارف دوجلاس دنلوب.
          وفي ظل هذه الفترة التي قضاها دنلوب في وزارة المعارف وقد امتدت إلى عام 1930، ثم تبعه خليفة له في تنفيذ خطة التغريب الكاملة للتعليم على النحو الذي استمر يشق طريقه من بعد، وكان هدف هذا المخطط أساسًا هو تغريب ثقافتنا ومحاولة تدمير شخصيتنا العربية وإحالتها إلى مزيج مضطرب من نتف الثقافات المختلفة ومحاولة التشكيك في عظمة تراثنا الفكري وأمجادنا العربية وتاريخنا الباهر الحافل بالمواقف الخالدة في الدفاع
          (2/432)
          عن الحرية ومقامة الغالب والمشاركة في الحضارة والمدنية وحماية آثارها والإضافة إليها وكان هدف التعليم أساسًا تخريج موظفين، وأدوات، وليس التثقيف العام. وقد أبطل دنلوب عديدًا من الكتب المقررة؛ لأنها تتحدث عن القيم العربية الإسلامية وقد كشفت جريدة المؤيد (25 يوليو 1899) عن نماذج من هذا العمل، وقالت: إن هذه الكتب غير موافقة لهدفه من الوجهتين الدينية والسياسية، وذلك بإيرادها قواعد الإسلام، وأركانه مصحوبة بالحكم والآيات والقرآن والأحاديث التي تحث على حب الوطن والتعاون وإصلاح ذات البين، وفي سبيل شجب هذه الكتب أعلن دنلوب أن مثل هذه الكتب غير وافية بحاجات التعليم وأوعز إلى بعض المدرسين الموالين له بأن يضعوا كتبا بديلة لها، تضم بعض خرافات لافونتين، وفي عبارة سقيمة وأسلوب نازل، وأشارت المؤيد إلى أن الشيخ حمزة فتح الله ناضل في سبيل إحباط رأيه، فأعلن دنلوب أن كتب المطالعة يجب أن تكون مجردة خالية من كل ما له مساس بالدين".
          ومثل هذا حدث مع عبد العزيز جاويش الذي عاد من بريطانيا بعد الدراسة وقد ناقش دنلوب في منهج مدرسة المعلمين وكان رأيه أن يكون المنهج عامًا واحدًا، فاعترض جاويش، وقال: إن في مدرسة المعلمين في بريطانيا برنامجًا من أربع سنوات فأشار دنلوب إلى أن مدرسة المعلمين تهدف إلى تخريج مدرسين يؤدون واجبًا محدودًا لا يزيد عن إعداد موظفين. كان ذلك متمشيًا مع قول كرومر: "عقل بريطاني وأيد مصرية".



          وقد واجهت مؤلفات عبد العزيز جاويش نفس مصير مؤلفات علي مبارك وعبد الله فكري فقد أقصيت فعلاً وأُلفت كتب أخرى بدلاً منها تحقق هدف (دنلوب) وهدف التغريب أساسًا.
          ولم يجد (دنلوب) قبولاً لعمله ومخططه فقد ظلت الصحف الوطنية توالي مهاجمته وقد تعرضت له اللواء في 9 أكتوبر سنة 1907 فقالت: إن
          (2/433)
          المصريين يعلمون أن دنلوب هو أقول آلة وضعها اللورد كرومر لتعطيل التعليم في مصر وأكبر مقاوم لرقي البلاد من باب المعارف، ومحاولة سد الطرق التي يرقى بها، وأنه يستعمل كل ما أوتي من سلطة وقوة لمحاربة المصريين حتى بالسطو على ذمم الموظفين معه لتجد من ضعفها قوة ومن التلاعب بها السلاح القاتل للأمة".



          وقد أبطل دنلوب عام 1988 كتاب علي مبارك وعبد الله فكري "طرق الهجاء"؛ لأنه تحدث فيه عن الفضائل الإسلامية، ورأى أن هذا الكتاب غير موافق لغرضه من الوجهتين الدينية والسياسية بإيراده قواعد الإسلام وأركانه بالحكم والآيات والأحاديث التي تحث على حب الوطن وتعاونه وإصلاح ذات البين وكان هذا الكتاب مقررًا منذ عام 1894 ولكنه بمكره أعلن أن هذا الكتاب غير واف بحاجات التعليم وأوعز إلى بعض أوليائه من المدرسين أن يضع كتابًا يتفق مع المواصفات الاستعمارية فألف الكتاب الجديد حافلاً بخرافات لافونتين في أسلوب سقيم وعبارة نازلة.



          كما ألغى دنلوب الباب الوارد في المنهج تحت عنوان العقائد والعبادات الإسلامية، وناضل الشيخ حمزة فتح الله في سبيل إحباط رأيه فكان من قول دنلوب أن كتب المطالعة يجب أن تكون خالية من كل ما له مساس بالدين.



          * أرنست رينان يطعن في الإسلام ويصفه بأنه عدو العلم والعقل ويصف الرسول محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بالخداع والدجل:
          لم تكن خصومة (رينان) للإسلام والفكر العربي الإسلامي إلا خصومة للأديان والروحية جميعًا، وقد حمل حملات عنيفة على المسيحية، ولم تكن آراء (رينان) إلا صورة عميقة لشكوك عصره وشبهاته التي صنعتها مراحل طويلة من تطور الفكر الغربي. وقد طعن (رينان) في الإسلام ووصفه بأنه عدو العلم والعقل، ووصف العرب بأن عقولهم قاصرة بطبعها، غير مستعدة


          لفهم الفلسفة وما وراء الطبيعة، ومع ذلك فإن آراء رينان حافلة بالتناقض والاضطراب فبينما هو يمقت الفكر العربي الإسلامي ويحمل عليه وينتقده انتقادًا مرًا يعترف برهبة هذا الدين وعظمته.



          وفي دراسة لجرجي زيدان يقول: إن رينان قد اشتهر بمقاومة النصرانية فبينما كان أبواه يعدانه لخدمتها انقلب حتى أصبح من أشد الناس انتقادًا عليها، فألف سلسلة مؤلفات في هذا الشأن صدرها بكتاب (حياة يسوع) وألحقه بأبحاث في تاريخ الرسل وأصل النصرانية والقديس بولس شدد فيها لهجة الانتقاد حتى أصبح مكروهًا من كل الفئات الدينية، ومن مؤلفاته (اللغات السامية) الذي تناول فيه تاريخ اللغات السامية ومقابلتها بعضها ببعض، وقد بسط تاريخ اللغات العبرانية والفينيقية والآرامية بفروعها، وقال عن الشعوب السامية: إنهم يميلون بفطرتهم إلى التوحيد وأنهم أول من قال بوحدانية الخالق بينما عبدت الشعوب الأخرى آلهة شتى كاليونان والرومان والمصريون.



          ورأى رينان في النبي محمد رأي متعصب فقد وصفه بالخداع والدجل وقرر أن الذي أسس الإسلام وشيد صرحه هو عمر؛ لأنه يماثل القديس بولس في المسيحية، وقال: إن الفلسفة الإسلامية ما هي إلا الفلسفة اليونانية مخطوطة بحروف عربية، ولم يهضمها العرب لأن الإسلام دين لا يسمح بحرية الفكر وروح النقد، كما هاجم ابن رشد، وقال: إنه لا يعرف كيف يكتب ولا كيف يفكر، وأن لغته همجية، ومؤلفاته لا قيمة لها،



          وقال: إن الإسلام يعادي العلم والفلسفة وأنه صارم يتحكم في العبد وفي دنياه وفي آخرته، وأنه ذلك القيد الثقيل الذي لم تصب الإنسانية في تاريخها.
          والواقع أن رينان لم يثبت في نظر مؤرخيه بأنه باحث مستقر الفكر، بل عرف باضطراب الرأي وقد وصفه بيكافيه أكبر الباحثين في إثارة: بأنه رجل يقلب أوضاع الأشياء والمسائل وذلك لاختمار النزعة الصليبية في عقله الباطن
          (2/435)
          وتملكها على أفكاره في الحكم على من يخالف تعاليم دينه الأول قبل إلحاده وكفره.
          وقال مؤرخوه أنه أفسد الاستشراق الفرنسي بهذه الآراء وقد سار على نهجه (منك) في كتابه الفلسفة العربية واليهود، وكليمان هور في كتابه تاريخ العرب، وكازنوفا في كتابه محمد ونهاية العالم.
          والواقع أن رينان مدان برأيه في الإلحاد والتدين أساسًا فهو الذي يقول في كتابه "مقالات ومحاضرات" أقول دائمًا، ولست بحاجة إلى أن أكرر أن العقل البشري يجب أن ينزه من كل المعتقدات الدينية وأن يحصر جهوده في مجاله الخاص وهو إقامة العلم الوضعي.
          وقد كان كتابه "حياة يسوع" قد أجج ثورة جامحة في فرنسا في القرن الثامن عشر، وقد انتزعه هذا الكتاب من كرسيه في كوليج دي فرانس بتهمة الإلحاد والكفر، وكان منذ مطالع شبابه قد آثار حنق الأساقفة ورؤساء الدين عليه ورُمي بالزندقة، حين انتزع نفسه من العقيدة الكاثوليكية وآمن بمذهب الدهريين، فقد قدس الطبيعة في كل مظاهرها، ولرينان محاضرة مشهورة ألقاها في 29 مارس 1883 في جامعة السربون عنوانها "الإسلام والعلم".
          حمل فيها على الإسلام حملة متعصبة عنيفة، وقال: إن الدين الإسلامي عقبة في سبيل تقدم العلم بسبب التعصب. وقال: إنه اضطهد العلم والفلسفة، ووصف العقلية السامية بأنها مجدبة كالصحراء التي نبتت فيها، وقال: إنها لا تقوى على التحليل والتعمق. وقد وجه رينان في محاضراته اتهامات واضحة تتلخص في:
          1 - نشأ من التساهل الواقع في التعبير بعلوم العرب وفلسفة العرب وفنون العرب وتمدن العرب وعلوم الإسلام آراء فاسدة وخطأ عظيم عمل به.
          2 - انحطاط بلاد الإسلام في العالم واضح.
          (2/436)
          3 - سبب هذا الانحطاط هو أن عقول المسلمين بلغت من الحمق غايته حتى كأن دينهم صار حجابًا على قلوبهم منعها من أن تعي شيئًا من العلوم.
          4 - العجز عن التقدم ناتج عن دين الإسلام.
          5 - دين الإسلام قد نجح، ولكن لشقائه فإنه لما قبل الإسلام الفلسفة قتل نفسه وحكم عليها بالانحطاط التام. وقد رد على رينان رجال من أبناء جلدته منهم غوستاف لوبون الذي قد أشار إلى محاضرة رينان ووصفها بالتناقض وأنه أراد أن يثبت عجز العرب.
          وقال لوبون: ولكن ترهاته كانت تنقضي بما كان يجيء في الصفحة التي تليها فبعد أن قال رينان: إن تقدم العلوم مدين للعرب وحدهم عدة ستمائة سنة ذكر أن عدم التسامح مما لا يعرفه الإسلام إلا بعد أن حلت محل العرب شعوب متأخرة كالبربر والترك، ثم عاد فادعى أن الإسلام اضطهد العلم والفلسفة وقضى على العقل في البلاد التي دانت له.

          ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

          تعليق


          • * دوق داركور وكتابه "مصر والمصريون" وزعمه أن الإِسلام هو سر تأخر الفكر في مصر:
            أصدر دوق داركور كتابًا بالفرنسية عام 1893 هاجم فيه الإسلام والثقافة العربية الإسلامية وكان مما قاله:
            أن السر في تأخر الفكر في مصر يرجع إلى الإسلام.
            فالدين هو السبب الأساسي في التأخر الذي لحظه في كل بلد إسلامي، وعنده أن الإسلام لا يحض على البحث في العلوم غير الدينية، لذلك احتقر المسلمون علوم الغرب، واعتقدوا أن القرآن قد حوى بين دفتيه علوم الأولين والآخرين وأن كل ما عداه باطل، أنكر دوق داركور أن للعرب الأولين مدنية خاصة وعنده أن المدنية لا تقوم إلا على أساس علمي والعلم عندهم لم يكن
            (2/437)
            يخرج عما أتى به القرآن لذلك أمر عمر بإحراق مكتبة الإسكندرية، ثم إن العرب لم يحاولوا استكشاف علوم الدنيا، لأنهم تعصبوا لأصول دينهم وآمنوا بالقضاء والقدر، لذلك قامت مدنيتهم على قوائم المدنيات العتيقة.
            وقد واجه قاسم أمين هذه الحملة بكتاب رد فيه على الدوق الفرنسي صدر 1894 تحت عنوان "المصريون" (1)، وقد بدا قاسم أمين فأشار إلى أن الإسلام لم يعترض تطور العقل الإنساني، ولا تقدم العلوم ولا الآداب ولم يحل دون استكشاف الحقائق العلمية، وقد مضت فترة كان العلماء المسيحيون ينقلون العلم عن العلماء العرب. وفي القرآن آيات تحض المسلم على أن يفكر في خلق السماوات والأرض، وأن يبحث ماهية هذه العوالم والعوالم الأخرى، وقال: إنما عاق التقدم قوم من الجهلة حاولوا تفسير القرآن حسب ما يمليه عليهم الهوى، وعند ذلك تسربت إلى الدين فئة من الأوهام والخرافات هي التي يحسبها السائحون من أصول الدين وليست في الواقع من الدين في شيء، وقال: إنه سيأتي يوم تجتمع فيه الإنسانية تحت راية الإسلام حينما يتبينون أنه دين العلم ودين السياسة ودين الاجتماع.
            ودحض قاسم في رده على داركور ما عرضر له من أن الإسلام هو الذي أقام ذلك الاختلاف بين الطبقات، وقال قاسم: أن الإِسلام قد سوى بين الناس جميعًا، وليس من قواعد الجماعة المسلمة أن يرث الرجل امتيازًا خاصًا؛ لأنه من أسرة أو من طبقة خاصة، بل لقد سبق الإسلام كل النظم السياسية الثورية بألف سنة أو يزيد حين أنكر امتيازات الميلاد أو الثروة. وهو من بين الأديان جميعًا يفسح المجال لكل ذي عمل أن يحسن عمله فيرقى من أدنى الدرجات حتى يبلغ أسماها، ثم ليس في الإسلام طبقة تمثل السلطة
            __________
            (1) كان هذا قبل كتابة كتابه المنحرف "تحرير المرأة". وقد يؤيد الله الدين بالرجل الفاجر من موقف من المواقف يذب فيها عن الإسلام.

            (2/438)
            الروحية التي كانت للكنيسة، وليس في الجماعة المسلمة فئة تتمتع بالسلطة الدينية على حساب الآخرين، وللفقراء والمحرومين حق معلوم في أموال الأغنياء فلهم جزء من أربعين جزءًا من كل مال مقبول، وقال: لقد انحدر إلينا من تعاليم الإسلام ما يؤيد الإخاء والمساواة.
            وقال: إن ذلك النظام الاجتماعي والسياسي قد هوى في حال من الانحلال والتدني حينما اضطرب المسلمون وأصبح الأمر فوضى ليس له أساس من علم ولا دين، فقد قام على الجماعات المسلمة طغاة لا يعرفون إلا صالحهم الشخصي.
            وقد عبرت مصر قرونًا يستغلها وحوش في صورة آدميين، أقبلوا عليها من كل بقاع الأرض، فكانت مسرحًا لفظائع الظلم والقسوة.
            وأشار إلى أن أوربا قد أقامت العثرات في طريق التقدم والنهضة في الزمن الحديث، وأن القناصل في بلادنا يكونون ممالك مستقلة تحمي المجرمين واللصوص وسفاكي الدماء من رعاياهم.

            ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

            تعليق


            • * جبرائيل هانوتو يأمر الأوربيين بقطع الصلة بين المسلمين والإِسلام ويدعي أن الإِسلام يدعو أتباعه إلى الكسل:
              نشر هانوتو أحد وزراء خارجية فرنسا في الجورنال الفرنسية 1910 بعض مقالات هاجم فيها الإسلام والثقافة العربية الإسلامية،

              وقد ترجم هذه المقالات محمد مسعود في المؤيد (2 - 15) إبريل 1900 وقد نشر الشيخ محمد عبده على الأثر مقالات رد فيها على اتهامات هانوتو كما نشر فريد وجدي فصلاً مطولاً.
              وقد حملت كلمات هانوتو عبارات غاية في العنف والتعصب، ومن ذلك قوله: الإسلام دين بشري يثقل معتقده دائمًا ويغريهم بالكسل أو التسكع والتبرؤ من شر الفسوق، وأن السياسة التي تجب على أوربا المستعمرة في الشرق أن نجتذبها مع المسلمين هي تلقيح أفكارهم بجانب من الأخلاق
              (2/439)
              الأوربية وقطع الصلة بينهم وبين كعبة الإسلام.
              وأشار إلى كلمات كيمون ورددها وقال:

              إن كيمون دعا إلى نسف الكعبة، ونقل قبر محمد إلى متحف اللوفر، وهاجم هانوتو أصول الإسلام، ودعا قومه إلى قتال المسلمين والقضاء عليهم،
              وقال الشيخ محمد عبده في الرد عليه: لو لم يتعرض مسيو هانوتو إلى الطعن في أصل من أصول الإسلام ما حركت قلمي لذكر اسمه وكان حظي من النظر في مقاله هو العظة والاعتبار. يرى الناظر في كلام مسيو هانوتو لأول وهلة أنه مقلد في التاريخ كما هو مقلد في العقائد وأنه جمع خليطًا من الصور وحشرها في ذهنه ثم هو سلط قلمه ينثرها كما يشاء القدر ليدهش بها من لا يعرف الإسلام من الفرنساويين، وقال: يجب على الباحث في الإسلام أن يطلبه في كتابه كما يجب عليه أن يطلب آثاره، والإسلام إسلام والمسلمون مسلمون، لا أنكر أن الزمان تجهم للمسلمين كما كان قد تنكر لغيرهم وابتلاهم بمن فسد من المتصوفة من عدة قرون فبثوا فيهم أهامًا لا نسبة بينها وبين أصول دينهم فلصقت بأذهانهم لا على أنها عقائد ولكنها وساوس، قد تملك الجاهل وتربك العاقل، إذا لم يغلبها بعوامل الدين الصحيح، فنشأ الكسل بين المسلمين بفشو الجهل بأصول دينهم، أما لو رجع المسلمون إلى الحقيقة من دينهم لأدوا فرضهم واستنبتوا أرضهم واستعزوا من الثروة، واعتمدوا في نجاح أعمالهم على معونة القدر وأيقنوا في صولتهم علمًا أن ليس من الموت مفر، ثم صال صائلهم على مكان العزة منها ونال ما ينال القوي من الضعيف.
              أما لو رجع المسلمون إلى كتابهم واسترجعوا باتباعه ما فقدوه من آدابهم لسمت نفوسهم من العيب وطلبوا من أسباب السعادة ما هداهم الله إليه في تنزيله وعلى لسان نبيه واستجمعت لهم القوة. ودبت فيهم الروح قوة وكان ما يلقاه هانوتو وكيمون من دين صحيح شرًا عليهما مما يخشوه من دين
              (2/440)
              شوهته إليها.
              ويرى كيمون أن يخلى وجه الأرض من الإسلام والمسلمين ويستحسن رأي هانوتو لولا ما يقف في طريق ذلك من كثرة عدد المسلمين وبئسما اختارا لسياسة بلادهما أن يظهرا ضغنهما ويعلنا رأيهما وضعف حلمهما.
              أما فليعلما وليعلم كل من يخدع نفسه بمثل حلمهما أن الإسلام إن طالت به غيبة فله أوبة، وإن صدعته النوائب فله نوبة.
              وقد يقول عنه المنصفون اليوم من الإنكليز مثل إسحاق طيار وهو قس شهير ورئيس كنيسة:
              "أنه يمتد في أفريقيا ومعه تسير الفضائل حيث سار، فالكرم والعفاف والنجدة من آثاره والشجاعة والإقدام من أنصاره، ثم هو لا يزال ينتشر في الصين وغيره من أطراف آسيا وسترشده الحوادث إلى طريق الرجوع إلى إظهاره وتنثني به الملمات إلى ما كان عليه لأول نشأته وتدرك عند ذلك الأمم منه خير ما ترجو إن شاء الله".



              ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

              تعليق


              • * رئيس الشياطين وكبير المبشرين في القرن العشرين صمويل زويمر:
                لعب صمويل زويمر دورًا ضخمًا في حركة التغريب بوصفه رئيسًا للمبشرين في الشرق الأوسط منذ أوائل هذا القرن وأجرأ الدعاة المقاومين للفكر الإسلامي والرجل الذي استطاع أن يقتحم الأزهر، ويوزع منشوراته، وقد أتيح له أن يطوف بالصين والهند وأفريقيا والهند والصحراء ومدغشقر وأن يكتب دراسات مطولة عن البعثات التبشيرية والإرساليات في هذه المناطق وكيف تحاول أن تنافس الإسلام وتقضي عليه وقد رأس مؤتمرات التبشير التي عقدت في القاهرة ولكنؤ (الهند) والقدس، وأدلى فيها بتقارير ضافية عن الخطوات التي حققتها محاولته في تغريب العالم الإسلامي ونزع مقومات فكره عن طريق التعليم والصحافة والمستشفى.
                وهو في تقدير بعض الباحثين أول من قدم من الغرب في أوائل هذا
                (2/441)
                القرن من دعاة التغريب، قدم إلى البحرين، وانتقل إلى الأحساء، وتردد بينهما وكان يلقب نفسه (ضيف الله) فتح في أول أمره حانوتا في السوق لبيع الكتب المختلفة، ثم تخصص بالتدريج في بيع الكتب التي تفرق بين الأديان، ثم لم يلبث أن أسس مدرسة ومستشفى صغيرًا للتبشير، ثم استقدم عددًا كبيرًا من المراسلين والدعاة إلى بلاد البحرين من رجال ونساء أمريكيات،
                واستخدم الفقراء من العرب والمسلمين في العمل معهم، وادعى أنهم قد تركوا دينهم، قالوا عنه: أنه الرجل الذي لا يهزم؛ لأنه درس الفكر الإسلامي سنين طويلة بعد أن عاش سنين أطول في غمار الشعوب الإسلامية، وقد ظل ينتقل بين البحرين ومسقط والكويت والبصرة حتى عام 1913 وكان قد قدم إلى القاهرة 1906 وأقام مؤتمرًا للتبشير في بيت أحمد عرابي في باب اللوق، تحديًا لشعور المسلمين، ثم في 1911 في (لكنؤ) معقل الفكر الإسلامي في الهند ومقر جماعة العلماء التي يرأسها شبلي النعماني، ثم رأس مؤتمرًا في القدس 1924 ثم في 1926، وتولى تحرير مجلة "العالم الإسلامي" التي أنشأها مع مكدونالد، وله عشرات الكتب عن الإسلام تحمل وجهة نظره منها: داخل عالم الإسلام، المسلمون اليوم، الإسلام في العالم، ترجمات القرآن، أمية النبي، الحديث القدسي وقد أشار نجيب العقيقي الذي ذكره في كتابه "المستشرقين" وعده واحدًا منهم، إلى أن له من المصنفات في العلاقات بين المسيحية والإسلام ما "أفقدها بتعصبه واعتسافه وتضليله قيمتها العلمية"، وقد أشار المقتطف في باب الكتب (مجلد 50) إلى كتابه "صراخ المستغيثين من أبناء الشرقيين"،

                وقال: إن مدار بحثه في هذا الكتاب عن أطفال المسلمين وأحوالهم الصحية وتربيتهم العقلية والأدبية والدينية، ألفه بالإنجليزية الدكتور زويمر المراسل الأمريكي في هذا القطر وعربه الشيخ متري حبيب الدويري. وقد نقد محمد محمد سعفان (بالقضاء الشرعي) اهتمام المقتطف بهذا الكتاب وأشار إلى ما فيه من تعصب واعتساف على الفكر
                (2/442)
                العربي الإسلامي، وقد سارع الدكتور صروف فنشر خطابه وعلق عليه متنصلاً وقال: إننا مع استحساننا قيام أناس من أصحاب كل دين ومذهب لانتقاد ما يرونه فيه مما يستحق الانتقاد، نستهجن جدًّا أن يقوم أناس من غير دينهم ومذهبهم وينقدون ما يعتقدون أن خطأ فيه؛ لأن التنديد بمعتقدات الغير لا يصلحها بل يزيد أصحابها تشبثًا بها، ناهيك أن الخارج على المذهب قلما يفهم حقيقة ما يحسه خطأ؛ لأنه لا يعرف ملابساته فيخطئ في حكمه أكثر مما يصيب" ومجمل ما ذهب إليه (زويمر) هو اتهام الفكر العربي الإسلامي بأنه لم يؤلف كتبًا للأطفال

                وقال: "إن العرب عنوا بفروع العلم والآداب كلها ووضعوا فيها عشرات والمئات والألوف من المؤلفات، ولكنهم مع وفرة ما ألفوا وترجموا أهملوا أطفالهم وصغارهم فلم يضعوا كتبًا لتعليمهم"،
                وهذا ولا شك من أكبر مغالطات زويمر وهو ليس صحيحًا على إطلاقه، فإن الفكر العربي الإسلامي حافل بما يصلح للأطفال في باب التربية والتعليم وإن أعلام المسلمين ومفكريه قد تناولوا بالبحث شئون التربية ورسموا لها مخططًا ما زال حيًّا نابضًا بالحياة وقد شهد بذلك علماء التربية المحدثين وقد صور الدكتور زويمر مذهبه في إثارة الشبهات في الفكر الإسلامي على نحو ماكر مليء بالتعصب والكراهية. عدم المجادلة بالبراهين العقلية، بلا استجلاب العواطف واستمالة الأهواء. إن المسلمين يعتقدون بأن القرآن لم يحرف، من دون الكتب السماوية كلها، فيجب علينا أن نثبت لهم أن فيه متناقضات. إن للإرساليات التبشيرية في البلاد الإسلامية مزيتين: مزية تشييد ومزية هدم، أو بالحري مزيتي تحليل وتركيب، والأمر الذي لا مرية فيه هو أن حظ المبشرين من التغيير الذي أخذ يدخل على عقائد الإسلام ومبادئه الخلقية أكثر بكثير من حظ الحضارة الغربية منه. العمل لمنع اتساع نطاق الإسلام بين الشعوب الوثنية وقد أشار (زويمر) في تقريره 1911 إلى أن الإسلام قد بدأ يتنبه لحقيقة موقفه من الحملة عليه، ويشعر بحاجته إلى تلافي الخطر، وهو يتمخض الآن بثلاث
                (2/443)
                نهضات إصلاحية:
                1 - إصلاح الطرق الصوفية.

                2 - تقريب الأفكار من الجامعة الإسلامية.
                3 - إفراغ العقائد والتقاليد القديمة في قالب معقول، ومصدر هذا الشعور بالحاجة إلى الإصلاح واحد،
                وهو التغيير الذي حدث في الإسلام عندما اكتسحت أهله الأفكار العصرية والحضارة الأفرنجية ولا يمنع أن يكون الشعور مؤديًا إلى عاطفة الاحتجاج والحذر، أو إلى التوفيق والتحكيم؛ لأن كلا العاطفتين تجتمعان عند جعل الإسلام في مستوى الأفكار العصرية.

                وفي العالم الإسلامي الآن حركتان متناقضتان: يحمل لواء الحركة الأولى: رجال الصوفية والمشايخ من اليمن والصومال والبوادي وشعارها الرجوع إلى التعاليم المحمدية،

                والحركة الثانية يتولى زعامتها أنصار الإصلاح ومبشرو الدين الجديد في مصر والهند وجاوه وفارس، وهؤلاء يبنون أساسهم على رسم الطرق المعقولة ثم يقول زويمر: إن أشياع الإسلام الجديد يريدون أن يرموا من السفينة مشحونها لينقذوها من الغرق. وعنده أن مدينة مكة والطرق الصوفية هما من أكبر العوامل على بث شعور الوحدة بين المسلمين فإذا كان في أفريقيا عوامل أخرى فهي الأحوال المساعدة التي يتصف بها الإسلام ومركز بلاده الجغرافي وارتقاء الشعوب الإسلامية في السودان، وقال": إن التجارة في هذه الأصقاع كلها بين القبائل الإسلامية -ومن المحقق أن التاجر المسلم يبث في هؤلاء المواطنين مع بضاعته التجارية دينه الإسلامي وحضارته الراقية.
                وللإسلام في أفريقيا صديق يساعد على انتشاره هو الاستعمار الأوربي؛ فإن الذي يفعله الاستعمار بعد أن يسلب من الأمراء المسلمين سلطتهم السياسية هو أن يقرر الأمن ويمهد السبيل للمسلمين فالاستعمار
                (2/444)
                يسلب عن المستعمرات السلطة الإسلامية السياسية، ولكنه يزيد الإسلام نفوذًا وما زال الشيخ والدرويش هما صاحبا النفوذ في أفريقيا ولقد كانت كتابات زويمر كلها ترمي إلى إثارة الشبهة حول إمكانية مجاراة تيار الحضارة مع الاحتفاظ بمبادئ القرآن وتعاليمه، وكان يرى أن اتساع نطاق الحضارة من شأنه أن يقضي على مفاهيم الإسلام،
                وكان يعلن دائمًا أن هدف بعثات التبشير ليس إدخال المسلمين في المسيحية، وإنما إثارة الشبهات أمامهم فيحتقروا أمتهم، ويتنكروا لقيمهم الأساسية ويصبحوا ملحدين إباحيين ومن ذلك قوله: لقد تساءل اللورد كرومر مرة: هل يبقى الإسلام إسلامًا إذا دخل عليه الإصلاح، فأنا أقول بصفة قطعية أنه لا يبقى كذلك؛ لأن الإصلاحات تجهز عليه فالأركان الأساسية الموجودة في الإسلام كالحج وتعدد الزوجات والطلاق لا تستطيع الثبات في وجهة تيار المدنية الجارف والواقع أن كل ما وصل إليه دعاة التغريب من آراء هي في أساسها أهواء، وما وضعوه منها في صبغة "التقرير" قد ثبت بمرور الأيام أنه ليس صحيحًا، وأن الفكر الإسلامي العربي استطاع أن يوائم بينه وبين الحضارة والفكر العصري، وقد كان دائمًا قادرًا على التلقي والامتصاص ودومًا كان قادرًا على الحركة، مرنًا لا يجمد، وما يزال الإسلام قائمًا والفكر الإسلامي حيًّا إلى اليوم وبعد أن كتب زويمر ما كتب بنصف قرن وفي كتابه "الإسلام: ماضيه وحاضره ومستقبله"، أورد معلومات مضللة عن نفوذ المبشرين في أفكار الإسلام وعن تعداد المسلمين.
                ومن رأيه عدم مجادلة المسلمين بالبراهين العقلية بل الدخول عليهم من الجهة القلبية لاستجلاب عواطفهم واستمالة أهوائهم ومع أنه بروتستانتي فقد كان يستجمع البعثات الكاثوليكية والأثوذكسية ويدعو إلى توحيد العمل في شن الغارة على الإسلام وانتهاز فرصة الضعف التي مر بها العالم الإسلامي بعد الحرب العالية الأولى وقد أولى زويمر اهتمامًا بأواسط أفريقيا والنيجر ودعا إلى توسيع نطاق العمل بها وأبدى تخوفه من اتساع نطاقها.
                (2/445)
                وسجل في تقاريره تقدم الإسلام في هذه المناطق، "من مركزه الواسع في الشمال ومعاقله التي في السواحل إلى الجنوب والغرب الأفريقي"، وقال: إن المبشرين قد أخطأوا في تقديراتهم السابقة؛ لأنه تبين لهم فيما بعد أن بعض البلاد التي كانوا يحسبونها خالية من الأديان المعروفة، هي إما إسلامية محضة، أو أنها على أهبة الدخول في الإسلام"، وفي مؤتمر 1924 المنعقد في القدس كشف زويمر عن خطته الجديدة وصاغ خلاصة تجاربه في عمل جديد، هو ما ألمحنا إليه من الاتجاه إلى التحول في الأساليب لا في الغايات، وإخفاء التبشير وإبراز التغريب، والاعتماد على الأساليب الخفية الحتمية عن طريق المناهج الدراسية والصحف وإثارة الشبهات حول قضايا الدين واللغة والتاريخ والتراث

                وهذا مجمل خطته: "لقد صرفنا من الوقت شيئًا كثيرًا، وأنفقنا من الذهب قناطير مقنطرة، وألفنا ما استطعنا أن نؤلف وخطبنا ومع ذلك كله فإننا لم ننقل من الإسلام إلا عاشقًا بنى دينه الجديد على أساس الهوى.
                فالذي نحاوله من نقل المسلمين عن دينهم هو باللعب أشبه منه بالجد


                وقال: وعندي أننا يجب أن نعمل حتى يصبح المسلمون غير مسلمين. إن عملية الهدم أسهل من عملية البناء في كل شيء إلا في موضوعنا هذا؛ لأن هدم الإسلام في نفس المسلم معناه هدم الدين على العموم وأعلن أن الأحوال السياسية في جميع البلاد الإسلامية أصبحت ملائمة لأعمال التبشير، وأن العراقيل من بعض الحكومات قد أزيلت، وأن الحرب العظمى جعلت العديد من المسلمين على صلة مباشرة بالحضارة الغربية، وهم يزورون الأقطار الأوربية زرافات، وألوف من الطلاب المسلمين يهاجرون من آسيا ليتعلموا في أوربا وسيل من العمال والصناع يتدفق من شمال أفريقيا على فرنسا ويبلغ عدد الذين يزورون باريس سنويًّا أكثر من الذين يحجون إلى مكة، وأنه لا بد من عمل مجهود لإيجاد الاستعداد الفكري والذهني لقبول جهود المبشرين
                (2/446)
                عن طريق إدارات التربية والتعليم والمعارف والصحف والكتب والسينما والمسرح وقد وسعت وسائل النشر الحديثة المجال لنمو الصلة بين المسلمين والحضارة الغربية.
                وقال: إن التطورات الحديثة الحادثة بنطاق واسع في جميع أنحاء العالم الإسلامي قد دعت بالضرورة لأن يتخذ "التبشير" شكلاً جديدًا ملائمًا للحالة الجديدة في الشرق الإسلامي وقد أمكن أن نتبين بدلائل قاطعة أن الإسلام قد انتقض غزله وحلق به الضعف وتفككت حزمته، وعلى الإجمال أصبحت الروح القومية تدحر روح الجامعة الإسلامية وتحل محلها، فإن المسلم التركي على سبيل المثال أخذ ينقلب ليصير تركيًّا أكثر منه مسلمًا.
                وكان لإلغاء الخلافة تأثير عميق ليس فقط في تركيا بل في جميع العالم الإسلامي، وقد أخذت الظواهر تتكاثر في النواحى لتدل بصفة قاطعة على انحلال الرابطة الاجتماعية في الإسلام وآثار هذا الانحلال نراها جلية في تطور مكانة المرأة وعلى الأخص في المدن. ومن ثمار هذا الانقلاب النسائي على الزواج المبكر والتوسعة في الحرية على المرأة.
                أما الانقلاب الفكري في الإسلام فظاهر لا يحتاج إلى بيان، فأينما أدار الإنسان وجهه وجد تعطش المسلمين للمعارف، وطلب العلوم، وتتكون الآن عقلية جديدة في المسلمين هي نتيجة الاحتكاك والاتصال بالعلوم الغربية والحضارة الغربية، وفوق كل هذا، الأمر العظيم الذي يقف الإنسان عنده حائرًا معتبرًا هو انحلال العروة الدينية في الإسلام، حتى أنك ترى من المسلمين من قد أصبحوا في عماية من أمرهم لا يدرون كيف يتقدمون، ولا كيف يتأخرون لوقوعهم في الحيرة .. اهـ.
                هذه هي أفكار (صمويل زويمر) المبشر الأكبر الذي رسم مناهج الدعوة إلى تغريب الفكر العربي الإسلامي، وعمل في الميدان أكثر من 35 عامًا
                (2/447)
                وعقد عديدًا من المؤتمرات في الجزائر والقدس والقاهرة .. ولكن كيف تبدو آراؤه اليوم بعد أكثر من ثلاثين عامًا .. ؟ أنها في الحق تبدو مجرد أوهام وتكهنات لم تصدق، فإن الإسلام لم تنحل عروته، والتجار المسلمون والطرق الصوفية استطاعوا غزو أفريقيا غزوًا قويًّا وبعثات التبشير المزودة بالجاه والمال لم تحقق إزاءه تقدمًا يذكر.
                ولم تؤثر القومية على روح الأخوة الإسلامية بل زادتها قوة، ولدينا في العالم الإسلامي الآن منظمة الوحدة العربية ممثلة في الجامعة العربية ومنظمة العمل الإسلامي الثقافي الموحد ممثلة في رابطة العالم الإسلامي ومجمع البحوث والمؤتمر الإسلامي وكلها تسير في هدفها دون تعارض. ولم تصدق آراؤه التي استقاها من الخبرة الطويلة في نتائج بث الأفكار المسمومة والمغرضة عن الإسلام واللغة العربية واستطاع العرب والمسلمون أن يكشفوا زيفها، وأن يردوا عليها وأن يتجنبوها. والهدف الأكبر الذي سعى إليه وهو إثارة الشكوك عن طريق الطلاب الذين يسافرون إلى أوربا قد باء بالخسران، فإن أكثر الذين حملوا لواء الدعوة إلى الإسلام والدفاع عنه والذين آمنوا بمقومات الفكر العربي أساسًا تعلموا في أوربا، ولا زلنا نذكر الدكتور يحيى الدرديري، ولطفي جمعة والدكتور غلاب وعلي مظهر، ومنصور فهمي، والدكتور هيكل، وعمر الدسوقي ومالك بن نبي، أو ممن تعلموا في معهد الإرساليات: كالدكتور عمر فروخ والدكتور مصطفى الخالدي فضلاً عن أنه قد تحول كثيرون ممن أثرت فيهم خدعة الاستعمار، والغزو الثقافي، وبقي الآخرون في الظل وقد كشفهم العرب المسلمون وتحاموهم، ولم يضعف الإسلام بانحلال الخلافة بل قامت دولة إسلامية هي الباكستان وزاد عدد المسلمين حتى بلغ الآن ألف مليون مسلم. وبذلك سقط منهج الفكر والبحث في الإسلام عند أمثال هؤلاء الدعاة الذين كشفوا عن هدفهم في القضاء على روح الإسلام وقيمه ومفاهيمه.
                (2/448)
                * مع رئيس الشياطين زويمر مرة أخرى:
                من أهداف التبشير التي أعلنها زويمر في مؤتمرهم قبل الحرب العالية الأولى "هدم الإسلام من قلوب المسلمين، حتى إذا أصبحوا غير مسلمين سهل علينا أو على من يأتي بعدنا أن يبنوا النصرانية في نفوس المسلمين، أو في نفوس من يتربون على أيديهم" (1).
                - وقال زويمر لتلاميذه: "إنكم أعددتم شبابًا في ديار الإسلام لا يعرفون الصلة بالله، ولا يريدون أن يعرفوها، وأخرجتم المسلم من الإسلام، ولم تدخلوه في المسيحية، وبالتالي جاء النشء طبقًا لما أراده له الاستعمار".
                - ولما انعقد مؤتمر القدس الأول التبشيري في يافا 1924 بإشراف ورئاسة زويمر هاج المسلمون وتناولوا زويمر في قصائدهم ومن أبرزها قصيدة الشاعر الصاوي علي شعلان بعنوان "كيف نودع رئيس الشياطين؟ " إلى الدكتور زويمر جاء في مطلعها.
                ألا أبلغْ زويمر والعذارى ... كأمثال الظبا أبت القفار
                ترتل في كنائسها صلاة ... فتبعث من فؤادك ما توارى

                - وبلغ من نشاط هذا الشيطان أنه ذهب إلى الأزهر الشريف مع ثلاثة من الأجانب من بينهم امرأة، فتبعه مراقبو الجامع الأزهر لعلمهم بنشاطه التبشيري، ودخل المبشرون معه حلقة درس الشيخ سرور الزنكلوني وفي أثناء شرحه لسورة "التوبة"، وزع على الطلبة ثلاث رسائل تتضمن تفسيرات نصرانية لآية الكرسي وأسماء الله الحسنى، ثم ترك الحلقة إلى غيرها يوزع رسائله، وأهاج هذا الأمر نحوًا من ثلاثة آلاف طالب أزهري كانوا موجودين وقتها، ومزقوا الرسائل. وكتبت صحيفة "الفتح" متعجبة أن تبلغ الجرأة
                __________
                (1) مجلة الفتح، عدد 91 - 21 شوال 1346 هـ - 2 أبريل 1928.
                (2/449)
                بالمبشرين أن يدخلوا معقل الدعوة الإسلامية في مصر وهو الجامع الأزهر الشريف ويوزعوا الكتب التبشيرية بين طلابه، الأمر الذي أحدث ردود فعل واسعة النطاق في أروقة الجامع الأزهر، إذ طالب علماؤه بالتصدي لهذه الزمرة من المبشرين الذين يهاجمون الإسلام في عقر داره" (1).
                - وانظر إلى علو كعب زويمر في التبشير:
                كتب القس زويمر في مجلة "العالم الإسلامي" التبشيرية والتي يشرف على تحريرها في عدد أبريل 1931 م تحت عنوان "المساحات التي لم تحتل بعد" ذكر فيها أن الأقاليم التي لم يزرها المبشرون للآن يجب أن تكون موضع اهتمام الكنيسة وميدان جهادها، ولا ينبغي أن يبقى في هذا القرن العشرين للتاريخ المسيحي مكان على وجه الأرض لا تطأه قدم المبشر "وأشار إلى أن أكثر البلاد التي لم يحتلها المبشرون إنما تقع في دائرة العالم الإسلامي" (2).
                ومن أبرز الكتاب الذين هاجموا التبشير في الصحف الإسلامية: الشيخ محب الدين الخطيب والشيخ رشيد رضا، والدكتور عبد الحميد سعيد والشيخ عبد الرحمن الساعاتي والأستاذ حسن البنا وشكيب أرسلان وعجاج نويهض والشيخ حسن الطويل (3).

                * مرجليوث وكتابه العفن "محمد وظهور الإِسلام" وقوله: أن النبي كانت تنتابه النوبات العصبية "الصرع" كثيرًا:
                يعد مرجليوث من كبار المستشرقين الإنجليز، وكان أستاذ الدراسات
                __________
                (1) افنتح، عدد 64 - 4 ربيع الآخر 1346 هـ - 29 سبتمبر 1927.
                (2) "صحافة الاتجاه الإسلامي في مصر فيما بين الحربين العالميتين" للدكتور جمال عبد الحي النجار (ص 396 - 397) - دار الوفا.
                (3) انظر المصدر السابق (ص 417) بتصرف.
                (2/450)
                الإسلامية في جامعة أكسفورد، وله اتصال واسع المدى مع المصريين بعد الاحتلال البريطاني. وقد اتصل به الشيخ عبد العزيز جاويش وهاجمه عندما أصدر كتابه (محمد وظهور الإسلام).
                ومنذ عام 1907 تناولت الصحف في مصر آراءه فقد أصدر في ذلك الوقت كتابًا عن النبي محمد وجعله حلقة من سلسلة عظماء الأمم، وصفه سليمان الندوى فيما بعد بأنه لم يؤلَّف بالإنجليزية كتابٌ أشد تحاملاً على النبي منه، حاول فيه مرجليوث أن يشوه كل ما يتعلق بالسيرة، وأن يشكك في أسانيدها، ولم يأل جهدًا في نقض ما أبرمه التاريخ ومعارضة ما حققه المحققون من المنصفين. وقد أشار الشيخ جاويش إلى آراء مرجليوث، وقال: إنه -أي مرجليوث- حارب التاريخ كما حارب الإنصاف وحمل على الرسول حملات منكرة وأشار إلى قول مرجليوث: "إن المسلم معناه في الأصل الخائن، وعلل ذلك بأن هذه الكلمة مشتقة من اسم مسلم"، وادعى مرجليوث أن النبي كانت تنتابه النوب العصبية كثيرًا وزعم المؤلف أن النبي عاشر بعض النصارى فاستفاد كثيرًا من القصص واقتبس بعض أساليب التعبير، وعلل زواجه بخديجة بطمعه في مالها". وقد صارت آراء مرجليوث مصدرًا للمتعصبين من الكتاب الغربيين ومن ذلك ما نقله عنه مستر سكوت وأثار كثيرًا من الاعتراضات. وقد أشار رضا إلى أن السبب في أكثر غلط مرجليوث وخطأه في السيرة هو التحكم في الاستنباط والقياس الجزئي وبيان أسباب الحوادث كما هو شأنهم في أخذ تاريخ الأقدمين من الآثار المكتشفة واللغات المنسية ونقص فهمهم. كما أشار صاحب المقبس (محمد كرد علي) إلى كتابه عظماء الأمم فقال: إنه لم يؤلف كتاب بالإنجليزية أشد تحاملاً على النبي مما جاء بهذا الكتاب فقد حاول مرجليوث أن يشوه كل ما يتعلق بالسيرة الشريفة، وأن يشكك في أسانيدها ولم يأل جهدًا في نقض ما أبرمه التاريخ.
                ويعارض ما حققه من المثقفين ومرجليوث له فرض في الشعر الجاهلي نشره
                (2/451)
                في يوليو 1935 في إحدى المجلات الاستشراقية، وفي 1926 نقله طه حسين في كتابه المشهور عن الشعر الجاهلي،
                يقول مالك بن نبي: ربما لم يكن فرض مرجليوث ليحتوي على شيء خاص غير عادي لو أنه حين نشر لم يصادف ذلك الترحيب الحار من المجلات المستغربة، ومن بعض الرسالات التي يقوم بها دكاترة عرب محدثون، حتى لقد كسب هذا الفرض قيمة المقياس الثابت في دراسة الدكتور صباغ عن (المجاز في القرآن) وقد رفض الدكتور صباغ رفضًا مقصودًا مغرضًا الاعتراف بالشعر الجاهلي كحقيقة موضوعية في تاريخ الأدب العربي".
                وكتب مرجليوث مقالاً نشر عام 1904 فردد قول برايس من أن الإسلام لم يبق من عمره إلا قرنان كما أعاد ما قاله أحد المبشرين من أن الإسلام لا يلبث أن يذوب ذوبان الثلج بين يدي العلم والتمدن والنصرانية كما نقل رأي الدكتور بروين الذي قال": إن الإسلام يذهب بذهاب الدولة العثمانية ومضى يردد الكلمات التقليدية التي يرددها المتعصبون وخدام الاستعمار من أن الإسلام لن يبقى بعد احتكاكه بالتمدن الحديث ويموت لا محالة كما ردد ما قاله أحد كتاب التغريب من أن الانحطاط الذي يعيشه المسلمون -في هذه الفترة- يرجع إلى أسباب متصلة بالإسلام نفسه؛ لأنه لا يوافق روح التمدن وهكذا يتكشف في كتاباته جماع منسق لما تورده حملات التشكيك التي لا يرقى كتابها إلى مقام العلماء ونقد العلامة عبد العزيز جاويش هذا الكتاب (محمد وظهور الإسلام) لمرجليوث فقال:
                كتاب وضعه مستر مرجليوث: ظهر هذا الكتاب من نحو سبعة أعوام ونفوس الإنجليز والأمريكيين ترقبه لما لذلك الرجل عندهم من المكانة العلمية الرفيعة ولا سيما وهو مشغوف بدعوى أنه محيط بأكثر لغات العالم، فتراه يدعي العلم بالإسبانية والفرنسية والإيطالية والألمانية والعربية والفارسية والعبرانية، وقد كنت إبان ظهور الكتاب في مدينة أكسفورد حيث المؤلف، لما ذكرت له رغبتي
                (2/452)
                في شراء كتابه وعد أن يقدم لي منه نسخة ثم جعل يتباطأ تارة ويتناسى أخرى حتى مللت وعوده، وظننت أنه لا بد لهذا الكتاب من سر يريد إخفاءه عني ولا سيما والمؤلف يعلم أنني ضعيف الثقة بكثير من المستشرقين سيئ الظن بهم وقد كنت في الواقع كذلك، ولكن بعد أن خبرتهم وسبرت غور معلوماتهم وتتبعت مبلغ كفاءتهم، ولولا أنني وجدت من بينهم أفذاذًا قليلين جدًّا لا اطمأنت نفسي إلى أحد منهم فلما حصلت على الكتاب وتصفحته ثم درسته بابا بابًا وكلمة كلمة، حتى جئت على آخره فوجدته عند ظني به، وجدته حارب التاريخ كما حارب الإنصاف وحمل على الرسول عليه السلام حملات منكرة، ويظهر أن المؤلف توقع أن لا يقع كتابه إلا في أيدي البله ولا يطلع عليه إلا الأغرار، فلم يبال إن جاء فيه بمحدثات لو أنه تدبر لما اجترأ على الإقدام عليها فمن ذلك أنه يقول: إن المسلم معناه في الأصل (الخائن) وعلل ذلك بأن هذه الكلمة مشتقة من اسم مسلمة، ثم زعم أن المسلمين سموا أنفسهم بذلك من غير تدبر ثم حولوا هذه المادة إلى معنى التسليم المشهور اليوم وادعى المستر مرجليوث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت تنتابه النوب العصبية كثيرًا، وفسر بذلك ما كان يصيبه - صلى الله عليه وسلم - من الجهد خلال نزول الوحي مع أنه عليه السلام لم يعرف في تاريخ حياته أنه كان يصاب بأمثال تلك النوبات العصبية قبل زمن البعثة ومقدماتها.
                وزعم أن ما كان من بلاغ النبي ورسالاته لم يكن وحيًا يُوحى وإنما آراء وأنباء يجيئه بها جواسيسه وعيونه.
                وقال أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - والذين آمنوا به قد كونوا جماعة سرية على
                نحو ما يفعل الماسون، وأن هذا الجمع السري قد اتخذ له بضع رموز منها قولهم: "السلام عليكم"، وللمستر مرجليوث عدة تأويلات من أعجب ما يرى الراءون فمن ذلك ما قاله في التوحيد الذي هو روح الإسلام فلقد زعم
                (2/453)
                أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نظر في تعاليم النصارى واليهود فأخرج منها ما لا يقبله العقل وكان (الله) أحد أصنام الكعبة قبل الإسلام فوفق بين إله اليهود والنصارى وجعلهما واحدًا، فكيف يكون التوحيد هو عين التثليث إلا في نظر من يغالطون في القضايا الحسابية العقلية. ولو أن الكاتب أراد أن ينصف الحق والتاريخ لقال بما قال به القرآن في أكثر من آية من أن التوحيد هو دين جميع رسل الله وأنبيائه. ومما ورد في الكتاب في تعليل إسلام عمر بن الخطاب بأن سر انقلاب عمر من اضطهاد أخته وضربها إلى مجاراتها والمبادرة باعتناق الإسلام بأنه تأثر من رؤيتها مجروحة بسبب قسوته وتسرعه فأحب أن يكفر عن سيئته هذه فأظهر إعجابه بالقرآن ورضي الإسلام دينًا يتصفح الناقد هذا الكتاب فيتمثل صاحبه إذ أخذ يدافع عن اليهود كأنه يهودي المنبت، وإذا كتب للدفاع عن النصارى فكأنه هو نصراني صميم. وإذا ذكر حوادث الوثنيين من العرب، وما أصاب النبي من أذاهم وكيدهم طرب طربه ممن دبر تلك الحكاية وأمعن في إيصالها إلى الرسول قد اشتهر مستر مرجليوث بقدرته البليغة وعمله الواسع باللغة العربية، وأنا لا أريد أن أذكر هنا رأيي في هذا المستشرق الشهير اكتفاء بحادثة وقعت لنا في جامعة أكسفورد. ذلك أنني كنت مدعوًّا معه في بعض المنازل فلما كنا على المائدة سألني بعض الحاضرين: هل سبق لي أكل لحم الجزور، فأجبته أنني لا أذكر ذلك، وربما اتفق لي هذا وأنا صغير، فلما سمع الأستاذ مرجليوث هذا الكلام قال: كيف ذلك، وعلى كل مسلم فرض أن يأكل لحم الجمال ولو مرة واحدة في حياته؛ لأنه من قواعد الإسلام، عند ذلك أجبته وأنا دهش مما قال: يا سيدي إنني أعرف أن قواعد الإسلام خمس، أما هذا السادس فلا أعرفه، بيد أني أستميح الأستاذ عفوًا أن يذكر لي مأخذ هذا الحكم فقال: أنه ورد في "صحيح البخاري" إنه قد جاء أحد اليهود إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال له: إني جئت أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فأجلسه الرسول - صلى الله عليه وسلم -
                (2/454)
                وأمر له بلحم جزور، ومن هنا استنبط مستر مرجليوث أنه يجب على كل مسلم أن يأكل لحم الجزور وأن هذا من العوائد الإسلامية التي ينهدم الدين بانهدامها، فلما فرغ قلت له: إن صح وجود هذا الحديث في البخاري فالذي يفهمه المسلم الذي يفقه اللغة العربية منه أحد أمرين: فإما أن يكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - أراد يقدم لذلك اليهودي شيئًا من الطعام؛ لأنه ضيفه في بيته، وإما أنه أراد أن يمتحن إيمان اليهودي بإطعامه شيئًا مما حرمه الله على بني إسرائيل في التوارة من أجزاء اللحم، ثم تلوت الأدلة المفيدة لذلك، فبهت الأستاذ، ولكن لم تجسر قوة المكابرة وشدة العناد التي فطر عليها الأوربيون ولا سيما المستشرقون منهم على أن تحوله عن رأيه وبمثل كلام هذا الأستاذ يقتدي واضعو الكتب التاريخية القانونية وعن مثله ينقل أمثال مستر سكوت آداب الإسلام ودقائق أسراره.


                ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                تعليق



                • * لورانس الخائن للعرب والمسلمين وكتابه "الأعمدة السبعة":
                  إن الجانب الذي يهمنا من دراسة هذا المغامر البريطاني في هذا المجال هو كتاباته عن العرب في كتابه "أعمدة الحكمة السبعة" فقد كشف في كتابه عن حقد وكراهية للعرب والمسلمين ولتاريخهم، وحاول التقليل من شأنهم ورميهم بالجهل والتخلف. فضلاً عن مغالطاته المتعددة وأخطائه التاريخية وأبرز ما يؤكد ذلك قوله بالنص: "لقد كنت أعلم أننا إذا كسبنا الحرب فإن عهودنا للعرب ستصبح "أوراقًا ميتة" غير أن الاندفاع العربي كان وسيلتنا الرئيسية في كسب الحرب الشرقية، وعلى ذلك فقد أكدت لهم أن بريطانيا سوف تحافظ على عهودها نصًّا روحًا فاطمأنوا إلى هذا القول وقاموا بالكثير من الأعمال المدهشة، ولكني في الواقع بدلاً من أن أشعر بالفخر لهذا الذي فعلته، كنت أشعر دائمًا بنوع من المرارة والخجل، لقد ذهبت إلى الصحراء غريبًا لا أملك أن أفكر على طريقة أهلها ولا أن أشاركهم معتقداتهم، ولكنه
                  (2/455)
                  كان علي أن أقود العرب، وأن أستخدم حركتهم إلى أقصى حد لصالح بريطانيا في الحرب، وإذا لم أكن أقدر على التطبع بطباعهم فعلي على الأقل أن أخفي ما عندي وأن أتسلل بنفوذي بينهم، إن الرجل إذا ألقت به الظروف إلى من لا يماثلونه عاش بينهم ولا ضمير له؛ لأنه قد يعمل ضد صالحهم أو يستميلهم إلى غير ما يحبون لأنفسهم، وهو يتحايل بدهائه ليغلب دهاءهم وهكذا كنت مع العرب، كنت أقلد أحوالهم فيقلدونني حكاية واقتداء، وكنت أخرج علي مألوفي وأتظاهر بمألوفهم، لقد كان بعض الإنجليز وعلى رأسهم كتشنر يعتقدون أن ثورة يقوم بها العرب على الأتراك تساعد إنكلترا وهي تحارب ألمانيا على دحر خليفتها تركيا، إنني لم أبلغ درجة من الحمق تجعلني لا أدرك أنه لو قُضي للحلفاء أن ينتصروا وأننا لو كسبنا الحرب فإن هذه الوعود سوف تكون حبرًا على ورق، ولو كنت مناصحًا شريفًا للعرب لنصحتهم بالعودة إلى بيوتهم وسرحت جيشهم وجنبتهم التضحية بأرواحهم ودعوتهم إلى عدم المخاطرة بحياتهم في مثل هذه الحرب، أما الشرف فقد فقدته يوم أن أكدت للعرب بأن بريطانيا ستحافظ على وعدها لقد كان قواد الحركة العربية يفهمون السياسية الخارجية فهمًا عشائريًّا بدويًّا، وكانت طبيعة قلبهم وصفاء نيتهم وانعزالهم عن العالم الغربي تخفي عليهم ملتويات السياسة وأخطاءها وتشجع البريطانيين والفرنسيين على القيام بمناورات جريئة يعتمدون في نجاحها على سذاجة العرب وضعفهم وبساطة قلوبهم.
                  وكانت لهم بساطة في التفكير وثقة في العدو إنني أكثر ما أكون فخرًا أن الدم الإنجليزي لم يسفك في المعارك الثلاثين التي خضتها؛ لأن جميع الأقطار الخاضعة لنا لم تكن تساوي في نظري موت إنجليزي واحد، لقد جازفت بخديعة العرب لاعتقادي أن مساعدتهم كانت ضرورية لانتصارنا القليل الثمن في الشرق، ولاعتقادي أن كسبنا للحرب مع الحنث بوعودنا أفضل من عدم الانتصار" اهـ.
                  (2/456)
                  وأعتقد أن هذه النصوص كافية لكي تكشف حقيقة لورنس والدور الذي قام به في العالم العربي، وآية خداع لورنس وتآمره على العرب ما سجله (وايزمان) في كتابه "التجربة والخطأ" قوله: وأود أن أعلن في هذا المجال تقديري للخدمات الجليلة التي أسداها لقضيتنا الكولونيل لورنس، لقد اجتمعت به في مصر وفلسطين، وقابلته فيما بعد مقابلات عدة، إن علاقته بالصهيونية علاقة إيجابية على الرغم من تظاهره بالميل للعرب وقد ظل اسم لورنس يدوي مصورًا تلك المغامرة السحرية الجريئة التي قام بها والعمل البطولي الذي وصف من أجله بأنه سلطان الصحراء العربية، وملك العرب غير المتوج حتى توفي في 19 مايو 1935. ثم ظهرت بعد ذلك كتابات كشفت وجهه الحقيقي، كتبها أمثال ريتشارد الدنجتون في كتابه "لورنس الدجال" وجان بيروفيلار الكاتب الفرنسي، ولويل توماس، وروبرت جرنفر، والكابتن ليدل هارت، فكشفوا عن حقيقته وأظهروا عشرات المغالطات التي ملأ بها كتابه، وعزوا سر اندفاعه ومحبته للظهور إلى سبب باطني، ذلك أنه كان ابنًا غير شرعي لأمه، ووصفوه بأنه كان متحمسًا للقضاء على الإمبراطورية العثمانية لتأكيد سطوة الاستعمار البريطاني وحده.
                  وإن ما ادعاه من محبته للعرب، ومقابلته للملك البريطاني مع فيصل بالعباءة والعقال العربي ورفضه قبول الوسام إنما كان هذا كله تغطية لموقفه، وبلوغًا بالمسرحية إلى غايتها. وقد دحض ريتشارد الدنجتون في كتابه هذه الأسطورة البطولية، ليحل محلها إنسان مليء بالعقد والشذوذ.
                  وعنده أن لورنس هو الذي عمل على اجتماع فيصل وحاييم وايزمان في باريس 1919 وهو الذي كتب الاتفاقية التي وقعها كليهما. وكان لورنس يطلق على الثورة العربية "تقطيع أوصال الدولة العثمانية"، وهدفه إيقاع الخلاف وتعميقه بين العرب والترك وقد عرف أنه لم يصل إبان الحرب العالمية مصادفة، ولكن العمل الذي قام به كان بدء ربيع 1914 عندما وصل إلى
                  (2/457)
                  الشرق، متخذًا من (فن البناء العسكري الصليبي) موضوعًا لدراسته، وكان قبل ذلك ملتحقًا ببعثة أوفدت إلى وادي الفرات للبحث عن آثار الحيثيين، وهكذا كانت خطته في دراسة الصحراء تختفي وراء عمل علمي بحت، هو دراسة البادية والمدن العربية والإلمام باللهجات التي يتكلمون بها والوقوف على عاداتهم، ثم استخدمه الإنجليز في ديوان الاستخبارات بعد ذلك حتى وصل جدة 1916 واتصل بفيصل وعمل معه.

                  * هنري لامنس الراهب اليسوعي المؤرخ الكذاب:
                  يعد (هنري لامنس) من أشد المستشرقين تعصبًا على الفكر العربي الإسلامي وقد بالغ في التعصب على الإسلام حتى أعلن المنصفون شكهم في أمانته العلمية، وقالوا: إنه لا ينسى عواطفه فيما يكتب عن النبي والإسلام، وإنه كان داعية ولم يكن عالمًا، وقد عرف بتهكمه على النصوص العربية، كما وصف بإرهاقه للنصوص وتحميلها أكثر مما تحتمل، فإذا وجد في الإسلام موضعًا للفضل ذهب بنسبته إلى مصدر غير إسلامي. ولد عام 1862 في بلجيكا واتخذ لبنان موطنًا ودرس في الكلية اليسوعية ببيروت، واشتغل بالتدريس فيها من 1886 وتخصص في تاريخ الشرق الأدنى وحضارة أهله، وأتقن اللغة العربية وعين 1907 أستاذًا في معهد الدراسات الشرقية في الكلية اليسوعية ببيروت، وتوفي في (مايو 1937) ووصف بالراهب المؤرخ وأخذ عن جولد زيهر ونولدكه وكيناني وولهوزن وله كتاب عن حياة محمد لم توافق دوائر الفاتيكان على نشره خشية أن يؤدي ما فيه من طعن وتهجم إلى احتجاج الأمم الإسلامية، وله كتاب "فاطمة وبنات محمد"، وكتابه عن الثلاثة: أبو بكر وعمر وأبو عبيدة (ومغزى الربط بينهم هو ادعاؤه بأنهم تآمروا على الخلافة بعد وفاة النبي دون علي)، ويقول: فييت: إن كتابه عن فاطمة وبنات محمد يسوده التعصب والاتجاه العدائي.
                  (2/458)
                  - وقد تحيز لامنس للأمويين ووقف جانبًا كبيرًا من جهوده العلمية لدرس تاريخهم السياسي وخلافهم مع العباسيين، ومصدر إعجابه ببني أمية أن دولتهم كانت في تقديره -لا دينية- ولأنهم أقاموا ملكهم في الشام وتأثروا بالمدنية القديمة التي أقامت في ربوعه.
                  - يتهم الأب لامنس في جميع مؤلفاته رواة السيرة بأنهم مخترعون ولكنه لا يحجم عن الاعتماد على رواية من رواياتهم إذا استطاع أن يلمح فيها مطعنًا على الإسلام.
                  - وهو إن تكلم عن السيدة عائشة لم يجد من مفردات الفرنسية إلا كلمة (
                  Favorite) ليصف بها زوجة النبي، وأقرب ترجمة لها بالعربية (محظية).
                  - ويذكر هذا المجرم أن رقية ابنة النبي - رضي الله عنها - كانت جميلة وأن عثمان ابن عفان - رضي الله عنه - إنما اعتنق الإسلام ليتزوجها.
                  - وقد سجل عليه تعصبه زملاء له من أعلام الاستشراق في مقدمتهم: بيكرودسو، وجور فروا، وبمومبين، وماسيه، وقال (فييت) في نعي لامنس بجلسة 10 مايو 1937: إنه من الصعب أن نقبل كتاب "فاطمة وبنات محمد" في ثقة ودون تحفظ فإن التعصب والاتجاه العدواني يسودانه إلى حد كبير. وهكذا ترى أن الأب لامنس كان من أشد المتعصبين على الإسلام، وكان المستشرقون يعرفون في لامنس هذا العيب الكبير ويأخذونه به.
                  - وادعى هذا الكاذب أن أبا بكر وعمر وأبا عبيدة - رضي الله عنهم - اجتمعت كلمتهم في أواخر عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يحتكروا الحكم بعد وفاته ويتداولوه واحدًا بعد واحد. وأن اثنتين من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، هما عائشة وحفصة - رضي الله عنهما - مهدتا لهم السبيل، وأن هذه المؤامرة قد نجحت إلى حد بعيد، وقد ردّ عليه الأستاذ عبد الحميد العبادي فأفحمه، وممن ردّ على لامنس فأجاد الأستاذ
                  (2/459)
                  كرد علي.
                  - وقد ذكر أن عالم قريش خالد بن يزيد تلميذ راهب ولم يقل كلمة واحدة في أثر هذا الراهب عليه.
                  - وادعى أن شيخ الإسلام ابن تيمية هو صاحب "المذهب الارتجاعي" وأن عمله مختل، وأنه كان لا يفتر عن مقاتلة البدع، وقضى حياته وهو يسوق أبناء أمته في سبيل التعصب.
                  - وادعى هذا الدجال بأن الفقه الإسلامي قد تأثر بالفقه اليوناني.
                  ووصف صلاح الدين الأيوبي بالطمّاع ووصف وقائع الحروب الصليبية بالبسالة، وصور ملوك الصليبيين على الغاية من النجدة والعقل، وقال: إن ترك صلاح الدين للأسرى الصليبيين يوم فتح بيت المقدس أحياء ولم يعمل السيف فيهم مثلما فعلوا هم يوم أخذوا القدس قال: إن هذا العمل كان عن "عجز وخوف". واعتذر عن فعلة الصليبيين في بيت المقدس بأن هذه المدينة عوملت بما تقضي به الأخلاق الحربية في ذلك العهد.
                  وقال: إن دور الأكراد الأيوبيين كان قليل البهاء.
                  - ولا يعترف لامنس الدجال بأنه قامت للعدل سوق في ديار الشام منذ فتحها العرب.
                  - وقال كرد علي: إن (لامنس) ألف تاريخًا مختصرًا للشام لم يذكر فيه للإسلام ولا للعرب محمدة من ثلاثة عشر قرنًا ونصف قرن، ووصف العربي بأنه ليس شجاعًا وأنه على استعداد للنهب. كما تمدح الصليبيين - وهم بشهادة المؤرخين- من أهل الخبث والفجور، وادعى أن الصليبيين عاملوا الأهالي في الحروب الصليبية معاملة حسنة. وفي تقدير الباحثين أن لامنس أضعف من شأن أكثر مؤرخي العرب أمثال الطبري والبلاذري وابن سعد والأصفهاني وابن الأثير وابن خلدون وأبي الفداء، ووثق بعض القصاص
                  (2/460)
                  الوضاع، وقد ذكر إميل درمنجم وهو من كتاب الغرب الأب لامنس باللوم، وقال: إن كتبه قد شوهت محاسنها بما بدأ في تضاعيفها من كراهية الإسلام ورسوله وأنه استعمل إلى التاريخ طرقًا بالغ فيها بالنقد".
                  - وقال كرد علي: إن لامانس نشر أخطاءه وأكاذيبه في دائرة المعارف الإسلامية، ومن عمله تحريف آيات القرآن، وحذف ما لا يروقه من كتب المسلمين وخلط الآيات القرآنية بأبيات من الشعر، وبجعل الأحاديث النبوية من كلام بعضهم، ومن ذلك اقتطاع جملة واحدة من نص طويل وإيراد الخرافات المنقولة من كتب الوضاعين والقصاصين، مدعيًّا أنها منقولة من كتب الثقات الأثبات.
                  - وادعى هذا الدجال الراهب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان رجلاً غير أمين!!! قليل الشجاعة أكول ونؤوم قال هذا في كتابه "هل كان محمد صادقًا"، ووصفه بأنه أسلم نفسه للتمتع بلذات العيش، وأنه مصروع، وادعى أن النبي لم يكن له ولد يُسمّى القاسم وأن فاطمة عليها السلام تزوجت في سن متقدمة وأنها لم تكن حسنة الصورة.
                  - ولقد أبدى هذا الراهب إعجابًا كبيرًا في مقال له "نظرة في حاضر الإسلام" نشره في المشرق سنة 1930 لما بلغ إليه الأمر من أن التعليم القرآني في تأخر مستمر ومطرد في البلاد الإسلامية المستقلة، وأن تطور التعليم الرسمي في المعاهد العالية والثانوية يتحرر شيئًا فشيئًا من تأثير الدين حتى يصبح لا دينيًّا محضًا، وأن دعاة التطور قد مدوا أصابعهم داخل الجامع الأزهر، والزيتونة، وأشار إلى أن ذلك سيؤدي إلى اضطراب الشبيبة الإسلامية في مبادئها وعقائدها وأن ذلك سيؤدي إلى صدمة قوية يعانيها الإسلام.

                  ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                  تعليق


                  • * القس اليسوعي لويس شيخو الصليبي المتعصب ورسالته "خرافات القرآن":
                    يعد لويس شيخو من أقسى المستشرقين على الإسلام والفكر الإسلامي وفي مجلة المشرق التي أصدرها منذ ربع قرن حملات متصلة وإشارة مستمرة للشبهات، وفي مجال دراساته الأدبية لا ينسى خصومته وتعصبه ففي عشرات المجالات والأبحاث يتناول الإسلام والفكر الإسلامي على نحو لا يشرف العالم أو الباحث. ومن أبرز آثاره رسالة أسماها "خرافات القرآن" ترجمها زويمر عام 1914 وانتفع بها دعاة التبشير في مصر والبلاد العربية في الطعن على الإسلام ونشرها في مجلة العالم الإسلامي.


                    ولويس شيخو قس يسوعي ولد بماردين وتعلم بمدرسة الآباء اليسوعيين في غزير بلبنان وانتظم في سلك الرهبانية اليسوعية وتنقل في بلاد أوربا والشرق، وقد عهد إليه بتعليم الآداب العربية في جامعة القديس يوسف وأنشأ مجلة المشرق (1898) وتوفي في بيروت (1859 - 1927) وله مؤلفات متعددة أهمها شعراء النصرانية. وقد وجه إليه النقد من زملائه المستشرقين لتعصبه

                    ومما ذكره إميل درمنجم عنه قوله:

                    "وشيخو مثل لامنس، لم يأل جهدًا في إثبات دعواه أن العرب قبل الإسلام وبعده لا شأن لهم في المدنية وإذا كان هناك حضارة، فإن أصحابها هم نصارى العرب، وقد لفق كتابًا ادعى فيه أن معظم شعراء العرب قبل الإسلام كانوا نصارى وبراهينه على دعواه واهية.
                    وقال كرد علي: إن لويس شيخو كتب معظم مقالات مجلته مدة خمس وعشرين سنة ونشر فيها أولاً أمهات تآليفه وراعى في كتبه نظام رهبانيته فجاءت كتاباته إلا قليلاً أشبه بكتب الدعايات المذهبية، منها بكتب علمية مشتركة، وما خالف قط طريقته الدينية إلى ما يسمونه الطريقة العلمانية، ولو
                    (2/462)
                    خلت من هذه النزعة لكانت في الغاية من جودة التأليف. ولم يرزق ذوقًا عاليًا في الأدب العربي، وظلت كتاباته إلى آخر أيامه كما كانت في أول عهده نمطًا واحدًا لا تتناسب مع مقدرته على التأليف ووقوفه على أدب العرب والإفرنج وعلوم العصر، وهكذا يقال في ذوقه في الشعر، وقضت عليه الصنعة أو البيئة على ما يظهر أن يغمط حق العرب في مدنيتهم، وكان في الأغلب ينظر إليها من الوجه الذي لا يستحسن، لذا يعد شعوبيًا وشديد الشعوبية بأفكاره وتصريحاته لا صلة بينه وبين العرب إلا بما نشره من آثار علمهم وآخر أثر له من هذا القبيل أنه ذكر جملة من آباء المسلمين -وهو مولع في التفريق بين المسلمين والمسيحيين- في الربع الأول من القرن العشرين لم يتجاوز في عدهم العشرات في الأمة العربية، مع أن من وضعوا المصنفات والتآليف ولهم مكانة في الشعر والأدب لعهدنا لا يقلون عن ثلاثمائة رجل، اعتذر بجهله أسماءهم مع أن من اشتهرت بين قراء العرب مصنفاتهم وفيها الممتع لا يصعب السؤال عنهم ويستغرب أن لا يطلع مثله على أعمالهم.

                    * لويس برتران الصليبى المتعصب وكتابه "إِمام الإِسلام":
                    أصدر الكاتب الفرنسي لويس برتران عضو الأكاديمية الفرنسية عام 1926 كتابًا بعنوان "إمام الإسلام" تناول فيه المصريين والشرقيين والمسلمين واتهمهم بالتأخر والتعصب، وقال: إنه لا قابلية لهم للتمدن، وردد العبارات المعروفة التي تدعي أن للغرب حق تمدين العالم.
                    وقد واجه الدكتور هيكل هذا الكتاب وما تضمنه من آراء فقال: "إنه أشد ما ظهر في السنين الأخيرة صراحة في عدوانه على المسلمين والمصريين وأشدها إمعانًا في الطعن عليهم والنيل منهم، وهو فوق ذلك صيحة لإعلان الحرب بين الشرق والغرب والنصرانية والإسلامية والكتاب لا يشتمل على شيء جديد غير هذه النزعة الرجعية التي أدت إلى الحروب الصليبية في
                    (2/463)
                    القرون الوسطى.
                    وقال: إن واحدًا من أربعين بيدهم قيادة الرأي والفكر في فرنسا، وقد حمل على أهل الإسكندرية؛ لأنه رآهم يبدو عليهم الاعتداد بالنفس والاعتقاد بأنهم مسايرون للأوربي، وقال: هذه هي الجريمة في نظر برتران.
                    وكتابه هو عصارة روح الكراهية والحنق، ثم قال: إذا كان مسيوا برتران يريد أن يعتقد أن قومه أكرم عنصرًا وأشرف مقامًا في الإنسانية من الشرقيين ومن المسلمين، فليعلم أن الزمن الذي أتاح لأوربا أن تحكم العالم من الزمن، قد أتاح من قبل لأمم آسيا ولأمم أفريقيا ومصر التي نالها المؤلف بحقده وكراهية قد حكمت العالم عصورًا عديدة، وقد صبغت العالم بمدنيتها، ولعل أهلها يومئذ كانوا يعتقدون أن الأجناس التي تقطن أوربا كلها همج وبرابرة متوحشون وأن أمم الإسلام قد نظرت لأمم أوربا ردحًا من الزمن على أنها أمم الموت والتقهقر.

                    * وليم ويلكوكس والدعوة إِلى العامية:
                    في يناير 1893 ألقى المهندس الإنجليزي وليم ويلكوكس محاضرة في نادي الأزبكية (انجلوا اجيبشيان كلوب) موضوعها: لماذا لم توجد قوة الاختراع لدى المصريين الآن؟ زعم فيها أن قوة الاختراع تأتي من القوة المفكرة ويرثها الإنسان من آبائه والقوة الخيالية ويرثها الإنسان من الأمهات. وقال: إن أهم عائق يمنع المصريين من الاختراع أنهم يؤلفون ويكتبون باللغة العربية الفصحى، ولو ألفوا وكتبوا باللغة العامية لصاروا مخترعين، واستدل على ذلك بأن الإنجليز كانوا يؤلفون باللاتينية فلم يكونوا مخترعين، فلما اختاروا لغة الفلاحين الإنجليز، وكتبوا بها صاروا مخترعين، ويرجع ذلك إلى الزمن الذي نبغ فيه شكسبير وبيكون .. ". ولم يتوقف وليكوكس عن هذا الحد، بل اشترى ترخيص مجلة اسمها الأزهر من منشئيها إبراهيم مصطفى وحسين
                    (2/464)
                    رفقي، وأصدرها بالاستعانة بالشيخ أحمد الأزهري وراح يردد فيها هذه الدعوة. ومضى فاتجه إلى الإنجيل فترجمه إلى اللغة العامية، ثم ما كاد يحال إلى المعاش وكان من أكبر مهندسي الري والخزانات حتى عمل مبشرًا، يجادل الناس في عقائدهم ويحمل إلى القرى النائية الأدوية والتبشير، وظل يعمل في مستشفى مصر العتيقة (هرمل) المعروف إبان حملات التبشير التي أثارت الرأي العام وقد كتبت مجلة اللطائف عنه أنه اعتكف سنة 1926 في داره بحلوان وخرج منه أخيرًا مبشرًا يجيد اللغة العربية وبدأ حركة التبشير في مسكنه الحالي الصغير في جهة الزمالك حيث وضع كتابين أو ثلاثة كتبها باللغة العامية وأطلق على آخرها اسم "الأكل والإيمان" ووزع كتابه بنفسه مجانًا على العامة في المدن وسكان القرى وكان ينتقل بينها ويجالس أهلها.
                    وقد ردد سلامة موسى في مجلة الهلال دعوة ويلكوكس إلى العامية وتحدث معه، وقال: إن الهم الذي يقلق ويلكوكس هو اللغة التي نكتبها فهو يرغب في أن نهجرها ونعود إلى لغتنا العامية فنؤلف بها وندون بها آدابنا وعلومنا وأن ويلكوكس يرفض التسوية أي قيام لغة مشتركة من العامية والفصحى - ويدعونا إلى هجرة اللغة الفصحى هجرة تامة واصطناع العامية. وقد نشر موسى ذلك عام 1926 أي أن ويلكوكس ظل مقيمًا على دعوته أكثر من ثلاثين عامًا. ولما توفي في يوليو 1933 أشارت جريدة الأهرام إلى دوره هذا فقالت: كان يقوم باستخدام اللغة العامية لأنها أقرب إلى الأفهام وأنه أنشأ لإذاعة هذه الفكرة بمعاونة سكرتيره أحمد بك الأزهري مجلة باسمه في مجلة الأزهر ولكن الرأي العام قاوم فكرته فأبطل تلك المجلة ولكنه ظل هو ذاته يؤلف باللغة العامية المصرية فكتب في ذلك حياة المسيح وأعمال الرسل وترجم كتب العهد الجديد إلى اللغة العامية المصرية.
                    ***
                    (2/465)
                    * فنسنك المرتد عن الإِسلام و"دائرة المعارف الإِسلامية":
                    يعد فنسنك من أبرز المستشرقين، وقد ولي تحرير القسم الأكبر من دائرة المعارف الإسلامية وهو تلميذ (سنوك هيجرونيه) سافر قبل الحرب الأولى إلى جاوه، واعتنق الإسلام، وما كاد يعود إلى بلاده بعد الحرب الأولى حتى ارتد عن الإسلام ومضى يهاجمه في عنف وأخذ طريق مرجليوث ونيكلسون والأب لامنس ودي كاستري وكازنوفا. وقد رشح عام 1933 عضوًا في مجمع اللغة العربية بالقاهرة غير أن الدكتور حسين الهراوي تصدى لكشف مواقفه من الإسلام مما عمل على شطب اسمه وإقصائه وقد أشار الدكتور الهراوي إلى أن فنسنك إذا أراد أن ينال من الإسلام، فإنه يفرض فرضًا، ثم يبحث عن الآيات التي قد تتناسب مع هذا الرأي الذي فرضه، فإذا وجد آية تدحض رأيه حذفها، وأنكرها إنكارًا حتى يخرج بالنتيجة التي تؤدي إلى نزوع الشك في فؤاد من يطلع على أقواله من غير تمحيص، وقال: إن هذه هي طريقة المستشرقين الذين يتبعونها في مباحثهم عن الإسلام أو حياة محمد - صلى الله عليه وسلم - أو عندما يريدون أن يستقصوا مسألة في القرآن، وهذه الطريقة لم يبتدعها فنسنك بل هي طريقة قديمة من أقدم ما ورد في كتب المستشرقين، والغرض منها ظاهر جلي، وهو تزويد جماعة المبشرين والمستعمرين بحجج شبه منطقية يزعزعون بها عقائد المسلمين ويقللون من تمسكهم بدينهم، وهي إحدى الطرق التي وضعها رواد الاستعمار من زمن قديم، وكانت إحدى وسائلهم مع تقوية اللغات العامية حتى لا يتفاهم المسلمون ولا يفهمون لغة قرآنهم، وقديمًا اطلعنا على تقرير لجنة العمل المغربي،

                    وفيه يقول المستشرق سيكاردا: "إن الإسلام في روحه الخاص قوة مخالفة لاحتياجاتنا ورغباتنا ونزعاتنا" إلى أن قال: "فمن مصلحتنا التقليل منه بين الشعوب الخاضعة لسلطتنا".
                    (2/466)
                    وفي تقرير بورينو الذى يدرس اللغة العربية لفريق من طلبة أوربا: إنني سأعلمك لغة القرآن، فهذه اللغة قد ماتت ولا يتكلم بها أحد فهي (لاتينية) العربي، وهذه اللغة المستعملة في جنة محمد وسأحبب إليك دراستها في المستقبل إذا أردت أن تتذوق حلاوة الاجتماع بالحور العين" فأمثال هذه المبادئ هي التي رسمها المستشرقون لدراسة اللغة العربية، وأكثر من ذلك أن بعضهم مثل مرجليوث يغالي في الطعن في نسب (محمد) فيقول: إن اسم أبيه (عبد الله) معناه أنه (مجهول الأب) وتتمثل لك نتيجة عمل المستشرقين جليًّا في كل كتاب علمي أو عمراني أو اجتماعي، يكتب شيئًا عن الشرق وعن الإسلام، فإنك لا تكاد تقرأ أي هذه الكتب حتى ترى إجماعًا على الجهل بالإسلام، وإجماعًا على الطعن في النبي الكريم، وقد أنتج ذلك أن بعض المسلمين الذين لم يلموا إلمامًا كافيًا بدينهم أخذوا يتبعون خطأ المستشرقين ويقتفون أثرهم وقد اخترعوا لنا اسمًا غريبًا لهذه الجهالة هو (حرية الفكر).
                    بمثل تلك النواحي أصبحنا لا نقرأ للمستشرقين شيئًا إلا ونحن نحرص على تفكيرنا وأن نعنى بتعرف الغرض الذي يرمي إليه قبل أن نثق بما يكتب وأن نقتفي أثره فيما يبحث وفي مستنداته".
                    - وقال الدكتور الهراوي: إن من أخطر آراء فنسنك رأيه في كلمة إبراهيم، ورأيه في كلمة كعبة (في دائرة المعارف الإسلامية). فقد أشار تحت لفظ إبراهيم: إن الآيات المكية ليس فيها ذكر لنسب إسماعيل لإبراهيم،


                    ويقول: إنه لا يعرف شيئًا عن شعور محمد نحو الكعبة في شبابه وبعد الرسالة إلا بعد أن هاجر بعام ونصف، وأن ما لديه من تاريخ حياته لا يصح أن يؤخذ أساسًا تاريخيًّا. ونسب (فنسنك) إلى النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يشذ عن الجماعة في العبادة المكية، أي بعبارة أصرح: أنه كان وثنيًّا قبل البعثة وأن فنسنك لا يعرف شعور محمد نحو الكعبة.
                    (2/467)
                    ويرد الدكتور الهراوي على هذه الشبهة فيقول: إن عبادة محمد كما وردت في كتب السيرة معروفة تمامًا فقد كان في الغار شهرًا، ثم يطوف بالكعبة ويوزع الصدقات.
                    وكان يحترم الكعبة ويتجنب الأصنام، وكانت عبادته بالغريزة والوراثة تتصل بعبادة جده الأعلى إبراهيم.
                    ومما أورده الدكتور الهراوي ردًّا على فنسنك القائل: بأن الآيات المكية ليس فيها إشارة إلى علاقة محمد بالكعبة، قال: إننا نذكره بالآية {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا}، إلى قوله: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ}. وقال: هلا يفهم فنسنك أن الحج هو استجابة لهذا الدعاء إن لم يكن بناء البيت في هذا المكان لغرض الحج. وفنسنك يعرض بالاختراع في الدين ويصرح بأن ملة إبراهيم اخترعت اختراعًا، ويزعم أن محمدًا أراد بهذا الاختراع أن يتصل بيهودية إبراهيم والواقع أنه: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا}، وأشار الدكتور الهراوي إلى أن لفنسنك زميل هو إميل درمنجم يزعم أن محمدًا كان يتعبد على طريقة اليهودية والمسيحية تمهيدًا لدين هو الإسلام، ومثله مرجليوث، ويقول الهراوي: فأنت ترى أنهم اختلفوا في أسانيدهم التاريخية واتفقوا على أن محمدًا كان يخدع ويدس ويطلب علاقات اليهود.

                    * دائرة المعارف الإِسلامية:
                    وقد واجهت دائرة المعارف منذ بدأت ترجمتها عام 1932 كثيرًا من النقد، لما تضمنته من شبهات واتهامات، تناولتها أقلام (رشيد رضا) صاحب المنار. و (كرد علي) رئيس المجمع العلمي العربي وأحد أقطاب دراسات دوائر الاستشراق، و (فريد وجدي)، كما تناولها الدكتور (تقي الدين الهلالي) الباحث المغربي المسلم الذي قال: إن في دائرة المعارف الإسلامية أخطاء
                    (2/468)
                    ودسائس ناشئة عن التعصب الأوربي، وقال: إن كتابات بروكلمات مثل ذلك وأقبح.
                    وقد أشار كثير من الباحثين أن أغلب كتاب دائرة المعارف قسس مبشرون يهمهم أن يخنقوا الإسلام لا ينصفوه، وقليل منهم من يتصف بالشجاعة العلمية فيتغلب على عناصر التعصب وضيّق الأفق، وليس كتاب الدائرة وحدهم على هذا النمط، بل جل المشتغلين بالدراسات الإسلامية وهم لا يتجاوزون صناعة التبشير، تعرفهم من لحن القول.

                    ومن هؤلاء توماس باترك هيور صاحب قاموس الإسلام،
                    وهو مرجع متداول لا تكاد تخلو منه مكتبة أوربية، وقد قضى القس المؤلف في وظيفته التبشيرية في بلاد الهند بين المسلمين والبوذيين والبرهميين أكثر من عشرين سنة، ونشر معجمه هداية للموظفين الإنجليز ممن كانوا يتولون الحكم ببلاد الإنجليز في أواخر القرن الماضي ومساعدة للمبشرين بالمسيحية ممن يجادلون علماء الإسلام.
                    وأشار الباحثون إلى أن أهم نواحي الخطر في هذه الدائرة أن ما يترجم منها لا يتعرض بالتحليل والإيضاح لما فيها من أخطاء وشبهات، وأنها تسطر البدع الدخيلة على الإسلام باستفاضة مثيرة. وقد أمعن مؤلفو الدائرة في تسجيلها وشرحها وكأنها أصول مقررة لا بدع دخيلة.


                    1 - أخطاء دائرة المعارف الإسلامية:

                    قال رشيد رضا: إنه معجم لفقه طائفة من علماء الإفرنج المستشرقين لخدمة ملتهم ودولتهم المستعمرة لبلاد المسلمين بهدم معاقل الإسلام وحصونه بعد أن عجز عن ذلك دعاة دينهم بالطعن الصريح على كتاب الله ورسوله وبعد أن عجز عن ذلك الذين حرفوا القرآن بترجماتهم الباطلة، والذين شوهوا التاريخ الإسلامي بمفترياتهم، ذلك أن هؤلاء الملفقين لهذا المعجم الذي سموه دائرة المعارف لم يتركوا شيئًا من
                    (2/469)
                    عقائد الإسلام ولا من فضله، ولا من الشريعة ولا من مناقب رجاله إلا وصوروه لقراء معجمهم بما يخالف الصورة الصحيحة من بعض الوجوه، إما بصورة مشوهة أو بصورة عادية لا مزية لها.
                    وفي هذه الدائرة عيوب علمية وتاريخية أخرى أهمها أنها لم تكتب لتحقيق المسائل التاريخية والعلمية لذاتها بل لأجل بيان آرائهم وأهوائهم والإعلام بما سبق لهم ولعلمائهم فيها من بحث وطعن في كتبهم ورسائلهم المتفرقة. وكان على الذين شرعوا في ترجمة هذا المعجم وضع حواشي لتصحيح ما فيها من الأغلاط التاريخية والعلمية والدينية وبيان الحق فيما دسوه فيه من عقائدهم وآرائهم الباطلة، وقد نيط هذا وذاك بالعلماء الإحصائيين، وقد ذيل الجزءان الأول والثاني ببعض الحواشي من هذه التصحيحات والانتقادات إلا أنها غير كافية في موضوعها ثم أعرض المترجمون عن ذلك فيما بعد، وطفقوا ينشرون الأجزاء غفلاً من التعليق على مواردها المشوهة للإسلام وتاريخه بعد أن ظننا أنهم سيزيدونه استقصاء وتحقيقًا، أقول ولا أخشى لا آثمًا ولا مخالفًا أن نشر هذا المعجم باللغة العربية كما كتبه واضعوه بدون تعليق على ما فيه من الأغلاط والمطاعن ومخالفة الحقائق هو أضر من شر كتب دعاة المبشرين وصحفهم؛ لأن هذه كلها لا تخدع أحدًا من أعلام المسلمين بما فيها من الباطل، أما هذا المعجم المسمى بدائرة المعارف الإسلامية المعزو أكثر ما نقل فيه إلى كتب المسلمين فإنه يخدع أكثر القارئين له ممن يعدون من خواص المتعلمين؛ لأنه يقل فيهم من يفرق بين الحق والباطل مما فيه ويقل فيهم من يعلم أن مؤلفي هذه الدائرة من خصوم العرب والإسلام واللغة العربية.
                    2 - رأى فريد وجدي في دائرة المعارف الإسلامية: أن هذه الدائرة تشمل على السيِّئ الكثير من التهم الباطلة على الإسلام ورسوله ورجالاته الصالحين ولا يدفع ببعض هؤلاء المستشرقين إلى التورط مع هذه الخطة الحربية
                    (2/470)
                    إلا ما يحملونه في صدورهم من البغضاء لهذا الدين فلا يصح والحالة هذه أن يحمل المترجمون أنفسهم إثم نقل هذه السفاسف إلى لغتهم وبأقلامهم ليقرأها الناس في جميع بلاد المسلمين فالذي آراه أن يمتنعوا عن ترجمة ما يصادفونه من هذه الأباطيل وأن يكتفوا بالإشارة إليه مشفوعة بما يدحضها ويبين فسادها بكل دليل. أليس من البلاء أن يضطر أحدنا أن يصف أطهر نساء العالم وهي في الوقت نفسه أمة في الدين بالطيش والفجور، أي فائدة أدبية ترجى من إذاعة هذه الفرية بين المسلمين في عبارات وقحة يسمح بها لنفسه رجل أجنبي عن الدين، لذلك أرى الامتناع عن ترجمتها والإشارة إليها بدلاً من ترجمتها على غير وجهها وتلطيفها بما يخرجها عن صيغتها التي أراد لها كاتبها. والملاحظ أن مترجمي الدائرة لم يعقبوا على التهم التي وجهها الكاتب إلى خاتم النبيين.



                    ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                    تعليق


                    • * جلوب قائد القوات العربية في حرب 1948 م وكتابه "الفتوحات العربية الكبرى":
                      عاش (جون جلبرت جلوب) ثلاثين عامًا يجوب الصحاري العربية مختلطًا بأهلها، وتعلم اللغة العربية ولا سيما لهجات البدو فأجادها وعاش مع العرب في خيامهم ثم، عاد إلى بلاده عام 1956 وكان قائدًا للفيلق العربي في الأردن وله تاريخ لا يشرف في مقاومة الوحدة العربية ومهاجمة الإسلام والعروبة، وقد كتب بحثًا في تاريخ العرب من الزاوية العسكرية. أطلق عليه اسم "الفتوحات العربية الكبرى" وقد استمد الكتاب من سيرة ابن هشام وتاريخ الطبري والبلاذري. وقد كتب (خيري حماد) مترجم الكتاب إلى اللغة العربية تعليقات إضافية على الأخطاء والانحرافات ورد على الشبهات التي وردت فيه فقال: "إن أهم ما في الكتاب هي المحاولة البارزة في كل ناحية من نواحيه للتشويه والتضليل ورسم الصور الزائفة التي تشكك القارئ في
                      (2/471)
                      الشخصيات العربية العظيمة ابتداء من النبي - صلى الله عليه وسلم - وانتهاء بصغار القادة، عبورًا بأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية وخالد وأبي عبيدة وعمرو بن العاص وسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنهم -.
                      وقال: إن المؤلف قد استند في عملية التشويه على ذكاء نادر، وعلى روايات ابتكرها من خياله أو وجد أثرًا منها في بعض الكتب الصفراء التي وضعها الشعوبيون في مختلف العصور.
                      وقال: إنه اتضح لنا من قراءة الكتاب، تشيعه لليهود والصهيونية تشيعًا كاملاً لا شك فيه. وكانت هذه الناحية خفية على الجميع ذلك أن جلوب كان يتظاهر بحب العرب حبًّا شخصيًّا قويًّا جعل الكثيرين ينخدعون به. فهو يظهر في كتابه مؤيدًا لليهود كل التأييد وإن لم يعلن تأييده هذا صراحة، فهو يروي قصص إجلاء النبي لليهود من يثرب ومن خيبر كبني النضير وبني قريظة وبني قنيقاع، دون أن يذكر الأسباب التي دفعت النبي إلى اتخاذ هذه الخطوات، ومنها: نقضهم لعهودهم معه وخياناتهم لاتفاقاتهم ومحاولتهم طعن المسلمين في ظهورهم إبان غزوة الأحزاب وحصار المدينة أو أثناء معركة أحد على الرغم من وجود اتفاقات معقودة بينهم وبين النبي أو سعيهم إلى اغتيال الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
                      2 - تصوير النزاع في فلسطين على أنه نزاع بين العرب واليهود، وهي الصورة التي ضللت العرب مدة طويلة وخدمت مصالح الاستعمار ومكنته من أن يقيم قاعدته إسرائيل في قلب الوطن العربي مع أن مشكلة فلسطين مشكلة استعمارية لا طائفية (1).
                      3 - تعبير "الشعوب الناطقة بالعربية" تعبير استعماري ماكر يقصد منه تجزئة الأمة العربية الواحدة إلى مجموعة من الشعوب تشترك في لغة واحدة.
                      __________
                      (1) هذا خطأ من المترجم، بل مشكلة فلسطين مشكلة دينية بحتة بين المسلمين واليهود.
                      (2/472)
                      4 - ما يقوم من الجزيرة العربية والشمال الإفريقي من فروق أو تباينات فهو يصفها بأنها كبيرة للغاية، ولكننا لا نرى أنها تزيد بأية حال على الفروق التي تقوم بين أهل اسكوتلندة مثلاً وأهل ويلز، فاللغة واحدة تقريبًا.
                      والتاريخ واحد إلى حد كبير.
                      5 - أراد أن يظهر أن كل من اعتنق الإسلام إنما كان بدافع الانتهاز والتقرب من الحاكمين والتساوي بهم هو قول خطأ كل الخطأ إذ لو صح دافع الانتهاز لانقلب المسلمون على دينهم في البلاد التي خضعت لهذا الإسلام.
                      6 - محاولة التفرقة بين العرب والبربر في المغرب العربي، وهي تفرقة غذاها الاستعمار الفرنسي طيلة وجوده في المغرب، إذ حاول أن يجعل من البربر أقلية مميزة.
                      7 - يصر جلوب على إخفاء الدور الذي لعبه الشعوبيون وفي مقدمتهم اليهودي عبد الله بن سبأ وأتباعه في المؤامرة ضد الإسلام.
                      وقد علق الباحث العربي: محمد عبد الغني حسن على هذه الدراسة فقال:
                      إن جلوب قد حمل على المؤرخين العرب في تواريخهم واتهمهم بسوء التقدير، ونسي أن تواريخ اليونان والرومان القديمة فيها كثير من هذا الذي عابه على العرب
                      وقال: إن جلوب قصد إلى رسم صورة فيها تشكيك وتضليل ورسم الصورة الزائفة التي تشكك في النبي وقادة الإسلام (1).


                      ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                      تعليق


                      • * اليهودي جولد تسيهر ودجله الواضح في كتابه "العقيدة والشريعة":
                        أثار جولد تسيهر عدة شبهات وشكوك حول السنة والفقه والتشريع
                        __________
                        (1) ومن العجيب أن توكل قيادة الجيوش العربية إلى الملك عبد الله بن حسين الذي عين عليها هذا الخائن الصليبي لتحرير فلسطين .. واسلمي أيتها الأمة البلهاء الغافلة.
                        (2/473)
                        الإسلامي فقد حاول التشكيك في قيمة الأحاديث النبوية وذلك بالقول بأن السنة بدأ تدوينها بعد وفاة النبي بتسعين عامًا، وقوله في كتاب "العقيدة والشريعة" أن التوحيد الإسلامي ينطوي على غموض في حين أن التثليث واضح في فهم الألوهية ومن ذلك قوله: إن الشريعة الإسلامية تأثرت بالقانون الروماني في بداية عهد تكوينها.
                        وجولد تسيهر مستشرق يهودي ولد 1850 وتوفي 1921، ودرس في مدارس اللغات الشرقية ببرلين وليبزج وفيينا ورحل إلى سوريا 1873 وتتلمذ على الشيخ طاهر الجزائري، ونزح إلى مصر وتضلع في الدين على شيخ الأزهر، وبدأ حياته بالتأليف عن الظاهرية ومذهبهم وتاريخهم وله في ذلك دراسات إسلامية ومحاضرات، وقد اشتهر بكتابه "العقيدة والشريعة في الإسلام" الذي ترجمته له دار الكاتب المصري التي أشرف عليها الدكتور طه حسين، ولم يعن مترجمو هذا الكتاب بالرد على الشبهات التي أثارها المستشرق على نحو يعصم قارئها من الخطأ، وله كتاب "مذهب المسلمين في تفسير القرآن". وقد واجهت كتاباته المتعصبة كثيرًا من المجاراة من كتاب وأساتذة الجامعات المدنية والأزهرية، كما وجدت تفنيدًا من كثير من الكتاب اليقظين في مقدمتهم: مصطفى السباعي، ومحمد الغزالي، وسليمان الندوي. وقد تابع جولد تسيهر كثير من المستشرقين في آرائه المتعصبة في مقدمتهم المستشرق اليهودي شاخت (جامعة ليدن) بهولندا وقد التقى به الدكتور مصطفى السباعي وباحثه طويلاً في تعمده تحريف النصوص التي ينقلها من كتب المسلمين وقد حاول شاخت أن ينكر ذلك فكشف له الدكتور السباعي عن بعض الأمثلة في هذا التحريف الذي تورط فيه.
                        وجولد تسيهر يحاول في مجمل رأيه أن يصور الفقه الإسلامي بأنه من صنع الصحابة والتابعين، ولا شك أنه رأي مصدره الخطأ الناتج عن قصور
                        (2/474)
                        الاستقصاء، أو العجز عن فهم أصول الإسلام وأمرها يسير، ويمكن المراجعة فيه والنظر، إذا كان صاحبه حريصًا على بلوغ الحق، أما حين يكون الاتهام صادرًا عن التعصب أو الخصومة المغرقة، فإن المراجعة لا قيمة لها.
                        وإذا كانت عبارات جولد تسيهر في مجموعها ترفض صلاحية الإسلام الفقهية لكي يشرع للأمم والأجناس، فليس معنى هذا هو عجز الرجل عن الفهم، وإلا فإن أمامه ذلك الفيض الضخم من ثقافة الإسلام وهو قادر على أن يرده عن هذا الرأي، لو كان منصفًا ولكنه هو أساسًا ليس قابلاً للوصول عن طريق البحث العلمي إلى الحقيقة؛ لأنه يفترض أساسًا أن القرآن من وضع محمد نقلاً عن غيره، وأن السنة من وضع الصحابة والتابعين نقلاً عن الشريعة الرومانية. ومن هنا فهو يسد الطريق على كل سلامة في تقدير، أو بلوغ وجه الصدق أو تقبله. ولقد واجه أخطاء جولدتسيهر عالم غربي منصف هو العلامة (فتز جيرالد) في كتاب عنوانه "الدين المزعوم للقانون الروماني على القانون الإسلامي" فعرض آراء جولد تسيهر ومن جرى مجراه، فقال: إنه كان مدفوعًا في كتاباته بغرض سياسي خاص هو إظهار أن التشريع الإسلامي كان قابلاً للمؤثرات الغربية، وقال: أنه إذا أخذت فكرة عند شعب إلى شعب آخر، ظهر في لغة وكتابات الشعب الآخر أثر لهذه الفكرة. وهذا واضح مثلاً فيما أخذ عن اليونان في القانون الروماني، كما هو واضح كذلك في شريعة "التلمود" اليهودية المملوءة بالكلمات والمصطلحات اليونانية واللاتينية. أما في الإسلام فإنه لا يوجد لفظ واحد مستعار من اللغة اللاتينية أو اليونانية في القاموس الضخم للفقة الإسلامي وتشريعه، كما لا يوجد في جميع المؤلفات الفقهية الإسلامية أدنى ذكر لمصدر روماني علمي، وهذا أيضًا وحده مما ينفي فكرة كل استعارة من القانون الروماني، لذلك كله ترى أنه لا داعي مطلقًا الافتراض أن مصادر هذا التشريع كانت شيئًا آخر غير ما قاله
                        (2/475)
                        الكتاب المسلمون أنفسهم، والقول بغير هذا يعد افتراضًا لا حقيقة له، وقولاً بغير علم ولا دليل، ومن ثم يجب رفضه وعدم الاعتداد به.
                        - والتشريع الإسلامي يختلف أساسًا في طابعه ومقصده عن القانون الروماني، وهذا القانون الذي هو من وضع رجال حذقوا لغة القانون ومصطلحاته أما الشريعة الإسلامية فهي نظام من المسائل الفقهية الدقيقة، وقد نظر إليها من حيث علاقة الإنسان بالله أولاً، ولهذا تشمل ما يُسمى بـ (العبادات) من صلاة وصوم وزكاة وحج، وغير ذلك، وحتى عندما تعالج المسائل المدنية، كالبيع والرهن مثلاً، نجد فيها أثر الدين واضحًا" اهـ.
                        - هذا غيض من فيض مما طفحت به كتابات كبار رواد الصليبيين وعتاة مخططيهم ويكفيهم هذا البيت من الشعر.
                        يا ناطح الجبل العالي لتكلمه ... أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل

                        * محاولات التشكيك وإِثارة الشبهات من قبل المستشرقين الصليبيين:
                        - جرت محاولات التشكيك والإثارة في خمسة مجالات كبرى:
                        1 - رسول الإسلام.
                        2 - الإسلام.
                        3 - الفكر الإسلامي العربي.
                        4 - القرآن واللغة العربية.
                        5 - التاريخ العربي الإسلامي.
                        - وقد ترددت هذه الشبهات في محاولة لتمييع القيم الأساسية للفكر العربي الإسلامي واتهامها:
                        1 - بأنها قيم دينية صرفة قاصرة في مجال العقيدة.
                        (2/476)
                        2 - قيم تاريخية قاصرة في مجال الزمن.
                        3 - اتهام الجضارة العربية الإسلامية بأنها حضارة غير أصيلة وذلك في محاولة لإسقاطها من مجال تطور الحضارة الإنسانية وتجاهل فترة الألف عام الإسلامية بين الحضارتين الرومانيه والحديثة.
                        4 - ترديد الاتهامات التي تنقض أصالة الفلسفة الإسلامية على أنها يونانية مكتوبة باللغة العربية.
                        5 - اتهام مفهوم الإسلام بأنه لم يعد قوة محركة تهدي الناس إلى الوجهة الصحيحة.
                        6 - جحود التراث.
                        7 - إثارة الشبهات حول الغيبيات.
                        8 - اتهام الفكر العربي الإسلامي بأنه فكر تجريدي.
                        9 - الزعم بأن العقلية العربية عقلية سامية قاصرة عن الخلق عاجزة عن استنتاج المعاني المجردة.
                        10 - القول بأن الفكر العربي الإسلامي يحمل دعوة التزهيد في العالم الأرضي ويجعل مسألة الموت والتطلع إلى الآخرة مسألة رئيسية.
                        11 - محاولة خلق الفوارق بين العرب والبربر كوسيلة لخلق خلاف جذري في العالم الإسلامي والأمة العربية.
                        12 - اتهام القرآن بأنه موضوع، وليس وحيًا من الله وأن القرآن مرآة لأفق خاص من الحياة: أفق عقيدة صحراوية في الجزيرة العربية.
                        13 - القول بأن شرائع الإسلام اقتبست من الأديان السابقة له.
                        14 - القول باختلاف الشعوب.
                        15 - اتهام اللغة العربية بأنها لغة ميتة، عاجزة عن التعبير غير قادرة
                        (2/477)
                        على الاستجابة للحضارة.
                        16 - الدعوة إلى اتخاذ اللهجات العامة لغات محلية إقليمية.
                        17 - تزييف التاريخ العربي الإسلامي وإثارة الشبهات حوله، واتهامه بأنه مليء بالثغرات.
                        18 - الفصل بين العروبة والإسلام.
                        19 - اتهام العرب والمسلمين بأنهم لم يستيقظوا حتى أيقظهم الغرب.
                        20 - القول بأن الإسلام عائق عن التقدم والحضارة.
                        21 - إبراز جوانب الانحراف والتأكيد عليها كقضايا الباطنية والشعوبية والاهتمام في دراسات التصوف بدعاة الحلول ووحدة الوجود.
                        هذا مجمل سريع للشبهات التي أثارها التغريب وأثارتها الشعوبية في الفكر العربي المعاصر.

                        * رينولد نيكلسون وهنري جونستون وجب وكرومر وطعنهم في القرآن:
                        واجه "القرآن الكريم" حملة من أعنف الحملات وأثيرت حوله شبهات متعددة. كانت تهدف في مجموعها إلى القول بأن:
                        1 - القرآن من نظم النبي محمد، وأنه موضوع وليس منزلاً من عند الله.
                        2 - أنه كتاب مضطرب وغير متماسك وفيه تعارض.
                        3 - أنه صعب الفهم وركيك.
                        4 - أنه غير منظم أو مبوب.
                        5 - أنه العقبة الكئود في سبيل ارتقاء الأمم الإسلامية والمسئول عن تقهقرها.
                        6 - أن القرآن مقتبس من التورة والإنجيل.
                        7 - القرآن مرآة لأفق خاص من الحياة.
                        (2/478)
                        8 - كتاب مواعظ وحكم وإنذارات. فهذا (رينولد نيكلسون) يقرر أن مؤلف القرآن مضطرب غير متماسك في معالجة كبار المعضلات وأنه نفسه لم يكن عالمًا بوجود هذا الاضطراب والتعارض، وأن بيان صحابة الرسول الساذج قد دفعهم إلى الإيمان بأن القرآن كلام الله. وأن الفرق الإسلامية قامت بسبب التعارض الذي يحتويه القرآن.
                        - ويقول (هنري جونستون): القرآن ليس سوى مجموعة أقوال مقتبسة من التوراة والإنجيل وبعض تعاليم المجوس، وأنه يحتقر المرأة، وقد اشتهر الإسلام بكونه غير قابل للتكيف لما يطابق أحوال الزمان والمكان.

                        وقد أشار مستر جب كبير الستشرقين الإنجليز في كتاب "الأدب العربي" الذي أصدره عام 1963 إلى أن القرآن من صياغة محمد. وقد ردد هذه الشبهات كثير من كتاب التغريب والشعوبية، ونشرها بيننا عدد ممن يكتبون باللغة العربية في صحف مشبوهة تصدر في بعض عواصم العالم العربي كما حاول آخرون أن يزجوا بهذه الشبهات في بعض الرسائل والأطروحات والمؤلفات.
                        وقد كان مصدر هذه الحملة على القرآن الكريم أساسًا هو الإيمان الأكيد بأن القرآن هو المصدر الأول والأساسي لمقومات الفكر العربي الإسلامي وأن إثارة الشبهات حوله إنما هو هدف كبير في سبيل القضاء على هذه المقومات، وقد بدأ ذلك في عبارات الاستعماريين أمثال (غلادستون) رئيس وزراء بريطانيا الذي حمل المصحف أمام أعضاء مجلس العموم البريطاني وقال: ما دام هذا الكتاب باقيًا في الأرض فلا أمل في إخضاع المسلمين.
                        ويتصل بهذا ما ذكره كرومر من اتهامات للقرآن من أنه هو المصدر الأول لتأخر المسلمين، غير أن هذه الشبهات لم تكن صادرة إلا عن تعصب أو خصومة أو دوافع استعمارية، وروح صليبية.
                        (2/479)
                        * قال تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32].
                        * وقال تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف: 8 - 9].
                        - هل رأوا إلا كلامًا تضيء ألفاظه كالمصابيح، فعصفوا عليه بأفواههم كما تعصف الريح، يريدون أن يطفئوا نور الله وأين سراج النجم من نفخة ترتفع إليه كأنما تذهب تطفيه، ونور القمر من كف يحسب صاحبها أنها في حجمة فيرفعها كأنما يخفيه! وهيهات هيهات دون ذلك درج الشمس وهي أم الحياة في كفن، وإنزالها بالأيدي وهي روح النار في قبر من كهوف الزمن.



                        ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                        تعليق


                        • * الاستشراقيون الصليبيون ومؤامرة ابتعاث الفكر الوثني الهليني والباطني والصوفي الفلسفي والشعوبي وتمجيد الفرق الضالة لضرب فكرة التوحيد في الصميم:
                          لقد كان من أخطر التحديات التي واجهت الإسلام في العصر الحديث ما قام به الصليبيون والاستشراقيون ودعاة التغريب من إحيائهم للفكر الوثني والغنوصي القديم الذي كان معروفًا قبل ظهور الإسلام والفكر الذي يجمع بين الوثنية والإلحاد والإشراق والمادية والذي عرفه العرب والمسلمون بعد ترجمة الفلسفات اليونانية والفارسية والهندية وظهر أثره في الفلسفة وعلم الكلام والتصوف والدعوات الباطنية المتجددة عن المجوسية وغيرها. وكذلك ما فعله هؤلاء الصليبيون وأذنابهم من إعادة كتابة تاريخ القرامطة والزنج وغيرهم من الحركات الضالة على أنها ثورات عدل وحرية، وكذلك إلقاء
                          (2/480)
                          السموم بنشر كتب التصوف الفلسفي وأخبار الحلاج وابن عربي والسهروردي وابن سبعين وطبع كتب وحدة الوجود والاتحاد والحلول ونشر شعر ابن الفارض وتجديد صفحات هذا الركام المضطرب العفن كمحاولة خسيسة (لاحتواء الإسلام)،
                          ثم محاولات من تربوا على مائدة الفكر الغربي وخانوا أمتهم في الصميم وكانوا أذنابًا للمستشرقين مثل محاولات زكي نجيب محمود بتحسين كتابات الاعتزال وابن الراوندي،
                          أو كتابات عبد الرحمن بدوي بإعلاء التصوف الفلسفي والحلول والاتحاد، أو كتابات محمود إسماعيل بإعلاء حركات القرامطة والزنج أو اتجاه الدكتور محمود الشنيطي إلى إحياء ابن عربي، أو طه حسين إلى إحياء رسائل إخوان الصفا، أو ماسينون وصلاح عبد الصبور إلى إحياء الحلاج، أو عباس صالح وعبد الرحمن الشرقاوي وطه حسين إلى تفسير إحياء الإسلام تفسيرًا ماركسيًّا أو ماديًّا،
                          كل هذه المحاولات تدخل في نطاق المؤامرة على الإسلام أو إعادة محاولة "احتواء الإسلام الأولى" التي كانت في القرن الرابع الهجري وابتعاثها في القرن الرابع عشر الهجري، كذلك فإن الدعوات القاديانية والبهائية والروحية الحديثة هي أيضًا محاولات جديدة في نفس الطريق.
                          - اهتم الاستشراق ودعاة التغريب والغزو الثقافي بالمعتزلة ووصفوهم بأنهم أغارقة الإسلام الحقيقيون أو المعتزلة العظام.
                          "وتصدى لهم قديمًا أحمد بن حنبل إمام أهل السنة ثمانية عشر عامًا ووقف سدًا منيعًا أمام الاتجاه إلى الفكر الفلسفي المتهور الذي قال عنه الشافعي "ما جهل الناس ولا اختلفوا إلا بتركهم لسان العرب وميلهم إلى لسان أرسطو طاليس".
                          ثم يأتي أحمد أمين ويقول: إن المسلمين ضعفوا وتخلفوا؛ لأنهم لم يأخذوا بأسلوب المعتزلة العقلاني .. وتصدى أئمة السلفية لتقديم العقل على النقل وانتصر المذهب الفلسفي.
                          (2/481)
                          * إِحياء الفكر الصوفي الفلسفي على يد المستشرقين الصليبيين:
                          "أسدل الزمان ستار النسيان على كتب التصوف الفلسفي القديمة حتى جاء المستشرقون ينقبون عن مادة جديدة للفتنة يؤججون بها نيران الخلاف بين المسلمين من جديد فوجدوا ضالتهم في آثار الصوفية الفلسفية فأقبلوا عليها وقرأوا في ضوء العقلية المسيحية وطقوس الرهبنة أخبار المتصوفين الفلاسفة وكتاباتهم واستهوتهم أفكارهم فجمعوا من أقوال الصوفية الفلاسفة كل شاردة وواردة وعنوا بتنظيم موضوعاتها وترتيبها حتى يمكن القول: أن بحوث التصوف الحديثة وكتاباته كلها ترجع إلى عمل المستشرقين الذين اهتموا فوق ذلك بالتعليق على موضوعاته وتوجيه مسائله الوجهة التي يرضونها بما عُرِف عنهم من مهارة وصبر للتشكيك في عقيدة المسلمين وطعن المسلمين في أغلى مقدساتهم وهو التوحيد، وابتعثوا من جديدة الفكر الصوفي الفلسفي ممثلاً في نظريات وحدة الوجود والحلول والاتحاد والفناء والتناسخ والاستشراق وهي مفاهيم دخيلة على عقيدة المسلمين.
                          - وقد تخصص عدد من المستشرقين في هذا النوع من الفكر الإسلامي أهمهم: ماسينون وجولد زيهر، وجب، وبرون، وماكدونالد، ومارجليوث اليهود، ونيكلسون وفون كريمر.
                          ودرس المستشرقون الفرق المنحرفة، فدرس ماسينون التصوف الفلسفي والباطنية والقرامطة والنصيرية واهتم بأهل الباطن والتأويل، واهتم أكثر من غيره بدراسة الاتحاد والحلول والإشراق ووحدة الوجود.


                          - ولا شك أن التصوف الفسلفي يتعارض تمامًا مع المفهوم الإسلامي الأصيل، والذين قالوا به تأثروا بالأفلاطونية المحدثة وبالعناصر التي أدخلها إخوان الصفا من إغريقية ومسيحية وفارسية الأصل ومنها المذهب المانوي والزرادشتي وفلسفة فيلون اليهودي وفلسفة الرواقيين.
                          (2/482)
                          - آسين بلاسيوس وكتابه عن ابن عربي "مفكر الإسلام المتنصر".
                          وقد أشار آسين بلاسيوس في كتابه عن محيي الدين بن عربي إلى تأثير النصرانية في مفاهيمه.

                          * لويس ماسينون والكتابة عن الحلاج وإحياء فكره طيلة أربعين سنة:
                          لقد عُني لويس ماسينون بأخبار الحلاج أربعين سنة يبحث عنها ويمليها ويعيد طبعها ويضعها سمومًا بين أيدي المثقفين في هذا العصر، حريصًا أشد الحرص على أن ينفي الصلة بينه وبين القرامطة، وقد واجه الدكتور محمود قاسم هذه القضية وكشف وجه الحق فيها قال: بدأ ماسينون شديد الحرص على نفي الصلة بين الحلاج والقرامطة وظل يؤكد على أن هذا المتصوف لم يكن داعية سياسيًّا إلا أنه انتنهى به الحب الإلهي إلى التضحية بنفسه على مذبح الحب، كذلك يؤكد لنا دون ملل أن الحلاج كان متصوفًا سنيًّا أراد تعميق الروح الدينية في بيئة جفّت عاطفتها الروحية، وقد ظن ماسينون وبعض تلاميذه أن الحلاج الذي قال بحلول الله فيه يعد جسرًا بين المسيحية والإسلام السني. ومع ذلك فإن هذا الحرص الشديد على نفي الصلة بين الحلاج والقرامطة قد يؤذن على عكس ذلك بوجود هذه الصلة بينه وبينهم، وقد اعترف ماسينون في موطن ما من كتابه عن الحلاج بأن موقف هذا المتصوف من فريضة الحج كان سببًا في إدانته ومصرعه، وأنه جرد مكة من أفضليتها مما شجع القرامطة على مهاجمتها والفتك بالحجاج ومحاولة هدم الكعبة ونزع الحجر الأسود منها ثم إرساله إلى هجر حيث بقى هناك نحوًا من اثنين وعشرين سنة.
                          وقد قال الإمام الجويني إمام الحرمين أن الحلاج كان من دعاة القرامطة.
                          وكانت قائمة اتهامات الحلاج التي حوكم بسببها في أيام الخليفة المقتدر أنه
                          (2/483)
                          اتهم بمعارضة القرآن، وذكر إمام الحرمين في كتابه "الشامل" إنه كان بين الحلاج وبين الجنابي رئيس القرامطة اتفاق سري على قلب الدولة وأن هذا هو السبب الحقيقي في قتل الحلاج، وقوله بالحلول.

                          * بروكلمن وا. رتين وفادي برج وماسينون وكراوس وهنري كوربان والاهتمام بمذهب الإِشراق وصاحبه السهروردي:
                          ومذهب الإشراق مذهب يوناني مستفاد من نظرية الأفلاطونية المحدثة قال به السهروردي وهو جماع شطائر من الفلسفة اليونانية الوثنية والفلسفة المجوسية الفارسية، وجماع آراء وتيارات راجت عن السريان وانتقلت إلى الفكر الإسلامي في عصر الترجمة، وتنسب الحكمة الإشراقية إلى أفلاطون ثم إلى دعاة الأفلاطونية الجديدة في مدرسة الإسكندرية، ومذهب الإشراق خارج تمامًا عن مفهوم الإسلام ويعبر عن الله بالنور ويصف العوالم بأنها أنوار مستمدة من الله، وهو ما لم يقل به القرآن أو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو الصحابة ولقد اهتمت طائفة من المستشرقين بالسهروردي ونظريته؛ ونبشوا الكتب القديمة التي كشف المسلمون عن زيفها، فأعاد المستشرقون طرحها في أفق الفكر الإسلامي لإثارة الشبهات والشكوك في نفوس بعض المسلمين الذين لم يتسلحوا بدراسة عقيدة السلف أهل السنة والجماعة.
                          وكان بروكلمن وا. رتين، وفادي برج من أوائل هؤلاء، فترجموا "هياكل النور" للسهروردي، وقام ماسينون صديق الحلاج بالاهتمام برسائل السهروردي التي جمعها تحت اسم الحكمة المشرقية، وأولى ذلك اهتمامًا كبيرًا باول كراوس، وهنري كوربان وقال هؤلاء: إن شخصية السهروردي وكتبه تمثلان لحظات جوهرية في تاريخ الفكر الإسلامي، وتابعهم في ترجمة ذلك والاهتمام به عبد الرحمن بدوي وإبراهيم مدكور وأحمد أمين.
                          (2/484)
                          ومذهب السهروردي زائف مضلل ووافد وليس من الإسلام في شيء، والسهروردي معطل في عقيدته انحلال وانحراف بل وردة، يقول:
                          إن الله قادر على أن يرسل نبيًّا بعد محمد وأنه يعني بذلك نفسه، وهو يصف الله بأنه نور الأنوار، ويستعمل نظرية العقول العشرة الوثنية اليونانية تحت اسم الأنوار، وقد دافع عنه ونشر فكره سامي الكيالي. وقد كان دنس الثياب، وسخ البدن، لا يغسل له ثوبًا ولا بدنًا وقُتل عام 632 هـ بأمر من الناصر صلاح الدين الأيوبي.

                          * إميل درمنجم وكتابه "خمرية سلطان العاشقين" وابن الفارض والحلول والاتحاد:
                          أَوْلى المستشرقين ابن الفارض اهتمامًا واسعًا، وترجم إميل درمنجم ما أسماه "خمرية سلطان العاشقين" وقدّم لها مقدمة عن التصوف، وقال: إنها ستلقى ما لا يقلّ عما لقيته رباعيات الخيام من الحظوة. وقد تُرجِم شعر ابن الفارض إلى اللاتينية منذ القرن السابع عشر، وإلى الإيطالية والألمانية والإنجليزية.
                          وقد ناقش فكر ابن الفارضُ وأدانه البقاعي في كتابه "تحذير العباد من أهل العناد ببدعة الاتحاد"، والحافظ ابن حجر العسقلاني، وعز الدين بن عبد السلام وابن دقيق العيد والبلقيني، وتقي الدين السبكي وبدر الدين بن جماعة وزين الدين الحنفي.

                          * الاستشراقيون وإِحياء الفكر الفلسفي:
                          وقف الإسلام من تراث الفلاسفة المترجم من اليونانية والفارسية والهندية موقفًا واضحًا وهو أن هذه المدرسة التي اشتغلت بالفلسفة وعلى رأسها الكندي وابن سينا والفارابي هي امتداد للمدرسة اليونانية الإغريقية
                          (2/485)
                          أنها ليست نتاجًا إِسلاميًّا خالصًا.
                          وذهب طه حسين ولطفي السيد وإبراهيم بيومي مدكور من أن منطق أرسطو سيطر على بعض دوائر الفكر الإسلامي.
                          ومنذ جاء المستشرقون يدرسون مادة الفلسفة في الجامعة وهم يفرضون مفهومًا زائفًا هو أن الفلسفة الإسلامية هي فلسفة يونانية مكتوبة باللغة العربية.
                          - وظن بعض التغريبيين أن للفكر اليوناني مكانة وأثرًا في الفكر الإسلامي من قَبْل جديرة بأن تجعل لوليده الفكر الغربي أثرًا في الفكر الإسلامي الحديث. "تلك هي أخطر الدعاوي التي حملها طه حسين وهي قمة المؤامرة على الإسلام.
                          - وحاول أهل التغريب إحياء أرسطو وتكوين هالة ضخمة حوله (طه حسين ولطفي السيد وإبراهيم بيومي مدكور)، وردّ عليهم أهل الأصالة أصحاب الفكر الإسلامي الصحيح.

                          * إِحياء الفكر الباطني الشعوبي:
                          بدأت كتابات المستشرقين تدافع عن الباطنية والقرامطة والزنج وتعتبر هذه الحركات دعوات إصلاحية، وتصورها على أنها ثورات قامت باسم الإسلام.
                          وتوزع التغريبيون على مجالات الأدب والتاريخ فوجدنا من يموه ويكذب ويزيف ويبث سموم دجله ويعيد الكتابة في فضل أبي نواس وبشار ابن برد وحماد عجرد ومطيع بن إياس، وهناك من أعادوا الكتابة عن حركات القرامطة والزنج والراوندية، وهناك من جدد فكر إخوان الصفا وبعث رسائلهم كطه حسين، وهناك من قدم ابن سينا والفارابي على أنهم قمم من
                          (2/486)
                          أعلام الفلسفة والفكر. ولا يراد من وراء هذا كله إلا ضرب الإسلام في الصميم ونشر الوثنيات والإباحيات.

                          * الاستشراقيون نيكلسن وجولد زيهر وأوليري وكازنوفا وتعريب "رسائل إخوان الصفا":
                          كان لبول كازانوفا السبق في إظهار رسائل إخوان الصفا في العالم الغربي 1899، ولا ريب أن اهتمام الاستشراق والتغريب بهذه الرسائل كان بالغًا، ولذلك فإن جماعة منهم (نيكلسن - جولد زيهر - أوليري) بالإضافة إلى كازانوفا قد وضعوا عددًا من الأبحات حولها.
                          - يقول أوليري: هناك ما يُغري بأن حركة إخوان الصفا كانت حركة إصلاح من جانب بعض الإسماعيليين أرادوا الرجوع إلى تعاليم الإسماعيلية القديمة.
                          - ويقول جولد زيهر: أعتقد أن رسائل إخوان الصفا كانت الأساس الذي بُنيت عليه معتقدات الإسماعيلية.
                          ولذا قامت المطبعة الكاثوليكية في بيروت بإعادة طبع هذه الرسائل، ثم جاء الدكتور طه حسين من أوربا 1929 م ليعيد طبع رسائل إخوان الصفا وادعى الدجال طه حسين أن إخوان الصفا قوم مجددون مصلحون قدموا للمجتمع الإسلامي الفلسفات الهندية والفارسية واليونانية لإنشاء ثقافات جديدة، وهي الثقافة التي يجب على الرجل المستنير أن يظفر بها وكان على طه حسين أن يبين للناس أن هذه الرسائل تعارض مفهوم الإسلام الأصيل في عدة أمور:
                          أولاً: إنكار البعث بالأجساد.
                          ثانيًا: تفسير الجنة والنار تفسيرًا مخالفًا لما تواتر عند المسلمين.
                          (2/487)
                          ثالثًا: تفسير الكفر والعذاب تفسيرًا باطنيًا معنويًّا.
                          رابعًا: قولهم بأن النبوة يمكن اكتسابها عن طريق الرياضة.
                          خامسًا: قولهم بإسقاط التكاليف.
                          ومن أشد فساد عملهم محاولتهم صهر الأديان والعقائد كلها في صورة زائفة، ومن ذلك قولهم: الرجل الكامل يكون فارسي النسب عربي الدين عراقي الآداب عبراني المخبر مسيحي النهج شامي النسك يوناني العلم هندي البصيرة صوفي السيرة ملكي الأخلاق.
                          تعبوا وما أغنوا، ونصبوا وما جدوا، وحاموا وما وردوا، ونسخوا فهلهلوا، ومشطوا ففلفلوا، حصلوا على خرافات وتلفيقات وتلزيقات ولوثات قبيحة ولطخات ناضجة، وألقاب موحشة، وعواقب مخزية، وأوزار مثقلة.


                          ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                          تعليق


                          • * المستشرقون وأذنابهم ودعاة الباطنية كابن المقفع وابن سينا والفارابي وابن الراوندي:
                            حظي دعاة الباطنية الذين حملوا سموم هذه النحلة بتقدير كبير من رجال التغريب، وكان لهم القدح المعلى لدى حركة الاستشراق والتبشير، فكتبت الأبحاث الطول حول عبد الله بن المقفع، وابن سينا، والفارابي، وابن الراوندي، ووضعوا جميعًا مواضيع التمجيد والتقدير، واحتفل بهم في ميادين مختلفة منها ميادين الأدب والتاريخ والفلسفة.
                            - وألف طه حسين كتاب الفتنة الكبرى لتبرئة اليهودي عبد الله بن سبأ.
                            - ويأتي ابن المقفع الزنديق فيُعلي من شأنه طه حسين وأحمد أمين وبطرس البستاني ويقرر طه حسين كتاب كليلة ودمنة مع ما فيه من سموم على طلاب المدارس الثانوية.
                            (2/488)
                            - قال الخليفة المهدي عن ابن المقفع: ما وجدت كتاب زندقة قط إلا وأصله ابن المقفع ووصف دعاة التغريب ابن المقفع بأنه من أعلام الفكر الحر وأنه مصلح اجتماعي. وهم يعلمون أنه أكبر طاعن على الإسلام، قدّم أول ما قدم للقضاء على نظام الإسلام الاجتماعي "كتاب مزدك" ثم كتاب "بروزيه" ليثبت تناقض الأديان وبخاصة الإسلام.
                            وكشف إبراهيم أبو القاسم في كتابه "الرد على اللعين عبد الله بن المقفع" أنه كان يعارض القرآن.
                            ويكفي لزندقته "باب بروزيه" الذي أضافه إلى كتاب "كليلة ودمنة" قاصدًا به تشكيك الناس في دينهم.
                            ثم اتصالاته بخلفاء الشعوبيين والمجان المتهمين بالزندقة من أمثال إقبال البقلي (الذي أنكر البعث والقيامة) وعمار بن حمزة وأبان اللاحقي وسهل بن هارون وحماد عجرد. ولقد ارتبط اسم ابن المقفع بالزندقة عند ابن خلكان والبيروني والصفدي.
                            - ومما يردده دعاة التغريب الثناء على الباطنية أنها حاولت أن تعيد للمرأة حقوقها وحريتها وكذلك وصفت المشاعية والدعارة التي دعت إليها وأقرّتها هذه الجماعات بأنها حركة تقدمية للمرأة (1).



                            كيف يمكن من يستخرج فكر بابك الباطني ويقدمه مرة أخرى للمسلمين على أنه فكر تقدمي أو اشتراكي، وكيف يمكن أن توصف هذه الحركات الباطنية المتآمرة بأنها حركات عدل اجتماعي كما صورها طه حسين وجماعة المستشرقين ودعاة التغريب (2).
                            __________
                            (1) "مقدمات العلوم والمناهج" (1/ 517).
                            (2) المصدر السابق (1/ 518).
                            (2/489)
                            * وهكذا اتسع نطاق المؤامرة على الإِسلام:
                            عمدوا إلى إحياء هذا الركام العفن الذي مرّ سابقًا وإعادة طبعه ونشره.
                            بدأت هذه المرحلة عام 1909 بكتاب ماسينون حتى حمل لواءها طه حسين 1926 بعد سقوط الخلافة ثم جددعا عبد الرحمن بدوي 1946 ثم جاء زكي نجيب محمود منذ عام 1967 وفي ظل النكسة لإحياء هذا التراث على نحو جديد:
                            1 - نشر لويس ماسينون كتابات الحلاج والسهروردي وفريد الدين العطار وابن سبعين.
                            2 - نشر جولد زيهر كتابات صالح بن عبد القدوس.
                            3 - نشر كريمسكي عن أبان بن عبد الحميد اللاحقي.
                            4 - نشر فرنسسكو جيريلي وباول كراوس عن ابن المقفع.
                            5 - نشر باول كرواس عن ابن الراوندي.
                            6 - نشر فرنسسكو جبريلي عن بشار بن برد.
                            7 - نشر باول كراوس عن محمد بن زكريا الزنديق.
                            8 - ما كتبه آسين بلاسيوس عن ابن عربي.

                            * ثم جاء دور التغريبيين:
                            فقاموا بدورهم على أتَمِّ وجه:
                            1 - كتب طه حسين عن الزنادقة بشار بن برد وأبي نواس وحماد وأبان ابن عبد الحميد وجدد طبع آثار ابن المقفع ورسائل إخوان الصفا.
                            2 - كتب عبد الرحمن بدري كتابيه "شخصيات قلقة" و"من تاريخ الإلحاد في الإسلام" تناول فيهما الحلاج والسهرورد" وابن المقفع وابن الراوندي والرازي، وقدم شطحات الصوفية عن أبي يزيد البسطامي ورسائل
                            (2/490)
                            ابن سبعين وترجم ما كتبه آسين بلاسيوس عن ابن عربي، وبذلك أحيا قدرًا كبيرًا من ذلك التراث الغنوصي المجوسي القديم، وإن كان ما قدمه كمترجمات لآثار المستشرقين.
                            4 - أما الدكتور زكي نجيب محمود في كتابيه "تجديد الفكر العربي"، و"المعقول واللامعقول في التراث العربي" فقد أعاد صياغة الفكر البشري الوثني الغنوصي صياغة جديدة.
                            - وتتمثل حركهّ تجديد الفكر البشري في عدة ظواهر:
                            أولاً: إعادة كتابة تاريخ القرامطة والزنج والباطنية على أنها حركات عدل وحرية أو ثورات إسلامية ومن ذلك ما كتبه محمود إسماعيل عن الحركات السرية في الإسلام.
                            ثانيًا: إعادة الدعوة للاعتزال والراوندية على النحو الذي حاوله زكي نجيب محمود.
                            ثالثًا: إعادة طبع كتب وحدة الوجود والحلول والاتحاد مثل طبع كتب ابن عربي والحلاج.
                            رابعًا: محاولة فرض منهج التفسير الماركسي للتاريخ كما فعل أحمد عباس صالح فيما أسماه اليمين واليسار في الإسلام.
                            خامسًا: محاولة لطفي السيد ترجمة كتاب الأخلاق لأرسطو والقول بأن فلسفة أرسطو هي مصدر النهضة العربية الحديثة.
                            وترجمة تمام حسان لكتاب "مسالك الثقافة الإغريقية إلى العرب" تأليف أوليرى.
                            وكتاب "الأصول اليونانية للنظريات السياسية في الإسلام" لإبراهيم بيومي مدكور.
                            (2/491)
                            - وهناك شطحات الصوفية لعبد الرحمن بدوي، ورسائل ابن سبعين.
                            - وجدد عبد الرحمن بدوي في كتابه "تاريخ الإلحاد في الإسلام" الحديث عن الزنادقة وترجم لهم بتوسع، وأرخ لهم ووضع فكرهم مجددًا أمام المثقفين العرب ويتحدث عن طالوت ونعمان وصالح بن عبد القدوس، وعبد الكريم بن أبي العوجاء وأبي عيسى الورّاق وبشار وحماد وأبان بن عبد الحميد وأبو العتاهية ويؤلف سيد حسين نصر الإيراني عن ابن سينا والسهروردي وابن عربي كتابًا تحت اسم حكماء مسلمين.


                            ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                            تعليق


                            • * مرة أخرى مع الحداثي أحمد عبد المعطي حجازي:
                              متى يكف الشاعر الكبير عن تصدير أفكاره؟
                              عبد المعطي حجازي انتقد كل ما هو ديني "حتى السلام عليكم"!



                              في منتدى الحوار بمكتبة الإسكندرية والذي استضاف الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي. - بدأ حجازي حديثه بالدفاع عن (نصر أبو زيد) ودعوته لتبني خطاب عقلاني جديد بدلاً من الخطاب الموحد للأزهر ودار الإفتاء وما أسماه الجماعات المتطرفة، ولم ينس حجازي الإشادة بالمؤتمر الذي عقده المجلس الأعلى للثقافة وإعلان (القاهرة الثقافي)!!
                              وقال: إن الكلام عن تجديد الخطاب في وادٍ والعمل على تجديده في وادٍ آخر؛ لأن الكثيرين من علماء الدين يمنعهم الكسل العقلي من متابعة التطورات الفكرية فيخلطون بين تجديد الخطاب وتجديد لغة الخطاب اعتمادًا على المقولة الشائعة "خاطبوا الناس على قدر عقولهم". ويبدو أن حجازي خانته الذاكرة فلم يعرف أن صاحب المقولة هو سيدنا علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه-!!
                              - وبدأ حجازي وصلة هجوم على البرنامج الشهير (العلم والإيمان)
                              (2/492)
                              قائلاً: إن (السيد) الذي كان يقدمه في التليفزيون يعرض لقطات تسجيلية من عالم النباتات والحيوانات والنجوم ويكتفي فقط بالتعجب قائلاً (سبحان الله) يقصد الدكتور مصطفى محمود ولم يشأ حجازي ذكر اسمه.


                              - ويقول حجازي إن البرنامج (يزعم) وجود علاقة بين العلم والإيمان وهي غير موجودة بالطبع!!! وأكَد حجازي أن هناك خلطًا واضحًا بين العلم والدين بدليل وجود لفظ شائع اسمه (الطب النبوي) وهو غير صحيح أيضًا -على حد زعم حجازي- وهاجم حجازي صحيفة (الأهرام) التي يكتب بها مقالاً أسبوعيًّا؛ لأنها تخصص صفحة كاملة تحت عنوان (الإعجاز العلمي للقرآن) مشيرًا إلى أنه موضوع غير صحيح ولا يستحق المناقشة لأن من يكتبون فيه يزعمون أن القوانين التي اكتشفها علماء العصور الحديثة في الطبيعة والفلك والكيمياء موجودة في القرآن وهذا بالطبع غير صحيح -على حد زعم حجازي- لأن النصوص الدينية تخاطب القلب وإن كانت تخاطب العقل أيضًا ولكن لتجعله ينظر في السموات والأرض لا لكي تلقنه نظريات العلم وإلا لو كانت النظريات والقوانين موجودة في القرآن فلماذا لم نعرفها قبل غيرنا؟ ولماذا لا نغلق الجامعات ونكتفي بالتعليم في الكتاتيب؟! والعجيب -كما يشير حجازي- أن المهتمين بموضوع الإعجاز في القرآن تجند لهم أجهزة الإعلام لكي يقنعونا بأن العلم ليس إنسانيًّا وإنما مرتبط بالدين وأن العلم ليس جهد الإنسان واكتشاف العقل ولكنه موجود وعلى هؤلاء أن يستخرجوه من النصوص الموجودة سلفًا ويريدون أن ينزعوا عن الإنسان كل مجد ويحرموه من كل فضيلة ويصوروه متلقيًا فقط عاجزًا عن المعرفة والإضافة والإبداع من منطلق مقولة: "إن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار" ..
                              ويبدو أن حجازي نسي أنه حديث شريف يتحدث عن البدعة وليس الإبداع!!! - وهذا في رأيه خطاب العصور الوسطى لحصر العمل في العبادة
                              (2/493)
                              والتسليم والنتيجة هي الوجود السلبي في الحياة، يساعدهم على هذا الزعم أنهم يخاطبون في الناس ما يحبون وأننا نحتاج لمن يقول لنا أننا قد سبقنا إلى كل شيء مع إننا في الحقيقة لم نسبق لشيء، وإن كنا سبقنا فقد تركنا السبق وغرقنا في عصر الانحطاط!!



                              - هاجم حجازي أيضًا (أسلمة العلوم) ووصفها بأنها نشاط محموم تنفق عليه بعض الدول العربية بسخاء ليكتسب العلم صفة الإيمان ويصبح سلاحًا من أسلحة العقيدة وهي في الحقيقة دعاية سياسية ومحاولة كسب الحصانة من الدين.
                              والأغرب من ذلك .. أن حجازي هاجم أيضًا تحية الإسلام (السلام عليكم) قائلاً إننا لكي نثبت وجودنا في ثورة الاتصالات نحاول إلغاء الصيحة العالمية المتفق عليها (آلو) ونستبدلها بكلمة (السلام عليكم) وأنا لا أفهم كيف أتصل بشخص تليفونيًّا ويرد قائلاً: (سلامو عليكو) لماذا؟!!!!!!!
                              - وقال حجازي: إننا ما دمنا نشك في قدرة العلم والإنسان والعقل البشري على انتهاك كل الأسرار والحجب فنحن نعيش في العصور الوسطى ونخاف الحياة ونعجز عن التحكم في مستقبلنا ونشعر بالنقص ونكتفي بالحديث عن التميز والخصوصية واعتزال (الآخر) وأصبحنا عالة على غيرنا من الغرب الذين يحبون الحياة ويفهمون أسرار الطبيعة ويتحكمون فيها ويخضعونها بينما نحن نحتقر الحياة ونتصورها مجرد (حياة عابرة) يجب أن نمر مرورًا سريعًا إلى الحياة الباقية؛ لأن الحياة التي نعيشها (لهو ولعب) ونكتفي بالفخر أن لنا (الحياة الباقية) ولهم (الحياة الفانية)!! (1).
                              الإسكندرية - جيهان حسين
                              __________
                              (1) مقال لجيهان حسين - جريدة الأسبوع العدد 342 - 25 رجب 1424 هـ، 22 سبتمبر 2002 م.
                              (2/494)
                              * خليل عبد الكريم و"سنوات التكوين":
                              كتب وائل لطفي:
                              أصدر مجمع البحوث الإسلامية يوم الأربعاء الماضي قرارًا بحظر تداول وطبع كتاب "سنوات التكوين في حياة الصادق الأمين" لمؤلفه خليل عبد الكريم بناء على تقرير قدمته إدارة الثقافة والبحوث في المجمع وكتبه الشيخ عبد العظيم المطعني الأستاذ بكلية اللغة العربية.
                              "اعتمد الأعضاء في اتخاذهم للقرار على تقرير الشيخ المطعني الذى اتهم الكتاب بإنكار الديانات السماوية والإساءة للرسول - صلى الله عليه وسلم -" (1).




                              * الحداثيون إِباحيون يضج من إِباحيتهم قوم لوط عاملهم الله بما يستحقون:
                              هؤلاء الحداثيون الاستعلائيون الظلاميون الإرهابيون فقدوا كل شيء بعد أن اتُّهم أبو زيد أكاديميًّا بـ "الجهل وتزوير النصوص" وقضائيًّا بـ "الردة"، وأكدت ما ذكره (أدونيس) وهو واحد من أكثر الحداثيين العرب تطرفًا، عندما قال: "إن الحركة الحداثية، تمتلئ بالحواة والمهرجين" (2) .. بيد أن اكتمال المحنة التي أجهزت على "الحداثة"، في عالمنا العربي تقريبًا، جاءت بعد إسدال الستار على قضية (أبو زيد)، بخمس سنوات، عندما أصدرت وزارة الثقافة المصرية، رواية "وليمة لأعشاب البحر" للسوري (حيدر حيدر)، وهي من النوع الذي ينتمي فنيًّا إلى ما يسمى بـ "أدب الجسد"، والأخير يمثل رافدًا من روافد "الحداثة"، في الشعر والرواية، والمسرح، والسينما. ويرجع هذا النوع إلى أواخر ثلاثينيات القرن الماضي، عندما ظهرت مجموعة من الأعمال
                              __________
                              (1) روزاليوسف العدد (3809) (ص 18) 15/ 6/2001.
                              (2) ذُكر هذا النص في كتاب "شعر الحداثة في مصر دراسات وتأويلات" لإدوارد الخراط (ص 622).
                              (2/495)
                              تناولت حياة (البغايا) وطقوسهن في العوالم السفلية والمخملية، ابتداء من اللبناني (توفيق يوسف عواد) في روايته (الرغيف) عام 1939، ومرورًا بالشاعر العراقي (بدر شاكر السياب)، في قصيدته "المومس العمياء" عام 1953، وصولاً إلى المصري (نجيب محفوظ) في ثلاثيته "بين القصرين" عام 1956، وفي "قصر الشوق" و"السكرية" عام 1957.
                              كان هذا المنحى -في بداياته الأولى- يتحفظ في الولوج إلى وصف (تضاريس الجسد)، بشكل مبتذل ورخيص ومسموم، على النحو الذي بلغه في الثلاث عقود الأخيرة من القرن الماضي باسم "الحداثة"، ويكفي في هذا السياق أن نعرض قائمة سريعة ببعض العناوين لهذا النوع من (الأدب):
                              "شهوة ملتبسة" لـ نضال حمرانة، "أوهام أيروسية" لـ مي زيادة، "لواطيات الجنابي" لـ عبد القادر الجنابي، "رائحتي شهية كالنعناع" لـ ليلى العثمان، "عن صبي يفوح جنسًا" لـ غالب هلسا، "جسد سعاد حسني" لـ عناية جابر، "في سرير الرفيقة" لـ سعدي يوسف، "هكذا أفهم الجسد" لـ صباح خراط، "أنا والعادة السرية" لـ حميد العقابي، "اغتصبت في صباي" لـ خالد المعالي، "ملح على ثدي يرتعش"، "خواطر سحاقية" لـ عالية شعيب، "حلمت بحيوان يضاجعني" لـ دني طالب!! مع ذلك فإن هذا "التحفظ " -الذي ميّز جيل خمسينيات القرن الماضي- لم يعفه من مسئولية التأسيس، لنوع من الكتابات تعتمد على "لغة الجسد"، وإطلاق حريته في تلبية شهواته، ووصف مواقعة الذكر للأنثى من جهه، ومواضع العفة لديهما من جهة أخرى بلا حياء، وهو منحى يترتب عليه بالتبعية، الاستهزاء والاستخفاف بكل ما يعتبره معوقًا من معوقات التعبير عنه، وعلى رأسها التقاليد الاجتماعية المحافظة، والثقافة الدينية الحاضنة لها.
                              - ورغم أنه في سبعينيات القرن الماضي، ومع ما لاقته الحداثة من تَبَنٍّ
                              (2/496)
                              وترحاب ودعاية، قد تنامت النظرة إلى هذه "القوالب الفنية"، باعتبارها أنساقًا فنية تنتمي إلى منظومة التقاليد القديمة، التي تقتضي الحداثة تجاوزها بل وتدميرها، إلا أن الأعمال الروائية -التي رضعت من ثدي الحداثة، اتخذت من "الجسَد" قوام موضوعها الأساسي- أبقت على هذه الكراهية لـ "الشرعية الدينية"، بل واتخذتها هدفًا انتوت إنجازه كما فعلت القاصة الكويتية "عالية شعيب"، في قصتها القصيرة "ملح على ثدي يرتعش"، تروي بين سطورها تفاصيل علاقة سحاقية.
                              إن الفارق بين الجيلين (الذي عاش وكتب في النصف الأول من القرن الماضي، ونظيره الذي مارس الكتابة في نصفه الثاني)، كان في تمرس الأخير بـ "المجاهرة بالمعاصي"، باعتبارها "فعلاً حداثيًّا"!، فيما بينت التجربة، أنها كانت لإخفاء الضعف المهني والفني، الذي كان قاسمًا مشتركًا لجُل هذا الجيل.



                              - يقول الشاعر المصري فاروق جويدة: "منذ شهور تلقيت مجموعة قصصية لكاتبة .. وعندما بدأت أقرأ فيها، اكتشفت أن الكاتبة، غير قادرة على صياغة جملة عربية سليمة وكانت أفكارها مشوشة القصص جميعها تنحصر في تجربة امرأة تمارس الجنس مع نفسها" (1).
                              ثم إن كان هناك بعد "تبشيري - غربي"، ساعد على إنعاش مثل هذه "المجاهرة"، يفسر ذلك فاروق جويدة يقول: "إن هذه الكتابات تجد صدى واسعًا في الدوائر الغربية حيث تترجم كل يوم، ويتلقى أصحابها التهاني والورود والدعوات ويشاركون في المؤتمرات، والسبب في ذلك أن هناك تجارة رابحة في الغرب الآن ويستطيع أي كاتب عديم الموهبة، أن يقدم نفسه من
                              __________
                              (1) الأهرام المصرية 7/ 5/2000.
                              (2/497)
                              خلالها أن يكتب في الجنس ولغة الجسد .. أو يهاجم الإسلام" (1).



                              - ففي وقت مبكر من سبعينيات القرن الماضي كتب المغربي (محمد شكري) روايته "الخبز الحافي" سجل فيها المؤلف "سيرته الذاتية"، وتجربته في ممارسة الجنس مع البغايا وغيرهن"، وحياة التشرد التي عاشها، وكيف انخرط خلالها في معايشة كل طقوسها ومفردات حياتها اليومية، من جنس وشذوذ ومخدرات وغيرها، والرواية بالمعايير الأدبية ضعيفة فنيًّا، ومبلغ القول فيها أنها "رواية ساقطة"، تحكي ذكريات رجل شاذ جنسيًّا؛ ولأنها كانت صادمة لمشاعر المسلمين، رفضت معظم دور النشر العربية نشرها، فيما وجد فيها الغرب (صيدًا ثمينًا)، يمكن توظيفه بوصفها (شهادة إدانة) عربية لما يعتبره الغرب (تقاليد إسلامية)، حيث ترجمت إلى الإنجليزية والفرنسية، فيما تكبد المستشرق الياباني (نوتوهارا)، مشقة السفر من اليابان إلى المغرب، لزيارة (محمد شكري) عام 1995، ليعمل على ترجمة الرواية، ويطلب إليه أن يرافقه في زيارة الأماكن التي وصفها في "الخبز الحافي"!! في الوقت ذاته يسارع الإسرائيليون إلى الالتحاق بطابور المهتمين بالرواية ومؤلفها ممثلين في "دار الأندلس" الإسرائيلية التي ترجمتها إلى العبرية (2) بل إن الجامعة الأمريكية بالقاهرة قبل منع تدريسها إثر احتجاجات طلابية واسعة في العام الدراسي 98/ 99 - أدرجتها بين المناهج المقررة على طلابها (مادة الأدب العربي)!

                              * صدام مروع مع الرأي العام:
                              بيد أن الحداثة كانت بـ "برج عاجيتها"، بعيدة عن أي صدام مباشر مع الرأي العام، ما أتاح لها تداول هذا النوع من الأدب، في دائرة ضيقة (بين
                              __________
                              (1) المصدر نفسه.
                              (2) موقع الجزيرة نت - الثقافة والفن في 28/ 1/2001.
                              (2/498)
                              النخبة الحداثية فقط)، حتى عام 2000 عندما أصدرت وزارة الثقافة المصرية، رواية من هذا النوع وهي "وليمة لأعشاب البحر".
                              ويعتبر صدور الرواية -وبسعر زهيد، وفي أكبر سوق عربي (مصر)، وتتولى السلطات الرسمية (وزارة الثقافة) طبعها ونشرها- منعطفًا فاصلاً، في مسيرة الحداثة في العالم العربي.
                              حتى قبيل هذا الحدث، لم يكد أحد من العامة يعرف شيئًا عن الحداثة، في تجلياتها الفكرية والثقاقية والسياسية، كانت هناك مياه كثيرة مرت تحت الجسر، ونعني بها بعض الاشتباكات "العارضة" التي وقعت في الظل، انحسرت بالمصادرة السريعة (مثل الخبز الحافي، وبيضة نعامة في مصر)، و"الرحيل" و"في ليل تأتي العيون" ليلى العثمان، و"عناكب ترثي جرحًا" لعالية شعيب بالكويت، وبعضها خرج إلى العلن، وانتظمت مؤسسات أهلية ورسمية وإعلامية، في الجدل الواسع والعنيف الذي احتدم بشأنها. بيد أنها شكلت وعيًا "أوسع" بالبعد الأكاديمي والمنهجي للحداثة، وكان أبرزها أزمة (نصر حامد أبو زيد)، إذ إن الأخير استخدم "البنيوية الماركسية" في تأويل "النص القرآني"، الأمر الذي أفضى به في النهاية، إلى شكل من أشكال النكوص العقائدي، وإعادة إنتاج المواقف القرشية "الجاهلية" القديمة، من النبوة والوحي، على نحو ما أسلفنا فيما تقدم. هذا "النكوص" سدد (أبو زيد) فاتورته بالكامل من جهة، وشكلت محطة متقدمة، في مشوار الحداثة نحو "مواتها"، المهين والمذل، في بلاد العرب من جهة أخرى. غير أنه من المؤكد، أن أزمة "وليمة لأعشاب البحر" كانت هي المحطة اللاحقة والأخيرة في هذا المشوار.
                              - فإذا كانت الأولى بما خلفته من أدبيات -حتى في أشكالها القانونية التي صيغت في صورة مذكرات ادعاء أمام المحاكم، أو حيثيات ما أصدرته
                              (2/499)
                              الأخيرة من أحكام بشأن الأزمة- قد مثلت موات الحداثة العربية أكاديميًّا، لا سيما بعد ظهور كتابي د. عبد العزيز حمودة: "المرايا المحدبة" و"المرايا المقعرة"، رغم صدورهما في مرحلة متأخرة من الأزمة. فإن الأخيرة (أي رواية وليمة) أشعلت الحرائق، فيما تبقى من "مصداقية" أو "نجومية" لرموز حداثية كبيرة، ظلت ولعدة عقود تمثل "المخزون اللوجستي"، الذي تعهد النشاط الحداثي العربي (السري منه والعلني) بالحماية والدعم (بنوعيه المادي والإعلامي). أي أنها حرمت الحداثيين العرب الأقل والأقصر قامة، من مرجعيات كانت تفتح لها أبواب "أنشطة"، من "النوع" الذي يتحول إلى دولارات وشيكات وحسابات في البنوك من جهة، وتتعهدها بالتلميع الإعلامي الواسع والغير محدود من جهة أخرى: فمن المعروف أن رواية "حيدر حيدر"، كانت من النوع الذي لا يقترب فحسب -في توصيفه- إلى ما يشبه أفلام "البورنو الجنسية"، ولكنها نالت من (القرآن والسنة) بلغة مبتذلة ورخيصة، وبمفردات وخطاب تهكمي ساخر ..

                              ويكفي هنا أن نستعرض خلاصة رأي مجمع البحوث الإسلامية، التابع لمشيخة الأزهر في الرواية، إذ يقول البيان:
                              - إن الرواية مليئة بالألفاظ والعبارات التي تحقر وتهين جميع المقدسات الدينية بما في ذلك ذات الله سبحانه وتعالى والرسول - صلى الله عليه وسلم - والقرآن الكريم واليوم الآخر، والقيم الدينية.
                              - إن الرواية خرجت على الآداب العامة خروجًا فاضحًا وذلك بالدعوة إلى الجنس غير المشروع واستعمال الألفاظ في الوقوع وأعضائه الجنسية للذكر والأنثى بلا حياء؛ مما يعف اللسان عن ذكرها وكتابة نصها، حفاظًا على الحياء العام الذي انتهكته الرواية إلى آخر ما ورد في التقرير المشهور والمنشور.
                              ويكتسب ظهور رواية "وليمة"، بعد أزمة أبحاث نصر حامد أبو زيد،
                              (2/500)
                              أهميته من دورها في استكمال النصف الآخر من صورة "الحداثة".
                              فإذا كانت أزمة أبو زيد، قد انتهت بتوثيق تهافت الحداثة "أكاديميًّا"، فإن "وليمة" أماطت الستار. عن وجهها "السوقي" والمبتذل، شاءت الأقدار أن تأتي هذه "السوقية"، في المشهد الأخير من مشوار الحداثة العربية نحو نهايتها المخزية، ليظل هذا المشهد عالقًا، في وجدان الأمة ووعيها الجمعي، ولتختم لكل من دافع عن الرواية، وعن مؤلفها أو اعتبرها إبداعًا، بسوء الخاتمة.



                              ولعل هذه الخاتمة كانت هي الأخطر في مجمل نتائج هذا المشوار، إذ إن أسماء حداثية كبيرة خرجت من هذه المعركة، وقد فقدت سلطتها الأبوية بالكامل، التي كانت تمارسها على السلطات الثقافية الرسمية، ولعدة عقود مضت، وباتت تشبه "خيول الحكومة العجوزة"، ولم يمهلها وزير الثقافة المصري فاروق حسني -الذي كاد أن يفقد منصبه الوزاري بسبب الأزمة- أن تظل عبئًا عليه وعلى حكومته بعد أن احترقت (تلك الأسماء)، وكادت تحرق النظام السياسي بكامله.



                              بعد أزمة "وليمة" بدأت ملامح وتضاريس جديدة تتبلور، تشير في تدافعها وتلاحقها، إلى ما يمكن تسميته مرحلة "نهاية الحداثة" في عالمنا العربي وهي مرحلة يمكن الاستدلال على تشكلها بعدة علامات: ففي شهر مارس من عام 2000 أي قبل صدور رواية "وليمة" بنحو شهرين، ألقت سلطات الأمن المصرية، القبض على صلاح الدين محسن، بعد نشره رواية وصف فيها القرآن الكريم بأنه "كتاب الجهل البدوي المقدس"، وجرت محاكمة المؤلف متزامنة مع أجواء أزمة "وليمة"، وفي شهر يوليو من نفس العام، قضت محكمة أمن الدولة، بحبس صلاح الدين محسن "ستة أشهر مع وقف التنفيذ".
                              - وبادر البعض بتفسير هذا الحكم "المخفف" بأنه "انتصار" للحداثة،
                              (2/501)
                              و"هزيمة" لأعدائها، وأنه دلالة على قوة الحداثيين وقدرتهم على التأثير، أن الحكم جاء ثمرة خطابهم المدافع عن "حرية" التعبير وعن "الإبداع"، وأن منصة القضاء تأثرت (أو استجابت) لهذا الخطاب الحداثي.
                              وواقع الحال أن رد الفعل الرسمي من الدولة، لتبرير موقفها من نشر الرواية، كان مرعبًا ومخيفًا ومدعومًا بالمؤسسة الإعلامية الرسمية الضخمة والعاتية، وكانت شهادات الاتهام بـ "الظلامية" جاهزة لكل من هاجم الرواية أو اعتبرها إسفافًا لا إبداعًا .. حتى إن بعض من هاجموا الرواية في مستهل الأزمة، استجابوا للابتزاز الحداثي، وانقلبوا على أدبارهم في منتصف الطريق، خوفًا من أن ينالهم العلمانيون بأذى، وطمعًا في الإنعام الحداثي عليهم بلقب "المفكر المستنير"، وربما قد تأثر الحكم على "صلاح الدين محسن" بهذا المناخ، وبكل تفاصيله التي هدفت إلى ترويع النفوس والأفئدة غير أن هذا المشهد على الجهة الأخرى، كان أشد رعبًا للدولة، فالذي حدث كان أشبه ما يكون بـ "الاستفتاء العفوي" على شرعيتها، أي أن الأزمة وضعت "شرعية السلطة" على محك حقيقي، ونقلتها إلى اختبار بالغ الصعوبة، وأن عليها أن تختار، إما أن تستمد شرعيتها من "الحداثة" بنسختها المعادية للدين وللنسق القيمي العام للمجتمع، وإما أن تستمدها من دين الدولة الرسمي، والحاضن في الوقت ذاته، للمنظومة الأخلاقية والقيمية السائدة.
                              كانت قضية "صلاح الدين محسن"، هي المفصل الذي حسمت عنده الدولة خياراتها، حيث اعترضت النيابة العامة على الحكم (ستة أشهر مع وقف التنفيذ)، واعتبرته في "غاية الرأفة"، فيما رفض رئيس الوزراء د. عاطف عبيد المصادقة عليه، وقرر إعادة محاكمته، وقالت النيابة إن "كتبه تضمنت ازدراء للإسلام وإثارة للنقمة، ومسًا بالذات الإلهية، وإنه زعم أن
                              (2/502)
                              الدين الإسلامي هو السبب في تخلف الدول العربية، ودعا إلى قيام رابطة للملحدين".
                              وعلى إثره ألقي القبض عليه، وصدر في حقه حكم قضائي، بحبسه ثلاث سنوات مع الشغل والنفاذ. ومن اللافت أن رد فعل دعاة الحداثة العلمانية على الحكم، كان خافتًا ضعيفًا يكاد لا يسمعه أحد؛ بل إن اتحاد الكتاب المصريين، قرر فصل "الكاتب" من عضويته، وتبرأ "الجميع" منه، رغم أن ما حدث، لو قدر له أن وقع، قبل أزمة "وليمة لأعشاب البحر"، لأقام الحداثيون الدنيا وما أقعدوها .. وهو ما يعني أن ثمة واقعًا جديدًا، أفرزته تلك الأزمة" (1).
                              - وبعد يا أهل الحداثة .. لقد بلغ فسقكم وفجوركم إلى النهاية فعاملكم الله بما تستحقون وأخزاكم في الدنيا قبل الآخرة إن لم تتوبوا.



                              نعم ملة الإِسلام في الكون دوحة ... وفي ظلها يغدو الهدى ويُراوِحُ
                              على كل فرعٍ عندليب مغرّد ... وفي كل غصن بلبل الحق صادح
                              * وبعد دسائسهم ومكايدهم وكتاباتهم ومؤامراتهم وعفنهم يبقى الإِسلام:
                              * قال تعالى: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]. يئسوا أن يبطلوه، أو يُنقصوه، أو يحرفوه، وقد كتب الله له الكمال وسجّل له البقاء.
                              فالإسلام روح الحياة، وحياة الروح، وسرّ العالم وعالم الأشرار، وجمال الدنيا ودنيا الجمال، ونور الطريق، وطريق النور.
                              __________
                              (1) من مقال "العلمانيون العرب من محنة الحداثة إلى محنة التنوير" لمحمود سلطان (ص 139 - 143) - مجلة المنار الجديد العدد 23 يوليو 2003 م جمادي 1424 هـ.


                              ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                              تعليق


                              • (2/503)
                                - كما تطلع الشمس بأنوارها فتفجر ينبوع الضوء المسمّى بالنهار، جاء الإسلام فوُجِد في العالم ينبوع النور.
                                ورعشات الضوء من الشمس هي قصة الهداية للكون في كلام من النور، وأشعة الوحي في الإسلام هي قصة الهداية لإنسان الكون في نور من الكلام.
                                - وإذا تعسّف الناس الحياة لا يدرون أين يؤمّون منها، ولا كيف يهتدون فيها فتضطرب الملايين من البشر، يأتي الإسلام نورًا هاديًا من غلط الحياة وتحريف الإنسانية يُصحح ما اعترى هذه الأنفس.
                                - الإسلام أفق وضيء يطهر البشرية من غبش الجاهلية، وأهل الشقاء يفرّون منه إلى موتهم {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} [المدثر: 50 - 51].



                                - الحياة في ظل الإسلام نعمة .. نعمة لا يدركها إلا من ذاقها، نعمة ترفع العمر وتباركه وتزكيه،
                                يعيش المرء في ظل الإسلام ينظر من عُلوّ إلى الجاهلية التي تموج في الأرض، وإلى اهتمامات أهلها الصغيرة الهزيلة ويعجب .. ما بال هؤلاء الناس؟! ما بالهم يرتكسون في الحمأة الوبيئة، ولا يسمعون النداء العلوي الجميل الجليل؟ النداء الذي يرفع العمر ويباركه.
                                {أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [آل عمران: 83].



                                - هذا الإسلام مرتقى عالٍ، ونور وضيء.
                                ارتضاه الله دينًا لكل أنبيائه وهو أرقى تصور للوجود والحياة، وأقوم منهج للبشرية وهو الرشد الذي ينبغي للإنسان أن يتوخّاه ويحرص عليه.
                                - لقد التقط الإسلام الناس من سفح الجاهلية ودركها، وسار بهم في
                                (2/504)
                                الطريق الصاعد إلى القمة السامقة، وجعلهم ينظرون من علٍ إلى سائر أمم الأرض من حولهم في السفح، في كل جانب من جوانب الحياة، عرفوا السفح وعرفوا القمة، وعرفوا حب الله ورضاه عن هذه الأمة.
                                - الإسلام لا يتولى عنه إلا موكوس منكوس مطموس، شاذ في هذا الوجود الكبير ناشز في هذا الكون الطائع المستسلم المستجيب.



                                - لقد شقيت البشرية في تاريخها كله حين قادها العُمْيُ الذين يلبسون أردية الفلاسفة والمفكرين والمشرعين والسياسيين على مدار القرون، ولم ترتفع إنسانيتها قط إلا في ظل الإسلام.



                                - الإسلام نور في القلب والنفس، نور للمسلم تشرق به كينونته فتشف وتخف وترف، ويشرق به كل شيء أمامه فيتضح ويتكشّف ويستقيم.
                                - جرعة من كأس الإسلام أروت العقل والقلب، جرس سورة الصافات، أذان بدر واليرموك، وسيف صلاح الدين، ونظرة الفضيل، ومفتاح كنوز الدنيا، غيضٌ من فيضه، القادسية وعين جالوت وحطين نفحة من نفحاته، وومضة من أنواره وبركاته.



                                - به صُنع ركب الرجال العظام على مدار التاريخ، فانظر إلى ركب المؤمنين الأبرار كيف شقّوا طريق المجد في علوّ وجمال، وتطلعت إليهم من فتحات الأبواب أسرى القرون والأجيال.



                                - الإسلام هو المفتاح الفذّ لأقفال الحياة.
                                - الإسلام أنفاس الحياة الآخرة، رقة تستروح منه نعيم الجنان، ونور تبصر في مرآة الزمان وجه الأمان، يرف بندى الحياة على زهرة الضمير، ويخلق في أرواحها من معاني العبرة معنى العبير.
                                - الإسلام من السماء، ودين الله في أفق الدنيا حتى تزول، ومعنى
                                (2/505)
                                الخلود في دولة الأرض إلى أن تدول، وكذلك تمادى المجرمون في طغيانهم يعمهون، وظل الإسلام يلقف ما يأفكون {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 118].
                                - إن الناس في اليوم والغد لن يستجيبوا إلا لنداء الإسلام، ولن يصلحوا إلا به، ولن يتفاعلوا إلا معه .. سيعلو نداء الإسلام ويرتفع ويقوى ويشتد.
                                - ألا بارك الله في الأقلام المتوضئة التي تكتب باسم الإسلام.
                                ألا بارك الله في الحناجر المؤمنة التي تُطلق نداء الإسلام
                                والأصوات المباركة التي ترتفع بنداء الإسلام،
                                والآذان الواعية التي تسمع نداء الإسلام،
                                والقلوب الحية التي تتفاعل مع نداء الإسلام.
                                والحياة الكريمة التي تزكو وتطهر بنداء الإسلام.
                                وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33].
                                وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
                                ***

                                ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                                تعليق

                                مواضيع ذات صلة

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 9 أغس, 2023, 11:28 م
                                ردود 0
                                26 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
                                ابتدأ بواسطة عادل خراط, 17 أكت, 2022, 01:16 م
                                ردود 112
                                164 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة عادل خراط
                                بواسطة عادل خراط
                                 
                                ابتدأ بواسطة اسلام الكبابى, 30 يون, 2022, 04:29 م
                                ردود 3
                                35 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة عاشق طيبة
                                بواسطة عاشق طيبة
                                 
                                ابتدأ بواسطة عادل خراط, 28 أكت, 2021, 02:21 م
                                ردود 0
                                120 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة عادل خراط
                                بواسطة عادل خراط
                                 
                                ابتدأ بواسطة عادل خراط, 6 أكت, 2021, 01:31 م
                                ردود 3
                                64 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة عادل خراط
                                بواسطة عادل خراط
                                 
                                يعمل...
                                X