الفرع الثالث
عام الوفود
عام الوفود، هو العام التاسع الهجري الموافق سنة632م، عُرف بذلك لكثرة الوفود التي قدمت المدينة المنورة مسلمة للنبي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والتي يزيد عددها على سبعين وفدًا،وكان ذلك بعد غزوة تبوك في رجب سنة 9 هجرية.
في هذا العام جاء إلى المدينة وفوداً كثيرة من أنحاء الجزيرة تعلن إسلامها أمام الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان نصراً كبيراً للمسلمين وبدأ الإسلام ينتشر وينتشر في كل الجزيرة العربية وذلك بفضل الله تعالى حتى نزلت السورة الكريمة، قال تعالى ( إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ* وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) سورة النصر: 1 ـ 3، وفي هذا العام جاء وفد عظيم يمثلون مائة الف رجل وهو (وفد اليمامة) يعلن إسلامة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدخلوا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَإلا رجل واحد إسمة (مسيلمة)، وعندما دخل القوم لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأعلنوا إسلامهم اعطاهم الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الهدايا، فقال له الوفد : يا رسول الله : إن فينا رجل من سادتنا خارج الدار وما رضى أن يدخل معنا فقال لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما دام يحرس متاعكم إذن فهو ليس بأسوءكم واعطاهم الهدايا لة، فخرجوا لمسيلمة وقالوا له ما قاله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنة، فقال لهم مسيلمة : إنظروا مدحنى محمد، ثم بعد ذلك ذهب مسيلمة لبيت النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لة القوم : متى تُسلم يا مسيلمة ؟ فقال لهم مسيلمة : أُسلم على أن يعطينى محمد الأمر من بعده، فسمعة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمسك النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرجوناً صغيراً من الأرض وقال : والله يا مسيلمة لإن سألتنى هذا العرجون ما أعطيتة لك ووالله ما آرراك إلا الكذاب، وفي يوم آخر أرسل مسيلمة صحيفة إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تنص على : (من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله: آلا إنى أوتيت الامر معك فلك نصف الأرض ولى نصفها ولكن قريش قوماً يظلمون) فأرسل له النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب، السلام على من أتبع الهدى، أما بعد، فإن الأرض لله يرثها من يشاء من عباده والعاقبه للمتقين) وأستمر أمر مسيلمة الكذاب حتى أدعى النبوة وتآمر مع أحد الناس واتفقوا على أن ينشروا خبر كاذب وهو أن محمد قال : (إن مسيلمة رسول مثلة) !!، فارتد كثير من الناس بعد ذلك، وأستمر الأمر حتى قُتل مسيلمة الكذاب بعد موت الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أسماء بعض الوفود

في السنة التاسعة للهجرة:
- وفود ثقيف.
- وفد بني تميم.
- وفد بني سعد.
- وفد بني أسد.
- وفد عبد قيس.
- وفد نجران.
- وفود بارق.
وفي السنة العاشرة للهجرة:
- وفد بني حنيفة.
- وفد اليمن.
- وفد معان.
- وفد بني عامر
- وفد بني فزارة
الرحيق المختوم، صفي الرحمن المباركفوري، ص436-452.
السيرة النبوية، ابن هشام، ج5، ص248، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، دار الجيل،بيؤوت، ط1990.
ولكثرة هذه الوفود في العام التالي لفتح مكّة ومطلع الذي يليه، سمّاه المؤرّخون(عام الوفود). وكان في طليعة هذه الوفود وفد ثقيف الذي قَدِم المدينة في أعقاب عودةالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غزوة تبوك.
وفي غمرة أفراح النبيّّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنجاح الإسلام وانتشاره، مرض ولده إبراهيم وتوفّي في نفسالعام.
البراءة من المشركين
لم يبقَ في الجزيرةالعربيّّة قوّة تتمسّك بالشرك والوثنيّة، إلّا أفرادا لا يُعتدّ بهم. وانتشرتالعقيدة الإسلاميّّة السمحاء، وكان لا بدّ من إعلان صريح حازم،يُلغي كلّ مظاهر الشركوالوثنيّة، في مناسك أكبر تجمُّع عباديّ سياسيّ، وحان الوقت المناسب لتُعلِن الدولةالإسلاميّّة شعاراتها في كلّ مكان، وتُنهي مرحلة المداراة وتأليف القلوب التيتطلّبتها المرحلة السابقة.
واختار النبيّّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يومالنحر في منى" مكاناً للإعلان، وعيَّن أبا بكر رضي الله تعالى عنه ليقرأ مطلع سورة التوبة: (بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ * وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ * فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)التوبة: 1ـ 5، التي تتضمّن إعلان البراءة بصراحة، وفيهذه الآيات النقاط التالية:
1 ـ لا يدخل الجنّة كافر.
2 ـ لا يطوف في البيت الحرام عُريان (إذ كانت تقاليد الجاهليّّة تسمح بذلك)، ولا يحجّ بعد هذاالعام مُشرِك.
3 ـ من كان بينه وبين النبيّّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عهداً فأجلُه إلى مُدّته، ومن لم يكن له عهد ومُدّة من المشركين فإلى أربعة أشهر، وبعد ذلك سوف يُقتل من وُجِدَ مُشرِكاً.
ونزل الوحي الإلهيّّ على النبيّّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائلاً: (إنّه لا يؤدّي عنك إلّا أنت، أو رجل منك).
فاستدعى النبيّّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإمام عليّاً رضي الله تعالى عنه وأمره أن يركب ناقته العضباء ويلحق بأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، ويأخذ منه البلاغ ويؤدّيه للناس (ذكر هذه الواقعة: الكامل في التاريخ: ج2/ص291، تفسير مجمع البيان:ج 5/ص13.).
ووقف الإمام عليّ رضي الله تعالى عنه بين جموع الحجيج في العاشر من ذي الحجّة، وهو يتلو البيان الإلهيّّ بقوّة وجرأة تتناسق مع حزم القرار ووضوحه، والناس ينصتون إليه بحذر ودقّة.. وكان أثر الإعلان على المشركين أن قَدِمُوا مسلمين على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
مباهلة نصارى نجران
في سياق ما كتبه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى قادة ورؤساء وملوك بلدان العالم، بعث كتاباً إلى أسقف نجران، يدعوه فيه مع المسيحيّين إلى عبادة الله تعالى، فاجتمع زعماء نصارى نجران لبحث الموضوع، وقرّروا أن يبعثوا وفداً إلى المدينة، وعلى رأسه الأُسقف نفسه ليأتوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويسألوه عن دلائل نبوّته.
استقبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوفد، وأبدى احترامه لهم وفسح لهم المجال ليُمارسُوا طقوسهم، ثمّ عرض عليهم الإسلام فامتنعوا، وطال النقاش حول كون عيسى عليه السلام من البشر، فخلصوا إلى أن يباهلهم النبيّّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأمر منالله عزّ وجلّ(وذلك في قوله تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ سورة آل عمران:59 ـ 61..واتفقوا على اليوم اللّاحقموعداً.
وهنا وقف أسقفهم وقال لقومه: انظروا إن جاء محمّد غداً بولده وأهل بيته فاحذروا مباهلته، وإنجاء بأصحابه وأتباعه فباهلوه.
وفي اليوم التالي خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المباهلة ومعه الإمام عليّ، والسيّدة فاطمة، وسبطاه الحسن والحسين .
فقال عندها أسقف نجران: يا معشر النصارى إنّي لأرى وجوهاً لو سألوا الله أنيُزيل جبلاً من مكانه لأزاله... فلا تُباهِلُوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصرانيّ،فامتنعوا عن المباهلة، وصالحهم النبيّّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على دفع الجزية ضمن معاهدة وردت تفاصيلها في كتب التفاسيروالتاريخ (راجع: تاريخ اليعقوبي: ج2، ص72، الميزان في تفسير القرآن:ج3، ص232.).
السيرة النبوية، ابن هشام، ج5، ص248، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، دار الجيل،بيؤوت، ط1990.
ولكثرة هذه الوفود في العام التالي لفتح مكّة ومطلع الذي يليه، سمّاه المؤرّخون(عام الوفود). وكان في طليعة هذه الوفود وفد ثقيف الذي قَدِم المدينة في أعقاب عودةالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غزوة تبوك.
وفي غمرة أفراح النبيّّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنجاح الإسلام وانتشاره، مرض ولده إبراهيم وتوفّي في نفسالعام.
البراءة من المشركين
لم يبقَ في الجزيرةالعربيّّة قوّة تتمسّك بالشرك والوثنيّة، إلّا أفرادا لا يُعتدّ بهم. وانتشرتالعقيدة الإسلاميّّة السمحاء، وكان لا بدّ من إعلان صريح حازم،يُلغي كلّ مظاهر الشركوالوثنيّة، في مناسك أكبر تجمُّع عباديّ سياسيّ، وحان الوقت المناسب لتُعلِن الدولةالإسلاميّّة شعاراتها في كلّ مكان، وتُنهي مرحلة المداراة وتأليف القلوب التيتطلّبتها المرحلة السابقة.
واختار النبيّّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يومالنحر في منى" مكاناً للإعلان، وعيَّن أبا بكر رضي الله تعالى عنه ليقرأ مطلع سورة التوبة: (بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ * وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ * فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)التوبة: 1ـ 5، التي تتضمّن إعلان البراءة بصراحة، وفيهذه الآيات النقاط التالية:
1 ـ لا يدخل الجنّة كافر.
2 ـ لا يطوف في البيت الحرام عُريان (إذ كانت تقاليد الجاهليّّة تسمح بذلك)، ولا يحجّ بعد هذاالعام مُشرِك.
3 ـ من كان بينه وبين النبيّّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عهداً فأجلُه إلى مُدّته، ومن لم يكن له عهد ومُدّة من المشركين فإلى أربعة أشهر، وبعد ذلك سوف يُقتل من وُجِدَ مُشرِكاً.
ونزل الوحي الإلهيّّ على النبيّّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائلاً: (إنّه لا يؤدّي عنك إلّا أنت، أو رجل منك).
فاستدعى النبيّّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإمام عليّاً رضي الله تعالى عنه وأمره أن يركب ناقته العضباء ويلحق بأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، ويأخذ منه البلاغ ويؤدّيه للناس (ذكر هذه الواقعة: الكامل في التاريخ: ج2/ص291، تفسير مجمع البيان:ج 5/ص13.).
ووقف الإمام عليّ رضي الله تعالى عنه بين جموع الحجيج في العاشر من ذي الحجّة، وهو يتلو البيان الإلهيّّ بقوّة وجرأة تتناسق مع حزم القرار ووضوحه، والناس ينصتون إليه بحذر ودقّة.. وكان أثر الإعلان على المشركين أن قَدِمُوا مسلمين على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
مباهلة نصارى نجران
في سياق ما كتبه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى قادة ورؤساء وملوك بلدان العالم، بعث كتاباً إلى أسقف نجران، يدعوه فيه مع المسيحيّين إلى عبادة الله تعالى، فاجتمع زعماء نصارى نجران لبحث الموضوع، وقرّروا أن يبعثوا وفداً إلى المدينة، وعلى رأسه الأُسقف نفسه ليأتوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويسألوه عن دلائل نبوّته.
استقبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوفد، وأبدى احترامه لهم وفسح لهم المجال ليُمارسُوا طقوسهم، ثمّ عرض عليهم الإسلام فامتنعوا، وطال النقاش حول كون عيسى عليه السلام من البشر، فخلصوا إلى أن يباهلهم النبيّّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأمر منالله عزّ وجلّ(وذلك في قوله تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ سورة آل عمران:59 ـ 61..واتفقوا على اليوم اللّاحقموعداً.
وهنا وقف أسقفهم وقال لقومه: انظروا إن جاء محمّد غداً بولده وأهل بيته فاحذروا مباهلته، وإنجاء بأصحابه وأتباعه فباهلوه.
وفي اليوم التالي خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المباهلة ومعه الإمام عليّ، والسيّدة فاطمة، وسبطاه الحسن والحسين .
فقال عندها أسقف نجران: يا معشر النصارى إنّي لأرى وجوهاً لو سألوا الله أنيُزيل جبلاً من مكانه لأزاله... فلا تُباهِلُوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصرانيّ،فامتنعوا عن المباهلة، وصالحهم النبيّّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على دفع الجزية ضمن معاهدة وردت تفاصيلها في كتب التفاسيروالتاريخ (راجع: تاريخ اليعقوبي: ج2، ص72، الميزان في تفسير القرآن:ج3، ص232.).
تعليق