برق في زجاجة

تقليص

عن الكاتب

تقليص

الأمير الأحمر مسلم اكتشف المزيد حول الأمير الأحمر
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • برق في زجاجة

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

    مرّ زمن لم أضف فيه شيئاً لمنتداي. أشعر بالخزي لتقصيري، فلن أطيل -وأنتم اعملوا نفسكم مش واخدين بالكم

    قد تكون هذه السطور مفيدة لأحد. للتوضيح، هذا فصل من كتاب كبير، أنقله لعله يفيد. والله من وراء القصد.


    أساطير اليوم



    الجزء الأول - برق في زجاجة


    العِلم


    قد يظن القارئ أن الكلام عن العلم في كتاب واحد مع التاريخ والأسطورة والنظريات المرتبطة بهما أمر غريب. لكن الواقع العملي هو أن كلاً من التاريخ والأسطورة علم في ذاته –بمفهوم اليوم- وأن الحديث عن أي منهما دون الحديث عن مبدأ العلم الأعَمّ نفسه هو كالبدء في موضوع من منتصفه بدلاً من أوله.

    منذ بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، بدأ المسلمون في نهل العلم من مصادره الأساسية. وأيقن المسلم الأول بفطنته وذكائه أن العلم الحقيقي الوحيد هو العلم النابع من خالق العلم وعلام الغيوب، والذي يجده المسلم في القرآن الكريم والسنّة المطهّرة. بينما أي شيء آخر ليس بعلم.

    من هنا بدأ المسلمون في نشر العلم بين الناس كافة كما أمرهم ربهم. وكانت الفتوحات الإسلامية هي –ضمن العشرات من المزايا للبلاد التي فُتحت- ثورة علمية-فكرية في العالم كله. وبدأ المسلمون بزلزلة جنبات الجهل وأصبحوا كالشموس تنير كل ركن تشرق عليه. ومن هنا نجد المنارات الإسلامية المتعددة كبغداد في شرق العالم الإسلامي، ومصر في وسطه، ثم تونس في غربه والأندلس في شماله. كل منها مصدراً يشع بالعلم الحقيقي لما حوله من الدول، والتي بدورها ينتشر فيها العلم بسرعة حتى أضاء العالم كله من حولها.

    تخيل نفسك عالماً في أي مجال دنيوي. أنت –نظرياً- بطبيعتك حينها تبحث وتنقب وتستكشف وتجرب، كل هذا لتعرف شيئاً جديداً يفيدك ويفيد الناس من حولك. لكن كل البحوث والتجارب في الدنيا لا يمكنها أن تثبت شيئاً أو تنفيه بشكل قاطع لا يقبل الشك –اللهم إلا إن وضعت تعريفات غامضة دائرية لا يمكن إثباتها أو نفيها هي نفسها. فقط يمكنها أن تعطيك "نتيجة مقبولة" و "أفضل الاستنتاجات". ثم إذا بك تجد العليم الخبير (سبحانه وتعالى) قد غمرك بقطرة من علمه الذي لا ينفد لتفيد به. فهل تتخيل سعادة العالِم المعاصر لنزول القرآن الكريم؟ العالِم بطبعه يريد التأكد مما يعرف، لكنه لا يملك إلا أن يعرف بدرجة معقولة. وشتان بين "درجة معقولة" و"العلم". فلما وجد العلماء في العالم هذا النبع النوراني الذي تنزل من لدُن رب العباد، بدأوا ينهلون من فضله كما الظمآن من نهر جارٍ. وانتشر العلم بين الناس، ونشأت العلوم الحقيقية الأولى من جديد، والتي كانت تناقض الكثير والكثير من نظريات الإنسان في هذا الوقت.

    كانت هذه هي بداية نشأة الحضارات "المتقدمة" التي نعرفها اليوم. فلولا الفتح الإسلامي للأندلس وفرنسا وإيطاليا وغيرها من بلاد جنوب أوروبا، لما وُجِد في أوروبا أي علم من أي نوع، ولكانت تعمه في غيابة جب التخبط والظلام إلى يومنا هذا. وبهذا ما كان يمكن إعادة اكتشاف أمريكا ونشأة الثورة العلمية بها، والتي تمدنا اليوم بأكثر العلوم التي نعرفها. لكنها مع هذا علوم منقوصة مغلوطة حقاً، لأن مبدأ العلم عند الأمريكيين والأوروبيين ليس هو العلم عند المسلم. فالمسلم كان يبحث عن العلم في مصدره –القرآن والسنّة- ثم يجرّب ما يفهم حتى يصل إلى النتائج التي لا تقبل الشك. أما "العلم" الغربي –والذي انتقل إلينا اليوم مع الأسف لأننا ابتعدنا عن ديننا وصدقنا الدعاية الغربية الهزيلة- فهو تجربة كل شيء يطرأ على البال حتى نصل إلى نتيجة "نظن" أن نسبة صوابها أكبر من نسبة خطأها. وبهذا استبدلنا الذي هو أدنى بالذي هو خير وتخلفنا إلى مؤخرة الركب الذي هو بدوره متخلف –كما سنرى. فبعد أن كنا مصدر العلم حتى أن الأمريكيون إلى اليوم يسمّون خريج الجامعات العليا عندهم alumn آلُمن وهي طريقة نطقهم لكلمة "عالِمٌ" العربية لأنه لم تكن في أوروبا وأمريكا كلها معادل لهذه الكلمة، أصبحنا نحن نسمي خريجي الجامعات الكبيرة لدينا آلُمناي alumni –جمع آلُمن باللاتينية- تيمناً بهم!

    العلم الذي صرنا إليه اليوم –بعد ما كان لدينا من علم حقيقي صلب- هو نظرية تحتمل الصواب والخطأ، لكنها فيما نظن صائبة. على الأقل حتى حين. ثم نبني على هذه النظرية الأولى نظرية ثانية، ثم ثالثة ورابعة إلى ما لا نهاية. والأمر كله ليس أكثر من استنتاج وتخمين. فلو كانت بعض النظريات خاطئة، فلا ريب أن كل ما بُنِي عليها خاطئ بدوره لأنه مبني على أساس خاطئ. وبما أننا بشر نصيب ونخطئ مهما حاولنا واجتهدنا، فيمكن لأي عقل واعٍ تخيل كمية "العلوم" الخاطئة التي نتداولها اليوم.

    لكن العجيب حقاً هو الثقة العمياء التي أصبحت لدينا في هذه "العلوم". لقد أُخِذنا بالدعاية للعلوم الغربية وسُحِرت بها أعيننا، حتى تجاسر الناس وقالوا أن هذه العلوم –التي هي في وهن بيت العنكبوت- يجب أن تكون هي المرجع والمقياس لكل شيء. بل وحتى لإثبات أو نفي وجود خالق لهذا الكون الشاسع! ياللصفاقة! وأيضاً يالقلة العقل والتخلف العلمي.

    لقد قابلت في حياتي الكثيرين من كل جنسية ودين ممن يؤمنون بهذا حقاً. والأمر صعب التوضيح للعامة بالفعل، فلقد زادت كثافة الغشاوة على أعين الناس حتى أصبح من العسير للغاية أن تشرح للمرء منهم أن "العلم" ليس مقياساً لأي شيء، حتى للعلم نفسه. فالعلم الدنيوي ليس أكثر من غابة لا نهائية نشق فيها ممرًّا محاولين الوصول من أحد طرفيها إلى الطرف الآخر. وفي هذه العملية كثيراً ما نجد أنفسنا أمام سدود وجبال لا نستطيع شقها، فندور حولها أو حتى نعود أدراجنا لبداية الطريق، ونبدأ بشق ممر جديد. هذا هو العلم الدنيوي بالضبط.

    عندما أصطدم بأحد هؤلاء الذين يتشدقون بمرجعية "العلم" وكيف أنه هو الأصل، أطلب منه أن يفسر لي شيئاً أساسياً، لعله ينتبه إلى ضعف مرجعه وهشاشة منطقه. فأقول مثلاً: "ما هي الكهرباء؟" والكهرباء كما هو معلوم هي الشريان الأساسي لنمط الحياة التي نعيشها اليوم ومنبع الكثير من تصرفاتنا. فلولا الكهرباء مثلاً كنت سأقوم باستخدام الريشة والحبر للكتابة على ورق مصنوع غالباً من البردي أو الجلد لكتابة هذه السطور التي تقرأها الآن بدلاً من استخدام الكمبيوتر. بل والغالب أنك ما كنت ستقرأها لولا الكهرباء وما كنت أنا سأكتبها. إضافة إلى ذلك ما كنا سنصنع أي شيء بالجملة كما نفعل اليوم وما كان سيكون لدينا الكثير من الأدوية الموجودة اليوم وما كان سيكون لدينا السيارات أو القطارات أو السفن أو الطائرات أو الصواريخ أو العشرات من الأمثلة الأخرى.

    فإن سألت "عالِماً" سؤالاً أساسياً كهذا، سيقول: "الكهرباء هي انتقال تيار من الإلكترونات عبر وسيط في اتجاه من الموجب إلى السالب". هذا التعريف الأساسي هو –على بدائيته- الأساس لكل "العلوم الحديثة" تقريباً. لكن به مشكلة بسيطة. فكما ذكرت في المثال السابق في تعريف النظرية العلمية، لا يوجد في واقعنا المادي شيء اسمه إلكترون، ولا يوجد شيء اسمه موجب أو سالب في أي وسيط، وأن تعريف موجب وسالب هذا –في هذا الموضع- لا يعني إلا أن هذه طريقة نظرتنا للأمر، لا أن البروتون أو الإلكترون مكتوب عليهما علامة + ولا - وبالتالي فإن كل هذا التعريف الأساسي الذي تبنى عليه أكثر العلوم اليوم هو من قبيل "إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان". فإن قلت له هذا، عاد يقول: "حسن، الكهرباء تتولد عندما ندير مغناطيس في ملف." من جديد، غير واعٍ لأنك طلبت ماهية الكهرباء لا طريقة توليدها. لكن هذه هي الطريقة التي اعتادها في التفكير ممن غسلوا دماغه دون أن يشعر، فأصبح يفسر ماهية الشيء بطريقة توليده أو بمجرد الظن.

    مثال آخر يكون "ما هي الكتلة؟" فيأتيك الرد سراعاً: " الكُتْلَةُ هي مقدار فيزيائي، وتُعرّف على إنها مقدار ما يحويه الجسم من مادة." فإن نبهت "العالِم" الجليل إلى أن هذا التعريف ليس أكثر من كلام كبير لا معنى حقيقي له، بدأ يشرح لك معادلات الكتلة والوزن والجاذبية، وكيف أن كل هذه تؤكد أن الكتلة شيء موجود بالفعل. فإن عدت لتنبيهه إلى أنه –رغم كل ما قاله- لم يعطِ أي تعريف حقيقي للكتلة أو الوزن، بل المزيد من الكلام الذي لا معنى له، وأنك طلبت "تعريف" الكتلة لا "إثبات وجودها" حار. لكنه في النهاية سيقول لك –إن كان صادقاً على الأقل- "لا أحد يمكنه تعريف الكتلة أو الوزن أو الضوء أو الكهرباء، أو أي شيء من هذه الأساسيات التي نبني عليها "العلم" الذي نحيا به ونطلب أن يكون مرجعنا لكل شيء".

    بل الحقيقة هي أن أحداً لا يمكنه تعريف كلمة "علم" نفسها بدون الدخول في تفسيرات دائرية. فتعريف العلم المعتمد اليوم في أكثر الهيئات "العلمية" هو: " العِلْـمُ هو منظومة من المعارف المتناسقة التي يعتمد في تحصيلها على المنهج العلمي دون سواه، أو مجموعة المفاهيم المترابطة التي نبحث عنها ونتوصل إليها بواسطة هذه الطريقة". لاحظ التعريف الدائري المختبئ وسط الكلام الكبير الذي لا معنى له. "العلم هو المعارف التي تعتمد على منهج علمي". باختصار، العلم هو العلم!

    هذه الطريقة في غسل الدماغ عن طريق كلام دائري كبير لا معنى له، لها اسم في الواقع في اللغة الإنجليزية وهو jargon جارجون، والتي تعني بشكل أو بآخر "كلام معقد". هذا الكلام الكبير يعمي المعنى على المستمع ويجعله يشعر بالضآلة أمام محدّثه، مما يمنعه غالباً من متابعة الحوار لتجنب إحراج نفسه. خاصةً وإن كان المحاور يظن أنه يناقش أمراً لا يفهمه لضيق أُفُقِه هو، وأنه لا يستطيع فهم أمر بسيط –ما دام العالم كله يتقبله فلابد أنه أمر بسيط- وخاصة إن كان المستمع يشعر أصلاً بالضآلة أمام محدثه الذي يشعره طوال الوقت أنه أعلم منه وأنه هو المسيطر على مجريات الأمور –كما هو الوضع الآن بين أمِريكا والعرب مثلاً. وهذه الطريقة هي المعادل الحديث لليِّ اللسان بالكلام لكي تظن أن له معنىً، وأن المشكلة فيك أنت.

    إن استطعت أن تجد عالماً –بِحق- مسلماً –بِحق- فسيسره أن يقول لك بكل بساطة: "نحن لا يمكننا أن نعرِّف أي من هذه الأشياء لأنها ليست أكثر من أسماء نسميها في محاولتنا تفسير ما وهبنا الله تعالى من أسباب. فالعلم –شاء بنوا آدم أم أبوا- هو محاولة شرح الأسباب الدنيوية والقوانين الكونية التي خلقها الله تعالى وأمرنا باكتشافها والأخذ بها لننتفع بها في حياتنا الدنيا". ويظهر هذا بوضوح في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحكمة ضالَّة المؤمن. أنَّى وجدها، فهو أحق الناس بها".

    هذا هو كل ما في الأمر. محاولة فهم الأسباب والأخذ بها. هذا هو تعريف العلم الصحيح والصريح، لكنك لن تجده في أي مرجع "علمي" حديث لسببين؛ الأول أن هذا يعني الاعتراف بوجود الله تعالى من مجتمع سيطر عليه الملحدون؛ والثاني أن هذا التعريف يبين للناس مدى ضعفهم وجهلهم الحقيقيين، وعندها قطعاً سيلجئون للقوة العظمى الحقيقية –الله تعالى جلَّ في علاه- ونبذ القوى الدنيوية الهزيلة. وهذا –لنفس السبب الأول وغيره- ما لا يجب أن يكون!

    ومن هذا المنطلق، بدأت عمليات تعمية واسعة النطاق لتغيير المفاهيم وترجمة كلمة science سايِنس الإنجليزية –والتي تعني بدقّة: الاكتشاف عن طريق التجربة والخطأ، ثم بناء نظرية نستخدمها في المزيد من الاكتشاف بالتجربة والخطأ، إلخ...- إلى كلمة "علم" العربية.

    فالقرآن الكريم باللغة العربية. وإن عمي على العرب معنى الكلمة الفعلي، عميت عن الناس كافة، لأن العرب سينقلونها لغيرهم بنفس الطريقة التي يفهمونها بها، وبهذا يستوي الجميع، وتسود الفوضى. ونلاحظ أن الترجمة كانت في إحدى المراحل القريبة هي "معرفة"، ومن هنا نشأت مؤسسات حكومية وخاصة بأسماء مثل "وزارة المعارف" و "دار المعارف" وغيرهما مما يرتبط بما نسميه اليوم "علماً"، بل وحتى "دوائر المعارف" التي تشتمل على استخلاصات هذه "السايِنسات". لكن هذه الترجمة لم تكن لتؤدّي الغرض المنشود منها، وبالتالي استبدلت ببطء مع مرور الوقت بكلمة "عِلم"، مما أدى الغرض تماماً، فاختلطت المفاهيم وعميت على الناس الهوة السحيقة بين العلم الحقيقي الذي أوتيناه من رب العالمين، والساينسات الدنيوية المتخبطة في محاولة الإنسان الفاشلة عادةً لتعريف الأسباب والأخذ بها دون الرجوع إلى مرجع حقيقي للعلم –حيث لم يعد هناك في الدنيا اليوم إلا مرجع واحد وهو الإسلام، الذي لا يتبعه أكثر الغربيون، والذي ابتعد عنه المسلمون ولهثوا وراء السايِنس.

    أقول أن تفسير الأمر للعامة أصبح صعباً لأن التعتيم على المسببات والأصول أصبح نمطاً سائداً. ومما زاد الطين بلة هو تفشي الجهل –الجهل، لا الأمية فما أكبر الفارق بين الاثنين- بين الناس. جهل نتج عن مزيج من عدم اهتمام وانغماس في أشياء أقل أهمية في الواقع، بالإضافة إلى الأهداف الهدامة التي أصبحت تحكم عصرنا كالطموح و"تحسين" مستوى المعيشة. كأني أنظر إلى وجه القارئ في هذه اللحظة وهو يعقد حاجباه في غضب من هذا الكلام، أو تداعب شفتاه ابتسامة سخرية منه. "الطموح وتحسين مستوى الحياة شيء سيء؟" وإجابتي ببساطة هي "كيف كان العالم بدونهما حتى زمن قريب؟" لعل هذا يمنحك فرصة للتفكر بينما تقرأ ما يلي من سطور.

    فحينما يعلم المرء أن "العلم" قد بدأ في الأساس ليكون طريقة لفهم الأسباب الدنيوية والأخذ بها –أو كما سيقولها "العالِم" الملحد اليوم: فهم الطبيعة والاستفادة منها- نجد عامة الناس تظن أن العلم هو نوع من التقدم يؤدي بنا إلى السيطرة على مجريات الأمور والتحكم في كل ما حولنا. هذه النظرة تمنح الإنسان شعوراً زائفاً بالتفوق والسيطرة، لا يلبث أن يتحطم في كل يوم على صخور الواقع، والتي يأبى الله تعالى إلا أن نصطدم بها في كل عصر لتذكرنا بمدى ضعفنا وهواننا، لكن بعض الناس حقاً لا يفقهون. فتجد هؤلاء يعزون هذا الفشل الذريع إلى أننا ما زلنا لا نفهم بعض الأشياء، وأننا يوم نفهمها ستتم لنا السيطرة على مجريات الأمور ومصائر الناس والدواب. وينسى هؤلاء –أو يتناسون- أنه ما من زمن قبلهم إلا وظن الناس نفس الأمور. بل وحتى الحضارات العظمى التي سبقتنا، ماذا كان مصير هذه الحضارات؟ نحن نجتهد بكل ما وصلنا إليه من "علم" في يومنا هذا في محاولة يائسة للعثور على أثر لهم بغير جدوى. فهل تراهم نجحوا في السيطرة على مجريات الأمور؟ أم أنهم استووا بالأرض واستحالوا رماداً رغم كل "العلم" الذي امتلكوه؟!

    أثناء بحثي لموضوع هذا الكتاب قمت بحوارات مع العديد من مهندسي الكهرباء والإلكترونات والفيزيائيين والآثاريين إلى غير ذلك. وأثناء حواري مع مهندس الإلكترونات المخضرم نبيل سليمان، المدير العام لشركة آمسون، بدأ يشرح لي ماهية الإلكترونات والذرات والمكونات الأخرى للذرة والطاقة. وأثناء الحوار سألته: "نحن إذن نتحدث عن أشياء نظرية في كل هذا الأمر". فأجاب قائلاً: "نعم. نحن بحاجة لأشياء يمكننا قياسها ودراسة طريقة عملها لنبني عليها ما نعرفه." فتابعت السؤال: "إذن لو أننا في بداية الطريق قد اتخذنا منحىً آخر، لكانت لدينا اليوم تقنيات مختلفة تماماً عما لدينا بالفعل؟" فأجابني بقوله: "نعم. هذا وارد طبعاً. لكن اليوم من الصعب للغاية تغيير هذه التقنيات بشكل جذري، لأن كل أجهزتنا التي نستخدمها في كل لحظة تعمل بهذه التقنيات."

    ولمزيد توضيح لهذه النقطة، تخيل لو أن لمبات تُماس إديسُن هي التي بقيت بدلاً من اللمبات التي اخترعها نيقولا تِسلا. أو أن الحرب التي جرت بين إديسُن وتِسلا قد انتهت بفوز إديسُن بدلاً مما حدث فعلياً. عندها لأصبحت كل الأجهزة تعمل بالتيار المستمر بدلاً من المتردد، وغالباً لم نكن بحاجة لاختراع المحولات، وللزمنا تغيير المئات من الأجهزة التي نعمل عليها اليوم وطريقة عمل هذه الأجهزة. كل هذا لمجرد تغير شيء أو شيئين في وقت ما. وهذا التغيير الذي يبدو بسيطاً يؤدي على المدى الطويل لتغييرات هائلة في كل شيء. من طريقة عمل التقنية، إلى مكوناتها إلى المكتشفات التي تتم عن طريقها إلى الأشياء التي يمكن قياسها –والتي لا يمكن قياسها- وغير ذلك كثير. لكن ما يدفعنا إلى الظن بأن ما وصلنا إليه هو أفضل ما يمكن هو نوع من التعمية والغرور في آن. فالواقع هو أن ما وصلنا إليه حتى اليوم لا يزيد عن كونه أحد الاحتمالات الممكنة. بل ومن كم المشاكل التي تظهر لنا اليوم، نستطيع التأكد بما لا يدع للشك مجالاً، أن هذا الاحتمال الذي نحياه ليس أفضل الاحتمالات الممكنة –إن لم يكن أسوأها.

    الخلاصة حتى هذه النقطة هي أن على الناس عامة –والمسلم خاصة- الانتباه إلى ما يدور حولهم من تعمية متعمدة، في هذا الموضوع وسواه، وإدراك الأسباب الحقيقية التي تحدث من أجلها مثل هذه التحويرات والتعميات. فعلى العاقل أن يتخلّص من متراكبات غسل الدماغ وعقد الشعور بالنقص التي بُنيَت داخلنا ببطء وصبر وعلى مر أجيال من الاحتلال العسكري ثم الفكري، ودفع المبادئ الخاطئة في أجوافنا دفعاً، حتى صارت بالنسبة لأكثرنا اليوم مُسلّمات لا نفكر حتى في مناقشتها. لكن ما إن نبدأ أدنى خطوات التحليل –على الأقل إلى الآن- لا تلبث هذه المبادئ أن تتبخر كالدخان. المشكلة أننا لم نعد نحاول أن نحلل الأمور وأصبحنا نقبل ما يقدم لنا دون نقاش مِمَّن نصبوا أنفسهم مراجع لنا استناداً إلى شهادة لا تزيد عن كونها قطعة من الورق يصدرها مجموعة من الناس ليعلِمونا أن هؤلاء الأشخاص قد تقبلوا غسل أدمغتهم، وبرعوا في ذلك حتى أصبحوا هم شخصياً مؤهلين لغسل أدمغتنا بدورهم!

    بل والأدهى أننا صرنا مرتاحين إلى هذا التخبط على أنه أفضل الأمرَّين. حتى أننا أصبحنا نهاجم بشراسة، وبدون أي دراسة أو حتى تفكير، أي شخص يقول بغير ما اعتدنا سماعه. سواء في ذلك من كان يعلن هذا للناس لينبههم إلى الخطر الذي يسيرون إليه طواعية ودون اعتراض، أو حتى إن كان في بداية المشوار ويتساءل عن أمور لا تبدو له علمية أو حتى منطقية، ليحاول أن يفهمها. وبالتالي أصبح على الجميع الخضوع للنظريات السائدة في صمت وتعظيم أو تحمُّل الفصل من مناصبهم وقطع أرزاقهم، أو حتى الوصم بالخرف والجنون!

    وجب هذا التعريف أولاً لكي تفهم لماذا –ضمن العديد من الإيضاحات الأخرى- تراني من الآن فصاعداً، أضع كلمة سايِنس الإنجليزية حيثما وجب عوضاً عن الترجمة الخاطئة لها كـ "عـِلم".
    لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم


    Truth Knights' Forum - Comparative Religions in English

    مُنتدى الرّامي المُسلِم

    شاهد الآن - المسيحية للمسيحيين!

    قسم الرد على القص واللصق! - إستحالة تحريف الكتاب المقدس

  • #2
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..

    حياكم الله أخونا الحبيب الأمير الأحمر ..

    لا أوحشنا الله منكم أبداً ..

    سيظل منتدى حراس العقيدة بعون الله وفضله نبراساً للعلم والإيمان والصحبة الصالحة ..
    بارك الله فيكم وأحسن إليكم جميعاً ..

    تعليق


    • #3
      أكرمكم الله تعالى أخي وأستاذي هشام.

      زادكم الله تعالى بسطة في العلم وأدام نفعكم
      لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم


      Truth Knights' Forum - Comparative Religions in English

      مُنتدى الرّامي المُسلِم

      شاهد الآن - المسيحية للمسيحيين!

      قسم الرد على القص واللصق! - إستحالة تحريف الكتاب المقدس

      تعليق


      • #4
        يااااااااااااااااااااااااااااه أخى وأستاذى الحبيب الأمير الأحمر
        حمدا لله على سلامتك منور المنتدى
        إستوقفتنى آية ( ليشارك الجميع ) -- أستوقفنى حديث رسول الله ... متجدد

        من كلمات الإمام الشافعى رحمة الله عليه
        إن كنت تغدو في الذنوب جليـدا ... وتخاف في يوم المعاد وعيــدا
        فلقـد أتاك من المهيمن عـفـوه
        ... وأفاض من نعم عليك مزيــدا
        لا تيأسن من لطف ربك في الحشا
        ... في بطن أمك مضغة ووليــدا
        لو شـاء أن تصلى جهنم خالـدا
        ... ما كان أَلْهمَ قلبك التوحيـدا
        ●▬▬ஜ۩۞۩ஜ▬▬●
        أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ
        ●▬▬ஜ۩۞۩ஜ▬▬●

        تعليق


        • #5
          الحمد لله أنك بخير أستاذي الكريم. سلمك الله ورعاك.

          والحمد لله أن جعل المنتدى منيراً بأساتذته دائماً.
          لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم


          Truth Knights' Forum - Comparative Religions in English

          مُنتدى الرّامي المُسلِم

          شاهد الآن - المسيحية للمسيحيين!

          قسم الرد على القص واللصق! - إستحالة تحريف الكتاب المقدس

          تعليق


          • #6
            المشاركة الأصلية بواسطة الأمير الأحمر مشاهدة المشاركة
            بسم الله الرحمن الرحيم

            السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

            مرّ زمن لم أضف فيه شيئاً لمنتداي. أشعر بالخزي لتقصيري، فلن أطيل -وأنتم اعملوا نفسكم مش واخدين بالكم

            وعليكُم السلامُ ورَحمَة اللهِ وبركاتُه

            جزاكم اللهُ خيرا أستاذنا على هاتين الهديَّتين، أسأل الله تعالى أن يجعلَهما فى ميزانِ حسناتِك.

            ليتك تُضيفُ شيئا فى هذا الموضوع أخى

            نورُ الحِكمَةِ والعِلمِ - دَعوَةٌ للمُشارَكةِ.

            وأنا مش واخد بالى خااااالص

            المشاركة الأصلية بواسطة الأمير الأحمر مشاهدة المشاركة
            والحمد لله أن جعل المنتدى منيراً بأساتذته دائماً.

            نعَم، الحمدُ للهِ أنْ جعَل المُنتدى وأعضاءَهُ مُنيرين بأساتِذتِهِم دوما

            وَوالله ما عقيدَةُ الإسْلامِ بأهونَ مِنْ عقيدَةِ اليهودِ التي يَنتصرونَ بها، وَلا عقيدَةِ النَّصارى التي يَنتصرون بها، وَلا عقيدَةِ الرافِضةِ التي يَنتصرونَ بها، وَالله لو كانوا صادقينَ لانتصروا بالإسْلامِ، قالَ اللهُ {وإنَّ جُندَنا لهُم الغالبون}، فلمَّا انهزموا وَانكسروا وَاندحروا عَلِمنا أنَّ الإسلامَ مِنْهم برئٌ حقُّ برئٍ.

            رحِمَ
            اللهُ مُقاتِلة الإسْلامِ خالدَ وَالزبيرَ وَسعدَ وَعِكرمَة وَالقعقاعَ وَمُصعبَ وخبابَ وَخُبيبَ وَعلي وَعُمرَ وَعمرو وَابنَ عفَّانَ وأبا بكرَ وإخوانَهم وَالتابعينَ مِنْ بعدِهِم، رأينا رِجالا كسرَ اللهُ بهِمْ شوكَةَ كلِّ ذي شوكَةٍ، وَاليومَ نرى جيَفًا أظهرَ اللهُ عليها كلَّ دودَةٍ وَأرَضةٍ.

            تعليق


            • #7
              السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

              عوداً حميداً أخونا الفاضل الأمير الأحمر

              برجاء مواصلة عطائكم السابق والتواجد بين إخوانكم في منتداكم

              ونحن بانتظار المزيد بإذن الله تعالى ..
              فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً
              شرح السيرة النبوية للشيخ حازم صلاح أبو إسماعيــــــــل.. أدلة وجود الله عز وجل ..هام لكل مسلم مُوَحِّد : 200 سؤال وجواب في العقيدة
              مـــاذا فعلتَ قبل تسجيلك الدخـول للمنتدى ؟؟.. ضيْفتنــــــــــــــــــــــــــا المسيحية ، الحجاب والنقـاب ، حكـم إلـهي أخفاه عنكم القساوسة .. هـل نحتـاج الديـن لنكـون صالحيـن ؟؟
              لمــاذا محمد هو آخر الرسل للإنس والجــن ؟؟ .. حوار شامل حول أسماء الله الحسنى هل هي صحيحة أم خطـأ أم غير مفهـومـــة؟!.. بمنـاسبة شهر رمضان ..للنساء فقط فقط فقط
              إلى كـل مسيحـي : مـواقف ومشـاكل وحلـول .. الثـــــــــــــــــــــــــالوث وإلغــاء العقـــــــــــــــــــل .. عِلْـم الرّجــال عِند أمــة محمــد تحَـدٍّ مفتوح للمسيحيـــــة!.. الصلـوات التـي يجب على المرأة قضاؤهــا
              أختي الحبيبة التي تريد خلع نقابها لأجل الامتحانات إسمعـي((هنا)) ... مشيئـــــــــــــــــــــة الله ومشيئـــــــــــــــــــــة العبد ... كتاب هام للأستاذ ياسر جبر : الرد المخرِس على زكريا بطرس
              خدعوك فقالوا : حد الرجم وحشية وهمجية !...إنتبـه / خطـأ شائع يقع فيه المسلمون عند صلاة التراويـح...أفيقـوا / حقيقـة المؤامـرة هنـا أيها المُغَيَّبون الواهمون...هل يحق لكل مسلم "الاجتهاد" في النصوص؟
              الغــــــزو التنصيـــــــــري على قناة فتافيت (Fatafeat) ... أشهر الفنانين يعترفون بأن الفن حرام و"فلوسه حرام" ... المنتقبة يتم التحرش بها! الغربيون لا يتحرشون ! زعموا .

              أيهــا المتشكـــــــــــــــــــــــــــك أتحــــــــــــــــــــــــداك أن تقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرأ هذا الموضــــــــــوع ثم تشك بعدها في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
              <<<مؤامرة في المزرعة السعيدة>>>.||..<<< تأمــــــــــــــــــــلات في آيـــــــــــــــــــــــــــــات >>>
              ((( حازم أبو إسماعيل و"إخراج الناس من الظلمات إلى النور" )))

              تعليق

              مواضيع ذات صلة

              تقليص

              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
              ابتدأ بواسطة د تيماء, 16 مار, 2024, 02:41 ص
              ردود 0
              16 مشاهدات
              0 معجبون
              آخر مشاركة د تيماء
              بواسطة د تيماء
               
              ابتدأ بواسطة د تيماء, 12 فبر, 2024, 07:30 م
              ردود 0
              19 مشاهدات
              0 معجبون
              آخر مشاركة د تيماء
              بواسطة د تيماء
               
              ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 24 ينا, 2024, 12:01 ص
              ردود 0
              9 مشاهدات
              0 معجبون
              آخر مشاركة *اسلامي عزي*
              بواسطة *اسلامي عزي*
               
              ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 24 ينا, 2024, 12:00 ص
              ردود 0
              7 مشاهدات
              0 معجبون
              آخر مشاركة *اسلامي عزي*
              بواسطة *اسلامي عزي*
               
              ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 12 سبت, 2023, 02:05 ص
              ردود 0
              11 مشاهدات
              0 معجبون
              آخر مشاركة *اسلامي عزي*
              بواسطة *اسلامي عزي*
               
              يعمل...
              X