الهجوم على علماء السنة

تقليص

عن الكاتب

تقليص

ظل ظليل مسلم اكتشف المزيد حول ظل ظليل
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الهجوم على علماء السنة

    الهجوم على علماء السنة

    د. سعد بن عبدالله البريك

    الهجوم على علماء السنة (1)
    الخلفيات
    هؤلاءِ الذين يَتَهَجَّمون على العلماء في إطار مُتتالية منَ الانتقادات المنَظَّمَة، بالافتراء البَيِّن الواضِح، والتَّنقيص، والتَّشويه، والطَّعن والتجريح، وفي الوقت ذاته يُرَوِّجُون لليبْراليَّة والعلْمانيَّة - فهم جزءٌ منْ أجندة الإستراتيجيَّة الأمريكيَّة ومشاريعها.

    الهجوم على العلماء في المملكة وخارجها أصبح ظاهرةً مشهودةً، أغْضبتِ المُجتَمَعات الإسلاميَّة بِرُمَّتِها، وهي تفاجأ بشَكْل متدرج مفضوح مِن جرأة حُدَثَاء الأسنان في التَّعرُّض لِكبار علماء المِلَّة، وحُرَّاس الفضيلة والعقيدة، بالتجريح والتأويل لمقالاتهم؛ لاختِلاق التُّهَم، والحَطّ مِن قَدْرهم، وكلنا تابع ويسأل: ما سِر هذه الحَمَلات التي ظهرتْ فجأة؟ ومَن يقف وراءها؟ وما خلفياتها وتداعياتها وأهدافها؟ ومَن يُنَظِّم الحملة الفكرية لِرَبْط واقع العلماء بِعُصور الظلام، موظِّفًا المُصطلحات الفلسفيَّة نفسها على واقعنا: (رجال الدين - اللاَّهوت - صُكُوك الغفران - التَّشَدُّد - مناقضة الفتاوى للعلم المادي - مصادرة الحرية...)؟ ما يُعطي إيحاءات ضمنيَّة ترسم صورة طبق الأصل عن واقع الرُّهبان في أوروبا وهيمنتهم، وظُلمهم في القرن السابع عشر وما قبله.
    أعود اليوم لأذَكِّرَ بأنَّ تلك الحَمَلات ليستْ وليدة زيغٍ وهوًى شخْصي فقط، مِن هذا الكاتب أو ذاك، ولا وليدة صُدفة مَحْضة؛ بلِ الأمر أبْعد مِن ذلك بكثيرٍ، وهنا أسْتَسْمَح القارئ الكريم في تسطير مُقدمة لا بُدَّ منها؛ لِفَهْم خلفيَّات الموضوع كما يجب؛ لأنَّ الوُقُوف على حقائق هذه الخلفيَّات يسهل معه فَهْم حقيقة الهجوم على العلماء، فيسهل دفْعه والتَّصَدِّي له.

    كلُّنا يعلم أنَّ لأعداء المسلمينَ أسْطولاً كبيرًا جدًّا منَ الدَّبابات، التي وُظِّفَتْ في مشاريع استعماريَّة للشُّعوب، كان آخرها احتلال العراق وأفغانستان؛ لكن ما لا يعلمه الكثير أنَّ نوعًا آخر منَ الدَّبابات المُتقَنة الصُّنع تُوَظَّف كذلك لمشاريع احتلال عِملاقة حول العالَم؛ بِهَدف احتلال الشعوب، أوِ التَّمهيد لاحْتِلالها، إنَّها دبابات يطلق عليها مصطلح: (Think Tanks)؛ أي: دبابات الفكر.

    هذا المُصطلح المجازي يعني: معاهِد البحوث، ويرمز لقوة الفكر التي يمتزج فيها الفكر ومنطق القوة؛ ليُشَكِّلا القوَّة الضارِبة في المشاريع الاستعماريَّة وغيرها، وهذا الاصطلاح يُطلَق عادةً على مراكزِ البحوث الإستراتيجيَّة، كمُؤسَّسة (راند) مثلاً، والتي يعتمد عليها صنَّاع القرار في رسْم الخُطط والإستراتيجيَّات والسِّياسات في الداخل وحول العالَم، فمُؤسَّسة (راند) إذًا هي واحدة منَ (دبابات الفكر) (Think Tanks).

    وكما دخلتِ الدَّبَّابات الأمريكيَّة (USA Tanks)، بِشَكْل مكشوف للعيان عشية سُقُوط بغداد، فقد تسلَّل علمانيونَ آخرون على ظُهُور (دبابات الفكر) (Thinks Tanks)، ولْنأخُذ أشهر دبابة فِكْر أمريكيَّة، وهي مِن طراز مؤسسة (راند) (Rand Corporation) كمثال.

    كيف وظفتْها أمريكا لاحتلال عُقُول فِئة كبيرةٍ في المنطقة فكريًّا وعقديًّا؟ وكيف امْتطاها تابعوهم العلمانيون والمُقَلِّدون والمخدوعون، واحتموا بِظُهُورها مساهِمينَ إلى اليوم في الاحتلال الفكري للأمة؟

    تقارير (راند) تنصُّ بوضوحٍ: أنَّ مُؤَيدي الإستراتيجيَّة الأمريكيَّة هم العلمانيون الليبراليون، ويُستثنى من ذلك القوميُّون واليَسَارِيُّون، وهم قلَّة في منطقتنا بشكلٍ عام، وأنَّ أعداءَها وخصومها - على تفاوُت - هم المتشدِّدون والتقليديون، وأن أي دعمٍ لفئة غير العلمانيينَ الليبراليين هو تِكتيك مُؤَقَّت، وأن دعم العلمانيين الليبراليين هو خيار إستراتيجي، وأن المملكة العربية السعوديَّة تحديدًا هي راعية بقوَّة وسخاء للتَّزَمُّت والتَّطَرُّف والعدوانيَّة؛ أي: داعِمة للتَّيار التَّقليدي والمتَشَدِّد، هذا ما تضمنتْه تلك التقارير، سابقها ولاحقها.

    ولكي لا يكون الكلام إنشائيًّا عاريًا عنِ الحجَّة، نستعرض هنا محاور فاصِلة مِن أحد تقارير مؤسسة (راند)، وكلها محاور تُفسِّر بوضوحٍ خلفيات وأبعاد الحملة على علمائنا، والعلماء عمومًا، في إطار تنفيذ توصيات تلك المؤسسة.

    جاء في ذلك التَّقرير ما نصه:
    - إنَّ الحداثيينَ والعلمانيينَ هم أقرب هذه الفِئات إلى الغرب، مِن وِجهة نَظَر المبادئ والسياسات.

    - جَعْل العلمانيين والحداثيين بمثابة خيارٍ ثقافِي بديلٍ بالنسبة للشباب الإسلامي المتمَرِّد.

    - تشجيعهم على الكتابة للعديد منَ القرَّاء والشباب.

    - طرْح وجهات نظرهم وأحكامهم حول المسائل الرئيسة للتفسيرات الدِّينية؛ وذلك لمنافَسة وجهات نظَر المتَشَدِّدينَ والتَّقليديينَ.

    - تشْجيعهم إصدار فتاوى وتعميمها؛ لإضعاف سلطة الوَهَّابيين - إشارة إلى العلماء في المملكة - الرَّجعيينَ في تطلُّعهمْ إلى نظام الحكم الدِّيني.

    - تشجيع وجهة النَّظر القائِلة: إنَّ فصل الدِّين عنِ الدَّولة ممكنة أيضًا في الإسلام؛ حيث إنَّ ذلكَ لا يُشكِّل خَطَرًا على الدِّين، بل ربما يؤدِّي ذلك إلى تقويته.

    - إعطاؤهم برنامجًا سياسيًّا يعملون مِن خلاله.

    - تشجيع عناصر داخِل المزيج الإسلامي تكون أكثر ملاءَمة مع السلام العالمي والمجتمع الدولي، وصديقة للدِّيمقراطيَّة والحداثة؛ ولكن ليس منَ السَّهْل دائمًا التَّعرُّف على هذه العناصِر والرَّبْط بينها بالشَّكْل الصحيح، وإيجاد الطُّرُق المناسِبة للتَّعاون معها.

    - إنَّ عمليَّة تغيير دين ليستْ عمليَّة سهلة إلاَّ أنَّها ممكنة، وضَرَب التَّقرير مثالاً بتركيا، التي أصبحتْ علمانيَّة بعد أنْ كانتْ مهْدًا للخِلافة، ولاحِظ أنَّ المثال ينطبق عليه تغيير دين ودولة، وليس دين فقط. ا هـ.

    وحين ننظُر إلى توقيت الهُجُوم على العلماء، نجده متطابِقًا مع توقيت صدور تلك التقارير التي تعكس وجهة نظر الإستراتيجيَّة الأمريكيَّة، ولا أحد يجهل أنَّ بداية الهُجُوم على العلماء والمؤسَّسات الدِّينية بدأ مع الحملة العسكريَّة الأمريكيَّة بعد 11 سبتمبر؛ أي: إنَّ دبابات الفكر والدبابات العسكرية قد انطلقتا في وقت واحد.

    وحين ننظر إلى المكان، نجده المكان نفسه الذي أعلنتِ الإستراتيجيَّة الأمريكية عن تغيير خريطته الدِّينيَّة والفِكريَّة والسياسيَّة - مشروع الشرق الأوسط الكبير - والذي اعتمد في صياغته على تقارير دبَّابات الفكر أيضًا ودراساتها، وحين ننظر إلى الفكر الليبرالي العلماني الحداثي، نَجده الفكر نفسه الذي تبنَّتْه الإستراتيجيَّة الأمريكية، وأعلنتْ عن هدفِها في نشره في المنطقة، وأسْمَتْه آخر تقارير مؤسسة راند: (الإسلام المعتدل).

    وحين ننظُر إلى الأدوات، نجدها الأدوات نفسها التي أعلنتْ عنها الإستراتيجيَّة الأمريكية: (الإعلام)، وأصحاب الإسلام المعتدل؛ أي: الليبراليون والعلمانيون الحداثيون، حسب التَّفسير الأمريكي للإسلام المعتَدِل، وحين ننظُر إلى الجِهة المستَهْدَفة، نجدها الجِهة نفسها التي أعلنتْ عنها الإستراتيجيَّة الأمريكية، وهي الإسلام التَّقليدي ومُمَثِّلوه: وهم العلماء والدعاة وكل مسلم ملتزم بدينه؛ أي: الذي لا يقبل بالعلمانية والليبرالية، ولا يقبل بفصْل الدِّين عنِ الدولة.

    فنعلم يقينًا حينئذٍ: أنَّ هؤلاءِ الذين يتهَجَّمون على العُلماء في إطار متتاليةٍ منَ الانتقادات المنظمة، بالافتراء البَيِّن الواضح، والتنقيص، والتشويه، والطعن والتجريح، وفي الوقت ذاته يروِّجُون لليبراليَّة والعلمانية - هم جزء مِن أجندة الإستراتيجيَّة الأمريكيَّة ومشاريعها، وليسوا إصلاحيينَ أو نُقَّادًا كما يزعمونَ؛ بل منَفِّذون لتوصيات مؤسسة (راند)، تحت ستار الإصلاح والتفاعُل مع الحِرَاك الثقافي في المجتمعات الإسلاميَّة.


  • #2
    الهجوم على علماء السنة (2)
    الأساليب والأهداف
    بيَّنَّا في الحَلَقة الأولى مِن هذا المقال: أنَّ خلفيَّة الهجوم على العلماء هي جزء من مسلسل حرب الأفكار، الذي يتم تهريبه لبعض الكُتَّاب والمفكِّرينَ في العالَم العربي، ولعلَّ أساطين العلمانية وأشباههم أدركوا ذلك جيدًا، وعَلِموا أنَّ ممَّن يمنعهم مِن نَشْر غَيِّهم وضلالهم هم العلماء والدُّعاة، الذين كشَفُوا زَيْفهم في العقيدة، وانحلالهم في الأخلاق، وتسْويقهم للتغريب ونظريَّاته وفلسفاته؛ لذلك رَكَّزوا جُهودهم ورفعوا في أحد مواقعهم التي يألفونها في الشِّتاء والصيف - شعار: أقصوا العلماء أولاً، تتبّعوا عثراتهم وضخموها، تلاعبوا بأقوالهم وانشروها، تصَيَّدُوا خلافاتهم وعَظِّموها، وقدِ انكشف زُيُوف الادعاء عليهم، وفَضَحَ الله أمر المرجفين الذين رَوَّجوا الإفك على العلماء، وردهم بِغَيْظِهم لَم ينالوا خيرًا، ولم يسلم مِن غمزهم، حتى مَن يتحاشى التلميح أو الكلام المباشر عن منهجهم وشطحاتهم.

    أمَّا ما يُريدُه العلمانيُّون مِن هجومهم بكل وسيلة على العلماء، فهو:
    أولاً: خلق حالة مِن اختلاف التَّضاد بين العلماء؛ لأنَّ اختلاف التَّنوُّع لا يُعَدُّ مذمومًا؛ بل هو إثراء لِلفِقه والاستنباط.

    ثانيًا: تشكيك الناس في مِصداقية العلماء، وهَزّ مكانتهم في المجتمع.

    ثالثًا: محاوَلة استعداء الآخرين عليهم.

    رابعًا: إرهاب العلماء والدعاة وإرباكهم في مهمة الأمر بالمعروف، والنَّهْي عنِ المنكر، فمَن لم يكن عزمه وثقته قويَّة، فلا شك سيتحرص أكثر مما يجب؛ حتى لا يقعَ في شباك النقد، وربما سمى الأشياء بغير اسمها، فقال: (لا ينبغي) بدل (لا يجوز)، وهو موقن بالتحريم؛ وذلك حتى يسلم من القذف، والتزوير، والطعن، واللَّمز، وتهويل العلمانيين.

    خامسًا: تحقيق أجندة المشروع الأمريكي الفاشِل فيما يسمى بالشرق الأوسط الكبير، وتوصيات مؤسسة "راند"، كما سبق بيانُه في الحلقة الأولى، ويتساءَل المتتبع لهذا الشأن عنِ العامل المشترك، وسر الانتقائية في فتاوى العلماء، وتحميلها ما لم تحتملْ؛ لتشويه سُمعتهم، بعد أن تكون تلك الشائعات قد سرت سريان النار في الهشيم على مستوى الفضائيات، والإنترنت، والجوال، وأفواه الرجال، ولا يجد معها العالِم مهما اجتهد أي حيلة لِصَدِّ تلك الشائعات على كلِّ المستويات، وليس فينا مِن معصوم؛ بل كلٌّ يُؤخَذ من قوله ويرد.

    وعليه؛ فلتتسع الصدور لكل نقدٍ علمي بنَّاء، وليكنِ الحوار شعارًا دائمًا مع كل ناقدٍ، مهما كانت قناعاته.

    تعليق


    • #3
      الهجوم على علماء السنة (3)
      واجبنا
      قيل لأحمد بن حنبل: الرَّجل يصوم ويُصَلِّي ويعتكف أحب إليك، أو يتكلَّم في أهل البِدَع؟ فقال: إذا قام وصلَّى واعتكف، فإنما هو لنفسه، وإذا تكلَّمَ في أهل البدع، فإنما هو للمسلمين؛ هذا أفضل.

      ومن هنا نبدأ، حيث يردِّد البعض بأنَّ طرْح هذه القضايا تصنيف للمجتمع، والحقيقة: أننا نغفُل عن كونها شَمَّاعة يعلق عليها المردود عليهم خيبتهم من مقارعة البيّنة بالبينة، والحجة بالحجة، ونحن في كلِّ حالٍ نُصَنِّف الأفكار بما تدل عليه قوالبها اللُّغويَّة والأسلوبية، ولا يعنينا الأشخاص، ومبدؤنا في ذلك: ((ما بال قوم يقولون كذا وكذا))، هل هذا الصنيع يكفي في مُوَاجهة العلمانيين والفجَّار ورؤوس المبتدعة؟ أو هو هدي نبوي كريم؛ لتوجيه أخطاء أهل الصلاح والحق؟ ولا يتصور رد على باطل، ما لم يتم تصوير ذلك الباطل ونعته، وتبيان حاله؛ ليَتَحَقَّق المقصود منَ البيان والنقد.

      وقد يقول قائل: إنَّ في هذه الرُّدود تحريضًا وعدوانية، وليستْ بغريبة، فهي شَنْشَنة نعرفها من أخزم، وهي تُهمة يتوهمها مَن لا يملك الحجة في النقد، والقدرة على الرد، فيحيد بها خارج الموضوع؛ ليسلمَ مِن تُهمة العجز، ولو تقاعَس كلُّ داعية وعالم، ومُفَكِّر ومثقف وكاتب، عنِ النُّصح بِكَشْف عوار المذاهب الضَّالة، التي عمَّت بها البلوى؛ كالعلمانية، والليبرالية، ومقدماتها - لغرقت السفينة بمن فيها؛ {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} [المؤمنون: 71].
      وقد يقول قائل: إنها معارك فكرية تدار عن بعد؛ لتحقيق أهداف سياسيَّة مُحَدَّدة، تخدم مَن يديرها، فالحاذق مَن يَتَنَبَّه لذلك، وينأى بنفسه عنِ الدخول فيها؛ وحتى لا ندخل في الجدل بتفنيد هذا الادِّعاء نقول: هبْ أنَّكَ صادق، وعملنا بما تقتضيه الحذاقة - في نظركَ - واعتزلنا التَّصَدِّي لهذا الباطل، فما تكون النتيجة: أليست شوكة العلمانيين ستقوى، وعودهم سيشتد، وسُمُّهم سينتشر؟! فما الفائدة إذًا من الاعتزال مع القدرة على الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، أليس الأولى والواجب أن يقومَ العلماء والدُّعاة بما أوجب الله عليهم، من البيان والنصح للأمة؟ {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187]، فما مِن شكٍّ أنَّ القيام بواجب البيان حق واجب، لا خلاف فيه.

      وقد يقول قائل: إنَّ في التصدي للعلمانيين والليبراليين مضيعة للوقت، واستهلاكًا للجهد، واشتغالاً بالأدنى على حساب الأوجب والأولى، وهو هموم الناس اليومية، وحقوقهم المعيشية، وهذا ليس بصحيح؛ فلا شك أنَّ الدِّفاع عن حقوق الناس وهمومهم اليومية ومعالجة مشاكلهم - هو مما يجب الاعتناء به، وإنَّ من أكبر طرق الاعتناء به وأقصرها وأجداها - الاعتناء بعقيدتهم ودينهم، وفكرهم وثوابتهم؛ إذ لا تستقيم الدنيا كلها إلاَّ بالاستقامة على شرع الله، ونبذ السبل الضَّالة التي تصد عن الدين، وتدعو للتَّفرقة بين الإنسان وربه.

      وقد يقول قائل: إنَّها مهمة العلماء وحدهم، فهم أهل الرِّواية والدِّراية بالحلال والحرام ودقائق الأمور، وهذا أيضًا ليس صحيحًا، فالمسألة هنا ليستْ مسألة فتوى؛ وإنما هي مدافَعة فكر بين الضلال والزيغ، فمَن الذي يجهل أنَّ الدَّعوة إلى فصْل الدين عن الدولة ضلال بَيِّن ومنكر عظيم؟!

      وليس هذا الدور منوطًا بالعلماء فقط؛ بل كل حسب قدرته وعلمه، وقد يفتح الله على مثقف، قد حَصَّل منَ العلوم الشرعيَّة قدرًا لا يوصله لمرتبة العلماء، في هذا الاتجاه من الردود ودحض شبه العلمانيين - ما لا يفتح على عالِم إذا كان مطلعًا على كتب القوم وفكرهم، وإن كان العالِم أعلم وأرسخ في فنون العلم كلها.

      إنَّ الاتجاه العلماني بكلِّ تشكيلاته الفكرية قد علم علمًا يقينًا: أنَّ العلماء والدعاة إلى الله هم حصن المجتمع مِن كلِّ دسيسة فكريَّة تستهدفه؛ ولأجل هذا كثفوا حملاتهم على أهل العلم بالتحديد، وإن المصلحين – علماء ودعاة ومفكرين – لَمَعْنِيُّون قبل غيرهم بالتنبه لهذا الأمر، ومُدافعة الظُّلم الواقع على العلماء جميعهم بكلِّ الوسائل الشرعية النِّظامية، بحسب ما يقتضيه الحال.

      {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} [هود: 116].

      تعليق

      مواضيع ذات صلة

      تقليص

      المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
      ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 2 أكت, 2023, 02:49 ص
      ردود 4
      52 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة *اسلامي عزي*
      بواسطة *اسلامي عزي*
       
      ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 12 سبت, 2023, 02:08 ص
      ردود 0
      19 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة *اسلامي عزي*
      بواسطة *اسلامي عزي*
       
      ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 4 سبت, 2023, 02:15 ص
      ردود 0
      26 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة *اسلامي عزي*
      بواسطة *اسلامي عزي*
       
      ابتدأ بواسطة Islam soldier, 10 أغس, 2023, 06:44 ص
      ردود 0
      553 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة Islam soldier
      بواسطة Islam soldier
       
      ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 30 يول, 2023, 11:51 م
      ردود 3
      53 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة *اسلامي عزي*
      بواسطة *اسلامي عزي*
       
      يعمل...
      X