صديقى الليبرالى الملتحى

تقليص

عن الكاتب

تقليص

معارج القبول دينى الاسلام اكتشف المزيد حول معارج القبول
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صديقى الليبرالى الملتحى

    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    قد يبدو عنوان القصة غريباً بعض الشيء .. ولكن هذه قصه واقعية منقولة من عدة حلقات فيها فؤائد وعبر ..
    لن أطيل عليكم ... لذا سوف أترك لمداد قلمي فرصةً أن ينساب على هذه الصفحات ليرسم لكم تفاصيل هذه القصة ..

    قبل حوالي عقدٍ من الزمان .. إبان دراستي الجامعية .. وفي نهاية المستوى الثاني تقريبا التحقت كطالب متدرب بإحدى المؤسسات الصُحُفية.
    ومع مرور الأيام مارست العمل الصحفي بمهنية احترافية خرجت منها بخبرات عظيمة وعلاقات لازلت أدين لبعضها بالفضل حتى يومنا هذا.
    وخلال تلك الفترة خالطت علية القوم ومتوسطيهم .. ساستهم وعلمائهم .. فنانيهم وأدبائهم وأطبائهم وزاملت أقلاما صُحُفية متعددة المشارب والمواهب والتوجهات.
    وكان ضمن من زاملتهم بطل قصتنا هذه (صديقي) .. هذه كلمته لي كلما رآني!!
    أقول له أحياناً ممازحاً: " أنا أخوك "، فيرد: بل أنت "صديقي"!!
    لذلك سأطلق عليه خلال سرد أحداث هذه القصة لقب (صديقي).

    كان (صديقي) الأعزب معروفاً بيننا بأناقته المفرطة وعطوره الباريسية وحبه الشديد للتفرنج ..
    كنا نجتمع كأطقم تحرير ظهيرة كل يوم على طاولة مستديرة لتجهيز المادة الصحفية التي ستصدر من الغد، وحين يراني قادماً إلى مكان الاجتماع يشير إلي بإصبعه قائلاً: "إلى هنا يا صديقي"، لو لم يكن لك من مكسب في الجلوس بجواري إلا عبق روائح إيف سان لوران، حتى أنّ رئيس التحرير إذا شاهده يسير في إحدى الردهات ناداه بصوت مسموع قائلاً له: "حيا الله قزاز" نسبة إلى اشهر بائعي العطور في المملكة.

    كثيراً ما كان يردد (صديقي) بأنه غربي الهوى، عربي الطباع، فهو ناقم وبشده على ما يعيشه مجتمعه من تحفظ وتقليديه وانطواء ورجعية على حد تعبيره.
    يعشق نزار قباني لحد الثمالة ..
    ولا يترنم إلا على أغاني فيروز ..
    يقرأ لنجيب محفوظ وفاروق جويدة ..

    يمتلك (صديقي) من الخصال ما لا تجده متوافراً في رجل واحد فهو خلوق، ذو ابتسامة لا تفارق محياه، ذكي ونبيه، يحتكم على قلماً سيالاً وأسلوباً أدبياً رفيعاً إلا أنّ مشكلة (صديقي) العظمى والأزلية والتي تصيبه بالإكتئاب المزمن انه لا يحب ذوي (اللحى) يمقتهم ويصرح بذلك علناً وعلى رؤوس الأشهاد.
    لا يمكن أن يمر يوماً ما دون أن يتكلم في رجال هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو دائماً ما يردد عنهم أنهم حجر العثرة الصماء في طريق سيرنا نحو الحضارة.

    لم أراه أبداً يدخل إلى مصلى المبنى الذي نجتمع تحت سقفه .. وأظن أنه كان لا يؤدي الصلوات.
    كنا نناصحه فيقول لنا: "ومن قال لكم أني لا اصلي؟ .. الإيمان هاهنا .. ويشير إلى الجهة اليمنى من صدره لا اليسرى إمعاناً منه في السخرية.

    إذا خرجنا أنا وهو لوحدنا يفضفض لي عن ما يكنه جوفه من هموم وأفكار ورؤى مما يجعلني أشعر بمدى سطوة الشيطان على أفكاره.

    بدأت أتقرب منه شيئاً فشيئاً في محاولة مني لتذكيره بالله وبرسوله واليوم الآخر فلم أجد منه إلا قلباً صلداً وأذناً صماء.

    في يوم شتوي بارد شاهد (صديقي) أحد الإخوة العاملين في الأقسام الفنية بالجريدة ماراً من أمام مكتبه فدعاه إلى تناول قدحاً من شاي فشكره الضيف معتذراً بانشغاله، وعندما أصر (صديقي) اعتذر الضيف بلباقة وقال: "أنا صائم"، فبُهت (صديقي) وقال: "وهل نحن في شهر صيام حتى تحرم نفسك لذة شراب ساخن في جو قارس البرودة!!"
    لم نزد أنا والضيف على قولنا: "هداك الله" وخرجنا.

    حينما كنت اقرأ كتابات (صديقي) - غير المنشورة طبعاً - أشعر بقشعريرة تسري في بدني ..
    أي قلم يجرؤ على كتابة مثل هذا؟!!
    فلا أتمالك نفسي فأقوم بلومه بل وتهديده .. فلم يكن يزيد على قوله: "لا تعجل يا صديقي، سيأتي ذلك اليوم الذي تجد ما تقرأه هنا نزقٌ أمام ما سوف يُنشر".
    فأسرع بمغادرة المكان خوفاً على فكري وديني، فأصبحت أتجنب الجلوس معه أو التقرب منه وأبديت له شيء من جفاء فقد أخذ اليأس طريقه إلى نفسي من عودة (صديقي) إلى جادة الصواب.
    شعر هو بذلك ..
    فكان كلما رآني يقول: "لن تبرح أن تكون صديقي".
    أرد عليه بابتسامة باهته وفي داخلي أقول: "اللهم رده إليك رداً جميلاً".

    بعد عدة أشهر من ذلك الموقف كنت أسير في احد الشوارع التجارية المكتظة بمحلات الأزياء وإذا ببصري يقع على (صديقي) يسير على قدميه وبجواره فتاة تلف ساعدها الأيسر حول يمناه وتحمل في يمينها عدد من الأكياس المليئة بالمشتريات.
    لم تكن تلك الفتاة متحجبة بالشكل الذي نعهده نحن في نساء بلادنا، فحجابها لا يكاد يغطي شيئاً من وجهها!!
    وكعادتنا حينما يشاهد احد منا صديقاً له ومعه أسرته فأنه يتحاشا اللقاء به مباشرة ..
    وهذا ما فعلته .. أتحت له الفرصة ليكون اللقاء والسلام على انفراد .. مسترجعاً بذاكرتي .. متى أقدم هذا (الصديق) على الزواج؟!!
    إلا أنه رفع عقيرته منادياً "صديقي" ...
    توقفت واقبل عليّ وهو في ذات الوضع مع تلك الفتاة!!
    ومع اقتراب خطواتهما مني وهي بجواره، بدأت اشعر بتعرق جبيني وكفاي ..
    مد يده مصافحاً ومعانقاً .. "كيفك؟" .. قالها لي ويمم وجهه شطر صاحبته وقال: "أعرفك على خطيبتي .. (فلانة الفلاني)" ..
    ومدت هي يدها نحوي .. للسلام!!
    شعرت بالارتباك .. وازداد تعرق جبيني وكأنني أقف تحت شمس حارقة.
    تزامن مدها الجريء ليمناها بقصد السلام مع صوت بالكاد يسمع لـ (طقطة) علك بين فكيها فاشمئزت نفسي.
    مددت يدي وبعنف .. نحو ذراع (صديقي) وتنحيت به جانباً ..


    صد يقي الليبرالي الملتحي
    الجزء الثاني

    توقفنا في الجزء الأول بعد أن مدّ كاتب القصة يده وبعنف نحو ذراع (صديقه) وتنحى به جانباً.
    وأترككم الآن مع تفاصيل الجزء الثاني من القصة ..


    قلت له: "من هذه الفتاة"؟!
    فقال لي: "ألم أقل لك أنها خطيبتي"؟!
    فرددت عليه: "أظن أنك تقصد أن تقول "قرينتي" .. فقد تم عقد قرانك عليها ولم تدخل بها بعد!!
    فتبسم وقال: "لا .. لا .. أنا أعي ما ترمي إليه يا صديقي المتخلف .. عقد القران سيكون بعد اختبار مشاعر كل منا نحو الآخر".

    شعرت بأن أوداجي قد تورمت ..
    ولكن تمالكت نفسي وقلت له: "ولكن يا (صديقي) أنت هنا تجاوزت كل الخطوط .. الحمراء منها والسوداء، شرعاً وعرفاً وسلوكاً أنت مذنب، من أباح لك الخروج والانفراد بها وبهذا الشكل الموغل في ازدراء المحيطين بك؟!! ..."
    قاطعني قائلاً: "دع عنك نصائحك الذهبية ووفرها إلى أن نلتقي في الجريدة وهناك سوف اشرح لك الأمر".
    والآن دعني أذهب قبل إغلاق المتاجر لصلاتكم !!!
    فتأبط ذراعها وغادرا وفي القلب منه حسرة.

    انتظرت قدوم اليوم التالي بفارغ الصبر .. بحثت عنه حتى وجدته ..
    وحين شاهدني بادرني مرحباً بقوله: "الرفيق" ..
    هززت رأسي .. لا يهم أن أكون (صديق) أو (رفيق) ..
    أخذته إلى حيث لا احد ..
    وعلمت منه أن تلك الفتاة هي ابنة أحد أشهر من عـُرف عنهم حب التفرنج وأهم دعاة التغريب وخروج المرأة، وأنها بالفعل خطيبته وخروجها معه كان بموافقة ذويها وأنه لا مانع لديهم طالما أنهم يثقون في (صديقي) ونواياه الحسنة، بل أنها تلقى التشجيع من والدها شخصياً.

    بعد أن أدلى بكل هذه المعلومات حاولت أن أبين له خطأ ما يذهب إليه وأن الشيطان حريص على إغوائه.
    فتبسم قائلاً: "لا زالت الرجعية تعشعش بين زوايا فكرك يا صديقي".
    حينها فقط شعرت بأنني فعلاً أشفق عليه .. اللهم رده إليك رداً جميلاً .. هكذا تمتمت بيني وبين نفسي واستأذنت منه وغادرت.

    بقينا أنا و(صديقي) في مد وجزر على مستوى العلاقات الشخصية ..
    أكن له شفقة وخوفاً ..
    و يحمل لي محبة وتقديراً .. اشعر بها من خلال تعامله معي.

    ذات مرة وفي مناسبة عشاء، وبعد أن انتهينا من تناول الطعام، تقابلنا أمام مغاسل اليدين، فقد كان على يميني وعلى شمالي أخ (ملتح) .. نظر إليه بتعجرف وهو في طريقة إلى مغادرة المكان، وهمس لي بقوله: "كم اكره هذه اللحى" ..
    فرددت عليه بقولي: "إذاً فأنت تكره محمد عليه الصلاة والسلام وصحابته" .. هكذا رميت بها على مسامعه.
    ارتبك وقال: "أنا لا أقول بهذا".
    فقلت له: "ولكنك تكره سنته وأوامره، وهذا يعطي انطباعاً بأنك تكرهه، فلو كنت تحبه صادقاً لاقتديت به، وفي اقل الأحوال لصنت لسانك عن الاستهزاء بأتباعه".
    استشف من حديثي الجفوة والغلظة فغير مسار الحديث، فكرهت البقاء معه وغادرت.

    شاء الله أن انهي علاقتي بتلك المؤسسة الصُحُفية وأن أغادر إلى موقع آخر وبقيت ذكرى (صديقي) ومواقفه المؤلمة تدور في مخيلتي.
    كان في داخلي صوت ينادي .. بأن لا تدعه للشيطان ..
    وكنت كلما قرأت له أعجب بأسلوبه وأتذكر جميل أخلاقه فأدعو له: "اللهم رده إليك رداً جميلاً".

    تقطعت بنا السبل .. ونأت بنا الأيام .. ونسيت (صديقي) وهو كذلك نسيني، فمن بعُد عن العين نسيه القلب ..
    وانشغل كلٌ منا بحياته ولم اعد اعلم ما الذي انتهى إليه أمره هو وصاحبته ..
    إلا أنني كلما التقيت بأحد ممن زاملنا وسألته عنه قال لي: "هو بخير .. ولا زالوا في طغيانهم يعمهون".

    مرت سنوات ..
    وذات يوم وبينما كنت منهمك في عمل ما بحضور جمع من الناس، إذا بصوتٍ يأتيني من الخلف ومن صوب كتفي الأيمن هامساً: "مرحباً يا صديقي" ..
    التفت بدهشة ..
    فالصوت معهوداً وقد لامس مسمعي ..
    ونبراته ليست بغريبة على أذني ..
    فإذا أنا بصاحبي ..
    عقدت الدهشة لساني ..
    نظرت إليه فقط ..
    ولم أمد له يدي مصافحاً فقد الجمتني الدهشة ..
    وشعرت بأن خلايا مخي قد تباطأت للحظات في نقل التوجيه إلى تفكيري ..
    فلم اعد أدرك ما الواجب علي فعله ..
    حساسية المكان وأهمية الزمان الذي التقينا فيه وهول المفاجأة تواكبت جميعها لتشل قدرتي على اتخاذ القرار المناسب.
    التقت عيني بعينيه ..
    وشعر هو بهول الصدمة والحيرة التي أعيشها ..
    تسمر في مكانه .. واغرورقت عيناه بدمعة صامتة .. جامدة ..!!
    لا هو بالذي مسحها ..!!
    ولا هي بالتي انسكبت على خده ..!!

    صديقي الليبرالي الملتحي
    الجزء الثالث

    لم أمد له يدي مصافحاً ..
    فما تلك اللحظات .. بلحظات التقاء الأكف ..
    بل هي لحظات التقاء القلوب ..
    شرّعتُ له ذراعيّ الاثنتين ..
    وما كاد يراها وقد شُرِّعتْ إلا وارتمى بينها بكل ما أوتي من قوة ..
    والتفـّتْ يمينه لتلقي شماله .. حول كتفيّ وكأنه غريق .. في بحر لجي .. وقد وجد ضالته.

    شعرت بسخونة أنفاسه ..
    وأحسست بعبرات في حنجرته ..
    ولكنه لم ينطق ببنت شفه ..
    وما زالت قوة احتضانه لي كما هي .. لم تخبو أو تقل.
    تركت له نفسي ..
    و وضعت يمناي خلف رأسه المتعب ..
    وإذا به يطبع قبلة على كتفي الأيمن .. لم اشعر بأصدق منها .. من أخٍ لأخيه.

    رفعت رأسه لأبصر وجهه ..
    فإذا بأودية من الدموع .. قد تراكمت وسارت بتحنان بالغ على خديه ..
    ومن ثم على (لحية) لم أشاهد أجمل منها قد نبتت على عارضيه ..
    فقال لي وعبراته تقطع استرسال عباراته: "أنت أخي ولست (صديقي)".
    قبلت جبينه .. بقوة
    وعانقته من جديد ..

    كان الزمان في ذلك اليوم ضحى التاسع من ذو الحجة الفائت ..
    وهو اشرف يوم أشرقت فيه شمس ..
    وكان المكان في مخيم دعوي على أرض عرفات الطاهرة ..
    وكان (صديقي) ... عفواً كان (أخي) يلتحف بردائين أبيضين كأنصع ما رأيت من بياض ..

    أخذته بيده فأنقاد لي بطواعية ..
    وفي الطريق إلى خيمتي كانت دموعه تذرف بصمت ..
    وأصابع يسراه تقبض على أنامل يمناي بكل ما أوتي من قوة ..
    وكأنني أسيرٌ بين يديه .. ويخشى هروبي.

    اللهم ما أكرمك .. وما أحلمك .. وما أجودك ..
    أهذا هو (صديقي) عدو (اللحى) اللدود ..
    وقد أصبح صديق (اللحى) الودود ..

    دخلنا الخيمة ..
    وبعد أن أسندته إلى صدرها ..
    حيا الله (صديقي) .. قلتها له ..
    فرمقني بنظرة عتاب وقال :"ألم أقل بأنك (أخي)؟!!
    أجبته: "بل أنت من أغلى الأخوان أيها الحبيب".

    مرت لحظات صمت ..
    وفي قلبي شوق عارم .. لمعرفة سر تحوله ..
    من ذلك المقاتل الشرس .. إلى هذا الحمل الوديع!!
    أردت أن اسأله .. أنّى لك هذا؟!!
    لدي ألف سؤال وسؤال أريد نثرها بين يديه ..
    فآثرت الانتظار ريثما تهدأ نفسه وتستقر مشاعره ..

    وما هي إلا لحظات .. حتى عاد إلى هدؤوه ونظر إلي ..
    وبحنكته التي اعرفها فيه قال: "لديك أسئلة كثيرة .. أليس كذلك"؟
    أومأت له برأسي كدليل موافقة.
    فقال: "سأجيبك عن كل شيء .. فقط عندما نعود إلى مدينتنا وبعد أن نكمل حجتنا ..
    سأحدثك بأهم حدث عرفته في حياتي ..
    وكيف أحياني الله بعد موتي ..
    وماذا قلت لابنتي الصغيرة ..
    ومن ذاك الذي دعاني وأنا نائم ..
    فقط كن بقربي وعلمّني كيف أحب الله ورسوله".

    بقينا في ضيافة الرحمن بقية أيام الحج ..
    رأيت في (أخي) لهف وشوق إلى محبة الله لم أره في احد قبله ..
    كان دعائه .. مصحوب بدموع الندم .. وحسرات الضياع ..

    قبيل غروب شمس يوم عرفه انتحى جانباً وأنا ارمقه بنظرات المشفق المحب ..
    وقد ستر خديه وعينيه بكفيه .. الله اعلم .. ماذا كان يقول؟!!

    بعد انتهائنا من مناسك الحج بفضل الله عدنا إلى مدينتنا، لم نكن رفقه ..
    فقد ارتبطت أنا برفقاء غيره، وغادر هو وحيداً تحقيقاً لرغبته .

    بعد وصولنا إلى مدينتنا بيومين عنّ لي أن ابحث عنه ..
    فقد كان أمره مسيطراً على جل تفكيري
    ولولا شيء من وعثاء السفر لهرولت إليه منذ لحظة قدومي.

    من الغد ..
    هاتفته فتبين لي انه في شوق للقاء ..
    اقترح هو الزمان والمكان الذي سنجتمع فيه ..
    وعلى الموعد كنت ..
    شاهدته .. وكأنني لأول مره أبصره ..
    سبحان الله ..
    قرأت في عينيه ما لم اقرأه في سير العائدين والتائبين ..
    الرجل الذي ألقاه الآن لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون هو ذات الرجل الذي كان (صديقي) يوماً ما لقد كان مختلفاً ..
    في سلامه سلام ..
    وفي كلامه وقار ..
    وفي هدؤوه رزانة لم أشاهدها فيه من قبل ..
    حتى ابتسامته التي كانت جميله .. أضحت أجمل مما سبق.

    بعد مقدمات وسؤال عن الأحوال ..
    بادرته بالقول: "من قمة رأسي إلى أخمص قدمي كلي آذان صاغية، فهل لك أن تسترسل"؟
    ما أن تلقف هذه العبارة مني حتى انشرحت أساريره وكأنه يريد أن يُخرِج أثقالاً جاثمة بين أضلعه ..

    قال: "لعلك تعرفني أكثر من نفسي ..
    في ما مضى كنت أظن الحياة مجرد لهو وعبث ..
    نصحو لننام .. وننام لنصحو ..
    وما بين الصحوة والنوم يجب أن نستغل كل لحظة للملذات فقط ..

    كانت فلسفتي في الحياة استغل كل ساعات يومك لتسعد قلبك ..
    وكنت افعل ما اظنه سعادة ..

    سفر .. سهر ..لقاءات عابرة .. حرية .. انطلاق دون ضوابط .. انعتاق من قيود ..
    لا شيء يردعني من هوى طالما أن نفسي تشتهيه.

    أثقل ما كان يؤرقني هؤلاء الذين كنت أراهم (متزمتين) ..
    كنت اسخر من كل واحد فيهم حين رؤيته ..
    لحية .. ومسواك .. وأزار لا يصل إلى الكعبين ..

    أيُ شعارٍ يتمنطقه هؤلاء؟!!
    كنت أقول في قرارة نفسي حين رؤية أي منهم ..
    أيعقل أن يعيش مثل هؤلاء البشر في قرننا هذا؟!!
    نحن في زمان ناسا و الانترنت و البلوتوث وصغر حجم الكون وسرعة الانتقال من شرق الأرض إلى غربها وهؤلاء لا هم لهم إلا إطالة شعيرات في الوجه وبتر جزء من سنتيمترات من قماش!!
    استغفر الله العظيم" ..
    نطق بها وفي حنجرته غصة قرأتها بين أحرف كلماته .

    اخرج من صدره بضع زفرات ..
    لم ادع عيناه تفلت من رقابتي
    بل كنت انظر إليه بتركيز واشعر انه من المتوجب علي أن استحثه .. من اجل إخراج كل مكنونه ..
    ولكني لم انبس ببنت شفه ..
    توقف هو لبرهة وكأنه سيتخذ قراراً ما!!
    ثم واصل حديثه ..
    "تزوجت بتلك الفتاة التي رصدتها معي ذلك اليوم .. عشت بها ومعها ..
    وعلى الرغم من مضي فترة ليست بالقصيرة على خطبتي إياها إلا أننا اكتشفنا بعد زواجنا أن كل منا لم يستكشف الآخر بعد، وأتضح لي لاحقاً أن كل ذلك مجرد حكايات أفلام .. لا اعلم من منا كان الجاني على الآخر .. أنا أم هي؟!!
    مضت اشهر على زواجنا ولم نستطع الاستمرار، فالحرية والسعادة التي كنت انشدها تبخرت بمجرد انتهاء الماذون من كتابة العقد ..
    اتفقنا على الانفصال بمودة دون أن نرزق بأبناء ..
    عادت هي إلى أهلها، وعدت أنا إلى غيي ..

    بعد حوالي عام أصرت والدتي على تزويجي، أصبح الأمر لدي سيان فلم أتردد وافقتها دون ممانعة أو تردد.
    خطبت لي ابنة إحدى الأسر العادية في محافظتنا .. لم تكن بتلك الأسرة المتحررة ولا بالمتزمتة.
    تزوجت بمن لا اعرفها .. شعُرتُ بالتخلف والانهزامية لهذا القرار .. أهكذا خاتمتي؟!!

    دخلت بها دون انشراح ..
    في ليلتنا الأولى لم ترفع رأسها أمامي حياءً ..
    وعهدي بمن عرفت من النساء هنا وهناك الصولة والجولة ..
    فأعينهن تسابق عيناي .. وأياديهن تسابق يداي ..
    وما أن دخلت عليها وحدثتها حديث الغريب للغريب حتى استأذنتني للحظات فأذنت لها ..
    توقعت أنها سوف تتجمل لزوجها كفتاة في ليلة فرحها ..
    وإذا بها تمد سجادتها وتتلحف بدثارها وتصلي ..

    مطوعة!!
    هكذا همست بازدراء
    سامح الله والدتي .. هل هذا وقت صلاة؟!!
    قلتها في نفسي ساخراً ..
    تركتها على سجيتها، وما أن انتهت من صلاتها حتى قالت لي: "هل أوترت"؟
    لم اجبها" ..

    صديقي الليبرالي الملتحي
    الجزء الرابع


    مرت الأيام وتوالت الليالي وعلمت انه وجب علي الاستعداد لقدوم ضيف جديد على منزلنا خلال الأشهر القادمة.
    كانت هذه الزوجة تتقرب مني كل ما ابتعدت عنها ..
    تشتري رضاي براحتها ..
    يخجلني توددها ..
    لا هم لها إلا البحث عن سعادتي فأستحي أن اجلب لها التعاسة.
    اكتشفت أن زوجتي (مطوعة) لطيفة .. بل لطيفة جداً ..
    لا حديث لها إلا عن الجنة والنار ..
    ما أن أعود من الخارج إلا وتسألني .. هل صليت الظهر؟ هل صليت العصر؟
    نعم .. نعم صليت ..
    هذه إجاباتي بتذمر .. وأنا والعياذ بالله لم أصلي ..
    بدأت اكره لقائها حتى لا تسألني عن الصلاة.

    رزقنا الله بمولودتنا الأولى وازدان بها منزلي ..
    تشبه أمها كثيراً .. إلا أنني عشقتها دون أمها.
    كبرت الصغيرة الجميلة وأصبحت رفيقتي في خروجي وعودتي ..
    لا هم لها إلا البقالة ومحل الألعاب المجاور.

    ذات يوم هاتفني أخي يريد مني الحضور إليه لاصطحابه إلى المطار ..
    كنت يومها اشعر بالإرهاق فالليلة الماضية سهرت في الجريدة لحد الإعياء ولم آخذ كفايتي من النوم ..
    أخذت طفلتي بجواري وذهبنا سوياً إلى منزل عمها ومن هناك اصطحبناه إلى المطار وودعته عند بوابته.

    في طريق العودة إلى منزلي وحين انتصفت المسافة ..
    شعرت بشيء لم اشعر به من قبل !!
    لست أنا بالذي اعرفه عن نفسي !!
    بدأت اشعر بالدوار!!
    خفقان في قلبي!!
    زغللة في بصري!!
    اشعر بثقل يخدّر مفاصلي!!
    حاولت جاهداً الخروج من مأزق هذا الشعور ..
    غالطت نفسي .. وكابرت ..
    إلا أن أنفاسي بدأت تضيق !!
    أصبحت اخرج زفير هوائي من فمي لا أنفي!!
    العرق اخذ يتصفد من جبيني وخداي!!
    تملكني الخوف ..
    سيطر علي الرعب ..
    خشيت الارتطام بالسيارات التي أمامي ..
    ولا إرادياً أوقفت سيارتي إلى جانب الطريق وقفزت إلى الكرسي المجاور واحتضنت صغيرتي وجريت بها خارجاً ملوحاً ببيدي للسيارات العابرة أن توقفوا .. توقفوا.
    رتل من السيارات مر بي ولم يتوقف ..
    وفجأة ..
    توقفت تلك السيارة وإذا بي اركض نحو مقعد الراكب ..
    لم استأذن صاحبها .. بل لم أمكنه حتى من سؤالي ..
    قلت له أرجوك .. اشعر بأني سأموت وهذه ابنتي ..
    انقلني إلى اقرب مستشفى ..
    كأنه قرأ في عيني الرعب فقال: "بإذن الله سأوصلك اطمئن".
    كانت هذه عبارته التي أجابني بها.

    أطبقت على أضلع صغيرتي واحتويتها بين ذراعي وأغمضت عيناي ..
    والسيارة تسير بنا نحو مستشفى لم احدده لسائقها ..
    شعرت أنني مقبل على الموت ..
    وازداد ضغطي على فلذة كبدي ..
    لا أريد أن اشعر بأني قد خذلتها وتركتها وحيده ..
    "اشهد أنّ لا إله ألا الله واشهد أنّ محمداً رسول الله" ..
    رددتها أكثر من مره وما ذاك عهدي بنفسي !!
    حاولت قراءة شيء من القرآن ..
    فإذا برصيدي لا يسعفني !!
    يا الهي لا احفظ منه إلا الفاتحة وقصار السور ..
    حتى آية الكرسي التي سمعت بفضلها لا أتقفن حفظها !!
    يا لغفلتي ..
    أين كنت من هذا؟!!

    أكثرت من الاستغفار وبدأت أردد سبحان الله .. سبحان الله ..
    كان همي الأول والأخير أن لا وقت أضيعه ..
    يجب أن اجمع اكبر قدر من الحسنات ..
    يجب أن اشغل ذلك الرقيب الذي عن يميني بالتسجيل والتدوين ..
    وا حسرتاه على مافرطت في جنب الله ..
    هطلت دموعي على وجنتاي أسى وحسره ..
    مرت أيام حياتي أمام ناظري كشريط سينمائي ..
    شعرت أني كنت بعيداً عن الله ..
    وأني قد دنوت من لحظة الحقيقة واليقين التي كنت أتجاهلها دوماً ..

    استحيت ..
    بأي وجه سألقى الله ..
    أين أفكار (غاندي) و (سارتر) مني الآن؟!!
    أين ترانيم (نزار قباني) وقصص (أجاثا كريستي)؟!!
    أين سنين ضيعتها في قصص وروايات وخيال؟!!
    أين مني كل هذا؟!!
    وهذا آخر ما عهدته بنفسي ..

    وعيت وإذا بي بين يدي ذوي الستر البيضاء ..
    أحدق في لاشيء ..
    استعدت شيء من الوعي ونظرت حولي أتفحص المكان في محاولة مني للرجوع بالذاكرة إلى الوراء قليلاً ..
    وسألت نفسي ما الذي أتى بي إلى هؤلاء؟!!
    أين أنا؟!!

    فجأة ..
    وبتصرف لا إرادي ضممت ذراعاي إلى صدري ابحث عن شيء ما !!
    تذكرت غاليتي وفلذة كبدي ..
    كانت بين أحضاني !!
    أين ذهبت؟!!
    أين هي؟!!
    صرخت .. أين ابنتي؟!!
    فإذا بصوتي يعود صدى إلي مصدره نتيجة كمامة أكسجين وضعوها على أنفي وفمي معاً .. نزعتها وبقوة ..
    دكتور .. دكتور .. هكذا كان ندائي لرجل أراه من بعيد يرتدي بزة بيضاء ويعلق على عنقه سماعة طبية.
    حضر إلي ولمحت في وجهه نضاره ..
    وفي ملامحه كل معاني الدعة والاطمئنان ..
    سألته: "دكتور أين ابنتي"؟!!
    فرد عليّ: "لا تتعب نفسك أنت بحاجه إلى الراحة" ..
    شعرت بأنه لا يفهمني أو أنه لا يعلم أن ابنتي كانت في حضني ..

    فجأة ..
    ظهر لي شاب ..
    متأنق في ملبسه .. مؤدب في حديثه ..
    وحادثني باسمي قائلاً: "أحمد الله على سلامتك يا فلان" وناداني باسمي الأول !!
    وأكمل حديثه قائلاً: "أقلقتني عليك يا رجل، حفظك الله، لكن الحمد لله طمأنني الطبيب أنك بخير، وكل ما في الأمر مجرد إرهاق وسيزول بأذن الله، وشقيقك (فلان) واسماه باسمه في طريقه إلينا. ابنتك معي ومع زوجتي، انظر إليها هناك" ..
    وأشار بيده إلى نهاية الممر الذي تطل عليه الغرفة ..
    فإذا بفلذة كبدي بين أحضان امرأة متحجبة تداعبها وبين يديها لعبة ..

    أعدت النظر إلى الرجل بتمعن ..
    وأنا لا زلت في مرحلة التأرجح بين واقعي الذي أعيشه وبين آخر المشاهد التي عشتها ..
    وإذا بي أمام شاب (ملتحٍ) أنيق .. وسيم .. مؤدب.
    قالت له: "عفواً .. من أنت"؟!!
    فرد عليّ: "أنا أخوك عبد الإله ال ........ ألا تذكرني"؟!! .. كانت تلك إجابته !!

    لم يدع لي مجال لمحاولة الاستذكار، حتى لا يجهد ذاكرتي .. لله ما أروعه.
    وواصل حديثه قائلاً: "أنا الذي توقفت لك بسيارتي على طريق المطار وأخذتك وابنتك معي وطلبت مني أن أوصلك إلى اقرب مستشفى. كنت لحظتها تعيش رعباً لا يوصف، سمعتك تتلو الشهادتين وتسبح ربك وتستغفره .. ما شاء الله عليك، هذا نتيجة عظمة الإيمان في قلبك".
    وأضاف مسترسلاً: "بعد ركوبك معي بقليل أحسست انك فقدت وعيك، وشعرت بالقلق عليك ودعوت الله وسألته بعزته وعظيم جلاله أن يحفظك لهذه الصغيرة ومن معها، وأن لا يريها مكروه فيك.
    سحبت ابنتك الجميلة من بين يديك وحثثت المسير نحو هذا المستشفى الذي نحن فيه الآن، وحين كنا في الطريق هاتفت زوجتي وطلبت منها أن تلقاني هنا برفقة أخيها لتعتني بطفلتك، وقد حضرت كما ترى.
    كما أرجوك أن تعذرني أخي (فلان) وناداني باسمي .. فقد تجرأت وأدخلت يدي في جيب ثوبك وأخذت هاتفك الجوال وبطاقتك الشخصية ومنها عرفت اسمك واتصلت بأحد الأرقام المُدخلة مسبقاً في هاتفك تحت مسمى (فلان) أخوي، وسألته عنك وعلمت منه بأنه شقيقك فأخبرته بالأمر، فاخذ منه القلق كل مأخذ، إلا أنني طمأنته وهو في طريقه إلينا".

    صديقي الليبرالي الملتحي
    الجزء الخامس والأخير

    يقول (أخي) أثناء سرده لقصته وأنا مشدوه لحديثه ووصف قصته ..


    كان ذلك الشاب يتحدث بانطلاقة غريبة، شعرت وهو يخبرني بما جرى لي ولإبنتي بأنه اطهر من يسير على الأرض، تتطاير من عينيه نظرات الحنان ومن بين شفتيه كل معاني البذل والإيثار.

    أحسست بطيب معدنه، يأسرك بحديثه وطيب عباراته، ابتسامته لم تفارق محياه البتة حتى وهو يحدثني عن وقع المفاجأة عليه حين حمل شخصاً غريباً وفجأة يغمى عليه معه، يملك هدوءً غريباً يبعث على السكينة.


    الغريب جداً أنّ الرجل (ملتحٍٍ) وما هكذا كنت أظن الملتحين !!

    أين الفجاجة التي كنت أظنها فيهم؟!!
    وأين قسوتهم وشدتهم التي حدثونا عنها؟!!
    وأين عنجهيتم وتصلفهم؟!!
    ما أراه الآن أمامي شيء لا يمكن وصفه ويناقض كل الأفكار السيئة المرسومة عنهم.
    هنا رجل قدّم وزوجته ما لا يقدمه الغريب للغريب !!


    أحس بسرحاني ..

    وأراد أن يعيدني إلى اتزاني فقال :"لقد طمأنني الطبيب عنك، فقد اجروا لك بعض الفحوصات منها ما ظهرت نتائجه وهي مطمئِنة، والأخرى لازالت في المختبر .. لا تقلق فقد أكد الطبيب بأن قلبك أقوى من قلبي".
    قالها وهو يضحك حتى كأن وجهه كالبدر .


    حضر الطبيب وسألني بعض الأسئلة وأجبته عليها ..

    وأعاد لي بعض الفحوصات الإكلينيكية ..
    وشكوت له من صداع يقبع في مؤخرة رأسي اشعر وكأنه يكاد ينفجر.


    ضرب الطبيب على كتفي براحته وقال: "مثل الحصان، احتاج فقط إلى أن أبعثك للأشعة المقطعية، أريد أن أتاكد من سلامة الرأس".

    ما أن نطق بهذه العبارة إلا وضاقت علي الأرض بما رحبت ..
    شعرت بالخوف والرهبة..
    وبدأت المخاوف تنتابني من جديد ..
    رأسي وأشعة مقطعيه وفقدان وعي؟!!
    كل هذه مؤشرات تظهر لي أنّ الأمر قد لا يبشر بخير !!


    بعد برهة أتي عبد الإله وقال: "هاه بشر، ماذا قال الطبيب؟

    قلت وأنا مرتبك: "يريد أشعه مقطعيه لرأسي" !!
    رد علي بقوله: "سهلة جداً، وهذه تمنحك بإذن الله الاطمئنان على سلامتك وصحتك" ..
    ثم أردف قائلاً: "أرجوك أن تعذرني، الصلاة ستقام الآن، سأصلي في مسجد المستشفى وأعود إليك، أتركك في رعاية الله".


    غادر وبقي بصري متسمراً نحوه تاركاً لي ألف سؤال وسؤال ..

    وأنا لماذا لا اصلي؟!!
    هكذا حدثت نفسي ..
    حاولت أن أتحرك من سريري فوجدت أني قادراً على ذلك ..
    مر الطبيب من أمامي وحين شاهدني أهم بالنزول سألني: "ما بك؟ إلى أين"؟!!
    قلت له: "أريد أن اصلي".
    قلتها مرة واحدة فقط ..
    و تردد صداها بين ردهات صدري وفي أعماق جوفي مرات عديدة ..
    شعرت بأني أفخر بها وأن غربتي عنها قد طالت ..
    "حسناً، لا بأس إذا لم يكن ذلك يرهقك" قالها الطبيب وأشار إلى السقف، انظر إلى ذلك السهم فهو يشير إلى اتجاه القبلة ..
    "لا .. لا .. لا .. أريد المسجد، أريد أن أتوضأ أولاً" قلتها بقوة ..


    نزلت من سريري وحين انتصفت في الممر ..

    شاهدتها وقد أقبلت ..
    تسارع الخطى نحوي ..
    تفتح ذراعيها وكأنها مهاجرة وقد عادت إلى وطنها بعد اغتراب !!
    فلذة كبدي ..
    احتضنتها واستنشقت أنفاسها ..
    قبلتها وضممتها حتى شعرت بأن أضلعي قد خالطت أضلاعها ..
    قالت لي: "بابا وش فيك"؟!!
    قالتها وبكت فأبكتني ..
    مسحتُ دموعي بخصلات شعرها ..
    وحتى لا أريها بكائي قلت لها: "ارجعي إلى خالتكِ واجلسي معها حتى اصلي وأعود".
    قالت: "صرت تصلي زي ماما"؟!!
    طعنتني بهذه العبارة التي خرجت بعفوية وبراءة وكأنني كنت بحاجة إلى تلك الطعنة ..
    أعدتها من حيث أتت ..
    وجرجرت أقدامي نحو مكان الوضوء وأنا اشعر بثقل في راسي وباقي جسدي ..
    (صرت تصلي زي ماما) ... رنين هذه العبارة التصق بتفكيري ..
    تذكرت تلك (المطوعة) القابعة في منزلي ..
    لكِ الله يا زوجتي الغالية
    آه .. كم كنت قاسياً ..


    توضأت .. وحرصت على أن أحسن الوضوء ..

    شعرت باني ذاهب إلى أهم من يفد إليه المذنبون أمثالي ..
    دخلت ذلك المسجد والمؤذن يقيم الصلاة ..
    كأني لم ادخل مسجد في حياتي قط ..


    قدمت رجلي اليمنى وقلت في خاطري ..

    رباه ..
    عبدٌ ينؤ بحملٍ ثقيل ..
    وقف بباك ..
    فأرحم ضعفه واقبل توبته ..


    أصطففت مع الرجال ..

    طردت كل ما يجول بخاطري من أفكار ..
    واستحضرت أنني ضيف جديد على كريم ..
    شعرت أنني أقف أمام ربي ..
    أريد أن اعتذر منه عن ما بدر مني ..


    كبّر الإمام وكبرنا بتكبيرته ..

    قرأ بالفاتحة ..
    ما أعذب صوته وما أروعه ..
    وبعد الفاتحة تلا آيات ما كنت ادري أصلاً أنها من القرآن ..
    {حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ}.
    يا الله ..
    كأنها تعنيني ..
    أهو أنا المخاطب بها يا رب؟!!
    أهو أنا المعني بهذا يا رب؟!!


    شعرت بحرارة الرعب من الله تشتعل في جوف صدري ..

    وضاقت غصتي ..
    وذرفت دمعتي ..
    حاولت أن أجاهد نفسي واكتم لوعتي فما قدرت ..
    لا أريد لمن حولي أن يسمعوا ويعلموا دمعتي !!
    فانقلبت تلك الدمعة إلى بكاء ..
    وتحول البكاء إلى نحيب خافت ..
    بكيت .. وبكيت ..
    وحين سجدت ..
    ازداد لهيب الحسرة والندم ..
    قلت في سجودي: "اللهم .. إن أثقلتني ذنوبي وكانت كالجبال، فما أحقر حجمها أمام عفوك ورحمتك".
    وحين قمنا للركعة الثانية أكمل الإمام القراءة بقوله تعالى ..
    {قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ}.
    فتذكرت مواقفي من أولئك الذي اسخر منهم وهم إلى الله اقرب ..
    وشعرت بفداحة إثمي وقلة زادي وخبالة عقلي ..
    قارنت بين حالي أنا المستهزئ بهم .. وحالهم ..
    فوجدتهم هم الصابرون عن الملهيات والملذات ..
    وأنا الغارق فيها ..
    فكان جزائهم بما صبروا خير ..
    ألا ما اجهلني .. وما اعزهم ..
    أحسست بأن أقدامي لم تعد تحملني وشعرت بالانهيار.


    التفت إليّ (أخي) وهو يواصل سرد قصته ..

    ورمقني بنظرة منه ..
    وإذا بي غارق في بحر من الدموع الصامتة ..
    "أوجعتك"؟!! قالها متسائلاً ..
    فقلت له: "بل والله أبهجتني".


    أكمل (أخي) سرد قصته بقوله ..

    أثناء جلوسي للتشهد الأخير في تلك الصلاة أحسست بأن كل جوارحي ترتجف ..
    وان نبض أوردتي يزداد قوة ..
    والعبرات الخانقة تزيد من إحكام قبضتها على حنجرتي ..
    وشعرت برغبة جامحة في البكاء ..
    فقد استمعت لآيات من كلام الله لو أيقنتها صخور الجبال لتفتت ..
    فكيف بقلب غض ٍ وقد أفاق من غفلته ..


    انتهى الإمام صاحب ذلك الصوت العذب المؤثر من صلاته ..

    واستدار بوجهه إلى المصلين مستغفراً ومسبحاً ..
    فرفعت بصري إليه وفي القلب له دعوة ..
    جزاء ما اسمعنا من آيات يذوب لها الفؤاد من كمد ..
    وإذا بي بوجه صاحبي
    ذلك الشاب الشهم الطيب عبد الإله
    كأن هو الإمام الذي يقرأ ..
    لحظتها .. كم فرحت به ..
    وكم تمنيت احتضانه ..
    رمقني من بين الصفوف وأنا اسبره بمقلتاي
    فرد علي ّ بابتسامة صافيه نقيه صادقه، منحتني شيء من اطمئنان ..
    لله هو .. ما أروعه.


    بقيت في ذلك المسجد اسمع المصلين يسبحون بنسق اجهله ..

    وما كنت اعلم أنّ تلك أذكار مخصوصة ومسنونة بعد كل صلاه !!
    كل ما اشتقت إليه في تلك اللحظات ..
    هو السجود ..
    أي وربي هو السجود .
    اشعر وأنا ساجد براحة لم أعدها في نفسي من قبل ..
    كأني قريب من ربي لا حجاب بيني وبينه ..
    فصليت سنة العشاء وأنا اشعر بشيء من الإعياء والإرهاق ..
    ودعوت ربي أن يفتح لي أبواب فضله ..


    خرجت من باب المسجد ..

    وأخذت أتفحص وجوه أولئك الرجال الخارجين من بوابته ..
    فوجدتهم ما بين طبيب وممرض، مريض وزائر، موظف وعامل ..
    كلهم سواسية ..
    قرأت في وجوههم السعادة التي كنت انشدها وابحث عنها سنين طويلة ..
    رايتهم يتهامسون بمودة ..
    ويتبسم كل منهم في وجه الآخر وكأنهم إخوة ..
    شعرت بأن لهم عالم غير العالم الذي أعيش فيه !!


    تحاملت على نفسي واتجهت صوب سريري في طوارئ المستشفى ..

    وما أن دلفت إلى تلك الغرفة ..
    إلا وبشقيقي يحمل في وجهه كل آيات القلق ..
    أخذ بيدي وأقعدني على السرير ..
    سألني بقوله: "سلامات .. ما بك"؟!!
    أجبته: "لا شيء مجرد عارض سيزول بأذن الله" ..
    رويت له ما حدث لي، وبعد أن اطمأن عليّ غادر إلى حيث الطبيب المعالج ليستجلي منه حقيقة الأمر. وفي هذه الأثناء التفتُ إلى زاوية المكان البعيدة ..
    فإذا بها واقفة هناك ..
    عرفها قلبي قبل بصري ..
    وحين أدركت ْ بأنني قد شاهدتها ..
    أقبلت ْ ..
    واتجهت صوبي ..
    وهي تحمل بين يديها نتاج رباطنا ..
    قرأتُ في خطواتها الانهيار والوجل ..
    وما أن وصلت إلي ّ حتى أحاطتني بالستار ..
    وكشفت عن وجهها وهي واقفة ..
    وإذا بدموعها وقد تحدرت على وجنتيها ..
    وبقيت صامتة !!
    عيناها تطرح الأسئلة ..
    أما لسانها فصامت !!
    أمعنت النظر في ملامح وجهها ..
    فشعرت حينها بأنها من أجمل نساء الكون !!
    لم أكن أتحسس ذلك الجمال فيها قبلاً ..
    وما أدركته إلا الآن ..
    ربما لأني كنت ابحث عنه في زينة زائفة تنتهي بمجرد إزالتها ..
    أما الآن .. والآن فقط فقد لمحت جمالها ..
    حين تذكرت قنوتها في بيتنا وتلاوتها لكتاب الله أناء الليل وأطراف النهار ..
    وحين جال بخاطري دثارها الذي تتلحف به حين وقوفها بين يدي ربها ..
    أيقنت أنني أبصر ما لم تبصره عيناي من قبل ..
    برز جمالها في ناظري يوم تذكرت لحظات إفطارها بعيد أذان مغرب كل اثنين وخميس ..
    وتذكرت يوم أن كانت تبحث عن سعادتي وأنا في لهو عنها وما زحزح ذلك إيمانها ...


    وبدون شعور مني ..

    أخذت ُ كفها ووضعته بين راحتي يداي قائلاً: "حيا الله زوجتي الغالية".
    فأجهشت بالبكاء ..
    " طهور لا بأس تمحيص بإذن الله" قالتها مصحوبة بحشرجة ..
    وأردفت: "سلامات .. ما بك"؟!!
    طمأنتها وطلبت منها التوقف عن البكاء حتى لا تشعر صغيرتنا بشيء من الخوف .
    قالت وكأنها تريد أن تصدق خبراً لم يتأكد في ذهنها: "حين حضرت إلى المستشفى وجدت ابنتي بين يدي امرأة لا اعرفها، وعندما أخذتها منها وسألت ابنتك عنك، شرحت لي تلك المرأة أمرك مع زوجها جزاهما الله كل خير، وأنك تتلقى العلاج. إلا أنّ ابنتك قاطعهتا قائلة بفطرتها: "لا .. بابا صار يصلي مثلك يا ماما، قال لي بيروح المسجد، هل كنت هناك بالفعل"؟!!
    هززت رأسي بالإيجاب وأنا اشعر بشيء من دوار ..
    فقالت لي زوجتي: "واللهِ ما مرت ليلة أقف فيها بين يدي ربي، ولا لحظة إفطار بعد نهار صيام، إلا وسألته أن يتوب عليك ويهديك، فلعل أنّ الله استجاب لدعائي، فأبشر بالخير ولا تقلق".
    فاخترق قولها ذلك كل كياني واستقر في فؤادي كصك أمان وهبتني إياه ..
    أحست هي باني متعب وسألتني: "أين مكان ألآمك"؟
    أشرت إلى مؤخرة رأسي ..
    فوضعت يمينها حيث الألم وابتهلت: "اسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك" ..
    ورددتها مراراً ومع كل مره كان الاطمئنان يدخل إلى قلبي ..


    عاد شقيقي ونادى بصوت مسموع ..

    أذنت له بالدخول ..
    وقال: "الطبيب يريد أن يحضر للكشف عليك".
    طلبت من زوجتي أن تأخذ ابنتنا وتنتظر في صالة الانتظار ..
    بعد مغادرتها قال لي أخي بشيء من قلق محاولاً إخفائه: "الطبيب يريد منا أن نأخذك إلى الأشعة المقطعية" !!
    فأجبته: "حسناً".
    نزلت من سريري وأُركبت ُ على كرسي ذو عجلات ..
    وحين هممنا بالمسير طلبت من شقيقي الانتظار ..
    جلت ببصري في أرجاء المكان بحثاً عن ذلك الرجل الطيب الشهم عبد الإله ..
    وإذا به يقف بالقرب من الباب، ناديته وعرفته بشقيقي الذي أثنى على كرمه وحسن خلقه ونبله
    وطلبنا منه الذهاب وعدم الانتظار لكي لا نشغله ..
    فأخجلنا بكريم إيثاره وأصر على البقاء حتى يطمأن علي ّ ..
    حاولت ثنيه عن ذلك إلا انه أصر ورضخنا لرغبته .


    يواصل (أخي) حفظه الله سرده لقصته قائلاً:

    تحرك بي الكرسي إلى حيث غرفة الأشعة ..
    ومع شعوري الشديد بالارتباك المنهِك توقف سؤال حائر في ذهني ..
    لماذا الأشعة المقطعية؟!!
    وصلت إلى حيث يكون جهازها وأنا لم اصل إلى إجابة بعد ..
    لأول مرة في حياتي أشاهد ذلك الجهاز الاسطواني الأبيض ..
    استقبلي احد العاملين عليه ..
    وطلب مني الاستلقاء على ظهري ووضع يدي على الجانبين والثبات على هذه الوضعية دون حركه ..
    كدت اجن وافقد صوابي ..
    فرأسي متجه إلى حيث سيدخلونني في ذلك الجهاز الذي يشبه القبر ..
    تخيلت فعلاً أنه فعلاً قبري..
    وبدأت اسأل الله اللطف ..
    أطفأت الأنوار وعم الظلام ..
    وبدأ السرير الذي أنا ملقى عليه يأخذ طريقه آلياً نحو جهاز الأشعة المقطعية ..
    وبدأت اسمع أصوات طنين الأشعة المقطعية ..
    لم تساعدني قواي على فتح عيني ..
    أظن أنّ الطبيب منعني من ذلك لم اعد أذكر !!
    وبعد لحظات أخرجت منه وكأنني بعثت من جديد ..


    عدنا إلى حيث كنت بانتظار نتيجة الأشعة المقطعية ..

    وبعد وقت ليس بالقصير حضر إلينا الطبيب الذي طلب إجراء الأشعة المقطعية ..
    وقال: "نحن بانتظار استشاري المخ والأعصاب ليعطينا رأيه في النتائج".
    سقط قوله ذلك على راسي كبرق خاطف ..
    سألته: "ماذا تعني بقولك هذا يا دكتور"؟!!
    قال: "لا تقلق هذا أمر روتيني فلكل طبيب اختصاصه".
    مرت ثلاثون دقيقة كأنها ثلاثون عاماً حتى حضر الاستشاري المختص ..
    وبعد اجتماعه بطبيبي المعالج وبطبيب الأشعة تأكد لهم وعبر الصور الإشعاعية وجود شيء ما في منطقة الألم .
    اخبروني وشقيقي بذلك وأكدوا لنا أنّ الأمر لا يستدعي القلق ..
    وأنّ الأمر يحتاج إلى تنويمي لإجراء المزيد من الفحوصات ..
    ازدادت مخاوفي بعد هذا القرار ..
    وقلت لهم: "لابد أنّ في الأمر شيء هام طالما أنه يحتاج إلى مزيد من الفحوصات" ..
    وشرحت للطبيب أنني إنسان مؤمن ومقتنع بما كتب الله لي، ويهمني أن اطلع على حالتي وتحت مسؤوليتي ..
    نظر الطبيب إلى شقيقي نظرة طالب المشورة ..
    فقاطعته قائلاً: "أنا صاحب الشأن، ما الأمر"؟!!
    أجابني الطبيب: "الأشعة المقطعية أوضحت لنا وجود شبه ورم في مؤخرة الرأس".
    اسقط في يدي فاحتضنني شقيقي وأقعدني على السرير ..
    شعرت بأن الكون الفسيح أصبح أضيق من سم الخياط ..
    استرجعت أعمالي .. فما وجدت فيها ما يشفع لي ..
    فضاقت عليّ الأرض بما رحبت ..
    واستذكرت فلذة كبدي بنيتي فجادت مدامعي .
    وشقيقي يذكرني بالله وبالإيمان بالقضاء والقدر وأن الأمر هين إذا أوكل إلى الله ..


    في هذه الأثناء ..

    وبينما أنا أضع وجهي بين كفيّ، وإذا بيد حانية تمسح على كتفي !!
    نظرت فإذا هو وجه عبد الإله ولا زالت الابتسامة تعلوه ..
    سأل: "ما الأمر"؟!!
    أجابه شقيقي: "عارض بسيط إن شاء الله".
    فقلت له: "قال لي الطبيب بوجود اشتباه وجود ورم في مؤخرة الرأس".
    شعر بفداحة همّي ..
    فسمعت منه كلمات والله إنها لتزن الأرض راحة وطمأنينة.
    أذكر مما قاله لي: "وهل تظن أنّ المؤمن لا يبتلى؟، وتذكر أنّ ذلك تكفير لذنوب، وأيضاً الطبيب يقول اشتباه".
    واخذ يطمأنني حتى استكانت نفسي إلى أمر الله ..


    طال الحديث (بأخي) وشعرت بأنه قد أنهك وصدمني بخبره هذا ..

    نظرت إليه وكلي ذهول وقلت له: "وهل تبين مرضك"؟
    أجابني: "نعم ثبت أنه ورم في الرأس، وسوف أسافر قريباً لخارج البلاد لإجراء عمليه جراحيه استكشافية لماهية ذلك الورم إن كأن ورماً حميداً أو خلافه".


    هنا انتهى (أخي) سرده لقصته ..

    وشعرت أنني أنا الذي بحاجة إلى من يواسيني فما زلت حديث عهد بهذه الصدمة ..
    استرجعت قواي وثباتي وهونت عليه الأمر ..
    وأخبرته بما عاناه غيره من أمراض أعظم من هذا، وهاهم الآن يتمتعون بعافية
    نظر إلي نظرته الحاذقة التي أعهدها منه وأرفقها بابتسامة وقال: "لا عليك فثقتي بالله أعظم من كل المخاوف، فالحمد لله الذي قضى لي بهذا وقد عرفت من نفسي العودة إليه، الكارثة لو استفحل الأمر وغادرت وأنا على ما كنت عليه من حال والعياذ بالله".
    سافر (أخي) إلى خارج البلاد لتلقي العلاج ومكث هناك فترة من الزمن.


    وبعد فترة طويلة من الانتظار المرهق ..

    وبفضل الله ومنته ورحمته وصل (أخي) للبلاد وعاد إلى أهله وأحبابه وبرفقته زوجته وابنتهما وهو ولله الحمد في حال يُسرُ بها الصديق ..
    التقيته بشغف حار، اللهم ما أكرمك وما أرحمك ..
    ليتكم رأيتم وشاهدتم ما شاهدته في وجهه من نور الإيمان ومحبة الرحمن ..
    رأيت آيات الصبر وعلامات الرضا وقد ارتسمت على محياه ..
    وهو ولله الحمد والمنة في حالة صحية جيده ..
    تلقى جرعات وبرامج علاجيه أتت بفضل الله ثمارها ..
    وسيعود بعد شهر الصوم بأذن الله لاستكمال علاجه ..


    قابلت في هذا اللقاء أخينا الفاضل عبد الإله بارك الله فيه وفي ذريته، فقد كان حريصاً على الحضور ..

    وكما علمت فأنه كان على اتصال دائم ومستمر مع (أخي) في رحلته العلاجية ومتتبع لأخباره أولاً بأول.
    وسمعت من (أخي) الكثير من الثناء عليه، فقد كان يحثه دوماً على الصبر والاحتساب ..


    فقط دعواتكم وابتهالاتكم لأخيكم بظهر الغيب ترافقه في رحلة علاجه وبعد العودة ..

    لا حرمكم الله أجرها ..
    ولا رأيتم في أنفسكم ولا عزيز عليكم أي مكروه.

    منقول


    التعديل الأخير تم بواسطة معارج القبول; 10 مار, 2011, 04:09 م.


    لاتنسوا أخواتنا المسلمات الأسيرات من دعائكم

  • #2
    جزاكم الله خيرا اختنا الغالية علي الموضوع
    رزقنا الله واياكم قبل الموت توبة وبعد الموت جنة ونعيما
    تـبكي الحنيفيةَ البيضاءُ من أسفٍ *** كـما بـكى لـفراق الإلفِ هيمانُ
    عـلى ديـار مـن الإسلام خالية *** قـد أقـفرت ولـها بالكفر عُمرانُ
    حيث المساجد قد صارت كنائسَ ما *** فـيـهنَّ إلا نـواقيسٌ وصُـلبانُ
    حتى المحاريبُ تبكي وهي جامدةٌ *** حـتى الـمنابرُ ترثي وهي عيدانُ




    تعليق


    • #3
      جزاك الله كل خير أختي الحبيبة معارج القبول
      كم أثرت في نفسي تلك القصة والله
      وأسأل الله تعالى أن يشفي الأخ الكريم التائب وأن يتقبله في عباده الصالحين وأن يجعله من الراضين بقضائه وقدره


      أود الإشارة إلى هذه الزوجة الصابرة جزاها الله كل خير
      فكثيراً ما تتزوج النساء المتدينات بغير المتدينين وتجد الواحدة منهن ربما من فرط حرصها على زوجها وحبها الخير له وخوفها على آخرته تتعجل هدايته فتضيق ذرعاً بعدم اكتراثه بما تفعله لأجل استرجاعه لطريق الله عز وجل ، وربما أظهرت له تأففها من أفعاله ، فلها في هذه السيدة الصابرة أسوة حسنة ، ولتعلم أن الله يهدي من يشاء في الوقت الذي يشاء ، فلا تتعجل ولتفعل ما عليها فقط من دعوة بالمعروف ودعاء عريض إلى الله تعالى ، فالدعاء هو السلاح الأهم


      ولا تنسَ أن أجرها عند الله محفوظ بفضل الله تعالى سواء أتحققت هداية زوجها أم لا ، لكن لتفعل ما عليها فقط وتدعو الله له
      فربما يكون ما ادخره الله لزوجها أفضل مما تتمناه بكثير
      ففضل الله وكرمه واسع ، والله الكريم إذا أعطى أدهش
      فالحمد لله على نعمائه
      فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً
      شرح السيرة النبوية للشيخ حازم صلاح أبو إسماعيــــــــل.. أدلة وجود الله عز وجل ..هام لكل مسلم مُوَحِّد : 200 سؤال وجواب في العقيدة
      مـــاذا فعلتَ قبل تسجيلك الدخـول للمنتدى ؟؟.. ضيْفتنــــــــــــــــــــــــــا المسيحية ، الحجاب والنقـاب ، حكـم إلـهي أخفاه عنكم القساوسة .. هـل نحتـاج الديـن لنكـون صالحيـن ؟؟
      لمــاذا محمد هو آخر الرسل للإنس والجــن ؟؟ .. حوار شامل حول أسماء الله الحسنى هل هي صحيحة أم خطـأ أم غير مفهـومـــة؟!.. بمنـاسبة شهر رمضان ..للنساء فقط فقط فقط
      إلى كـل مسيحـي : مـواقف ومشـاكل وحلـول .. الثـــــــــــــــــــــــــالوث وإلغــاء العقـــــــــــــــــــل .. عِلْـم الرّجــال عِند أمــة محمــد تحَـدٍّ مفتوح للمسيحيـــــة!.. الصلـوات التـي يجب على المرأة قضاؤهــا
      أختي الحبيبة التي تريد خلع نقابها لأجل الامتحانات إسمعـي((هنا)) ... مشيئـــــــــــــــــــــة الله ومشيئـــــــــــــــــــــة العبد ... كتاب هام للأستاذ ياسر جبر : الرد المخرِس على زكريا بطرس
      خدعوك فقالوا : حد الرجم وحشية وهمجية !...إنتبـه / خطـأ شائع يقع فيه المسلمون عند صلاة التراويـح...أفيقـوا / حقيقـة المؤامـرة هنـا أيها المُغَيَّبون الواهمون...هل يحق لكل مسلم "الاجتهاد" في النصوص؟
      الغــــــزو التنصيـــــــــري على قناة فتافيت (Fatafeat) ... أشهر الفنانين يعترفون بأن الفن حرام و"فلوسه حرام" ... المنتقبة يتم التحرش بها! الغربيون لا يتحرشون ! زعموا .

      أيهــا المتشكـــــــــــــــــــــــــــك أتحــــــــــــــــــــــــداك أن تقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرأ هذا الموضــــــــــوع ثم تشك بعدها في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
      <<<مؤامرة في المزرعة السعيدة>>>.||..<<< تأمــــــــــــــــــــلات في آيـــــــــــــــــــــــــــــات >>>
      ((( حازم أبو إسماعيل و"إخراج الناس من الظلمات إلى النور" )))

      تعليق


      • #4
        بشركِ الله بالجنة أختنا الغالية معارج القبول ..

        وأسأل الله أن يتم عفوه وعافيته على الأخ الملتحي ..

        اللهم آمين ..
        .. منْ أُلقيَ عنهُ حُبُّ المالِ فقدْ اسْترَاح ..

        تعليق


        • #5
          ما حدث للأخ التائب من تعب ومرض كانت رسالة ربانية ليعود لله عز وجل ويتوب ويبدأ حياة جديدة مع الله عز وجل

          ما أثر فيّ كثيراً دعاء الزوجة الصالحة لزوجها بالهداية وقد استجاب الله عز وجل لها

          ما أجمل أن تكون النية خالصة لوجه الله عز وجل وأن يحيا الإنسان حياته لله وفي الله

          أنها نعمة كبيرة جداً لمن تذوقها وأحس بلذة طاعة الله والتقرب إليه في كل حياته

          شكراً لكِ أختي الكريمة معارج القبول

          جعلها الله في ميزان حسناتك

          أسأل الله عز وجل لي ولكم الهدى وعمل كل ما يجعله راضٍ عنا

          تحياتي

          تعليق

          مواضيع ذات صلة

          تقليص

          المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
          ابتدأ بواسطة Islam soldier, 6 يون, 2022, 01:23 م
          ردود 0
          182 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة Islam soldier
          بواسطة Islam soldier
           
          ابتدأ بواسطة Islam soldier, 29 ماي, 2022, 11:22 ص
          ردود 0
          27 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة Islam soldier
          بواسطة Islam soldier
           
          ابتدأ بواسطة Islam soldier, 29 ماي, 2022, 11:20 ص
          ردود 0
          43 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة Islam soldier
          بواسطة Islam soldier
           
          ابتدأ بواسطة عادل خراط, 6 أكت, 2021, 07:41 م
          ردود 0
          46 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة عادل خراط
          بواسطة عادل خراط
           
          ابتدأ بواسطة Ibrahim Balkhair, 4 سبت, 2020, 05:14 م
          ردود 3
          90 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة Ibrahim Balkhair
          بواسطة Ibrahim Balkhair
           
          يعمل...
          X