التكذيب (15)

تقليص

عن الكاتب

تقليص

Shebl Al Saqar مسلم اكتشف المزيد حول Shebl Al Saqar
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • Shebl Al Saqar
    1- عضو جديد
    • 6 ديس, 2021
    • 73

    التكذيب (15)

    سلسلة نقد المذهب الربوبي (15) :

    التكذيب :

    يقول الربوبي: إننا نقول بأنّ الأنبياء كاذبون، فهم يكذبون فيما يدّعونه من منصب النبوّة أو السفارة الإلهية وذلك ليتسنى لهم أن ينشروا رسالتهم الإصلاحية الهادفة إلى تهذيب الناس، وحملهم على الأخلاق النبيلة والسجايا الفاضلة وإبعادهم عن الظلم والطغيان ورذائل السجايا وذميم الأخلاق؛ إذ ليس هناك أسلوب أفضل وأكثر إقناعاً للعامة من ادّعاء النبوة، وأنّ الله أعدّ للمطيعين جنّة عرضها السماوات والأرض فيها ما تشتهي الأنفس، وهيّأ للعصاة ناراً تشوي الوجوه وتبدل الجلود.

    ورداً على ذلك نقول:

    إنّ هذا الكلام مجافٍ للحقيقة التاريخيّة، فالأنبياء - كما هو معروف - كانوا أصدق النا قواً، واشتهروا بقول كلمة الحق ولو على أنفسهم، وقد عاشوا في مجتمعاتهم وبين شعوبهم مدة مديدة لم يعرف عنهم خلالها كذبة في قول. فقد لبث نبينا محمد في قومه أربعين سنة قبل النبوة، عُرف عنه خلالها الصدق والنزاهة والأمانة حتى أسماه قومه «بالصادق الأمين». واستمر على هذه السيرة بعد البعثة، فكان يرفض استخدام الأساليب الملتوية والكاذبة لتثبيت دعائم رسالته، فعندما توفي ولده إبراهيم في يوم صادف فيه كسوف الشمس {كَسَفَتِ الشَّمْسُ علَى عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ مَاتَ إبْرَاهِيمُ، فَقالَ النَّاسُ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ ولَا لِحَيَاتِهِ...﴾
    كسفت الشمس حزنًا على إبراهيم، أبت نفسه استغلال هذا الأمر وخداع الناس ولو كانت الغاية نبيلة، «فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ ولَا لِحَيَاتِهِ...﴾

    هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ المصلح لو كان كاذباً في دعوى خطيرة على هذا المستوى، وهو أن يدّعي أنّه رسول الله وأنّه يحمل إلى الناس شريعة يزعم أنها شريعة سماويّة أُوحي إليه بها من رب العالمين، ويكذب أيضاً في زعمه وجود عالم آخر أعدّ للحساب. فهذا معناه أنّه شخص مجبول على الكذب، وأنّه معتاد عليه، وإن لم يكن معتاداً فتكرار الكذبة سيجعله معتاداً، ومن يكذب في الكبير يكذب في الصغير ومن يكذب مرة يكذب الأخرى. والشخص الكذوب لا بدّ أن يفتضح أمره، وأن ينكشف زيفه، فحبل الكذب قصير، كما يقول المثل، ولن يطول الخداع والتضليل، فــــــ «ما أضمر أحد شيء إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه».

    ومن جهة ثالثة، لو كان الأنبياء مجرد مصلحين وعباقرة وليسوا مبعوثين من قبل الله تعالى، وإنّما ادعوا ما ادّعوه بهدف إصلاح مجتمعاتهم، فكيف نفسر هذا التلاقي بين الأنبياء على العناوين العامة العقدية، وهي الدعوة إلى الإيمان بالإله الواحد الأحد ورفض الشرك به، وكذلك التلاقي على الدعوة إلى الإيمان باليوم الآخر؟! ألم يكن من الضروري أن تتغير «المفاهيم الإصلاحية» المزعومة بتغير العادات والتقاليد؟ واختلاف المجتمعات؟ ثمّ لماذا نرى لدى كل الأنبياء تركيزاً على العقيدة الصحيحة القائمة على الإيمان بالإله الواحد ورفض الوثنية والشرك، مع أنّ هذا الأمر قد لا يخدم الرسالة الإصلاحية المزعومة وهي تغيير الواقع المنحرف والفاسد، إذا كان هدف الأنبياء إصلاح المجتمع فقط، فما الذي يفرق بين الدعوة إلى الإيمان بالإله الواحد الأحد أو الإيمان بإلهين، أحدهما إله الخير والآخر إله الشر؟ ولماذا إصرار الأنبياء على رفض الشرك بالله ورفض الوثنية وعبادة الأصنام، مع ما سبب لهم ذلك من مشاكل جمّة مع الأمم التي بعثوا فيها؟! وأدّت دعوتهم تلك إلى انقسام المجتمع قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ} [النمل - 45].

    قد يقولنّ الربوبي: إننا معاشر الربوبيين لا نكذّب الأنبياء ولا نتهمهم بتعمّد الخداع والمكر، لكن ذلك لا يحتّم علينا أنّ نعتقد بأنّ قولهم الحق وأنّ دعواهم النبوة مطابقة للواقع، فربما كانوا مشتبهين وواهمين، وما يتصورون أنّه وحي سماوي هو مجرد تخيلات نفسيّة، ناتجة عن استغراقهم فيما يدعونه من وحي السماء إليهم. ومعلومٌ أنّ الإنسان إذا استغرق في أمرٍ معيّن وشغل فكره فيه، فإنّ ذلك قد يأخذ عليه بعقله ولبّه، ويسيطر على حواسه ومداركه فلا يرى سواه، حتى ليصدق تخيلاته ويقنع نفسه بصوابيتها، ومن ثم يتحوّل إلى مبشر بها.

    وجوابنا على ذلك :

    إن الأنبياء ليسوا أشخاصاً عاديين بل هم خيرة الناس عقلاً وحكمة واستقامة، وهم معروفون بالتوازن النفسي والنبوغ الفكري، ولم نجد في سيرة واحدٍ منهم ما يؤشِّر إلى أنّه كان ذا عقدة نفسيّة أو عصاب ذهني، وآية ذلك وعلامته في ملاحظة ما تركوه من إرث روحي وديني وأدبي، فإنّ كلام المرء ونتاجه الفكري والأدبي والروحي هو خير مرآة عاكسة لعقله وشخصيته، ذكاءً أو بلادة، نبوغاً أو تخلفاً، من هنا، فإنّ المنهج العلمي المعتمد في الدراسات المعاصرة هو التعرف على شخصيات الشعراء والأدباء والفلاسفة وخصائصهم النفسيّة وآرائهم الفكرية من خلال نتاجهم العلمي والفلسفي والأدبي. وعلى ضوء ذلك، فإنّ المتأمل والدارس الموضوعي في النتاج والإرث الروحي والثقافي والأدبي الذي خلّفه لنا الأنبياء ، فضلاً عن مواقفهم وجهودهم الجبارة التي غيّرت مسار التاريخ، ولا تزال تحظى بقبول الغالبية العظمى من بني الإنسان، سوف يذعن بأنّ هذا النتاج وهذا الجهد العظيم ليس مجرد تخيّلات وأوهام تفتّق عنها ذهن إنسان عادي ولو كان عبقرياً، وإنّما هو نتاج إنسان مسدد وملهم ويوحى إليه من قبل الله تعالى.


مواضيع ذات صلة

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
ابتدأ بواسطة الراجى رضا الله, منذ 3 يوم
ردود 0
6 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة الراجى رضا الله
ابتدأ بواسطة الراجى رضا الله, منذ 2 أسابيع
ردود 11
52 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة الراجى رضا الله
ابتدأ بواسطة Mohamed Karm, 7 فبر, 2023, 06:09 ص
ردود 0
130 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة Mohamed Karm
بواسطة Mohamed Karm
ابتدأ بواسطة ARISTA talis, 2 ديس, 2022, 01:54 م
ردود 0
69 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة ARISTA talis
بواسطة ARISTA talis
ابتدأ بواسطة عادل خراط, 21 نوف, 2022, 03:22 م
ردود 25
160 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة عادل خراط
بواسطة عادل خراط
يعمل...