صحيح وضعيف تاريخ الطبري حققه وخرج رواياته وعلق عليه محمد بن طاهر البرزنجي[ج9]

تقليص

عن الكاتب

تقليص

إيمان أحمد مسلمة اكتشف المزيد حول إيمان أحمد
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #31
    رد: صحيح وضعيف تاريخ الطبري حققه وخرج رواياته وعلق عليه محمد بن طاهر البرزنجي[ج9]

    المشاركة رقم 26

    [هذا الخبر الطويل الذي استغرق صفحات ، رواه المدائني من طريق المفضل وبم نعتد بمروياته ولم يؤيده الآخرون كما هاهنا]
    والصحيح: لم
    أدوات للباحثين على الشبكة: البحث في القرآن الكريم هنا تفاسيره هنا القرآن بعدة لغات هنا سماع القرآن هنا القراءات القرآنية هنا
    الإعجاز العلمي هنا بحث في حديث بإسناده هنا و هنا معاجم عربية هنا معاجم اللغات هنا
    كتب وورد
    هنا المكتبة الشاملة هنا كتب مصورة هنا و هنا وهنا وهنا وهنا وهنا و هنا وهنا وهناوهنا وهنا وهنا وهنا وهنا كتب مخطوطة هنا
    للتأكد من الأخبار العصرية موقع فتبينوا

    تعليق


    • #32
      رد: صحيح وضعيف تاريخ الطبري حققه وخرج رواياته وعلق عليه محمد بن طاهر البرزنجي[ج9]

      ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين
      ذكر الأحداث التي كانت فيها
      خبر هزيمة ابن الأشعث بدير الجماجم
      فمما كان فيها من ذلك هزيمة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بدير الجماجم.
      ذكر الخبر عن سبب انهزامه:
      ذكر هشام بن محمد، عن أبي مخنف، قال: حدثني أبو الزبير الهمداني، قال: كنت في خيل جبله بن زحل، فلما حمل عليه أهل الشام مرة بعد مرة، نادانا عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه فقال: يا معشر القراء، إن الفرار ليس بأحد من الناس بأقبح منه بكم، إني سمعت عليا- رفع الله درجته في الصالحين، وأثابه أحسن ثواب الشهداء والصديقين- يقول يوم لقينا أهل الشام: أيها المؤمنون، إنه من رأى عدوانا يعمل به، ومنكرا يدعى إليه، فأنكره بقلبه فقد سلم وبرئ، ومن أنكر بلسانه فقد أجر، وهو أفضل من صاحبه، ومن أنكره بالسيف لتكون كلمة الله العليا وكلمة الظالمين السفلى، فذلك الذي أصاب سبيل الهدى، ونور في قلبه اليقين فقاتلوا هؤلاء المحلين المحدثين المبتدعين الذين قد جهلوا الحق فلا يعرفونه، وعملوا بالعدوان فليس ينكرونه.
      وقال أبو البختري: أيها الناس، قاتلوهم على دينكم ودنياكم. فو الله لئن ظهروا عليكم ليفسدن عليكم دينكم، وليغلبن على دنياكم .
      وقال الشعبي: يا أهل الإسلام، قاتلوهم ولا يأخذكم حرج من قتالهم،
      فو الله ما أعلم قوما على بسيط الأرض أعمل بظلم، ولا أجور منهم في الحكم، فليكن بهم البدار.
      وقال سعيد بن جبير: قاتلوهم ولا تأثموا من قتالهم بنية ويقين، وعلى آثامهم قاتلوهم على جورهم في الحكم، وتجبرهم في الدين، واستذلالهم الضعفاء، وإماتتهم الصلاة.
      [في إسناده لوط بن يحيى التالف الهالك]

      قال أبو مخنف، قال أبو الزبير: فتهيأنا للحملة عليهم، فقال لنا جبلة: إذا حملتم عليهم فاحملوا حملة صادقة، ولا تردوا وجوهكم عنهم حتى تواقعوا صفهم قال: فحملنا عليهم حملة بجد منا في قتالهم، وقوة منا عليهم، فضربنا الكتائب الثلاث حتى اشتفرت، ثم مضينا حتى واقعنا صفهم فضربناهم حتى أزلناهم عنه، ثم انصرفنا فمررنا بجبلة صريعا لا ندري كيف قتل.
      قال: فهدنا ذلك وجبنا فوقفنا موقفنا الذي كنا به، وإن قراءنا لمتوافرون، ونحن نتناعى جبلة بن زحر بيننا، كأنما فقد به كل واحد منا أباه أو أخاه، بل هو في ذلك الموطن كان أشد علينا فقدا فقال لنا أبو البختري الطائي: لا يستبينن فيكم قتل جبلة بن زحر، فإنما كان كرجل منكم أتته منيته ليومها، فلم يكن ليتقدم يومه ولا ليتأخر عنه، وكلكم ذائق ما ذاق، ومدعو فمجيب قال: فنظرت إلى وجوه القراء فإذا الكآبة على وجوههم بينة، وإذا ألسنتهم منقطعة، وإذا الفشل فيهم قد ظهر، وإذا أهل الشام قد سروا وجذلوا، فنادوا: يا أعداء الله، قد هلكتم، وقد قتل الله طاغوتكم.
      قال أبو مخنف: فحدثني أبو يزيد ال***كي أن جبلة حين حمل هو وأصحابه علينا انكشفنا، وتبعونا، وافترقت منا فرقة فكانت ناحية، فنظرنا فإذا أصحابه يتبعون أصحابنا، وقد وقف لأصحابه ليرجعوا إليه على رأس رهوة، فقال بعضنا، هذا والله جبلة بن زحر، احملوا عليه ما دام أصحابه مشاغيل بالقتال عنه لعلكم تصيبونه قال: فحملنا عليه، فأشهد ما ولى، ولكن حمل علينا بالسيف فلما هبط من الرهوة شجرناه بالرماح فأذريناه عن فرسه فوقع قتيلا، ورجع أصحابه، فلما رأيناهم مقبلين تنحينا عنهم، فلما رأوه قتيلا رأينا من استرجاعهم وجزعهم ما قرت به أعيننا، قال: فتبينا ذلك في قتالهم إيانا وخروجهم إلينا.
      [في إسناده لوط بن يحيى التالف الهالك]

      قال أبو مخنف: حدثني سهم بن عبد الرحمن الجهني، قال: لما أصيب جبلة هد الناس مقتله، حتى قدم علينا بسطام بن مصقلة بن هبيرة الشيباني، فشجع الناس مقدمه، وقالوا: هذا يقوم مقام جبلة، فسمع هذا القول من بعضهم أبو البختري، فقال: قبحتم! إن قتل منكم رجل واحد ظننتم أن قد أحيط بكم، فإن قتل الآن ابن مصقلة ألقيتم بأيديكم إلى التهلكة، وقلتم: لم يبق أحد يقاتل معه! ما أخلقكم أن يخلف رجاؤنا فيكم! وكان مقدم بسطام من الري، فالتقى هو وقتيبة في الطريق، فدعاه قتيبة إلى الحجاج وأهل الشام، ودعاه بسطام إلى عبد الرحمن وأهل العراق، فكلاهما أبى على صاحبه، وقال بسطام: لأن أموت مع أهل العراق أحب إلي من أن أعيش مع أهل الشام، وكان قد نزل ماسبذان، فلما قدم قال لابن محمد: أمرني على خيل ربيعة، ففعل، فقال لهم: يا معشر ربيعة، إن في شرسفة عند الحرب فاحتملوها لي- وكان شجاعا- فخرج الناس ذات يوم ليقتتلوا، فحمل في خيل ربيعة حتى دخل عسكرهم، فأصابوا فيهم نحوا من ثلاثين امرأة من بين أمة وسرية، فأقبل بهن حتى إذا دنا من عسكره ردهن، فجئن ودخلن عسكر الحجاج، فقال: أولى لهم! منع القوم نساءهم، أما لو لم يردوهن لسبيت نساؤهم غدا إذا ظهرت ثم اقتتلوا يوما آخر بعد ذلك، فحمل عبد الله بن مليل الهمداني في خيل له حتى دخل عسكرهم فسبا ثماني عشرة امرأة، وكان معه طارق بن عبد الله الأسدي- وكان راميا- فخرج شيخ من أهل الشام من فسطاطه، فأخذ الأسدي يقول لبعض أصحابه: استر مني هذا الشيخ لعلني أرميه أو أحمل عليه فأطعنه، فإذا الشيخ يقول رافعا صوته: اللهم لمنا وإياهم بعافية، فقال الأسدي: ما أحب أن أقتل مثل هذا، فتركه، وأقبل ابن مليل بالنساء غير بعيد، ثم خلى سبيلهن أيضا، فقال الحجاج مثل مقالته الأولى.
      [في إسناده لوط بن يحيى التالف الهالك]

      قال هشام: قال أبي: أقبل الوليد بن نحيت الكلبي من بني عامر في كتيبة إلى جبلة بن زحر، فانحط عليه الوليد من رابية- وكان جسيما، وكان جبلة رجلا ربعة- فالتقيا- فضربه على رأسه فسقط، وانهزم أصحابه وجيء برأسه .
      قال هشام: فحدثني بهذا الحديث أبو مخنف وعوانة الكلبي، قال: لما جيء برأس جبلة بن زحر إلى الحجاج حمله على رمحين ثم قال: يا أهل الشام، أبشروا، هذا أول الفتح، لا والله ما كانت فتنة قط فخبت حتى يقتل فيها عظيم من عظماء أهل اليمن، وهذا من عظمائهم ثم خرجوا ذات يوم فخرج رجل من أهل الشام يدعو إلى المبارزة، فخرج اليه الحجاج ابن جارية، فحمل عليه، فطعنه فأذراه، وحمل أصحابه فاستنقذوه، فإذا هو رجل من خثعم يقال له أبو الدرداء، فقال الحجاج بن جارية: أما إني لم أعرفه حتى وقع، ولو عرفته ما بارزته، ما أحب أن يصاب من قومي مثله وخرج عبد الرحمن بن عوف الرؤاسي أبو حميد فدعا إلى المبارزة، فخرج إليه ابن عم له من أهل الشام، فاضطربا بسيفيهما، فقال كل واحد منهما: أنا الغلام الكلابي، فقال كل واحد منهما لصاحبه: من أنت؟ فلما تساءلا تحاجزا وخرج عبد الله بن رزام الحارثي إلى كتيبة الحجاج، فقال: أخرجوا إلي رجلا رجلا، فأخرج إليه رجل، فقتله ثم فعل ذلك ثلاثة أيام، يقتل كل يوم رجلا، حتى إذا كان اليوم الرابع أقبل، فقالوا: قد جاء لا جاء الله به! فدعا إلى المبارزة، فقال الحجاج للجراح: اخرج إليه، فخرج إليه، فقال له عبد الله بن رزام- وكان له صديقا: ويحك يا جراح! ما أخرجك إلي! قال: قد ابتليت بك، قال: فهل لك في خير؟ قال: ما هو؟ قال: أنهزم لك فترجع إلى الحجاج وقد أحسنت عنده وحمدك، وأما أنا فإني أحتمل مقالة الناس في انهزامي عنك حبا لسلامتك، فإني لا أحب أن أقتل من قومي مثلك، قال: فافعل، فحمل عليه فأخذ يستطرد له- وكان الحارثي قد قطعت لهاته، وكان يعطش كثيرا، وكان معه غلام له معه إداوة من ماء، فكلما عطش سقاه الغلام- فاطرد له الحارثي، وحمل عليه الجراح حملة بجد لا يريد إلا قتله، فصاح به غلامه: إن الرجل جاد في قتلك! فعطف عليه فضربه بالعمود على رأسه فصرعه، فقال لغلامه: انضح على وجهه من ماء الإداوة، واسقه، ففعل ذلك به، فقال: يا جراح، بئسما ما جزيتني، أردت بك العافية وأردت أن تزيرني المنية! فقال: لم أرد ذلك، فقال: انطلق فقد تركتك للقرابة والعشيرة.
      [في إسناده لوط بن يحيى التالف الهالك]

      قال محمد بن عمر الواقدي: حدثني ابن أبي سبرة، عن صالح بن كيسان، قال: قال سعيد الحرشي: أنا في صف القتال يومئذ إذ خرج رجل من أهل العراق، يقال له: قدامة بن الحريش التميمي، فوقف بين الصفين، فقال: يا معشر جرامقة أهل الشام، إنا ندعوكم إلى كتاب الله وسنة رسوله، فإن أبيتم فليخرج إلي رجل، فخرج إليه رجل من أهل الشام فقتله، حتى قتل أربعة، فلما رأى ذلك الحجاج أمر مناديا فنادى: لا يخرج إلى هذا الكلب أحد، قال: فكف الناس قال سعيد الحرشي: فدنوت من الحجاج فقلت: أصلح الله الأمير! إنك رأيت الا يخرج إلى هذا الكلب أحد، وإنما هلك من هلك من هؤلاء النفر بآجالهم، ولهذا الرجل أجل، وأرجو أن يكون قد حضر، فأذن لأصحابي الذين قدموا معي فليخرج إليه رجل منهم، فقال الحجاج: إن هذا الكلب لم يزل هذا له عادة وقد أرعب الناس، وقد أذنت لأصحابك، فمن أحب أن يقوم فليقم.
      فرجع سعيد الحرشي إلى أصحابه فأعلمهم، فلما نادى ذلك الرجل بالبراز برز إليه رجل من أصحاب الحرشي، فقتله قدامة، فشق ذلك على سعيد، وثقل عليه لكلامه الحجاج، ثم نادى قدامة: من يبارز؟ فدنا سعيد من الحجاج، فقال: أصلح الله الأمير! ائذن لي في الخروج إلى هذا الكلب، فقال:
      وعندك ذلك؟ قال سعيد: نعم، أنا كما تحب، فقال الحجاج: أرني سيفك، فأعطاه إياه، فقال الحجاج: معي سيف أثقل من هذا، فأمر له بالسيف، فأعطاه إياه، فقال الحجاج- ونظر إلى سعيد فقال: ما أجود درعك وأقوى فرسك! ولا أدري كيف تكون مع هذا الكلب! قال سعيد: أرجو أن يظفرني الله به، قال الحجاج: اخرج على بركة الله قال سعيد: فخرجت إليه، فلما دنوت منه، قال: قف يا عدو الله، فوقفت، فسرني ذلك منه، فقال: اختر إما أن تمكنني فأضربك ثلاثا، وإما أن أمكنك فتضربني ثلاثا، ثم تمكنني قلت: أمكني، فوضع صدره على قربوسه ثم قال: اضرب، فجمعت يدي على سيفي، ثم ضربت على المغفر متمكنا، فلم يصنع شيئا، فساءني ذلك من سيفي ومن ضربتي، ثم أجمع رأيي أن أضربه على أصل العاتق، فإما أن أقطع وإما أن أوهن يده عن ضربته، فضربته فلم أصنع شيئا، فساءني ذلك ومن غاب عني ممن هو في ناحية العسكر حين بلغه ما فعلت، والثالثة كذلك ثم اخترط سيفا ثم قال: أمكني، فأمكنته، فضربني ضربة صرعني منها، ثم نزل عن فرسه وجلس على صدري، وانتزع من خفيه خنجرا أو سكينا فوضعها على حلقي يريد ذبحي، فقلت له: أنشدك الله! فإنك لست مصيبا من قتلي الشرف والذكر مثل ما أنت مصيب من تركي، قال: ومن أنت؟ قلت: سعيد الحرشي، قال: أولى يا عدو الله! فانطلق فأعلم صاحبك ما لقيت.
      قال سعيد: فانطلقت أسعى حتى انتهيت إلى الحجاج، فقال: كيف
      رأيت! فقلت: الأمير كان أعلم بالأمر.
      رجع الحديث إلى حديث أبي مخنف، عن أبي يزيد، قال: وكان أبو البختري الطائي وسعيد بن جبير يقولان: «وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا» إلى آخر الآية، ثم يحملان حتى يواقعا الصف.
      قال أبو المخارق: قاتلناهم مائة يوم سواء أعدها عدا قال: نزلنا دير الجماجم مع ابن محمد غداة الثلاثاء لليلة مضت من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وثمانين، وهزمنا يوم الأربعاء لأربع عشرة مضت من جمادى الآخرة عند امتداد الضحى ومتوع النهار، وما كنا قط أجرأ عليهم ولا هم أهون علينا منهم في ذلك اليوم.
      قال: خرجنا إليهم وخرجوا إلينا يوم الأربعاء، لأربع عشرة مضت من جمادى الآخرة، فقاتلناهم عامة النهار أحسن قتال قاتلناهموه قط، ونحن آمنون من الهزيمة، عالون للقوم، إذ خرج سفيان بن الأبرد الكلبي في الخيل من قبل ميمنة أصحابه، حتى دنا من الأبرد بن قرة التميمي، وهو على ميسرة عبد الرحمن بن محمد، فو الله ما قاتله كبير قتال حتى انهزم، فأنكرها الناس منه، وكان شجاعا، ولم يكن الفرار له بعاده، فظن الناس انه قد كان أومن، وصولح على ان ينهزم بالناس، فلما فعلها تقوضت الصفوف من نحوه، وركب الناس وجوههم وأخذوا في كل وجه، وصعد عبد الرحمن بن محمد المنبر، فأخذ ينادي الناس: عباد الله، إلي أنا ابن محمد، فأتاه عبد الله بن رزام الحارثي، فوقف تحت منبره، وجاء عبد الله بن ذؤاب السلمي في خيل له، فوقف منه قريبا، وثبت حتى دنا منه أهل الشام، فأخذت نبلهم تحوزه، فقال: يا بن رزام، احمل على هذه الرجال والخيل، فحمل عليهم حتى أمعنوا ثم جاءت خيل لهم أخرى ورجالة، فقال: احمل عليهم يا بن ذؤاب، فحمل عليهم حتى أمعنوا، وثبت لا يبرح منبره، ودخل أهل الشام العسكر، فكبروا، فصعد إليه عبد الله بن يزيد بن المغفل الأزدي- وكانت مليكه ابنة أخيه امرأة عبد الرحمن- فقال: انزل، فإني أخاف عليك إن لم تنزل أن تؤسر، ولعلك إن انصرفت أن تجمع لهم جمعا يهلكهم الله به بعد اليوم فنزل وخلى أهل العراق العسكر، وانهزموا لا يلوون على شيء، ومضى عبد الرحمن بن محمد مع ابن جعدة بن هبيرة ومعه أناس من أهل بيته، حتى إذا حاذوا قرية بني جعدة بالفلوجة دعوا بمعبر، فعبروا فيه، فانتهى إليهم بسطام بن مصقلة، فقال: هل في السفينة عبد الرحمن بن محمد؟ فلم يكلموه، وظن أنه فيهم، فقال:
      لا وألت نفس عليها تحاذر.
      ضرم قيس علي البلاد ... حتى إذا اضطرمت أجذما
      ثم جاء حتى انتهى إلى بيته وعليه السلاح، وهو على فرسه لم ينزل عنه، فخرجت إليه ابنته فالتزمها، وخرج إليه أهله يبكون، فأوصاهم بوصية وقال: لا تبكوا، أرأيتم إن لم أترككم، كم عسيت أن أبقى معكم حتى أموت! وإن أنا مت فإن الذي رزقكم الآن حي لا يموت، وسيرزقكم بعد وفاتي كما رزقكم في حياتي، ثم ودع أهله وخرج من الكوفة.
      [في إسناده لوط بن يحيى التالف الهالك]

      قال أبو مخنف: فحدثني الكلبي محمد بن السائب، أنهم لما هزموا ارتفاع النهار حين امتد ومتع، قال: جئت أشتد ومعي الرمح والسيف والترس حتى بلغت أهلي من يومي، ما ألقيت شيئا من سلاحي، فقال الحجاج:
      اتركوهم فليتبددوا ولا تتبعوهم، ونادى المنادي: من رجع فهو آمن ورجع محمد بن مروان إلى الموصل، وعبد الله بن عبد الملك إلى الشام بعد الوقعة، وخليا الحجاج والعراق، وجاء الحجاج حتى دخل الكوفه، واجلس مصقله ابن كرب بن رقبة العبدي إلى جنبه، وكان خطيبا، فقال: اشتم كل امرئ بما فيه ممن كنا أحسنا إليه، فاشتمه بقلة شكره ولؤم عهده، ومن علمت منه عيبا فعبه بما فيه، وصغر إليه نفسه وكان لا يبايعه أحد إلا قال له: أتشهد أنك قد كفرت؟ فإذا قال: نعم، بايعه وإلا قتله، فجاء إليه رجل من خثعم قد كان معتزلا للناس جميعا من وراء الفرات، فسأله عن حاله فقال: ما زلت معتزلا وراء هذه النطفة منتظرا أمر الناس حتى ظهرت، فأتيتك لأبايعك مع الناس، قال: أمتربص! أتشهد أنك كافر؟ قال: بئس الرجل أنا إن كنت عبدت الله ثمانين سنة ثم أشهد على نفسي بالكفر، قال: إذا اقتلك، قال: وان قتلتني فو الله ما بقي من عمري إلا ظمء حمار، وانى لانتظر الموت صباح مساء قال: اضربوا عنقه فضربت عنقه، فزعموا أنه لم يبق حوله قرشي ولا شامي ولا أحد من الحزبين إلا رحمه ورثى له من القتل.
      ودعا بكميل بن زياد النخعي فقال له: أنت المقتص من عثمان أمير المؤمنين؟ قد كنت أحب أن أجد عليك سبيلا، فقال: والله ما أدري على أينا أنت أشد غضبا؟ عليه حين أقاد من نفسه، أم علي حين عفوت عنه؟ ثم قال: أيها الرجل من ثقيف، لا تصرف علي أنيابك، ولا تهدم علي تهدم الكثيب، ولا تكثر كشران الذئب، والله ما بقي من عمري إلا ظمء الحمار، فإنه يشرب غدوة ويموت عشية، ويشرب عشية ويموت غدوة، اقض ما أنت قاض، فإن الموعد الله، وبعد القتل الحساب قال الحجاج: فإن الحجة عليك، قال: ذلك إن كان القضاء إليك، قال: بلى، كنت فيمن قتل عثمان، وخلعت أمير المؤمنين، اقتلوه .
      فقدم فقتل، قتله أبو الجهم بن كنانة الكلبي من بني عامر بن عوف، ابن عم منصور بن جمهور.
      وأتي بآخر من بعده، فقال الحجاج: إني أرى رجلا ما أظنه يشهد على نفسه بالكفر، فقال: أخادعي عن نفسي! أنا أكفر أهل الأرض، وأكفر من فرعون ذي الأوتاد، فضحك الحجاج وخلى سبيله.
      وأقام بالكوفة شهرا، وعزل أهل الشام عن بيوت أهل الكوفة.
      [في إسناده لوط بن يحيى التالف الهالك]

      هزيمة ابن الأشعث وأصحابه في وقعة مسكن
      وفي هذه السنة كانت الوقعة بمسكن بين الحجاج وابن الأشعث بعد ما انهزم من دير الجماجم.
      ذكر الخبر عن سبب هذه الوقعة وعن صفتها:
      قال هشام: حدثني أبو مخنف، عن أبي يزيد ال***كي، قال:
      خرج محمد بن سعد بن أبي وقاص بعد وقعة الجماجم حتى نزل المدائن، واجتمع إليه ناس كثير، وخرج عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس القرشي حتى أتى البصرة وبها أيوب بن الحكم بن أبي عقيل، ابن عم الحجاج، فأخذها، وخرج عبد الرحمن بن محمد حتى قدم البصرة وهو بها، فاجتمع الناس إلى عبد الرحمن ونزل، فأقبل عبيد الله حينئذ إلى ابن محمد بن الأشعث، وقال له: إني لم أرد فراقك، وإنما أخذتها لك وخرج الحجاج فبدأ بالمدائن، فأقام عليها خمسا حتى هيأ الرجال في المعابر، فلما بلغ محمد بن سعد عبورهم إليهم خرجوا حتى لحقوا بابن الأشعث جميعا وأقبل نحوهم الحجاج، فخرج الناس معه إلى مسكن على دجيل، وأتاه أهل الكوفة والفلول من الأطراف، وتلاوم الناس على الفرار، وبايع أكثرهم بسطام بن مصقلة على الموت، وخندق عبد الرحمن على أصحابه، وبثق الماء من جانب، فجعل القتال من وجه واحد، وقدم عليه خالد بن جرير بن عبد الله القسري من خراسان في ناس من بعث الكوفة، فاقتتلوا خمس عشرة ليلة من شعبان أشد القتال حتى قتل زياد بن غنيم القيني، وكان على مسالح الحجاج، فهده ذلك وأصحابه هدا شديدا. قال أبو مخنف: حدثني أبو جهضم الأزدي، قال: بات الحجاج ليله كله يسير فينا يقول لنا: إنكم أهل الطاعة، وهم أهل المعصية، وأنتم تسعون في رضوان الله، وهم يسعون في سخط الله، وعادة الله عندكم فيهم حسنة، ما صدقتموهم في موطن قط ولا صبرتم لهم إلا أعقبكم الله النصر عليهم والظفر بهم، فأصبحوا اليهم عادين جادين، فانى لست أشك في النصر إن شاء الله قال: فأصبحنا، وقد عبأنا في السحر، فباكرناهم فقاتلناهم أشد قتال قاتلنا هموه قط، وقد جاءنا عبد الملك بن المهلب مجففا، وقد كشفت خيل سفيان بن الأبرد، فقال له الحجاج: ضم إليك يا عبد الملك هذا النشر لعلي أحمل عليهم، ففعل، وحمل الناس من كل جانب، فانهزم أهل العراق أيضا، وقتل أبو البختري الطائي وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وقالا قبل ان يقتلا: إن الفرار كل ساعة بنا لقبيح فأصيبا قال: ومشى بسطام بن مصقلة الشيباني في أربعة آلاف من أهل الحفاظ من أهل المصرين، فكسروا جفون السيوف، وقال لهم ابن مصقلة: لو كنا إذا فررنا بأنفسنا من الموت نجونا منه فررنا، ولكنا قد علمنا أنه نازل بنا عما قليل، فأين المحيد عما لا بد منه! يا قوم إنكم محقون، فقاتلوا على الحق، والله لو لم تكونوا على الحق لكان موت في عز خيرا من حياة في ذل فقاتل هو وأصحابه قتالا شديدا كشفوا فيه أهل الشام مرارا، حتى قال الحجاج: علي بالرماة لا يقاتلهم غيرهم، فلما جاءتهم الرماة، وأحاط بهم الناس من كل جانب قتلوا إلا قليلا، وأخذ بكير بن ربيعة بن ثروان الضبي أسيرا، فأتي به الحجاج فقتله قال أبو مخنف: فحدثني أبو الجهضم، قال: جئت بأسير كان الحجاج يعرفه بالبأس، فقال الحجاج: يا أهل الشام، إنه من صنع الله. لكم إن هذا غلام من الغلمان جاء بفارس أهل العراق أسيرا، اضرب عنقه، فقتله. قال: ومضى ابن الأشعث والفل من المنهزمين معه نحو سجستان فأتبعهم الحجاج عمارة بن تميم اللخمي ومعه ابنه محمد بن الحجاج وعمارة أمير
      على القوم، فسار عمارة بن تميم إلى عبد الرحمن فأدركه بالسوس، فقاتله ساعة من نهار، ثم إنه انهزم هو وأصحابه فمضوا حتى أتوا سابور، واجتمعت إلى عبد الرحمن بن محمد الأكراد مع من كان معه من الفلول، فقاتلهم عمارة بن تميم قتالا شديدا على العقبة حتى جرح عمارة وكثير من أصحابه، ثم انهزم عمارة وأصحابه وخلوا لهم عن العقبة، ومضى عبد الرحمن حتى مر بكرمان.
      [في إسناده لوط بن يحيى التالف الهالك]

      قال الواقدي: كانت وقعة الزاوية بالبصرة في المحرم سنة ثلاث وثمانين.
      قال أبو مخنف: حدثني سيف بن بشر العجلي، عن المنخل بن حابس العبدي، قال: لما دخل عبد الرحمن بن محمد كرمان تلقاه عمرو بن لقيط العبدي- وكان عامله عليها- فهيأ له نزلا فنزل، فقال له شيخ من عبد القيس يقال له معقل: والله لقد بلغنا عنك يا بن الأشعث أن قد كنت جبانا، فقال عبد الرحمن: والله ما جبنت، والله لقد دلفت الرجال بالرجال، ولففت الخيل بالخيل، ولقد قاتلت فارسا، وقاتلت راجلا، وما انهزمت، ولا تركت العرصة للقوم في موطن حتى لا أجد مقاتلا ولا أرى معي مقاتلا، ولكني زاولت ملكا مؤجلا ثم إنه مضى بمن معه حتى فوز في مفازة كرمان
      [في إسناده لوط بن يحيى التالف الهالك]

      قال أبو مخنف: فحدثني هشام بن أيوب بن عبد الرحمن بن أبي عقيل الثقفي، قال: لما مضى ابن محمد في مفازة كرمان وأتبعه أهل الشام دخل بعض أهل الشام قصرا في المفازة، فإذا فيه كتاب قد كتبه بعض أهل الكوفة من شعر أبي جلدة اليشكري، وهي قصيدة طويلة:
      أيا لهفا ويا حزنا جميعا ... ويا حر الفواد لما لقينا!
      تركنا الدين والدنيا جميعا ... وأسلمنا الحلائل والبنينا
      فما كنا أناسا أهل دين ... فنصبر في البلاء إذا ابتلينا
      وما كنا أناسا أهل دنيا ... فنمنعها ولو لم نرج دينا
      تركنا دورنا لطغام عك ... وأنباط القرى والأشعرينا
      ثم إن ابن محمد مضى حتى خرج على زرنج مدينة سجستان، وفيها رجل من بني تميم قد كان عبد الرحمن استعمله عليها، يقال له عبد الله بن عامر البعار من بني مجاشع بن دارم، فلما قدم عليه عبد الرحمن بن محمد على أصحابه، وبشق الماء من جانب، فجعل القتال من وجه واحد، وقدم عليه خالد بن جرير بن عبد الله القسري من خراسان في ناس من بعث الكوفة، فاقتتلوا خمس عشرة ليلة من شعبان أشد القتال حتى قتل زياد بن غنيم القيني، وكان على مسالح الحجاج، فهده ذلك وأصحابه هدا شديدا.
      [في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك]

      قال أبو مخنف: حدثني أبو جهضم الأزدي، قال: بات الحجاج ليله كله يسير فينا يقول لنا: إنكم أهل الطاعة، وهم أهل المعصية، وأنتم تسعون في رضوان الله، وهم يسعون في سخط الله، وعادة الله عندكم فيهم
      حسنة، ما صدقتموهم في موطن قط ولا صبرتم لهم إلا أعقبكم الله النصر عليهم والظفر بهم، فأصبحوا اليهم عادين جادين، فانى لست أشك في النصر إن شاء الله.
      قال: فأصبحنا، وقد عبأنا في السحر، فباكرناهم فقاتلناهم أشد قتال قاتلنا هموه قط، وقد جاءنا عبد الملك بن المهلب مجففا، وقد كشفت خيل سفيان بن الأبرد، فقال له الحجاج: ضم إليك يا عبد الملك هذا النشر لعلي أحمل عليهم، ففعل، وحمل الناس من كل جانب، فانهزم أهل العراق أيضا، وقتل أبو البختري الطائي وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وقالا قبل ان يقتلا: إن الفرار كل ساعة بنا لقبيح فأصيبا.
      قال: ومشى بسطام بن مصقلة الشيباني في أربعة آلاف من أهل الحفاظ من أهل المصرين، فكسروا جفون السيوف، وقال لهم ابن مصقلة: لو كنا إذا فررنا بأنفسنا من الموت نجونا منه فررنا، ولكنا قد علمنا أنه نازل بنا عما قليل، فأين المحيد عما لا بد منه! يا قوم إنكم محقون، فقاتلوا على الحق، والله لو لم تكونوا على الحق لكان موت في عز خيرا من حياة في ذل .
      فقاتل هو وأصحابه قتالا شديدا كشفوا فيه أهل الشام مرارا، حتى قال الحجاج: علي بالرماة لا يقاتلهم غيرهم، فلما جاءتهم الرماة، وأحاط بهم الناس من كل جانب قتلوا إلا قليلا، وأخذ بكير بن ربيعة بن ثروان الضبي أسيرا، فأتي به الحجاج فقتله .
      [في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك]

      قال أبو مخنف: فحدثني أبو الجهضم، قال: جئت بأسير كان الحجاج يعرفه بالبأس، فقال الحجاج: يا أهل الشام، إنه من صنع الله. لكم إن هذا غلام من الغلمان جاء بفارس أهل العراق أسيرا، اضرب عنقه، فقتله.
      قال: ومضى ابن الأشعث والفل من المنهزمين معه نحو سجستان فأتبعهم الحجاج عمارة بن تميم اللخمي ومعه ابنه محمد بن الحجاج وعمارة أمير
      منهزما أغلق باب المدينة دونه، ومنعه دخولها، فأقام عليها عبد الرحمن أياما رجاء افتتاحها ودخولها فلما رأى أنه لا يصل إليها خرج حتى أتى بست، وقد كان استعمل عليها رجلا من بكر بن وائل يقال له عياض بن هميان أبو هشام بن عياض السدوسي، فاستقبله، وقال له: انزل، فجاء حتى نزل به، وانتظر حتى إذا غفل أصحاب عبد الرحمن وتفرقوا عنه وثب عليه فأوثقه، وأراد أن يأمن بها عند الحجاج، ويتخذ بها عنده مكانا وقد كان رتبيل سمع بمقدم عبد الرحمن عليه، فاستقبله في جنوده، فجاء رتبيل حتى أحاط ببست، ثم نزل وبعث إلى البكري: والله لئن آذيته بما يقذي عينه، أو ضررته ببعض المضرة، أو رزأته حبلا من شعر لا أبرح العرصة حتى أستنزلك فأقتلك وجميع من معك، ثم أسبي ذراريكم، وأقسم بين الجند أموالكم فأرسل إليه البكري أن أعطنا أمانا على أنفسنا وأموالنا، ونحن ندفعه إليك سالما، وما كان له من مال موفرا فصالحهم على ذلك، وآمنهم، ففتحوا لابن الأشعث الباب وخلوا سبيله، فأتى رتبيل فقال له: إن هذا كان عاملي على هذه المدينة، وكنت حيث وليته واثقا به، مطمئنا إليه، فغدر بي وركب مني ما قد رأيت، فأذن لي في قتله، قال: قد آمنته وأكره أن أغدر به، قال: فأذن لي في دفعه ولهزه، والتصغير به، قال: أما هذا فنعم ففعل به عبد الرحمن بن محمد، ثم مضى حتى دخل مع رتبيل بلاده، فأنزله رتبيل عنده وأكرمه وعظمه، وكان معه ناس من الفل كثير.
      ثم إن عظم الفلول وجماعة أصحاب عبد الرحمن ومن كان لا يرجو الأمان، من الرءوس والقادة الذين نصبوا للحجاج في كل موطن مع ابن الأشعث، ولم يقبلوا أمان الحجاج في أول مرة، وجهدوا عليه الجهد كله، أقبلوا في أثر ابن الأشعث وفي طلبه حتى سقطوا بسجستان، فكان بها منهم وممن تبعهم من أهل سجستان وأهل البلد نحو من ستين ألفا، ونزلوا على عبد الله بن عامر البعار فحصروه، وكتبوا إلى عبد الرحمن يخبرونه بقدومهم وعددهم وجماعتهم، وهو عند رتبيل وكان يصلي بهم عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، فكتبوا إليه: أن أقبل إلينا لعلنا نسير إلى خراسان، فإن بها منا جندا عظيما، فلعلهم يبايعوننا على قتال أهل الشام، وهي بلاد واسعة عريضة، وبها الرجال والحصون فخرج إليهم عبد الرحمن بن محمد بمن معه، فحصروا عبد الله بن عامر البعار حتى استنزلوه، فأمر به عبد الرحمن فضرب وعذب وحبس وأقبل نحوهم عمارة بن تميم في أهل الشام، فقال أصحاب عبد الرحمن بن محمد لعبد الرحمن: اخرج بنا عن سجستان فلندعها له ونأتي خراسان، فقال عبد الرحمن بن محمد: على خراسان يزيد بن المهلب، وهو شاب شجاع صارم، وليس بتارك لكم سلطانه، ولو دخلتموها وجدتموه إليكم سريعا، ولن يدع أهل الشام اتباعكم، فأكره أن يجتمع عليكم أهل خراسان واهل الشام، واخاف الا تنالوا ما تطلبون، فقالوا: إنما أهل خراسان منا، ونحن نرجو أن لو قد دخلناها أن يكون من يتبعنا منهم أكثر ممن يقاتلنا، وهي أرض طويلة عريضة ننتحي فيها حيث شئنا، ونمكث حتى يهلك الله الحجاج أو عبد الملك، أو نرى من رأينا فقال لهم عبد الرحمن: سيروا على اسم الله.
      فساروا حتى بلغوا هراة، فلم يشعروا بشيء حتى خرج من عسكره عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة القرشي في ألفين، ففارقه، فأخذ طريقا سوى طريقهم، فلما أصبح ابن محمد قام فيهم فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
      أما بعد، فإني قد شهدتكم في هذه المواطن، وليس فيها مشهد إلا أصبر لكم فيه نفسي حتى لا يبقى منكم فيه أحد، فلما رأيت أنكم لا تقاتلون، ولا تصبرون، أتيت ملجأ ومأمنا فكنت فيه، فجاءتني كتبكم بأن أقبل إلينا، فإنا قد اجتمعنا وأمرنا واحد، لعلنا نقاتل عدونا، فأتيتكم فرأيت أن أمضي إلى خراسان وزعمتم انكم مجتمعون على، وأنكم لن تفرقوا عني ثم هذا عبيد الله بن عبد الرحمن قد صنع ما قد رأيتم، فحسبي منكم يومي هذا فاصنعوا ما بدا لكم، أما أنا فمنصرف إلى صاحبي الذي أتيتكم من قبله، فمن أحب منكم أن يتبعني فليتبعني، ومن كره ذلك فليذهب حيث أحب في عياذ من الله.
      فتفرقت منهم طائفة، ونزلت معه طائفة، وبقي عظم العسكر، فوثبوا إلى عبد الرحمن بن العباس لما انصرف عبد الرحمن، فبايعوه ثم مضى ابن محمد إلى رتبيل ومضوا هم إلى خراسان حتى انتهوا إلى هراة، فلقوا بها الرقاد الأزدي من العتيك، فقتلوه، وسار إليهم يزيد بن المهلب.
      وأما علي بن محمد المدائني فإنه ذكر عن المفضل بن محمد أن ابن الأشعث لما انهزم من مسكن مضى إلى كابل، وأن عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة أتى هراة، فذم ابن الأشعث وعابه بفراره، وأتى عبد الرحمن بن عباس سجستان فانضم إليه فل ابن الأشعث، فسار إلى خراسان في جمع يقال عشرين ألفا، فنزل هراة ولقوا الرقاد بن عبيد العتكي فقتلوه، وكان مع عبد الرحمن من عبد القيس عبد الرحمن بن المنذر بن الجارود، فأرسل إليه يزيد بن المهلب: قد كان لك في البلاد متسع، ومن هو أكل مني حدا وأهون شوكة، فارتحل الى بلد ليس فيه سلطان، فإني أكره قتالك، وإن أحببت أن أمدك بمال لسفرك أعنتك به، فأرسل إليه: ما نزلنا هذه البلاد لمحاربة ولا لمقام، ولكنا أردنا أن نريح، ثم نشخص إن شاء الله، وليست بنا حاجة إلى ما عرضت فانصرف رسول يزيد إليه، وأقبل الهاشمي على الجباية، وبلغ يزيد، فقال: من أراد أن يريح ثم يجتاز لم يجب الخراج، فقدم المفضل في أربعة آلاف- ويقال في ستة آلاف- ثم أتبعه في أربعة آلاف، ووزن يزيد نفسه بسلاحه، فكان أربعمائة رطل، فقال: ما أراني إلا قد ثقلت عن الحرب، أي فرس يحملني! ثم دعا بفرسه الكامل فركبه، واستخلف على مرو خاله جديع بن يزيد، وصير طريقه على مرو الروذ، فأتى قبر أبيه فأقام عنده ثلاثة أيام، وأعطى من معه مائة درهم مائة درهم، ثم أتى هراة فأرسل إلى الهاشمي: قد أرحت وأسمنت وجبيت، فلك ما جبيت، وان اردت زياده زدناك، فاخرج فو الله ما أحب أن أقاتلك قال: فأبى إلا القتال ومعه عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة، ودس الهاشمي إلى جند يزيد يمنيهم ويدعوهم إلى نفسه، فأخبر بعضهم يزيد، فقال: جل الأمر عن العتاب، أتغدى بهذا قبل أن يتعشى بي، فسار إليه حتى تدانى العسكران، وتأهبوا للقتال، وألقي ليزيد كرسي فقعد عليه، وولى الحرب أخاه المفضل، فأقبل رجل من أصحاب الهاشمي- يقال له خليد عينين من عبد القيس- على ظهر فرسه، فرفع صوته فقال:
      دعت يا يزيد بن المهلب دعوة ... لها جزع ثم استهلت عيونها
      ولو يسمع الداعي النداء أجابها ... بصم القنا والبيض تلقى جفونها
      وقد فر أشراف العراق وغادروا ... بها بقرا للحين جما قرونها
      وأراد أن يحض يزيد، فسكت يزيد طويلا حتى ظن الناس أن الشعر قد حركه، ثم قال لرجل: ناد وأسمعهم، جشموهم ذلك، فقال خليد:
      لبئس المنادي والمنوه باسمه ... تناديه أبكار العراق وعونها
      يزيد إذا يدعى ليوم حفيظة ... ولا يمنع السوآت إلا حصونها
      فإني أراه عن قليل بنفسه ... يدان كما قد كان قبل يدينها
      فلا حرة تبكيه لكن نوائح ... تبكي عليه البقع منها وجونها
      فقال يزيد للمفضل: قدم خيلك، فتقدم بها، وتهايجوا فلم يكن بينهم كبير قتال حتى تفرق الناس عن عبد الرحمن، وصبر وصبرت معه طائفة من أهل الحفاظ، وصبر معه العبديون، وحمل سعد بن نجد القردوسي على حليس الشيباني وهو أمام عبد الرحمن، فطعنه حليس فأذراه عن فرسه، وحماه أصحابه، وكثرهم الناس فانكشفوا، فأمر يزيد بالكف عن اتباعهم، وأخذوا ما كان في عسكرهم، وأسروا منهم أسرى، فولى يزيد عطاء بن أبي السائب العسكر، وأمره بضم ما كان فيه، فأصابوا ثلاث عشرة امرأة، فأتوا بهن يزيد، فدفعهن إلى مرة بن عطاء بن أبي السائب، فحملهن إلى الطبسين، ثم حملهن إلى العراق وقال يزيد لسعد بن نجد: من طعنك؟ قال: حليس الشيباني، وأنا والله راجلا أشد منه وهو فارس قال: فبلغ حليسا، فقال: كذب والله، لأنا أشد منه فارسا وراجلا وهرب عبد الرحمن بن منذر بن بشر بن حارثة فصار إلى موسى بن عبد الله بن خازم قال: فكان في الأسرى محمد بن سعد بن أبي وقاص، وعمرو بن موسى بن عبيد الله بن معمر، وعياش بن الأسود بن عوف الزهري والهلقام بن نعيم بن القعقاع بن معبد بن زراره، وفيروز حصين، وأبو العلج مولى عبيد الله بن معمر، ورجل من آل أبي عقيل، وسوار بن مروان، وعبد الرحمن بن طلحة بن عبد الله بن خلف، وعبد الله بن فضالة الزهراني.
      ولحق الهاشمى بالسند، وأتى ابن سمرة مرو، ثم انصرف يزيد إلى مرو وبعث بالأسرى إلى الحجاج مع سبرة بن نخف بن أبي صفرة، وخلى عن ابن طلحة وعبد الله بن فضالة، وسعى قوم بعبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة، فأخذه يزيد فحبسه.
      [في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك]

      وأما هشام فإنه ذكر أنه حدثه القاسم بن محمد الحضرمى، عن حفص ابن عمرو بن قبيصة، عن رجل من بني حنيفة يقال له جابر بن عمارة، أن يزيد بن المهلب حبس عنده عبد الرحمن بن طلحة وأمنه، وكان الطلحي قد آلى على يمين الا يرى يزيد بن المهلب في موقف إلا أتاه حتى يقبل يده شكرا لما أبلاه قال: وقال محمد بن سعد بن أبي وقاص ليزيد: أسألك بدعوة أبي لأبيك! فخلى سبيله ولقول محمد بن سعد ليزيد: أسألك بدعوة أبي لأبيك حديث فيه بعض الطول.
      قال هشام: حدثني أبو مخنف، قال: حدثني هشام بن أيوب بن عبد الرحمن بن أبي عقيل الثقفي، قال: بعث يزيد بن المهلب ببقية الأسرى إلى الحجاج بن يوسف، بعمر بن موسى بن عبيد الله بن معمر، فقال: أنت صاحب شرطه عبد الرحمن؟ فقال: أصلح الله الأمير! كانت فتنة شملت البر والفاجر، فدخلنا فيها، فقد أمكنك الله منا، فإن عفوت فبحلمك وفضلك، وإن عاقبت عاقبت ظلمة مذنبين، فقال الحجاج: أما قولك: انها شملت البر والفاجر فكذبت، ولكنها شملت الفجار، وعوفي منها الأبرار، وأما اعترافك بذنبك فعسى أن ينفعك. فعزل، ورجا الناس له العافية حتى قدم بالهلقام بن نعيم، فقال له الحجاج: أخبرني عنك، ما رجوت من اتباع عبد الرحمن بن محمد؟ أرجوت أن يكون خليفة؟ قال: نعم، رجوت ذلك، وطمعت أن ينزلني منزلتك من عبد الملك، قال: فغضب الحجاج وقال: اضربوا عنقه، فقتل.
      قال: ونظر الى عمر بن موسى بن عبيد الله بن معمر وقد نحي عنه فقال: اضربوا عنقه، وقتل بقيتهم وقد كان آمن عمرو بن أبي قرة الكندي ثم الحجري وهو شريف وله بيت قديم، فقال: يا عمرو، كنت تفضي إلي وتحدثني أنك ترغب عن ابن الأشعث وعن الأشعث قبله، ثم تبعت عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، والله ما بك عن اتباعهم رغبة، ولا نعمة عين لك ولا كرامة.
      قال: وقد كان الحجاج حين هزم الناس بالجماجم نادى مناديه: من لحق بقتيبة بن مسلم بالري فهو أمانه، فلحق ناس كثير بقتيبة، وكان فيمن لحق به عامر الشعبي، فذكر الحجاج الشعبي يوما فقال: أين هو؟ وما فعل؟ فقال له يزيد بن أبي مسلم: بلغني أيها الأمير أنه لحق بقتيبة بن مسلم بالري، قال: فابعث إليه فلنؤت به فكتب الحجاج إلى قتيبة: أما بعد، فابعث إلي بالشعبي حين تنظر في كتابي هذا، والسلام عليك، فسرح إليه.
      قال أبو مخنف: فحدثني السري بن إسماعيل عن الشعبي، قال: كنت لابن أبي مسلم صديقا، فلما قدم بي على الحجاج لقيت ابن أبي مسلم فقلت: أشر علي، قال: ما أدري ما أشير به عليك غير أن أعتذر ما استطعت من عذر! وأشار بمثل ذلك علي نصحائي وإخواني، فلما دخلت عليه رأيت والله غير ما رأوا لي، فسلمت عليه بالإمرة ثم قلت: أيها الأمير، إن الناس قد أمروني أن أعتذر إليك بغير ما يعلم الله أنه الحق، وايم الله لا أقول في هذا المقام إلا حقا، قد والله سودنا عليك، وحرضنا وجهدنا عليك كل الجهد، فما آلونا، فما كنا بالأقوياء الفجرة، ولا الأتقياء البررة، ولقد نصرك الله علينا، وأظفرك بنا، فإن سطوت فبذنوبنا وما جرت إليه أيدينا، وإن عفوت عنا فبحلمك، وبعد الحجة لك علينا، فقال له الحجاج: أنت والله أحب إلي قولا ممن يدخل علينا يقطر سيفه من دمائنا ثم يقول: ما فعلت ولا شهدت، قد أمنت عندنا يا شعبي، فانصرف. قال: فانصرفت. فلما مشيت قليلا قال: هلم يا شعبي، قال: فوجل لذلك قلبي، ثم ذكرت قوله: قد أمنت يا شعبي، فاطمأنت نفسي، قال: كيف وجدت الناس يا شعبي بعدنا؟ قال- وكان لي مكرما: فقلت: أصلح الله الأمير! اكتحلت والله بعدك السهر، واستوعرت الجناب، واستحلست الخوف، وفقدت صالح الإخوان، ولم أجد من الأمير خلفا. قال: انصرف يا شعبي، فانصرفت.
      [في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك]

      قال أبو مخنف: قال خالد بن قطن الحارثي: أتي الحجاج بالأعشى، أعشى همدان، فقال: إيه يا عدو الله! أنشدني قولك: بين الأشج وبين قيس، أنفذ بيتك، قال: بل أنشدك ما قلت لك، قال: بل أنشدني هذه، فأنشده:
      ابى الله الا ان يتمم نوره ... ويطفى نور الفاسقين فيخمدا
      ويظهر أهل الحق في كل موطن ... ويعدل وقع السيف من كان أصيدا
      وينزل ذلا بالعراق وأهله ... لما نقضوا العهد الوثيق المؤكد
      وما أحدثوا من بدعة وعظيمة ... من القول لم تصعد إلى الله مصعدا
      وما نكثوا من بيعة بعد بيعة ... إذا ضمنوها اليوم خاسوا بها غدا
      وجبنا حشاه ربهم في قلوبهم ... فما يقربون الناس إلا تهددا
      فلا صدق في قول ولا صبر عندهم ... ولكن فخرا فيهم وتزيدا
      فكيف رأيت الله فرق جمعهم ... ومزقهم عرض البلاد وشردا!
      فقتلاهم قتلى ضلال وفتنة ... وحيهم أمسى ذليلا مطردا
      ولما زحفنا لابن يوسف غدوة ... وأبرق منا العارضان وأرعدا
      قطعنا إليه الخندقين وإنما ... قطعنا وأفضينا إلى الموت مرصدا
      فكافحنا الحجاج دون صفوفنا ... كفاحا ولم يضرب لذلك موعدا
      بصف كأن البرق في حجراته ... إذا ما تجلى بيضه وتوقدا
      دلفنا إليه في صفوف كأنها ... جبال شرورى لو تعان فتنهدا
      فما لبث الحجاج أن سل سيفه ... علينا فولى جمعنا وتبددا
      وما زاحف الحجاج إلا رأيته ... معانا ملقى للفتوح معودا
      وإن ابن عباس لفي مرجحنة ... نشبهها قطعا من الليل أسودا
      فما شرعوا رمحا ولا جردوا له ... ألا ربما لاقى الجبان فجردا
      وكرت علينا خيل سفيان كره ... بفرسانها والسمهري مقصدا
      وسفيان يهديها كأن لواءه ... من الطعن سند بات بالصبغ مجسدا
      كهول ومرد من قضاعة حوله ... مساعير أبطال إذا النكس عردا
      إذا قال شدوا شدة حملوا معا ... فأنهل خرصان الرماح وأوردا
      جنود أمير المؤمنين وخيله ... وسلطانه أمسى عزيزا مؤيدا
      فيهني أمير المؤمنين ظهوره ... على أمة كانوا بغاة وحسدا
      نزوا يشتكون البغي من أمرائهم ... وكانوا هم أبغى البغاة وأعندا
      وجدنا بني مروان خير أئمة ... وافضل هذى الناس حلما وسوددا
      وخير قريش في قريش أرومة ... وأكرمهم إلا النبي محمدا
      إذا ما تدبرنا عواقب أمره ... وجدنا أمير المؤمنين مسددا
      سيغلب قوم غالبوا الله جهرة ... وإن كايدوه كان أقوى وأكيدا
      كذاك يضل الله من كان قلبه ... مريضا ومن والى النفاق وألحدا
      فقد تركوا الأهلين والمال خلفهم ... وبيضا عليهن الجلابيب خردا
      ينادينهم مستعبرات إليهم ... ويذرين دمعا في الخدود وإثمدا
      فإلا تناولهن منك برحمة ... يكن سبايا والبعولة أعبدا
      أنكثا وعصيانا وغدرا وذلة ... أهان الإله من أهان وأبعدا
      لقد شأم المصرين فرخ محمد ... يحق وما لاقى من الطير أسعدا
      كما شأم الله النجير وأهله ... بجد له قد كان أشقى وأنكدا
      فقال أهل الشام: أحسن، أصلح الله الأمير! فقال الحجاج: لا، لم يحسن، إنكم لا تدرون ما أراد بها، ثم قال: يا عدو الله، إنا لسنا نحمدك على هذا القول، إنما قلت: تأسف الا يكون ظهر وظفر، وتحريضا لأصحابك علينا، وليس عن هذا سألناك، أنفذ لنا قولك:
      بين الاشج وبين قيس باذخ.
      فأنفذها، فلما قال:
      بخ بخ لوالده وللمولود
      قال الحجاج: لا والله لا تبخبخ بعدها لأحد أبدا، فقدمه فضرب عنقه.
      [في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك]

      وقد ذكر من أمر هؤلاء الأسرى الذين أسرهم يزيد بن المهلب ووجههم إلى الحجاج ومن فلول ابن الأشعث الذين انهزموا يوم مسكن أمر غير ما ذكره أبو مخنف عن أصحابه والذي ذكر عنهم من ذلك أنه لما انهزم ابن الأشعث مضى هؤلاء مع سائر الفل إلى الري، وقد غلب عليها عمر بن ابى الصلت بن كنار مولى بني نصر بن معاوية، وكان من أفرس الناس، فانضموا إليه، فأقبل قتيبة بن مسلم إلى الري من قبل الحجاج وقد ولاه عليها. فقال النفر الذين ذكرت أن يزيد بن المهلب وجههم إلى الحجاج مقيدين وسائر فل ابن الأشعث الذين صاروا إلى الري لعمر بن أبي الصلت: نوليك أمرنا وتحارب بنا قتيبة، فشاور عمر أباه أبا الصلت، فقال له أبوه: والله يا بني ما كنت أبالي إذا سار هؤلاء تحت لوائك أن تقتل من غد فعقد لواءه، وسار فهزم وهزم أصحابه، وانكشفوا إلى سجستان، واجتمعت بها الفلول، وكتبوا إلى عبد الرحمن بن محمد وهو عند رتبيل، ثم كان من أمرهم وأمر يزيد بن المهلب ما قد ذكرت.
      وذكر أبو عبيدة أن يزيد لما أراد أن يوجه الأسرى إلى الحجاج قال له أخوه حبيب: بأي وجه تنظر إلى اليمانية وقد بعثت ابن طلحة! فقال يزيد:
      هو الحجاج، ولا يتعرض له! وقال: وطن نفسك على العزل، ولا ترسل به، فإن له عندنا بلاء، قال: وما بلاؤه؟ قال لزم المهلب في مسجد الجماعة بمائتي ألف، فأداها طلحة عنه فأطلقه، وأرسل بالباقين، فقال الفرزدق:
      وجد ابن طلحة يوم لاقى قومه ... قحطان يوم هراة خير المعشر
      وقيل: إن الحجاج لما أتي بهؤلاء الأسرى من عند يزيد بن المهلب قال لحاجبه: إذا دعوتك بسيدهم فأتني بفيروز، فأبرز سريره- وهو حينئذ بواسط القصب قبل أن تبنى مدينة واسط- ثم قال لحاجبه: جئني بسيدهم، فقال لفيروز: قم، فقال له الحجاج: أبا عثمان، ما أخرجك مع هؤلاء؟ فو الله ما لحمك من لحومهم، ولا ذمك من دمائهم! قال: فتنة عمت الناس، فكنا فيها، قال: اكتب لي أموالك، قال: ثم ماذا؟ قال: اكتبها أول، قال: ثم أنا آمن على دمي؟ قال: اكتبها، ثم أنظر، قال: اكتب يا غلام، ألف ألف ألفي ألف، فذكر مالا كثيرا، فقال الحجاج: أين هذه الأموال؟ قال: عندي، قال: فأدها، قال: وأنا آمن على دمي؟ قال: والله لتؤدينها ثم لأقتلنك، قال: والله لا تجمع مالي ودمي، فقال الحجاج للحاجب: نحه، فنحاه.
      ثم قال: ائتني بمحمد بن سعد بن أبي وقاص، فدعاه فقال له الحجاج: إيها يا ظل الشيطان أعظم الناس تيها وكبرا، تأبى بيعة يزيد بن معاوية، وتشبه بحسين وابن عمر، ثم صرت مؤذنا لابن كنارا عبد بني نصر- يعني عمر بن أبي الصلت- وجعل يضرب بعود في يده رأسه حتى أدماه، فقال له محمد: أيها الرجل، ملكت فأسجح! فكف يده، فقال: إن رأيت أن تكتب إلى أمير المؤمنين فإن جاءك عفو كنت شريكا في ذلك محمودا، وإن جاءك غير ذلك كنت قد أعذرت فأطرق مليا ثم قال: اضرب عنقه، فضربت عنقه.
      ثم دعا بعمر بن موسى فقال: يا عبد المرأة، أتقوم بالعمود على رأس ابن الحائك، وتشرب معه الشراب في حمام فارس، وتقول المقالة التي قلت! أين الفرزدق؟ قم فأنشده ما قلت فيه، فأنشده:
      وخضبت أيرك للزناء ولم تكن ... يوم الهياج لتخضب الأبطالا
      فقال: أما والله لقد رفعته عن عقائل نسائك، ثم أمر بضرب عنقه.
      ثم دعا ابن عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة، فإذا غلام حدث، فقال:
      أصلح الله الأمير! ما لي ذنب، إنما كنت غلاما صغيرا مع أبي وأمي لا أمر لي ولا نهي، وكنت معهما حيث كانا، فقال: وكانت أمك مع أبيك في هذه الفتن كلها؟ قال: نعم، قال: على أبيك لعنة الله.
      ثم دعا بالهلقام بن نعيم فقال: اجعل ابن الأشعث طلب ما طلب، ما الذي أملت أنت معه؟ قال: أملت أن يملك فيوليني العراق كما ولاك عبد الملك قال: قم يا حوشب فاضرب عنقه، فقام اليه، فقال له الهلقام: يا بن لقيطة، أتنكأ القرح! فضرب عنقه.
      ثم أتى بعبد الله بن عامر، فلما قام بين يديه قال: لا رأت عيناك يا حجاج الجنة إن أقلت ابن المهلب بما صنع قال: وما صنع؟ قال:
      لأنه كاس في إطلاق أسرته ... وقاد نحوك في أغلالها مضرا
      وقى بقومك ورد الموت أسرته ... وكان قومك أدنى عنده خطرا
      فأطرق الحجاج مليا ووقرت في قلبه، وقال: وما أنت وذاك! اضرب عنقه فضربت عنقه ولم تزل في نفس الحجاج حتى عزل يزيد عن خراسان وحبسه.
      ثم أمر بفيروز فعذب، فكان فيما عذب به أن كان يشد عليه القصب الفارسي المشقوق، ثم يجر عليه حتى يخرق جسده، ثم ينضح عليه الخل والملح، فلما أحس بالموت قال لصاحب العذاب: إن الناس لا يشكون أني قد قتلت، ولي ودائع وأموال عند الناس، لا تؤدى إليكم أبدا، فأظهروني للناس ليعلموا أني حي فيؤدوا المال فأعلم الحجاج، فقال: أظهروه، فأخرج إلى باب المدينة، فصاح في الناس: من عرفني فقد عرفني، ومن أنكرني فأنا فيروز حصين، إن لي عند أقوام مالا، فمن كان لي عنده شيء فهو له وهو منه في حل فلا يؤدين منه أحد درهما، ليبلغ الشاهد الغائب فأمر به الحجاج فقتل وكان ذلك مما روى الوليد بن هشام بن قحذم عن أبي بكر الهذلي.
      وذكر ضمره بن ربيعه، عن ابى شوذب، أن عمال الحجاج كتبوا إليه: أن الخراج قد انكسر، وأن أهل الذمة قد أسلموا ولحقوا بالأمصار، فكتب إلى البصرة وغيرها أن من كان له أصل في قرية فليخرج إليها. فخرج الناس فعسكروا، فجعلوا يبكون وينادون: يا محمداه يا محمداه! وجعلوا لا يدرون أين يذهبون! فجعل قراء أهل البصرة يخرجون إليهم متقنعين فيبكون لما يسمعون منهم ويرون قال: فقدم ابن الأشعث على تفيئة ذلك، واستبصر قراء أهل البصرة في قتال الحجاج مع عبد الرحمن ابن محمد بن الأشعث.
      وذكر عن ضمرة بن ربيعة عن الشيباني، قال: قتل الحجاج يوم الزاوية أحد عشر ألفا، ما استحيا منهم الا واحدا، كان ابنه في كتاب الحجاج، فقال له: أتحب أن نعفو لك عن أبيك؟ قال: نعم، فتركه لابنه، وإنما خدعهم بالأمان، أمر مناديا فنادى عند الهزيمة: ألا لا أمان لفلان ولا فلان، فسمى رجالا من أولئك الأشراف، ولم يقل: الناس آمنون، فقالت العامة: قد آمن الناس كلهم إلا هؤلاء النفر، فأقبلوا إلى حجرته فلما اجتمعوا أمرهم بوضع أسلحتهم، ثم قال: لآمرن بكم اليوم رجلا ليس بينكم وبينه قرابة، فأمر بهم عمارة بن تميم اللخمي فقربهم فقتلهم.
      وروي عن النضر بن شميل، عن هشام بن حسان، أنه قال: بلغ ما قتل الحجاج صبرا مائة وعشرين، أو مائة وثلاثين ألفا.
      وقد ذكر في هزيمة ابن الأشعث بمسكن قول غير الذي ذكره أبو مخنف، والذي ذكر من ذلك أن ابن الأشعث والحجاج اجتمعا بمسكن من أرض أبزقباذ، فكان عسكر ابن الأشعث على نهر يدعى خداش مؤخر النهر، نهر تيرى، ونزل الحجاج على نهر أفريذ والعسكران جميعا بين دجلة والسيب والكرخ، فاقتتلوا شهرا- وقيل: دون ذلك- ولم يكن الحجاج يعرف إليهم طريقا إلا الطريق الذي يلتقون فيه، فأتى بشيخ كان راعيا يدعى زورقا، فدله على طريق من وراء الكرخ طوله ستة فراسخ، في أجمة وضحضاح من الماء، فانتخب أربعة آلاف من جلة أهل الشام، وقال لقائدهم: ليكن هذا العلج أمامك، وهذه أربعة آلاف درهم معك، فإن أقامك على عسكرهم فادفع المال إليه، وإن كان كذبا فاضرب عنقه، فإن رأيتهم فاحمل عليهم فيمن معك، وليكن شعاركم: يا حجاج يا حجاج. فانطلق القائد صلاة العصر، والتقى عسكر الحجاج وعسكر ابن الأشعث حين فصل القائد بمن معه وذلك مع صلاة العصر، فاقتتلوا إلى الليل، فانكشف الحجاج حتى عبر السيب- وكان قد عقده- ودخل ابن الأشعث عسكره فانتهب ما فيه، فقيل له: لو اتبعته؟ فقال: قد تعبنا ونصبنا، فرجع إلى عسكره فألقى أصحابه السلاح، وباتوا آمنين في أنفسهم لهم الظفر وهجم القوم عليهم نصف الليل يصيحون بشعارهم، فجعل الرجل من أصحاب ابن الأشعث لا يدري أين يتوجه! دجيل عن يساره ودجلة أمامه، ولها جرف منكر، فكان من غرق أكثر ممن قتل.
      وسمع الحجاج الصوت فعبر السيب إلى عسكره، ثم وجه خيله إلى القوم فالتقى العسكران على عسكر ابن الأشعث، وانحاز في ثلاثمائة، فمضى على شاطئ دجلة حتى أتى دجيلا فعبره في السفن، وعقروا دوابهم، وانحدروا في السفن إلى البصرة، ودخل الحجاج عسكره فانتهب ما فيه، وجعل يقتل من وجد حتى قتل أربعة آلاف، فيقال: إن فيمن قتل عبد الله
      ابن شداد بن الهاد، وقتل فيهم بسطام بن مصقله بن هبيرة، وعمر ابن ضبيعة الرقاشي، وبشر بن المنذر بن الجارود والحكم بن مخرمة العبديين، وبكير بن ربيعة بن ثروان الضبي، فأتي الحجاج برءوسهم على ترس، فجعل ينظر إلى رأس بسطام ويتمثل:
      إذا مررت بوادي حية ذكر ... فاذهب ودعني أقاسي حية الوادي
      ثم نظر إلى رأس بكير، فقال: ما ألقى هذا الشقي مع هؤلاء خذ بأذنه يا غلام فألقه عنهم ثم قال: ضع هذا الترس بين يدي مسمع بن مالك ابن مسمع، فوضع بين يديه، فبكى، فقال له الحجاج: ما أبكاك؟ أحزنا عليهم؟ قال: بل جزعا لهم من النار

      ذكر خبر بناء مدينة واسط
      وفي هذه السنة: بنى الحجاج واسطا، وكان سبب بنائه ذلك- فيما ذكر- أن الحجاج ضرب البعث على أهل الكوفة إلى خراسان، فعسكروا بحمام عمر وكان فتى من أهل الكوفة من بني أسد حديث عهد بعرس بابنة عم له، انصرف من العسكر إلى ابنة عمه ليلا، فطرق الباب طارق ودقه دقا شديدا، فإذا سكران من أهل الشام، فقالت للرجل ابنة عمه: لقد لقينا من هذا الشامي شرا، يفعل بنا كل ليلة ما ترى، يريد المكروه، وقد شكوته إلى مشيخة أصحابه، وعرفوا ذلك، فقال: ائذنوا له، ففعلوا، فأغلق الباب، وقد كانت المرأة نجدت منزلها وطيبته، فقال الشامي: قد آن لكم، فاستقنأه الأسدي، فأندر رأسه، فلما أذن بالفجر خرج الرجل إلى العسكر وقال لامرأته: إذا صليت الفجر فابعثي إلى الشاميين أن أخرجوا صاحبكم، فسيأتون بك الحجاج، فاصدقيه الخبر على وجهه، ففعلت، ورفع القتيل إلى الحجاج، وأدخلت المرأة عليه وعنده عنبسة ابن سعيد على سريره، فقال لها: ما خطبك؟ فأخبرته، فقال: صدقتني.
      ثم قال لولاة الشامي: ادفنوا صاحبكم فإنه قتيل الله إلى النار، لا قود له ولا عقل، ثم نادى مناديه: لا ينزلن أحد على أحد، واخرجوا فعسكروا.
      وبعث روادا يرتادون له منزلا، وأمعن حتى نزل أطراف كسكر، فبينا هو في موضع واسط إذا راهب قد أقبل على حمار له وعبر دجلة، فلما كان في موضع واسط تفاجت الأتان فبالت، فنزل الراهب، فاحتفر ذلك البول، ثم احتمله فرمى به في دجلة، وذلك بعين الحجاج، فقال: علي به، فأتي به، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: نجد في كتبنا أنه يبنى في هذا الموضع مسجد يعبد الله فيه ما دام في الأرض أحد يوحده.
      فاختط الحجاج مدينة واسط، وبنى المسجد في ذلك الموضع.



      وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
      أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار

      تعليق


      • #33
        رد: صحيح وضعيف تاريخ الطبري حققه وخرج رواياته وعلق عليه محمد بن طاهر البرزنجي[ج9]

        ثم دخلت سنة أربع وثمانين
        ذكر ما كان فيها من الأحداث
        خبر قتل الحجاج أيوب بن القرية
        وفيها قتل الحجاج أيوب بن القرية، وكان ممن كان مع ابن الأشعث، وكان سبب قتله إياه- فيما ذكر- أنه كان يدخل حوشب بن يزيد بعد انصرافه من دير الجماجم- وحوشب على الكوفة عامل للحجاج- فيقول حوشب: انظروا إلى هذا الواقف معي، وغدا أو بعد غد يأتي كتاب من الأمير لا استطيع الا نفاذه، فبينا هو ذات يوم واقف إذ أتاه كتاب من الحجاج:
        أما بعد، فإنك قد صرت كهفا لمنافقي أهل العراق ومأوى، فإذا نظرت في كتابي هذا فابعث إلي بابن القرية مشدودة يده إلى عنقه، مع ثقة من قبلك.
        فلما قرأ حوشب الكتاب رمى به إليه، فقرأه فقال: سمعا وطاعة، فبعث به إلى الحجاج موثقا، فلما دخل الحجاج قال له: يا بن القرية، ما أعددت لهذا الموقف؟ قال: أصلح الله الأمير! ثلاثة حروف كأنهن ركب وقوف، دنيا، وآخرة، ومعروف قال: اخرج مما قلت، قال: أفعل، أما الدنيا فمال حاضر، يأكل منه البر والفاجر، وأما الآخرة فميزان عادل، ومشهد ليس فيه باطل، وأما المعروف فإن كان علي اعترفت، وإن كان لي اغترفت قال: أما لا فاعترف بالسيف إذا وقع بك قال: أصلح الله الأمير! أقلني عثرتي، واسغنى ريقي، فإنه ليس جواد إلا له كبوة، ولا شجاع إلا له هبوة قال الحجاج: كلا والله لأرينك جهنم، قال: فأرحني فإني أجد حرها، قال: قدمه يا حرسي فاضرب عنقه فلما نظر إليه الحجاج يتشحط في دمه قال: لو كنا تركنا ابن القرية حتى نسمع من كلامه! ثم أمر به فأخرج فرمي به.
        قال هشام: قال عوانة: حين منع الحجاج من الكلام ابن القرية، قال له ابن القرية: أما والله لو كنت أنا وأنت على السواء لسكنا جميعا، أولا لفيت منيعا


        فتح يزيد بن المهلب قلعة نيزك بباذغيس
        وفي هذه السنة فتح يزيد بن المهلب قلعة نيزك بباذغيس .
        ذكر سبب فتحه إياها:
        ذكر علي بن محمد، عن المفضل بن محمد، قال: كان نيزك ينزل بقلعة باذغيس، فتحين يزيد غزوه، ووضع عليه العيون، فبلغه خروجه، فخالفه يزيد إليها، وبلغ نيزك فرجع، فصالحه على أن يدفع إليه ما في القلعة من الخزائن، ويرتحل عنها بعياله، فقال كعب بن معدان الأشقري:
        وباذغيس التي من حل ذروتها ... عز الملوك فان شاء جار أو ظلما
        منيعة لم يكدها قبله ملك ... إلا إذا واجهت جيشا له وجما
        تخال نيرانها من بعد منظرها ... بعض النجوم إذا ما ليلها عتما
        لما أطاف بها ضاقت صدورهم ... حتى أقروا له بالحكم فاحتكما
        فذل ساكنها من بعد عزته ... يعطى الجزى عارفا بالذل مهتضما
        وبعد ذلك أياما نعددها ... وقبلها ما كشفت الكرب والظلما
        أعطاك ذاك ولي الرزق يقسمه ... بين الخلائق والمحروم من حرما
        يداك إحداهما تسقي العدو بها ... سما وأخرى نداها لم يزل ديما
        فهل كسيب يزيد أو كنائله ... إلا الفرات وإلا النيل حين طما
        ليسا بأجود منه حين مدهما ... إذ يعلوان حداب الأرض والأكما
        وقال:
        ثنائي على حي العتيك بأنها ... كرام مقاريها، كرام نصابها
        إذا عقدوا للجار حل بنجوة ... عزيز مراقيها، منيع هضابها
        نفى نيزكا عن باذغيس ونيزك ... بمنزله أعيا الملوك اغتصابها
        محلقة دون السماء كأنها ... غمامة صيف زل عنها سحابها
        ولا يبلغ الأروى شماريخها العلا ... ولا الطير إلا نسرها وعقابها
        وما خوفت بالذئب ولدان أهلها ... ولا نبحت إلا النجوم كلابها
        تمنيت أن ألقى العتيك ذوي النهي ... مسلطة تحمي بملك ركابها
        كما يتمنى صاحب الحرث أعطشت ... مزارعه غيثا غزيرا ربابها
        فأسقي بعد اليأس حتى تحيرت ... جداولها ريا وعب عبابها
        لقد جمع الله النوى وتشعبت ... شعوب من الآفاق شتى مآبها
        قال: وكان نيزك يعظم القلعة إذا رآها سجد لها وكتب يزيد بن المهلب إلى الحجاج بالفتح، وكانت كتب يزيد إلى الحجاج يكتبها يحيى بن يعمر العدواني، وكان حليفا لهذيل، فكتب: أنا لقينا العدو فمنحنا الله أكتافهم، فقتلنا طائفة، وأسرنا طائفة، ولحقت طائفة برءوس الجبال وعراعر الأودية، وأهضام الغيطان وأثناء الأنهار، فقال الحجاج: من يكتب ليزيد؟ فقيل: يحيى بن يعمر، فكتب إلى يزيد فحمله على البريد، فقدم عليه أفصح الناس، فقال له: أين ولدت؟ قال: بالأهواز، قال: فهذه الفصاحة؟ قال: حفظت كلام أبي وكان فصيحا قال: من هناك فأخبرني هل يلحن عنبسة بن سعيد؟ قال: نعم كثيرا، قال: ففلان؟ قال: نعم، قال: فأخبرني عنى االحن؟ قال: نعم تلحن لحنا خفيا، تزيد حرفا وتنقص حرفا، وتجعل أن في موضع إن، وإن في موضع أن .
        قال: قد أجلتك ثلاثا، فإن أجدك بعد ثلاث بأرض العراق قتلتك، فرجع إلى خراسان.
        [قلنا : والمفضل ثقة في التاريخ فقط كما يدل كلام الخطيب . وسبحان الله ما وجدنا راويا طعن فيه أهل الحديث بجرح مفسر إلا وفي بعض رواياته التاريخية غرابة إن لم تكن نكارة , والمفضل هنا ذكر في المتن غير ما عرف عن الحجاج من الفصاحة والبلاغة ، والله تعالى أعلم]



        وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
        أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار

        تعليق


        • #34
          رد: صحيح وضعيف تاريخ الطبري حققه وخرج رواياته وعلق عليه محمد بن طاهر البرزنجي[ج9]

          ثم دخلت سنة خمس وثمانين
          ذكر ما كان فيها من الاحداث
          خبر هلاك عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث
          ففيها كان هلاك عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث
          *ذكر السبب الذي به هلك، وكيف كان:
          ذكر هشام بن محمد، عن أبي مخنف، قال: لما انصرف ابن الأشعث من هراة راجعا إلى رتبيل كان معه رجل من أود يقال له علقمة بن عمرو، فقال له: ما أريد أن أدخل معك، فقال له عبد الرحمن: لم؟ قال: لأني أتخوف عليك وعلى من معك، والله لكأني بكتاب الحجاج قد جاء، فوقع إلى رتبيل يرغبه ويرهبه، فإذا هو قد بعث بك سلما أو قتلكم. ولكن هاهنا خمسمائة قد تبايعنا على أن ندخل مدينة فنتحصن فيها، ونقاتل حتى نعطي أمانا أو نموت كراما، فقال له عبد الرحمن: أما لو دخلت معي لآسيتك وأكرمتك، فأبى عليه علقمة، ودخل عبد الرحمن بن محمد إلى رتبيل وخرج هؤلاء الخمسمائة فبعثوا عليهم مودودا النضري، وأقاموا حتى قدم عليهم عمارة بن تميم اللخمي فحاصرهم، فقاتلوه وامتنعوا منه حتى آمنهم، فخرجوا إليه فوفي لهم.
          قال: وتتابعت كتب الحجاج إلى رتبيل في عبد الرحمن بن محمد أن ابعث به إلي، وإلا فو الذى لا إله إلا هو لأوطئن أرضك ألف ألف مقاتل.
          وكان عند رتبيل رجل من بني تميم ثم من بني يربوع يقال له عبيد بن أبي سبيع، فقال لرتبيل: أنا آخذ لك من الحجاج عهدا ليكفن الخراج عن أرضك سبع سنين على أن تدفع إليه عبد الرحمن بن محمد، قال رتبيل لعبيد: فإن فعلت فإن لك عندي ما سألت.
          فكتب إلى الحجاج يخبره أن رتبيل لا يعصيه، وأنه لن يدع رتبيل حتى يبعث إليه بعبد الرحمن بن محمد، فأعطاه الحجاج على ذلك مالا وأخذ من رتبيل عليه مالا، وبعث رتبيل برأس عبد الرحمن بن محمد إلى الحجاج، وترك له الصلح الذي كان يأخذه منه سبع سنين وكان الحجاج يقول: بعث إلى رتبيل بعدو الله فألقى نفسه من فوق إجار فمات.
          [في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك]

          قال أبو مخنف: وحدثني سليمان بن أبي راشد أنه سمع مليكة ابنة يزيد تقول: والله لمات عبد الرحمن وإن رأسه لعلى فخذي، كان السل قد أصابه فلما مات وأرادوا دفنه بعث إليه رتبيل فحز رأسه، فبعث به إلى الحجاج، وأخذ ثمانية عشر رجلا من آل الأشعث فحبسهم عنده، وترك جميع من كان معه من أصحابه وكتب إلى الحجاج بأخذه الثمانية عشر رجلا من أهل بيت عبد الرحمن، فكتب إليه: أن اضرب رقابهم، وابعث إلي برءوسهم وكره أن يؤتى بهم إليه أحياء فيطلب فيهم إلى عبد الملك، فيترك منهم أحدا.
          [في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك]

          وقد قيل في امر بن أبي سبيع وابن الأشعث غير ما ذكرت عن أبي مخنف، وذلك ما ذكر عن أبي عبيدة معمر بن المثنى أنه كان يقول: زعم أن عمارة بن تميم خرج من كرمان فأتى سجستان وعليها رجل من بني العنبر يدعى مودودا، فحصره ثم آمنه، ثم استولى على سجستان، وأرسل إلى رتبيل وكتب إليه الحجاج: أما بعد، فإني قد بعثت إليك عمارة بن تميم في ثلاثين ألفا من أهل الشام لم يخالفوا طاعة، ولم يخلعوا خليفة، ولم يتبعوا إمام ضلالة يجرى على كل رجل منهم في كل شهر مائة درهم، يستطعمون الحرب استطعاما، يطلبون ابن الأشعث فأبى رتبيل أن يسلمه وكان مع ابن الأشعث عبيد بن أبي سبيع التميمي قد خص به، وكان رسوله إلى رتبيل، فخص برتبيل أيضا، وخف عليه فقال القاسم ابن محمد بن الأشعث لأخيه عبد الرحمن: إني لا آمن غدر التميمي، فاقتله، فهم به، وبلغ ابن أبي سبيع، فخافه فوشى به إلى رتبيل، وخوفه الحجاج، ودعاه إلى الغدر بابن الأشعث فأجابه، فخرج سرا إلى عمارة بن تميم، فاستعجل في ابن الأشعث، فجعل له ألف ألف، فأقام عنده، وكتب بذلك عمارة إلى الحجاج، فكتب إليه أن أعط عبيدا ورتبيل ما سالاك واشترط، فاشترط رتبيل الا تغزى بلاده عشر سنين، وأن يؤدي بعد العشر سنين في كل سنه تسعمائة ألف، فأعطى رتبيل وعبيدا ما سألا، وأرسل رتبيل إلى ابن الأشعث فأحضره وثلاثين من أهل بيته، وقد أعد لهم الجوامع والقيود، فألقى في عنقه جامعة، وفي عنق القاسم جامعة، وأرسل بهم جميعا إلى أدنى مسالح عمارة منه، وقال لجماعة من كان مع ابن الأشعث من الناس: تفرقوا إلى حيث شئتم، ولما قرب ابن الأشعث من عمارة ألقى نفسه من فوق قصر فمات، فاحتز رأسه، فأتى به وبالأسرى عمارة، فضرب أعناقهم، وأرسل برأس ابن الأشعث وبرءوس أهله وبامرأته إلى الحجاج، فقال في ذلك بعض الشعراء:
          هيهات موضع جثة من رأسها ... رأس بمصر وجثة بالرخج
          وكان الحجاج أرسل به إلى عبد الملك، فأرسل به عبد الملك إلى عبد العزيز وهو يومئذ على مصر.
          وذكر عمر بن شبة أن ابن عائشة حدثه قال: أخبرني سعد بن عبيد الله قال: لما أتي عبد الملك برأس ابن الأشعث أرسل به مع خصي إلى امرأة منهم كانت تحت رجل من قريش، فلما وضع بين يديها قالت: مرحبا بزائر لا يتكلم، ملك من الملوك طلب ما هو أهله فأبت المقادير فذهب الخصي يأخذ الرأس فاجتذبته من يده، قالت: لا والله حتى أبلغ حاجتي، ثم دعت بخطمي فغسلته وغلفته ثم قالت: شأنك به الآن. فأخذه، ثم أخبر عبد الملك، فلما دخل عليه زوجها، قال: إن استطعت أن تصيب منها سخلة.
          وذكر أن ابن الأشعث نظر إلى رجل من أصحابه وهو هارب إلى بلاد رتبيل فتمثل:
          يطرده الخوف فهو تائه ... كذاك من يكره حر الجلاد
          منخرق الخفين يشكو الوجا ... تنكبه أطراف مرو حداد
          قد كان في الموت له راحة ... والموت حتم في رقاب العباد
          فالتفت إليه فقال: يا لحية، هلا ثبت في موطن من المواطن فنموت بين يديك، فكان خيرا لك مما صرت إليه!
          قال هشام: قال أبو مخنف: خرج الحجاج في أيامه تلك يسير ومعه حميد الأرقط وهو يقول:
          ما زال يبني خندقا ويهدمه ... عن عسكر يقوده فيسلمه
          حتى يصير في يديك مقسمه ... هيهات من مصفه منهزمه
          إن أخا الكظاظ من لا يسأمه.
          فقال الحجاج: هذا أصدق من قول الفاسق أعشى همدان:
          نبئت أن بني يوسف ... خر من زلق فتبا
          قد تبين له من زلق وتب ودحض فانكب، وخاف وخاب، وشك وارتاب، ورفع صوته فما بقي أحد إلا فزع لغضبه، وسكت الأريقط، فقال له الحجاج: عد فيما كنت فيه، ما لك يا أرقط! قال: إني جعلت فداك أيها الأمير وسلطان الله عزيز، ما هو إلا أن رأيتك غضبت فأرعدت خصائلي، واحزألت مفاصلي، وأظلم بصري، ودارت بي الأرض قال له الحجاج: أجل، إن سلطان الله عزيز، عد فيما كنت فيه، ففعل وقال الحجاج وهو ذات يوم يسير ومعه زياد بن جرير بن عبد الله البجلي وهو أعور، فقال الحجاج للأريقط: كيف قلت لابن سمرة؟ قال: قلت:
          يا أعور العين فديت العورا ... كنت حسبت الخندق المحفورا
          يرد عنك القدر المقدورا ... ودائرات السوء أن تدورا
          وقد قيل: إن مهلك عبد الرحمن بن محمد كان في سنة أربع وثمانين.
          [في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك]

          عزل يزيد بن المهلب عن خراسان
          وفي هذه السنة عزل الحجاج بن يوسف يزيد بن المهلب عن خراسان وولاها المفضل بن المهلب أخا يزيد.
          ذكر السبب الذي من أجله عزله الحجاج عن خراسان واستعمل المفضل:
          ذكر علي بن محمد، عن المفضل بن محمد، أن الحجاج وفد إلى عبد الملك، فمر في منصرفه بدير فنزله، فقيل له: إن في هذا الدير شيخا من أهل الكتب عالما، فدعا به فقال: يا شيخ، هل تجدون في كتبكم ما أنتم فيه ونحن؟ قال: نعم، نجد ما مضى من أمركم وما أنتم فيه وما هو كائن، قال: أفمسمى أم موصوفا؟ قال: كل ذلك، موصوف بغير اسم، واسم بغير صفة، قال: فما تجدون صفة أمير المؤمنين؟ قال: نجده في زماننا الذي نحن فيه، ملك أقرع، من يقم لسبيله يصرع، قال: ثم من؟ قال: اسم رجل يقال له الوليد، قال: ثم ماذا؟ قال: رجل اسمه اسم نبي يفتح به على الناس، قال: أفتعرفني؟ قال: قد أخبرت بك.
          قال: أفتعلم ما ألي؟ قال: نعم، قال: فمن يليه بعدي؟ قال: رجل يقال له يزيد، قال: في حياتي أم بعد موتي؟ قال: لا أدري، قال: أفتعرف صفته؟ قال: يغدر غدرة، لا أعرف غير هذا
          قال: فوقع في نفسه يزيد بن المهلب، وارتحل فسار سبعا وهو وجل من قول الشيخ، وقدم فكتب إلى عبد الملك يستعفيه من العراق، فكتب اليه: يا بن أم الحجاج، قد علمت الذي تغزو، وأنك تريد أن تعلم رأيي فيك، ولعمري إني لأرى مكان نافع بن علقمة، فاله عن هذا حتى يأتي الله بما هو آت، فقال الفرزدق يذكر مسيره:
          لو أن طيرا كلفت مثل سيره ... إلى واسط من إيلياء لملت
          سرى بالمهاري من فلسطين بعد ما ... دنا الليل من شمس النهار فولت
          فما عاد ذاك اليوم حتى أناخها ... بميسان قد ملت سراها وكلت
          كأن قطاميا على الرحل طاويا ... إذا غمرة الظلماء عنه تجلت
          قال فبينا الحجاج يوما خال إذ دعا عبيد بن موهب، فدخل وهو ينكت في الأرض، فرفع رأسه فقال: ويحك يا عبيد! إن أهل الكتب يذكرون أن ما تحت يدي يليه رجل يقال له يزيد، وقد تذكرت يزيد بن أبي كبشة، ويزيد بن حصين بن نمير، ويزيد بن دينار، فليسوا هناك، وما هو إن كان إلا يزيد بن المهلب، فقال عبيد: لقد شرفتهم وأعظمت ولايتهم، وإن لهم لعددا وجلدا، وطاعة وحظا، فأخلق به، فأجمع على عزل يزيد فلم يجد له شيئا حتى قدم الخيار بن أبي سبرة بن ذؤيب بن عرفجة بن محمد بن سفيان بن مجاشع- وكان من فرسان المهلب- وكان مع يزيد- فقال له الحجاج: أخبرني عن يزيد، قال: حسن الطاعة، لين السيرة، قال: كذبت، أصدقني عنه، قال: الله أجل وأعظم، قد أسرج ولم يلجم، قال: صدقت، واستعمل الخيار على عمان بعد ذلك.
          قال: ثم كتب إلى عبد الملك يذم يزيد وآل المهلب بالزبيرية، فكتب إليه عبد الملك: إني لا أرى نقصا بآل المهلب طاعتهم لآل الزبير، بل أراه وفاء منهم لهم، وإن وفاءهم لهم يدعوهم إلى الوفاء لي فكتب إليه الحجاج يخوفه غدرهم لما أخبره به الشيخ فكتب إليه عبد الملك: قد أكثرت في يزيد وآل المهلب، فسم لي رجلا يصلح لخراسان، فسمى له مجاعة بن سعر السعدي، فكتب إليه عبد الملك: إن رأيك الذي دعاك إلى استفساد آل المهلب هو الذي دعاك إلى مجاعة بن سعر، فانظر لي رجلا صارما، ماضيا لأمرك، فسمى قتيبة بن مسلم، فكتب إليه: وله وبلغ يزيد ان الحجاج نزله، فقال لأهل بيته: من ترون الحجاج يولي خراسان؟ قالوا: رجلا من ثقيف، قال: كلا، ولكنه يكتب إلى رجل منكم بعهده، فإذا قدمت عليه عزله وولى رجلا من قيس، وأخلق بقتيبة! قال: فلما أذن عبد الملك للحجاج في عزل يزيد كره أن يكتب إليه بعزله، فكتب إليه أن استخلف المفضل وأقبل فاستشار يزيد حضين بن المنذر، فقال له: أقم واعتل، فإن أمير المؤمنين حسن الرأي فيك، وإنما أتيت من الحجاج، فإن أقمت ولم تعجل رجوت أن يكتب إليه أن يقر يزيد، قال: إنا أهل بيت بورك لنا في الطاعة، وأنا أكره المعصية والخلاف، فأخذ في الجهاز، وأبطأ ذلك على الحجاج، فكتب إلى المفضل: إني قد وليتك خراسان، فجعل المفضل يستحث يزيد، فقال له يزيد: إن الحجاج لا يقرك بعدي، وإنما دعاه إلى ما صنع مخافة أن أمتنع عليه، قال: بل حسدتني، قال يزيد: يا بن بهلة، أنا أحسدك! ستعلم وخرج يزيد في ربيع الآخر سنة خمس وثمانين.
          فعزل الحجاج المفضل، فقال الشاعر للمفضل وعبد الملك وهو اخوه لامه:
          يا بنى بهلة إنما أخزاكما ... ربي غداة غدا الهمام الأزهر
          أحفرتم لأخيكم فوقعتم ... في قعر مظلمة أخوها المعور
          جودوا بتوبة مخلصين فإنما ... يأبى ويأنف أن يتوب الأخسر
          وقال حضين ليزيد:
          أمرتك أمرا حازما فعصيتني ... فأصبحت مسلوب الإمارة نادما
          فما أنا بالباكي عليك صبابة ... وما أنا بالداعي لترجع سالما
          فلما قدم قتيبة خراسان قال لحضين: كيف قلت ليزيد؟ قال: قلت:
          أمرتك أمرا حازما فعصيتني ... فنفسك أول اللوم إن كنت لائما
          فإن يبلغ الحجاج أن قد عصيته ... فإنك تلقى أمره متفاقما
          قال: فماذا أمرته به فعصاك؟ قال: أمرته الا يدع صفراء ولا بيضاء إلا حملها إلى الأمير، فقال رجل لعياض بن حضين: أما أبوك فوجده قتيبة حين فره قارحا بقوله: " أمرته أن لا يدع صفراء ولا بيضاء إلا حملها إلى الأمير".
          قال علي: وحدثنا كليب بن خلف، قال: كتب الحجاج إلى يزيد أن اغز خوارزم، فكتب إليه: أيها الأمير، إنها قليلة السلب، شديدة الكلب فكتب إليه الحجاج: استخلف واقدم، فكتب إليه: إني أريد أن أغزو خوارزم فكتب إليه: لا تغزها فإنها كما وصفت، فغزا ولم يطعه، فصالحه أهل خوارزم، وأصاب سبيا مما صالحوه، وقفل في الشتاء، فاشتد عليهم البرد، فأخذ الناس ثياب الأسرى فلبسوها، فمات ذلك السبي من البرد قال: ونزل يزيد بلستانة، وأصاب أهل مرو الروذ طاعون ذلك العام، فكتب إليه الحجاج: أن أقدم فقدم، فلم يمر ببلد إلا فرشوا له الرياحين وكان يزيد ولي سنة اثنتين وثمانين، وعزل سنة خمس وثمانين، وخرج من خراسان في ربيع الآخر سنة خمس وثمانين، وولي قتيبة.
          وأما هشام بن محمد، فإنه ذكر عن أبي مخنف في عزل الحجاج يزيد عن خراسان سببا غير الذي ذكره علي بن محمد، والذي ذكر من ذلك عن أبي مخنف أن أبا المخارق الراسبي وغيره حدثوه أن الحجاج لم يكن له حين فرغ من عبد الرحمن بن محمد هم إلا يزيد بن المهلب وأهل بيته- وقد كان الحجاج أذل أهل العراق كلهم إلا يزيد وأهل بيته ومن معهم من أهل المصرين بخراسان، ولم يكن يتخوف بعد عبد الرحمن بن محمد بالعراق غير يزيد بن المهلب- فاخذ الحجاج في مواربه يزيد ليستخرجه من خراسان، فكان يبعث إليه ليأتيه، فيعتل عليه بالعدو وحرب خراسان، فمكث بذلك حتى كان آخر سلطان عبد الملك ثم إن الحجاج كتب إلى عبد الملك يشير عليه بعزل يزيد بن المهلب، ويخبره بطاعة آل المهلب لابن الزبير، وأنه لا وفاء لهم، فكتب إليه عبد الملك: أني لا أرى تقصيرا بولد المهلب طاعتهم لآل الزبير ووفاءهم لهم، فإن طاعتهم ووفاءهم لهم، هو دعاهم إلى طاعتي والوفاء لي .
          ثم ذكر بقية الخبر نحو الذي ذكره علي بن محمد.

          خبر مقتل موسى بن عبد الله بن خازم بالترمذ
          وفي هذه السنة قتل موسى بن عبد الله بن خازم السلمي بالترمذ.
          *ذكر سبب قتله ومصيره إلى الترمذ حتى قتل بها:
          ذكر أن سبب مصيره إلى الترمذ كان أن أباه عبد الله بن خازم لما قتل من قتل من بني تميم بفرتنا- وقد مضى ذكرى خبر قتله إياهم- تفرق عنه عظم من كان بقي معه منهم، فخرج إلى نيسابور وخاف بني تميم على ثقله بمرو، فقال لابنه موسى: حول ثقلي عن مرو، واقطع نهر بلخ حتى تلجأ إلى بعض الملوك أو إلى حصن تقيم فيه فشخص موسى من مرو في عشرين ومائتي فارس، فأتى آمل وقد ضوى إليه قوم من الصعاليك، فصار في أربعمائة، وانضم إليه رجال من بني سليم، منهم زرعة بن علقمة، فأتى زم فقاتلوه، فظفر بهم وأصاب مالا، وقطع النهر، فأتى بخارى فسأل صاحبها أن يلجأ إليه، فأبى وخافه، وقال: رجل فاتك، وأصحابه مثله أصحاب حرب وشر، فلا آمنه وبعث إليه بصلة عين ودواب وكسوة، ونزل على عظيم من عظماء أهل بخارى في نوقان، فقال له: إنه لا خير في المقام في هذه البلاد، وقد هابك القوم وهم لا يأمنونك فأقام عند دهقان نوقان أشهرا، ثم خرج يلتمس ملكا يلجأ إليه أو حصنا، فلم يأت بلدا إلا كرهوا مقامه فيهم، وسألوه أن يخرج عنهم.
          قال علي بن محمد: فأتى سمرقند فأقام بها، وأكرمه طرخون ملكها، وأذن له في المقام، فأقام ما شاء الله، ولأهل الصغد مائدة يوضع عليها لحم ودك وخبز وإبريق شراب، وذلك في كل عام يوما، يجعل ذلك لفارس الصغد فلا يقربه أحد غيره، هو طعامه في ذلك اليوم، فإن أكل منه أحد غيره بارزه فأيهما قتل صاحبه فالمائدة له، فقال رجل من أصحاب موسى:
          ما هذه المائدة؟ فأخبر عنها، فسكت، فقال صاحب موسى: لآكلن ما على هذه المائدة، ولأبارزن فارس الصغد، فإن قتلته كنت فارسهم فجلس فأكل ما عليها، وقيل لصاحب المائدة، فجاء مغضبا، فقال: يا عربي، بارزني، قال: نعم، وهل أريد إلا المبارزة! فبارزه فقتله صاحب موسى، فقال ملك الصغد: أنزلتكم وأكرمتكم فقتلتم فارس الصغد! لولا أني أعطيتك وأصحابك الأمان لقتلتكم اخرجوا عن بلدي، ووصله .
          فخرج موسى فأتى كس فكتب صاحب كس إلى طرخون يستنصره، فأتاه، فخرج إليه موسى في سبعمائة فقاتلهم حتى امسوا، وتحاجزوا باصحاب موسى جراح كثيرة، فلما أصبحوا أمرهم موسى فحلقوا رءوسهم كما يصنع الخوارج، وقطعوا صفنات أخبيتهم كما يصنع العجم إذا استماتوا.
          وقال موسى لزرعة بن علقمة: انطلق إلى طرخون فاحتل له فأتاه، فقال له طرخون: لم صنع أصحابك ما صنعوا؟ قال: استقتلوا فما حاجتك إلى أن تقتل أيها الملك موسى وتقتل! فإنك لا تصل إليه حتى يقتل مثل عدتهم منكم، ولو قتلته وإياهم جميعا ما نلت حظا، لأن له قدرا في العرب، فلا يلي أحد خراسان إلا طالبك بدمه، فإن سلمت من واحد لم تسلم من آخر، قال: ليس إلى ترك كس في يده سبيل، قال: فكف عنه حتى يرتحل، فكف وأتى موسى الترمذ وبها حصن يشرف على النهر إلى جانب منه، فنزل موسى على بعض دهاقين الترمذ خارجا من الحصن والدهقان مجانب لترمذ شاه، فقال لموسى: إن صاحب الترمذ متكرم شديد الحياء، فإن ألطفته وأهديت إليه أدخلك حصنه، فإنه ضعيف، قال: كلا، ولكني أسأله أن يدخلني حصنه، فسأله فأبى، فما كره موسى وأهدى له وألطفه، حتى لطف الذي بينهما، وخرج فتصيد معه، وكثر إلطاف موسى له، فصنع صاحب الترمذ طعاما وأرسل إليه: أني أحب اكرمك، فتغد عندي، وائتني في مائة من أصحابك فانتخب موسى من أصحابه مائة، فدخلوا على خيولهم، فلما صارت في المدينة تصاهلت، فتطير أهل الترمذ وقالوا لهم: انزلوا، فنزلوا، فأدخلوا بيتا، خمسين في خمسين، وغدوهم.
          فلما فرغوا من الغداء اضطجع موسى، فقالوا له: اخرج، قال:
          لا أصيب منزلا مثل هذا، فلست بخارج منه حتى يكون بيتي أو قبري.
          وقاتلوهم في المدينة، فقتل من أهل الترمذ عدة، وهرب الآخرون فدخلوا منازلهم، وغلب موسى على المدينة، وقال لترمذ شاه: اخرج، فإني لست أعرض لك ولا لأحد من أصحابك فخرج الملك وأهل المدينة فأتوا الترك يستنصرونهم، فقالوا: دخل إليكم مائة رجل فاخرجوكم عن بلادكم، وقد قاتلناهم بكس، نحن لا نقاتل هؤلاء فأقام ابن خازم بالترمذ، ودخل اليه اصحابه، وكانوا سبعمائة، فأقام، فلما قتل أبوه انضم إليه من اصحاب ابيه أربعمائة فارس، فقوي، فكان يخرج فيغير على من حوله قال: فأرسل الترك قوما إلى أصحاب موسى ليعلموا علمه، فلما قدموا قال موسى لأصحابه: لا بد من مكيدة لهؤلاء- قال: وذلك في أشد الحر- فأمر بنار فأججت، وأمر أصحابه فلبسوا ثياب الشتاء، ولبسوا فوقها لبودا، ومدوا أيديهم إلى النار كأنهم يصطلون وأذن موسى للترك فدخلوا، ففزعوا مما رأوا، وقالوا: لم صنعتم هذا؟ قالوا: نجد البرد في هذا الوقت، ونجد الحر في الشتاء، فرجعوا وقالوا: جن لا نقاتلهم قال: وأراد صاحب الترك أن يغزو موسى، فوجه إليه رسلا، وبعث بسم ونشاب في مسك، وإنما أراد بالسم أن حربهم شديدة، والنشاب الحرب، والمسك السلم، فاختر الحرب او السلم، فاخرق السم، وكسر النشاب، ونثر المسك، فقال القوم: لم يريدوا الصلح، وأخبر أن حربهم مثل النار، وأنه يكسرنا، فلم يغزهم.
          قال: فولي بكير بن وشاح خراسان فلم يعرض له، ولم يوجه إليه أحدا، ثم قدم أمية فسار بنفسه يريده، فخالفه بكير، وخلع، فرجع إلى مرو، فلما صالح أمية بكيرا أقام عامه ذلك، فلما كان في قابل وجه إلى موسى رجلا من خزاعة في جمع كثير، فعاد أهل الترمذ إلى الترك فاستنصروهم فأبوا، فقالوا لهم: قد غزاهم قوم منهم وحصروهم، فإن أعناهم عليهم ظفرنا بهم فسارت الترك مع أهل الترمذ في جمع كثير، فأطاف بموسى الترك والخزاعي، فكان يقاتل الخزاعي أول النهار والترك آخر النهار، فقاتلهم شهرين أو ثلاثة، فقال موسى لعمرو بن خالد بن حصين الكلابي- وكان فارسا: قد طال أمرنا وأمر هؤلاء، وقد أجمعت أن أبيت عسكر الخزاعي، فإنهم للبيات آمنون، فما ترى؟ قال: البيات نعما هو، وليكن ذلك بالعجم، فإن العرب أشد حذرا، وأسرع فزعا، وأجرأ على الليل من العجم، فبيتهم فإني أرجو أن ينصرنا الله عليهم، ثم ننفرد لقتال الخزاعي فنحن في حصن وهم بالعراء، وليسوا باولى بالصبر، ولا أعلم بالحرب منا قال: فأجمع موسى على بيات الترك، فلما ذهب من الليل ثلثه خرج في أربعمائة، وقال لعمرو بن خالد: اخرجوا بعدنا وكونوا منا قريبا، فإذا سمعتم تكبيرنا فكبروا، وأخذ على شاطئ النهر حتى ارتفع فوق العسكر، ثم أخذ من ناحية كفتان، فلما قرب من عسكرهم جعل أصحابه أرباعا، ثم قال: أطيفوا بعسكرهم، فإذا سمعتم تكبيرنا فكبروا، وأقبل وقدم عمرا بين يديه ومشوا خلفه، فلما رأته أصحاب الأرصاد قالوا: من أنتم؟ قالوا: عابري سبيل.
          قال: فلما جازوا الرصد تفرقوا وأطافوا بالعسكر وكبروا، فلم يشعر الترك إلا بوقع السيوف، فثاروا يقتل بعضهم بعضا وولوا، وأصيب من المسلمين ستة عشر رجلا، وحووا عسكرهم وأصابوا سلاحا ومالا، وأصبح الخزاعي وأصحابه قد كسرهم ذلك، وخافوا مثلها من البيات، فتحذروا. فقال لموسى عمرو بن خالد: إنك لا تظفر إلا بمكيدة ولهم أمداد وهم يكثرون، فدعني آتهم لعلي أصيب من صاحبهم فرصة، إني إن خلوت به قتلته، فتناولني بضرب، قال: تتعجل الضرب وتتعرض للقتل! قال: أما التعرض للقتل فأنا كل يوم متعرض له، وأما الضرب فما أيسره في جنب ما أريد فتناوله بضرب، ضربه خمسين سوطا، فخرج من عسكر موسى فأتى عسكر الخزاعي مستأمنا وقال: أنا رجل من أهل اليمن كنت مع عبد الله بن خازم، فلما قتل أتيت ابنه فلم أزل معه، وكنت أول من أتاه، فلما قدمت اتهمني، وتعصب علي، وتنكر لي وقال لي: قد تعصبت لعدونا، فأنت عين له، فضربني، ولم آمن القتل، وقلت: ليس بعد الضرب إلا القتل، فهربت منه، فآمنه الخزاعي وأقام معه .
          قال: فدخل يوما وهو خال ولم ير عنده سلاحا، فقال كأنه ينصح له: أصلحك الله! إن مثلك في مثل حالك لا ينبغي أن يكون في حال من أحواله بغير سلاح، فقال: إن معي سلاحا، فرفع صدر فراشه فإذا سيف منتضى، فتناوله عمرو فضربه فقتله، وخرج فركب فرسه، ونذروا به بعد ما أمعن، فطلبوه ففاتهم، فأتى موسى وتفرق ذلك الجيش، فقطع بعضهم النهر، وأتى بعضهم موسى مستأمنا، فآمنه، فلم يوجه إليه أمية أحدا .
          قال: وعزل أمية، وقدم المهلب أميرا، فلم يعرض لابن خازم، وقال لبنيه: إياكم وموسى، فإنكم لا تزالون ولاة هذا الثغر ما أقام هذا الثط بمكانه، فإن قتل كان أول طالع عليكم أميرا على خراسان رجل من قيس فمات المهلب ولم يوجه إليه أحدا، ثم تولى يزيد بن المهلب فلم يعرض له وكان المهلب ضرب حريث بن قطبة الخزاعي، فخرج هو وأخوه ثابت إلى موسى، فلما ولي يزيد بن المهلب أخذ أموالهما وحرمهما وقتل أخاهما لأمهما، الحارث بن منقذ، وقتل صهرا لهما كانت عنده أم حفص ابنة ثابت، فبلغهما ما صنع يزيد قال: فخرج ثابت إلى طرخون فشكا إليه ما صنع به- وكان ثابت محببا في العجم، بعيد الصوت، يعظمونه ويثقون به، فكان الرجل منهم إذا أعطى عهدا يريد الوفاء به حلف بحياة ثابت فلا يغدر- فغضب له طرخون وجمع له نيزك والسبل وأهل بخارى والصغانيان، فقدموا مع ثابت إلى موسى بن عبد الله، وقد سقط إلى موسى فل عبد الرحمن بن العباس من هراة، وفل ابن الأشعث من العراق ومن ناحية كابل، وقوم من بني تميم ممن كان يقاتل ابن خازم في الفتنة من أهل خراسان، فاجتمع إلى موسى ثمانية آلاف من تميم وقيس وربيعة واليمن، فقال له ثابت وحريث: سر تقطع النهر فتخرج يزيد بن المهلب عن خراسان، ونوليك، فإن طرخون ونيزك والسبل وأهل بخارى معك، فهم أن يفعل، فقال له أصحابه: إن ثابتا وأخاه خائفان ليزيد، وإن أخرجت يزيد عن خراسان وأمنا توليا الأمر وغلباك على خراسان، فأقم مكانك فقبل رأيهم، وأقام بالترمذ .
          وقال لثابت: إن أخرجنا يزيد قدم عامل لعبد الملك، ولكنا نخرج عمال يزيد من وراء النهر مما يلينا، وتكون هذه الناحية لنا نأكلها فرضي ثابت بذلك، وأخرج من كان من عمال يزيد من وراء النهر، وحملت إليهم الأموال، وقوي أمرهم وأمر موسى، وانصرف طرخون ونيزك وأهل بخارى والسبل إلى بلادهم، وتدبير الأمر لحريث وثابت، والأمير موسى ليس له غير الاسم، فقال لموسى أصحابه: لسنا نرى من الأمر في يديك شيئا أكثر من اسم الإمارة، فأما التدبير فلحريث وثابت، فاقتلهما وتول الأمر فأبى وقال: ما كنت لأغدر بهما وقد قويا أمري، فحسدوهما وألحوا على موسى في أمرهما حتى أفسدوا قلبه، وخوفوه غدرهما، وهم بمتابعتهم على الوثوب بثابت وحريث واضطرب أمرهم، فإنهم لفي ذلك إذ خرجت عليهم الهياطلة والتبت والترك، فأقبلوا في سبعين ألفا لا يعدون الحاسر ولا صاحب بيضة جماء، ولا يعدون إلا صاحب بيضة ذات قونس قال: فخرج ابن خازم إلى ربض المدينة في ثلاثمائة راجل وثلاثين مجففا، وألقي له كرسي فقعد عليه قال: فأمر طرخون أن يثلم حائط الربض، فقال موسى: دعوهم، فهدموا ودخل أوائلهم، فقال: دعوهم يكثرون، وجعل يقلب طبرزينا بيده، فلما كثروا قال: الآن امنعوهم، فركب وحمل عليهم فقاتلهم حتى أخرجهم عن الثلمة، ثم رجع فجلس على الكرسي وذمر الملك أصحابه ليعودوا، فأبوا، فقال لفرسانه: هذا الشيطان، من سره أن ينظر إلى رستم فلينظر إلى صاحب الكرسي، فمن أبى فليقدم عليه ثم تحولت الأعاجم إلى رستاق كفتان قال: فأغاروا على سرح موسى، فاغتم ولم يطعم، وجعل يعبث بلحيته، فسار ليلا على نهر في حافتيه نبات لم يكن فيه ماء، وهو يفضى الى خندقهم، في سبعمائة، فأصبحوا عند عسكرهم، وخرج السرح فأغار عليه فاستاقه، وأتبعه قوم منهم، فعطف عليه سوار، مولى لموسى، فطعن رجلا منهم فصرعه، فرجعوا عنهم وسلم موسى بالسرح قال: وغاداهم العجم القتال، فوقف ملكهم على تل في عشرة آلاف في أكمل عدة، فقال موسى: إن أزلتم هؤلاء فليس الباقون بشيء فقصد لهم حريث بن قطبة فقاتلهم صدر النهار، وألح عليهم حتى أزالوهم عن التل، ورمي يومئذ حريث بنشابة في جبهته، فتحاجزوا، فبيتهم موسى، وحمل أخوه خازم بن عبد الله بن خازم حتى وصل إلى شمعة ملكهم ، فوجأ رجلا منهم بقبيعة سيفه، فطعن فرسه، فاحتمله فألقاه في نهر بلخ فغرق، وعليه درعان، فقتل العجم قتلا ذريعا، ونجا منهم من نجا بشر، ومات حريث بن قطبة بعد يومين، فدفن في قبته .
          قال: وارتحل موسى، وحملوا الرءوس إلى الترمذ، فبنوا من تلك الرءوس جوسقين، وجعلوا الرءوس يقابل بعضها بعضا وبلغ الحجاج خبر الوقعة، فقال: الحمد لله الذي نصر المنافقين على الكافرين، فقال أصحاب موسى: قد كفينا أمر حريث، فأرحنا من ثابت، فأبى وقال: لا وبلغ ثابتا بعض ما يخوضون فيه، فدس محمد بن عبد الله بن مرثد الخزاعي، عم نصر بن عبد الحميد عامل أبي مسلم على الري- وكان في خدمة موسى بن عبد الله- وقال له: إياك أن تتكلم بالعربية، وإن سألوك من أين أنت! فقل: من سبي الباميان، فكان يخدم موسى وينقل إلى ثابت خبرهم، فقال له: تحفظ ما يقولون وحذر ثابت فكان لا ينام حتى يرجع الغلام، وأمر قوما من شاكريته يحرسونه ويبيتون عنده في داره، ومعهم قوم من العرب، وألح القوم على موسى فأضجروه، فقال لهم ليلة: قد أكثرتم علي، وفيم تريدون هلاككم، وقد أبرمتموني! فعلى أي وجه تفتكون به، وأنا لا أغدر به! فقال نوح بن عبد الله أخو موسى: خلنا وإياه، فإذا غدا إليك غدوة عدلنا به إلى بعض الدور، فضربنا عنقه فيها قبل أن يصل إليك، قال: أما والله إنه لهلاككم، وأنتم أعلم- والغلام يسمع- فأتى ثابتا فأخبره، فخرج من ليلته في عشرين فارسا فمضى وأصبحوا وقد ذهب فلم يدروا من أين أوتوا .
          وفقدوا الغلام، فعلموا أنه كان عينا له عليهم، ولحق ثابت بحشورا فنزل المدينة، وخرج إليه قوم كثير من العرب والعجم، فقال موسى لأصحابه: قد فتحتم على أنفسكم بابا فسدوه، وسار اليه موسى، فخرج إليه ثابت في جمع كثير فقاتلهم، فأمر موسى بإحراق السور، وقاتلهم حتى ألجئوا ثابتا وأصحابه إلى المدينة، وقاتلوهم عن المدينة.
          فأقبل رقبة بن الحر العنبري حتى اقتحم النار، فانتهى إلى باب المدينة ورجل من أصحاب ثابت واقف يحمي أصحابه، فقتله، ثم رجع فخاض النار وهي تلتهب، وقد أخذت بجوانب نمط عليه، فرمى به عنه ووقف، وتحصن ثابت في المدينة، وأقام موسى في الربض، وكان ثابت حين شخص إلى حشورا أرسل إلى طرخون، فأقبل طرخون معينا له، وبلغ موسى مجيء طرخون، فرجع إلى الترمذ، وأعانه أهل كس ونسف وبخارى، فصار ثابت في ثمانين ألفا، فحصروا موسى وقطعوا عنه المادة حتى جهدوا.
          قال: وكان أصحاب ثابت يعبرون نهرا إلى موسى بالنهار- ثم يرجعون بالليل إلى عسكرهم، فخرج يوما رقبة- وكان صديقا لثابت، وقد كان ينهى أصحاب موسى عما صنعوا- فنادى ثابتا، فبرز له- وعلى رقبة قباء خز- فقال له: كيف حالك يا رقبة؟ فقال: ما تسأل عن رجل عليه جبة خز في حمارة القيظ! وشكا إليه حالهم، فقال: أنتم صنعتم هذا بأنفسكم، فقال: أما والله ما دخلت في أمرهم، ولقد كرهت ما أرادوا، فقال ثابت: أين تكون حتى يأتيك ما قدر لك؟ قال: أنا عند المحل الطفاوي- رجل من قيس من يعصر- وكان المحل شيخا صاحب شراب- فنزل رقبة عنده.
          قال: فبعث ثابت إلى رقبه بخمسمائة درهم مع علي بن المهاجر الخزاعي، وقال: إن لنا تجارا قد خرجوا من بلخ، فإذا بلغك أنهم قد قدموا فأرسل إلي تأتك حاجتك فأتى على باب المحل، فدخل فإذا رقبة والمحل جالسان بينهما جفنة فيها شراب، وخوان عليه دجاج وأرغفة، ورقبة شعث الرأس، متوشح بملحفة حمراء، فدفع إليه الكيس، وأبلغه الرسالة وما كلمه، وتناول الكيس وقال له بيده، اخرج، ولم يكلمه قال: وكان رقبة جسيما كبيرا، غائر العينين، ناتئ الوجنتين، مفلج، بين كل سنين له موضع سن، كان وجهه ترس .
          قال: فلما أضاق أصحاب موسى واشتد عليهم الحصار قال يزيد بن هزيل: إنما مقام هؤلاء مع ثابت والقتل أحسن من الموت جوعا، والله لأفتكن بثابت أو لأموتن فخرج إلى ثابت فاستأمنه، فقال له ظهير: أنا أعرف بهذا منك، إن هذا لم يأتك رغبة فيك ولا جزعا لك، ولقد جاءك بغدرة، فاحذره وخلني وإياه، فقال: ما كنت لأقدم على رجل أتاني، لا أدري أكذلك هو أم لا قال: فدعني أرتهن منه رهنا، فأرسل ثابت إلى يزيد فقال: أما أنا فلم أكن أظن رجلا يغدر بعد ما يسأل الأمان، وابن عمك أعلم بك مني، فانظر ما يعاملك عليه، فقال يزيد لظهير: أبيت يا أبا سعيد إلا حسدا! قال: أما يكفيك ما ترى من الذل! تشردت عن العراق وعن أهلي، وصرت بخراسان فيما ترى، أفما تعطفك الرحم! فقال له ظهير: أما والله لو تركت ورأيي فيك لما كان هذا، ولكن أرهنا ابنيك قدامة والضحاك فدفعهما إليهم، فكانا في يدي ظهير.
          قال: وأقام يزيد يلتمس غرة ثابت، لا يقدر منه على ما يريد، حتى مات ابن لزياد القصير الخزاعي، أتى أباه نعيه من مرو، فخرج متفضلا إلى زياد ليعزيه، ومعه ظهير ورهط من أصحابه، وفيهم يزيد بن هزيل، وقد غابت الشمس، فلما صار على نهر الصغانيان تأخر يزيد بن هزيل ورجلان معه، وقد تقدم ظهير وأصحابه، فدنا يزيد من ثابت فضربه فعض السيف برأسه، فوصل إلى الدماغ قال: ورمى يزيد وصاحباه بأنفسهم في نهر الصغانيان، فرموهم، فنجا يزيد سباحة وقتل صاحباه، وحمل ثابت إلى منزله، فلما أصبح طرخون أرسل إلى ظهير: ائتني بابني يزيد، فأتاه بهما، فقدم ظهير الضحاك بن يزيد فقتله، ورمى به وبرأسه في النهر، وقدم قدامة ليقتله، فالتفت فوقع السيف في صدره، ولم يبن، فألقاه في النهر حيا فغرق، فقال طرخون: أبوهما قتلهما وغدره فقال يزيد بن هزيل: لأقتلن يا بني كل خزاعي بالمدينة، فقال له عبد الله بن بديل بن عبد الله بن بديل بن ورقاء- وكان ممن أتى موسى من فل ابن الأشعث:
          لو رمت ذاك من خزاعة لصعب عليك وعاش ثابت سبعة أيام ثم مات وكان يزيد بن هزيل سخيا شجاعا شاعرا، ولي أيام ابن زياد جزيرة ابن كاوان، فقال:
          قد كنت أدعو الله في السر مخلصا ... ليمكنني من جزية ورجال
          فأترك فيها ذكر طلحة خاملا ... ويحمد فيها نائلي وفعالي
          قال: فقام بأمر العجم بعد موت ثابت طرخون، وقام ظهير بأمر أصحاب ثابت، فقاما قياما ضعيفا، وانتشر أمرهم، فأجمع موسى على بياتهم، فجاء رجل فأخبر طرخون، فضحك وقال: موسى يعجز أن يدخل متوضأه، فكيف يبيتنا! لقد طار قلبك، لا يحرسن الليلة أحد العسكر. فلما ذهب من الليل ثلثه خرج موسى في ثمانمائه قد عباهم من النهار، وصيرهم أرباعا قال: فصير على ربع رقبة بن الحر وعلى ربع أخاه نوح بن عبد الله بن خازم، وعلى ربع يزيد بن هزيل، وصار هو في ربع، وقال لهم: إذا دخلتم عسكرهم فتفرقوا، ولا يمرن أحد منكم بشيء إلا ضربه، فدخلوا عسكرهم من أربع نواح لا يمرون بدابة ولا رجل ولا خباء ولا جوالق إلا ضربوه وسمع الوجبة نيزك فلبس سلاحه، ووقف في ليلة مظلمة، وقال لعلي بن المهاجر الخزاعي: انطلق إلى طرخون فأعلمه موقفي، وقل له: ما ترى أعمل به، فأتى طرخون، فإذا هو في فازة قاعد على كرسي وشاكريته قد أوقدوا النيران بين يديه، فأبلغه رسالة نيزك، فقال: اجلس، وهو طامح ببصره نحو العسكر والصوت، إذا أقبل محمية السلمي وهو يقول: حم لا ينصرون، فتفرق في الشاكرية، ودخل محمية الفازة، وقام إليه طرخون فبدره فضربه، فلم يغن شيئا، قال: وطعنه طرخون بذباب السيف في صدره فصرعه، ورجع إلى الكرسي فجلس عليه، وخرج محمية يعدو .
          قال: ورجعت الشاكرية، فقال لهم طرخون: فررتم من رجل! أرأيتم لو كان نارا هل كانت تحرق منكم أكثر من واحد! فما فرغ من كلامه حتى دخل جوارية الفازة، وخرج الشاكرية هرابا، فقال للجواري: اجلسن، وقال لعلي بن المهاجر: قم، قال: فخرجا فإذا نوح بن عبد الله ابن خازم في السرادق، فتجاولا ساعة، واختلفا ضربتين، فلم يصنعا شيئا، وولى نوح وأتبعه طرخون، فطعن فرس نوح في خاصرته فشب، فسقط نوح والفرس في نهر الصغانيان، ورجع طرخون وسيفه يقطر دما، حتى دخل السرادق وعلي بن المهاجر معه، ثم دخلا الفازة.
          وقال طرخون للجواري: ارجعن، فرجعن إلى السرادق، وأرسل طرخون إلى موسى: كف أصحابك؟ فإنا نرتحل إذا أصبحنا، فرجع موسى إلى عسكره، فلما أصبحوا ارتحل طرخون والعجم جميعا، فأتى كل قوم بلادهم قال: وكان أهل خراسان يقولون: ما رأينا مثل موسى ابن عبد الله بن خازم، ولا سمعنا به، قاتل مع أبيه سنتين، ثم خرج يسير في بلاد خراسان حتى أتى ملكا فغلبه على مدينته وأخرجه منها، ثم سارت إليه الجنود من العرب والترك فكان يقاتل العرب أول النهار والعجم آخر النهار، وأقام في حصنه خمس عشره سنه، وصار ما وراء النهر لموسى، لا يعازه فيه أحد.
          قال: وكان بقومس رجل يقال له عبد الله، يجتمع إليه فتيان يتنادمون عنده في مؤونته ونفقته، فلزمه دين، فأتى موسى بن عبد الله، فأعطاه أربعة آلاف، فأتى بها أصحابه، فقال الشاعر يعاتب رجلا يقال له موسى:
          فما أنت موسى إذ يناجي إلهه ... ولا واهب القينات موسى بن خازم
          قال: فلما عزل يزيد وولي المفضل خراسان أراد أن يحظى عند الحجاج بقتال موسى بن عبد الله، فأخرج عثمان بن مسعود- وكان يزيد حبسه- فقال: إني أريد أن أوجهك إلى موسى بن عبد الله، فقال: والله لقد وترني، وإني لثائر بابن عمتي ثابت وبالخزاعي، وما يد أبيك وأخيك عندي وعند أهل بيتي بالحسنة، لقد حبستموني وشردتم بني عمي، واصطفيتم أموالهم فقال له المفضل: دع هذا عنك، وسر فأدرك بثأرك، فوجهه في ثلاثة آلاف، وقال له: مر مناديا فليناد: من لحق بنا فله ديوان، فنادى بذلك في السوق، فسارع إليه الناس وكتب المفضل إلى مدرك وهو ببلخ أن يسير معه، فخرج، فلما كان ببلخ خرج ليلة يطوف في العسكر، فسمع رجلا يقول: قتلته والله، فرجع إلى أصحابه، فقال: قتلت موسى ورب الكعبة!
          قال: فأصبح فسار من بلخ وخرج مدرك معه متثاقلا، فقطع النهر فنزل جزيرة بالترمذ يقال لها اليوم جزيرة عثمان- لنزول عثمان بها في خمسة عشر ألفا- وكتب إلى السبل وإلى طرخون فقدموا عليه، فحصروا موسى، فضيقوا عليه وعلى أصحابه، فخرج موسى ليلا فأتى كفتان، فامتار منها، ثم رجع فمكث شهرين في ضيق، وقد خندق عثمان وحذر البيات، فلم يقدر موسى منه على غرة، فقال لأصحابه: حتى متى! اخرجوا بنا فاجعلوا يومكم، إما ظفرتم وإما قتلتم وقال لهم: اقصدوا للصغد والترك، فخرج وخلف النضر بن سليمان بن عبد الله بن خازم في المدينة، وقال له: إن قتلت فلا تدفعن المدينة إلى عثمان، وادفعها إلى مدرك بن المهلب. وخرج فصير ثلث أصحابه بإزاء عثمان وقال: لا تهايجوه إلا أن يقاتلكم، وقصد لطرخون وأصحابه، فصدقوهم، فانهزم طرخون والترك، وأخذوا عسكرهم فجعلوا ينقلونه، ونظر معاوية بن خالد بن أبي برزة إلى عثمان وهو على برذون لخالد بن أبي برزة الأسلمي، فقال: انزل أيها الأمير، فقال خالد: لا تنزل فإن معاوية مشئوم وكرت الصغد والترك راجعة، فحالوا بين موسى وبين الحصن، فقاتلهم، فعقر به فسقط، فقال لمولى له: احملني، فقال: الموت كريه، ولكن ارتدف، فإن نجونا نجونا جميعا، وإن هلكنا هلكنا جميعا قال: فارتدف، فنظر إليه عثمان حين وثب فقال: وثبة موسى ورب الكعبة! وعليه مغفر له موشى بخز أحمر في أعلاه، ياقوتة أسمانجونية، فخرج من الخندق فكشفوا أصحاب موسى. فقصد لموسى، وعثرت دابة موسى فسقط هو ومولاه، فابتدروه فانطووا عليه فقتلوه، ونادى منادي عثمان: لا تقتلوا أحدا، من لقيتموه فخذوه أسيرا.
          قال: فتفرق أصحاب موسى، وأسر منهم قوم، فعرضوا على عثمان، فكان إذا أتي بأسير من العرب قال: دماؤنا لكم حلال، ودماؤكم علينا حرام! ويأمر بقتله، وإذا أتي بأسير من الموالي شتمه، وقال: هذه العرب تقاتلني، فهلا غضبت لي! فيأمر به فيشدخ وكان فظا غليظا، فلم يسلم عليه يومئذ أسير إلا عبد الله بن بديل بن عبد الله بن بديل بن ورقاء، فإنه كان مولاه، فلما نظر إليه أعرض عنه وأشار بيده أن خلوا عنه، ورقبة بن الحر لما أتي به نظر إليه وقال: ما كان من هذا إلينا كبير ذنب، وكان صديقا لثابت، وكان مع قوم فوفى لهم، والعجب كيف أسرتموه! قالوا: طعن فرسه فسقط عنه في وهدة فأسر، فأطلقه وحمله، وقال لخالد بن أبي برزة: ليكن عندك قال: وكان الذي أجهز على موسى ابن عبد الله واصل بن طيسلة العنبري .
          ونظر يومئذ عثمان إلى زرعة بن علقمة السلمي والحجاج بن مروان وسنان الأعرابي ناحية فقال: لكم الأمان، فظن الناس أنه لم يؤمنهم حتى كاتبوه. قال: وبقيت المدينة في يدي النضر بن سليمان بن عبد الله بن خازم، فقال: لا أدفعها إلى عثمان، ولكني أدفعها إلى مدرك، فدفعها إليه وآمنه، فدفعها مدرك إلى عثمان وكتب المفضل بالفتح إلى الحجاج، فقال الحجاج: العجب من ابن بهلة! آمره بقتل ابن سمرة فيكتب إلي أنه لمآبه ويكتب إلي: أنه قتل موسى بن عبد الله بن خازم، قال: وقتل موسى سنة خمس وثمانين، فذكر البحتري أن مغراء بن المغيرة بن أبي صفرة قتل موسى فقال:
          وقد عركت بالترمذ الخيل خازما ... ونوحا وموسى عركة بالكلاكل
          قال: فضرب رجل من الجند ساق موسى، فلما ولي قتيبة أخبر عنه فقال:
          ما دعاك إلى ما صنعت بفتى العرب بعد موته! قال: كان قتل أخي، فأمر به قتيبة فقتل بين يديه .
          عزم عبد الملك بن مروان على خلع أخيه عبد العزيز
          وفي هذه السنة أراد عبد الملك بن مروان خلع أخيه عبد العزيز بن مروان.
          *ذكر الخبر عن ذلك وما كان من أمرهما فيه:
          ذكر الواقدي أن عبد الملك هم بذلك، فنهاه عنه قبيصة بن ذؤيب، وقال: لا تفعل هذا، فإنك باعث على نفسك صوت نعار، ولعل الموت يأتيه فتستريح منه! فكف عبد الملك عن ذلك ونفسه تنازعه إلى أن يخلعه.
          ودخل عليه روح بن زنباع الجذامي- وكان أجل الناس عند عبد الملك- فقال: يا أمير المؤمنين، لو خلعته ما انتطح فيه عنزان، فقال: ترى ذلك يا أبا زرعة؟ قال: إي والله، وأنا أول من يجيبك إلى ذلك، فقال: نصيح إن شاء الله قال: فبينا هو على ذلك وقد نام عبد الملك وروح ابن زنباع إذ دخل عليهما قبيصة بن ذؤيب طروقا، وكان عبد الملك قد تقدم إلى حجابه فقال: لا يجب عني قبيصة أي ساعة جاء من ليل أو نهار، إذا كنت خاليا أو عندي رجل واحد، وإن كنت عند النساء أدخل المجلس وأعلمت بمكانه فدخل، وكان الخاتم إليه، وكانت السكة إليه، تأتيه الأخبار قبل عبد الملك، ويقرأ الكتب قبله، ويأتي بالكتاب إلى عبد الملك منشورا فيقرؤه، إعظاما لقبيصة- فدخل عليه فسلم عليه وقال: أجرك الله يا أمير المؤمنين في أخيك عبد العزيز! قال: وهل توفي؟ قال: نعم، فاسترجع عبد الملك، ثم أقبل على روح فقال: كفانا الله أبا زرعة ما كنا نريد وما أجمعنا عليه، وكان ذلك مخالفا لك يا أبا إسحاق، فقال قبيصة: ما هو؟ فأخبره بما كان، فقال قبيصة: يا أمير المؤمنين، إن الرأي كله في الأناة، والعجلة فيها ما فيها، فقال عبد الملك: ربما كان في العجلة خير كثير، رأيت أمر عمرو بن سعيد، ألم تكن العجله فيه خيرا من التانى!

          خبر موت عبد العزيز بن مروان
          وفي هذه السنة توفي عبد العزيز بن مروان بمصر في جمادى الأولى، فضم عبد الملك عمله إلى ابنه عبد الله بن عبد الملك، وولاه مصر.
          وأما المدائني فإنه قال في ذلك ما حدثنا به أبو زيد عنه، أن الحجاج كتب إلى عبد الملك يزين له بيعة الوليد، وأوفد وفدا في ذلك عليهم عمران ابن عصام العنزي، فقام عمران خطيبا، فتكلم وتكلم الوفد وحثوا عبد الملك، وسألوه ذلك، فقال عمران بن عصام:
          أمير المؤمنين إليك نهدي ... على النأي التحية والسلاما
          أجبني في بنيك يكن جوابي ... لهم عادية ولنا قواما
          فلو أن الوليد أطاع فيه ... جعلت له الخلافة والذماما
          شبيهك حول قبته قريش ... به يستمطر الناس الغماما
          ومثلك في التقى لم يصب يوما ... لدن خلع القلائد والتماما
          فإن تؤثر أخاك بها فإنا ... وجدك لا نطيق لها اتهاما
          ولكنا نحاذر من بنيه ... بني العلات مأثرة سماما
          ونخشى إن جعلت الملك فيهم ... سحابا ان تعود لهم جهاما
          فلايك ما حلبت غدا لقوم ... وبعد غد بنوك هم العياما
          فأقسم لو تخطأني عصام ... بذلك ما عذرت به عصاما
          ولو أني حبوت أخا بفضل ... أريد به المقالة والمقاما
          لعقب في بني على بنيه ... كذلك أو لرمت له مراما
          فمن يك في أقاربه صدوع ... فصدع الملك أبطؤه التئاما
          فقال عبد الملك: يا عمران، إنه عبد العزيز، قال: احتل له يا أمير المؤمنين.
          قال علي: أراد عبد الملك بيعة الوليد قبل أمر ابن الأشعث، لأن الحجاج بعث في ذلك عمران بن عصام، فلما أبى عبد العزيز أعرض عبد الملك عما أراد حتى مات عبد العزيز، ولما أراد أن يخلع أخاه عبد العزيز ويبايع لابنه الوليد كتب إلى أخيه: إن رأيت أن تصير هذا الأمر لابن أخيك! فأبى، فكتب إليه: فاجعلها له من بعدك، فإنه أعز الخلق على أمير المؤمنين فكتب إليه عبد العزيز: إني أرى في أبي بكر بن عبد العزيز ما ترى في الوليد، فقال عبد الملك: اللهم إن عبد العزيز قطعني فاقطعه فكتب إليه عبد الملك: احمل خراج مصر فكتب إليه عبد العزيز: يا أمير المؤمنين، إني وإياك قد بلغنا سنا لم يبلغها أحد من أهل بيتك إلا كان بقاؤه قليلا، وإني لا ادرى ولا تدرى أينا يأتيه الموت أولا! فإن رأيت إلا تغثث علي بقية عمري فافعل.
          فرق له عبد الملك وقال: لعمري لا أغثث عليه بقية عمره، قال لابنيه: إن يرد الله أن يعطيكموها لا يقدر أحد من العباد على رد ذلك. وقال لابنيه: الوليد وسليمان: هل قارفتما حراما قط؟ قالا: لا والله، قال: الله أكبر، نلتماها ورب الكعبة!
          قال: فلما أبى عبد العزيز أن يجيب عبد الملك إلى ما أراد، قال عبد الملك: اللهم قد قطعني فاقطعه، فلما مات عبد العزيز قال أهل الشام: رد على أمير المؤمنين أمره، فدعا عليه، فاستجيب له.
          قال: وكتب الحجاج إلى عبد الملك يشير عليه أن يستكتب محمد بن يزيد الأنصاري، وكتب إليه: إن أردت رجلا مأمونا فاضلا عاقلا وديعا مسلما كتوما تتخذه لنفسك، وتضع عنده سرك، وما لا تحب أن يظهر، فاتخذ محمد بن يزيد فكتب إليه عبد الملك: احمله إلي فحمله، فاتخذه عبد الملك كاتبا قال محمد: فلم يكن يأتيه كتاب إلا دفعه إلي، ولا يستر شيئا إلا أخبرني به وكتمه الناس، ولا يكتب إلى عامل من عماله إلا أعلمنيه، فإني لجالس يوما نصف النهار إذا ببريد قد قدم من مصر، فقال: الإذن على أمير المؤمنين قلت: ليست هذه ساعة اذن، فأعلمني ما قد قدمت له، قال: لا قلت: فإن كان معك كتاب فادفعه إلي قال: لا، قال: فأبلغ بعض من حضرني أمير المؤمنين، فخرج فقال: ما هذا؟ قلت: رسول قدم من مصر، قال: فخذ الكتاب، قلت: زعم أنه ليس معه كتاب، قال: فسله عما قدم له، قلت: قد سألته فلم يخبرني، قال أدخله، فأدخلته، فقال: أجرك الله يا أمير المؤمنين في عبد العزيز! فاسترجع وبكى ووجم ساعة ثم قال: يرحم الله عبد العزيز! مضى والله عبد العزيز لشأنه، وتركنا وما نحن فيه، ثم بكى النساء وأهل الدار، ثم دعاني من غد، فقال: إن عبد العزيز رحمه الله قد مضى لسبيله، ولا بد للناس من علم وقائم يقوم بالأمر من بعدي، فمن ترى؟ قلت: يا أمير المؤمنين، سيد الناس وأرضاهم وأفضلهم الوليد بن عبد الملك، قال: صدقت وفقك الله! فمن ترى أن يكون بعده؟ قلت: يا أمير المؤمنين، أين تعدلها عن سليمان فتى العرب! قال: وفقت، أما إنا لو تركنا الوليد وإياها لجعلها لبنيه، اكتب عهدا للوليد وسليمان من بعده، فكتبت بيعة الوليد ثم سليمان من بعده فغضب علي الوليد فلم يولني شيئا حين أشرت بسليمان من بعده.
          قال علي، عن ابن جعدبة: كتب عبد الملك إلى هشام بن إسماعيل المخزومي أن يدعو الناس لبيعة الوليد وسليمان، فبايعوا غير سعيد بن المسيب، فإنه أبى، وقال: لا أبايع وعبد الملك حتى، فضربه هشام ضربا
          مبرحا وألبسه المسوح، وسرحه إلى ذباب- ثنية بالمدينة كانوا يقتلون عندها ويصلبون فظن أنهم يريدون قتله، فلما انتهوا به إلى ذلك الموضع ردوه، فقال: لو ظننت أنهم لا يصلبوني ما لبست سراويل مسوح، ولكن قلت: يصلبونني فيسترني وبلغ عبد الملك الخبر، فقال: قبح الله هشاما! إنما كان ينبغي أن يدعوه إلى البيعة، فإن أبى يضرب عنقه، أو يكف عنه.
          [قلنا : وابن جعدبة هذا كذاب متهم بالوضع وقال ابن حبان : كان ممن ينفرد بالمناكير عن المشاهير والمقلوبات عن الثقات ، وقال أبو حاتم والبخاري ومسلم : منكر الحديث (تهذيب الكمال / تر7035).
          وقد عمد إلى هذ الخبر – امتناع سعيد عن البيعة لاثنين في آن واحد – فأضاف إليه أن عبد الملك قال : (فإني أبى أضرب عنقه) أي : أن ابن جعدبة يريد أن يصور لنا خلفاء بني أمية لا يعرفون إلا ضرب الأعناق ولكن أئمة الحديث جزاهم الله خيرا كشفوا لنا زيف الروايات بكشفهم عن حال الرواة الوضاعين الكذابين والحمد لله على نعمة الإسناد]

          بيعة عبد الملك لابنيه: الوليد ثم سليمان
          وفي هذه السنة بايع عبد الملك لابنيه: الوليد، ثم من بعده لسليمان.
          وأما الحارث فإنه قال: حدثني ابن سعد، عن محمد بن عمر الواقدي، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر وغيره من أصحابنا قالوا: استعمل عبد الله ابن الزبير جابر بن الأسود بن عوف الزهري على المدينة، فدعا الناس إلى البيعة لابن الزبير، فقال سعيد بن المسيب: لا، حتى يجتمع الناس، فضربه ستين سوطا، فبلغ ذلك ابن الزبير، فكتب إلى جابر يلومه، وقال: ما لنا ولسعيد، دعه!


          وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
          أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار

          تعليق


          • #35
            رد: صحيح وضعيف تاريخ الطبري حققه وخرج رواياته وعلق عليه محمد بن طاهر البرزنجي[ج9]

            ثم دخلت سنة ست وثمانين
            ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
            خبر وفاة عبد الملك بن مروان
            ذكر أولاده وأزواجه
            منهم الوليد، وسليمان، ومروان الاكبر- درج- وعائشة، أمهم ولادة بنت العباس بن جزء بن الحارث بن زهير بن جذيمة بن رواحة بن ربيعة بن مازن بن الحارث بن قطيعة بن عبس بن بغيض.
            ويزيد، ومروان، ومعاوية- درج- وأم كلثوم، وأمهم عاتكة بنت يزيد بن معاوية بن أبي سفيان.
            وهشام، وأمه أم هشام بنت هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي وقال المدائني: اسمها عائشة بنت هشام.
            وأبو بكر، واسمه بكار، أمه عائشة بنت موسى بن طلحة بن عبيد الله، والحكم- درج- أمه أم أيوب بنت عمرو بن عثمان بن عفان.
            وفاطمة بنت عبد الملك، أمها أم المغيرة بنت المغيرة بن خالد بن العاص ابن هشام بن المغيرة .
            وعبد الله ومسلمة والمنذر وعنبسة ومحمد وسعيد الخير والحجاج، لأمهات أولاد.
            قال المدائني: وكان له من النساء- سوى من ذكرنا- شقراء بنت سلمة ابن حلبس الطائي، وابنة لعلي بن أبي طالب عليه السلام ، وأم أبيها بنت عبد الله بن جعفر.
            وذكر المدائني، عن عوانة وغيره أن سلمة بن زيد بن وهب بن نباتة الفهمي دخل على عبد الملك فقال له: أي الزمان أدركت أفضل؟ وأي الملوك أكمل؟ قال: أما الملوك فلم أر إلا ذاما وحامدا، وأما الزمان فيرفع أقواما ويضع أقواما، وكلهم يذم زمانه لأنه يبلي جديدهم، ويهرم صغيرهم، وكل ما فيه منقطع غير الأمل، قال: فأخبرني عن فهم، قال: هم كما قال من قال:
            درج الليل النهار على فهم ... بن عمرو فأصبحوا كالرميم
            وخلت دارهم فأضحت يبابا ... بعد عز وثروة ونعيم
            كذاك الزمان يذهب بالناس ... وتبقى ديارهم كالرسوم
            قال: فمن يقول منكم:
            رأيت الناس مذ خلقوا وكانوا ... يحبون الغني من الرجال
            وإن كان الغني قليل خير ... بخيلا بالقليل من النوال
            فما أدري علام وفيم هذا ... وماذا يرتجون من البخال!
            أللدنيا؟ فليس هناك دنيا ... ولا يرجى لحادثة الليالي
            قال: أنا.
            قال علي: قال أبو قطيفة عمرو بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط لعبد الملك بن مروان:
            نبئت أن ابن القلمس عابني ... ومن ذا من الناس الصحيح المسلم
            فأبصر سبل الرشد سيد قومه ... وقد يبصر الرشد الرئيس المعمم
            فمن أنتم؟ ها خبرونا من انتم؟ ... وقد جعلت أشياء تبدو وتكتم
            فقال عبد الملك: ما كنت أرى أن مثلنا يقال له: من أنتم! أما والله لولا ما تعلم لقلت قولا ألحقكم بأصلكم الخبيث، ولضربتك حتى تموت.
            وقال عبد الله بن الحجاج الثعلبي لعبد الملك:
            يا بن أبي العاص ويا خير فتى ... أنت سداد الدين إن دين وهى
            أنت الذي لا يجعل الأمر سدى ... جيبت قريش عنكم جوب الرحى
            إن أبا العاصي وفي ذاك اعتصى ... أوصى بنيه فوعوا عنه الوصى
            إن يسعروا الحرب ويأبوا ما أبى ... الطاعنين في النحور والكلى
            شزرا ووصلا للسيوف بالخطا ... إلى القتال فحووا ما قد حوى
            وقال أعشى بني شيبان:
            عرفت قريش كلها ... لبني أبي العاص الإماره
            لأبرها وأحقها ... عند المشورة بالإشاره
            المانعين لما ولوا ... والنافعين ذوي الضراره
            وهم أحقهم بها ... عند الحلاوة والمراره
            وقال عبد الملك: ما أعلم مكان أحد أقوى على هذا الأمر مني، وإن ابن الزبير لطويل الصلاة، كثير الصيام، ولكن لبخله لا يصلح أن يكون سائسا.
            خلافة الوليد بن عبد الملك
            وفي هذه السنة بويع للوليد بن عبد الملك بالخلافة .
            فكان أول من قام لبيعته عبد الله بن همام السلولي، فإنه قام وهو يقول:
            الله أعطاك التي لا فوقها ... وقد أراد الملحدون عوقها
            عنك ويأبى الله إلا سوقها ... إليك حتى قلدوك طوقها
            فبايعه، ثم تتابع الناس على البيعة .
            وأما الواقدي فإنه ذكر أن الوليد لما رجع من دفن أبيه، ودفن خارج باب الجابية، لم يدخل منزله حتى صعد على منبر دمشق، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال:
            أيها الناس، إنه لا مقدم لما أخر الله، ولا مؤخر لما قدم الله، وقد كان من قضاء الله وسابق علمه وما كتب على أنبيائه وحملة عرشه الموت وقد صار إلى منازل الأبرار ولى هذه الامه الذى يحق عليه لله من الشدة على المريب، واللين لأهل الحق والفضل، وإقامة ما أقام الله من منار الإسلام وأعلامه، من حج هذا البيت، وغزو هذه الثغور، وشن هذه الغارة على أعداء الله، فلم يكن عاجزا ولا مفرطا أيها الناس، عليكم بالطاعة، ولزوم الجماعة، فإن الشيطان مع الفرد أيها الناس، من أبدى لنا ذات نفسه ضربنا الذي فيه عيناه، ومن سكت مات بدائه.
            ثم نزل، فنظر إلى ما كان من دواب الخلافه فحازه، وكان جبارا عنيدا.

            ولاية قتيبة بن مسلم على خراسان من قبل الحجاج
            ذكر ما كان من أمر قتيبة بخراسان في هذه السنة ، ثم عرض قتيبة الجند في السلاح والكراع، وسار واستخلف بمرو على حربها إياس بن عبد الله بن عمرو، وعلى الخراج عثمان بن السعدي، فلما كان بالطالقان تلقاه دهاقين بلخ وبعض عظمائهم فساروا معه، فلما قطع النهر تلقاه تيش الأعور ملك الصغانيان بهدايا ومفتاح من ذهب، فدعاه إلى بلاده، فأتاه وأتى ملك كفتان بهدايا وأموال، ودعاه إلى بلاده، فمضى مع بيش إلى الصغانيان، فسلم إليه بلاده، وكان ملك أخرون وشومان قد أساء جوار تيش وغزاه وضيق عليه، فسار قتيبة إلى أخرون وشومان- وهما من طخارستان، فجاءه غشتاسبان فصالحه على فدية أداها إليه، فقبلها قتيبة ورضي، ثم انصرف إلى مرو، واستخلف على الجند أخاه صالح بن مسلم، وتقدم جنده فسبقهم إلى مرو، وفتح صالح بعد رجوع قتيبة باسارا، وكان معه نصر بن سيار فأبلى يومئذ، فوهب له قرية تدعى تنجانة، ثم قدم صالح على قتيبة فاستعمله على الترمذ.
            قال: وأما الباهليون فيقولون: قدم قتيبة خراسان سنة خمس وثمانين فعرض الجند، فكان جميع ما احصوا من الدروع في جند خراسان ثلاثمائه وخمسين درعا، فغزا أخرون وشومان، ثم قفل فركب السفن فانحدر إلى آمل، وخلف الجند، فأخذوا طريق بلخ إلى مرو، وبلغ الحجاج، فكتب إليه يلومه ويعجز رأيه في تخليفه الجند، وكتب إليه: إذا غزوت فكن في مقدم الناس، وإذا قفلت فكن في أخرياتهم وساقتهم.
            وقد قيل: إن قتيبة أقام قبل أن يقطع النهر في هذه السنة على بلخ، لأن بعضها كان منتقضا عليه، وقد ناصب المسلمين، فحارب أهلها، فكان ممن سبى امرأة برمك، أبي خالد بن برمك- وكان برمك على النوبهار- فصارت لعبد الله بن مسلم الذي يقال له الفقير، أخي قتيبة بن مسلم، فوقع عليها، وكان به شيء من الجذام ثم إن أهل بلخ صالحوا من غد اليوم الذي حاربهم قتيبة فأمر قتيبة يرد السبي، فقالت امرأة برمك لعبد الله بن مسلم: يا تازي، إني قد علقت منك وحضرت عبد الله بن مسلم الوفاة، فأوصى أن يلحق به ما في بطنها، وردت إلى برمك .
            فذكر أن ولد عبد الله بن مسلم جاءوا أيام المهدي حين قدم الري إلى خالد، فادعوه، فقال لهم مسلم بن قتيبة: إنه لا بد لكم إن استلحقتموه ففعل من أن تزوجوه، فتركوه وأعرضوا عن دعواهم.
            وكان برمك طبيبا، فداوى بعد ذلك مسلمه من عله كانت به.



            وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
            أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار

            تعليق


            • #36
              رد: صحيح وضعيف تاريخ الطبري حققه وخرج رواياته وعلق عليه محمد بن طاهر البرزنجي[ج9]

              ثم دخلت سنة سبع وثمانين
              ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
              خبر إمارة عمر بن عبد العزيز
              قال: وقدم على ثلاثين بعيرا، فنزل دار مروان قال: فحدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، قال: لما قدم عمر بن عبد العزيز المدينة ونزل دار مروان دخل عليه الناس فسلموا، فلما صلى الظهر دعا عشرة من فقهاء المدينة: عروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وأبا بكر بن عبد الرحمن، وأبا بكر بن سليمان بن ابى حثمه، وسليمان بن يسار، وو القاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عبد الله ابن عمرو، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وخارجة بن زيد، فدخلوا عليه فجلسوا، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال:
              إني إنما دعوتكم لأمر تؤجرون عليه، وتكونون فيه أعوانا على الحق، ما أريد أن أقطع أمرا إلا برأيكم أو برأي من حضر منكم، فإن رأيتم أحدا يتعدى، أو بلغكم عن عامل لي ظلامة، فأحرج الله على من بلغه ذلك إلا بلغني.
              فخرجوا يجزونه خيرا، وافترقوا.
              قال: وكتب الوليد إلى عمر يأمره أن يقف هشام بن إسماعيل للناس، وكان فيه سيئ الرأي.
              قال الواقدي: فحدثني داود بن جبير، قال: أخبرتني أم ولد سعيد بن المسيب أن سعيدا دعا ابنه ومواليه فقال: إن هذا الرجل يوقف للناس- أو قد وقف- فلا يتعرض له أحد ولا يؤذه بكلمة، فإنا سنترك ذلك لله وللرحم، فإن كان ما علمت لسيئ النظر لنفسه، فأما كلامه فلا أكلمه أبدا.
              قال: وحدثني محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر، عن أبيه، قال: كان هشام بن إسماعيل يسيء جوارنا ويؤذينا، ولقي منه علي بن الحسين أذى شديدا، فلما عزل أمر به الوليد أن يوقف للناس، فقال: ما أخاف إلا من على بن الحسن فمر به علي وقد وقف عند دار مروان، وكان علي قد تقدم إلى خاصته الا يعرض له أحد منهم بكلمة، فلما مر ناداه هشام بن إسماعيل: الله أعلم حيث يجعل رسالاته.

              خبر غزو قتيبة بيكند
              قال علي: حدثنا أبو الذيال، عن أشياخ من بني عدي، ان مسلما الباهلى قال لو الان: إن عندي مالا أحب أن أستودعكه، قال: أتريد أن يكون مكتوما أو لا تكره ان يعلمه الناس؟ قال: أحب أن تكتمه، قال: ابعث به مع رجل تثق به إلى موضع كذا وكذا، ومره إذا رأى رجلا في ذلك الموضع أن يضع ما معه وينصرف، قال: نعم، فجعل مسلم المال في خرج، ثم حمله على بغل وقال لمولى له: انطلق بهذا البغل إلى موضع كذا وكذا، فإذا رأيت رجلا جالسا فخل عن البغل وانصرف فانطلق الرجل بالبغل، وقد كان وألان أتى الموضع لميعاده.
              فأبطأ عليه رسول مسلم، ومضى الوقت الذي وعده، فظن أنه قد بدا له، فانصرف، وجاء رجل من بني تغلب فجلس في ذلك الموضع، وجاء مولى مسلم فرأى الرجل جالسا، فخلى عن البغل ورجع، فقام التغلبي إلى البغل، فلما رأى المال ولم ير مع البغل أحدا قاد البغل إلى منزله، فأخذ البغل وأخذ المال، فظن مسلم أن المال قد صار إلى وألان، فلم يسأل عنه حتى احتاج إليه، فلقيه فقال: مالي! فقال: ما قبضت شيئا، ولا لك عندي مال. قال: فكان مسلم يشكوه ويتنقصه قال: فأتى يوما مجلس بني ضبيعة فشكاه والتغلبي جالس، فقام إليه فخلا به وسأله عن المال، فأخبره، فانطلق به إلى منزله، وأخرج الخرج فقال: أتعرفه؟ قال: نعم، قال: والخاتم؟ قال: نعم، قال: اقبض مالك، وأخبره الخبر، فكان مسلم يأتي الناس والقبائل التي كان يشكو إليهم وألان فيعذره ويخبرهم الخبر، وفي والان يقول الشاعر:
              لست كوألان الذي ساد بالتقى ... ولست كعمران ولا كالمهلب
              وعمران: ابن الفصيل البرجمي.


              وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
              أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار

              تعليق


              • #37
                رد: صحيح وضعيف تاريخ الطبري حققه وخرج رواياته وعلق عليه محمد بن طاهر البرزنجي[ج9]

                ثم دخلت سنة ثمان وثمانين
                ذكر ما كان فيها من الاحداث
                خبر فتح حصن طوانة من بلاد الروم
                فذكر محمد بن عمر الواقدي أن ثور بن يزيد حدثه عن أصحابه قال: كان فتح طوانة على يدي مسلمة بن عبد الملك والعباس بن الوليد، وهزم المسلمون العدو يومئذ هزيمة صاروا إلى كنيستهم، ثم رجعوا فانهزم الناس حتى ظنوا ألا يجتبروها أبدا، وبقي العباس معه نفير، منهم ابن محيريز الجمحي، فقال العباس لابن محيريز: أين أهل القرآن الذين يريدون الجنة؟ فقال ابن محيريز: نادهم يأتوك، فنادى العباس: يا أهل القرآن! فأقبلوا جميعا، فهزم الله العدو حتى دخلوا طوانة.
                وكان الوليد بن عبد الملك ضرب البعث على أهل المدينة في هذه السنة فذكر محمد بن عمر، عن أبيه، أن مخرمة بن سليمان الوالبي قال: ضرب عليهم بعث ألفين وأنهم تجاعلوا فخرج الف وخمسمائة، وتخلف خمسمائة، فغزوا الصائفة مع مسلمة والعباس، وهما على الجيش وأنهم شتوا بطوانة وافتتحوها.
                وفيها ولد الوليد بن يزيد بن عبد الملك.

                ذكر عمارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم

                وفيها أمر الوليد بن عبد الملك بهدم مسجد رسول الله ص وهدم بيوت ازواج رسول الله ص وإدخالها في المسجد، فذكر محمد بن عمر، أن محمد بن جعفر بن وردان البناء قال: رأيت الرسول الذي بعثه الوليد بن عبد الملك قدم في شهر ربيع الأول سنة ثمان وثمانين، قدم معتجرا، فقال الناس: ما قدم به الرسول! فدخل على عمر بن عبد العزيز بكتاب الوليد يأمره بإدخال حجر ازواج رسول الله ص في مسجد رسول الله، وأن يشتري ما في مؤخره ونواحيه حتى يكون مائتي ذراع في مائتي ذراع ويقول له: قدم القبلة إن قدرت، وأنت تقدر لمكان أخوالك، فإنهم لا يخالفونك، فمن أبى منهم فمر أهل المصر فليقوموا له قيمة عدل، ثم اهدم عليهم وادفع إليهم الأثمان، فإن لك في ذلك سلف صدق، عمر وعثمان فأقرأهم كتاب الوليد وهم عنده، فأجاب القوم إلى الثمن، فأعطاهم إياه، وأخذ في هدم بيوت أزواج النبي ص وبناء المسجد، فلم يمكث إلا يسيرا حتى قدم الفعلة، بعث بهم الوليد.
                قال محمد بن عمر: وحدثني موسى بن يعقوب، عن عمه، قال: رأيت عمر بن عبد العزيز يهدم المسجد ومعه وجوه الناس: القاسم، وسالم، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وخارجة بن زيد، وعبد الله بن عبد الله بن عمر، يرونه أعلاما في المسجد ويقدرونه، فأسسوا أساسه.
                قال محمد بن عمر: وحدثني يحيى بن النعمان الغفاري، عن صالح بن كيسان، قال: لما جاء كتاب الوليد من دمشق وسار خمس عشرة بهدم المسجد، تجرد عمر بن عبد العزيز قال صالح: فاستعملني على هدمه وبنائه، فهدمناه بعمال المدينة، فبدانا بهدم بيوت ازواج النبي ص حتى قدم علينا الفعلة الذين بعث بهم الوليد .
                قال محمد: وحدثني موسى بن أبي بكر، عن صالح بن كيسان، قال: ابتدأنا بهدم مسجد رسول الله ص في صفر من سنة ثمان وثمانين، وبعث الوليد إلى صاحب الروم يعلمه أنه أمر بهدم مسجد رسول الله ص، وأن يعينه فيه، فبعث إليه بمائة ألف مثقال ذهب، وبعث إليه بمائة عامل، وبعث إليه من الفسيفساء بأربعين حملا، وأمر أن يتتبع الفسيفساء في المدائن التي خربت، فبعث بها إلى الوليد، فبعث بذلك الوليد إلى عمر بن عبد العزيز.
                وفي هذه السنة ابتدأ عمر بن عبد العزيز في بناء المسجد.
                وفيها غزا أيضا مسلمة الروم، ففتح على يديه حصون ثلاثة: حصن قسطنطينه، وغزالة، وحصن الأخرم وقتل من المستعربة نحو من ألف مع سبي الذرية وأخذ الأموال.


                وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
                أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار

                تعليق


                • #38
                  رد: صحيح وضعيف تاريخ الطبري حققه وخرج رواياته وعلق عليه محمد بن طاهر البرزنجي[ج9]

                  ثم دخلت سنة تسع وثمانين
                  ذكر الخبر عن الأحداث التي كانت فيها
                  خبر غزو قتيبة بخارى
                  وفي هذه السنة غزا قتيبة بخارى، ففتح راميثنة ذكر علي بن محمد عن الباهليين أنهم قالوا ذلك، وأن قتيبة رجع بعد ما فتحها في طريق بلخ، فلما كان بالفارياب أتاه كتاب الحجاج: أن رد وردان خذاه.
                  فرجع قتيبة سنة تسع وثمانين، فأتى زم، فقطع النهر، فلقيه السغد وأهل كس ونسف في طريق المفازة، فقاتلوه، فظفر بهم ومضى إلى بخارى، فنزل خرقانة السفلى عن يمين وردان، فلقوه بجمع كثير، فقاتلهم يومين وليلتين، ثم أعطاه الله الظفر عليهم، فقال نهار بن توسعة:
                  وباتت لهم منا بخرقان ليلة ... وليلتنا كانت بخرقان أطولا
                  وقيل: كتب إليه الحجاج إن كس بكس وانسف نسف ورد وردان، وإياك والتحويط، ودعني من بنيات الطريق.

                  خبر ولاية خالد القسرى على مكة
                  وفي هذه السنة ولي خالد بن عبد الله القسري مكة فيما زعم الواقدي، وذكر أن عمر بن صالح حدثه عن نافع مولى بني مخزوم، قال: سمعت خالد بن عبد الله يقول على منبر مكة وهو يخطب:
                  أيها الناس، أيهما أعظم؟ أخليفة الرجل على أهله، أم رسوله إليهم؟ والله لو لم تعلموا فضل الخليفة، ألا أن إبراهيم خليل الرحمن استسقى فسقاه ملحا أجاجا، واستسقاه الخليفة فسقاه عذبا فراتا، بئرا حفرها الوليد بن عبد الملك بالثنيتين- ثنية طوى وثنية الحجون- فكان ينقل ماؤها فيوضع في حوض من أدم إلى جنب زمزم ليعرف فضله على زمزم.
                  قال: ثم غارت البئر فذهبت فلا يدرى أين هي اليوم.
                  [خبر منكر ، وانظر تاريخ الإسلام للذهبي ، وهو من وضع الواقدي ، وقال ابن كثير : وهذا الكلام يقتضي كفرا إن صح عن قائله ، وعندي أن خالد بن عبد الله القسري لا يصح عنه هذا الكلام]

                  وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
                  أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار

                  تعليق


                  • #39
                    رد: صحيح وضعيف تاريخ الطبري حققه وخرج رواياته وعلق عليه محمد بن طاهر البرزنجي[ج9]

                    ثم دخلت سنة تسعين
                    ذكر الخبر عن الأحداث التي كانت فيها
                    خبر صلح قتيبة مع السغد
                    وفي هذه السنة جدد قتيبة الصلح بينه وبين طرخون ملك السغد.
                    *ذكر الخبر عن ذلك:
                    قال علي: ذكر أبو السري عن الجهم الباهلي، قال: لما أوقع قتيبة بأهل بخارى ففض جمعهم هابه أهل السغد، فرجع طرخون ملك السغد ومعه فارسان حتى وقف قريبا من عسكر قتيبة، وبينهما نهر بخارى، فسأل أن يبعث إليه رجلا يكلمه، فأمر قتيبة رجلا فدنا منه.
                    وأما الباهليون فيقولون: نادى طرخون حيان النبطي فأتاه، فسألهم الصلح على فدية يؤديها إليهم، فأجابه قتيبة إلى ما طلب، وصالحه، وأخذ منه رهنا حتى يبعث إليه بما صالحه عليه، وانصرف طرخون الى بلاده، ورجع قتيبة ومعه نيزك.

                    خبر فتح الطالقان
                    وفي هذه السنة، أوقع قتيبة بأهل الطالقان بخراسان- فيما قال بعض أهل الأخبار- فقتل من أهلها مقتلة عظيمة، وصلب منهم سماطين أربعة فراسخ في نظام واحد.
                    *ذكر الخبر عن سبب ذلك:
                    وكان السبب في ذلك- فيما ذكر- أن نيزك طرخان لما غدر وخلع قتيبة وعزم على حربه، طابقه على حربه ملك الطالقان، وواعده المصير اليه من استجاب للنهوض معه من الملوك لحرب قتيبة، فلما هرب نيزك من قتيبة ودخل شعب خلم الذي يأخذ إلى طخارستان علم أنه لا طاقة له بقتيبة، فهرب، وسار قتيبة إلى الطالقان فأوقع بأهلها، ففعل ما ذكرت فيما قبل.
                    وقد خولف قائل هذا القول فيما قال من ذلك، وأنا ذاكره في أحداث سنة إحدى وتسعين.

                    هرب يزيد بن المهلب واخوته من سجن الحجاج
                    *ذكر الخبر عن سبب تخلصهم من سجن الحجاج ومسيرهم إلى سليمان:
                    قال هشام: حدثني أبو مخنف، عن ابى المخارق الراسبى، قال: الحجاج إلى رستقباذ للبعث، لأن الأكراد كانوا قد غلبوا على عامة أرض فارس، فخرج بيزيد وبإخوته المفضل وعبد الملك حتى قدم بهم رستقباذ، فجعلهم في عسكره، وجعل عليهم كهيئة الخندق، وجعلهم في فسطاط قريبا من حجرته، وجعل عليهم حرسا من أهل الشام، وأغرمهم ستة آلاف ألف، وأخذ يعذبهم، وكان يزيد يصبر صبرا حسنا، وكان الحجاج يغيظه ذلك، فقيل له: إنه رمي بنشابة فثبت نصلها في ساقه، فهو لا يمسها شيء إلا صاح، فإن حركت أدنى شيء سمعت صوته، فأمر أن يعذب ويدهق ساقه، فلما فعل ذلك به صاح، وأخته هند بنت المهلب عند الحجاج، فلما سمعت صياح يزيد صاحت وناحت، فطلقها ثم إنه كف عنهم، وأقبل يستأديهم، فأخذوا يؤدون وهم يعملون في التخلص من مكانهم، فبعثوا إلى مروان بن المهلب وهو بالبصرة يأمرونه أن يضمر لهم الخيل، ويري الناس أنه إنما يريد بيعها ويعرضها على البيع، ويغلي بها لئلا تشترى فتكون لنا عدة إن نحن قدرنا على ان ننجو مما هاهنا ففعل ذلك مروان، وحبيب بالبصرة يعذب أيضا، وأمر يزيد بالحرس فصنع لهم طعام كثير فأكلوا، وأمر بشراب فسقوا، فكانوا متشاغلين به، ولبس يزيد ثياب طباخه، ووضع على لحيته لحيه بيضاء، وخرج فرآه بعض الحرس فقال: كأن هذه مشية يزيد! فجاء حتى استعرض وجهه ليلا، فرأى بياض اللحية، فانصرف عنه، فقال: هذا شيخ وخرج المفضل على أثره، ولم يفطن له، فجاءوا إلى سفنهم وقد هيئوها في البطائح، وبينهم وبين البصرة ثمانية عشر فرسخا، فلما انتهوا إلى السفن أبطأ عليهم عبد الملك وشغل عنهم، فقال يزيد للمفضل: اركب بنا فإنه لاحق، فقال المفضل- وعبد الملك أخوه لأمه- وهي بهلة، هندية: لا والله، لا أبرح حتى يجيء ولو رجعت إلى السجن فأقام يزيد حتى جاءهم عبد الملك، وركبوا عند ذلك السفن، فساروا ليلتهم حتى أصبحوا، ولما أصبح الحرس علموا بذهابهم، فرفع ذلك إلى الحجاج، وقال الفرزدق في خروجهم:
                    فلم أر كالرهط الذين تتابعوا ... على الجذع والحراس غير نيام
                    مضوا وهم مستيقنون بأنهم ... إلى قدر آجالهم وحمام
                    وإن منهم إلا يسكن جأشه ... بعضب صقيل صارم وحسام
                    فلما التقوا لم يلتقوا بمنفه ... كبير ولا رخص العظام غلام
                    بمثل أبيهم حين تمت لداتهم ... لخمسين قل في جرأة وتمام
                    ففزع له الحجاج، وذهب وهمه أنهم ذهبوا قبل خراسان، وبعث البريد إلى قتيبة بن مسلم يحذره قدومهم، ويأمره أن يستعد لهم، وبعث إلى أمراء الثغور والكور أن يرصدوهم، ويستعدوا لهم، وكتب إلى الوليد بن عبد الملك يخبره بهربهم، وأنه لا يراهم أرادوا إلا خراسان ولم يزل الحجاج يظن بيزيد ما صنع، كان يقول: إني لأظنه يحدث نفسه بمثل الذي صنع ابن الأشعث.
                    ولما دنا يزيد من البطائح، من موقوع استقبلته الخيل قد هيئت له ولإخوته، فخرجوا عليها ومعهم دليل لهم من كلب يقال له: عبد الجبار بن يزيد بن الربعة، فأخذ بهم على السماوة، وأتى الحجاج بعد يومين، فقيل له: إنما أخذ الرجل طريق الشام، وهذه الخيل حسرى في الطريق، وقد أتى من رآهم موجهين في البر، فبعث إلى الوليد يعلمه ذلك، ومضى يزيد حتى قدم فلسطين، فنزل على وهيب بن عبد الرحمن الأزدي- وكان كريما على سليمان- وأنزل بعض ثقله وأهله على سفيان بن سليمان الأزدي، وجاء وهيب بن عبد الرحمن حتى دخل على سليمان، فقال: هذا يزيد بن المهلب، وإخوته في منزلي، وقد أتوك هرابا من الحجاج متعوذين بك، قال: فأتني بهم فهم آمنون لا يوصل إليهم أبدا وأنا حي فجاء بهم حتى أدخلهم عليه، فكانوا في مكان آمن، وقال الكلبي دليلهم في مسيرهم:
                    ألا جعل الله الأخلاء كلهم ... فداء على ما كان لابن المهلب
                    لنعم الفتى يا معشر الأزد أسعفت ... ركابكم بالوهب شرقي منقب
                    عدلن يمينا عنهم رمل عالج ... وذات يمين القوم أعلام غرب
                    فإلا تصبح بعد خمس ركابنا ... سليمان من أهل اللوى تتأوب
                    تقر قرار الشمس مما وراءنا ... وتذهب في داج من الليل غيهب
                    بقوم هم كانوا الملوك هديتهم ... بظلماء لم يبصر بها ضوء كوكب
                    ولا قمر إلا ضئيلا كأنه ... سوار حناه صائغ السور مذهب
                    [في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك]

                    قال هشام: فأخبرني الحسن بن ابان العليمي، قال: بينا عبد الجبار بن يزيد بن الربعة يسري بهم فسقطت عمامة يزيد، ففقدها فقال: يا عبد الجبار، ارجع فاطلبها لنا، قال: إن مثلي لا يؤمر بهذا، فأعاد، فأبى، فتناوله بالسوط، فانتسب له، فاستحيا منه، فذلك قوله:
                    ألا جعل الله الأخلاء كلهم ... فداء على ما كان لابن المهلب
                    وكتب الحجاج: أن آل المهلب خانوا مال الله وهربوا مني ولحقوا بسليمان، وكان آل المهلب قدموا على سليمان، وقد أمر الناس أن يحصلوا ليسرحوا إلى خراسان، لا يرون إلا أن يزيد توجه إلى خراسان ليفتن من بها فلما بلغ الوليد مكانه عند سليمان هون عليه بعض ما كان في نفسه، وطار غضبا للمال الذي ذهب به وكتب سليمان إلى الوليد: أن يزيد بن المهلب عندي وقد آمنته، وإنما عليه ثلاثة آلاف ألف، كان الحجاج أغرمهم ستة آلاف ألف فأدوا ثلاثة آلاف ألف، وبقي ثلاثة آلاف ألف، فهي علي فكتب إليه: لا والله لا اؤمنه حتى تبعث به إلي فكتب إليه: لئن أنا بعثت به إليك لأجيئن معه، فأنشدك الله ان تفضحني ولا ان تخفرني فكتب إليه: والله لئن جئتني لا أومنه فقال يزيد: ابعثني اليه، فو الله ما أحب أوقع بينك وبينه عداوة وحربا، ولا أن يتشاءم بي لكما الناس، ابعث إليه بي، وأرسل معي ابنك، واكتب إليه بألطف ما قدرت عليه فأرسل ابنه أيوب معه وكان الوليد أمره أن يبعث به إليه في وثاق، فبعث به إليه، وقال لابنه: إذا أردت أن تدخل عليه فادخل أنت ويزيد في سلسلة ثم ادخلا جميعا على الوليد، ففعل ذلك به حين انتهيا إلى الوليد، فدخلا عليه، فلما رأى الوليد ابن أخيه في سلسلة، قال: والله لقد بلغنا من سليمان! ثم إن الغلام دفع كتاب أبيه إلى عمه وقال: يا أمير المؤمنين، نفسي فداؤك! لا تخفر ذمة أبي، وأنت أحق من منعها، ولا تقطع منا رجاء من رجا السلامة في جوارنا لمكاننا منك، ولا تذل من رجا العز في الانقطاع إلينا لعزنا بك وقرأ الكتاب:
                    لعبد الله الوليد أمير المؤمنين من سليمان بن عبد الملك اما بعد يا امير المؤمنين، فو الله إن كنت لأظن لو استجار بي عدو قد نابذك وجاهدك فأنزلته وأجرته أنك لا تذل جارى، ولا تخفر جواري، بله لم أجر إلا سامعا مطيعا حسن البلاء والأثر في الإسلام هو وأبوه وأهل بيته، وقد بعثت به إليك، فإن كنت إنما تغزو قطيعتي والإخفار لذمتي، والإبلاغ في مساءتي، فقد قدرت إن أنت فعلت وأنا أعيذك بالله من احتراد قطيعتي، وانتهاك حرمتي وترك بري وصلتي، فو الله يا أمير المؤمنين ما تدري ما بقائي وبقاؤك، ولا متى يفرق الموت بيني وبينك! فإن استطاع أمير المؤمنين أدام الله سروره الا يأتي علينا أجل الوفاة إلا وهو لي واصل، ولحقي مؤد، وعن مساءتي نازع، فليفعل.
                    والله يا أمير المؤمنين ما أصبحت بشيء من أمر الدنيا بعد تقوى الله فيها بأسر مني برضاك وسرورك وإن رضاك مما ألتمس به رضوان الله، فإن كنت يا أمير المؤمنين تريد يوما من الدهر مسرتي وصلتي وكرامتي وإعظام حقي فتجاوز لي عن يزيد، وكل ما طلبته به فهو علي.
                    فلما قرأ كتابه، قال: لقد شققنا على سليمان! ثم دعا ابن أخيه فأدناه منه وتكلم يزيد فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم ثم قال:
                    يا أمير المؤمنين، إن بلاءكم عندنا أحسن البلاء، فمن ينس ذلك فلسنا ناسيه، ومن يكفر فلسنا كافريه، وقد كان من بلائنا أهل البيت في طاعتكم والطعن في أعين أعدائكم في المواطن العظام في المشارق والمغارب ما إن المنة علينا فيها عظيمة.
                    فقال له: اجلس، فجلس فآمنه وكف عنه، ورجع إلى سليمان وسعى إخوته في المال الذي عليه، وكتب إلى الحجاج:
                    أني لم أصل إلى يزيد وأهل بيته مع سليمان، فاكفف عنهم، واله عن الكتاب إلي فيهم.
                    فلما رأى ذلك الحجاج كف عنهم وكان أبو عيينة بن المهلب عند الحجاج عليه ألف ألف درهم، فتركها له، وكف عن حبيب بن المهلب.
                    ورجع يزيد إلى سليمان بن عبد الملك فأقام عنده يعلمه الهيئة، ويصنع له طيب الأطعمة، ويهدي له الهدايا العظام وكان من أحسن الناس عنده منزلة، وكان لا تأتي يزيد بن المهلب هدية إلا بعث بها إلى سليمان، ولا تأتي سليمان هدية ولا فائدة إلا بعث بنصفها إلى يزيد بن المهلب، وكان لا تعجبه جارية إلا بعث بها إلى يزيد إلا خطيئة الجارية فبلغ ذلك الوليد بن عبد الملك، فدعا الحارث بن مالك بن ربيعة الأشعري، فقال: انطلق إلى سليمان فقل له: يا خالفة أهل بيته، إن أمير المؤمنين قد بلغه أنه لا تأتيك هدية ولا فائدة إلا بعثت إلى يزيد بنصفها، وأنك تأتي الجارية من جواريك فلا ينقضي طهرها حتى تبعث بها إلى يزيد، وقبح ذلك عليه، وعيره به، أتراك مبلغا ما أمرتك به؟ قال: طاعتك طاعة، وإنما أنا رسول، قال: فأته فقل له ذلك، وأقم عنده، فإني باعث إليه بهدية فادفعها إليه، وخذ منه البراءة بما تدفع إليه .
                    ثم أقبل فمضى حتى قدم عليه وبين يديه المصحف، وهو يقرأ، فدخل عليه فسلم، فلم يرد عليه السلام حتى فرغ من قراءته، ثم رفع رأسه إليه فكلمه بكل شيء أمره به الوليد، فتمعر وجهه، ثم قال: أما والله لئن قدرت عليك يوما من الدهر لأقطعن منك طابقا! فقال له: إنما كانت علي الطاعة .
                    ثم خرج من عنده فلما أتى بذلك الذي بعث به الوليد إلى سليمان دخل عليه الحارث بن ربيعة الأشعري وقال له: أعطني البراءة بهذا الذي دفعت إليك، فقال: كيف قلت لي؟ قال: لا اعيده عالما أبدا، إنما كان علي فيه الطاعة فسكن، وعلم أن قد صدقه الرجل، ثم خرج وخرجوا معه، فقال: خذوا نصف هذه الأعدال وهذه الأسفاط وابعثوا بها إلى يزيد .
                    قال: فعلم الرجل أنه لا يطيع في يزيد أحدا، ومكث يزيد بن المهلب عند سليمان تسعة أشهر .
                    وتوفي الحجاج سنة خمس وتسعين في رمضان لتسع بقين منه في يوم الجمعة .

                    وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
                    أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار

                    تعليق


                    • #40
                      رد: صحيح وضعيف تاريخ الطبري حققه وخرج رواياته وعلق عليه محمد بن طاهر البرزنجي[ج9]

                      ثم دخلت سنة إحدى وتسعين
                      ذكر ما كان فيها من الأحداث
                      تتمة خبر قتيبة مع نيزك
                      وأما الباهليون فيقولون: لم يؤمنه ولم يؤمنه سليم، فلما أراد قتله دعا به ودعا بسيف حنفي فانتضاه وطول كميه ثم ضرب عنقه بيده، وأمر عبد الرحمن فضرب عنق صول، وأمر صالحا فقتل عثمان- ويقال: شقران ابن أخي نيزك- وقال لبكر بن حبيب السهمي من باهلة: هل بك قوة؟ قال: نعم، واريد- وكانت في بكر أعرابية- فقال: دونك هؤلاء الدهاقين قال: وكان إذا أتي برجل ضرب عنقه وقال: أوردوا ولا تصدروا، فكان من قتل يومئذ اثنا عشر ألفا في قول الباهليين، وصلب نيزك وابنى أخيه في أصل عين تدعى وخش خاشان في أسكيمشت، فقال المغيرة بن حبناء يذكر ذلك في كلمة له طويلة:
                      لعمري لنعمت غزوة الجند غزوة ... قضت نحبها من نيزك وتعلت
                      قال: واطلق قتيبة جبغويه ومن عليه، وبعث به إلى الوليد، فلم يزل بالشام حتى مات الوليد ورجع قتيبة إلى مرو، واستعمل أخاه عبد الرحمن على بلخ، فكان الناس يقولون: غدر قتيبة بنيزك، فقال ثابت قطنة:
                      لا تحسبن الغدر حزما فربما ... ترقت به الأقدام يوما فزلت
                      وقال: وكان الحجاج يقول: بعثت قتيبة فتى غرا فما زدته ذراعا إلا
                      زادني باعا.
                      قال علي: أخبرنا حمزة بن إبراهيم، عن أشياخ من أهل خراسان، وعلي بن مجاهد، عن حنبل بن أبي حريدة، عن مرزبان قهستان وغيرهما، أن قتيبة بن مسلم لما رجع إلى مرو وقتل نيزك طلب ملك الجوزجان- وكان قد هرب عن بلاده- فأرسل يطلب الأمان، فآمنه على أن يأتيه فيصالحه، فطلب رهنا يكونون في يديه ويعطي رهائن، فأعطى قتيبة حبيب بن عبد الله بن عمرو بن حصين الباهلي، وأعطى ملك الجوزجان رهائن من أهل بيته، فخلف ملك الجوزجان حبيبا بالجوزجان في بعض حصونه، وقدم على قتيبة فصالحه، ثم رجع فمات بالطالقان.
                      فقال أهل الجوزجان سموه، فقتلوا حبيبا، وقتل قتيبة الرهن الذين كانوا عنده، فقال نهار بن توسعة لقتيبة:
                      أراك الله في الأتراك حكما ... كحكم في قريظة والنضير
                      قضاء من قتيبة غير جور ... به يشفى الغليل من الصدور
                      فإن ير نيزك خزيا وذلا ... فكم في الحرب حمق من أمير!
                      وقال المغيرة بن حبناء يمدح قتيبة ويذكر قتل نيزك وصول ابن أخي نيزك وعثمان- أو شقران:
                      لمن الديار عفت بسفح سنام ... إلا بقية أيصر وثمام
                      عصف الرياح ذيولها فمحونها ... وجرين فوق عراصها بتمام
                      دار لجارية كأن رضا بها ... مسك يشاب مزاجه بمدام
                      أبلغ أبا حفص قتيبة مدحتي ... واقرأ عليه تحيتي وسلامي
                      يا سيف أبلغها فإن ثناءها ... حسن وإنك شاهد لمقامي
                      يسمو فتتضع الرجال إذا سما ... لقتيبة الحامي حمى الإسلام
                      لأغر منتجب لكل عظيمة ... نحر يباح به العدو لهام
                      يمضي إذا هاب الجبان وأحمشت ... حرب تسعر نارها بضرام
                      تروى القناة مع اللواء أمامه ... تحت اللوامع والنحور دوام
                      والهام تفريه السيوف كأنه ... بالقاع حين تراه قيض نعام
                      وترى الجياد مع الجياد ضوامرا ... بفنائه لحوادث الأيام
                      وبهن أنزل نيزكا من شاهق ... والكرز حيث يروم كل مرام
                      وأخاه شقرانا سقيت بكأسه ... وسقيت كأسهما أخا باذام
                      وتركت صولا حين صال مجدلا ... يركبنه بدوابر وحوام

                      خبر غزو قتيبة شومان وكس ونسف
                      وفي هذه السنة- أعني سنة إحدى وتسعين- غزا قتيبة شومان وكس ونسف غزوته الثانية وصالح طوخان.
                      *ذكر الخبر عن ذلك:
                      قال علي: أخبرنا بشر بن عيسى عن أبي صفوان، وأبو السري وجبلة بن فروخ عن سليمان بن مجالد، والحسن بن رشيد عن طفيل بن مرداس العمي، وأبو السري المروزي عن عمه، وبشر بن عيسى وعلى ابن مجاهد، عن حنبل بن أبي حريدة عن مرزبان قهستان، وعياش ابن عبد الله الغنوي، عن أشياخ من أهل خراسان، قال: وحدثني ظئري- كل قد ذكر شيئا، فألفته، وأدخلت من حديث بعضهم في حديث بعض- أن فيلسنشب باذق- وقال بعضهم: قيسبشتان ملك شومان- طرد عامل قتيبة ومنع الفدية التي صالح عليها قتيبة، فبعث إليه قتيبة عياشا الغنوي ومعه رجل من نساك أهل خراسان يدعوان ملك شومان إلى أن يؤدي الفدية على ما صالح عليه قتيبة، فقد ما البلد، فخرجوا إليهما فرموهما، فانصرف الرجل وأقام عياش الغنوي فقال: اما هاهنا مسلم! فخرج إليه رجل من المدينة فقال: أنا مسلم، فما تريد؟ قال: تعينني على جهادهم، قال: نعم، فقال له عياش: كن خلفي لتمنع لي ظهري، فقام خلفه- وكان اسم الرجل المهلب- فقاتلهم عياش، فحمل عليهم، فتفرقوا عنه، وحمل المهلب على عياش من خلفه فقتله، فوجدوا به ستين جراحة، فغمهم قتله، وقالوا: قتلنا رجلا شجاعا.
                      وبلغ قتيبة، فسار إليهم بنفسه، وأخذ طريق بلخ، فلما أتاها قدم أخاه عبد الرحمن، واستعمل على بلخ عمرو بن مسلم، وكان ملك شومان صديقا لصالح بن مسلم، فأرسل إليه صالح رجلا يأمره بالطاعة، ويضمن له رضا قتيبة إن رجع إلى الصلح، فأبى وقال لرسول صالح: ما تخوفني به من قتيبة، وأنا أمنع الملوك حصنا أرمي أعلاه، وأنا أشد الناس قوسا وأشد الناس رميا، فلا تبلغ نشابتي نصف حصني، فما أخاف من قتيبة! فمضى قتيبة من بلخ فعبر النهر، ثم أتى شومان وقد تحصن ملكها فوضع عليه المجانيق، ورمى حصنه فهشمه، فلما خاف أن يظهر عليه، ورأى ما نزل به جمع ما كان له من مال وجوهر فرمى به في عين في وسط القلعة لا يدرك قعرها.
                      قال: ثم فتح القلعة وخرج إليهم فقاتلهم فقتل، وأخذ قتيبة القلعة عنوة، فقتل المقاتلة وسبى الذرية، ثم رجع إلى باب الحديد فأجاز منه إلى كس ونسف، وكتب إليه الحجاج، أن كس بكس وانسف نسف، وإياك والتحويط ففتح كس ونسف، وامتنع عليه فرياب فحرقها فسميت المحترقة وسرح قتيبة من كس ونسف أخاه عبد الرحمن بن مسلم إلى السغد، إلى طرخون، فسار حتى نزل بمرج قريبا منهم، وذلك في وقت العصر، فانتبذ الناس وشربوا حتى عبثوا وعاثوا وأفسدوا، فأمر عبد الرحمن أبا مرضية- مولى لهم- أن يمنع الناس من شرب العصير، فكان يضربهم ويكسر آنيتهم ويصب نبيذهم، فسال في الوادي، فسمي مرج النبيذ، فقال بعض شعرائهم:
                      أما النبيذ فلست أشربه ... أخشى أبا مرضيه الكلب
                      متعسفا يسعى بشكته ... يتوثب الحيطان للشرب
                      فقبض عبد الرحمن من طرخون شيئا كان قد صالحه عليه قتيبة، ودفع إليه رهنا كانوا معه، وانصرف عبد الرحمن إلى قتيبة وهو ببخارى، فرجعوا إلى مرو، فقالت السغد لطرخون: إنك قد رضيت بالذل واستطبت الجزية، وأنت شيخ كبير فلا حاجة لنا بك قال: فولوا من أحببتم قال: فولوا غوزك، وحبسوا طرخون، فقال طرخون: ليس بعد سلب الملك إلا القتل، فيكون ذلك بيدي أحب إلي من أن يليه مني غيري، فاتكأ على سيفه حتى خرج من ظهره قال: وإنما صنعوا بطرخون هذا حين خرج قتيبة إلى سجستان وولوا غوزك.
                      وأما الباهليون فيقولون: حصر قتيبة ملك شومان، ووضع على قلعته المجانيق، ووضع منجنيقا كان يسميها الفحجاء، فرمى بأول حجر فأصاب الحائط، ورمى بآخر فوقع في المدينة، ثم تتابعت الحجارة في المدينة فوقع حجر منها في مجلس الملك، فأصاب رجلا فقتله، ففتح القلعة عنوة، ثم رجع إلى كس ونسف، ثم مضى إلى بخارى فنزل قرية فيها بيت نار وبيت آلهة، وكان فيها طواويس، فسموه منزل الطواويس، ثم سار إلى طرخون بالسغد ليقبض منه ما كان صالحه عليه، فلما أشرف على وادي السغد فرأى حسنه تمثل:
                      واد خصيب عشيب ظل يمنعه ... من الأنيس حذار اليوم ذي الرهج
                      وردته بعنانيج مسومة ... يردين بالشعث سفاكين للمهج
                      قال: فقبض من طرخون صلحه، ثم رجع إلى بخارى فملك بخارى خذاه غلاما حدثا، وقتل من خاف أن يضاده، ثم أخذ على آمل ثم أتى مرو.
                      قال: وذكر الباهليون عن بشار بن عمرو، عن رجل من باهلة، قال: لم يفرغ الناس من ضرب أبنيتهم حتى افتتحت القلعة .

                      ولاية خالد بن عبد الله القسرى على مكة
                      فذكر محمد بن عمر الواقدي أن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة حدثه عن نافع مولى بني مخزوم، قال: سمعت خالد بن عبد الله يقول:
                      يايها الناس، إنكم بأعظم بلاد الله حرمة، وهي التي اختار الله من البلدان، فوضع بها بيته، ثم كتب على عباده حجه من استطاع إليه سبيلا .
                      أيها الناس، فعليكم بالطاعة، ولزوم الجماعة، وإياكم والشبهات، فإني والله ما أوتي بأحد يطعن على إمامه إلا صلبته في الحرم إن الله جعل الخلافة منه بالموضع الذي جعلها، فسلموا وأطيعوا، ولا تقولوا كيت وكيت إنه لا رأي فيما كتب به الخليفة أو رآه إلا إمضاؤه، واعلموا أنه بلغني أن قوما من أهل الخلاف يقدمون عليكم، ويقيمون في بلادكم، فإياكم أن تنزلوا أحدا ممن تعلمون أنه زائغ عن الجماعة، فإني لا أجد أحدا منهم في منزل أحد منكم إلا هدمت منزله، فانظروا من تنزلون في منازلكم، وعليكم بالجماعة والطاعة، فإن الفرقة هي البلاء العظيم.
                      قال محمد بن عمرو: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن موسى بن عقبة عن أبي حبيبة، قال: اعتمرت فنزلت دور بني أسد في منازل الزبير، فلم أشعر الا به يدعوني، فدخلت عليه، فقال: من أنت؟ قلت: من أهل المدينة، قال: ما أنزلك في منازل المخالف للطاعة! قلت: إنما مقامي أن أقمت يوما أو بعضه، ثم أرجع إلى منزلي وليس عندي خلاف، أنا ممن يعظم أمر الخلافة، وأزعم أن من جحدها فقد هلك قال: فلا عليك ما أقمت، إنما يكره أن يقيم من كان زاريا على الخليفة، قلت: معاذ الله!
                      وسمعته يوما يقول: والله لو أعلم أن هذه الوحش التي تأمن في الحرم لو نطقت لم تقر بالطاعة لأخرجتها من الحرم إنه لا يسكن حرم الله وأمنه مخالف للجماعة، زار عليهم قلت: وفق الله الأمير.
                      وكذلك قال محمد بن عمر: حدثني موسى بن أبي بكر، قال: حدثنا صالح بن كيسان، قال: لما حضر قدوم الوليد أمر عمر بن عبد العزيز عشرين رجلا من قريش يخرجون معه، فيتلقون الوليد بن عبد الملك، منهم أبو بكر بن عبد الرحمن بن عبد الحارث بن هشام، وأخوه محمد بن عبد الرحمن، وعبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان، فخرجوا حتى بلغوا السويداء، وهم مع عمر بن عبد العزيز- وفي الناس يومئذ دواب وخيل- فلقوا الوليد وهو على ظهر، فقال لهم الحاجب: انزلوا لأمير المؤمنين، فنزلوا، ثم أمرهم فركبوا، فدعا بعمر بن عبد العزيز فسايره حتى نزل بذي خشب، ثم أحضروا، فدعاهم رجلا رجلا، فسلموا عليه، ودعا بالغداء، فتغدوا عنده، وراح من ذي خشب، فلما دخل المدينة غدا إلى المسجد ينظر إلى بنائه، فأخرج الناس منه، فما ترك فيه أحد، وبقي سعيد بن المسيب ما يجترئ أحد من الحرس أن يخرجه، وما عليه إلا ريطتان ما تساويان إلا خمسة دراهم في مصلاه، فقيل له: لو قمت! قال: والله لا أقوم حتى يأتي الوقت الذي كنت أقوم فيه قيل: فلو سلمت على أمير المؤمنين! قال: والله لا أقوم إليه قال عمر بن عبد العزيز: فجعلت اعدل بالوليد في ناحيه المسجد رجاء الا يرى سعيدا حتى يقوم، فحانت من الوليد نظرة إلى القبلة، فقال: من ذلك الجالس؟ أهو الشيخ سعيد بن المسيب؟ فجعل عمر يقول: نعم يا أمير المؤمنين ومن حاله ومن حاله ولو علم بمكانك لقام فسلم عليك، وهو ضعيف البصر.
                      قال الوليد: قد علمت حاله، ونحن نأتيه فنسلم عليه، فدار في المسجد حتى وقف على القبر، ثم أقبل حتى وقف على سعيد فقال: كيف أنت ايها الشيخ؟ فو الله ما تحرك سعيد ولا قام، فقال: بخير والحمد لله، فكيف أمير المؤمنين وكيف حاله؟ قال الوليد: خير والحمد لله فانصرف وهو يقول لعمر: هذا بقية الناس، فقلت: أجل يا أمير المؤمنين.
                      قال: وقسم الوليد بالمدينة رقيقا كثيرا عجما بين الناس، وآنية من ذهب وفضة، وأموالا وخطب بالمدينة في الجمعة وصلى بهم.
                      قال محمد بن عمر: وحدثني إسحاق بن يحيى، قال: رأيت الوليد يخطب على منبر رسول الله ص يوم الجمعة عام حج، قد صف له جنده صفين من المنبر إلى جدار مؤخر المسجد، في أيديهم الجرزة وعمد الحديد على العواتق، فرأيته طلع في دراعة وقلنسوة، ما عليه رداء، فصعد المنبر، فلما صعد سلم ثم جلس فأذن المؤذنون، ثم سكتوا، فخطب الخطبة الأولى وهو جالس، ثم قام فخطب الثانية قائما، قال إسحاق: فلقيت رجاء بن حيوة وهو معه، فقلت: هكذا يصنعون! قال: نعم، وهكذا صنع معاوية فهلم جرا، قلت: أفلا تكلمه؟ قال: أخبرني قبيصة بن ذؤيب أنه كلم عبد الملك بن مروان فأبى أن يفعل، وقال: هكذا خطب عثمان، فقلت: والله ما خطب هكذا، ما خطب عثمان إلا قائما قال رجاء: روي لهم هذا فأخذوا به.
                      قال إسحاق: لم نر منهم أحدا أشد تجبرا منه.
                      قال محمد بن عمر: وقدم بطيب مسجد رسول الله ص ومجمره وبكسوة الكعبة فنشرت وعلقت على حبال في المسجد من ديباج حسن لم ير مثله قط، فنشرها يوما وطوي ورفع.

                      وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
                      أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار

                      تعليق


                      • #41
                        رد: صحيح وضعيف تاريخ الطبري حققه وخرج رواياته وعلق عليه محمد بن طاهر البرزنجي[ج9]

                        ثم دخلت سنة اثنتين وتسعين
                        ذكر الأحداث التي كانت فيها
                        فتح الأندلس
                        زعم الواقدي أنه يقال له أدرينوق، وكان رجلا من أهل أصبهان، قال: وهم ملوك عجم الأندلس- فزحف له طارق بجميع من معه، فزحف الأدرينوق في سرير الملك، وعلى الأدرينوق تاجه وقفازه وجميع الحلية التي كان يلبسها الملوك، فاقتتلوا قتالا شديدا حتى قتل الله الأدرينوق، وفتح الأندلس سنة اثنتين وتسعين.


                        ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين
                        ذكر الأحداث التي كانت فيها
                        صلح قتيبة ملك خوارزم شاه وفتح خام جرد
                        *ذكر الخبر عن سبب ذلك وكيف كان الأمر فيه:
                        ذكر علي بن محمد أن أبا الذيال أخبره عن المهلب بن إياس والحسن بن رشيد، عن طفيل بن مرداس العمي وعلي بن مجاهد، عن حنبل ابن أبي حريدة، عن مرزبان قهستان وكليب بن خلف والباهليين وغيرهم- وقد ذكر بعضهم ما لم يذكر بعض فألفته- أن ملك خوارزم كان ضعيفا، فغلبه أخوه خرزاذ على أمره- وخرزاذ أصغر منه- فكان إذا بلغه أن عند أحد ممن هو منقطع إلى الملك جارية أو دابة أو متاعا فاخرا أرسل فأخذه، أو بلغه أن لأحد منهم بنتا أو أختا أو امرأة جميلة أرسل إليه فغصبه، وأخذ ما شاء، وحبس ما شاء، لا يمتنع عليه أحد، ولا يمنعه الملك، فإذا قيل له، قال: لا أقوى عليه، وقد ملأه مع هذا غيظا، فلما طال ذلك منه عليه كتب إلى قتيبة يدعوه إلى أرضه يريد أن يسلمها إليه، وبعث إليه بمفاتيح مدائن خوارزم، ثلاثة مفاتيح من ذهب، واشترط عليه أن يدفع إليه أخاه وكل من كان يضاده، يحكم فيه بما يرى وبعث في ذلك رسلا، ولم يطلع أحدا من مرازبته ولا دهاقينه على ما كتب به إلى قتيبة، فقدمت رسله على قتيبة في آخر الشتاء ووقت الغزو، وقد تهيأ للغزو، فأظهر قتيبة أنه يريد السغد، ورجع رسل خوارزم شاه إليه بما يحب من قبل قتيبة، وسار واستخلف على مرو ثابتا الأعور مولى مسلم.
                        قال: فجمع ملوكه وأحباره ودهاقينه فقال: إن قتيبة يريد السغد، وليس بغازيكم، فهلم نتنعم في ربيعنا هذا فأقبلوا على الشرب، والتنعم، وأمنوا عند أنفسهم الغزو.
                        قال: فلم يشعروا حتى نزل قتيبة في هزار سب دون النهر، فقال خوارزم شاه لأصحابه: ما ترون؟ قالوا: نرى أن نقاتله، قال: لكني لا أرى ذلك، قد عجز عنه من هو أقوى منا وأشد شوكة، ولكني أرى أن نصرفه بشيء نؤديه إليه، فنصرفه عامنا هذا، ونرى رأينا. قالوا: ورأينا رأيك فأقبل خوارزم شاه فنزل في مدينة الفيل من وراء النهر.
                        قال: ومدائن خوارزم شاه ثلاث مدائن يطيف بها فارقين واحد، فمدينة الفيل احصهن، فنزلها خوارزم شاه- وقتيبة في هزار سب دون النهر لم يعبره بينه وبين خوارزم شاه نهر بلخ- فصالحه على عشرة آلاف راس، وعين ومتاع، وعلى أن يعينه على ملك خام جرد، وأن يفي له بما كتب إليه، فقبل ذلك منه قتيبة، ووفى له وبعث قتيبة أخاه إلى ملك خام جرد، وكان يعادي خوارزم شاه، فقاتله، فقتله عبد الرحمن، وغلب على أرضه وقدم منهم على قتيبة بأربعة آلاف اسير، فقتلهم، وامر قتيبة لما جاء بهم عبد الرحمن بسريره فأخرج وبرز للناس قال: وأمر بقتل الأسرى فقتل بين يديه ألف وعن يمينه ألف وعن يساره ألف وخلف ظهره ألف قال: قال المهلب بن إياس: أخذت يومئذ سيوف الأشراف فضرب بها الأعناق، فكان فيها ما لا يقطع ولا يجرح، فأخذوا سيفي فلم يضرب به شيء إلا أبانه، فحسدني بعض آل قتيبة، فغمز الذي يضرب أن أصفح به، فصفح به قليلا، فوقع في ضرس المقتول فثلمه.
                        قال أبو الذيال: والسيف عندي قال: ودفع قتيبة إلى خوارزم شاه أخاه
                        ومن كان يخالفه فقتلهم، واصطفى أموالهم فبعث بها إلى قتيبة، ودخل قتيبة مدينة فيل، فقبل من خوارزم شاه ما صالحه عليه، ثم رجع الى هزار سب وقال كعب الأشقري:
                        رمتك فيل بما فيها وما ظلمت ... ورامها قبلك الفجفاجة الصلف
                        لا يجزى الثغر خوار القناة ولا ... هش المكاسر والقلب الذي يجف
                        هل تذكرون ليالي الترك تقتلهم ... ما دون كازة والفجفاج ملتحف
                        لم يركبوا الخيل إلا بعد ما كبروا ... فهم ثقال على أكتافها عنف
                        أنتم شباس ومرداذان محتقر ... وبسخراء قبور حشوها القلف
                        إني رأيت أبا حفص تفضله ... أيامه ومساعي الناس تختلف
                        قيس صريح وبعض الناس يجمعهم ... قرى وريف فمنسوب ومقترف
                        لو كنت طاوعت أهل العجز ما اقتسموا ... سبعين ألفا وعز السغد مؤتنف
                        وفي سمرقند أخرى أنت قاسمها ... لئن تأخر عن حوبائك التلف
                        ما قدم الناس من خير سبقت به ... ولا يفوتك مما خلفوا شرف
                        قال: انشدنى على بن مجاهد:
                        رمتك فيل بما دون كاز.
                        قال: وكذلك قال الحسن بن رشيد الجوزجاني، وأما غيرهما فقال:
                        رمتك فيل بما فيها.
                        وقالوا: فيل مدينة سمرقند، قال: وأثبتها عندي قول علي بن مجاهد.
                        قال: وقال الباهليون: أصاب قتيبة من خوارزم مائة ألف رأس قال:
                        وكان خاصة قتيبة كلموه سنة ثلاث وتسعين وقالوا: الناس كانون قدموا
                        من سجستان فأجمهم عامهم هذا، فأبى قال: فلما صالح أهل خوارزم سار إلى السغد، فقال الأشقري:
                        لو كنت طاوعت أهل العجز ما اقتسموا ... سبعين ألفا وعز السغد مؤتنف

                        فتح سمرقند
                        ذكر الخبر عن ذلك:
                        قد تقدم ذكري الإسناد عن القوم الذين ذكر علي بن محمد أنه أخذ عنهم حين صالح قتيبة صاحب خوارزم، ثم ذكر مدرجا في ذلك أن قتيبة لما قبض صلح خوارزم قام اليه المجشر بن مزاحم السلمي فقال: إن لي حاجة، فأخلني، فأخلاه، فقال: إن أردت السغد يوما من الدهر فالآن، فإنهم آمنون من أن تأتيهم من عامك هذا، وإنما بينك وبينهم عشرة أيام.
                        قال: أشار بهذا عليك أحد؟ قال: لا، قال: فأعلمته أحدا؟ قال: لا، قال: والله لئن تكلم به أحد لأضربن عنقك فأقام يومه ذلك، فلما أصبح من الغد دعا عبد الرحمن فقال: سر في الفرسان والمرامية، وقدم الأثقال إلى مرو، فوجهت الأثقال إلى مرو، ومضى عبد الرحمن يتبع الأثقال يريد مرو، يومه كله، فلما أمسى كتب إليه: إذا أصبحت فوجه الأثقال إلى مرو وسر في الفرسان والمرامية نحو السغد، وأكتم الأخبار، فإني بالأثر.
                        قال: فلما أتى عبد الرحمن الخبر أمر أصحاب الأثقال أن يمضوا إلى مرو، وسار حيث أمره، وخطب قتيبة الناس فقال:
                        إن الله قد فتح لكم هذه البلدة في وقت الغزو فيه ممكن، وهذه السغد شاغرة برجلها، قد نقضوا العهد الذي كان بيننا، منعونا ما كنا صالحنا عليه طرخون، وصنعوا به ما بلغكم، وقال الله: «فمن نكث فإنما ينكث على نفسه» ، فسيروا على بركة الله، فإني أرجو أن يكون خوارزم والسغد كالنضير وقريظة، وقال الله: «وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها».
                        قال: فأتى السغد وقد سبقه إليها عبد الرحمن بن مسلم في عشرين ألفا، وقدم عليه قتيبة في أهل خوارزم وبخارى بعد ثلاثة أو أربعة من نزول عبد الرحمن بهم، فقال: إنا إذا نزلنا بساحة قوم «فساء صباح المنذرين» فحصرهم شهرا، فقاتلوا في حصارهم مرارا من وجه واحد.
                        وكتب أهل السغد وخافوا طول الحصار إلى ملك الشاش وإخشاذ فرغانة:
                        أن العرب إن ظفروا بنا عادوا عليكم بمثل ما أتونا به، فانظروا لأنفسكم.
                        فأجمعوا على أن يأتوهم، وأرسلوا إليهم: أرسلوا من يشغلهم حتى نبيت عسكرهم.
                        قال: وانتخبوا فرسانا من أبناء المرازبة والأساورة والأشداء الأبطال فوجهوهم وأمروهم أن يبيتوا عسكرهم، وجاءت عيون المسلمين فأخبروهم:
                        فانتخب قتيبة ثلاثمائة او ستمائه من اهل النجده، واستعمل عليهم صالح ابن مسلم، فصيرهم في الطريق الذي يخاف أن يؤتى منه وبعث صالح عيونا يأتونه بخبر القوم، ونزل على فرسخين من عسكر القوم، فرجعت إليه عيونه فأخبروه أنهم يصلون إليه من ليلتهم، ففرق صالح خيله ثلاث فرق، فجعل كمينا في موضعين، وأقام على قارعة الطريق، وطرقهم المشركون ليلا، ولا يعلمون بمكان صالح، وهم آمنون في أنفسهم من أن يلقاهم أحد دون العسكر، فلم يعلموا بصالح حتى غشوه قال: فشدوا عليه حتى إذا اختلفت الرماح بينهم خرج الكمينان فاقتتلوا قال: وقال رجل من البراجم: حصرتهم فما رأيت قط قوما كانوا أشد قتالا من أبناء أولئك الملوك ولا أصبر، فقتلناهم فلم يفلت منهم إلا نفر يسير وحوينا سلاحهم، واحتززنا رءوسهم، وأسرنا منهم أسرى، فسألناهم عمن قتلنا، فقالوا: ما قتلتم إلا ابن ملك، أو عظيما من العظماء، أو بطلا من الأبطال، ولقد قتلتم رجالا إن كان الرجل ليعدل بمائة رجل فكتبنا على آذانهم، ثم دخلنا العسكر حين أصبحنا وما منا رجل إلا معلق رأسا معروفا باسمه، وسلبنا من جيد السلاح وكريم المتاع ومناطق الذهب ودواب فرهة فنفلنا قتيبة ذلك كله وكسر ذلك أهل السغد، ووضع قتيبة عليهم المجانيق، فرماهم بها، وهو في ذلك يقاتلهم لا يقلع عنهم، وناصحه من معه من أهل بخارى وأهل خوارزم، فقاتلوا قتالا شديدا، وبذلوا أنفسهم.
                        فأرسل إليه غوزك: إنما تقاتلني بإخوتي وأهل بيتي من العجم، فأخرج إلي العرب، فغضب قتيبة ودعا الجدلي فقال: اعرض الناس، وميز، أهل البأس فجمعهم، ثم جلس قتيبة يعرضهم بنفسه، ودعا العرفاء فجعل يدعو برجل رجل فيقول: ما عندك؟ فيقول العريف: شجاع، ويقول: ما هذا؟ فيقول: مختصر، ويقول: ما هذا؟ فيقول: جبان، فسمى قتيبة الجبناء الأنتان، وأخذ خيلهم وجيد سلاحهم فأعطاه الشجعان والمختصرين، وترك لهم رث السلاح، ثم زحف بهم فقاتلهم بهم فرسانا ورجالا، ورمى المدينة بالمجانيق، فثلم فيها ثلمة فسدوها بغرائر الدخن، وجاء رجل حتى قام على الثلمة فشتم قتيبة، وكان مع قتيبة قوم رماة، فقال لهم قتيبة: اختاروا منكم رجلين، فاختاروا، فقال: أيكما يرمي هذا الرجل، فإن أصابه فله عشرة آلاف، وإن أخطأه قطعت يده؟ فتلكأ أحدهما وتقدم الآخر، فرماه فلم يخطئ عينه، فأمر له بعشرة آلاف .
                        قال: وأخبرنا الباهليون، عن يحيى بن خالد، عن أبيه خالد بن باب مولى مسلم بن عمرو، قال: كنت في رماة قتيبة، فلما افتتحنا المدينة صعدت السور فأتيت مقام ذلك الرجل الذي كان فيه فوجدته ميتا على الحائط، ما أخطأت النشابة عينه حتى خرجت من قفاه، ثم أصبحوا من غد فرموا المدينة، فثلموا فيها وقال قتيبة: ألحوا عليها حتى تعبروا الثلمة، فقاتلوهم حتى صاروا على ثلمة المدينة، ورماهم السغد بالنشاب، فوضعوا ترستهم فكان الرجل يضع ترسه على عينه، ثم يحمل حتى صاروا على الثلمة، فقالوا له: انصرف عنا اليوم حتى نصالحك غدا .
                        فأما باهلة فيقولون: قال قتيبة: لا نصالحهم إلا ورجالنا على الثلمة، ومجانيقنا تخطر على رءوسهم ومدينتهم .
                        قال: وأما غيرهم فيقولون: قال قتيبة: جزع العبيد، فانصرفوا على ظفركم، فانصرفوا، فصالحهم من الغد على ألفي ألف ومائتي ألف في كل عام، على أن يعطوه تلك السنة ثلاثين ألف رأس، ليس فيهم صبي ولا شيخ ولا عيب، على أن يخلوا المدينة لقتيبة فلا يكون لهم فيها مقاتل، فيبنى له فيه مسجد فيدخل ويصلي، ويوضع له فيها منبر فيخطب، ويتغدى ويخرج .
                        قال: فلما تم الصلح بعث قتيبة عشرة، من كل خمس برجلين، فقبضوا ما صالحوهم عليه، فقال قتيبة: الآن ذلوا حين صار إخوانهم وأولادهم في أيديكم ثم أخلوا المدينة وبنوا مسجدا ووضعوا منبرا، ودخلها في أربعة آلاف انتخبهم، فلما دخلها أتى المسجد فصلى وخطب ثم تغدى، وأرسل إلى أهل السغد: من أراد منكم أن يأخذ متاعه فليأخذه، فإني لست خارجا منها، وإنما صنعت هذا لكم، ولست آخذ منكم أكثر مما صالحتكم عليه، غير أن الجند يقيمون فيها.
                        قال: أما الباهليون فيقولون: صالحهم قتيبة على مائة ألف رأس، وبيوت النيران وحلية الأصنام، فقبض ما صالحهم عليه، وأتى بالأصنام فسلبت، ثم وضعت بين يديه، فكانت كالقصر العظيم حين جمعت، فأمر بتحريقها، فقالت الأعاجم: إن فيها أصناما من حرقها هلك، فقال قتيبة أنا أحرقها بيدي، فجاء غوزك، فجثا بين يديه وقال:
                        أيها الأمير، إن شكرك علي واجب، لا تعرض لهذه الأصنام، فدعا قتيبة بالنار وأخذ شعلة بيده، وخرج فكبر، ثم أشعلها، وأشعل الناس فاضطرمت، فوجدوا من بقايا ما كان فيها من مسامير الذهب والفضة خمسين ألف مثقال.
                        قال: وأخبرنا مخلد بن حمزة بن بيض، عن أبيه، قال: حدثني من شهد قتيبة وفتح سمرقند أو بعض كور خراسان فاستخرجوا منها قدورا عظاما من نحاس، فقال قتيبة لحضين: يا أبا ساسان، أترى رقاش كان لها مثل هذه القدور؟ قال: لا، لكن كان لعيلان قدر مثل هذه القدور، فضحك قتيبة وقال: أدركت بثأرك.
                        قال: وقال محمد بن أبي عيينة لسلم بن قتيبة بين يدي سليمان بن علي: إن العجم ليعيرون قتيبة الغدر إنه غدر بخوارزم وسمرقند.
                        قال: فأخبرنا شيخ من بني سدوس عن حمزة بن بيض قال: أصاب قتيبة بخراسان بالسغد جارية من ولد يزدجرد، فقال: أترون ابن هذه يكون هجينا؟ فقالوا: نعم، يكون هجينا من قبل أبيه، فبعث بها إلى الحجاج، فبعث بها الحجاج إلى الوليد، فولدت له يزيد ابن الوليد.
                        قال: وأخبرنا بعض الباهليين، عن نهشل بن يزيد، عن عمه- وكان قد أدرك ذلك كله- قال: لما رأى غوزك إلحاح قتيبة عليهم كتب إلى ملك الشاش وإخشاذ فرغانة وخاقان: إنا نحن دونكم فيما بينكم وبين العرب، فإن وصل إلينا كنتم أضعف وأذل، فمهما كان عندكم من قوة فابذلوها، فنظروا في أمرهم فقالوا: إنما نؤتى من سفلتنا، وإنهم لا يجدون كوجدنا، ونحن معشر الملوك المعنيون بهذا الأمر، فانتخبوا أبناء الملوك وأهل النجدة من فتيان ملوكهم، فليخرجوا حتى يأتوا عسكر قتيبة فليبيت، فإنه مشغول بحصار السغد، ففعلوا، ولوا عليهم ابنا لخاقان، وساروا وقد أجمعوا أن يبيتوا العسكر، وبلغ قتيبة فانتخب أهل النجدة والبأس ووجوه الناس، فكان شعبة بن ظهير وزهير بن حيان فيمن انتخب، فكانوا أربعمائة، فقال لهم: إن عدوكم قد رأوا بلاء الله عندكم، وتأييده إياكم في مزاحفتكم ومكاثرتكم، كل ذلك يفلجكم الله عليهم، فأجمعوا على أن يحتالوا غرتكم وبياتكم، واختاروا دهاقينهم وملوكهم، وأنتم دهاقين العرب وفرسانهم، وقد فضلكم الله بدينه، فابلوا الله بلاء حسنا تستوجبون به الثواب، مع الذب عن أحسابكم .
                        قال: ووضع قتيبة عيونا على العدو حتى إذا قربوا منه قدر ما يصلون إلى عسكره من الليل أدخل الذين انتخبهم، فكلمهم وحضهم، واستعمل عليهم صالح بن مسلم، فخرجوا من العسكر عند المغرب، فساروا، فنزلوا على فرسخين من العسكر على طريق القوم الذين وصفوا لهم، ففرق صالح خيله، وأكمن كمينا عن يمينه، وكمينا عن يساره، حتى إذا مضى نصف الليل أو ثلثاه، جاء العدو باجتماع وإسراع وصمت، وصالح واقف في خيله، فلما رأوه شدوا عليه، حتى إذا اختلفت الرماح شد الكمينان عن يمين وعن شمال، فلم نسمع إلا الاعتزاء، فلم نر قوما كانوا أشد منهم.
                        قال: وقال رجل من البراجم: حدثني زهير أو شعبة قال: إنا لنختلف عليهم بالطعن والضرب إذ تبينت تحت الليل قتيبة، وقد ضربت ضربة أعجبتني وأنا أنظر إلى قتيبة، فقلت: كيف ترى بأبي أنت وأمي! قال: اسكت دق الله فاك! قال: فقتلناهم فلم يفلت منهم إلا الشريد، وأقمنا نحوي الأسلاب ونحتز الرءوس حتى أصبحنا، ثم أقبلنا إلى العسكر، فلم أر جماعة قط جاءوا بمثل ما جئنا به، ما منا رجل إلا معلق رأسا معروفا باسمه، وأسير في وثاقه.
                        قال: وجئنا قتيبة بالرءوس، فقال: جزاكم الله عن الدين والأعراض خيرا.
                        وأكرمني قتيبة من غير أن يكون باح لي بشيء، وقرن بي في الصلة والاكرام حيان العدوى وحليسا الشيباني، فظننت أنه رأى منهما مثل الذي راى مني، وكسر ذلك أهل السغد، فطلبوا الصلح، وعرضوا الفدية فأبى، وقال: أنا ثائر بدم طرخون، كان مولاي وكان من أهل ذمتي.
                        قالوا: حدث عمرو بن مسلم، عن أبيه، قال: أطال قتيبة المقام، وثلمت الثلمة في سمرقند قال: فنادى مناد فصيح بالعربية يشتم قتيبة، قال: فقال عمرو بن أبي زهدم: ونحن حول قتيبة، فحين سمعنا الشتم خرجنا مسرعين، فمكثنا طويلا وهو ملح بالشتم، فجئت إلى رواق قتيبة فاطلعت، فإذا قتيبة محتب بشملة يقول كالمناجي لنفسه: حتى متى يا سمرقند يعشش فيك الشيطان! أما والله لئن أصبحت لأحاولن من أهلك أقصى غاية، فانصرفت إلى أصحابي، فقلت: كم من نفس أبية ستموت غدا منا ومنهم! وأخبرتهم الخبر.
                        قال: وأما باهلة فيقولون: سار قتيبة فجعل النهر يمينه حتى ورد بخارى، فاستنهضهم معه، وسار حتى إذا كان بمدينة أربنجن، وهي التي تجلب منها اللبود الأربنجنية، لقيهم غوزك صاحب السغد في جمع عظيم من الترك وأهل الشاش وفرغانة، فكانت بينهم وقائع من غير مزاحفة، كل ذلك يظهر المسلمون، ويتحاجزون حتى قربوا من مدينة سمرقند، فتزاحفوا يومئذ، فحمل السغد على المسلمين حملة حطموهم حتى جازوا عسكرهم، ثم كر المسلمون عليهم حتى ردوهم إلى عسكرهم، وقتل الله من المشركين عددا كثيرا، ودخلوا مدينة سمرقند فصالحوهم.
                        قال: وأخبرنا الباهليون عن حاتم بن أبي صغيرة، قال: رأيت خيلا يومئذ تطاعن خيل المسلمين، وقد أمر يومئذ قتيبة بسريره فأبرز، وقعد عليه، وطاعنوهم حتى جازوا قتيبة، وإنه لمحتب بسيفه ما حل حبوته، وانطوت مجنبتا المسلمين على الذين هزموا القلب، فهزموهم حتى ردوهم إلى عسكرهم، وقتل من المشركين عدد كثير، ودخلوا مدينة سمرقند فصالحوهم وصنع غوزك طعاما ودعا قتيبة، فأتاه في عدد من أصحابه، فلما تغدى استوهب منه سمرقند، فقال للملك: انتقل عنها، فانتقل عنها، وتلا قتيبة: «وأنه أهلك عادا الأولى وثمود فما أبقى»
                        قال: وأخبرنا أبو الذيال، عن عمر بن عبد الله التميمي، قال: حدثني الذي سرحه قتيبة إلى الحجاج بفتح سمرقند، قال: قدمت على الحجاج فوجهني إلى الشام، فقدمتها فدخلت مسجدها، فجلست قبل طلوع الشمس وإلى جنبي رجل ضرير، فسألته عن شيء من أمر الشام، فقال: إنك لغريب، قلت: أجل، قال: من أي بلد أنت؟ قلت: من خراسان قال: ما أقدمك؟ فأخبرته، فقال: والذي بعث محمدا بالحق ما افتتحتموها إلا غدرا، وإنكم يا أهل خراسان للذين تسلبون بني أمية ملكهم، وتنقضون دمشق حجرا حجرا .
                        قال: وأخبرنا العلاء بن جرير، قال: بلغني أن قتيبة لما فتح سمرقند وقف على جبلها فنظر إلى الناس متفرقين في مروج السغد، فتمثل قول طرفة:
                        وأرتع أقوام ولولا محلنا ... بمخشية ردوا الجمال فقوضوا
                        قال: وأخبرنا خالد بن الأصفح، قال: قال الكميت:
                        كانت سمرقند أحقابا يمانية ... فاليوم تنسبها قيسية مضر
                        قال: وقال أبو الحسن الجشمي: فدعا قتيبة نهار بن توسعة حين صالح أهل السغد، فقال: يا نهار، أين قولك:
                        ألا ذهب الغزو المقرب للغنى ... ومات الندى والجود بعد المهلب
                        أقاما بمرو الروذ رهن ضريحه ... وقد غيبا عن كل شرق ومغرب
                        أفغزو هذا يا نهار؟ قال: لا، هذا أحسن، وأنا الذي أقول:
                        وما كان مذ كنا ولا كان قبلنا ... ولا هو فيما بعدنا كابن مسلم
                        أعم لأهل الترك قتلا بسيفه ... وأكثر فينا مقسما بعد مقسم
                        قال: ثم ارتحل قتيبة راجعا إلى مرو، واستخلف على سمرقند عبد الله ابن مسلم، وخلف عنده جندا كثيفا، وآلة من آلة الحرب كثيرة، وقال: لا تدعن مشركا يدخل بابا من أبواب سمرقند إلا مختوم اليد، وإن جفت الطينة قبل أن يخرج فاقتله، وإن وجدت معه حديدة، سكينا فما سواه فاقتله، وإن أغلقت الباب ليلا فوجدت فيها أحدا منهم فاقتله، فقال كعب الأشقري- ويقال رجل من جعفي:
                        كل يوم يحوي قتيبة نهبا ... ويزيد الأموال مالا جديدا
                        باهلي قد ألبس التاج حتى ... شاب منه مفارق كن سودا
                        دوخ السغد بالكتائب حتى ... ترك السغد بالعراء قعودا
                        فوليد يبكي لفقد أبيه ... وأب موجع يبكي الوليدا
                        كلما حل بلدة أو أتاها ... تركت خيله بها أخدودا
                        قال: وقال قتيبة: هذا العداء لا عداء عيرين، لأنه فتح خوارزم وسمرقند في عام واحد، وذلك أن الفارس إذا صرع في طلق واحد عيرين قيل: عادى بين عيرين ثم انصرف عن سمرقند فأقام بمرو .
                        وكان عامله على خوارزم إياس بن عبد الله بن عمرو على حربها، وكان ضعيفا وكان على خراجها عبيد الله بن أبي عبيد الله مولى بني مسلم. قال: فاستضعف أهل خوارزم إياسا، وجمعوا له، فكتب عبيد الله إلى قتيبة، فبعث قتيبة عبد الله بن مسلم في الشتاء عاملا، وقال: اضرب إياس بن عبد الله وحيان النبطي مائة مائة، واحلقهما، وضم إليك عبيد الله بن أبي عبيد الله، مولى بني مسلم، واسمع منه فإن له وفاء.
                        فمضى حتى إذا كان من خوارزم على سكة، فدس إلى إياس فأنذره فتنحى، وقدم فأخذ حيان فضربه مائة وحلقه.
                        قال: ثم وجه قتيبة بعد عبد الله المغيرة بن عبد الله في الجنود إلى خوارزم، فبلغهم ذلك، فلما قدم المغيرة اعتزل أبناء الذين قتلهم خوارزم شاه، وقالوا: لا نعينك، فهرب إلى بلاد الترك وقدم المغيرة فسبى وقتل، وصالحه الباقون، فأخذ الجزية وقدم على قتيبة، فاستعمله على نيسابور.

                        فتح طليطلة
                        *ذكر الخبر عن ذلك:
                        ذكر محمد بن عمر أن موسى بن نصير غضب على طارق في سنة ثلاث وتسعين، فشخص إليه في رجب منها، ومعه حبيب بن عقبة بن نافع الفهري، واستخلف حين شخص على إفريقية ابنه عبد الله بن موسى بن نصير، وعبر موسى إلى طارق في عشرة آلاف، فتلقاه، فترضاه فرضي عنه، وقبل منه عذره، ووجهه منها إلى مدينة طليطلة- وهي من عظام مدائن الأندلس، وهي من قرطبة على عشرين يوما- فأصاب فيها مائدة سليمان بن داود، فيها من الذهب والجوهر ما الله أعلم به.
                        قال: وفيها أجدب أهل إفريقية جدبا شديدا، فخرج موسى بن نصير فاستسقى، ودعا يومئذ حتى انتصف النهار، وخطب الناس، فلما أراد أن ينزل قيل له: ألا تدعو لأمير المؤمنين! قال: ليس هذا يوم ذاك، فسقوا سقيا كفاهم حينا.

                        خبر عزل عمر بن عبد العزيز عن الحجاز
                        *ذكر سبب عزل الوليد إياه عنها:
                        وكان سبب ذلك- فيما ذكر- أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى الوليد يخبره بعسف الحجاج أهل عمله بالعراق، واعتدائه عليهم، وظلمه لهم بغير حق ولا جناية، وأن ذلك بلغ الحجاج، فاضطغنه على عمر، وكتب إلى الوليد: أن من قبلي من مراق أهل العراق وأهل الشقاق قد جلوا عن
                        العراق، ولجئوا إلى المدينة ومكة، وأن ذلك وهن.
                        فكتب الوليد إلى الحجاج: أن أشر علي برجلين، فكتب إليه يشير عليه بعثمان بن حيان وخالد بن عبد الله، فولى خالدا مكة وعثمان المدينة، وعزل عمر بن عبد العزيز.
                        قال: محمد بن عمر: خرج عمر بن عبد العزيز من المدينة فأقام بالسويداء وهو يقول لمزاحم: أتخاف أن تكون ممن نفته طيبة!
                        وفيها ضرب عمر بن عبد العزيز خبيب بن عبد الله بن الزبير بأمر الوليد إياه، وصب على رأسه قربة من ماء بارد ذكر محمد بن عمر، أن أبا المليح حدثه عمن حضر عمر بن عبد العزيز حين جلد خبيب بن عبد الله بن الزبير خمسين سوطا، وصب على رأسه قربة من ماء في يوم شات، ووقفه على باب المسجد، فمكث يومه ثم مات.
                        وحج بالناس في هذه السنة عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك، حدثني بذلك أحمد بن ثابت، عمن ذكره، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر.
                        وكانت عمال الأمصار في هذه السنة عمالها في السنة التي قبلها، إلا ما كان من المدينة، فإن العامل عليها كان عثمان بن حيان المري، وليها- فيما قيل- في شعبان سنة ثلاث وتسعين.
                        وأما الواقدي فإنه قال: قدم عثمان المدينة لليلتين بقيتا من شوال سنة أربع وتسعين.
                        وقال بعضهم: شخص عمر بن عبد العزيز عن المدينة معزولا في شعبان من سنة ثلاث وتسعين وغزا فيها، واستخلف عليها حين شخص عنها أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري وقدم عثمان بن حيان المدينة لليلتين بقيتا من شوال .


                        وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
                        أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار

                        تعليق


                        • #42
                          رد: صحيح وضعيف تاريخ الطبري حققه وخرج رواياته وعلق عليه محمد بن طاهر البرزنجي[ج9]

                          ثم دخلت سنة أربع وتسعين
                          ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
                          غزو الشاش وفرغانه
                          وفيها غزا قتيبة شاش وفرغانة حتى بلغ خجندة وكاشان، مدينتي فرغانة.
                          *ذكر الخبر عن غزوة قتيبة هذه:
                          ذكر علي بن محمد، أن أبا الفوارس التميمي، أخبره عن ماهان ويونس ابن أبي إسحاق، أن قتيبة غزا سنة أربع وتسعين فلما قطع النهر فرض على أهل بخارى وكس ونسف وخوارزم عشرين ألف مقاتل قال: فساروا معه إلى السغد، فوجهوا إلى الشاش، وتوجه هو إلى فرغانة، وسار حتى أتى خجندة، فجمع له أهلها فلقوه فاقتتلوا مرارا، كل ذلك يكون الظفر للمسلمين ففرغ الناس يوما فركبوا خيولهم، فأوفى رجل على نشز فقال: تالله ما رأيت كاليوم غرة، لو كان هيج اليوم ونحن على ما أرى من الانتشار لكانت الفضيحة، فقال له رجل إلى جنبه: كلا، نحن كما قال عوف بن الخرع:
                          نؤم البلاد لحب اللقا ... ولا نتقي طائرا حيث طارا
                          سنيحا ولا جاريا بارحا ... على كل حال نلاقي اليسارا
                          وقال سحبان وائل يذكر قتالهم بخجندة:
                          فسل الفوارس في خجندة ... تحت مرهفة العوالي
                          هل كنت أجمعهم إذا ... هزموا وأقدم في قتالي
                          أم كنت أضرب هامة ... العاتي وأصبر للعوالي
                          هذا وأنت قريع قيس ... كلها ضخم النوال
                          وفضلت قيسا في الندى ... وأبوك في الحجج الخوالي
                          ولقد تبين عدل حكمك ... فيهم في كل مال
                          تمت مروءتكم وناغي ... عزكم غلب الجبال
                          قال: ثم أتى قتيبة كاشان مدينة فرغانة، وأتاه الجنود الذين وجههم إلى الشاش وقد فتحوها وحرقوا أكثرها، وانصرف قتيبة إلى مرو وكتب الحجاج إلى محمد بن القاسم الثقفي أن وجه من قبلك من أهل العراق إلى قتيبة، ووجه إليهم جهم بن زحر بن قيس، فإنه في أهل العراق خير منه في أهل الشام وكان محمد وادا الجهم بن زحر، فبعث سليمان بن صعصعة وجهم بن زحر، فلما ودعه جهم بكى وقال: يا جهم، إنه للفراق، قال: لا بد منه.
                          قال: وقدم على قتيبة سنة خمس وتسعين.

                          ولاية عثمان بن حيان المري على المدينة
                          وفي هذه السنة قدم عثمان بن حيان المري المدينة واليا عليها من قبل الوليد بن عبد الملك.
                          *ذكر الخبر عن ولايته:
                          قد ذكرنا قبل سبب عزل الوليد عمر بن عبد العزيز عن المدينة ومكة وتأميره على المدينة عثمان بن حيان، فزعم محمد بن عمر أن عثمان قدم المدينة أميرا عليها لليلتين بقيتا من شوال سنة أربع وتسعين، فنزل بها دار مروان وهو يقول: محله والله مظعان، المغرور من غربك فاستقضى أبا بكر بن حزم.
                          قال محمد بن عمر: حدثني محمد بن عبد الله بن أبي حرة، عن عمه قال: رأيت عثمان بن حيان أخذ رياح بن عبيد الله ومنقذا العراقي فحبسهم وعاقبهم، ثم بعث بهم في جوامع إلى الحجاج بن يوسف، ولم يترك بالمدينة أحدا من أهل العراق تاجرا ولا غير تاجر، وأمر بهم أن يخرجوا من كل بلد، فرأيتهم في الجوامع، وأتبع أهل الأهواء، وأخذ هيصما فقطعه، ومنحورا- وكان من الخوارج- قال: وسمعته يخطب على المنبر يقول بعد حمد الله:
                          أيها الناس، إنا وجدناكم أهل غش لأمير المؤمنين في قديم الدهر وحديثه، وقد ضوى إليكم من يزيدكم خبالا أهل العراق هم أهل الشقاق والنفاق، هم والله عش النفاق وبيضته التي تفلقت عنه والله ما جربت عراقيا قط إلا وجدت أفضلهم عند نفسه الذي يقول في آل أبي طالب ما يقول، وما هم لهم بشيعة، وإنهم لأعداء لهم ولغيرهم، ولكن لما يريد الله من سفك دمائهم فإني والله لا أوتى بأحد آوى أحدا منهم، أو أكراه منزلا، ولا أنزله، إلا هدمت منزله، وأنزلت به ما هو أهله ثم إن البلدان لما مصرها عمر بن الخطاب وهو مجتهد على ما يصلح رعيته جعل يمر عليه من يريد الجهاد فيستشيره: الشام أحب إليك أم العراق؟ فيقول: الشام أحب إلي إني رأيت العراق داء عضالا، وبها فرخ الشيطان والله لقد أعضلوا بي، وإني لأراني سأفرقهم في البلدان، ثم أقول: لو فرقتهم لأفسدوا من دخلوا عليه بجدل وحجاج، وكيف؟ ولم؟ وسرعة وجيف في الفتنة، فإذا خبروا عند السيوف لم يخبر منهم طائل لم يصلحوا على عثمان، فلقي منهم الأمرين، وكانوا أول الناس فتق هذا الفتق العظيم، ونقضوا عرى الإسلام عروة عروة، وأنغلوا البلدان والله إني لأتقرب إلى الله بكل ما أفعل بهم لما أعرف من رأيهم ومذاهبهم ثم وليهم أمير المؤمنين معاوية فدامجهم فلم يصلحوا عليه، ووليهم رجل الناس جلدا فبسط عليهم السيف، وأخافهم، فاستقاموا له أحبوا أو كرهوا، وذلك أنه خبرهم وعرفهم.
                          أيها الناس، إنا والله ما رأينا شعارا قط مثل الأمن، ولا رأينا حلسا قط شرا من الخوف فالزموا الطاعة، فان عندي يا اهل المدينة حبره من الخلاف والله ما أنتم بأصحاب قتال، فكونوا من أحلاس بيوتكم وعضوا على النواجذ، فإني قد بعثت في مجالسكم من يسمع فيبلغني عنكم أنكم في فضول كلام غيره ألزم لكم، فدعوا عيب الولاة، فإن الأمر إنما ينقض شيئا شيئا حتى تكون الفتنة وإن الفتنة من البلاء، والفتن تذهب بالدين وبالمال والولد.
                          قال: يقول القاسم بن محمد: صدق في كلامه هذا الأخير، إن الفتنة لهكذا .
                          قال محمد بن عمر: وحدثني خالد بن القاسم، عن سعيد بن عمرو الأنصاري، قال: رأيت منادي عثمان بن حيان ينادي عندنا: يا بني أمية بن زيد، برئت ذمه ممن آوى عراقيا- وكان عندنا رجل من أهل البصرة له فضل يقال له أبو سوادة، من العباد- فقال: والله ما أحب أن أدخل عليكم مكروها، بلغوني مأمني، قلت: لا خير لك في الخروج إن الله يدفع عنا وعنك قال: فأدخلته بيتي، وبلغ عثمان بن حيان فبعث أحراسا فأخرجته إلى بيت أخي، فما قدروا على شيء وكان الذي سعى بي عدوا، فقلت للأمير: أصلح الله الأمير! يؤتى بالباطل فلا تعاقب عليه قال:
                          فضرب الذي سعى بي عشرين سوطا وأخرجنا العراقي، فكان يصلي معنا ما يغيب يوما واحدا، وحدب عليه أهل دارنا، فقالوا: نموت دونك! فما برح حتى عزل الخبيث.
                          قال محمد بن عمر: وحدثنا عبد الحكيم بن عبد الله بن أبي فروة، قال:
                          إنما بعث الوليد عثمان بن حيان إلى المدينة لإخراج من بها من العراقيين وتفريق أهل الأهواء ومن ظهر عليهم أو علا بأمرهم، فلم يبعثه واليا، فكان لا يصعد المنبر ولا يخطب عليه، فلما فعل في أهل العراق ما فعل، وفي منحور وغيره أثبته على المدينة، فكان يصعد على المنبر.

                          ذكر الخبر عن مقتل سعيد بن جبير
                          فلما جاء به إلى داره التي كان فيها سعيد وهي دارهم هذه، حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا يزيد بن أبي زياد مولى بني هاشم قال: دخلت عليه في دار سعيد هذه، جيء به مقيدا فدخل عليه قراء أهل الكوفة قلت: يا أبا عبد الله، فحدثكم؟ قال: إي والله ويضحك، وهو يحدثنا، وبنية له في حجره، فنظرت نظرة فأبصرت القيد فبكت، فسمعته يقول: أي بنية لا تطيري، إياك- وشق والله عليه- فاتبعناه نشيعه، فانتهينا به إلى الجسر، فقال الحرسيان: لا نعبر به أبدا حتى يعطينا كفيلا، نخاف أن يغرق نفسه. قال: قلنا: سعيد يغرق نفسه! فما عبروا حتى كفلنا به.
                          [قلنا : يزيد ضعيف ، والله أعلم]

                          وذكر أبو بكر الباهلي، قال: سمعت أنس بن أبي شيخ، يقول: لما أتي الحجاج بسعيد بن جبير، قال: لعن الله ابن النصرانية- قال: يعني خالدا القسري، وهو الذي أرسل به من مكة- أما كنت أعرف مكانه! بلى والله والبيت الذي هو فيه بمكة ثم أقبل عليه فقال: يا سعيد، ما أخرجك علي؟ فقال: أصلح الله الأمير! إنما أنا امرؤ من المسلمين يخطئ مرة ويصيب مرة، قال: فطابت نفس الحجاج، وتطلق وجهه، ورجا أن يتخلص من أمره، قال: فعاوده في شيء، فقال له: إنما كانت له بيعة في عنقي، قال: فغضب وانتفخ حتى سقط أحد طرفي ردائه عن منكبه، فقال: يا سعيد، ألم أقدم مكة فقتلت ابن الزبير، ثم أخذت بيعة أهلها، وأخذت بيعتك لأمير المؤمنين عبد الملك! قال: بلى، قال: ثم قدمت الكوفة واليا على العراق فجددت لأمير المؤمنين البيعة، فأخذت بيعتك له ثانية! قال: بلى، قال: فتنكث بيعتين لأمير المؤمنين، وتفي بواحدة للحائك ابن الحائك! اضربا عنقه، قال: فإياه عنى جرير بقوله:
                          يا رب ناكث بيعتين تركته ... وخضاب لحيته دم الأوداج
                          وذكر عتاب بن بشر، عن سالم الأفطس، قال: أتي الحجاج بسعيد بن جبير وهو يريد الركوب، وقد وضع إحدى رجليه في الغرز- أو الركاب- فقال: والله لا أركب حتى تبوء مقعدك من النار، اضربوا عنقه فضربت عنقه، فالتبس مكانه، فجعل يقول: قيودنا قيودنا، فظنوا أنه قال: القيود التي على سعيد بن جبير، فقطعوا رجليه من أنصاف ساقيه وأخذوا القيود.
                          قال محمد بن حاتم: حدثنا عبد الملك بن عبد الله عن هلال بن خباب قال: جيء بسعيد بن جبير إلى الحجاج فقال: اكتبت الى مصعب ابن الزبير؟ قال: بل كتب إلي مصعب، قال: والله لأقتلنك، قال: إني إذا لسعيد كما سمتني أمي! قال: فقتله، فلم يلبث بعده إلا نحوا من أربعين يوما، فكان إذا نام يراه في منامه يأخذ بمجامع ثوبه فيقول: يا عدو الله، لم قتلتني؟ فيقول: ما لي ولسعيد بن جبير! ما لي ولسعيد ابن جبير!

                          وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
                          أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار

                          تعليق


                          • #43
                            رد: صحيح وضعيف تاريخ الطبري حققه وخرج رواياته وعلق عليه محمد بن طاهر البرزنجي[ج9]

                            ثم دخلت سنة خمس وتسعين
                            ذكر الأحداث التي كانت فيها
                            وفيها بنيت واسط القصب في شهر رمضان .
                            وفيها انصرف موسى بن نصير إلى إفريقية من الأندلس، وضحى بقصر الماء- فيما قيل- على ميل من القيروان.

                            ثم دخلت سنة ست وتسعين
                            ذكر الأحداث التي كانت فيها
                            قال علي: وكان الوليد صاحب بناء واتخاذ للمصانع والضياع، وكان الناس يلتقون في زمانه، فإنما يسأل بعضهم بعضا عن البناء والمصانع فولي سليمان، فكان صاحب نكاح وطعام، فكان الناس يسال بعضهم بعضا عن التزويج والجوارى فلما ولي عمر بن عبد العزيز كانوا يلتقون فيقول الرجل للرجل: ما وردك الليلة؟ وكم تحفظ من القرآن؟ ومتى تختم؟ ومتى ختمت؟ وما تصوم من الشهر؟ ورثى جرير الوليد فقال:
                            يا عين جودي بدمع هاجه الذكر ... فما لدمعك بعد اليوم مدخر
                            إن الخليفة قد وارت شمائله ... غبراء ملحدة في جولها زور
                            أضحى بنوه وقد جلت مصيبتهم ... مثل النجوم هوى من بينها القمر كانوا جميعا فلم يدفع منيته ... عبد العزيز ولا روح ولا عمر
                            حدثني عمر، قال: حدثنا علي، قال: حج الوليد بن عبد الملك، وحج محمد بن يوسف من اليمن، وحمل هدايا للوليد، فقالت أم البنين للوليد:
                            يا أمير المؤمنين، اجعل لي هدية محمد بن يوسف، فأمر بصرفها إليها، فجاءت رسل أم البنين إلى محمد فيها، فأبى وقال: ينظر إليها أمير المؤمنين فيرى رأيه- وكانت هدايا كثيرة- فقالت: يا أمير المؤمنين، إنك أمرت بهدايا محمد أن تصرف إلي، ولا حاجة لي بها، قال: ولم؟ قالت:
                            بلغني أنه غصبها الناس، وكلفهم عملها، وظلمهم وحمل محمد المتاع إلى الوليد، فقال: بلغني أنك أصبتها غصبا، قال، معاذ الله! فأمر فاستحلف بين الركن والمقام خمسين يمينا بالله ما غصب شيئا منها، ولا ظلم أحدا، ولا أصابها إلا من طيب، فحلف، فقبلها الوليد ودفعها إلى أم البنين، فمات محمد بن يوسف باليمن، أصابه داء تقطع منه.
                            وفي هذه السنة كان الوليد أراد الشخوص إلى أخيه سليمان لخلعه، وأراد البيعة لابنه من بعده، وذلك قبل مرضته التي مات فيها حدثني عمر، قال: حدثنا علي، قال: كان الوليد وسليمان ولى عهد عبد الملك، فلما أفضى الأمر إلى الوليد، أراد أن يبايع لابنه عبد العزيز ويخلع سليمان، فأبى سليمان، فأراده على أن يجعله له من بعده، فأبى، فعرض عليه أموالا كثيرة، فأبى، فكتب إلى عماله أن يبايعوا لعبد العزيز، ودعا الناس إلى ذلك، فلم يجبه أحد إلا الحجاج وقتيبة وخواص من الناس فقال عباد بن زياد: إن الناس لا يجيبونك إلى هذا، ولو أجابوك لم آمنهم على الغدر بابنك، فاكتب إلى سليمان فليقدم عليك، فإن لك عليه طاعة، فأرده على البيعة لعبد العزيز من بعده، فإنه لا يقدر على الامتناع وهو عندك، فإن أبى كان الناس عليه.
                            فكتب الوليد إلى سليمان يأمره بالقدوم، فأبطأ، فاعتزم الوليد على المسير إليه وعلى أن يخلعه، فأمر الناس بالتأهب، وأمر بحجره فأخرجت، فمرض، ومات قبل أن يسير وهو يريد ذلك.
                            قال عمر: قال علي: وأخبرنا ابو عاصم الزيادى من الهلواث الكلبي، قال: كنا بالهند مع محمد بن القاسم، فقتل الله داهرا، وجاءنا كتاب من الحجاج ان اخلعوا مع سليمان، فلما ولي سليمان جاءنا كتاب سليمان، أن ازرعوا واحرثوا، فلا شام لكم، فلم نزل بتلك البلاد حتى قام عمر بن عبد العزيز فأقفلنا. قال عمر: قال علي: أراد الوليد أن يبني مسجد دمشق، وكانت فيه كنيسة، فقال الوليد لأصحابه: أقسمت عليكم لما أتاني كل رجل منكم بلبنة، فجعل كل رجل يأتيه بلبنة، ورجل من أهل العراق يأتيه بلبنتين، فقال له: ممن أنت؟ قال: من أهل العراق، قال: يا أهل العراق، تفرطون في كل شيء حتى في الطاعة! وهدموا الكنيسة وبناها مسجدا، فلما ولي عمر بن عبد العزيز شكوا ذلك إليه، فقيل: إن كل ما كان خارجا من المدينة افتتح عنوة، فقال لهم عمر: نرد عليكم كنيستكم ونهدم كنيسة توما، فإنها فتحت عنوه، نبنيها مسجدا، فلما قال لهم ذلك قالوا: بل ندع لكم هذا الذي هدمه الوليد، ودعوا لنا كنيسه توما. ففعل عمر ذلك.

                            خلافة سليمان بن عبد الملك
                            قال الواقدي: وكان أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قد استأذن عثمان أن ينام في غد، ولا يجلس للناس ليقوم ليلة إحدى وعشرين، فأذن له وكان أيوب بن سلمة المخزومي عنده، وكان الذي بين أيوب بن سلمة وبين أبي بكر بن عمرو بن حزم سيئا، فقال أيوب لعثمان: ألم تر إلى ما يقول هذا؟ انما هذا منه رياء، فقال عثمان: قد رأيت ذلك، ولست لأبي إن أرسلت إليه غدوة ولم أجده جالسا لأجلدنه مائة، ولأحلقن رأسه ولحيته.
                            قال أيوب: فجاءني أمر أحبه، فعجلت من السحر، فإذا شمعة في الدار، فقلت: عجل المري، فإذا رسول سليمان قد قدم على أبي بكر بتأميره وعزل عثمان وحده.
                            قال أيوب: فدخلت دار الإمارة، فإذا ابن حيان جالس، وإذا بأبي بكر على كرسي يقول للحداد: اضرب في رجل هذا الحديد، ونظر إلي عثمان فقال:
                            آبوا على أدبارهم كشفا ... والأمر يحدث بعده الأمر
                            وفي هذه السنة عزل سليمان يزيد بن أبي مسلم عن العراق، وأمر عليه يزيد بن المهلب، وجعل صالح بن عبد الرحمن على الخراج، وأمره أن يقتل آل أبي عقيل ويبسط عليهم العذاب فحدثني عمر بن شبة، قال: حدثني علي بن محمد، قال: قدم صالح العراق على الخراج، ويزيد على الحرب، فبعث يزيد زياد بن المهلب على عمان، وقال له: كاتب صالحا، وإذا كتبت إليه فابدأ باسمه، وأخذ صالح آل أبي عقيل فكان يعذبهم، وكان يلي عذابهم عبد الملك بن المهلب.

                            وأما أبو عبيدة معمر بن المثنى، فإنه قال- فيما حدثت عنه: كان في الكتاب الأول وقيعة في يزيد بن المهلب، وذكر غدره وكفره وقلة شكره، وكان في الثاني ثناء على يزيد، وفي الثالث: لئن لم تقرني على ما كنت عليه وتؤمنني لأخلعنك خلع النعل، ولأملأنها عليك خيلا ورجالا وقال أيضا: لما قرأ سليمان الكتاب الثالث وضعه بين مثالين من المثل التي تحته ولم يحر في ذلك مرجوعا.

                            قال علي: وحدثني بعض العنبريين، عن أشياخ منهم، أن توبة ابن ابى أسيد العنبري، قال: قدم صالح العراق، فوجهني إلى قتيبة ليطلعني طلع ما في يده، فصحبني رجل من بني أسد، فسألني عما خرجت فيه، فكاتمته أمري، فإنا لنسير إذ سنح لنا سانح، فنظر إلي رفيقي فقال: أراك في أمر جسيم وأنت تكتمني! فمضيت، فلما كنت بحلوان تلقاني الناس بقتل قتيبة.
                            قال علي: وذكر أبو الذيال وكليب بن خلف وأبو علي الجوزجاني عن طفيل بن مرداس، وأبو الحسن الجشمي ومصعب بن حيان عن أخيه مقاتل بن حيان، وأبو مخنف وغيرهم، أن قتيبة لما هم بالخلع استشار إخوته، فقال له عبد الرحمن: اقطع بعثا فوجه فيه كل من تخافه، ووجه قوما إلى مرو، وسر حتى تنزل سمرقند، ثم قل لمن معك: من أحب المقام فله المواساة، ومن أراد الانصراف فغير مستكره ولا متبوع بسوء، فلا يقيم معك إلا مناصح وقال له عبد الله: اخلعه مكانك، وادع الناس إلى خلعه، فليس يختلف عليك رجلان فأخذ برأي عبد الله، فخلع سليمان، ودعا الناس إلى خلعه، فقال للناس:
                            إني قد جمعتكم من عين التمر وفيض البحر فضممت الأخ إلى أخيه، والولد إلى أبيه، وقسمت بينكم فيئكم، وأجريت عليكم أعطياتكم غير مكدرة ولا مؤخرة، وقد جربتم الولاة قبلي، أتاكم أمية فكتب الى امير المؤمنين ان خراج خراسان يقوم بمطبخي، ثم جاءكم أبو سعيد فدوم بكم ثلاث سنين لا تدرون أفي طاعة أنتم أم في معصية! لم يجب فيئا، ولم ينكأ عدوا، ثم جاءكم بنوه بعده، يزيد، فحل تبارى إليه النساء، وإنما خليفتكم يزيد بن ثروان هبنقة القيسي.
                            قال: فلم يجبه أحد، فغضب فقال: لا أعز الله من نصرتم، والله لو اجتمعتم على عنز ما كسرتم قرنها، يا أهل السافلة- ولا أقول أهل العالية- يا أوباش الصدقة، جمعتكم كما تجمع إبل الصدقة من كل أوب يا معشر بكر بن وائل، يا أهل النفخ والكذب والبخل، باى يوميكم تفخرون؟ بيوم حربكم، أو بيوم سلمكم! فو الله لأنا أعز منكم يا أصحاب مسيلمة، يا بني ذميم- ولا أقول تميم- يا أهل الخور والقصف والغدر، كنتم تسمون الغدر في الجاهلية كيسان يا أصحاب سجاح، يا معشر عبد القيس القساة، تبدلتم بأبر النحل أعنة الخيل .
                            يا معشر الأزد، تبدلتم بقلوس السفن أعنة الخيل الحصن، إن هذا لبدعة في الإسلام! والأعراب، وما الأعراب! لعنة الله على الأعراب! يا كناسة المصرين، جمعتكم من منابت الشيح والقيصوم ومنابت القلقل، تركبون البقر والحمر في جزيرة ابن كاوان، حتى إذا جمعتكم كما تجمع قزع الحريف قلتم كيت وكيت! أما والله إني لابن أبيه! وأخو أخيه، أما والله لأعصبنكم عصب السلمة إن حول الصليان الزمزمة. يا أهل خراسان، هل تدرون من وليكم؟ وليكم يزيد بن ثروان كأني بأمير مزجاء، وحكم قد جاءكم فغلبكم على فيئكم واظلالكم ان هاهنا نارا ارموها أرم معكم، ارموا غرضكم الأقصى قد استخلف عليكم أبو نافع ذو الودعات إن الشام أب مبرور، وإن العراق أب مكفور. حتى متى يتبطح أهل الشام بأفنيتكم وظلال دياركم! يا أهل خراسان، انسبوني تجدوني عراقي الأم، عراقي الأب، عراقي المولد، عراقي الهوى والرأي والدين، وقد أصبحتم اليوم فيما ترون من الأمن والعافية قد فتح الله لكم البلاد، وآمن سبلكم، فالظعينة تخرج من مرو إلى بلخ بغير جواز، فاحمدوا الله على النعمة، وسلوه الشكر والمزيد.
                            قال: ثم نزل فدخل منزله، فأتاه أهل بيته فقالوا: ما رأينا كاليوم قط، والله ما اقتصرت على أهل العالية وهم شعارك ودثارك، حتى تناولت بكرا وهم أنصارك، ثم لم ترض بذلك حتى تناولت تميما وهم إخوتك، ثم لم ترض بذلك حتى تناولت الأزد وهم بدك! فقال: لما تكلمت فلم يجبني أحد غضبت، فلم أدر ما قلت، إن أهل العالية كإبل الصدقة قد جمعت من كل أوب، وأما بكر فإنها أمة لا تمنع يد لامس، وأما تميم فجمل أجرب، وأما عبد القيس فما يضرب العير بذنبه، وأما الأزد فأعلاج، شرار من خلق الله، لو ملكت أمرهم لوسمتهم.
                            قال: فغضب الناس وكرهوا خلع سليمان، وغضبت القبائل من شتم قتيبة، فأجمعوا على خلافه وخلعه، وكان أول من تكلم في ذلك الأزد، فأتوا حضين بن المنذر فقالوا: إن هذا قد دعا إلى ما دعا إليه من خلع الخليفة، وفيه فساد الدين والدنيا، ثم لم يرض بذلك حتى قصر بنا وشتمنا، فما ترى يا أبا حفص؟ وكان يكتنى في الحرب بأبي ساسان، ويقال: كنيته أبو محمد- فقال لهم: حضين: مضر بخراسان تعدل هذه الثلاثة الأخماس، وتميم أكثر الخمسين، وهم فرسان خراسان، ولا يرضون أن يصير الأمر في غير مضر، فإن أخرجتموهم من الأمر أعانوا قتيبة قالوا: إنه قد وتر بني تميم بقتل ابن الأهتم، قال: لا تنظروا إلى هذا فإنهم يتعصبون للمضرية، فانصرفوا رادين لرأي حضين، فأرادوا أن يولوا عبد الله بن حوذان الجهضمي، فأبى، وتدافعوها، فرجعوا إلى حضين، فقالوا: قد تدافعنا الرياسة، فنحن نوليك أمرنا، وربيعة لا تخالفك، قال: لا ناقة لي في هذا ولا جمل، قالوا: ما ترى؟ قال: إن جعلتم هذه الرياسة في تميم تم أمركم، قالوا: فمن ترى من تميم؟ قال: ما أرى أحدا غير وكيع، فقال حيان مولى بني شيبان: إن أحدا لا يتقلد هذا الأمر فيصلى بحره، ويبذل دمه، ويتعرض للقتل، فإن قدم امير أخذه بما جنى وكان المهنأ لغيره إلا هذا الأعرابي وكيع، فإنه مقدام لا يبالي ما ركب، ولا ينظر في عاقبة، وله عشيرة كثيرة تطيعه، وهو موتور يطلب قتيبة برياسته التي صرفها عنه وصيرها لضرار بن حصين بن زيد الفوارس بن حصين بن ضرار الضبي فمشى الناس بعضهم إلى بعض سرا، وقيل لقتيبة: ليس يفسد أمر الناس إلا حيان.
                            فأراد أن يغتاله- وكان حيان يلاطف حشم الولاة فلا يخفون عنه شيئا- قال: فدعا قتيبة رجلا فأمره بقتل حيان، وسمعه بعض الخدم، فأتى حيان فأخبره، فأرسل إليه يدعوه، فحذر وتمارض، وأتى الناس وكيعا فسألوه أن يقوم بأمرهم، فقال: نعم، وتمثل قول الأشهب بن رميلة:
                            سأجني ما جنيت وإن ركني ... لمعتمد إلى نضد ركين
                            قال: وبخراسان يومئذ من المقاتلة من أهل البصرة من أهل العالية تسعة آلاف، وبكر سبعة آلاف، رئيسهم الحضين بن المنذر، وتميم عشرة آلاف عليهم ضرار بن حصين الضبي، وعبد القيس أربعة آلاف عليهم عبد الله بن علوان عوذي، والأزد عشره آلاف راسهم عبد الله ابن حوذان، ومن أهل الكوفة سبعة آلاف عليهم جهم بن زحر- أو عبيد الله بن علي- والموالي سبعة آلاف عليهم حيان- وحيان يقال إنه من الديلم، ويقال: إنه من خراسان، وإنما قيل له نبطي للكنته- فأرسل حيان إلى وكيع: أرأيت إن كففت عنك وأعنتك تجعل لي جانب نهر بلخ وخراجه ما دمت حيا، وما دمت واليا؟ قال: نعم، فقال للعجم: هؤلاء يقاتلون على غير دين، فدعوهم يقتل بعضهم بعضا، قالوا: نعم، فبايعوا وكيعا سرا، فأتى ضرار بن حصين قتيبة، فقال: إن الناس يختلفون إلى وكيع، وهم يبايعونه- وكان وكيع يأتي منزل عبد الله بن مسلم الفقير فيشرب عنده- فقال عبد الله: هذا يحسد وكيعا، وهذا الأمر باطل، هذا وكيع في بيتي يشرب ويسكر ويسلح في ثيابه، وهذا يزعم أنهم يبايعونه قال: وجاء وكيع إلى قتيبة فقال: احذر ضرارا فانى لا آمنه عليك، فأنزل قتيبة ذلك منهما على التحاسد وتمارض وكيع.
                            ثم إن قتيبة دس ضرار بن سنان الضبي إلى وكيع فبايعه سرا، فتبين لقتيبة أن الناس يبايعونه، فقال لضرار: قد كنت صدقتني، قال: إني لم أخبرك إلا بعلم، فأنزلت ذلك مني على الحسد، وقد قضيت الذي كان علي، قال: صدقت وأرسل قتيبة إلى وكيع يدعوه فوجده رسول قتيبة قد طلى على رجله مغرة، وعلى ساقه خرزا وودعا، وعنده رجلان من زهران يرقيان رجله، فقال له: أجب الأمير، قال: قد ترى ما برجلي. فرجع الرسول إلى قتيبة فأعاده إليه، قال: يقول لك: ائتني محمولا على سرير، قال: لا أستطيع قال قتيبة لشريك بن الصامت الباهلي أحد بني وائل- وكان على شرطته- ورجل من غني انطلقا إلى وكيع فأتياني به.
                            فإن أبى فاضربا عنقه، ووجه معهما خيلا، ويقال: كان على شرطه بخراسان ورقاء بن نصر الباهلي.
                            قال علي: قال أبو الذيال: قال ثمامة بن ناجذ العدوي: أرسل قتيبة إلى وكيع من يأتيه به، فقلت: أنا آتيك به أصلحك الله! فقال: ائتني به، فأتيت وكيعا- وقد سبق إليه الخبر أن الخيل تأتيه- فلما رآني قال: يا ثمامة، ناد في الناس، فناديت، فكان أول من أتاه هريم بن أبي طحمة في ثمانية.
                            قال: وقال الحسن بن رشيد الجوزجاني: أرسل قتيبة إلى وكيع. فقال هريم: أنا آتيك به، قال: فانطلق قال هريم: فركبت برذوني مخافة أن يردني، فأتيت وكيعا وقد خرج.
                            قال: وقال كليب بن خلف: أرسل قتيبة إلى وكيع شعبة بن ظهير أحد بني صخر بن نهشل، فأتاه، فقال: يا بن ظهير:
                            لبث قليلا تلحق الكتائب
                            ثم دعا بسكين فقطع خرزا كان على رجليه، ثم لبس سلاحه، وتمثل:
                            شدوا علي سرتي لا تنقلف ... يوم لهمدان ويوم للصدف
                            وخرج وحده، ونظر إليه نسوة فقلن: أبو مطرف وحده، فجاء هريم بن أبي طحمة في ثمانية، فيهم عميرة البريد بن ربيعة العجيفي.
                            قال حمزة بن إبراهيم وغيره: إن وكيعا خرج فتلقاه رجل، فقال: ممن أنت؟ قال: من بني أسد، قال: ما اسمك؟ قال: ضرغامة، قال: ابن من؟ قال: ابن ليث، قال: دونك هذه الراية.
                            قال المفضل بن محمد الضبي: ودفع وكيع رايته إلى عقبة بن شهاب المازني، قال: ثم رجع إلى حديثهم، قالوا: فخرج وكيع وأمر غلمانه، فقال: اذهبوا بثقلي إلى بني العم، فقالوا: لا نعرف موضعهم، قال: انظروا رمحين مجموعين أحدهما فوق الآخر، فوقهما مخلاة، فهم بنو العم قال: وكان في العسكر منهم خمسمائة، قال: فنادى وكيع في الناس، فأقبلوا أرسالا من كل وجه، فأقبل في الناس يقول:
                            قرم إذا حمل مكروهة ... شد الشراسيف لها والحزيم
                            وقال قوم: تمثل وكيع حين خرج:
                            انخن بلقمان بن عاد فجسنه ... أريني سلاحي لن يطيروا بأعزل
                            واجتمع إلى قتيبة أهل بيته، وخواص من أصحابه وثقاته، فيهم اياس ابن بيهس بن عمرو، ابن عم قتيبة دنيا، وعبد الله بن وألان العدوي، وناس من رهطة، بني وائل وأتاه حيان بن إياس العدوي في عشرة، فيهم عبد العزيز بن الحارث، قال: وأتاه ميسرة الجدلي- وكان شجاعا- فقال: إن شئت أتيتك برأس وكيع، فقال: قف مكانك وأمر قتيبة رجلا، فقال: ناد في الناس، أين بنو عامر؟ فنادى: أين بنو عامر؟ فقال محفن بن جزء الكلابي- وقد كان جفاهم: حيث وضعتهم، قال: ناد أذكركم الله والرحم! فنادى محفن: أنت قطعتها، قال: ناد لكم العتبى، فناداه محفن أو غيره: لا أقالنا الله إذا، فقال قتيبة:
                            يا نفس صبرا على ما كان من ألم ... إذ لم أجد لفضول القوم أقرانا
                            ودعا بعمامة كانت أمه بعثت بها إليه، فاعتم بها، كان يعتم بها في الشدائد، ودعا ببرذون له مدرب، كان يتطير إليه في الزحوف، فقرب إليه ليركبه، فجعل يقمص حتى أعياه، فلما رأى ذلك عاد إلى سريره فقعد عليه وقال: دعوه، فإن هذا امر يراد وجاء حيان النبطي في العجم، فوقف وقتيبة واجد عليه، فوقف معه عبد الله بن مسلم، فقال عبد الله لحيان: احمل على هذين الطرفين، قال: لم يأن لذلك، فغضب عبد الله، وقال: ناولني قوسي، قال حيان: ليس هذا يوم قوس، فأرسل وكيع إلى حيان: أين ما وعدتني؟ فقال حيان لابنه: إذا رأيتني قد حولت قلنسوتي، ومضيت نحو عسكر وكيع، فمل بمن معك في العجم إلي. فوقف ابن حيان مع العجم، فلما حول حيان قلنسوته مالت الأعاجم إلى عسكر وكيع، فكبر أصحابه وبعث قتيبة أخاه صالحا إلى الناس فرماه رجل من بني ضبة يقال له سليمان الزنجيرج- وهو الخرنوب، ويقال: بل رماه رجل من بلعم فأصاب هامته- فحمل إلى قتيبة ورأسه مائل، فوضع في مصلاه، فتحول قتيبة فجلس عنده ساعة، ثم تحول إلى سريره.
                            قال: وقال أبو السري الأزدي: رمى صالحا رجل من بني ضبة فأثقله، وطعنه زياد بن عبد الرحمن الأزدي، من بني شريك بن مالك.
                            قال: وقال أبو مخنف: حمل رجل من غني على الناس فرأى رجلا مجففا فشبهه بجهم بن زحر بن قيس فطعنه، وقال:
                            إن غنيا أهل عز ومصدق ... إذا حاربوا والناس مفتتنونا
                            فإذا الذي طعن علج وتهايج الناس، وأقبل عبد الرحمن بن مسلم نحوهم، فرماه أهل السوق والغوغاء، فقتلوه، وأحرق الناس موضعا كانت فيه إبل لقتيبة ودوابه، ودنوا منه، فقاتل عنه رجل من باهلة من بني وائل، فقال له قتيبة: انج بنفسك، فقال له: بئس ما جزيتك إذا، وقد أطعمتني الجردق وألبستني النرمق!
                            قال: فدعا قتيبة بدابة، فأتي ببرذون فلم يقر ليركبه، فقال: إن له لشأنا، فلم يركبه وجلس وجاء الناس حتى بلغوا الفسطاط، فخرج إياس بن بيهس وعبد الله بن وألان حين بلغ الناس الفسطاط وتركا قتيبة وخرج عبد العزيز بن الحارث يطلب ابنه عمرا- أو عمر- فلقيه الطائي فحذره، ووجد ابنه فأردفه قال: وفطن قتيبة للهيثم بن المنخل وكان ممن يعين عليه، فقال:
                            أعلمه الرماية كل يوم ... فلما اشتد ساعده رماني
                            قال: وقتل معه إخوته عبد الرحمن وعبد الله وصالح وحصين وعبد الكريم، بنو مسلم، وقتل ابنه كثير بن قتيبة وناس من أهل بيته، ونجا أخوه ضرار، استنقذه أخواله، وأمه غراء بنت ضرار بن القعقاع بن معبد بن زرارة وقال قوم: قتل عبد الكريم بن مسلم بقزوين وقال أبو عبيدة: قال أبو مالك: قتلوا قتيبة سنة ست وتسعين، وقتل من بني مسلم أحد عشر رجلا، فصلبهم وكيع، سبعة منهم لصلب مسلم وأربعة من بني أبنائهم: قتيبة، وعبد الرحمن، وعبد الله الفقير، وعبيد الله، وصالح، وبشار، ومحمد بنو مسلم وكثير بن قتيبة، ومغلس بن عبد الرحمن، ولم ينج من صلب مسلم غير عمرو- وكان عامل الجوزجان- وضرار، وكانت أمه الغراء بنت ضرار بن القعقاع بن معبد بن زراره، فجاء أخواله فدفعوه حتى نحوه، ففي ذلك يقول الفرزدق:
                            عشية ما ود ابن غرة أنه ... له من سوانا إذ دعا أبوان
                            وضرب إياس بن عمرو- ابن أخي مسلم بن عمرو- على ترقوته فعاش قال: ولما غشي القوم الفسطاط قطعوا أطنابه قال زهير: فقال جهم ابن زحر لسعد: انزل، فحز رأسه، وقد أثخن جراحا، فقال: أخاف أن تجول الخيل، قال: تخاف وأنا إلى جنبك! فنزل سعد فشق صوقعة الفسطاط، فاحتز رأسه، فقال حضين بن المنذر:
                            وإن ابن سعد وابن زحر تعاورا ... بسيفيهما رأس الهمام المتوج
                            عشية جئنا بابن زحر وجئتم ... بأدغم مرقوم الذراعين ديزج
                            أصم غداني كأن جبينه ... لطاخة نقس في أديم ممجمج
                            قال: فلما قتل مسلمة يزيد بن المهلب استعمل على خراسان سعيد بن خذينة بن عبد العزيز بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص، فحبس عمال يزيد، وحبس فيهم جهم بن زحر الجعفي، وعلى عذابه رجل من باهلة، فقيل له: هذا قاتل قتيبة، فقتله في العذاب، فلامه سعيد، فقال: أمرتني أن أستخرج منه المال فعذبته فأتى علي أجله.
                            قال: وسقطت على قتيبة يوم قتل جارية له خوارزمية، فلما قتل خرجت، فأخذها بعد ذلك يزيد بن المهلب، فهي أم خليدة.
                            [في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك]

                            قال علي: قال حمزة بن إبراهيم وأبو اليقظان: لما قتل قتيبة صعد عمارة بن جنية الرياحي المنبر فتكلم فأكثر، فقال له وكيع: دعنا من قذرك وهذرك، ثم تكلم وكيع فقال: مثلي ومثل قتيبة كما قال الأول:
                            من ينك العير ينك نياكا
                            أراد قتيبة أن يقتلني وأنا قتال.
                            قد جربوني ثم جربوني ... من غلوتين ومن المئين
                            حتى إذا شبت وشيبونى ... خلوا عناني وتنكبوني
                            أنا أبو مطرف.
                            قال: وأخبرنا أبو معاوية، عن طلحة بن إياس، قال: قال وكيع يوم قتل قتيبة:
                            أنا ابن خندف تنميني قبائلها ... للصالحات وعمي قيس عيلانا
                            ثم أخذ بلحيته ثم قال:
                            شيخ إذا حمل مكروهة ... شد الشراسيف لها والحزيم
                            والله لأقتلن، ثم لأقتلن، ولأصلبن، ثم لأصلبن، إني والغ دما، إن مرزبانكم هذا ابن الزانية قد أغلى عليكم أسعاركم، والله ليصيرن القفيز في السوق غدا بأربعة أو لأصلبنه، صلوا على نبيكم ثم نزل.
                            قال علي: وأخبرنا المفضل بن محمد وشيخ من بني تميم، ومسلمة بن محارب، قالوا: طلب وكيع رأس قتيبة وخاتمه، فقيل له: إن الأزد أخذته، فخرج وكيع وهو يقول: ده درين، سعد القين:
                            في أي يومي من الموت أفر ... أيوم لم يقدر أم يوم قدر
                            لا خير في أحزم جياد القرع ... في أي يوم لم أرع ولم أرع
                            والله الذي لا إله غيره لا أبرح حتى أوتى بالرأس، أو يذهب برأسي مع رأس قتيبة وجاء بخشب فقال: إن هذه الخيل لا بد لها من فرسان- يتهدد بالصلب- فقال له حضين: يا أبا مطرف، تؤتى به فاسكن وأتي حضين الأزد فقال: أحمقى أنتم! بايعناه وأعطيناه المقادة، وعرض نفسه، ثم تأخذون الرأس! أخرجوه لعنه الله من رأس! فجاءوا بالرأس فقالوا: يا أبا مطرف، إن هذا هو احتزه، فاشكمه، قال: نعم، فأعطاه ثلاثة آلاف، وبعث بالرأس مع سليط بن عبد الكريم الحنفي ورجال من القبائل وعليهم سليط، ولم يبعث من بني تميم أحدا.
                            قال: قال أبو الذيال: كان فيمن ذهب بالرأس أنيف بن حسان أحد بني عدي.
                            قال أبو مخنف: وفى وكيع لحيان النبطي بما كان أعطاه قال: قال خريم بن أبي يحيى، عن أشياخ من قيس، قالوا: قال سليمان للهذيل ابن زفر حين وضع رأس قتيبة ورءوس أهل بيته بين يديه: هل ساءك هذا يا هذيل؟ قال: لو ساءني ساء قوما كثيرا، فكلمه خريم بن عمرو والقعقاع ابن خليد، فقال: ائذن في دفن رءوسهم، قال: نعم، وما أردت هذا كله.
                            [في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك]

                            قال علي: قال أبو عبد الله السلمي، عن يزيد بن سويد، قال:
                            قال رجل من عجم أهل خراسان: يا معشر العرب، قتلتم قتيبة، والله لو كان قتيبة منا فمات فينا جعلناه في تابوت فكنا نستفتح به إذا غزونا، وما صنع أحد قط بخراسان ما صنع قتيبة، إلا أنه قد غدر، وذلك أن الحجاج كتب إليه أن اختلهم واقتلهم في الله.
                            قال: وقال الحسن بن رشيد: قال الإصبهبذ لرجل: يا معشر العرب، قتلتم قتيبة ويزيد وهما سيدا العرب! قال: فأيهما كان أعظم عندكم وأهيب؟ قال: لو كان قتيبة بالمغرب بأقصى جحر به في الأرض مكبلا بالحديد، ويزيد معنا في بلادنا وال علينا لكان قتيبة أهيب في صدورنا وأعظم من يزيد.
                            قال علي: قال المفضل بن محمد الضبي جاء رجل إلى قتيبة يوم قتل وهو جالس، فقال: اليوم يقتل ملك العرب- وكان قتيبة عندهم ملك العرب- فقال له: اجلس.
                            قال: وقال كليب بن خلف: حدثني رجل ممن كان مع وكيع حين قتل قتيبة، قال: أمر وكيع رجلا فنادى: لا يسلبن قتيل، فمر ابن عبيد الهجري على ابى الحجر الباهلى فسلبه، فبلغ وكيعا فضرب عنقه.
                            قال أبو عبيدة: قال عبد الله بن عمر، من تيم اللات: ركب وكيع ذات يوم، فأتوه بسكران، فأمر به فقتل، فقيل له: ليس عليه القتل، إنما عليه الحد، قال: لا أعاقب بالسياط، ولكني أعاقب بالسيف، فقال نهار بن توسعة:
                            وكنا نبكي من الباهلي ... فهذا الغداني شر وشر
                            وقال أيضا:
                            ولما رأينا الباهلي ابن مسلم ... تجبر عممناه عضبا مهندا
                            وقال الفرزدق يذكر وقعة وكيع:
                            ومنا الذي سل السيوف وشامها ... عشية باب القصر من فرغان
                            عشية لم تمنع بنيها قبيلة ... بعز عراقي ولا بيمان
                            عشية ما ود ابن غراء أنه ... له من سوانا إذ دعا أبوان
                            عشية لم تستر هوازن عامر ... ولا غطفان عورة ابن دخان
                            عشية ود الناس أنهم لنا ... عبيد إذ الجمعان يضطربان
                            رأوا جبلا يعلو الجبال إذا التقت ... رءوس كبيريهن ينتطحان
                            رجال على الإسلام إذ ما تجالدوا ... على الدين حتى شاع كل مكان
                            وحتى دعا في سور كل مدينة ... مناد ينادي فوقها بأذان
                            فيجزى وكيع بالجماعة إذ دعا ... إليها بسيف صارم وبنان
                            جزاء بأعمال الرجال كما جرى ... ببدر وباليرموك فيء جنان
                            وقال الفرزدق في ذلك أيضا:
                            أتاني ورحلي بالمدينة وقعة ... لآل تميم أقعدت كل قائم
                            وقال علي: أخبرنا خريم بن أبي يحيى، عن بعض عمومته قال: أخبرني شيوخ من غسان قالوا: إنا لبثنية العقاب إذ نحن برجل يشبه الفيوج معه عصا وجراب، قلنا: من أين أقبلت؟ قال: من خراسان، قلنا: فهل كان بها من خبر؟ قال: نعم، قتل قتيبة بن مسلم أمس، فتعجبنا لقوله، فلما رأى إنكارنا ذلك قال: أين ترونني الليلة من إفريقية؟ ومضى واتبعناه على خيولنا، فإذا شيء يسبق الطرف وقال الطرماح:
                            لولا فوارس مذحج ابنة مذحج ... والأزد زعزع واستبيح العسكر
                            وتقطعت بهم البلاد ولم يؤب ... منهم إلى أهل العراق مخبر
                            واستضلعت عقد الجماعة وازدرى ... أمر الخليفة واستحل المنكر
                            قوم هم قتلوا قتيبة عنوة ... والخيل جانحة عليها العثير
                            بالمرج مرج الصين حيث تبينت ... مضر العراق من الأعز الأكبر!
                            إذ حالفت جزعا ربيعة كلها ... وتفرقت مضر ومن يتمضر
                            وتقدمت أزد العراق ومذحج ... للموت يجمعها أبوها الأكبر
                            قحطان تضرب رأس كل مدجج ... تحمي بصائرهن إذ لا تبصر
                            والأزد تعلم أن تحت لوائها ... ملكا قراسية وموت أحمر
                            فبعزنا نصر النبي محمد ... وبنا تثبت في دمشق المنبر
                            وقال عبد الرحمن بن جمانة الباهلي:
                            كأن أبا حفص قتيبة لم يسر ... بجيش إلى جيش ولم يعل منبرا
                            ولم تخفق الرايات والقوم حوله ... وقوف ولم يشهد له الناس عسكرا
                            دعته المنايا فاستجاب لربه ... وراح إلى الجنات عفا مطهرا
                            فما رزى الإسلام بعد محمد ... بمثل أبي حفص فبكيه عبهرا
                            - يعني أم ولد له.
                            وقال الأصم بن الحجاج يرثي قتيبة:
                            ألم يأن للأحياء أن يعرفوا لنا ... بلى نحن أولى الناس بالمجد والفخر
                            نقود تميما والموالي ومذحجا ... وأزد وعبد القيس والحي من بكر
                            نقتل من شئنا بعزة ملكنا ... ونجبر من شئنا على الخسف والقسر
                            سليمان كم من عسكر قد حوت لكم ... أسنتنا والمقربات بنا تجري
                            وكم من حصون قد أبحنا منيعة ... ومن بلد سهل ومن جبل وعر
                            ومن بلدة لم يغزها الناس قبلنا ... غزونا نقود الخيل شهرا الى شهر
                            مرن على الغزو الجرور ووقرت ... على النفر حتى ما تهال من النفر
                            وحتى لو ان النار شبت وأكرهت ... على النار خاضت في الوغى لهب الجمر
                            تلاعب أطراف الأسنة والقنا ... بلباتها والموت في لجج خضر
                            بهن أبحنا أهل كل مدينة ... من الشرك حتى جاوزت مطلع الفجر
                            ولو لم تعجلنا المنايا لجاوزت ... بنا ردم ذي القرنين ذا الصخر والقطر
                            ولكن آجالا قضين ومدة ... تناهى إليها الطيبون بنو عمرو


                            وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
                            أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار

                            تعليق


                            • #44
                              رد: صحيح وضعيف تاريخ الطبري حققه وخرج رواياته وعلق عليه محمد بن طاهر البرزنجي[ج9]

                              السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...

                              سأتوقف مؤقتا عن التفريغ لحين الانتهاء من التيرم الثاني إن شاء الله

                              وإن تيسر لأحدهم الإتمام على ما بدأتُ فأنا توقف في الكتاب عند ص 483

                              وأسأل الله لنا ولكم التوفيق

                              وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
                              أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار

                              تعليق


                              • #45
                                رد: صحيح وضعيف تاريخ الطبري حققه وخرج رواياته وعلق عليه محمد بن طاهر البرزنجي[ج9]

                                وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
                                نسأل الله أن يوفقكم في الامتحان.
                                عمومًا إن أراد أحد الإخوة أن يتبرع بإكمال ما بدأتم ، فبارك الله فيه.
                                وجزاكم الله خيرًا جميعًا.
                                أدوات للباحثين على الشبكة: البحث في القرآن الكريم هنا تفاسيره هنا القرآن بعدة لغات هنا سماع القرآن هنا القراءات القرآنية هنا
                                الإعجاز العلمي هنا بحث في حديث بإسناده هنا و هنا معاجم عربية هنا معاجم اللغات هنا
                                كتب وورد
                                هنا المكتبة الشاملة هنا كتب مصورة هنا و هنا وهنا وهنا وهنا وهنا و هنا وهنا وهناوهنا وهنا وهنا وهنا وهنا كتب مخطوطة هنا
                                للتأكد من الأخبار العصرية موقع فتبينوا

                                تعليق

                                مواضيع ذات صلة

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 19 فبر, 2023, 10:23 م
                                ردود 0
                                39 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
                                ابتدأ بواسطة سيف الكلمة, 20 سبت, 2021, 07:32 م
                                ردود 3
                                86 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                 
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 21 أبر, 2021, 03:16 ص
                                ردود 0
                                95 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                 
                                ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 11 أبر, 2021, 12:20 م
                                ردود 0
                                65 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
                                ابتدأ بواسطة أكرمنى ربى بالاسلام, 1 فبر, 2021, 08:35 م
                                ردود 13
                                139 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة أكرمنى ربى بالاسلام  
                                يعمل...
                                X