مَصادِر التََشْرِيع و صَلاحيَة الإسْلام لِكُل زَمان إخْتِصاراً .

تقليص

عن الكاتب

تقليص

صفي الدين مُسْلِم حُرٍ لله اكتشف المزيد حول صفي الدين
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مَصادِر التََشْرِيع و صَلاحيَة الإسْلام لِكُل زَمان إخْتِصاراً .

    السَلام عَليكُم

    بِدايَة هَذا المَوضُوع كان رَداً لِلْعَبْد الفَقِير عَلى إسْتِفْسار مِن أحَد الأساتِذَة الأعْضاء حَول مَفهُوم الإسْلام و صَلاحِيَتِهِ لِكُل زَمان , و لَما كَثُر الطَعْن عَلى الإسْلام في هَذه الأيام عَبْر الإعْلام و الصُحُف , رأيتُ أنهُ قَد يَكُون في رَفعهِ في مَوضُوعٍ مُسْتقَلٍ فائِدَة لأهْل المُنْتدى و زُوارِهِ .

    الإسْلام هُو دِين كُل الأنْبياء و الرُسُل فَما بُعِث نَبِيّ إلى قَومِه إلى بِرسالَة الإسْلام التي أنْزلها الرَحّمَن بِشَكلاً تَدريجياً حَتى أتَمها بأخِر خِطابات السَماء إلى أهْل الأرْض بإرْسال خاتَم الأنْبياء و سَيد الأولِين و الأخِرين و إمام المُرْسَلين رَسُول الله مُحمداً صَلى الله عَليه و سَلّم , مِثْلَما يَبدأ الطِفْل بالحَضانَة و يَنتهِي بالتَخرُج مِن الجامِعَة ....
    قال رَسول الله صَلى الله عَليِهِ و سَلَم :

    "إنَّ مَثَلي ومَثَلَ الأنبياءِ من قبلي ، كمَثَلِ رجلٍ بنى بيتًا ، فأحسَنه وأجمَله إلَّا موضِعَ لبِنةٍ من زاويةٍ ، فجعَل النَّاسُ يطوفونَ به ، ويعجَبونَ له ويقولون : هلَّا وُضِعَت هذه اللَّبِنةُ ؟ قال : فأنا اللَّبِنةُ ، وأنا خاتمُ النَّبيِّينَ"

    و يَقُول الكِتاب المُقَدَس :

    " قال لهم يسوع: «اما قراتم قط في الكتب: الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار راس الزاوية. من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في اعيننا؟" إنْجِيل مَتى الإصْحاح 21 الفَقرَة 42

    فَهَذا مِن ناحيَة المُعتَقَد و نَجد في القُرآن الكَرِيم و حَتى في الكِتاب المُقَدَس كُل الرِسالات التي أنْزلَها الله تَبارَك و تَعالى للإنْسان كانَت تَدعو إلى عِبادَة الرَحْمَن وَحده لا شَريك لَه

    قال تَعالى :
    {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ }

    {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ }

    {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ }


    كَما أن هَذا مَوجوداً في ذَلِك الميراث المُشَوَه مِن الكِتاب المُقَدَس

    "لا تسجد لهنّ ولا تعبدهنّ.لاني انا الرب الهك اله غيور افتقد ذنوب الآباء في الابناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضيّ" خُروج الإصْحاح 20 الفَقرَة 5

    " فاعلم ان الرب الهك هو الله الاله الامين الحافظ العهد والاحسان للذين يحبونه ويحفظون وصاياه الى الف جيل" التَثنيَة الإصْحاح 7 الفَقرَة 9

    "لا يكن لك آلهة اخرى امامي.لا تصنع لك تمثالا منحوتا صورة ما مما في السماء من فوق وما في الارض من اسفل وما في الماء من تحت الارض.لا تسجد لهنّ ولا تعبدهنّ لاني انا الرب الهك اله غيور.افتقد ذنوب الآباء في الابناء وفي الجيل الثالث والرابع من الذين يبغضونني" التَثْنِيَة الإصْحاح 5 الفَقرَة 7

    "هكذا يقول الرب ملك اسرائيل وفاديه رب الجنود.انا الاول وانا الآخر ولا اله غيري." أشْعِياء الإصْحاح 44 الفَقرَة 6

    "ليعلم كل شعوب الارض ان الرب هو الله وليس آخر." المُلوك الأوَل الإصْحاح 8 الفَقرَة 60

    "فاجابه يسوع ان اول كل الوصايا هي اسمع يا اسرائيل.الرب الهنا رب واحد." مُرقُس الإصْحاح 12 الفَقرَة 29

    "وهذه هي الحياة الابدية ان يعرفوك انت الاله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي ارسلته." يوحنا الإصْحاح 17 الفَقرَة 3

    مِن هَذا المُنْطَلَق نَسْتَطِيع أن نَقول أن الإسْلام مَفهُوماً هو دين الله تَعالى الذي كان عَليهِ الأنبياء و الرُسُل و هو مَنهَجَهُم الإعْتِقادي و الإسْلام رِسالَة جامِعَة و القُرآن الكَرِيم كِتاباً مُهيمِناً و تَشريعِهِ كان و سَيظَل صالِحاً أصاب الفُقهاء في تَطبيقِهِ أو أخْطأوُا , فَتِلك القاعِدَة لِلتعايُش السَلّمي بَين البَشَر أعطَت كُل المَفاهيم و المَصادِر للإنْسان نَفسياً و إجْتماعياً وشَمِلتَ التكامُل بَين الرُوح و الجَسَد فأشبَع الله بِهِ أشُواقِهِ الرَوحيَة و كَفّى بِهِ حاجاتِهِ الماديَة في تَكامُل و تَنسُق بَديع و عَجِيب , بَل تَخطى الإنْسان لِكُل الأمّم فأكرَم الإنْسان و عَلمَهُ أن التَقُوى هِي مِعيار التَفْضِيل و عَلَم الأمّم كيف تَحيا سِلماً و حَرباً بِما لَم تَصِل إليه كُل ما مَعارِف الإنْسان بِحدُودِه الذِهْنيَة مِن مُعاهداتٍ و إتِفاقياتٍ و دَساتِير .

    " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ "

    و لأن الإسْلام تَشريعاً هو أخِرِ رِسالات الله إلى أهْل الأرْض فَقَد إهْتَم بِتَشْرِيعات مُفَصَلَة و مُبَيَنَة عَقَدِيَة و دُنيَويَة و لَقَد سَبَقَ الإسْلام نَموذجاً سابِقاً " بِشَكْل أصْغَر " في تَكوين الحياة الإجْتِماعيَة و السياسيَة و مَبادئ دَولَة مُوسى عَليِهِ و عَلى المُصْطَفى الصَلاة و الإسْلام إلا أنها لَم تَكُن تُغَطي جُل الجَوانِب سِيما و أنها كانَت لِِبَني إسْرائيل فَقَط الذي عَبروا مَع موسى و حَتى المَسيح لَم يَضْع شَريعَة مُسْتَقِلَة عَن شَريعَة مُوسى .
    " لا تظنوا اني جئت لانقض الناموس او الانبياء. ما جئت لانقض بل لاكمل." مَتى الإًْصْحاح 5 الفَقرَة 17

    و قَبْل الإسْتِطراد هُناك نُقْطَة في غايَة الأهَمِيَة يَنْبَغي تَوضيحُها , الدَساتِير و هي المادَة التي تَستَوحي الأنْظِمَة و القَوانِين كَحُلول لِلقضايا السِياسيَة و الإجْتِماعيَة التي تَسِير عَليها الدَولَة و هو المَعنيّ بِتَنْظِيم سُلطات الدَولَة و حُقوق الحاكِم و المَحْكوم في العالَم ,لَم تُعني بِالخُلُق و رِفعَة و سُمو الأخْلاق فَلا يوجَد في دَساتير العالَم كُلُه مادَة تَعِظ بِعَدَم الكَذِب و الإنتهاء عَن الزِنا و صَلاح النَفْس و المُجازَاة عَلى ذَلِكَ أو الحَث عَلى الكَرَم و الفَضِيلَة .

    بَل عَلى العَكْس رُبما يُقَنِن ما حَرَم الله تَعالى بِبَعيد مِثْل تَقنين الشُذوذ و السِحاق و زواج المِثْل و تَنْظِيم أماكِن مُمارَسَة الراذِيلَة و المُشارَكَة في أرباح القِمار و المَيِسِر و تأكيد أنهُ لا تَعامُل إقْتِصادي بِغَير رِبا , فالدُستور جامِد جِداً لا رَوح فيِهِ مِن هَذه الناحيَة , فَلا يَعنيَه أن تَكون صالِحاً أو غَيرهُ المُهِم أن تُراعي قَوانِين الدَولَة فَقَط , بِمَعنى أنه يَفْتَقِر إلى النَظَر إلى الإصْلاح الشَخصي و هَذا ما مَيَزَ الدُستور الشَرعي عَن الوَضعي
    و أما القانون فَهو مَجْموعَة القواعِد العامَة المُجَرَدَة و المُلْزِمَة التي تُبيح و تَحظُر في ضَوء الدُستور .

    فَلَم يوجَد ديناً أعطى تَصوَراً لِدَولَة مِثْل الإسْلام و الشَرِيعَة الإسْلاميَة لا تَتَغَير كَنِظام " الدُستور" بَيد أنها قابِلَة لِلتَغير و مواكَبَة ما يَطرأ مِن مُستَجَدات مِن الناحِيَة التَطبيقيَة التَنفيذيَة , بِمَعنى قابِليَة الشَريعَة للإسْتِجابَة لِكُل المُتَغيرات , و لِتَوضيح ماهيَة الشَريعَة الإسْلاميَة أو الدُستور – و هي كَلِمَة غَير عَرَبِيَة بِالمُناسَبَة – الإسْلامي " إن صَح الْلَفظ " نَسرُد مَصادِرَهُ على التَرتيب التالي :

    1-القُرآن الكَريم

    2-السُنَة النَبَويَة المُطَهَرَة

    3-الإجْماع

    4- القياس


    .... يُتْبَع
    مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ. كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ

  • #2
    رد: مَصادِر التََشْرِيع و صَلاحيَة الإسْلام لِكُل زَمان إخْتِصاراً .

    متابع معكم إن شاء الله .. بارك الله فيكم أستاذنا الكريم .

    تعليق


    • #3
      رد: مَصادِر التََشْرِيع و صَلاحيَة الإسْلام لِكُل زَمان إخْتِصاراً .

      السَلام عَليكُم

      كَما سَلَف ثَمَة أرْبعَة مَصادِر في التَشريع الإسْلامي و هِي القُرآن الكَرِيم , السُنَة المُطهرَة , القِياس و الإجْماع و هِي المَصادِر الرَئيسيَة في التَشْرِيع الإسْلامي و هُناكَ مَصادِر أخْرى مُخْتَلَف فيها أي أن بَعْض الفُقهاء عارَض في جَعْلَها مَصْدَراً مُسْتَقِلاً و تَنْحَصِر في :
      ( قَوْل الصَحابي – المَصْلَحَة المُرْسَلَة – الإسْتِحْسان - سَد الذَرائِع – العُرْف – الإسْتِصحاب – شَرْع مَن قَبْلَنا )

      و سَنَكْتَفِي بالمَصادِر التي أجْمَع عَليها العُلَماء و هِي الأربَعَة المُشار إليهِم آنِفاً :

      1- القُرآن الكَرِيم :


      القُرآن الكَريم هو كَلام الله تَعالى المُنَزّل عَلى رَسولِهِ مُحَمَد صَلى الله عَليه و سَلَم بِالْلَفْظ العَرَبي لِلإعْجاز بِسُورَة مِنهُ المُتَعَبَد بِتلاوتِهِ المَنقول إلينا بِالتواتُر المَوجُود بَين دَفتي المُصْحَف و الذي يَبدأ بِسورَة الفاتِحَة و يَنْتَهي بِسورَة الناس و قَد نَزَل مُنَجَماً عَلى ثَلاثَة و عِشرُون سَنَة و خَتَمَه مَعَهُ جِبريل عَليه و على المُصطَفى و سائِر الأنبياء و الرُسُل الصَلاة و السَلام مَرَتين في أخِر عام مِن عُمرِه الشَريِف صلى الله عَليه و سَلَم على التَرتيب المَوجود مَعنا الآن .

      2- السُنَة النَبويَة الشَريفَة :


      قَول النَبي صَلى الله عَليه و سَلَم أو فِعْلِهِ أو تَقْرِيرِهِ المُراد بِه التَشْرِيع و المَقْصود بِالتَقْرِير أن يَقول أو يَفْعَل بَعْض أصْحابِهِ شَيئاً في مَحْضَرِهِ أو وُجودِهِ صَلى الله عَليِهِ و سَلَم فَيَسْكُت عَنهُ أو يَسْتَحْسِنَهُ فَيُعَد هَذا مُوافَقَة مِنه عَلى ذَلِك ," ضَمنياً" إن صَح الْلَفْظ و هِي :

      السُنَة المُتواتِرَة : و هي التي نُقِلَت عَن رَسول الله صَلى الله عَليِهِ و سَلَم نُقلاً مُتواتِراً أي نَقَلَها جَمْعاً مِن الصَحابَة يَستَحِيل أن يَتَفِقوا عَلى الكَذِب ثُم نَقَلَها عَن هَذا الجَمْع جَمعاً مِثْلُهُ ..... و هَكَذا حَتى وَصَلَت إلينا , مِثْل الحَديث الذي يَقول
      " صَلوا كَما رأيتمُوني أصَلّي "
      فَنُقِلَت كُل أفْعالُهُ و حَرَكاتُهُ في الصلاة نَقْلاً مُتواتِراً و لا نَجِد خِلافاً مُطلَقاً بَين الفُقهاء في عَدَد الركَعات أو كَيفيتُها و كَذا السُجود و سائِر الحَركات الظاهِرَة , وَقَد فَرَض القُرآن الكَرِيم الزَكاة بَيد أنهُ لَم يُبَيِن مِقدارُها و بَيَنَتُهُ السُنَة و كَذا الحَج فَقد فُرِض في كِتاب الله و أما المَناِسك فَقَد عَلَمَنا إياها رَسول الله صَلى الله عَليهِ و سلَم و أخْبَرَنا عَن كَيفيَة أدائِها.

      المَشهُورَة : و هي قَريبَة جِداً مِن السُنَة المُتواتِرَة

      الآحاد : و يَقال لَها خَبْر الآحاد و هي التي رَواها عَن النَبي صَلى الله عَلِيِه و سَلَم واحِد أو إثْنان أو عَدَد لا يَبْلُغ حَد التَواتُر و هَكَذا حَتى وَصَلت إلينا و قَد تبايَن مَوقِف الفُقهاء فالجَمهور قَدَمَهُ عَلى القياس " المَصْدر الرابِع " و مِنهُم مَن إشْتَرَط فِيهِ شُروطاً حَتى يُمْكِن تَقديمَهُ عَلى القياس كَما ذَهَب الحَنْفِيَة و مِنهُم مَن قَدَم عَمَل أهْل المَدِينَة عَليهِ كَما إتَجَه المالِكيَة بإعْتِبار أن عَمَل أهْل المَدِينَة رِوايَة جَماعِيَة أقْوى مِن رِوايَة الآحاد .

      حُجِيَة السُنَة :

      أكَدَ القُرآن الكَريِم أهَمِيَة السُنَة في غَير نَص :

      { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }

      { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

      {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً }


      و أما الخِلاف حَوَل خَبْر الآحاد – كما سَلَف – يَنْحَصِر في طَريقَة ثُبوتِهِ حَيثُ إشْتَرَط بَعْض الأئِمَة شُروطاً لِقَبول الرِوايَة و التأكُد مِن صِحَتُها , عَلى كُل حال أصْبَح هَذا الخِلاف تاريِخياً بَعْد تَدوين السُنَة .

      مَنْزِلَة السُنَة مِن القُرآن الكَرِيم :

      يَقول الله تَعالى في مَنْزِلَة السُنَة مِن القُرآن :

      {ِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }

      1 – بَيان السُنَة لأحْكام القُرآن :

      بيان المُجْمَل : فَقَد بَيَن رَسول الله ما جاء مُجْمَلاً في القُرآن مِن أحْكام مِثْل الصَلاة و الزَكاة و الحَج

      تَخْصِيص العام : جاء القُرآن بأحْكام عامَة و لَكِن السُنَة خَصَصَت بَعْض الأحْكام و ذَلِك مِثْل قَولِهِ تَعالى :

      {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ }

      فَهذا حُكْم عام إلا السُنَة خَصَصَت الوارِث بألا يَكون قاتِلاً , فَقَد قال صَلى الله عَلِيهِ و سَلَم "ليس لقاتل ميراث"

      تَقيد المُطْلَق لأحْكام القُرآن :و ذَلِك مِثْل قَولِهِ تعالى :

      {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

      فالآيَة ذَكَرت القَطْع مُطْلَقاً و قُيدَت بِالسُنَة في الشُروط و الكَيفيَة كَما سَيُوضَح أدْناه

      2-تأكيد السُنَة لِما جاء في القُرآن :

      {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً }

      قال رَسول الله صَلى الله عَلِيهِ و سَلَم :

      "لا يَحِل مال امْرئ إلا بِطِيب نَفْسِ مِنهُ"

      3- الإجْماع :


      هو إتِفاق المُجْتَهِدين مِن عُلماء المُسلِمين عَلى حُكْم شَرعي في واقِعَة بَعْد وفاة رَسول الله صَلى الله عَليِهِ و سَلَم , و جَمهور الفُقهاء يَشتَرِطون لِتَحقيق الإجْماع أن يَتَفِق جَميع المُجْتَهدِين عَلى هَذا الحُكْم , و قَد عارَض في الإجْماع بَعْض الفُقهاء لا لِشئ إلا لِعَدَم تَصَوُرَهُم إمْكان وُقوعِهِ بَعْد عَصْر الصَحابَة , أما الإجْماع في العُصور التالِيَة لِعَصر الصَحابَة فَهو الذي وَقَع الخِلاف بِشأنهُ مِن حَيثُ عَدَم إمْكان وُقوعِهِ .

      أدِلَة الإجْماع :

      قال الله تَعالى :

      {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً }

      {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }


      قال رَسول الله صَلى الله عَليِهِ و سَلَم :

      "لا تجتمع أمتي على ضلالة"

      حُجِيَة الإجْماع :

      الإجْماع مَصْدَر شَرْعي يَجِب العَمَل بِهِ فإذا أجْمَع المُجْتَهِدون مِن الأمضة عَلى حُكْم شَرعي تَعَين عَلى جَميع المُسْلِمين الأخْذ بِهِ و لا يَجوز لِعُلَماء القُرون التَاليَة نَقْض هَذا الإجْماع.

      4- القِياس :


      و هو التَقديِر و في الإصْطِلاح هو إلحاق فَرْع بأصْل في حُكمِهِ لِلتساوي بَينَهُما في العِلَة و مِن هُنا يَظْهَر أن لِلقياس أرْبَعَة أرْكان :

      1- الأصْل

      2- الفَرْع

      3- حُكْم الأصْل

      4- العِلَة


      و هَذا المَثْل تَوضيحي :

      قال تعالى :
      {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

      الأصْل : الخَمْر و حُكمُه التَحريم .

      الفَرْع : كُل مادَة تؤثِر في العَقْل .

      حُكْم الأصْل : التَحريم , كَما يَظْهَر في النَص .

      العِلَة : و هي وَصْف ظاهِر مُنضَبِط بُنِيَ عَليِهِ الحُكْم "الإسْكار ".

      فالإسْكار هو عِلَة تَحريم الخَمْر , فَمَتى تَحَقَق وُجود العِلَة في أي مادَة سَواء أكانَت جامِدَة أو مائِعَة فإنها تُحَرَم شَرْعاً ,قِس عَلى هَذا المَثَل أحْكام كَثيرَة في القُرآن و السُنَة .

      حُجِيَة القياس :

      القياس حُجَة شَرعيَة عِنْد جَمهور الفُقهاء و مَصدَر مِن مَصادِر التَشرِيع .

      قال الله تَعالى :
      {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً}

      هَذا دَليل عَلى وُجوب التَدَبُر و عَلى إبْطال التَقليد و عَلى إثبات الإجْتِهاد في " أفلا يَتدَبَرون القُرآن "إنْكار عَلى عَدَم التَدَبُر فَهي حَث عَليِهِ و أما الإسْتِنباط فَهو إسْتِخراج الأحْكام الجُزئِيَة مِن أصول الشَريعَة و أدِلَتُها الكُليَة و ما القياس إلا هَذا .

      يُتْبَع ....
      مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ. كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ

      تعليق


      • #4
        رد: مَصادِر التََشْرِيع و صَلاحيَة الإسْلام لِكُل زَمان إخْتِصاراً .

        السَلام عَليكُم

        بُورِكتً أخِي الكَرِيم ظِلٍ ظَلِيل .

        و بَعْد أن وَقفْنا عَلى مَصادِر التَشْرِيع الرَئيسيَة بِشَكلٍ مُخْتَصَر و عَرّجْنا بالذِكْر عَلى المُخّتَلَف فِيها , نَقُول أن هَذه المَصادِر تَشْمَل أساسيات الأحْكام في الإسْلام و لِِذَلِك سُمِيَ الفِقِهِ الإسْلامي و هو مُرادِف لِلقانون .

        فَكما أن القانون :هو قاعِدَة مُستَنْبَطَة في الأساس مِن الدُستور .
        فالفِقه لَه نَفْس الصِفَة في الشَريعَة الإسْلامِيَة فَهو العِلْم بِجَمِيع أحْكام الدين و فِهْم كُل ما شَرَع الله لِعبادُهُ مِن الأحْكام سَواء أكانَت مُتَعَلِقَة بِالإيمان و العَقائِد و ما يَتَصِل بِها أم كانَت مُتَعَلِقَة بأحْكام الفُروض و الحُدود و الأوامِر و النواهي أو كانَت مُتَصِلَة بِالأخْلاق و المُثُل العُليا و هو ما يَفتَقِرَ إليهِ قَوانين و دَساتِير العالَم كَما تَم تَوضِيحَهُ

        و قَد عَلَم الدُستور الإسْلامي حِمايَة المَرأة وحُقوقِها، ورعاية الأطْفال والفُقَراء والمُساواة بَين جَمِيع الناس ومَنَح المَرأة والرَجُل حُقوقا مُتَساوِيَة في المُجْتَمَع بالإضافََة إلى المُقَوِم الإنساني في عَدَم التَميز عَلى أساس عِرقي و المُساوَة و عَدَم الأفْضَليِة سابِقاً بِذَلِك كُل الدَساتِير.

        {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }

        و عَلى هَذا نَجِد أن الفِقه الإسْلامي لَهُ عِدَة خَصائِص تُمَيزُهُ عَن القَوانين :

        ( الوَحي الإلَهي – الجَزاء الدُنيَوي و الأخروَي – الوازِع الديني و الخُلُقي – الأبَدِيَة – العالَميَة )

        أضِف إلى ذَلِكَ مُرونَة هَذا الفِقه- كَما سَيَتَبَيَنَ في المِثال التَوضيحي لاحِقاً - و فَتْح باب الإجْتهاد و فِقه الواقِع .

        و لِهذا الفِقه قَواعِد أساسيَة لابُد مِن مُراعاتِها مِن جانِب الفَقيه:

        - الأمور بِمَقاصِدَها: أي أن كُل قَول أو عَمَل إنما هو بِالمَقْصِد الذي يُريدُه صاحِبُهُ " الأعمال بِالنيات ".

        - التَيسير و عَدَم الحَرَج: الأصْل هو رَفْع الحَرَجَ عَن العِباد و أن تَكون الأحْكام الشَرعيَة في مَقدور المُكَلَف .

        - الضَرَر يُزال : " لا ضَرَر لا ضِرار"

        مُشتَمِلَة عَلى عِدَة قَواعِد و نَظَريات مِثْل " الأصْل بَراءة الذِمَة " و "درء الحُدود" - "تَقليصُها" -

        و لِهَذا الفِقه أقسام هي :

        العِبادات : مَجموعَة الأحْكام التي شُرِعَت لِتَنظيم صِلَة الإنْسان بِالله تَبارَك و تعالى .

        أحْكام الأسْرَة : و هي مَجمُوعَة الأحّكام التي تُنَظِم الأسْرَة .

        أحْكام المُعامَلات : و هي مَجْموعَة الأحْكام التي يُقْصَد بِها تََنظِيم عَلاقات الأفْراد الناشِئَة عَن المُعامَلات مِثْل البيَع و الشِراء و الإيجار و الشُُفْعَة و الكَفالَة

        أحْكام مالِيَة و إقْتِصادِيَة : و هي تَنظيم إكتِساب المال و كَيفيَة إنفاقُهُ و العَلاقات بَين الأفراد و الدَولَة .

        أحكام دَوليَة : القَواعِد التي تُنَظِمَ عَلاقَة الدَولَة الإسْلامِيَة بِغَيرِها مِن الدِوَل و أحكام الأسرى و الجِهاد و المُعاهَدات و الصُلْح

        الأحْكام الدُستوريَة و الإداريَة : و هي المَعنيَة بِتَنظيم عَلاقَة الحاكِم بِالرَعيَة و إختيار الوُلاة و ما يُشتَرَط فيهِم و بيان الحُقوق المُتبادَلَة بَين وَلي الأمْر و المواطِن و أحكام الشُورى و العَدْل و المُساوَاة و النَظام الإداري و إخْتِصاصات جِهات الإدارَة في الدَولَة و موائَمَة القوانِين لِلدستور الإسْلامي .

        أحْكام المُرفاعات : و هي أحْكام شُرِعَت مِن أجْل التقاضي و رَفْع الدَعاوي لِلقَضاء أي تَنظيم الإجراءات التي تُؤَدي إلى تَحقيق العَدالَة و تَسيِرِها بَين الناس حَتى يأخُذ كُل ذِي حَق حَقُهُ .

        أحكام الجِنايَة و العُقوبَة : لِحِفْظ حياة الناس و أعراضِهِم و أموالِهِم و هو ما سَوف نَضْرِبَ عَليِهِ مِثال تَوضيحي مَع مَثلٍ أخرٍ لاحِقاً بِحَول الله و قُوتِهِ .

        فالدُستور الإسْلامي أو الشَريعَة الإسْلاميَة التي لا تُخالَفَ أبداً كَنِظام حَدَدَت هَذه الأحكام عَلى سَبيل الحَصر :

        1- القَصاص : لِلحِفاظ عَلى حَياة الإنْسان و فيهِ مُرونَة أكْثَر مِن القَوانين الوَضعيَة فالقصاص بِطَلَب مِن أولياء الدَم و لا يَحدُث إذا ما قَبِلَ هؤلاء الدِيَة أو بِالعَفو الشامِل مِنهُم .

        2- الحُدود : و هي عَلى سَبيل الحَصْر " حَد الزِنا و عَمَل قَوم لوط – حَد شُرب الخَمْر- حَد السَرِقَة – حَد القَذف – حَد الحِرابَة – حَد الرِدَة " .

        3- التَعزير : و هي عَن الأفْعال التي مِن شأنُها الإضْرار بِالفَرد أو المُجتَمَع و التي لَيس لَها عِقاب أو لِتلكَ التي لَم تَكْتَمِل شُروطِها في إقامَة الحُدود و تُحَدَد بِمَقدور الجُرم و مَكانُهُ و زَمَنُهُ .

        يُتْبَع ....
        مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ. كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ

        تعليق


        • #5
          رد: مَصادِر التََشْرِيع و صَلاحيَة الإسْلام لِكُل زَمان إخْتِصاراً .

          السَلام عَليكُم

          سَبق القَول أن ثَمّة أمْثِلَة لِلتَوضِيح , أسوُقُها في هَذه المُشارَكَة ....

          المِثال الأوَل حَول الحُدود و بالتَحْدِيد حَد السَرِقَة إذ يَرى الكَثير مِن الناس أن فيهِ قَسَوة , رَغْم أنهُ بالرُجُوع إلى التَطبيقات في التارِيخ الإسْلامِي نَجِد أن قَطْع اليَد كان في نِطاقاً ضَيقاً جِداً نَظراً لِشرُوطِه الصارِمَة , و هُو الأنْجَع في دَرء تِلْك الجَريمَة البَشِعَة التي تُعَد هِي الأصْل في كُل ما يُشبهُها مِن جَرائِم تُؤكَل بِها أمُوال الناس بالباطِل و أوَل ما عَرِف الإنْسان مِن جَريمَة لأخَذ ما لَيس لَهُ و مِن تَعَب و عَرق أخيه الإنْسان بِغَير حَقٍ و لا مَجهُود و لا رِضا مِن صاحِب المال , و مُحَدِثكُم العَبْد الفَقير دارِساً لِلقانُون و أقُول لَكُم أن كُل جَرائِم العُود تَترَكَز في السَرِقَة , فالعُقوبَة المُقَيِدَة لِلْحُريَة لَيسَت ناجِعَة " بالقَدْر الكافِي " لِتَخْلِيص مُجْتَمَعٍ ما مِن هَذه الآفَة .

          قال تعالى :
          {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

          هَذه الآيَة تُعَد مادَة دُستوريَة , جاءَت في أقوى المَصادِر الفقهِيَة و هو القُرآن الكَريم , و قَد شُدِدَت العُقوبَة لِكَونِها التَعدي عَلى حَق مالي لِلغير قَد يَكون كُل ما يَمتلِكَهُ الفَرَد أو مُعْظَمُهُ , فَماذا لَو سَرَقَ أحَدُهُم مِن بَيتِكَ مَبْلغ 100,000 دُولار , و أنفَقَها عَلى مَلّذاتُهُ فَهَل سَيكُون بِلحُكْم عَليِهِ بِثلاث أو بِخَمس سَنوات مُرضياً لِلمَسرُوق أو ناجِعاً لِلسارق .

          قال القاضي عياض في شَرْح مُسْلِم لِلنَووي : " صان الله تعالى الأموال بإيجاب القَطْع في السَرَقَة و لَم يَجْعَلُهُ في غَيرَها كالإخْتِلاس و الإنْتِهاب و الغَصْب لأن ما سَلَف أقْل مِن السَرِقَة مِن حَيثُ إمكانيَة الإسْترجاع لِسُهولَة إقامَة االبيِنَة عَليها بِخِلاف السَرِقَة التي يَنْدُر إقامَة البَينَة عَليها , هَذا -فَضلاً عَن كَونَها أوَل ما عَرِف الإنْسان مِن التَحَصُل عَلى المال بِغَير حَق كَما أسْلفتُ أعْلاه- , فَعَظُم أمرُها و إشْتَدَت عُقوبَتُها"

          أنواع السَرِقَة :

          نَوع يوجِب التَعزير : و هي التي لَم تَتوافَر فِيها شُروط إقامَة الحَد , و قَد قَضى رَسول الله صَلى الله عَليهِ و سَلَم بِمُضاعَفَة العَزْم عَلى مَن سَرَق ما لا قَطْع فيهِ

          فَفي الصُورَة الأولى : أسْقَط القَطْع عَن سارِق الثَمَر و الكثَر و حَكَم أن مَن أصاب شَيئاً مِنه بِفَمهُ و هو مُحتاج إليه فَلا شَئ عَليِهِ , و مَن خَرَج مِنهُ بِشئ فَعَليِه غَرامَة مِثْلَيِهِ و مَن سَرَق مِنهِ شَيئاً في جَرينَة فَعَليِهِ القَطَع إذا ما بَلَغَت بَلَغَت قِيمَة المَسروق النِصاب الذي يُقْطَع فيهِ " و هو مُتَغَيِر تِبعاً لِلحالَة الإقْتِصاديَة في الإقليم فَهُناك دِوَل يُعَد فيها ال1000 جِنيه مَبلَغ في دِول و هُناك أخرى لا يُساوي فيها هَذا المَبْلَغ كَثيراً "

          و في الصُورَة الثانِيَة : قَضى في الشاه التي تُؤخَذ مِن مَرتَعِها بِثَمانَها مُضاعَفاً و ضَرب نِكال و قَضى فيما يؤخَذ مِن عطنه بِالقَطْع إذا بَلَغ النِصاب الذي يُقطَع فيه سارِقُهُ .

          نَوع يُوجِب الحَد : و هي السَرِقَة المُستوفاة لِشُروط القَطَع , فالسَرِقَة هي أخْذ الشَئ خِفيَة , يُقال إسْتَرَقَ السَمْع أي سَمِع مُسْتَخفياً , و يُقال هو يُسارِق النَظَر إليِهِ.
          و في القاموس : المَجئ مُسْتَتِراً لأخْذ مال الغَير مِن حِرز .
          و قال إبْن عَرَفَة : السارِق عِنْد العَرَب هو مَن جاء مُسْتَتِراً إلى حِرز فأخَذ مِنه ما لَيس لَه .

          و عَليه تَنتَظِم السَرِقَة بأمور ثَلاثَة :

          1- أخْذ مال الغَير .

          2- أن يَكون هَذا الأخْذ عَلى جِهَة الإخْتِفاء و الإسْتِتار .

          3 أن يَكون هَذا المال مُحرِز
          اً .

          فَإذا لَم يَكُن المال مَملوكاً لِلغَير أو كان الأخْذ مُجاهَرَة أو غَير مُحْرَز فإن السَرِقَة المُوجِبَة لِحَد القَطْع لا تَتَحَقَق , و عَليه فالمُخْتَلِس و المُنتَهِب و الخائِن و غَير السارِق و يَستَحِق التَعزير و كَذا النَباش و جاحِد العاريَِة " عَلى خِلاف بَين الفُقهاء "

          الصِفات التي يَجِب إعتبارُها في السَرِقَة :

          1- التَكليف .

          2- الإختيار.

          3- ألا يَكون لِلسارِق في المال المَسروق شُبْهَة .


          الصِفات التي يَجِب إعْتِبارَها في المال المَسروق :

          1- أن يَكون مِما يُتَمَوَل بِهِ و يُمَلَكَ و يَحِل بَيعُهُ فلا قَطْع على سارِق الخَمْر و الخَنزير .

          2- أن يَبلُغ المال المَسروق نِصاباً لأنهُ لابُد و أن يَجْعَل ضابِطاً لإقامَة الحَد و لابُد و أن يَكون لَهُ قِيمَة يَلحَق الناس ضَرَر بِفَقدِها فإن مِن عادَتِهِم التَسامُح في الشَئ الحَقير مِن الأموال .


          و إذا سَقَط أي شَرْط مِما سَلَف سَقَطَ القَطْع و إن كان يَجب عَلى مُرْتَكِب الجُرم التَعزير و هَكذا في كُل الحُدود التي وَرَدَت عَلى سَبيل الحَصْر و شُروطِها و كَذا الحال في سائِر المَسائِل الفقهيَة , فَهُناك شُروط و حُقوق يُقابِلَها إلتِزامات .

          و أما المِثال الثانِي فَأقُولهُ و قَد كان سُؤالاً مِن العُضو الذِي أشرتُ إليه في صَدْر المَوضُوع و قَد سأل عَلى مُسْتَجدات الزَمَن مِن قوانِين لَم تَكُن عَلى صَدْر الإسْلام عِنْد نُزول الشَريعَة مِثْل تَراخِيص مُزاولَة مِهْنَة ما أو قَواعِد المُرور و كان رَدي عَليه بالآتي :

          أما مَسألَة تَرخيص مُمارَسَة مِهْنَة , الأصْل هو الحَلال و لَيس الحَرام فَكُل أمور الإنسان حَلال إلا ما حَرَم الله تَعالى , فَيُمِكن الإتِفاق بَين أبْناء مِهنَة مُعَينَة عَلى شئ فَيُقِرَه الشَرع طالما لَم يُخالِف أمراً لله أو يُحِل حَرام , بالإضافَة إلى أن رَسول الله صَلى الله عَليِه و سَلَم قال
          "من حمل علينا السلاح فليس منا . ومن غشنا فليس منا".

          و هَذا نَوعاً مِن الغِش فَلِماذا يُمارِس ما مُنِع مِنهُ بِقَرار أجْمَعَ عَليِهِ أصْحاب المِهْنَة أو لا يَسْتَخْرِج تَصريحاً أو تَرْخِيص إجْتَمَع مُمارِسو المِهْنَة عَلى حَتميَة وُجودِهِ لِمُمارَسَة تِلكَ المِهْنَة .

          و أما بِالنِسْبَة لَقوانين المُرور فَهُو مِن الأمُور المَحمُودة التي تَنْفَع الناس و تَرْفَع الضَرَر عَنهُم " القاعِدَة الثالِثَة مِن قَواعِد الفِقه التي ذُكرت سابِقاً " فَحَريّ بأولي الأمْر أن يَعْمَلوا عَلى راحَة شَُعوبِهِم طالَما لَم يُخالِف أمراً أو يُحِل حَراماً , هَذا مِن ناحيَة و مِن ناحِيَة أخرى , تَنظيم المُرور يَقْع تَحت طائِلَة إماطَة الأذى مِن الطََرِيق و هو واجِِب شََرعِي .

          "الإيمان بضع وسبعون شعبة ، أعلاها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق"

          فَعلى القياس تَنظيم المُرور هو إماطَة أذى مِن الطَريق .

          الأصْل : تَهذيب الطَريق .

          الفَرْع : رَفْع أي أذى .

          حُكم الأصْل : الإيجاب .

          العِلَة : "وَصف ظاهِر مُنضَبِط بُني عَليهِ الحُكْم" و هو التَيسير عَلى عِباد الله و إبعاد ما يُضايِقَُهُم في الطُرقات

          و فِي العُموم الشَريعَة الإسْلاميَة مَرِنَة جِداً في تَطبيقاتِها تَصْلح دُستوراً لأي مَكان و زمان , و لا يُكَلِف الله نَفساً إلا وِسْعَها .

          أسأل الله تَعالى أني قَد أكُون مُصيباً فِيما قُلَتهُ و ما قُلتَهُ مِن رأيٍ - بِخِلاف أقُول العُلماء المُجْمَع عَليها , فَهذه لَستُ سِوى ناقِلاً لَها - كالعادَة أقُول يَحّتَمِل الصَواب و يَحّتَمِل الخَطأ لِيُصَوَب .....

          و سَلاماً عَلى المُرْسَلين و الحَمْد لله رَب العالَمين .
          مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ. كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ

          تعليق


          • #6
            رد: مَصادِر التََشْرِيع و صَلاحيَة الإسْلام لِكُل زَمان إخْتِصاراً .

            للرفــــع ..
            سيظل منتدى حراس العقيدة بعون الله وفضله نبراساً للعلم والإيمان والصحبة الصالحة ..
            بارك الله فيكم وأحسن إليكم جميعاً ..

            تعليق

            مواضيع ذات صلة

            تقليص

            المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
            ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 9 أغس, 2023, 11:28 م
            ردود 0
            26 مشاهدات
            0 معجبون
            آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
            ابتدأ بواسطة عادل خراط, 17 أكت, 2022, 01:16 م
            ردود 112
            164 مشاهدات
            0 معجبون
            آخر مشاركة عادل خراط
            بواسطة عادل خراط
             
            ابتدأ بواسطة اسلام الكبابى, 30 يون, 2022, 04:29 م
            ردود 3
            35 مشاهدات
            0 معجبون
            آخر مشاركة عاشق طيبة
            بواسطة عاشق طيبة
             
            ابتدأ بواسطة عادل خراط, 28 أكت, 2021, 02:21 م
            ردود 0
            120 مشاهدات
            0 معجبون
            آخر مشاركة عادل خراط
            بواسطة عادل خراط
             
            ابتدأ بواسطة عادل خراط, 6 أكت, 2021, 01:31 م
            ردود 3
            64 مشاهدات
            0 معجبون
            آخر مشاركة عادل خراط
            بواسطة عادل خراط
             
            يعمل...
            X