مـا فـــهـِــمـــهُ اللائكــيُّ

تقليص

عن الكاتب

تقليص

الطلحاوي الإسلام اكتشف المزيد حول الطلحاوي
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مـا فـــهـِــمـــهُ اللائكــيُّ

    السلام عليكم

    كنـا في مقال سابق( ما لم يفهمه اللائكي ) نتحدث عن ظـاهرة فصـل الدين - كوظيفـة وجوديـة- عن الوجود ومـا لحقهــا من مُسلسـلات تهميشه و تحجيم نفوذه، و ذهبنـا إلـى أنَّ هـذا الطرح أدى بالعقليات اللائكيــة إلــى أخطـاء مفصلية في تـاريخ القراءة لوظيفـة الدين ممـا أفرز طبقات لائكيــة لم تستوعب الدرس الكلي من مقاصـد الدين بعدُ و لم تفهــم الإسلام إلا كمـا أرادته و ليس كمـا هو، و سنحـاول هنـا بحول الله أن نتحدث عـن مـا فهــمه هـذا العقـل ضمـن مُحدداتــه المعرفيــة و مكتسباتــه الثقافيــة، إذ أن القراءات اللائكيــة للدين غــالبا مـا تكون مُوَجَّهــة بسياقـات مُثقـلـة إمـا مستقاة من انحرافات عقلية و اسقاطـات وافدة موروثــة و إمــا من هواجس معـاصرة فرضتهــا سياقات الأحداث السياسيـة في عـلاقات التيارات الإسلامية بالسلـطة و أشكـال التعبير لديهـا إزاء قضايــا الدولـة و الحكم، فمعظم اللائكيين لا يقرأون الدين إلا من خــلال ممـارسات بعض الإسلاميين و لا يستنطقون التـاريخ السياسي الإسلامي إلا عندمـا يتعلـق بالصراعـات الحـادة حول السلـطة أو عندمــا يشتغلون علـى بعض الخطوط السوداء في تـاريخنـا ، و العديد من الأكـاديميين الباحثين اللائكيين لا يدخرون وُسعـا في تحليل النسق السياسي الإسلامي عبر التاريخ و لا يَـقْـدرون على تشريح تموجـاته التي دفعت الفقهـاء إلـى تحريك آليات الاجتهـاد السياسي للنظـر في الوقائع المستجدة و التي تمثل ظواهـر شـاذة تحتـاج للتقدير السياسي المنـاسب ، لهـذا وجبَ النظر جليا في الفهـم اللائكي للتـاريخ و إدراك خلفياتـه الايديولوجية التـي تحركت قصد مواجهــة الحركـات الإسلامية المعـاصرة و إلباسهـا صنوفـا من الصور التـي استقرت في ذهنيـة اللائكي أبا عن جد .

    لـو نفذنـا بعمق داخـل البـاطن اللائكي و مخيالـه الإدراكـي لتصورنـاهُ عبارة عـن كتلـة من العُقَــد النفسية تجـاه الدين ، و لوجدنـاه منظورا محمولا علــى التنـاد الكلي مع الدين لأنــه تأسس ضمن توليفــة من التلقينـات القديمـة التـي أنتجته و شكلت شخصيتـه المزدوجة، أقول المزدوجــة لأن اللائكيين يجيدون الدوران حول اللغــة التي تمكنهـم من القفـز علـى حقيقـة الدين عبر ادعـاءات احترامـه و فصلـه عن المجـال السياسي و الاجتماعي تارة دون أن يقدموا الدليل من أنفسهم علـى هـذا الإخـلاص و الاحترام تارة أخرى، و لأنهم يعيشون تنـاقضات مضاعفـة في تكوينـاتهم و مواقفهم فيبادرون في كثير من المواقع بالطعن في قواعـد الدين و يرسلون أحكـامـا عَدائيـة واضحـة عليه ثم يُحدثونكَ بعد ذلك عن قدسية الدين و علو شأنـه . مـا فهمـهُ اللائكـي بصدد الدين لا يمكن أن يجاوز البتـة مـا فهمــه الغربي و لا يعقل أن يُجدد شيئا في عـلاقـة الدين بالدولـة لأنـه محكوم بمُوجهـات آسرة و منظومـات مرجعيـة تضغط دومـا لتُــلحِـقَ فكره بفكر أسياده و تعمل باستمرار علـى تغذيــة فتياننـا بطوفـان من المفردات المفصولـة عن السياق، مـا فهمـهُ اللائكــي من الديـن تـم عبـر تراكمـات فلسفيـة أقنعت البعض بكفايـة العقل عن التدبير و ألزمتهم فكر "الأنـوار" بصفتـه السقف الكلي للتجديد ، فلا فهم لهـم للدين إلا كمـا فهمه الفرنسي خاصـة و لا نظر فيه إلا من حيث هو religion و لا قيمـة لـه إلا من نـاحيـة الجـانب التراثي و الفلكروري الشعبي العريق .

    مـا فهمـه اللائكـيُّ من التـاريخ الإسلامي لا يختلف عمـا فهمـهُ الغربي منـه البتـة و لا يرقـى لمستـوى التحليل الدقيق لمجريات الأحداث السياسية و الحضارية عبر التاريخ إذ غـالبا مـا نسمـع نفس الروايـات حول "رجال الدين" و خضوع الفقيه للسلطـة الاستبدادية بإطلاق و مآزق الآداب السلطـانية و استغـلال الدين سياسيا و إنتاج كوارث حربية باسم الدين ، و لـم نـعد نمـيز بين الخـط التغريبي لأبنـاءنـا و بين أفكـار الغُزاة المُحتلين في شيء، و صـارَ استنطاق التاريخ الإسلامي بالإنشائيات و الكـلام المُرسَل ديدنَ الكـتابات المُتعجلـة المسكونـة بروح الألْـيكـة شكلا و مضمونـا، لقد فهــمَ اللائكــيُّ التاريخ خطأً بكونـه مرجعيـة واقعيــة حـاكمـة علـى النظم و المبادئ و مارسَ تبعـا لذلك وِصايـةَ مُصادرة حقّ الدين في محـاكمة التاريخ و جعـل من قطـائع الأحداث و مسلسلات مقاربات تنزيل المبادئ علـى التاريخ ثابتـا في إصدار أحكـام الإدانـة على الدين نفسه إذ صـارَ عنده تـاريخ الإسلام هـو ذاته تـاريخ المسلمين و تحولت عندهُ إشكـالات الصراعـات حول السلطة إلـى إشكـالات تمس جوهـر الدين، تمـامـا كمـا حاولت الدراسـات الاستشراقية أن تجعـل في صفحـة التـاريخ الإسلامي خطـا أسودا و زعمت أنـهُ كلَّ التاريخ ، فالذين لا يقرأون منحنيات الوقائع بشكل بنيوي ولا يستنطقون عـلاقاتـه بالسياقات و العقليات و تحديد جوهـر الصراع لا يختلفون في شيء عن أولـئك الذين يبحثون عن الحقيقـة انطلاقا من نتـائج الواقع،و للأسف لا زالَ اللائكيُّ اللاديني غـارقـا في مستنقعـات التحليلات الجبرية للتاريخ لأنهم جعلوا من "الواقعية" سلطـة قاطعـة و لا يريدون أن يفهمـوا نوع جدليات الارتباط بين الأحداث و المرجعيات إلا علـى ضوء تبعية الثانية للأولـى.

    لــم يُجدِّد الفـكر اللائكيُّ المُغـرّب في قراءته للتاريخ الإسلامي و لـم يكلف نفســه دراســة أصول الاستبداد عبر التاريخ و لم ينفذ لعمق الأزمـة التي تحددت معـالمهــا مبكرا بعد الانقلاب الأموي الدموي و لـم يحلل عقل الفقيه عبر التاريخ و لم يدرس خلفيات اعتمـاد ملوك العض و الجبر لفقهـاء البـلاط و لــم يدقق النـظر في مرجعيات و مستندات قوى المعـارضـة للاستبداد السياسي، ظــلَّت أحكـامــه تتحرك بنفس العنـاوين و نفس المقاربات التي تعتمد علـى أسلوب الالتقاط و التعميم و ضلت معهــا طرائق البحث عن الحقيقـة التاريخية . المفكرون الإسلاميون توغلوا كثيرا في سبر أغوار التاريخ و بحثوا بعمق أسباب تدهـور الوضع السياسي و الاقتصادي و الحضاري بشكل عـام و قدموا في هـذا الشأن دراسـات جـادة تنطلق من داخـل التاريخ فحللوا قضايـا الأحكام السلطـانية و كيف بدأ العنف الاستبدادي في الظهـور و حقيقـة العـلاقة بين رجل السلطة و الفقيـه و أسباب عدم تمكن "النخبـة" من صياغـات و تطوير العدة الدستورية اللازمـة لضبط سلوكـات الحـاكم عبر التاريخ و توصلوا كـلٌّ من زاويـتـه الاستقرائية لنتائج أجملوهـا في كتب مستقلـة تحتـاج من اللائكي أن يصغي إليهـا و يتمعن في دراساتهـا قبـل أن يطلق عنـانـه لمحفوظـاته بالترديد و التقليد،(شلتوت،عمارة،الغنوشي،القرضاوي،عبد السلام ياسين، عبد الحميد متولي،الترابي،فتحي عثمان،هويدي، عبد القادرعودة،الغزالي،البشري...)، فالبحث عن الحقيقـة يجب أن تمـر عبر القراءة و التقصي و ليس عبر الايدولوجيا و التجني .

    مـا فهمـهُ اللائكـيُّ من التاريخ الإسلامـي و مساراتـه شبيــه بمـا فهمهُ "الأنواري" من التاريخ الكنسي الكهنوتي، منـه يستقــي سيمفونيـة "رجال الدين" و " الدولة الدينية" و "الحق الإلهـي" و "الاستبداد الديني" و منــه ينـافح عن نقيضاتهــا المُستوحـاة من عصر "العقل" و "العقلانية" و "العَلمانية" و "الأنسنة" و "العلم"، لا يهمـه أن يفهم عن أي عقلانية و أنسنة و علموية يستهجنهــا الإسلاميون، لا يهمــه أن يطلـع علـى إنتاجـات المعاصرين في حقل التأصيل السياسي لدولـة الإسلام و لا يأبــه إلا بمفردات تقليدية ركيكـة بلغت حد الابتذال في مجال قاموس الممـارسـة السياسية ، لا يهمـه أن يفتح عينـيه علـى الاستبداد اللائكـي الفضيع و لا يعير اهتماما لدولـة عسكرية لائكية مُستبدة حتـى النخـاع تمـارس القتـل الجمـاعي و تقتل القيم الإنسانية بلا هوادة .



    يُتــبع بحول الله

  • #2
    رد: مـا فـــهـِــمـــهُ اللائكــيُّ

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

    بالانتظار ان شاء الله يا استاذنا الكريم ..
    شموس في العالم تتجلى = وأنهار التأمور تتمارى , فقلوب أصلد من حجر = وأنفاس تخنق بالمجرى , مجرى زمان يقبر في مهل = أرواح وحناجر ظمئى , وأفئدة تسامت فتجلت = كشموس تفانت وجلى

    سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا اله الا انت نستغفرك ونتوب اليك ،،، ولا اله الا انت سبحانك إنا جميعا كنا من الظالمين نستغفرك ونتوب إليك
    حَسْبُنا اللهُ وَنِعْمَ الوَكيلُ
    ،،،
    يكشف عنا الكروب ،، يزيل عنا الخطوب ،، يغفر لنا الذنوب ،، يصلح لنا القلوب ،، يذهب عنا العيوب
    وصل اللهم على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم انك حميد مجيد
    وبارك اللهم على محمد وعلى آل محمد كما باركت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم إنك حميد مجيد
    عدد ما خلق الله - وملئ ما خلق - وعدد ما في السماوات وما في الأرض وعدد ما احصى كتابه وملئ ما احصى كتابه - وعدد كل شيء وملئ كل شيء
    وعدد ما كان وعدد ما يكون - وعدد الحركات و السكون - وعدد خلقه وزنة عرشه ومداد كلماته




    أحمد .. مسلم

    تعليق


    • #3
      رد: مـا فـــهـِــمـــهُ اللائكــيُّ ج 2

      تتمــة
      ما فــهمــهُ اللائكــيُّ ( الجزء الثاني)



      الديكتاتوريـة اللائكيــة تُعـلِّمُ ذراري المسلمين كيف تصمــت عــن الاستبداد اللائكي عندمـا يتحكم لائكي طـاغوتي على رقاب المستضعفين، علمتهم كيف ينتجون تقولات سياسيــة تصرف الأنـظار عــن أساليب احتكـار السلطـة و نهب خيرات النـاس، علمتهم كيف يخوضون معـارك تـافهـة ضد الإسلاميين باسم الإرهـاب فـلا يهمهم إلا الانتصار علـى هؤلاء المُجَلبَبــين المُلتحين في ساحـات اللعب الكـلامية، تمـامـا كمـا علَّـم الديكتاتوريون الأمويون –مع بعض الاستثناء- و العباسيون النـاسَ الأدباء و الوعـاظ و الفلاسفة و "الفقهـاء" كيف يقيمون منـاظرات "عقلانية" مع خصومهم في أجواء تُنسي الجميع دينَ الانقياد فينشغلوا عن الظلم السياسي الذي بدأ مـع حيازة السلـطة بالعنف و الغلبـة، أي بالانقلاب و الاغتيالات ، تمـامـا كمـا يبتلع اللائكيون في مصر ألسنتهم عن حقوق الإنسان و حرية الرأي و العدل و العدالة الاجتماعية و المساواة و "الدولة المدنية" و قيم التعايش و احترام قواعد الديموقراطية و فصل السلـط ،لا يثرثرون إلا عندمــا تفرز الصنـاديق أغلبية إسلاميــة تفضــح حقيقة الامتداد الشعبي اللائكي في الشارع و تكشف حجمهـم البئيس كتيار نخبوي لا يتقن غير الكـلام المُسجـع،و لا يتحركون إلا عندمــا تصعقهم اكتساح قوى إسلامية للمشهـد الانتخابي سواء في مؤسسة سياسية أو مدنية فيسارعون إلـى تدبير المؤامرات و نسج عـلاقات استكبارية مع أطراف خـارجية تنقذهم من حرجهم و مأزقهم السياسي كمـا هو الشأن في تجربتي مصر و تونس علـى وجه التحديد . لقد فهمَ اللائكــيُّ السلـطةَ كإبنٍ شرعــي لــه يفعل بهـا مـا يريد و تصرف معهــا كمزرعــة يفرقهــا علــى مـافيات الفسـاد العشائرية و الايديولوجية كمـا لـو أن الأمـر يتعلق بمـاركة مسجلة أو تحفـة موروثـة من الأجداد اللائكيين ، و قـد كـان أمـرا صعبا علـى هـذا العقل أن يتخيل مجيء من ينـازعـه في "ملكيته" و يشاركـه الحكم فيها بله انتزاعه منه، الشيء الذي اقتضى منــه عقد مختلف التحـالفات لكي يمـارس "حرب الاسترداد" و يعيد "تركتــه" سالمـة غـانمــة بعد أن يكون قد دبر كــل الحيل الشيطـانية التـي يتقنهــا أبالسـة العصر.

      مـا فهمــه اللائكــيُّ من السلـطة و الحكم لا يتعدى فهـمُ المقاولاتيُّ لمؤسستــه ، فالمقاولاتيُّ لا يفكر عـادة إلا في احتكـار موارده و منـع أية منـافسـة خـارجية قــد تطيحُ بأربـاحـه أو تحد منهـا ، أمـا اللائكــيُّ الماديُّ فلا يرى بأسـا من أن يُـقـصـي كـلَّ الأطراف التـي تهدد مقاعـده التـي اغتصبهـا حينـا من الدهـر و لا يهمـه إلا أن يدلِّسَ بضاعتـه للنـاس تحت دعـاوى مُستوردة من قواميس المستكبرين ، فكمـا أن المقاولاتيّ يسعـى دومـا لتوسيع سيطرته علـى سـاحـة الإنتـاج الخدمـاتي و ابتكـار أساليب تمكنـهُ من السيادة فإن اللائكــيُّ العروبي خاصـة ورثَ بدوره عـاهــة الاستئثـار بالسلـطة و ممـارسـة قبائح التزوير الانتخـابي منــذ قرون خلت و لا زالَ مشهورا بأرقامـه القياسيـة التسع و تسعون بالمئـة . لم يتطور عقل اللائكي إذن رغـم كــل الشعـارات الفُسيفسائيـة التـي يرفعهـا دومـا في الكتابات الأكـاديمية عن السلمية و الدولـة المدنية و حقوق الإنسان و المواطنـة و المساواة، و كأن منطق اشتغـال العقل عنده مثَّلَ ثابتـا من ثوابت الميكيافيلية السياسية و الايديولوجية ،و فــي مصر نموذجـا- باعتبارهـا ساحـة قديمـة للصراعـات بين الإسلاميين و اللائكيين اللادينيين- يتعجب الإنسان كيف يتحول اللائكي لأداة ديكتاتورية تُشرعن الاستبداد السياسي و تلتمس كل المبررات لإعطـاء إطـار دستوري للانقلاب الدمـوي ، يتعجب من حجم الأحقاد التــي تغلغلت في قلوب أعـوان الظلمـة و حجم التحريض الشنيع ضد حركـات معـارضة لهـا وزنهــا الثقيل في الساحـة الشعبية ( رفعت السعيد، عبد الله كمـال الذي بشـر بانتهـاء جماعة الإخوان المسلمين في 2014 فكـان قدر الله أنهُ هـو الذي انتهـى و بقيت الجمـاعة ، وجدي الحكيم الذي كـانت آخر كلماته قبل موتـه "لا بد من إبادة الإخوان المسلمين " فشاء الله أن يُهلكَ و يُبـاد...) .

      منـطق اشتغـال الإسلاميين علـى قضـايا الحكم لا تتأسس علـى مفهـوم التنـاد الكلـي بينهـا و بين المعـارضين اللائكيين و لا تُحركـه حسابـات التصفيـات السياسيـة و الإقصـاء الايديولوجـي كمـا هـو الشأن للفكر اللائكـي، و إنمــا تعززه قدرته علـى بنـاء القاعدة الشعبية فتخولـه الصعود للحكم بدون الالتجـاء للعنف و الشغب ، و ليس عيبـا البتـة أن يكون للحزب الفائز أحقيتــه في بنـاء التشكيلات السياسية اللازمـة لقيادة الحكومـة، بل من قواعـد احترام أصوات النـاخبين أن تُجرَّب برامـج الأحزاب الصاعـدة و تُنزَّل محل التطبيق، و مــع ذلك فتجربـة الإسلاميين في مصر و تونس أكدت نزوعهم في عدم ممـارسـة أسلوب الانتقام السياسي و ملاحقة المعـارضين سواء كـانوا إعلاميين أو ساسـة أو مفكرين عكـس مـا شاهدنـاه في حمـلات الاستئصـال اللائكـي و الإرهـاب العنيف ضد كـل الرموز الإسلامية المعـارضة، لقـد فهـمَ اللائكـيُّ بنـاءً على وهْم الاستئثار السلطوي الجنوني أن السياسـة فنُّ للممكن و أنّ الوصول للسلطة بأية طريقـة تتيح لهم استنبات جذور التسلـط عبر تغذيـة مشاعـر الكراهيـة ضد هـؤلاء الإسلاميين لتحجيم نفوذهم و الحد من امتدادهم فأخطئوا التقدير و أساءوا لشعاراتهم .

      مـا فهـمه بعض-أقول بعض- الفضلاء اللائكيين الغـاضبين علـى الظلم اللائكي الاستبدادي من "رجال دين" يباركون سلطـة التغلب لـه مبرره أحـيانـا في رفض مشاركـة الإسلاميين في الحكم إذ تصوروهم أشبـه بإكليروس متحالفين مـع أنظمـة إقطـاعية غارقـة في الاستبداد ، و قرروا علـى ضوء ذلـك تبعيـة "الفقهـاء" لزومـا بالديكتاتورية السياسية ، فهمـوا أن دولـة التغلب التــي يصمت عنهـا بعض السَّلْفَــوِيـيـن بل و يقرون "بشرعيتهـا" ليست إلا دليلا آخـر علــى إسقاط تجربـة الغرب علـى الشرق و أن الفقهـاء بإطـلاق ليسوا بأكثـر من أبواق وُجِـدت لتثبيت نظام المُلك الجبري الاستبدادي ، و للحقيقـة نقول أن التجربـة المصريـة كشفت قنـاع تلك الطبقة الدينية التـي عبّرت عـن وفائهـا لخط تقديس التـاريخ الإسلامي علـى علاته، أقصد تلك الطبقـة التـي تستمد "الشرعية" من وقائع التاريخ و تعتبرهـا نموذجـا يصلح للتعميم بإطـلاق، فالذين يذهبون الآن من فقهـاء البلاطات إلـى تبرير خيار الانتـزاء علـى السلطة بحد السيف يجدون في تـاريخنـا من أمثلـته مـا يجعلهم يستدلون بمعياريته علـى زمـاننـا، إذ لا يخلُ تـاريخنـا من أساليب السطو علـى الحكم بطرق ميكيافيلية و لا يكشف في معظمــه إلا عن تجارب ملوك السيف التي قهرت إرادة النـاس عنوة و جثمت علـى رقابهـا بحكم القوة و الشوكة ، في مصر تحديدا يُــبــهِــتُـكَ كيف يتكـاثر المُتغَـلبون الفقهـاء و يُدهشُـكَ مُفَــوَّهٌ هنـا أو هنـاك يخطب بلا خجل عـن حق السمع و الطـاعـة لِمُغتصب السلــطة ( طلعت زهران، مصطفى العدوي ، رسلان...) ، طـائفيون سـلْـفَـويون جمعهم الجبن من ظـالم فاسق و الحقد علـى الحركـة الإسلامية منذ القديم . جبْـريون سياسيون لا وظيفـة لهم غير القعود مع الظـالمين يعينونهم علـى محـاربـة الحق باسم "الدين" و يُقيمون حروبـا عقدية و فقهيـة ، و لا ينشغلون لا بالدمـاء و لا بالأعراض و لا بالأموال المنهوبـة و لا بالسلطة الغاصبة التي دمرت الدولـة و قتلت القيم الإنسانية و الكرامـة الآدمية.

      مـا فهمهُ بعض اللائكيين عن بعض "رجال الدين" مُتغلبين فاعتبرهم اكليروسـا هـو نفسـه مـا فهمه عن الدين، إذ لا يكــلُّ يردد احترامـه للدين مـع تهميشـه له في واقع الممـارسـة و لا يدرك منـه إلا الجـانب التعبدي المحض و لا يرى فيه إلا ظـاهرة مُتجـاوزة تعطي الحق لأي كـان للحديث فيه و الاجتهـاد في مضامينــه ، قـد يكون اللائكي اسلامولوجيّـاً بارعا يسبر أغـوار متون النصوص و منحنيات التـاريخ لكنـه حتمـا مصاب بآفـة التأويلات و القراءات الخارجية الجـامدة، لذلـك نتفهم من الإسلاميين سبب التركيز أحيانـا في مؤلفاتهم على شرح مضامين الدين و بسط أصولـه و فروعـه ضمن كتب طـابعهـا المحاججة و السجـال كمـا في (حوار مع الفضلاء الديموقراطيين) للشيخ عبد السلام ياسين رحمه الله أو في (الاسلام عقيدة و شريعة ) لمحمود شلتوت رحمه الله أو في (بينات الحل الإسلامي وشبهات العلمانيين والمتغربين ) ليوسف القرضاوي أو في ( الاسلام و السياسة :الرد على شبهـات العلمانيين) لمحمد عمارة ...

      باختـصار، فهم اللائكـيُّ للسياسـة و الدين و التاريخ فهــم مغلوط من أساسه ، لذلـك صارَ من الواجب ألاَّ تُنـاقشَ قضايـا فرعيـة مـا لـم يُعـاد النظر في المحمول المعرفي المُؤَليَك و القطيعـة مـع أسلوب الإسقاطـات المتعسفـة الـتي دأب عليهـا و راهن عليهـا .

      تعليق

      مواضيع ذات صلة

      تقليص

      المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
      ابتدأ بواسطة Islam soldier, 6 يون, 2022, 01:23 م
      ردود 0
      180 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة Islam soldier
      بواسطة Islam soldier
       
      ابتدأ بواسطة Islam soldier, 29 ماي, 2022, 11:22 ص
      ردود 0
      27 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة Islam soldier
      بواسطة Islam soldier
       
      ابتدأ بواسطة Islam soldier, 29 ماي, 2022, 11:20 ص
      ردود 0
      43 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة Islam soldier
      بواسطة Islam soldier
       
      ابتدأ بواسطة عادل خراط, 6 أكت, 2021, 07:41 م
      ردود 0
      44 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة عادل خراط
      بواسطة عادل خراط
       
      ابتدأ بواسطة Ibrahim Balkhair, 4 سبت, 2020, 05:14 م
      ردود 3
      90 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة Ibrahim Balkhair
      بواسطة Ibrahim Balkhair
       
      يعمل...
      X