تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

تقليص

عن الكاتب

تقليص

ظل ظليل مسلم اكتشف المزيد حول ظل ظليل
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #31
    رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

    قصتي مع ديكارت وقضية الشك الديكارتي

    سينكر علي بعض إخواني ولعي بفلسفة « ديكارت » وترديدي لها ، لأن في حقائق ديننا غنى عنها ولأن الفلسفة لم تكن طالع خير في تاريخنا المجيد وإنني مجيب عن ذلك بأن اقتناعنا نحن المسلمين بيقينية الحقائق الدينية أمر لا لبس فيه ، فأخبار الوحيين حقائق يقينية قطعية نهائية نتهم فيها أي فكر مهما عظم ونتهم فيها كل منهج يفرض التعارض بين المعقول والمنقول وبين المنقول وحقائق العلم القطعية .
    ولكن هل معنى اقتناعنا بحقائق الدين ينافي حرصنا على الفلسفات التي تؤيدها أو تعارضها . إن واجبنا كبير في نشر العقيدة وتثبيتها في نفوس وعقول الكثيرين من شبابنا الذين قرأوا كثيرا عن فلسفة الماديين والتجريبيين وعن اعتراضات نقاد الحقائق الدينية وكادوا يفتتنون بها ، ولن يتهيأ واجب نشر العقيدة وتثبيتها مالم نواجه تلك الفلسفات وجها لوجه بحقائق هذا الدين .
    الاقتناع الحق بهذا الدين أن نواجه كل مذهب يجهل عقيدتنا بحقيقة الدين فان أشحنا بوجوهنا غاضبين عن تيار الفلسفة ، وجعلناه يعبر إلى أذهان شبابنا وبني ملتنا دون أن نضع حقائق الدين سداً منيعا يقف مد ذلك التيار فإنما نكون حقا غير واثقين بحقائق ديننا ، بل كان معنى ذلك أننا مقتنعون بأن الدين عاجز عن مواجهة الفلسفة البشرية المسكينة .
    ولست مغربا في هذا الادعاء فاقرب دليل لي هو واقعنا التاريخي ، فكلما شوشت الفلسفة على حقائق العقيدة أتاح الله مجددين يجلون صدأها ، ويرفعونها بيضاء نقية تسر الناظرين .
    وهؤلاء هم المجددون حقا من أمثال ابن حزم ، وأبي حامد الغزالي من بعض الوجوه وشيخ الإسلام ابن تيمية ، وغيرهم كثيرون .
    والتجديد - أعزك الله - ليس غربة ، فالذين يدعون إلى استبعاد حقائق الدين وتأويلها بما يعلمون يقينا أنه ليس مرادا للشارع ، ليسوا مجددين ولكنهم مستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ، والذين يلهثون وراء النصوص ويحملونها مالا تحتمل لتأييد آراء فلسفية أو مكتشفات علمية لم تكن موضع جزم بعد ليسوا أيضا بمجددين ولكنهم مغربون ومشتطون ، وهؤلاء وأولئك مهزومون روحيا جاهلون بطبيعة هذا الدين . لابد من الثقة بهذا الدين وشرح وجهته .
    ولابد من الاقتناع بهذه الأمة وأنها خير أمة أخرجت للناس وأن واجبها أن تكون في الطليعة لا الأمعية والتبعية إذا كان منطلق المصلح من هذه الأصول فهو المجدد حقا ، وحذار أن نخدع بتجديد لا يكون على هذه المثابة .
    قلت : اقرب دليل لنا على أن حقائق الدين لابد أن تلاقي كل فكر مهما كان جبارا وعتيدا وجها لوجه من واقع تاريخنا ، فلولا عظمة أولئك المجددين الفكرية رحمهم الله لكان الدين كما يقول الملاحدة يقين العجائز والعوام ، والحمد الله الذي وقى إسلامنا من الخرافة التي قذفت بالمسيحية من شاهق ، والسر في ذلك والله أعلم أن الله ضمن لنا حفظ هذا الدين بقوله : « إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون » ، أما المسيحية واليهودية فوكلها الله إلى المسيحيين واليهود أنفسهم بقوله تعالى : « بما استحفظوا من كتاب الله » .
    لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

    حكمة هذا اليوم والذي بعده :
    قل خيرًا او اصمت



    تعليق


    • #32
      رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

      وأما القول : بأن الفلسفة لم تكن طالع خير في تاريخنا المجيد فحق ، ولكن يلاحظ أنها اليوم طالع خير على أوربا من بعض الوجوه .
      فكيف نوفق بين حالها في واقع مطمور وحاضر مشهود ؟ لن يتم التوفيق بين هذا وذاك مالم نتيقن أن الفلسفة ليست شرا لذاتها ، وليست خيرا لذاتها لقد كانت شرا في الماضي لأنها ميتافيزيقية بحتة بددت العقل البشري المخلوق المحدود خارج إطاره فانبث هباء لا يحصل منه شيء . لقد كانت صراعا عنيفا في إثبات النفس واستكناهها وخلودها ، وفي وجود الله ووجود الممكن ، ثم كانت تصطدم بمقررات الدين اليقينية ، فلاقتها صلبة منيعة غير مستسلمة ، فطال الجدل ولم يحصل الاقتناع وحق للشاعر أن يقول :
      برح بي أن عـلوم الورى .. اثنان ما أن فيهما من مزيد
      حقيقة يعجـز تحصيلهـا .. وباطـل تحصيله ما يفيد
      ومن ثم وجدت عقدة التكافؤ في الأدلة التي قال بها الشكاك فلم يروا أن حقيقة ما ينهض لها دليل .
      كانت عقدة الشكاك سخافة وبلادة وقصورا فكريا ولكنها سميت فلسفة !!
      أما ما ينبغي أن تندفع فيه الفلسفة إلى ابعد غاية من الطبيعيات والرياضيات والكشوفات العلمية وتوسيع نطاق الاستقراء والتجربة فهذا لم يحدث في فلسفتنا الماضية وما حدث فهو إرهاصات لم تكن كفتق الفلسفة الحديثة .
      وإذ اتضح أن اقتناعنا بحقائق الدين يحتم أن نواجه بها كل فكر مهما كان جبارا أو عتيدا وإذ اتضح أن الفلسفة ليست شرا مطلقا فليس لأحد الحق بأن يؤاخذني بهذا الاعتناء بفلسفة ديكارت التي أتوصل بها إلى إثبات وجود الله سبحانه وتعالى ردا على الوجوديين الذين ينكرون وجود الله ولا يقبلون مني النصوص الشرعية ، ولكنني مؤاخذ حملة العلم الشرعي في عدم الإحاطة بذلك لأمور :
      أولها : أن حملة الشريعة لن يستطيعوا نشرها والاقتناع بها مالم يكونوا ملمين ببعض الفلسفات التي تعين على ذلك . كوسيلة للاستمالة لا غاية .
      وثانيها : أن فلسفة ديكارت تواكب الإيمان بالدين وتنصر العقيدة ، وإننا واجدون فيها مددا لتحصين العقيدة لا في جوهر فلسفته فقول الله اصدق ولكن في منهجها ومسلكها .
      وثالثها : أن ديكارت أبو الفلسفة الحديثة كلها وهذا التعبير يغنينا عن القول بأنه كبير الأثر في الفلسفات التي تليه فلابد من تمحيص هذه الفلسفة ومعرفة مالها وما عليها وإن ديكارت المفكر العالم تميز بفلسفة في الرياضيات والطبيعيات إلا أن هذه معارف لا أحسنها وتحقيقها موكول إلى المختصين وله فلسفة فكرية تتعلق بمنهج البحث والتأليف ووجود الله وخلود النفس وما أشبه ذلك من المباحث الميتافيزيقية ، وإنني مقتصر على ناحية واحدة من نواحي فكره الفلسفي هي مسألة البحث عن اليقين الذي توسل إليه بالشك لأن عناصر فلسفته منبثقة من هذا المنهج فالذي يهمنا من ديكارت فلسفته ولكنني موجز بعض الأسطر عن حياته .
      موجز تاريخ حياته :
      ولد ديكارت سنة 1596 م بقرية صغيرة بفرنسا وتلقى تعليمه الأول في كلية يسوعية فلم يرض عن مقرراتها لأنها تلقين لآراء القدماء وعدم الرضا بالاتباعية هيأ فكره لطلب اليقين بغير طريق التلقين والتقليد ، وقد ألف قواعد لهداية العقل عام 1628 م ولم يتمها ولم ينشرها إبان حياته ، وقد بسط في هذه القواعد لأول مرة منهجه الذي أراد به أن يكون منهاجا للفلسفة والعلم معا .
      وفي عام 1624 م أتم تأليف رسالته « العالم » ودفع بها إلى المطبعة فلما سمع بإدانة البابا لجاليلو بالمروق عن الدين لقوله بدوران الأرض سحب كتابه من المطبعة لأنه يقول بذلك أيضا في كتابه المذكور .
      وفي عام 1641 م نشر تأملاته في الفلسفة الأولى مع ست رسائل وردت اعتراضا عليه وفي عام 1649 م ذهب إلى استوكهلم بإلحاح من ملكة السويد ليعلمها الفلسفة وقد أصيب بالتهاب رئوي نتيجة للمناخ السويدي فمات في يوم 11 فبراير عام 1650 م .
      وكان ديكارت مخلصا لعقيدته الكاثوليكية ، وكان عالما طبيعيا ورياضيا مبتكرا وأول من وصفه بأبي الفلسفة الحديثة فلاسفة الألمان وعلى رأسهم « هيجل » و « شلنج » .
      لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

      حكمة هذا اليوم والذي بعده :
      قل خيرًا او اصمت



      تعليق


      • #33
        رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

        عناصر الشك الديكارتي :
        لا مراء أن الشك أقدم من ديكارت والشكاك السوفسطائيون وجدوا في العصر اليوناني فكان منهم منكرة الحقائق والمتوقفة وإنما وجدت عقدة الشك - بنوعيها - بفعل القوة الجدلية والتمويهات المغلطائية في البراهين وهي الآفة التي تبدد فيها الفكر منذ عرف المسلمون الجدل حتى أن بعض أئمة المتكلمين تحدث عن نفسه بأنه يستلقي في الليل على قفاه ينظر في حجج هؤلاء ثم ينقضها بحجج أولئك ويعيد الكرة مرة ومرة حتى يطلع الفجر وهو لم يصل إلى حقيقة وكثيرا ما استعذب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - ترديد بيت الشاعر :
        حجج تهافـت كالزجـاج تخالها .. حقـا وكل كاسر مكسور
        والمتكلمون عادة هم أكثر الناس تنقلا في الفكر لا يثبتون على مذهب معين . وهذا الإمام أبو الحسن الأشعري يعلن العداء لمذهب المعتزلة . وقد كان معتزليا أربعين عاما فينقض مذهبهم بعظمة فكرية جبارة ويحضر أئمة المعتزلة لمناظرته فيتناولهم واحدا واحدا بالمناظرة ويقومون على أن يعودوا في جلسة ثانية فلا يعودون فيكتب أبو الحسن على بابه ( فروا ) ، ولكن أبا الحسن الذي كان معتزليا ثم أشعريا : كان أخيرا شاكا ، لأن آخر مؤلفاته « التدليل على تكافؤ الأدلة » ناقشه ابن حزم في آخر كتابه الفصل وقال إنه مذهب الطبيبين اليهوديين إسماعيل بن يونس الأعور وإسماعيل بن القراد وقد ناظرهما ابن حزم في مجلس من مجالسه التي ناظر بها اليهود في الأندلس ، ومقرر مذهبهم أنه لا يمكن تغليب مقالة على مقالة بل دلائل كل مقالة مكافئة لدلائل سائر المقالات ، وكل ما ثبت بالجدل فانه بالجدل ينقض فيلزم التوقف عن الأخذ بأي رأي أو مبدأ ، وقد ناقشهم أبو محمد طويلا وقال :
        إن جهل من جهل وتوقف من توقف ليس حجة على علم من علم ويقين من تيقن ، والحق في جهة واحدة ولابد . والصواب مارجع إلى محصلات العلم الغريزية في الإنسان .
        وقصارى القول :
        أن الشك السوفسطائي إنما تولد من الجدلية التي يكون فيها تمويه الحجج وزخرفتها فيبدأون بالنظر والاستدلال وينتهون إلى الشك والتوقف .
        وهناك شك ابتدائي توسلي مصطنع مفتعل وهذا هو الشك الديكارتي ، وقد فلسفه المعتزلة قبل ديكارت فكان هو الشرط الأولى للمعرفة عندهم فقالوا بشجاعة : ينبغي أن نبدأ في كل معرفة بالشك والتحفظ حتى إذا وصلنا إلى يقين كان يقينا معززا سليما وقد قال إبراهيم النظام : لم يكن يقين قط حتى صار فيه شك ، ولكنهم غالوا في استحسان الشك فقالوا : لا يصح إيمان احد إلا بالنظر والاستدلال ومن شرط الناظر المستدل :
        أن يكون ولابد شاكا في وجود الله وقد استدلوا بشك إبراهيم الخليل عليه السلام - في قوله تعالى : « وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي » - البقرة 260 فقالوا : إن إبراهيم كان شاكا في قدرة ربه فطلب الدليل ويؤيدون ذلك بما ثبت في الصحيحين : « نحن أحق بالشك من إبراهيم » وبحديث : « ذلك محض الإيمان » يعني الشك - وبأن الله ذم المقلدين في الاعتقاد الذين قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ، ولأن الله حض ذوي الألباب على التعقل والتفكر ، وبأن الشك جبرية فكرية فلا يستطيع أحد أن لا يشك وكل هذه الأدلة سطا عليها القصيمي بمراوغة إنشائية هزيلة في الكلمة التي عنون لها بالعالم يشك والجاهل يستيقن ، والشك عند هؤلاء ليس معناه أن كل شيء باطل بل معناه عدم التسليم بصحة أي شيء قبل النظر فيه فالقسرية الاجتماعية للعقل وما كان مبنيا على الحدس والتخمين وما كان منشؤه العرف والعادة يجب أن يرفض كل ذلك ! وهذا الشك لا يدوم إلا ريثما يتوسل به إلى معرفة يقينية فكل هذه العناصر الموجودة في شك أهل الكلام هي المقومات لشك ديكارت بل ليس هذا الاتفاق في المعنى فحسب بل ثمة اتفاق في الألفاظ .
        لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

        حكمة هذا اليوم والذي بعده :
        قل خيرًا او اصمت



        تعليق


        • #34
          رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

          فالجاحظ لا يقبل التصديق إلا بما كان واضحا ولا ريب أن اليقين عند ديكارت يعبر عنه اليوم بالأفكار الواضحة المتميزة ومن كل ما سبق نستخلص مايلي :
          أولا : أن الشك عند ديكارت مصطنع يتوسل به إلى معرفة حقيقة ما ومعناه : عدم التسليم بصحة الشيء ( مع احتمال صحته أو بطلانه ) وليس معناه إبطال الشيء مطلقا ، ولا يعترف بمبدأ تكافؤ الأدلة التي كانت عقدة الشكاك السوفسطائيين .
          ثانيا : أن الشك الديكارتي موجودة عناصره عند أهل الكلام تماما وفيه تشابه في المعنى واللفظ .
          ثالثا : أن الشك السوفسطائي هدام لأنه لم يكن وسيلة إلى طلب الحقيقة ولكنه غاية في إنكار الحقيقة أو التوقف فيها وهو شك على إطلاقه حتى فيما قام دليله لأن الدليل لا يقوم إلا بالجدل وما قام بالجدل فانه بالجدل ينقض .
          بين أبي حامد الغزالي وديكارت :
          لاحظ الكاتب الفرنسي شارل شومان أن عبارات ديكارت في كتابه « التأمـلات » مقاربة لعبارات الغزالي في كتابه « المنقذ من الظلال »
          قال أبو عبد الرحمن :
          اصطنع أبو حامد مذهب الشك قبل ديكارت إلا أن الأول توصل إلى اليقين بمعارف العقل الفطري أو صافيات القرائح كما في تعبير أبي العلاء .
          سر يتـم على غي فهلا اهتديتم بمـا خبرتكـم صافيـات القرائح
          وأبو حامد يذكر في مبدأ طلبه لليقين أن ما يريده حقيقة هو ما ينكشف فيه المعلوم انكشافا لا يبقى معه ريب ولا يقارنه إمكان الغلط والوهم ، ويجب أن يكون الأمان من الخطأ مقارنا لليقين مقارنة فلو تحدى مشعوذ يقينه بأن العشرة أكثر من الثلاثة وقال بل الثلاثة أكثر بدليل أنني اقلب هذا الحجر ذهبا والعصا ثعبانا :
          لم يورثه ذلك شكا وإنكارا .
          وشك أبي حامد نجده فيما سماه بمداخل السفسطة في التماساته لليقين فيرى أن الحسيات والضروريات هي الجليات ، فلا مطمع في اقتباس المشكلات إلا منها ، ولكن ينتهي به طول الشك إلى استعباد الثقة بالمحسوسات فأقواها حاسة البصر وهي تنظر إلى الظل فتراه واقفا فتنفي حركته ثم بالتجربة والمشاهدة بعد ساعة تعرف أنه متحرك وانه لم يتحرك دفعة واحدة مباغتة بل على التدريج ذرة ذرة فلعله لا ثقة إلا بالعقليات التي هي من الأوليات كقولنا : العشرة أكثر من الثلاثة ، ولكن طول الشك ينتهي به إلى استبعاد الثقة في العقليات أيضا لأن النائم يعتقد في النوم أمورا ويتخيل أحوالا فإذا استيقظ علم انه لم يكن لجميع متخيلاته ومعتقداته أصل ، وبقى أبو حامد قريبا من شهرين بعد هذا التوهم على مذهب منكرة الحقائق ، ولكنه كاتم لذلك ثم شفاه الله وعادت نفسه إلى الصحة والاعتدال وقذف الله في صدره أن الضروريات العقلية مقبولة موثوق بها على أمن ويقين وانتهى إلى أن طرق الباطنية في الكشف هي الموصلة إلى اليقين .
          وباستعراض مذهب ديكارت نرى صحة مقاربته للغزالي في جمله ومعانيه فديكارت يرى أن الحواس خداعة ، وليس من الحكمة الاطمئنان إلى من يخدعنا ولو مرة واحدة وحتى ما يحيط بديكارت من أشياء مادية يشك فيها لأنه يحس بمثلها في المنام فإذا بها وهم والطريق إلى اليقين بعد هذا الشك : النظر بالعقل الفطري وبدائه العقل هي أصح المعارف واليقين المطلوب هو ما كان متميزا واضحا والمتميز الواضح هو الذاتي الضروري الذي لا يقبل الشك وكل ماذكرنا هنا احتذاء لما ذكرناه آنفا ولا أدري هل هو واقع الحافر على الحافر أو أثر السابق في اللاحق ؟
          لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

          حكمة هذا اليوم والذي بعده :
          قل خيرًا او اصمت



          تعليق


          • #35
            رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

            الكوجيتو واليقين الديكارتي :
            يعبرون عن صيغة ديكارت المشهورة : أنا أفكر إذاً أنا موجود بالكوجيتو وأكثر المتأدبين لم يفهموا هذه الصيغة حق الفهم وكيف كانت طريقا إلى اليقين في معارف كثيرة وإنني موضح ذلك .
            يفترض ديكارت انه لم يصح عنده شيء من الحقائق البتة لا حقائق الحس ولا العقل ولا التقليد والعرف كما لم يصح عنده بطلان شيء وحينئذ فهو شاك ، فأول حقيقة يقينية عنده أنه يشك ولو فرض أنه شاك في انه يشك فسيضل من الثابت على نحو يقيني انه يشك ، والشك نوع من التفكير فعنده حقيقة يقينية هي انه يفكر وعنده حقيقة أخرى هي أنه موجود لأن غير الموجود لا يفكر وهذا معنى قوله : أنا أفكر إذاً أنا موجود .
            ومن هذه العبارة صاغ برهانه الوجودي في إثبات وجود الله أو ما عبر عنه بالكامل اللامتناهي وقد شرحت ذلك في غير هذا المبحث .
            ديكارت والنهضة الحديثة :
            قامت النهضة الأدبية في مصر منذ وقت احمد لطفي السيد والدكتور طه حسين على عدة مناهج وتيارات أدبية من بينها المنهج التشكيكي الديكارتي وكان من بواكيره دراسات طه حسين للأدب الجاهلي والإنكار لأعلام تاريخية والادعاء العريض في قضية الانتحال ، وقامت نهضة الإصلاح في الأزهر وفي مناهج البحث بواسطة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده على المنهج إياه فتضافرت حملات التشكيك على صحاح الأحاديث وعلى حقائق الدين كنزول المسيح وصحة المعجزات وأن الله أهلك أصحاب الفيل بطير أبابيل ، وحمل الأستاذ محمد فريد وجدي على تلك الحقائق ببحوث له متتالية سماها ( الدين في معترك الشكوك ) وكان هذا مذهب رجال الصحافة القدماء كالدكتور محمد حسين هيكل وقالوا إن الشيخ محمد عبده صاحب مدرسة أيدت سلطان العقل وقضت بالبداهة ، والدكتور عثمان أمين يذكر أنه عثر على جميع مؤلفات ديكارت في مكتبة محمد عبده بنصوصها الفرنسية وله تعليقات على التأملات .
            وقفـات :
            في تلمسنا لعناصر الشك الديكارتي رأينا : أن مذهب المتكلمين يوجب تقدم الشك على الإيمان ، وأن إيمان المقلد لا يصح .
            قال أبو عبد الرحمن :
            اصطناع الشك توسلا به إلى اليقين جائز مادام الظن قويا بين احتمالين ، أما أن أصول الدين كوجود الله وثبوت النبوة والمعارف البدهية لابد أن يتقدمها شك فمن أفسد الآراء التي يدفعها الشرع والنظر لأن أصول الدين قامت على التأمل العقلي والشواهد الكونية والمعجزات والخوارق والغريزة الفطرية ، وكل مولود يولد على الفطرة ، وغريزة الفطرة هي إيمان القلب أولا وإيمان القلب مقدم على يقين العقل لأن يقينه إذا لاحت له البراهين في الأمور النظرية مبنى على ضعف الأدلة المقابلة فغاية يقينه تمسكه بالراجح مع احتمال المرجوح ، أما القلب فإيمانه فطري ضروري فلا يمكن أن يتحول الإيمان إلى القلب وهو يحتمل مرجوحا ، ولا غضاضة إذا قدمنا إيمان القلب الفطري على إيمان العقل النظري لأن العقل والقلب غريزتان مخلوقتان ولأن الضروريات مقدمات على المكتسبات وأكبر الناس إلحاداً لم يتحول إلى الإلحاد إلا بعد نزاع مع فطرته ، وكل دليل نظري يصادم الفطرة فلا وزن له من الحق وهذا مشاهد في انحرافات العصر اليوم المصادمة للفطرة مهما كان حظها من النظر .
            ومما يلاحظ أن ملاحدة الغرب الذين بلغوا الغاية في الذكاء والجدل لا يستطيعون أن يثبتوا أدلة على عدم وجود الله ولكنهم يبنون إلحادهم على عدم العلم بوجود الله وليس العلم بعدم وجوده والقانون الذي يسلم به العقلاء أن عدم العلم بالشيء لا يساوي العلم بعدمه
            لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

            حكمة هذا اليوم والذي بعده :
            قل خيرًا او اصمت



            تعليق


            • #36
              رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

              فإذا كان الإيمان بالله فطريا ولا أقوى من دليل الفطرة وكان الإلحاد بناءً على عدم العلم فان الإيمان حينئذ يقيني ومستنده العلم بوجود واجب الوجود فلا يجوز أن يطلب الشك فيه لأن الشك في هذه الحال يكون توسلا للشك نفسه مع أنهم لم يصطنعوا الشك إلا للتوسل به إلى اليقين ومما تجب ملاحظته :
              أن الله حد للتكليف سنا معينة هي البلوغ ، وحين البلوغ يكون عقل الإنسان قد تهيأ لفهم الدلائل ، فأي عامي لا تدفعه فطرته وعقله إلى النظر في نفسه وفي الآفاق المكتنفة له وفي خلق السموات والأرض والجبال والإبل ؟ يلتمس في كل ذلك آثار وجود الله وهي أدلة قريبة المأخذ - فكيف - مع هذا - يقال : إن إيمان العوام تقليد ؟!
              أما استدلال المتكلمين على وجوب الشك بنصوص الدين فهو ادعاء باطل لأن المأثور من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم استعاذته من الشك والشرك والله سبحانه يقول : « أفي الله شك » وهي ابلغ صيغة في التعجب والإنكار ، ومذهب الجمهور أن إبراهيم لم يشك في قدرة الله ، لأنه قال للذي حاجه « ربي الذي يحيي ويميت » ولأنه نبي معصوم ولأن سؤاله عن كيفية الإحياء « رب ارني كيف تحيي الموتى » ومعنى هذا أنه يعلم أن الله قادر على إحياء الموتى كما تدل عليه الصيغة لغة , ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم - « نحن أحق بالشك من إبراهيم » : أن إبراهيم لم يشك ولو شك لكنا أولى بالشك من باب التواضع لخليل الله عليهما الصلاة والسلام بدليل آخر الحديث فقد جاء فيه :
              « ولو لبثت في السجن مالبث يوسف لأجبت الداعي » وهذا من باب تواضعه صلى الله عليه وسلم لمن سبقه من الأنبياء وقوله صلى الله عليه وسلم : « ذلك محض الإيمان » ليس راجعا لنفس الشك بل إلى التهيب من النطق به لأنهم شكوا للرسول صلى الله عليه وسلم خواطر إبليسيه تلوب بأذهانهم يهابون أن ينطقوا بها فقال صلى الله عليه وسلم : « ذلك محض الايمان » أي تهيب النطق بها ، وأما ذم من يقولون : إنا وجدنا آباءنا على أمة ... فلأنه ليس لهم دليل إلا التقليد ولكن لو سئل أحد عوام المسلمين عن سبب إيمانه لقال لأن الله خالقي ورازقي ومالكي وخالق هذا الكون ، وأما مدح الله لأولى الألباب والحث على التفكير والتعقل فليس هو مدح للشك أو دعوة إليه ، ويعجبني هذا الاحتجاج في شك إبراهيم الخليل - عليه السلام - للشيخ محمد رشيد رضا يقول : ما من أحد إلا وهو يؤمن بأمور كثيرة إيمانا يقينيا وهو لا يعرف كيفيتها ويود لو يعرفها ، فهذا التلغراف الذي ينقل الخبر من المشرق إلى المغرب في دقيقة واحد يؤمن به الناس ويقل فيهم العارف بكيفية نقله للخبر بهذه السرعة .. أفيقال فيمن طلب بيان هذه الكيفية إنه شاك ؟! .
              ومما تجب ملاحظته أن الشك لا يجوز فيما نهضت حجته وإلا لكانت بلبلة فكرية ، كما يجب أن يلاحظ دعاة الإصلاح الذين جعلوا العقل حكما على نصوص الدين أن العقل مخلوق كأي حاسة محدود بزمانه ، وأن معارفه تقوى ويقوى إدراكه كلما اكتشف جديدا في هذا الكون فترقي معرفته علامة نقصه ، ومن أراد ثلج اليقين فليراجع كتاب العقل والنقل لابن تيمية و كتاب موقف العقل للشيخ مصطفى صبري .

              * * *

              لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

              حكمة هذا اليوم والذي بعده :
              قل خيرًا او اصمت



              تعليق


              • #37
                رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                الشك الديكارتي

                وجد السوفسطائيون في العصر اليوناني ، فكان منهم : منكرة الحقائق جملة ( العنادية ) ، والمتوقفة ( اللا أدرية ) والمغلطائية ( العندية ) القائلون : الإنسان مقياس الأشياء على ما تبدو لي أنا ، وعلى ما تبدو لك أنت : أنا إنسان وأنت إنسان ، فالحقيقة تتغير بتغير الأفراد (1) وإذن فالحق حق عند من يعتقده .
                وعقدة السفسطة - عند هؤلاء - عقدة ( التكافؤ في الأدلة (2) ) .. بسبب شدة الجدل الفلسفي ، فلما جاء ( سقراط ) وضع منهج ( التهكم والتوليد ) ، فكان يناقش السوفسطائي في تبسط حتى يوقعه في التناقض والحرج . ثم يلقى عليه أسئلة مرتبة ترتيبا منطقيا ، فيتوصل إلى الحقيقة - على رغمه - بذاته . (3) ومن أدلتهم : أن ما ثبت بالجدل ، فالجدل ينقضه .
                قال أبو عبد الرحمن : لست أرى ضرورة لاستعراض أدلتهم ومناقشتها ، مادام أن علم المنطق وضع لعصمة الذهن من السفسطة فقد وضع أرسطو قوانين العقل لحماية الذهن من تلاعب السوفسطائية .. وهي : قانون الذاتية ( الهوية ) . وقانون عدم الجمع بين النقيضين ، وقانون عدم ارتفاعهما (4) وليس شك ديكارت شكا نهائيا هداماً ناتجاً عن عجز فكري ، وتبلد ذهني .
                والمنقول عن المعتزلة إيجاب البدء ( في كل معرفة ) بالشك والتحفظ ، ليتم الوصول إلى يقين معزز سليم ، ولهذا كان الشرط الأول للمعرفة عندهم الشك ، لأنهم لا يصححون الإيمان إلا بعد نظر واستدلال ، فالنظر قبل المعرفة ، والناظر في حالة شك ( ولابد ) . قال النظام : لم يكن يقين قط ، حتى صار فيه شك (5) .
                قال أبو عبدالرحمن : لقد نقبت عن أدلة أهل الكلام وأدلة معارضيهم ، فاستصعبت تدوينها هنا ومناقشتها - بتقص - فاكتفيت بالإشارة إلى بعض مراجعها ، وذلك لأمرين : أحدهما : أنها أدلة متداخلة يصاب قارئها بالدوار ، وليس عند القارئ جلد على متابعتها . ويغنى عن استيعابها التركيز على ناحية واحدة هي : ( تحرير محل النزاع ) وهذا ما سنجتهد فيه .
                وثانيهما : أنني أميل إلى مذهب ( ديكارت ) في القول بأن الإكثار من الأدلة يضعفها ويجعلنا لا نرى واحداً منها ذا قيمة (6) . فيكفي أن يحرر الباحث برهانا يقينيا واحدا ويصونه من كل الاعتراضات وذلك أدنى للاقتناع ، وأبقى للجهد .
                قال أبو عبدالرحمن : وتحرير محل النزاع أن نقول : الغرض من الشك الوصول إلى يقين معزز سليم ، وموجب هذا اليقين :
                أ - شرعي ( أي عقلي بالشرع ) (7) .
                ب - وعقلي مجرد .
                _______________________
                (1) للتوسع في معرفة السفسطة راجع الفصل لشيخنا أبي محمد بن حزم ج 1 ص 7-9 وتلبيس إبليس لابن الجوزي ص 41 .. وتهافت الفلسفة لمحمود أبي الفيض المنوفي ص 64-70 .. والموسوعة الفلسفية المختصرة ترجمة فؤاد كامل وزملائه ص 191 .. والمعرفة للشنيطي ص 27 ..
                ولقد أصبحت السفسطة علما على ما أخذ من مقدمات فاسدة . انظر على سبيل المثال : التقريب في علم المنطق لشيخنا ابن حزم ص 191 .
                (2) عن تكافؤ الأدلة راجع الفصل لابن حزم ج 5 ص 193-206
                (3) المعرفة للشنيطي ص 72-73
                (4) راجع : مناهج البحث عند مفكري الإسلام للدكتور علي سامي النشار ص 140 وما بعدها .
                (5) إيجاب النظر والاستدلال وعدم تصحيح إيمان المقلد مذهب المعتزلة ووافقهم الإمام محمد بن جرير الطبري - كما في الفصل للإمام ابن حزم ج 4 ص 59 - وخالفهم جمهور الفقهاء والعلماء وانظر أدلة هؤلاء وأولئك في : شرح الأصول الخمسة لعبد الجبار ص 29- 72 .. والفصل لشيخنا أبي محمد بن حزم ج 4 ص 59-68 .. والإرشاد للجويني ص 3-13 .. والمواقف للايجي ج 1 ص 189 - 288 .. والنبوات لابن تيمية ص 42 وما بعدها وفيها أسباب ميل بعض المتكلمين من الحنابلة إلى القول بوجوب النظر والاستدلال .. ونتائج المذاكرة حاشية المسامرة لقاسم بن قطلوبغا ص 243 - 246 .. وفلسفة الفكر الديني بين الإسلام والمسيحية للويس غردية و ج قنواتي ج 3 ص 101 - 115 وهو مهم وفيه إحالة إلى عدد من المصادر المهمة .. كما أن كتيب ( الأدلة القواطع والبراهين في إبطال أصول الملحدين ) للشيخ عبد الرحمن بن سعدي المستل من كتاب التأسيس لابن تيمية : كله رد على مذهب التجرد والشك .
                (6) راجع إهداء ديكارت تأملاته إلى العمداء العلماء بكلية أصول الدين ص 33 - 34 .
                (7) أرى أن الناس يغلطون في قولهم : عقلي ، و شرعي .. والصواب - عندي - أن يقال : عقلي وغير عقلي .. والعقلي أنواع : عقلي بالشرع وعقلي بالحس وعقلي بالإلهام وعقلي بالفطرة وعقلي مجرد ، وهو القضايا الذهنية الخالصة التي لا تعتمد على الوجود في الخارج كمبادئ العقل الأولى ، وهي الأفكار الخالصة .. وقد ذهب ( لوك ) و ( هيوم ) إلى أنها منبثقة من الحس .. وايما كان الخلاف : فانه يثبت بها مالا يدرك بالحس كمسائل الماورائيات ( الميتافيزيقا ) .


                لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                قل خيرًا او اصمت



                تعليق


                • #38
                  رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                  ومعنى قولنا : موجب شرعي : أن نحتكم إلى النص الشرعي ، لا إلى غيره ، ولقد تقرر عندنا في الشرع أمران :
                  أولهما : أن اليقين الفعلي غير شرط في العبادات وإنما يكفي اليقين الاعتباري - أي أن نجتهد ، ولا يشترط أن نصيب ، فمن كان عاجزا عن الاجتهاد وقلد مشهودا له بالإمامة في الشرع فعمله سيؤدي إلى يقين معتبر شرعا لأنه سلك الطريق الشرعي .
                  فما بالنا - إذن نزيف إيمان المقلدين ، والشرع ( الذي نوجب باسمه ) لم يزيفه ؟ .
                  هذه واحدة .. كما أن إيمان العوام تقليد للنصوص الشرعية وهي التي اقتضت منهم الإيمان فاستجابوا لها فكيف نقول : إن إيمانهم مزيف ، ونحن نوجب الشك باسم الشرع ، مع أن الشرع طلب منهم الإيمان ؟ .
                  وثانيهما : أن الشرع الذي نوجب باسمه حذر من الشك مدح المستيقنين ، ولا نعلم في النصوص نصا يوجب الشك أو يستحسنه .
                  وقد وردت نصوص شرعية غلط بعض المتكلمين في فهمها ، ثم جاء القصيمي وبنى عليها بحثا سماه : ( العالم يشك والجاهل يستيقن ) في كتابه : هذا الكون ما ضميره ص 249-311 .. ومن تلك النصوص : قوله تعالى : ( وإذ قال إبراهيم رب ارني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ) البقرة 260 .. قالوا : إن إبراهيم كان شاكا في قدرة ربه فطلب الدليل .. ويؤيدون ذلك بما ثبت في الصحيحين : ( نحن أحق بالشك من إبراهيم ) .. وبحديث : ( ذلك محض إيمان ) .. قالوا : يعني الشك .. وبأن الله ذم المقلدين في الاعتقاد .. الذين قالوا : إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون .. ولأن الله حض ذوي الألباب على التعقل والتفكر .. وبأن الشك جبرية فكرية ، فلا يستطيع احد ألا يشك .
                  قال أبو عبد الرحمن : استدلال المتكلمين والقصيمي على وجوب الشك - بنصوص الدين - إدعاء زائف ، لأن الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستعاذة من الشك والشرك . والله سبحانه يقول : « أفي الله شك » وهي ابلغ صيغة في التعجب والإنكار .. ومذهب المسلمين : أن إبراهيم لم يشك في قدرة الله ، لأنه قال للذي حاجه : ربي الذي يحي ويميت ولأنه نبي معصوم ، ولأن سؤاله عن كيفية الإحياء : رب ارني كيف تحيي الموت .. ومعنى هذا : أنه يعلم أن الله قادر على إحياء الموتى كما تدل عليه الصيغة لغة .. ويعجبني هذا الاحتجاج للشيخ محمد رشيد رضا : ( ما من أحد إلا وهو يؤمن بأمور كثيرة إيمانا يقينيا وهو لا يعرف كيفيتها ويود لو يعرفها ، فهذا التلغراف الذي ينقل الخبر من المشرق إلى المغرب في دقيقة واحدة يؤمن به الناس ويقل فيهم العارف بكيفية نقله للخبر بهذه السرعة .. أفيقال فيمن طلب بيان هذه الكيفية : إنه شاك ؟ ) .
                  ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( نحن أحق بالشك من إبراهيم ) : أن إبراهيم لم يشك ، ولو شك لكنا أولى بالشك .. من باب التواضع لخليل الله عليهما الصلاة والسلام - بدليل آخر الحديث فقد جاء فيه ( ولو لبثت في السجن مالبث يوسف لأجبت الداعي ) .
                  وهذا - أيضا - من باب تواضعه صلى الله عليه وسلم لمن سبقه من الأنبياء . وقوله ( عليه السلام ) : ( ذلك محض الإيمان ) : ليس راجعا لنفس الشك ، بل إلى التهيب من النطق به ، لأنهم شكوا للرسول ( عليه السلام ) خواطر إبليسيه تلوب بأذهانهم يهابون أن ينطقوا بها ، فقال - ( عليه السلام ) : ( ذلك محض الإيمان ) - أي تهيب النطق بها .
                  وأما ذم من يقولون : إنا وجدنا آباءنا على أمة فلأنهم قلدوا باطلا لا برهان له .. أما الدين فمعه برهانه فلا يضير الأخذ به تقليدا .
                  لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                  حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                  قل خيرًا او اصمت



                  تعليق


                  • #39
                    رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                    ولسنا مأمورين بالشك ، لأننا نتحدث باسم الدين ، والدين يخبرنا أن الله حق ، فلو أمرنا بالشك فيما يسميه حقا لكان عبثا ، وتعالى الله عن ذلك .. ولكننا مطلوبون باستيعاب براهين الحق ، ولهذا نقول إن مدح الله لأولى الألباب والحث على التفكر والتعقل يعني طرد الشكوك بمطالعة البراهين ، وليس مدحا للشك أو دعوة إليه .
                    ومن تلقى براهين الدين بعقله قد تعن له شبهة تشككه فمطلوب منه أن يستعمل عقله في دفع الشبه .. ولم يترك الشرع العقل مرسلا .. فلديه دلائل الشرع العقلية قمينة بدفع كل شبهة تعرض له ، فيجب أن تلاحظ الفرق بين شبهة تعن ويراد دفعها .. وبين شبهة يراد استجلابها . وإذن فالمؤمن بحكم الشرع مطالب بأن لا يشك ، فان عن له الشك على رغمه فلديه دلائل الشرع العقلية ليستعمل عقله في فهمها والاستفادة منها ..
                    قال أبو عبد الرحمن : لا يجوز أن أتصور عقلا : أن الشرع يؤيد الشك ، لأن دعوى الشرع : أن الله موجود ، وقد نصب على هذا الوجود براهينه ، وهو يريد من الناس أن يؤمنوا ، فهل يعقل أن يقول : شكوا قبل أن تؤمنوا ، مع علمه بأن الشك طريق غير مضمون؟ . فربما كفر الشاك .
                    فلم يبق إلا أن يقول : آمنوا وهذه براهين ما تؤمنون به . فان قيل جائز تصور هذا عقلا ، لأن الشرع واثق ببراهينه فجواب أبي عبد الرحمن : أنه لا يجوز تصوره . لأن الشرع لا يثق بمقدرة عقولنا على استيعاب الحق .. والأمر باتهام العقل في الدين جاء من هذا الجانب .
                    ولقد حد الله للتكليف سنا معينة هي البلوغ ، وحين البلوغ يكون عقل الإنسان قد تهيأ لفهم الدين ببراهينه .. فبان الغرض من نصب الشرع للبراهين ، وبان الغرض من نهيه عن الشك .
                    فان كان موجب الوصول إلى اليقين التام عقليا مجردا ( بمعنى أن أقول : الشرع يوجب علي اليقين .. وعقلي يريد مني أن اشك لآخذ الشرع أو اتركه عن قناعة ) فلا حجر على العقل ، فله أن يشك ويفكر ، ثم إن شاء فليؤمن وإن شاء فليكفر .. ولكن يترتب على هذا : أن شكه هذا غير متعبد به - خلافا للمعتزلة - بل يأثم شرعا إن توصل بعقله إلى الكفر أو التوقف الطويل .. ويجب عليه عقلا إذ شك : أن ينظر في براهين الإسلام ويتقصاها ، لان النظر عقلا يقتضي تقصي جميع وجهات النظر ، وعليه أن يتجرد من الهوى والعرف والعادة ، ولا يستكمل بعقله ، فان استوفى جميع هذه الشروط فمضمونة له السلامة وهذه دعوى برهانها التجربة ، لأننا نزعم أن كل ملحد دخل عليه الخلل في نظره : إما من عدم تقصيه ، وإما من تحكم العرف والعادة في عقله ، وإما لعناده ومكابرته ، وإن أخل بشيء من هذا فهو مؤاخذ عقلا .
                    قال أبو عبد الرحمن : ودعونا أيضا : أن الشرع ثبت بما يقنع به العقل كالمعجزة والتواتر والتجربة والمبادئ الفطرية . الخ فليكن حكم الشرع : حكم العقل وحكم الشرع : ألا نشك .
                    فليكن حكم العقل عدم الشك فيما هو ثابت بالعقل ، وإلا تناقضت المعقولات , وليكن حكم العقل : ألا يترك لعقل الفرد النظر المجرد ، لأن العقل نور فطري لا يكمل عند الناس جميعهم .. فالإيجاب للعقل الكامل لا للعقل الفردي ، وكمال العقل يستفاد من عدة عقول والايجابية في قول الله تعالى : ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) ومن كان يؤذيه الاستدلال من القرآن فليأخذ الآية على أنها حجة عقلية بغض النظر عن مصدرها ، فطلب البرهان إيجابية والشك في كل شيء سلبية ، ذلك أن مالم يصح برهانه فعلي أن أطالب ببرهانه .. أما ما صح عندي برهانه فلا يجوز لي اصطناع الشك فيه فان زاحمني الشك وجب علي النظر .
                    لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                    حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                    قل خيرًا او اصمت



                    تعليق


                    • #40
                      رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                      فتحرير محل النزاع إذن أن نفرق بين الوجوب الشرعي والعقلي المجرد ، ونعرف أن ما وجب شرعا واجب عقلا ، لأن الشرع من المعقولات .
                      والمعقولات لا تتعارض .. ولنفرق بين شك طالب ، وبين شك مطلوب .
                      وقصارى القول : أن الشك الذي يجب بالعقل المجرد لا يعني سوى إلحاح العقل على معرفة الحقيقة ، فلا غبار على هذا ، وفي الشرع ما يرضي إلحاح العقل .
                      أما إيجاب الشك عند المعتزلة ، فهو إيجاب الإرادة لا إيجاب العقل نفسه ، لأن إرادة الإنسان تتحكم في عقله فيستطيع أن يستعمله ، ويستطيع أن يعطله ، فإن انبعث الشك من العقل من غير تحكم الإرادة فليعالج شكه بمنطق ، ولا يستكمل بعقله بل يجادل أهل العقول ، فإن النقاش لقاحها .
                      وإذن فلسنا نخشى على حقيقة الدين من توارد الشكوك ، ولكننا نخشى على العقول من الضياع ، قال البوصيري يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم .
                      لم يمتحنـا بمـا تعـيا العقول به .. حرصا علينا فلـم نرتب ولـم نهم
                      وهناك من علماء المسلمين من اصطنع الشك قبل ديكارت كابي حامد الغزالي .
                      فكتابه ( المنقذ من الضلال ) (8) حكاية لقصة شكه خلال شهرين ذهب فيهما مذهب منكرة الحقائق من الشكاك ، وكتم ذلك إلى أن شفاه الله فتوصل إلى اليقين بعد أن طارده في شتى الفرق من متكلمين وباطنية وفلاسفة وصوفيين .. وارتضى أخيراً طريقة الصوفيين .. وقد لاحظ الكاتب الفرنسي ( شارل شومان ) أن عبارات ديكارت في كتابه ( التأملات ) مقاربة لعبارات أبي حامد الغزالي في كتابه ( المنقذ ) (9) .
                      قال أبو عبد الرحمن : إنما يختلف الفيلسوفان ( الشرقي والغربي ) في ثلاثة أمور :
                      أحدها ، أن الغزالي انتهى إلى الإشراق الصوفي . أما ديكارت فانتهى إلى الفكر في صيغة ( الكوجيتو ) المشهورة .. فاكتشف حقائق يقينية معقولة .
                      وثانيها ، أن الشك عند أبي حامد نتيجة أزمة نفسية (10) ، أما ديكارت فقد اصطنعه وهو واثق من نفسه في نصر يقينياته .
                      وثالثها ، أن فلسفة ديكارت في التأملات فوق مستوى المقارنة بالمنقذ ، في عملها وترتيبها وتنظيمها ، واستيعابها .
                      يقول ( ديكارت ) : من الواجب ألا أصدق أموراً تلوح لى بينة الفساد .. بل من الواجب ألا أصدق مالم يبلغ مرتبة اليقين التام .
                      ولهذا فما تلقيته من الآراء في حداثة سني لا يلزمني بيان زيفه ، فيكفيني أن أجد فيه سببا للشك فارفضه ، لأنني لا أريد إلا اليقين التام (11) .. إذا فسأوجه الهجوم أولاً إلى المبادئ التي كانت تعتمد عليها آرائي القديمة كلها وفي طليعتها الحواس لأن كل ما تلقيته حتى اليوم وآمنت بأنه أصدق الأشياء وأوثقها : قد اكتسبته من الحواس أو بواسطتها (12) غير أني جربت هذه الحواس في بعض الأحيان فوجدتها خداعة ، ومن الحكمة أن لا نطمئن - كل الاطمئنان - إلى من خدعونا ولو مرة واحدة (13) فخداع الحواس سبب الشك في صحة معارفها ومهما استعصت معارف الحس على الشك فليس لدي أمارات يقينية أميز بها بين اليقظة الحسية وبين النوم تمييزاً دقيقا (14) .
                      ويقطع دابر اليقين افتراضي بأن ما أحسسته : رؤيا كاذبة ، فلابد - على الأقل - من التسليم بأن ما يتمثل في النوم - كلوحات وصور - لا يستطاع تكوينها إلا على غرار شيء واقعي وحقيقي ، إلا أن الشك لا يزال معي فما يدريني لعل شيطانا خبيثا ماكرا قد استعمل مهارته لتضليلي ، فلتكن كل حسياتي أوهاماً نصبها الشيطان فخاخا لاقتناص سذاجتي في التصديق ، لهذا يتعين علي إذا أردت شيئا يقينيا مستقراً في العلوم أن يكون حرصي على الامتناع عن تصديق ما يكون الخطأ فيه جليا بينا (15) .
                      ومن دواعي شكي في الحسيات : أن آرائي القديمة المألوفة شغلت ذهني - على الرغم مني ، لطول إلفي لها ، فكان من الصواب افتراض بطلانها مرة في العمر ريثما يتيسر لي آخر الأمر : أن أوازن معتقداتي القديمة بالجديدة موازنة لا يميل رأيي فيها إلى جانب دون الآخر ولا يسيطر فيها العرف الفاسد والتقاليد السيئة (16) .

                      _______________________
                      (8) طبع عدة طبعات افضلها الطبعة التي حققها الدكتور عبد الحليم محمود
                      (9) راجع تحت راية القرآن للرافعي ص 232 .
                      (10) ديكارت لعثمان أمين ص 141 .
                      (11) التأملات لديكارت ص 57- 58 .. وكل ما نقلناه عن التأملات بهذا الفصل فهو بتصرف واختصار
                      (12) بين : ( من الحواس ) و ( بواسطتها ) فرق نجد بيانه في تعليق الدكتور عثمان أمين بحاشية التأملات لديكارت ص 58 .
                      (13) التأملات ص 58
                      (ض4) التأملات ص 58-59 .
                      (15) التأملات ص 61 - 63 .
                      (16) التأملات ص 63 .
                      لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                      حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                      قل خيرًا او اصمت



                      تعليق


                      • #41
                        رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                        قال أبو عبد الرحمن : هنا نلاحظ أمورا :
                        1 - شك ديكارت توسلي ، لأنه سيصطنعه مرة في عمره ليصل به إلى اليقين .. وكذا نقول : لم يشك ديكارت بالفعل ، وإنما بذل جهده ليضع الأمور موضع الشك ، فشكه منهجي لا وجودي .
                        2 - ضرورة الشك المنهجي لا تضطره إلى تزييف معارفه التقليدية ، ولكنه يرفضها لأدنى شك ، لأنه يريد يقينا تاماً .. ومعنى تام : لا يوجد فيه شك .
                        3 - شك ديكارت يعارض قطعيات حسية ، فقمين أن ينساق عقله إلى التصديق .. لهذا زعم أن آراءه التقليدية باطلة ، وليست مثار شك فحسب .. فافترض وجود شيطان ماكر استعمل مهارته ليضلله (17) .
                        4 - يؤخذ على ديكارت إسرافه في الشك ، لأنه عطل الحواس لخداعها .. والواقع : أن خداعها يقتضي الاحتراس منها ، ولا يقتضي تعطيلها كما أن المنطق ضمان من الخطأ في الاستدلال .
                        ثم إن افتراض وجود شيطان يضله ويعبث بعقله وقوع في السفسطة ، ولهذا ذهب يوسف كرم إلى أن شك ديكارت لا مخرج منه - أراد أم لم يرد - وليس مؤقتا (18) .
                        قال أبو عبد الرحمن : إسراف ديكارت في افتراض وجود شيطان مخادع من باب التنزل في الاستدلال ، وهو مقبول لو لم يخل بيقينه .. ولكن الواقع انه سيخل بيقينه على رغمه ، لأنه لا انفكاك له عن افتراض شيطان مخادع في كل ما وصل إليه من يقين ما دام أنه تنازل إلى هذا الحد .
                        والصواب : أن التنزل في الاستدلال يقبل إذا وثق المجادل بما سيردفه من حجج ، وكان تنزله لن يضر حججه المستقبلة ، وكان جاريا على مجادلة الخصم بمذهبه ، لأن ذلك أدنى للإقناع .
                        لهذا فمن واجب من يطلب الحقيقة أن يتجرد عن الأشياء التي آمن بها عرفا وتقليدا ليستقبل بفكره حجج النفي والإثبات ، ولا يطرح ما تطرق إليه الشك وإنما يطرح ما لم يرجح برهانه ، ويأخذ بما رجح برهانه ، فلتكن الكوجيتو هي الخطوة الأولى : أنا اشك - إذن أنا أفكر - إذن أنا موجود . فمهما شككت في أنني أشك فلا سبيل إلى الشك في أنني أفكر ، لأن الشك من مراتب الفكر .. فهنا اهتديت إلى يقين تام - أي لا شك فيه .
                        وخذ درجة من درجات اليقين التي لم تكن يقينا عند ديكارت في تنزله : إني جالس قرب النار ، لابس عباءة المنزل ، بيدي ورقة ، فكيف استطيع إنكار أن هاتين اليدين يداي ، وهذا الجسم جسمي ؟
                        يسرف ديكارت في الشك فيقول : ( ينبغي أن اعتبر أني إنسان ، وان من عادتي لذلك أنا أنام ، وأن أرى في أحلامي عين الأشياء التي يتخيلها المخبولون في يقظتهم ) (19) .
                        قال أبو عبد الرحمن : ما ثمة ما يحوجنا إلى هذا التنزل بل المنهج أن أقول : أستطيع جلاء هذا الشك - بالإيمان به أو بتزييفه - بأمر واحد ميسور هو : ( تمييز حال اليقظة من حال النوم : بملاحظة منطق التصورات واتساق التفكير واتفاق المعاني مع الذكريات المحفوظة ، واتفاقها مع الأحكام العامة ، ومع قوانين العقل ) (20) .
                        وما رجح ( بناء على هذه الأمور ) فهو الحقيقة .. لا لأنه يقين تام ليس فيه أدنى شك ، وإنما لأن الشك فيه مرجوح .. فإن للظن الراجح حكم اليقين القطعي ، لأن الترجيح قانون عقلي ، واطراح المرجح كالترجيح بلا مرجح .. وكلا ذينك سفسطة .

                        _______________________

                        (17) إن أردت التوسع في هذا التأمل راجع نصه بالتأملات ص 57-64 .. وتقديم الدكتور عثمان أمين له في التأملات ص 53-55 وتقديم عثمان للتأملات ص11-13 وديكارت لعثمان أمين ص126-129.. وديكارت لكمال يوسف الحاج ص 77-82 .. والمعرفة للشنيطي ص97-98 .
                        (18) المقتطف عدد يوليه 1942 ص 202 قال أبو عبد الرحمن : لجلاء الحقيقة أقول : ثمة شك وجودي فعلي ، وثمة شك صوري منهجي ، وكل من هذين النوعين ينقسم إلى نوعين : شك لا انفكاك منه ، وشك مؤقت .. ونحن نقول : شك ديكارت منهجي مصطنع ، وليس حقيقيا ، إلا انه ثابت لا انفكاك منه ، فأكبر يقين عنده إثبات وجوده لأنه يشك فهو مفكر ، والمفكر موجود .. ولو شك في انه يشك لكان في نفس الوقت شاكا .. قال أبو عبد الرحمن : ما يدري ديكارت لعل شيطانا ماكرا أوهمه أن الشك ليس من الفكر .. وما يدريه لعل المفكر غير موجود وإنما الشيطان زيف عليه .. ولو لم يتنزل ديكارت إلى افتراض وجود الشيطان لكان له مخلص من شكه .
                        (19) راجع التأملات ص 58-60 .. والتشكيك في حال اليقظة لا غموض فيه ، ولكن ديكارت لما ذهب إلى التشكيك في وجوده لم يسلم من عقدة ( الدور ) لأن إثبات حالة وجوده وكونه نائما أو مستيقظاً فرع ثبوت وجوده . يقول ديكارت : فلنفرض ألان أنا نائمون وان جميع هذه الخصوصيات من فتح العينين ، وهز الرأس ، وبسط اليدين ، وما شابه ذلك : إن هي إلا رؤى كاذبة ، لكن لابد - على الأقل - من أن نسلم بأن الأشياء التي تتمثل لنا في النوم ( كلوحات وصور ) لا يستطاع تكوينها إلا على غرار شيء واقعي وحقيقي .. وإذن فهذه الأشياء العامة كالعينين والرأس واليدين والجسم بأكمله ليست أشياء متخيلة بل هي واقعية وموجودة " التأملات 59-60"
                        قال أبو عبد الرحمن : إذا كانت هذه اللوحات على غرار موجود عيني واقعي : حقيقة واقعية يقينية فإنما وصلنا إليها ( بالأنا ) في رؤى النوم .. والأنا لم يثبت لنا وجوده بعد لأننا شاكون في وجوده فكيف آمنا بأن الأجزاء الجسمية للأنا ثابتة على غرار موجود في الخارج ، وذلك الأنا لم يثبت وجوده بعد ؟ . وكيف جعلنا ذلك الأنا ينام ويستيقظ وهو لم يثبت وجوده بعد ؟ .. فهل حالة الشيء تسبق وجوده ؟ هذا دور لا انفكاك منه .
                        (20) راجع ديكارت لعثمان أمين ص 130 .
                        لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                        حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                        قل خيرًا او اصمت



                        تعليق


                        • #42
                          رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                          5 - الأحكام العقلية طائفتان :
                          أولاهما : أحكام أقرر بها - إيجابا أو سلبا - : أن الأفكار الموجودة في ذهني مشابهة أو مطابقة للأشياء الموجودة خارج ذهني .. فالنظر العقلي اثبت أن أفكاري متفقة مع ما هو موجود خارج الذهن كما لو حكمت : أن الصوت الذي اسمعه الآن صوت سيارة أو صوت بائع متجول .. وهذا النوع يقبل الشك ، لأن الحواس تغلط ، ولأننا - كما يقول ديكارت - قد لا نميز بين النوم واليقظة .
                          وأخراهما : أحكام عقلية أربط بها بين الأفكار دون أن اثبت أو أنفي أن هذه الروابط تنطبق على حقيقة ما خارج الذهن . مثال ذلك أن أقرر : أن 2 + 3 = 5 دون أن أثبت هناك أعداداً خارج ذهني ، فكان ينبغي من ديكارت أن يحترم الحقيقة فلا يشك في هذا النوع ، ولكنه شك واستند على هذين الأمرين :
                          أ - أن من الناس من أخطأ في أمثال هذه الأمور ، فربما أخطأ هو .
                          ب - هذا الرباط بين الأفكار يقوم على الاستدلال بسلسلة أدلة أو مقدمات تفضي إلى نتيجة .. ولكن عند وصولنا إليها قد تغيب عن أذهاننا المقدمات التي قادتنا إليها ، فنفقد دواعي التصديق بها حالما تخرج من الوعي المقدمات التي منا استفادت وجودها .
                          قال أبو عبد الرحمن : إسراف ديكارت في الشك أمر لا غموض فيه ، وهو مؤاخذ عليه .
                          أما المفارقة بين هاتين الطائفتين من الأحكام العقلية بحيث يجوز له الشك في الأولى ولا يجوز له الشك في الثانية فلست أراه وارداً ، لأنني ما تصورت أن 2 + 3 = 5 في ذهني إلا بعد أن ثبت عندي ( بالحس من موجود عيني أو من إجماع معصوم ) صحة هذه الحقيقة التي أحسبها ذهنية خالصة .
                          وديكارت بصدد الشك في الحواس وإثبات خداعها .
                          6 - يرى الدكتور محمد محمد حسين : أن المنهج الديكارتي خطر لأنه يرضي نزوات الشباب وغروره ، فيتصور أنه قد أصبح من الذكاء ومن النضج العقلي بحيث يستطيع أن يناقش كل شيء وأن يخضع كل دقيق وجليل لتفكيره .. مع أن هؤلاء المساكين - يعني الشباب - يعجزون عن الإجابة على أسئلة الامتحان ، وهي في مسائل جزئية تافهة . (21)
                          قال أبو عبد الرحمن : الخطورة في الإسراف في الشك ، لأن بلغ من التنزل حداً أخل بالحقيقة .. أما مبدأ الشك الذي يصغي لأدنى شبهة فكرية فلا غموض على جوازه .
                          ومبدأ الشك يرضي نزوات الشباب ذوي الحيوية الفكرية ولكنه لا يجلب هذه النزوة لأنه لا يشك إلا من قدر على الاستشكال ، فالشك يكون على قدر الاستشكال .
                          عجز بعض الشباب عن حل بعض مسائل الامتحان ليس دليلا على قصورهم الفكري ، وإنما يدل : إما على ضعف الذاكرة بحيث لا يستطيع استظهار معارفه ، وإما على تكاسله وإما على تعاليه عن الانقياد لمحفوظات يدونها له أستاذه ولا يستسيغ منطقها فيصعب عليه استيعابها .. وإما ، وإما .
                          7 - لا بد من تحصين هذا المنهج فأستبعد استطاعة الشيطان الماكر مخادعتي في صحة 2 + 3 = 5 فأفرض أن الشيطان حاول مخادعتي ، ولكنني أستجوبه وأطلب حجته فلا أجد ( عنده مهما كانت قدرته ) ما يضطرني إلى تكذيب أن 2 + 3 = 5 ، أو ترجيح الشك في صحتها .
                          فإذا تم هذا فللمنهج الديكارتي عندي قيمة كبرى في استخراج اليقينيات الكبرى كمسألة : وجود الله والبرهان الأونتولوجي .. وهو برهان متين يرغم الملحد على الإيمان .
                          8 - يستفاد من سياق ديكارت أنه قد فرغ من تقرير مذهبه قبل أن يشك ، فلم يجيء شكه نتيجة أزمة نفسية وهذا دليل على أن شكه مصطنع (22) .


                          _______________________

                          (21) الاتجاهات الوطنية .
                          ( 22) ديكارت لعثمان أمين ص 141 .

                          لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                          حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                          قل خيرًا او اصمت



                          تعليق


                          • #43
                            رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                            وقد تحزب بعض الفلاسفة الغربيين لمنهج ديكارت . فمنهم من اقتصر على التمسك بأفكار ديكارت ، والاعتماد على نظامه ليحامي عن الحقيقة الدينية والأدبية .. ومنهم من استخرج من المنهج نتائج على هواه وذوقه ، وبني عليه مذاهب بعيدة ومنهم من اتخذ المنهج عثرة في سبيل العقائد (23) .
                            قال أبو عبد الرحمن : من الصعب أن ألهت وراء الفلسفة الحديثة لألتمس جذور المنهج الديكارتي ، لأن هذا يعتمد على استقصاء فوق صبري وجلدي .. ولكنني مهتم بجذور المنهج الديكارتي في المنهج ( الطحسني ) لأن منهج الدكتور طه حسين حدث هام في شرقنا العربي فقد صدر كتابه في الشعر الجاهلي 1926 م بعد أن ألقاه على طلبة السنة الأولى في كلية الآداب خلال العام الدراسي من عام 1926 م . والفصل الأول منه في توضيح منهجه ، وهو أكثر الأبواب إثارة - كما يقول الدكتور محمد محمد حسين (24) .
                            ومنهج طه حسين الذي اصطنعه : التجرد من كل شيء كان يعلمه من قبل ، فيستقبل موضوع بحثه خالي الذهن ، وعلى هذا يجب أن ننسى عواطفنا القومية والدينية وما يضادها فلا نذعن إلا لمناهج البحث العلمي الصحيح (25) .
                            قال أبو عبد الرحمن : واجب على من يتابع قراءة الردود على الدكتور : أن يمايز بين أمرين : أحدهما : صحة المنهج في ذاته .. وثانيهما : صحة تطبيقه . فأما صحة المنهج في ذاته فقد بحثناها .. ويتضح مما بحثناه وجهة نظرنا حيال الرد على الدكتور من هذه الناحية ، أما صحة التطبيق فرأينا : أن الدكتور أخطأ في التطبيق لأن ديكارت لهث وراء مطاردة اليقين فطرده من مجال الحواس لأنها تخدع ، وكان يكفيه أن يقول لا أدري أمعارف هذه الحواس حق أم باطل ؟ ولكنه أسرف في مطاردة اليقين إلى أن ارتطم بيقين لم يستطع دفعه بالشك , أما الدكتور طه حسين فلم يطارد اليقينيات التي تضطر عقولنا إلى التصديق بالمنقول من الشعر الجاهلي ، ولم يستثر الأمور التي تسوغ شكه ولم يثبت أنه لا سبيل إلى اليقين ثم خذ أنموذجا لذلك : افتراض الدكتور أن ما روي عن ابن عباس من حفظ الشعر القديم والاستشهاد به في معرض تفسير القرآن (26) : إنما اخترع اختراعا لإثبات أن كلمات القرآن كلها مطابقة للفصيح من لغة العرب ، أو لإثبات أن ابن عباس من الحفاظ - ثم لا يلبث الدكتور أن يستنتج من هذا الفرض أن هذا الشعر اثبت ليخدم أهداف الشيعة السياسية ، لأن ابن عباس يشهد بأن عليا أقوى منه ذاكرة (27) .
                            فالدكتور افترض أن قصة ابن عباس مخترعة فكان عليه أن يقف عند هذا فلا يبني عليه حكماً ، لأنه ليس عنده يقين على النفي أو الإثبات ، ومن هذا شأنه يجب عليه أن يقف .. هذا من ناحية .. ومن ناحية ثانية فديكارت أراد التجرد من مسلماته القديمة فافترض بطلانها لأنها شغلت ذهنه - على الرغم منه - لا لقوة حجتها ، وإنما لطول إلفه لها ، فكان افتراض بطلانها مرة في ( العمر ) مرهونا بحفظ التوازن بين إلفه المستحكم و جديده الغريب عليه .
                            إلا أن الدكتور افترض صحة الفرض الجديد ، ولم يفترض أن في القديم ما يهدي إلى اليقين ثم يلهث وراء مطاردته كما لهث وراء اليقينيات الحسية إلى أن ارتطم باليقين الذي لا مفر منه (28) .
                            ومن ناحية ثالثة فديكارت لا يسترخي للشك استرخاء يخوله أن يبني عليه أحكاما .. ولكنه أسرف في اصطناعه ولم يستسلم له .. وإنما فعل ذلك ثقة بيقينه .
                            فكان على الدكتور أن يلهث وراء اليقينيات التي قام عليها التصديق بالمنقول كما يلهث وراء الشكوك التي تطارد هذا اليقين .. فإذا لهث وراء هذين فعليه أن يتجرد عند الحكم من الإلف القديم والشك الجديد ويوازن بفكره بينهما فينقاد إلى ما يرغم عقله من اليقين التام ، وإلا فاليقين عند شكه لا يبارحه .. ومن ناحية رابعة ، فالدكتور لم يلتزم منهج الشك ، لأنه بنى كثيرا من أحكامه على روايات من الأغاني وغيرها ولم يشك فيها .
                            _______________________
                            (23) دائرة المعارف للبستاني ج ص 728 .
                            (24) الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر ج 2 ص 296 .
                            قال : ولهذا اضطر إلى إسقاطه او إسقاط أكثره عندما أعاد طبعه بعنوان في الأدب الجاهلي .
                            من الكتب المطبوعة في الرد عليه :
                            تحت راية القرآن لمصطفى صادق الرافعي
                            ونقد كتاب الشعر الجاهلي لمحمد فريد وجدي
                            ونقد كتاب في الشعر الجاهلي لمحمد الخضر حسين
                            والنقد التحليلي لكاتب الأدب الجاهلي لمحمد أحمد الغمراوي
                            والشهاب الراصد لمحمد لطفي جمعه
                            ومحاضرات في بيان الأخطاء العلمية التاريخية التي اشتمل عليها كتاب في الشعر الجاهلي لمحمد الخضري .
                            ونظرية الانتحال في الشعر الجاهلي للدكتور عبد الحميد المسلوت .
                            ثم أخذ الأساتذة يعقدون لنقاش هذا الرأي فصولا في دراساتهم الأدبية التي يكتبونها مقررات لتلاميذهم .. ومن الكتب التي ألفت لتوثيق الشعر الجاهلي : كتاب : مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية للدكتور ناصر الدين الأسد ، وهو كتاب ضخم في سبعمائة صفحة .. وكتيب : توثيق الشعر الجاهلي للدكتور احمد الحوفي في أربعين صفحة ..
                            وإذا أردت استعراض منهج الكتب المؤلفة في الرد على الدكتور فراجع : الاتجاهات الوطنية للدكتور محمد محمد حسين ج 2 ص 201-304 .. ومصادر الشعر الجاهلي للدكتور ناصر الدين الأسد 402 - 421 .
                            (25) في الأدب الجاهلي ص 68 .
                            (26) راجع الكامل للمبرد بشرح المرصفي ج 7 ص 154 فما بعدها والإتقان للسيوطي ج 1 ص 120 فما بعدها .
                            (27) في الأدب الجاهلي ص 109 - 110 .
                            (28) قد نتفق مع الدكتور على أن قصة ابن عباس مخترعة ، ولا صير ثم لأننا نجادل في المنهج ، ولسنا نجادل في النتيجة ، لأن الوسائل قد تعدد وتكون النتيجة واحدة .


                            لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                            حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                            قل خيرًا او اصمت



                            تعليق


                            • #44
                              رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                              وربما قيل إن كلا من ديكارت وطه حسين اصطنعا منهجاً صحيحاً وطبقاه تطبيقا صحيحا : إلا أن ديكارت وصل إلى اليقين بصحة معارفه ، لأن ما شك فيه كان صحيحا .. أما الدكتور فوصل إلى اليقين بالبطلان لان ما شك فيه كان باطلا .
                              قال أبو عبد الرحمن : في هذا مغالطة ، لأن ديكارت في البداية تناول مصادر معرفته فكلما وجد أدنى شك في احدها ألقاها وراءه ظهريا حتى وجد يقينه .. ولم يفعل الدكتور هذا .
                              وثمة أمر خامس غاب عن بال الدكتور ، وهو أن التجرد عن كل شيء كان يعلمه من قبل واستقبال موضوع البحث بذهن خال لا يعني إلا التجرد من الإلف والعادة لكونهما تقليدا وتلقينا ، ولكن هذا لا يعني التجرد من الحجة العقلية التي يستند إليها إلفي .. فقصة ابن عباس لا أفترض أنها صحيحة أو باطلة .. وإنما أتجرد لبحثها بذهن خال ، ومعنى ذلك : أن آخذ المستند العقلي لإثباتها ، والمستند العقلي لنفيها ، ثم أطارد اليقين في النفي والإثبات إلى أن أصل إلى يقين قاطع أو ظن راجح .
                              وثمة أمر سادس ، وهو أن الدكتور صرح بالأخذ بمنهج ديكارت والتجرد عن عواطفه الدينية ، وهذا حكم بأن ديكارت أولى بالإتباع ، فبدأ غير متجرد - كما هو مقتضى المنهج - فكان عليه أن يصرح بأنه لا يعتمد إلا على المنهج العقلي الصحيح ، ثم يعرضه ويتركه للعقول تحكم فيه .. أو لم تر أن ديننا يقول : ( هاتوا برهانكم ) .. وإنما طلب البرهان عند الشك ، ولو تجرد من منهج ديكارت كما تجرد من دينه لكان أعذر له في ميدان الاستدلال .
                              وثمة أمر سابع ، وهو أن ديكارت طبق منهجه على الميتافيزيقا ، وهي تحصل بالذهن المجرد أما موضوع النقل التاريخي فيعتمد على مسلمات عقلية كضرورة التواتر وعصمة الإجماع ، ومثل هذه الأمور يصعب التجرد منها وهي في قيمتها الاستدلالية في درجة الحس ، ولو تمادى ديكارت في تعطيل الحس لأصبح سوفسطائيا ، ولكنه كان ( كما قلت ) متنزلاً في الاستدلال ، لأنه واثق بحجته ..
                              والبديهة : أن النقل الصحيح مقدم على الاحتمال لأنه لا يخلو حق من احتمال ، وإنما يقوى الاحتمال إذا قويت مرجحات الشك في صحة النقل ، فعلى الدكتور : أن يثير مقومات الشك في صحة النقل لقصة ابن عباس دون أن يطلق لخياله فرض الاحتمالات التي لا يلتفت إليها العقلاء على فرض أن النقل صحيح .
                              وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين . وسلام على عباده المرسلين .



                              * * *
                              لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                              حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                              قل خيرًا او اصمت



                              تعليق


                              • #45
                                رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                                العقل الحديث

                                من مفهومات العقل الحديث ما اشتط بناشئة الشعوب النامية ، فحافت على فطرتها ، وتنكرت لموروثاتها ، وعادت لا شخصية لها ، لأنها تفكر بغير عقلها .
                                ومع هذا لغطت ( هذه الناشئة ) بالحرية ، والتجرد للحقيقة ، ومنابذة التقليد ، وكان في هذا اللغط تشويش على المحافظين ، ونسوا أنهم مكبلو الأفكار ، مأسورو العواطف ( بمفهومات العقل الحديث ) ، وهي مفهومات عامة الفساد في القيم ، والنظم ، وأبرزها أن الله تعالى عما يقولون أكذوبة أو خرافة ، وردوا هذا النفي إلى عجز العقل ، أو عدم الثقة به .
                                إنهم يشيدون بالعقل الإنساني في رفض حقائق الدين وغربلتها وهي حقائق يتطامن العقل دونها ، ثم يرفضون ( حكم العقل ) في أمهات تلك الحقائق من مسائل ( الميتافيزيقا ) ، فيقصرون المعرفة في دائرة الحس فكان هذا تناقضا شنيعا ، فكيف يكون العقل حجة هناك ، ويكون غير مقبول هنا ، مع أن العقل لم يكن حكما في تشخيص ذاته ، والإحاطة بها ، حتى يقال بالفرق بين هذا وذاك ؟
                                وقست دول الإلحاد في فرض مفهوماتها ، وحجتها أن العلم المادي اندفع في ابعد آماده ، واكتشف المجهول ونظر بالمجاهر المكبرة ، فلم ير الله فيما رأى .
                                قال أبو عبد الرحمن : في صريح القرائح أن ( عدم العلم بوجود الشيء ) لا يعني ( العلم بعدم وجوده ) هذه حقيقة يجب أن يسلم بها العقل الحديث لأن العلم حتى هذه اللحظة يكتشف كل يوم مجهولا ، ولو كان عدم العلم بالشيء كافيا في العلم بعدمه لما صح للعلم أن يكشف مجهولا ، إذ كيف يكتشف وجود ما علم عدمه ؟ .
                                هذا تناقض ، والتناقض محال :
                                والعقل الحديث يدفع بالعلم إلى غايته لاستكشاف أسرار الوجود ومجاهله . ولم يسلم بعد بأنه أحاط بكل شيء علما ، فكيف يقال بعد بأن الله ( أكذوبة ) ؟ .
                                قال أبو عبد الرحمن : معاذ الله أن نظن بأن العلم بالله ( علم معاينة ، وإدراك ) مفتوح لرواد الفضاء ( أو بالأعم ) لرواد المجهول .
                                ومعاذ الله أن يعلق بأذهاننا ما تفوه به المهزومون من بني ملتنا الذين يرون أن الله في يوم ما سيكون في إحساس البشر إذا تقدم علم تحضير الأرواح .
                                لأن الله لا تدركه الأبصار ، وهو يدرك الأبصار ، وهو اللطيف الخبير ، والذي لا يؤمن بغير المحسوس يتنازل عن أخص خصائص الإنسان ، وهناك موجودات ( لا مراء في وجودها ) كالروح ، والموت ، والأثير ، ولكنها لا تحس فلو كان الحس هو المعيار ما تخلف عنه شيء .
                                وعدم العلم بالشيء ( الجهل المطلق ) .
                                قال ( ديكارت ) : ليس مع الملحد علم .
                                ومن لا علم له لا يصح له أن يجزم بنفي أو إثبات ، لأن من لا علم له يشك ، فهي ثلاثة أمور :
                                1 - إيمان بالله ينبعث من العلم به ; وبهذا يكون المؤمن مستيقنا وهذا ما نهضت للمؤمنين حجته .
                                2 - عدم إيمان بالله ينبعث من العلم بعدمه ، وبهذا يكون الملحد مستيقنا ، ولكن هذا مالم يورد له الملحد أي دليل ( فضلا عن القول بأن حجته غير ناهضة ) ، فعلى كثرة الملحدين لا نعرف أن فيهم من يستدل على ( العلم بعدم الله ) ، بل مستحيل أن يوجد دليل على هذا المطلب ، وبرهاننا التحدي .
                                3 - عدم العلم بالوجود أو العدم ، وهو مرحلة شك عارضة ، وسلبية في الاستدلال . وكل ملحد إذا سألته برهانه لم تجد عنده أكثر من القدح في أدلة الموحدين ، والاستدلال على انه لم يعلم بالله .
                                لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                                حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                                قل خيرًا او اصمت



                                تعليق

                                مواضيع ذات صلة

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 24 ينا, 2024, 12:01 ص
                                ردود 0
                                10 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                 
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 24 ينا, 2024, 12:00 ص
                                ردود 0
                                7 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                 
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 23 أغس, 2023, 08:53 م
                                ردود 0
                                35 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                 
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 6 يون, 2023, 01:37 ص
                                ردود 0
                                20 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                 
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 4 يون, 2023, 03:05 ص
                                ردود 0
                                18 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                 
                                يعمل...
                                X